فقال أحدهم: «نشكو إليك ظلم الأمير بسطام، فإنه أوصى رجاله فاستأثروا بالغنائم، وأخذوا من أنصبة رجالنا فأضافوها إلى أنصبتهم ولم يسمع هو لصراخنا.»
فازداد هانئ غيظا من بسطام، وصاح: «أين بسطام؟ أين هو؟»
ولم يتم كلامه حتى خرج إليه بسطام وهو يمشي الهوينا، ويترنح ترنح السكران فلما رآه هانئ لم يتمالك أن صاح فيه: «ما هذه الجرأة على اغتصاب أموال المسلمين؟ قد أمنك الأمير على الغنائم فاستأثرت بها وسطوت على حقوق المسلمين لقد صدق القائلون إنك لست مسلما.»
فقهقه بسطام وهو يمسح لحيته من بقايا طعام تساقط عليها كأنه كان على المائدة، وقال: «مالك وللغنائم ألم تشغلك تلك النصرانية عنها؟ دع الحرب واذهب إلى الخباء فإنك أولى بمعاشرة النساء ولكنك ستذوق عاقبة غيك قريبا.» قال ذلك وهو يضحك كأنه قد ضمن فوزه.
فحمي غضب هانئ من تلك العبارة حتى غاب عن رشده، فاستل حسامه وساق جواده نحوه وأطلق الحسام وهو يتعمد قطع رأسه، فخلا بسطام من الضربة فهوى هانئ حتى كاد يقع عن جواده فازداد حنقا وحول الشكيمة نحوه، وانقض عليه انقضاض الصاعقة، فتوسط بعض الرجال بينهما وهانئ لا يبالي بهم، ولم يعد يصبر عن قتل بسطام ففر بسطام إلى إحدى الخيام واختبأ فيها، فهم هانئ أن يترجل ويتبعه فأحاط بعض الرجال بجواد هانئ وتوسلوا إليه أن يغمد سيفه حبا للإسلام والمسلمين، فرجع هانئ إلى رشده ووقف وهو يرتجف من شدة الغضب، كأن ذكر الإسلام خفف من غضبه وسكن من روعه، وخاصة حينما تصور ما قد ينجم عن قتل بسطام من الخصام بين فرق الجند، فامسك نفسه وتجلد واكتفى بفرار بسطام وعاد إلى الأمر الذي جاء من أجله، فعمد إلى البحث عن مريم هناك فجعل ينظر في الخيول الواقفة حول الخيام فلم ير بينها جوادا أدهم ولا رأى هناك نساء، فسأل بعض الوقوف ممن يثق بهم من رجاله عمن في الخيام، فقالوا له: «ليس فيها غير الغنائم.»
فخلا بنفر يعرفهم، وسألهم: «هل مر بكم ركب على أفراس ومعهم نساء؟» فقالوا: «كلا إننا هنا منذ الأمس، ولم نر أحدا.»
فوقف في حيرة، وقد عادت إليه هواجسه عن مريم وذهابها، والتفت إلى ما يحيط به من السهل وأكثره عار من الأشجار إلا بعض التلال، عليها الدالية من الكرم وبعض أغراس الزيتون فلم ير أشباحا، فتحير في أمره وحدثته نفسه أن يعود إلى دردون لعلهم ذهبوا بمريم إلى هناك.
وكانت الشمس قد مالت عن الهاجرة والجواد قد أنهكه التعب فخشي إذا بالغ في سوقه وهو في تلك الحال أن يعجز عن مواصلة السير، وهو إذا لم يستحثه لا يصل إلى المعسكر قبل العشاء على أنه لم يجد بدا من مراعاة حال الجواد، فحول شكيمته وتوجه نحو دردون.
الفصل السابع والعشرون
المنزل الخالي
Unknown page