هذا أمين في كل ما اؤتمن عليه، يراقب نفسه في السر والعلانية، والرخاء والشدة، يرى الأرض وما عليها أهون من أن يخون ليملكها ويدنس نفسه ليحوزها.
وذاك لا يؤتمن إلا خان، ولا يتمكن إلا سرق، لا رقيب عليه إلا القانون والسجن، فإن أمنهما لم يأمنه أحد. ويرى كل هين من عرض الدنيا أعز من نفسه، وأغلى من قيمته، يبذل كرامته ليناله، ويبيع نفسه ليشتريه، صدق الله العظيم:
لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم * ثم رددناه أسفل سافلين .
السبت 26 ذي القعدة/9 سبتمبر
أين الوجوه؟
روي أن إمبراطور الألمان غليوم قال - وقد رأى الألمان صغيرهم وكبيرهم يضعون على عيونهم المناظر: إن وضع الألمان جميعا على عيونهم مناظر فمن منا يرى العالم على حقيقته؟!
وقد رأينا نساءنا يلونون الخدود والشفاه والعيون والحواجب بألوان لا تفارقها، ولا تفصل عنها حتى تجدد، فقلت: من يرى إذن وجه المرأة على حقيقته؟ أين وجوه النساء؟ إن الإنسان في هذه البيئة وأمثالها لا يرى وجه المرأة على طبيعته ولن يراه، فسيحرم معرفة الحقيقة وإبصار الطبيعة، كما يحرم جمالها، ووحيها وإلهامها.
إن معيشتنا غلبت عليها الصناعة، فأزياؤنا وأثاثنا وأدواتنا وأطعمتنا تتجلى فيها الصناعة والتقليد أكثر من الطبيعة والابتكار. ولكن شرا من هذا أن تطغى الصناعة على قسمات الوجوه وملامحها وأساريرها فتنكرها. ولست أعرض هنا للحسن والقبح؛ الحسن الذي فقدته النساء بهذا التصنع، والقبح الذي اكتسبته واكتسينه بتحريف الفطرة. ولا أعرض لما في هذا من إضرار بالصحة، وإضاعة للمال، وتضييع للوقت، وذهاب بالطمأنينة، وضجر بهذا الشغل الشاغل الذي تعمل فيه أيدي النساء صباح مساء وتتحمله وجوههن بكرة وعشيا. ولكن أقصر قولي على الفطرة والصنعة، واليسر والعسر، والطبع والتكلف، وحجب الطبيعة الجميلة عن أعين الناس أبدا وحرمان ما توحيه إلى الرائي من جمال وجلال، وإكبار وإعجاب. إنا ننظر فنرى حجبا لا وجوها، وتبرقعا لا سفورا، وتنكيرا لا تعريفا، فنقول: أين الوجوه؟ «شاهت الوجوه!»
الأحد 27 ذي القعدة/10 سبتمبر
النار وصورتها في الماء
Unknown page