فلما سمعت قوله استغربت ذلك الانتقال لعلمها أن النهر المذكور هو آخر حدود أكيتانيا، والبلاد التي وراءه تحت سلطة شارل دوق أوستراسيا وهي تعلم أيضا أن بين أود وشارل منافسة ومزاحمة على النفوذ، وربما كان شارل أكثر حرصا على صد أود عن بلاده من حرص العرب على فتح أكيتانيا فقالت: «هل أنت على يقين من ذهابهم إلى تورس؟»
قال رودريك: «نعم يا مولاتي وقد سمعت الأوامر الصادرة لنا بالذهاب.»
قالت سالمة: «ألا تعلم بما بين الدوق أود ودوق أوستراسيا من المنافسة؟»
قال: «بلى ومن يجهل ذلك؟»
قالت: «فما الذي يفعله الدوق أود في تورس إذن؟ ألا يخاف عدوه شارل؟»
فلما سمع رودريك سؤالها، تلفت نحو الباب كأنه يحاذر أن يراه أحد، ثم نظر إلى سالمة وهو يقول بصوت خفيض: «إن لذلك سرا لم يطلع عليه إلا نفر قليل من هذا الجند، وأخشى إن بحت به أن يلحقني أذى.»
فتوسمت في وجه الغلام خبرا مهما، فتاقت نفسها لسماعه فشجعته، وقالت: «ما الذي تخشاه من أسيرة سجينة، ربما لا يهمها من أمر هذا الخبر شيء، ولكنني أحببت الاطلاع على هذا السر لغرابته وقد شجعني على هذا السؤال ما شاهدته من مؤانستك ولطفك في هذه المدة، ومع ذلك فإني لا أظنك أحرص على مصلحة هذا الجند مني؛ لأنك على ما يظهر لي لست منهم.»
فلما قالت سالمة ذلك بدت البغتة على وجه رودريك وقد تحولت سحنته إلى غير ما كانت عليه فتنهد وقال: «لقد أدهشتني فراستك في؛ لأنك اطلعت في أيام على ما لم يستطع كشفه أحد من أهل هذا المعسكر في أعوام.»
فاستبشرت سالمة بذلك التلميح وقالت: «يظهر لي أني قد أصبت الفراسة فكلانا إذن يرمي إلى غرض واحد، فأخبرني عما حمل أود على الذهاب إلى تورس ولا تخف، وأرجو أن يكون لك من وراء ذلك خير.»
فقال: «أما السبب في هذا الانتقال فهو أن العرب حاربونا ونحن قرب بوردو فغلبونا، وقد بلغنا الآن أنهم قادمون إلى هنا.»
Unknown page