أشخاص الرواية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
أشخاص الرواية
الفصل الأول
الفصل الثاني
الفصل الثالث
الفصل الرابع
الشاردة
الشاردة
تأليف
جون جالسورذي
ترجمة
إبراهيم عبد القادر المازني
أشخاص الرواية
جورج ديدموند
كلير
الجنرال السير شارلس ديدموند
اللايدي ديدموند
رجنالد هنتنجدون
إدورد فولرتون
المسز فولرتون
بينتر
بيرني
تويسدن
هيوود
ماليس
المسز ميلر
بواب
غلام
شاب
أرنو
المستر فارلي
لورد وصاحبه
رجل أشقر
سيدتان
الفصل الأول
(المنظر هو غرفة جلوس جميلة في أحد الأدوار، ويوجد بها بابان: أحدهما يفتح على الصالة، والآخر مغلق، ومسدل عليه الستائر، وثم نافذة كبيرة لم تنح عنها الستائر، ومنها يرى الإنسان أبراج وستمنستر سوداء، وشمس الصيف تدلف إلى المغيب، وهناك بيانو كبير في أحد الأركان، ويرى الخادم (بينتر) وهو رزين حليق الذقن والشاربين يعد منضدتين للعبة البردج.
تدخل من الباب المسدلة عليه الستائر (بيرني) الخادمة، وهي فتاة من ذوات الوجوه المزدهرة التي لا ترى إلا في إنجلترا! وتترك الباب مفتوحا، ومنه يلمح الإنسان الحائط الأبيض، بينتر يرفع عينيه إليها، فتهز رأسها هزة تشعر بالإعراب عن القلق.)
بينتر :
أين ذهبت؟
بيرني :
أظنها تتمشى.
بينتر :
إنها هي وسيدي لا يتفقان، وما أظن بها إلا أنها ستفر في يوم من الأيام، سترين، إني معجب بها؛ فإنها سيدة، يا لهؤلاء السادات! إنها جلودهم أبدا وأفواههم، يظلون ماضين حتى يقعوا من فرط الإعياء إذا راقهم ما هم فيه، أما إذا لم يرقهم الأمر فلا شيء إذن إلا القلق والتململ، كيف كانت حياتها هناك قبل أن تتزوجه؟!
بيرني :
أوه، هادئة بالطبع!
بينتر :
البيوت الريفية، إني أعرفها، وكيف أبوها القسيس؟
بيرني :
أوه، شيخ رزين جدا، وقد ماتت أمها قبل أن أشتغل عندهم بزمان طويل.
بينتر :
أظنهم لا يملكون فلسا.
بيرني (تهز رأسها) :
كلا، وسبعة أبناء.
بينتر (يسمع صوت باب الصالة) :
جاء السيد. (تخرج بيرني من الباب ذي الستائر)، (يدخل جورج ديدموند من باب الصالة وهو في ثياب المساء وقبعة الأوبرا والمعطف، ووجهه عريض وسيم حليق لماع الجلد، ولكن له شوارب أنيقة ، وعيناه صغيرتان صافيتان زرقاوان وليس فيهما تفكير، وشعره مسوى.)
جورج (يعطي الخادم معطفه وقبعته) :
اسمع يا بينتر، تذكر دائما أن تضع صدارا أسود كلما أرسلت من النادي أطلب ثياب السهرة.
بينتر :
لقد استشرت سيدتي يا سيدي.
جورج :
أعني في المستقبل، فاهم؟
بينتر :
نعم يا سيدي (ثم مشيرا إلى النافذة)
هل أترك شمس الغروب داخلة يا سيدي؟ (ولكن جورج يكون قد ذهب إلى الباب ذي الستار، ثم يفتحه وينادي (كلير)، فلا يتلقى ردا، فيدخل فيضيء بينتر النور، وتظهر على محياه المتجه إلى الباب ذي الستائر علائم القلق.)
جورج (داخلا) :
أين المسز ديدموند؟
بينتر :
لا أكاد أعرف يا سيدي.
جورج :
هل تعشت هنا؟
بينتر :
الساعة السابعة، ولكنها لم تكد تصيب شيئا يا سيدي.
جورج :
هل خرجت بعد ذلك؟
بينتر :
نعم يا سيدي، أعني نعم إن سيدتي لم تكن لابسة ثياب الخروج، وأظن أنها كانت تريد استنشاق الهواء يا سيدي.
جورج :
ومتى قالت أمي إنهم سيحضرون للعبة البردج؟
بينتر :
إن السير شارلس واللادي ديدموند سيحضران في منتصف الساعة العاشرة، والكبتن هنتنجدون أيضا، وقد يتأخر المستر والمسز فولرتون قليلا يا سيدي.
جورج :
لقد أزف الوقت، ألم تقل سيدتك شيئا؟
بينتر :
لم تقل لي أنا شيئا يا سيدي.
جورج :
ادع بيرني إلي.
بينتر :
سمعا وطاعة يا سيدي (يخرج) . (جورج ينظر إلى منضدتي اللعب باكتئاب، تدخل بيرني من الصالة.)
جورج :
هل قالت سيدتك شيئا قبل أن تخرج؟
بيرني :
نعم يا سيدي.
جورج :
ماذا؟
بيرني :
لا أظنها كانت تعني ما قالت يا سيدي.
جورج :
لست أريد أن أعرف ما لا تظنين، إنما أريد الواقع.
بيرني :
نعم يا سيدي، قالت سيدتي أرجو أن تكون ليلة ممتعة يا بيرني.
جورج :
آوه! شكرا.
بيرني :
لقد أخرجت ثياب سيدتي يا سيدي.
جورج :
آه!
بيرني :
شكرا يا سيدي (تخرج) .
جورج :
اللعنة. (يمضي مرة أخرى إلى الباب ذي الستائر ويخرج منه، يدخل بينتر من الصالة معلنا حضور الجنرال السير شارلس واللادي ديدموند، والسير شارلس رجل معتدل القامة، نظيف الهندام، أشيب الشاربين، أحمر الوجه ، في السابعة والستين من عمره، وعينه ترى بيوت النمل وتعمى عن الجبال، أما اللادي ديدموند فذات وجه نحيف تبدو فيه أمارات الحزم والبت والمقدرة، ولكن مع رقة القلب، وقد لوحها الجو قليلا كأنها واجهت مواقف عديدة في رقع مختلفة من الأرض، وهي في الخامسة والخمسين. يخرج بينتر.)
السير شارلس :
هالوا، أين هم؟ (يدخل جورج.)
اللادي ديدموند (وهي تقبل ابنها) :
ماذا يا جورج؟ أين كلير؟
جورج :
تأخرت مع الأسف.
اللادي ديدموند :
هل جئنا قبل الموعد؟
جورج :
الحقيقة أنها ليست هنا.
اللادي ديدموند :
أوه!
السير شارلس :
إحم، لعله لم يحدث شجار عنيف؟
جورج :
لا (ثم بانفعال لأول مرة)
إن الذي لا أطيقه هو إيقافي موقفا سخيفا أمام الغير، الاحتكاك العادي يمكن أن يحتمله المرء، أما ذاك ...
السير شارلس :
هل خرجت عمدا؟ هيه؟
جورج :
لقد قلت لها صباح اليوم أنكما ستحضران للعبة البردج، ويظهر أنها دعت ذلك الرجل (ماليس) للموسيقى.
اللادي ديدموند :
من غير أن تخبرك؟
جورج :
أظنها أخبرتني.
اللادي ديدموند :
ولكن يجب ...
جورج :
لست أريد المناقشة في الأمر، لا يوجد شيء أبدا على وجه التخصيص، إننا جميعا نسير كما يتفق كما تعلمان.
اللادي ديدموند (تنظر نظرة فاحصة إلى ابنها) :
يا بني، أظن أن الواجب الحذر من ناحية هذا الرجل.
السير شارلس :
من هو؟
اللادي ديدموند :
المستر ماليس.
السير شارلس :
أوه! ذلك الرجل.
جورج :
كلير ليست من هذا الطراز.
اللادي ديدموند :
أعرف ذلك، ولكنها تعدى بالآراء بسهولة، وأعتقد أنه من سوء الحظ أن صادفت هذا الرجل.
السير شارلس :
أين التقطته؟
جورج :
في إيطاليا، في هذا الربيع، في مكان لا يتكلمون فيه الإنجليزية.
السير شارلس :
أم، هذا أسوأ ما في السياحة.
اللادي ديدموند :
أظنه كان ينبغي أن تقاطعه؛ هؤلاء الأدباء ... (ثم بهدوء)
إن الخطوة من تبادل الآراء إلى غير ذلك ليست طويلة يا جورج.
السير شارلس :
سنجعله يلاعبنا البردج، وفي هذا خير له إذا كان من ذلك الطراز.
اللادي ديدموند :
أليس أحد آخر آتيا؟
جورج :
ريجي هنتنجدون وأسرة فولرتون.
اللادي ديدموند (برقة) :
إنك تعلم يا بني العزيز أن في نيتي أن أكلمك من زمان طويل، إن مما يؤسف له أنك أنت وكلير ... ما هو المشكل؟
جورج :
الله وحده يعلم، إني أجتهد وهي أيضا تفعل ذلك في اعتقادي.
السير شارلس :
إن الأمر محزن لنا كما تعلم يا بني، محزن.
اللادي ديدموند :
أعلم أن هذه النبوة موجودة من زمان طويل.
جورج :
أوه! دعي هذا يا أمي.
اللادي ديدموند :
ولكن يا جورج، إني أعتقد أن هذا الرجل قد أوصل الأمر إلى النقطة الحاسمة، أدخل في رأسها آراء ...
جورج :
لا يمكن أن تكرهيه أكثر مما أكرهه ولكنه لا يوجد شيء آخر يمكن الاعتراف عليه.
اللادي ديدموند :
أيستطيع ريجي هنتنجدون أن يصنع شيئا ما دام هنا؟ إن الأخوات أحيانا ...
جورج :
لا أطيق أن أرى شئوني في متناول الأيدي.
اللادي ديدموند :
على كل حال يحسن أن يكون المفروض الآن أنك أنت وكلير خارج البيت معا، هذا خير من أن يعرف أنها خرجت وحدها، فاذهب في سكون إلى حجرة المائدة، وانتظرها هناك.
السير شارلس :
حسن، إن أمك ماهرة في معالجة الأمور. (يسمع الجرس.)
اللادي ديدموند :
قد يكون هذا، أسرع. (جورج يخرج إلى الصالة ويترك الباب مفتوحا من فرط استعجاله، تتبعه اللادي ديدموند وتنادي (بينتر) فيدخل.)
اللادي ديدموند :
لا تقل شيئا عن كون سيديك في الخارج وسأتكفل أنا بالإفصاح.
بينتر :
سيدي؟
اللادي ديدموند :
نعم، ولكن ليس من الضروري أن تقول كذلك، أتفهم؟
بينتر (باشمئزاز ولكن بأدب) :
تماما يا سيدتي (يخرج) .
السير شارلس :
أقسم أن هذا الفتى يعلم أن هناك شيئا.
اللادي ديدموند :
كن حذرا يا شارلس.
السير شارلس :
طبعا.
اللادي ديدموند :
سأقتصر على القول بأنهما تعشيا في الخارج، وأننا لن ننتظرهما في لعبة البردج.
السير شارلس (مصغيا) :
إنه يحادث ذلك الرجل. (بينتر يعود معلنا (الكبتن هنتنجدون)، السير شارلس واللادي ديدموند يلتفتان إليه وقد تنفسا الصعداء.)
اللادي ديدموند :
آه! إنه أنت يا رجنالد.
هنتنجدون (وهو ضابط طويل، وسط، في الثلاثين من عمره) :
كيف حالك؟
اللادي ديدموند :
كيف أنت يا سيدي؟ ماذا أصاب هذا الرجل؟
السير شارلس :
ماذا؟
هنتنجدون :
كنت داخلا إلى غرفة المائدة لأرمي السيجار فقال لي: «لا تدخل هنا يا سيدي؛ إن سيدي في الغرفة ولكن تعليماتي أن أقول: إنه ليس هنا.»
السير شارلس :
لقد كنت أعلم أن هذا الرجل ...
الليدي ديدموند :
الواقع يا رجنالد أن كلير في الخارج وأن جورج في انتظارها، ومن المهم جدا أن لا يعرف الناس ...
هنتنجدون :
طبيعي. (يتدانون كما يفعل الناس عادة للكلام في مصائب أعضاء أسرتهم.)
الليدي ديدموند :
إن المسألة تدخل في دور الخطورة يا رجنالد، ولا أدري ماذا سيكون مصيرهما؟ فهل تظن أن القسيس، أن والدك يمكن أن يكلم كلير؟
هنتنجدون :
أظن أن والدي ليس في حالة صحية تسمح بذلك، ثم إنه يحزن جدا لمثل هذه الحوادث وخصوصا فيما يتعلق بكلير.
السير شارلس :
ألا تستطيع أنت أن تقول لها كلمة؟
هنتنجدون :
لست أعرف أين موضوع الداء.
السير شارلس :
إني واثق أن جورج لا يخب بها في طريق الحياة؛ فإنه فتى متزن الخطى جدا.
هنتنجدون :
نعم، إن جورج لا عيب فيه.
الليدي ديدموند :
كان يجب أن يكون لهما أطفال.
هنتنجدون :
أظنهما الآن يحمدان الله على أن ليس لهما أولاد، والحقيقة أني لا أعرف ماذا يقول يا سيدي؟
السير شارلس :
لا تؤاخذها يا رجنالد، ولكني لاحظت مرارا أن بنات القسس يكن شاذات، وأظن أنهن يزدردن أكثر ما يلزم من الأخلاق وحلوى الأرز.
الليدي ديدموند (بنظرة صريحة) :
شارلس.
السير شارلس :
كيف كانت كلير وأنتما صغيران؟
هنتنجدون :
أوه! عادية، وطبعا كانت تشذ أحيانا إذا ما ركبها عفريتها.
السير شارلس :
إني أحبها ولا أظنها محرومة شيئا مما تبتغي.
هنتنجدون :
لم أسمعها قط تزعم ذلك.
السير شارلس (بسرور) :
لا أدري ولكن ربما كان جورج عاديا أكثر مما يجب. هيه؟ (صمت قصير.)
الليدي ديدموند :
سيحضر الليلة رجل اسمه المستر ماليس وقد نسيت هل تعرفه أو لا تعرفه؟
هنتنجدون :
نعم، مخلوق هجين.
الليدي ديدموند :
إنه يشتغل بالأدب. (بتردد)
هل تظن أنه يدخل في رأسها آراء شاذة؟
هنتنجدون :
لقد سألت عنه جريمان الروائي، ويظهر أن فيه شذوذا حتى في رأي أنداده، ولا أستطيع أن أفهم أن تكون كلير ...
الليدي ديدموند :
كلا، إنما المهم أن لا يشجعها شيء، اسمع إنها هي آتية؛ فإني أسمع أصواتهما، لقد ذهبت إلى غرفتها، فالحمد لله على أن ذلك الرجل ليس هنا. (يدق جرس الباب)
أظنه هو.
السير شارلس :
ماذا نقول؟
هنتنجدون :
نقول إنهما يتعشيان في الخارج، وإننا لن ننتظرهما للعبة البردج.
السير شارلس :
حسن. (يفتح الباب ويعلن بينتر: المستر كنت ماليس. يدخل ماليس وهو رجل طويل في الخامسة والثلاثين من عمره، ووجهه حاسم المعارف غير منتظمها، وعليه أمارات التهكم؛ وعيناه كأن في إنسانيهما إبرا، وشعره الكثيف غير مسوى، وثيابه ليست جديدة جدا.)
الليدي ديدموند :
كيف حالك؟ إن ابني وزوجته آسفان جدا وسيحضران حالا. (وينحني ماليس بابتسامة غريبة.)
السير شارلس (يصافحه) :
كيف حالك يا سيدي؟
هنتنجدون :
لقد تقابلنا فيما أظن. (ينظر إلى ماليس تلك النظرة الباسمة التي كأنها تحذر من تلقى عليه، تلمع عينا ماليس.)
الليدي ديدموند :
إن كلير لا شك ستتأثر جدا ولكنك تعرف أن دعوة من تلك الدعوات التي ...
ماليس :
عفوا الساعة.
السير شارلس :
هل تلعب البردج يا سيدي؟
ماليس :
آسف.
السير شارلس :
لا أظنك جادا؛ إذن نحن مضطرون أن ننتظرهما.
الليدي ديدموند :
لقد نسيت، ألست كاتبا يا مستر ماليس؟
ماليس :
هذا ضعفي.
الليدي ديدموند :
إنها مهنة بديعة.
السير شارلس :
لا تقيدك بشيء. هيه؟
ماليس :
تقيدك من رأسك فقط.
السير شارلس :
إني دائما أفكر في كتابة تجاربي.
ماليس :
صحيح!! (يسمع صوت باب يدفع.)
السير شارلس (بسرعة) :
أتدخن يا مستر ماليس؟
ماليس :
كثيرا جدا.
السير شارلس :
آه! لا بد من التدخين حين تفكرين كثيرا.
ماليس :
أو لا بد من التفكير حين تدخن كثيرا.
السير شارلس (متبسطا) :
لا أعرف أني جربت هذا! (يفتح الباب. تدخل من الصالة كلير ووراءها جورج، ووجهها ممتقع قليلا، وهي متوسطة القامة، جميلة القد، وشعرها متموج، وشفتاها ممتلئتان وعليهما ابتسامة، وعيناها واسعتان كعيون الوسطاء في التنويم المغناطيسي، وهي حساسة الأعصاب جدا متوترتها، ولكنها تخفي ذلك بصوتها وحركاتها.)
الليدي ديدموند :
هذا أنت يا عزيزي.
السير شارلس :
آه جورج، هل كان عشاؤنا شهيا؟
جورج (يصافح ماليس) :
كيف أنت؟ كلير، هذا هو المستر ماليس.
كلير (مبتسمة وبصوت واضح ولغة خفيفة جدا) :
نعم، لقد التقينا على عتبة الباب. (صمت.)
السير شارلس :
ويحك! (صمت محرج.)
الليدي ديدموند (بجمود) :
المستر ماليس لا يلعب البردج على ما يظهر، وأظن أن اللعب هذا يفسد الموسيقى.
السير شارلس :
ماذا؟ أتريدون ألا نلعب ولو دورا؟ (يدخل بينتر وعلى كفه صحفة.)
جورج :
بينتر، أنقل هذه المنضدة إلى غرفة المائدة.
بينتر (يضع صحفة على منضدة وراء الباب) :
سمعا يا سيدي وطاعة.
ماليس :
دعني أساعدك. (بينتر وماليس يحملان منضدة ويخرجان بها. جورج يتظاهر بالرغبة في الحلول محل ماليس.)
السير شارلس :
إن منظر المغيب بديع. (كلير تضحك ضحكا رقيقا. ينظرون إليها جميعا باستغراب في أول الأمر، ثم باستهجان. جورج يهم بأن يدنو منها ولكن هنتنجدون يسبقه إليها.)
هنتنجدون :
هات هذه الصحفة. (جورج يتناول الصحفة، يقف لينظر إلى كلير ثم يترك هنتنجدون يخرج به.)
الليدي ديدموند (بدون أن تنظر إلى كلير) :
إذا كنت ستلعب يا شارلس. (تشده من كمه.)
السير شارلس :
ماذا؟ (يخرج.)
الليدي ديدموند (وقد التقت بماليس عند الباب) :
الآن تستطيع أن تتمتع بالموسيقى. (تخرج وراء زوجها.) (كلير تقف ساكنة تماما وعينها مغمضة.)
ماليس :
لذيذ.
كلير (بصوتها المتزن القصير النبرات) :
هذه وقاحة مني وأنا آسفة، ولكني لا يسعني أحيانا إلا أن أرخي لنفسي العنان وأجمح.
ماليس :
لا تأسفي أو تعتذري قط من أجل أن روحك في نشوة، إنها شيء نادر جدا.
كلير :
على عتبة الباب! وقد أعدوا عدتهم لستري بطريقة بديعة، مساكين! لا أدري هل ينبغي؟ (تنظر إلى الباب.)
ماليس :
لا تفسدي الأمر.
كلير :
لقد جعلت أتمشى جيئة وذهابا على النهر نحو ثلاث ساعات، إن الإنسان يجمح أحيانا.
ماليس :
اشكري الله على هذا.
كلير :
لا يلبث الأمر أن يسوء بعد ذلك، ولكنهم يستهولون هذا مني.
ماليس (برقة وفجأة ولكن مع معاناة شيء من الصعوبة في اختيار الألفاظ الموافقة) :
بارك الله في ذوي الاحترام والاحتشام! وإني لأدعو لهم أن يحلموا بي! وبارك الله في كل رجال الدنيا، وعسى أن يموتوا جميعا بتخمة الاحترام.
كلير :
هذا يعجبني، ولكن يا للعراك الذي سيحدث! (تهز كتفها هزة خفيفة)
ثم يتلو ذلك الصلح المألوف.
ماليس :
يا مسز ديدموند، إنه خارج عالمك دنيا أخرى كاملة، فلماذا لا تنشرين جناحيك وتطيرين إليها؟
كلير :
إن أبي العزيز قديس وقد كبر وضعف، لي أخت مخطوبة وثلاث أخوات صغيرات يطلب مني أن أكون قدوة حسنة لهن، ثم إنه لا مال لي، لا أستطيع أن أصنع شيئا أكسب به رزقي إلا إذا اشتغلت في حانوت، وعلى أني لن أكون حينئذ حرة، فما الفائدة إذن؟ ثم إنه لم يكن ينبغي أن أتزوج ما دمت لن أكون سعيدة، زد على ذلك أنه لا يسيء فهمي أبدا، ولا يسيء معاملتي، إنما الأمر.
ماليس :
سجن، اصدعي القيود وتحرري.
كلير (متجهة إلى النافذة) :
هل رأيت المغيب وهذه السحابة التي تحاول أن تسبح صاعدة؟ (تبسط ذراعيها الناصعتين بمثل حركة الطيران.)
ماليس (معجبا بها) :
آه! (تخفض ذراعيها فجأة)
اعزفي لي دورا.
كلير (ذاهبة إلى البيانو) :
إني مدينة لك بأعمق الشكر؛ أنت لا تجعلني أحس أني امرأة جذابة فقط، لقد كنت أطلب رجلا من هذا الطراز. (تضع أصابعها على البيانو)
على كل يسرني أني لست دميمة.
ماليس :
اشكري الله على جمالك.
بينتير (فاتحا الباب) :
المستر والمسز فولرتون.
ماليس :
من هما؟
كلير (ناهضة) :
إنها تربي الأثيرة، أما زوجها فكان ضابطا في البحرية. (تتقدم والمسز فولرتون طويلة، وشعرها عميق اللون، وعينها سريعة، أما زوجها فبحري حليق نظيف حسن المظهر، وقد ترك العمل في البحرية ولكنه لا يزال حساسا.)
المسز فولرتون (تقبل كلير وتلمح نظرتي كل من زوجها وماليس إلى كلير) :
لقد جئنا مسافة دقيقة فقط.
كلير :
إنهم يلعبون البردج في غرفة الطعام ولكن المستر ماليس لا يلعب. أقدم لكما المستر ماليس، مسز فولرتون، مستر فولرتون. (يحيي بعضهم بعضا.)
فولرتون :
هذه حلة بديعة جدا يا مسز ديدموند.
المسز فولرتون :
نعم ظريفة جدا يا كلير (فولرتون يخفض نظره)
ولكنا لا نستطيع أن نمكث لنلعب البردج. إنما أردت أن أراك لحظة (ترى هنتنجدون مقبلا، فتقول همسا لزوجها)
إدوارد، إني أريد أن أكلم كلير - كيف حالك يا كبتن هنتنجدون؟
ماليس :
سأنصرف، فأسعد الله مساءكم. (يصافح كلير، وينحني للمسز فولرتون ويخرج. يقف هنتنجدون وفولرتون في مدخل الباب.)
المسز فولرتون :
كيف الحال يا كلير؟ (كلير تهز كتفيها قليلا)
هل فعلت ما اقترحته عليك؟ غرفتك؟
كلير :
كلا.
المسز فولرتون :
لماذا لم تفعلي؟
كلير :
لا أريد أن أعذبه، وإذا كان لا بد من عمل شيء؛ فإني سأجلو جلاء تاما، وأظن أني سأفعل.
المسز فولرتون :
يا عزيزتي ستقف الدنيا كلها ضدك.
كلير :
أنت حتى لن تؤيديني؟
المسز فولرتون :
بالطبع سأؤيدك بكل ما في وسعي، ولكن لا أستطيع أن أخترع شيئا.
كلير :
ألا تدعينني أجيء إليك قليلا حتى أجد قدمي؟ (المسز فولرتون تفاجأ فلا يسعها إلا أن تنظر إلى ناحية المستر فولرتون الذي يحدق في وجه كلير وهو يحادث أخاها.)
المسز فولرتون :
بالطبع، والمسألة الوحيدة هي ...
كلير (بابتسام خفيف) :
حسن جدا يا دولي. لن أجيء.
المسز فولرتون :
لا تقدمي على شيء فيه مجازفة، فإنك شديدة المجازفة أحيانا، وينبغي أن تتفاهمي لا أن تتركي آثارا.
كلير :
أساوم؟ (تهز رأسها)
أتفاهم على أي شيء؟ إن الذي لا يزال يطلبه مني هو تماما ما أكره أن أعطيه.
المسز فولرتون :
ولكن يا كلير ...
كلير :
كلا، يا دوللي، حتى أنت لا تفهمين أننا طول النهار أبعد ما يكون أحدنا عن الآخر، ولا نزال. حسن هذا، أليس كذلك؟ إذا كان للواحدة روح.
المسز فولرتون :
إن هذا فظيع حقيقة.
كلير :
أظن أن هناك نساء كثيرات يشعرن كما أشعر، ومع ذلك يحتملن، أما أنا فإن في نفسي شيئا قد انقطع - انتهى - لا أستطيع أن أحتمل أكثر من زمن معين. (تتناول زهرة من ثيابها، وفجأة تمزقها. وهذه هي العلامة الوحيدة على تأثرها.)
المسز فولرتون :
اسمعي يا كلير، إن هذا لا ينفع، يجب أن تستريحي. ألا يستطيع أخوك أن يأخذك معه إلى الهند زمنا ما؟
كلير (تهز رأسها) :
إن ريجي يعيش على مرتبه.
المسز فولرتون (بنظرة من نظراتها السريعة) :
إذن كان هذا المستر ماليس؟
فولرتون (مقبلا عليهما) :
أقول لك يا مسز ديدموند: ألا تغنين لي تلك الأغنية الصغيرة التي أنشدتها تلك الليلة (يغني بصوت خافت) «لو تركتني أكون النحلة الواقفة لأقبلك طول اليوم»، أتتذكرين؟ المستر فولرتون: (ساقط الطل)
يا إدورد، لا النحلة. لا بد أن نمضي يا كلير - عمي مساء.
فولرتون (واقفا بين زوجته وكلير) :
إنه ينسجم عليك جدا؛ هذا التقرب.
كلير :
عموا مساء. (يرافقهما هنتنجدون إلى الباب، وتبقى كلير وحدها فتقبض يديها وتمضي بسرعة إلى النافذة، وتقف ناظرة منها.)
هنتنجدون (راجعا) :
اسمعي يا كلير.
كلير :
ماذا يا ريجي؟
هنتنجدون :
إن هذا تعقيد للأمور يا فتاتي، وليس في وسعك أن تفعلي كما تفعلين، وأن تكوني آمنة سوء العواقب، وليس ثم رجل يستطيع أن يحتمل ذلك، وإذا كان هناك شيء ضد جورج، فيحسن أن تخبريني (كلير تهز رأسها)
ينبغي أن تعلمي أني في هذه الحالة أقف إلى جانبك. ماذا هناك؟ قولي.
كلير :
تزوج واكتشف بعد سنة أنك تزوجت المرأة التي لم يكن ينبغي أن تتزوج، وأن الخطأ الذي حدث بلغ من شدته أنه لا سبيل إلى تبادر فكرة واحدة، وأن دمك يقف حين تقبلك - حينئذ تستطيع أن تفهم.
هنتنجدون :
يا فتاتي العزيزة، لست أحب أن أكون وحشا، ولكن من الصعب أن يصدق المرء ذلك في غير القصص.
كلير :
نعم، لا يحتمل التصديق ما دمت لم تجرب.
هنتنجدون :
أعني أنك اخترت زوجك بنفسك (لم يكرهك أحد على زواجه).
كلير :
الحقيقة أن الأمر يبدو فظيعا، أليس كذلك؟
هنتنجدون :
يا فتاتي العزيزة، هاتي سببا.
كلير :
انظر (تشير إلى الليل والبرج المظلم)
إذا رأى جورج هذا البرج لأول مرة فإنه يقول: «آه! وستمنستر ساعة البرج! أتستطيعين أن تقرئي الوقت على وجهها» كأن المرء يهتم أين أو ماذا هي ويغضي عن جمالها! طبق هذا على كل - كل شيء.
هنتنجدون (بنظرة ثانية) :
قد يكون جورج غير ذي نفس شاعرة، ولكن إذا كان هذا كله ...
كلير :
ليس هذا كل شيء، إنه لا شيء، ولا أستطيع أن أشرح يا ريجي. ليست المسألة مسألة منطق أو عقل؛ وإنما هي شعور يشبه شعور المقيم تحت الأرض في محبس رطب؛ كشعور من يعلم أنه لن يخرج أبدا، لا يجد شيء، ولا يتكرر شيء، لا شيء.
هنتنجدون (بتأثر وحيرة) :
يا فتاتي، يجب ألا تتعلقي بهذه الخيالات، وإذا كان الأمر كما تصفين؛ فيحسن ألا تفكري فيه.
كلير :
لا أفكر فيه إذا كان الأمر كذلك كل يوم وكل ليلة! أوه! إني أعلم أنها غلطتي؛ لأني تزوجته، ولكن هذا لا يفيد شيئا.
هنتنجدون :
اسمعي، إن جورج رجل كريم، أليس كذلك؟ ثم إنه لا فائدة من الإغضاء عن الحقائق، فإنك محتاجة إليه كل الاحتياج، وحسب أبيك أنه يتجشم كل المتاعب للمحافظة على البيت.
كلير :
أعرف ذلك.
هنتنجدون :
ثم عليك أن تفكري في أخواتك؛ فإن أي حادث لك يسيء إليهن، وخليق بأبيك أن يتأثر جدا.
كلير :
لو لم أكن أعرف هذا كله يا ريجي لعدت إلى بيت أبي من زمان.
هنتنجدون :
إذن ما العمل؟ لو كان مرتبي يكفي، ولكنه لا يكفي أبدا.
كلير :
أشكرك، ولكنه - بالطبع - لا يكفي.
هنتنجدون :
ألا تستطيعين أن تحاولي أن تري وجهة نظر جورج.
كلير :
إني أحاول. أوه، لا تدعنا نتكلم عن هذا.
هنتنجدون :
حسن يا فتاتي، ولكن لي كلمة واحدة: لا أظنك ستعرضين نفسك للرياح والعواصف؟! أعني أنه يوجد دائما رجال مستعدون لاقتناص النساء.
كلير : «ذلك الرجل ماليس، خير لك أن تتجنبيه»! ولكن لماذا؟!
هنتنجدون :
أوه. إني لا أعرفه، وقد يكون رجلا طيبا، ولكنه ليس من طرازنا، وأنت أجمل من أن تجري على آثار المرأة الجديدة». إلى آخر ذلك. كلا، لم تكن نشأتك في هذا الطريق.
كلير :
بضائع بريطانية صيفية صميمة، خفيفة وجذابة، ولا تعيش طويلا (تسمع أصواتا في الصالة)
يظهر أنهم خارجون يا ريجي. (هنتنجدون ينظر إليها وهو قلق متأثر.)
هنتنجدون :
لا تركبي رأسك إلى المتاعب يا فتاتي، تجلدي. بارك الله فيك. عمي مساء. (كلير تقبله، وبعد أن يذهب تدير وجهها عن الباب وتتماسك، وتأبى أن تطلق العنان لعاطفتها التي تهم بالانفجار، ثم تجلس فجأة إلى منضدة البردج التي لم تستعمل، وتسند كوعيها عليها، وذقنها على كتفيها وهي هادئة تماما. يدخل جورج ويتبعه بينتر.)
كلير :
لا نريد شيئا آخر يا بينتر. شكرا لك، ويمكنك أن تذهب إلى بيتك، وقل للخادمات إنهن يستطعن أن ينمن.
بينتر :
نحن شاكرون لك يا سيدتي.
كلير :
لقد دست كلبا، واضطررت إلى العناية به، والنظر في أمره.
بينتر :
طبيعي يا سيدتي.
كلير :
عم مساء.
بينتر :
ألا أجيء لك بشيء قليل تأكلينه يا سيدتي.
كلير :
كلا، وشكرا لك.
بينتر :
حسن يا سيدتي. عمي مساء سيدتي (يخرج) .
جورج :
لم يكن من الضروري أن تخرجي عن طريقك لتكذبي كذبة لا تجوز على خنزير. (يدنو منها)
لعلك مسرورة بنفسك هذه الليلة؟ (كلير تهز رأسها)
وأمام ذلك الرجل ماليس كأن أهلنا ليسوا كفاية.
كلير :
هل يستحق الأمر أن تعذبني؟ إني أعلم أن سلوكي كان معيبا، ولكنه لم تكن لي حيلة حقيقة.
جورج :
أكان لا بد أن تجعلي سلوكك كسلوك العاملات في الدكاكين. يا إلهي! لقد ربيت تربية حسنة مثلي تماما.
كلير :
وا أسفاه.
جورج :
وتدعين كل امرئ يرى أننا غير متفقين! ليس ثم إلا وصف واحد لهذا السلوك: إنه يبعث على التقزز.
كلير :
أعرف ذلك.
جورج :
إذن لماذا تفعلين ذلك؟ لقد حافظت أنا دائما على المظاهر؛ فلماذا بحق السماء هذا الجنون؟
كلير :
إني آسفة.
جورج (بتأثر شديد) :
إنك تتمتعين بأن تظهري في هذا المظهر السخيف.
كلير :
كلا - حقيقة - إنما لا بد لي أن أجمح أحيانا.
جورج :
توجد أشياء لا يفعلها المرء.
كلير :
لقد عدت إلى البيت لأني أسفت.
جورج :
وما كدت تعودين حتى ذهبت تكررين نفس العمل! يخيل إلي أنك تفرحين بالمشاجرات!
كلير :
إذ لم نتشاجر فإنك خليق أن تفقد لذة الصلح.
جورج :
أرجو منك يا كلير أن تدعي هذه الزراية.
كلير :
وأترك الحقيقة أيضا.
جورج :
أظنك زوجتي.
كلير :
والاثنان يؤلفان روحا واحدا!
جورج :
لا تتكلمي هذا الكلام الجنوني (صمت) .
كلير (برقة) :
إني لست أبعث على الرضا؛ فأنذرني بالطرد.
جورج :
بش!
كلير :
خمس سنوات أربعة منها هكذا. لا شك أننا وفينا مدة الخدمة، ألا تظن حقيقة أننا قد نكون أكثر اتفاقا وتفاهما إذا تركتك؟
جورج :
لقد قلت لك أني لا يمكن أن أقبل الانفصال لغير سبب جدي، ولا أستطيع أن أدع اسمك مضغة في لندن، فإن لي شعورا بالشرف.
كلير :
إنك تعني اسمك أنت، أليس كذلك؟
جورج :
اسمعي. هل ذلك الرجل ماليس هو الذي أدخل في رأسك كل هذه الآراء والنزعات؟
كلير :
كلا، طبيعتي الشريرة هي التي فعلت ذلك.
جورج :
ليتنا لم نقابله قط، ولم نعرفه. هذه نتيجة التقاط الناس الذين لا نعرف عنهم شيئا. إني سيئ الظن به؛ نظراته، أسلوبه الساخر الجهنمي، حتى الثياب لا يلبسها على نحو محترم. إنه ليس شخصا لائقا.
كلير (بشيء من الجذل) :
آه.
جورج :
لماذا تسمحين له بالمجيء؟ ماذا يعجبك منه؟
كلير :
عقله.
جورج :
عقل سخيف لعين. إن كون المرء له عقل - كما تقولين - لا يستلزم التحدث في الفنون والآداب.
كلير :
إننا لا نتحدث في هذا.
جورج :
إذن في أي شيء تتحدثان، هيه - في عقليكما؟ (كلير تنظر إليه)
هل لك أن تجيبيني بصراحة على سؤال صريح؟ هل هو يحبك؟
كلير :
يحسن أن تسأله.
جورج :
إني أقول لك بصفتي رجلا عارفا بالدنيا: إني لا أؤمن بصداقة الفيلسوف المرشد الهادي.
كلير :
أشكرك. (صمت. كلير ترفع كفيها إلى ما وراء رأسها فجأة.)
كلير :
اتركني أمض، وستكون أسعد مما أنت مع أي امرأة أخرى.
جورج :
كلير.
كلير :
أعتقد، بل أنا واثقة أني أستطيع أن أكسب رزقي جادة جدا.
جورج :
أمجنونة أنت؟
كلير :
لقد فعل هذا غيري.
جورج :
ولكنك لن تفعليه أبدا - اعرفي هذا.
كلير :
الحقيقة أن وقت الانفصال قد أزف. سأخرج من أفق حياتك تماما، ولا أريد منك معونة إلا إذا كنت أعطيك شيئا في مقابل مالك.
جورج :
للمرة الأخيرة أقول لك: إنه ليس في عزمي أن أدعك تجعلينا كلينا هزءة.
كلير :
ولكنا كذلك الآن. انظر إلى حياتنا؛ إننا نستمر ونستمر غير أنا فرجة.
جورج :
لا أرى رأيك، ولا هذا برأي أي إنسان، ما دام أنك تحسنين السيرة.
كلير :
يعني على النحو الذي تعده أنت حسنا.
جورج :
أإنك محرجة يا كلير؟
كلير :
لا أحب أن أكون فظيعة، ولكني في هذه المرة جادة.
جورج :
كذلك أنا. (كلير تتجه إلى الباب ذي الستائر.)
جورج :
اسمعي. إني آسف، والله يعلم أني لا أريد أن أكون وحشا، إني أعرف أنك غير سعيدة.
كلير :
وأنت؛ هل أنت سعيد؟
جورج :
لا أقول إني سعيد، ولكن لماذا لا نستطيع؟
كلير :
لا أرى سببا سوى أنك أنت، وأنا أنا!
جورج :
يمكننا أن نجتهد.
كلير :
لقد فعلت. وأنت؟
جورج :
لقد كنا.
كلير :
ربما.
جورج :
إنك تعلمين أننا فعلنا.
كلير :
من زمان طويل - إذا كان صحيحا.
جورج (دانيا منها) :
أنا لا أزال.
كلير (تصده بيديها) :
إنك تعلم أن هذا حب مادي الغايات.
جورج :
إن علينا أن نواجه الحقائق.
كلير :
لقد كنت أظن أني أواجهها.
جورج :
الحقائق أننا متزوجان على الخير والشر، وهناك أشياء معينة منتظرة منا كلينا، وهو انتحار لك وجنون مني - في مثل مركزي - إذا أغفلنا ذلك، وأنت متمتعة بكل ما تطلبين، ولست أطلب أي تغيير، ولو كان في وسعك أن تتهميني بشيء - إذا كنت مثلا أسكر أو أعربد في المدينة، أو أنتظر منك أن تعطيني أكثر مما يجب. لست غير معقول - فيما أرى.
كلير :
حسن، ولكني أظن أنا أطلنا الكلام. (تقصد مرة أخرى إلى الباب ذي الستائر.)
جورج :
اسمعي يا كلير، إنك لا تقصدين أنك تنتظرين مني أن أطيق مركز رجل لا هو متزوج ولا غير متزوج؛ إن هذا يكون عذابا، وينبغي لك أن تعرفي.
كلير :
نعم، لم أعرف إلى الآن، أليس كذلك؟
جورج :
لا تذهبي هكذا. هل تظنين أنا الزوجان الوحيدان اللذان تبين لهما أن الأمور ليست كما كانا يظنان، ومع ذلك احتمل أحدهما الآخر، واستخلصا خير ما يمكن من حياتهما؟
كلير :
إن أمثالنا يعدون بالآلاف.
جورج :
حسن. لماذا يفعلون ذلك؟
كلير :
لا أدري.
جورج :
يدفعهم إلى ذلك الإحساس العادي بالكرامة.
كلير :
طبعا.
جورج :
والله إنك لتكونين أحيانا أبعث شيء في هذه الدنيا على الجنون (يتناول بعض أوراق اللعب، ثم يتركها تتناثر على الأرض)
بعد هذا السلوك منك في هذه الليلة كان واجبك أن تحاولي إصلاح ما فسد. (كلير تهز رأسها من ناحية إلى ناحية كأنها أمام شيء لا سبيل إلى اتفاقه، يضع جورج يده على ذراعها.)
كلير :
لا لا.
جورج (مرخيا يده) :
أليس في الإمكان أن تصلحي ما فسد؟
كلير :
لست أحس بروح التسامح المسيحي. (تفتح الباب وتخرج وتوصده خلفها. جورج يتبعها، ولكنه يقف ويعود إلى الغرفة، ويقف مطلا من النافذة، ثم يغلقها، ويعود ويتأمل الباب، ثم يتحرك ويضع يده على منضدة اللعب ممسكا بحرفها ومتمتما، ثم يذهب إلى باب الصالة ويطفئ النور، ويفتح الباب ليخرج، ثم يقف مترددا في الظلام ويرسل زفرة عميقة، ثم يرفع صوته فجأة بكلمة «كلا».
ويقطع الغرفة مصمما إلى الباب ذي الستار ويفتحه، وترى كلير في النور واقفة تخلع عن عنقها عقدا. يذهب إليها ويوصد الباب وراءه بعنف.)
الفصل الثاني
(المنظر غرفة كبيرة بيضاء مشوشة. يفتح بابها الخارجي على الممر والسلم، والبابان - إلى الجانبين - يؤديان إلى غرف أخرى، وعلى الجدران صور منقولة عن صور حسنة، ولكنها بغير إطار، وهي مثبتة بدبابيس صفراء، وهناك كرسي قديم ذو مساند بلون النبيذ، وهو واطئ ومريح، وموضوع في وسط الغرفة، وتحيط به كتب وحبر وأقلام وصحف كأن رجلا غارقا إلى عنقه في العمل، وإن كانت الساعة شاهدة بأن الوقت الحادية عشر فقط، وعلى مائدة صغيرة أوراق، وأعقاب سجاير، وزجاجتا خمر، وتوجد كتب كثيرة على الرفوف، وكذلك على الأرض كوم متهافت فوقه قبعة وعصا سوداء ذات قبضة سميكة.
ماليس جالس على كرسيه وهو لابس البنطلون ومعطفا للمبيت وحذاء، وذقنه غير محلوقة، وليس على رقبته بنيقة، وهو يكتب ثم يقف ويبتسم، ويشعل سيجارة، ويقرأ في ورقة ليقدر وقعها الموسيقي في أذنه.)
ماليس : «لا كلمة ولا همسة حرية من هؤلاء السادة النجب لابسي الثياب الأنيقة السوداء، لا إشارة ولا تعبيسة، لا شيء سوى الصمت الأثري لاحترامهم العميق أمام الاستبداد الظافر». (وبينما يتكلم تدخل من الممر سيدة كهلة في ثياب عتيقة، وقبعة سوداء من الخوص، وتمضي إلى دولاب وتخرج منه منشفة ومقشة، وحركاتها بطيئة وهادئة كأن الوقت فسيح أمامها، ووجهها عريض، وحاجباها كحواجب الصينيين.)
ماليس :
انتظري يا مسز ميلر.
المسز ميلر :
إني متأخرة يا سيدي. (تتقدم وتقف أمامه. ماليس يكتب.)
المسز ميلر :
يوجد رجل متربص تحت. (ماليس يرفع وجهه، وإذ ترى أنها لفتت نظره تقف، ولكنها تستأنف الكلام عندما ترى أنه يهم بالعودة إلى الكتابة.)
المسز ميلر :
رأيته أول مرة أمس بعد الظهر، وكنت خارجة لأشتري قليلا من الصودا، وبينما أنا عائدة مررت به في الدور الثاني وهو ينظر إلي بارتياب، فقلت لنفسي في ذلك الوقت - قلت لنفسي: إنك يا هذا كالكلاب الحائمة.
ماليس :
ثم ماذا؟
المسز ميلر :
نظرت من حاجز السلم فرأيته يحدق في صورة فوتوغرافية، فقلت لنفسي: إن هذا مكان غريب للنظر في الصور. الظلام شديد، وعلى المرء أن يكد عينه جدا، فأحدثت صوتا بكعب حذائي (تقلد الحركة)
فأسرع فوضع الصورة في جيبه، ورفع يده ليدق على الباب رقم 3، فنزلت إليه، وقلت: «إنك تعلم أنه لا أحد يسكن هنا، أليس كذلك؟» فقال بلهجة البريء الساذج: «أريد رجلا اسمه سميذر»، فقلت له: جرب البيت رقم 10، فقال: «أشكرك جدا»، فقلت: نعم، «ستجده في مثل هذا الوقت من النهار، عم مساء»، وقلت لنفسي (تغمض إحدى عينيها) : فيران! إن هنا عدة أركان في هذه الناحية.
ماليس (بمجاملة فيها شيء من الذهول) :
حسن جدا يا مسز ميلر.
المسز ميلر :
وفي هذا الصباح جاء ثانية إلى الطابق الأول رافعا يده، ومتظاهرا بأنه سيدق الباب رقم 2، فقلت: «أوه! ألا تزال تبحث عنه؟» - قلت هذا بلهجة جدية - فقال بلهجة ودية: «آه! لقد وجهتني أمس وجهة خطأ. هنا طلبتي»، فقلت: «هذا من حسن الحظ، فما هنا أحد يسكن. عم صباحا»، وصعدت إلى هنا مباشرة، وإذا كنت تحب أن تراه وهو يباشر مهمته، فما عليك إلا أن تنزل إلى الطابق الأول؛ فإنه هناك الآن متظاهرا بأنه يريد أن يدق باب رقم (1). فيا لسعة حيلته!
ماليس :
ما هذا الرجل؟ ما شكله؟
المسز ميلر :
يشبه تماما الصور التي تراها على الصفحة الأولى في الجرائد اليومية؛ قذر ناعم المظهر، وعلى رأسه قبعة واطئة من ذلك الطراز الذي لا يطاق.
ماليس :
أليس دائنا؟
المسز ميلر :
إنهم لا يسلكون هذا السلوك. ومن حقك أن تعرف يا سيدي، لا شك أنه يجيء هنا لخير (ثم بعد سكوت قصير)
ألا نقفه عند حد؟ إني أستطيع أن أدلق عليه جرة من الماء كأن هذا حدث عفوا. (ماليس يبتسم ويهز رأسه رافضا.)
ماليس :
يمكنك الآن أن تواصلي عملك؛ فإني سأحلق. (ينظر إلى الساعة ويدخل الغرفة. المسز تدير عينها في المكان على الكرسي، وتخلع قبعتها وتضعها على المنضدة، وتطوي كميها ببطء، ثم تضع كفيها على ركبتيها وتستريح. يسمع طرق خفيف على الباب، فتقوم على مهل وتمشي إلى الباب. يفتح الباب فتظهر كلير.)
كلير :
المستر ماليس هنا؟
المسز ميلر :
نعم، ولكنه يحلق ذقنه.
كلير :
أوه.
المسز ميلر :
هذا لا يستغرق منه وقتا طويلا. ما اسمك؟
كلير :
هل لك أن تقولي: سيدة؟
ميلر :
إن هذا مخالف للأصول، ولكن إذا جلست لحظة فإني أعمل ما أستطيع (تقدم كرسيا وتمسحه بمريلتها، ثم تمضي إلى باب الغرفة الداخلية، وتتكلم منه)
سيدة تريد أن تراك (تعود وترفع أعقاب السجاير)
هذه ساعة عملي، لن أثير غبارا كثيرا (تلاحظ ارتفاع حاجبي كلير وهي تنظر إلى أكوام الكتب والورق)
إني أتقي نقل هذه الأشياء من أماكنها.
كلير :
لا شك.
المسز ميلر :
إنه يجب أن تكون عاداته مرعية. (تشتغل بالكنسة، ثم تعود إلى المنضدة وترفع زجاجة، وتنظر إليها في الضوء وتجدها فارغة، فتقلبها وترميها في سلة المهملات، ثم ترفع الزجاجة الثانية فترى فيها بعض الشراب؛ فتسدها، وتضعها في جيب مريلتها.)
المسز ميلر :
إنه يتناول شرابه من زجاجة مفتوحة لساعتها، لا كهؤلاء ال ...
كلير (ناهضة) :
سأجيء في وقت آخر، فيما بعد؟ ...
المسز ميلر :
إن المستر ماليس لا يطلعني على أسراره، وكل منا يحتفظ بشئونه ... ولا يفضي بها إلى الآخر ... ربما كنت تحبين أن تطالعي الجريدة - إنه يتلقاها كل صباح - جريدة وستمنستر. (تنتزع الجريدة من مقعد الكرسي وتقدمها لكلير التي تجلس وعليها أمارات الضيق لتفكر. المسز ميلر تعمل منفضتها القذرة مرة أو اثنتين، ثم تقف ساكتة، وينقطع صوت الحركة فترفع كلير رأسها.)
المسز ميلر :
لا أريد أن أعطلك بعمل، ولكنه يجب أن تكون أشياؤه نظيفة، (تسمع صوتا من الغرفة الداخلية)
هذا هو، لا بد أنه جرح نفسه. سأناوله الدخان. (ترفع من بين الأكوام علبة دخان وتنقر على الباب، يفتح الباب. كلير تتمشى قلقة في الغرفة.)
المسز ميلر :
الدخان. ثم إن السيدة منتظرة؟ ... (كلير تقف أمام رسم منقول عن صورة (الحب العف والنجس) لتيتان.) (المسز ميلر تنظر إليها وعلى فمها ابتسامة كابتسامة الصينيين. يدخل ماليس ... وخيط من الدخان يتدلى من خده.)
ماليس (يتناول قبعة المسز ميلر من فوق المنضدة ويناولها إياها) :
نظفي الغرفة الأخرى. (تخرج ...)
ماليس :
جميل منك أن تحضري. هل أستطيع أن أعمل شيئا؟
كلير :
إني محتاجة جدا إلى نصيحة.
ماليس :
ماذا؟ أتريدين أن تنشري جناحيك؟
كلير :
نعم.
ماليس :
إني فخور بأني قدمت لك هذه النصيحة، متى صممت على ذلك؟
كلير :
في صباح اليوم التالي لليلة التي نصحتني فيها.
ماليس :
وماذا فعلت؟
كلير :
ذهبت إلى أبي وكنت أعرف أنه سيتألم جدا، ولكني أعتقدت أن في وسعي أن أجعله يفهم. لا فائدة، لقد كان رقيقا جدا، ولكنه لم يفهم.
ماليس (برقة) :
نحن الإنجليز نحب الحرية فيمن ليسوا منا. نعم.
كلير :
كان هذا فظيعا؛ فهناك الأطفال ومربيتي العجوز. كلا، لا أستطيع أبدا أن أعيش في بيت أبي الآن؛ فإنهم خليقون أن يظنوا أني كنت. كلا مستحيل تماما، فعزمت على أن أرجع لمالك رقي، ثم جاء هو نفسه، لم أستطع صبرا على هذا، لم أطق أن أحمل إلى بيته ثانية، وأن أستأنف تلك الحياة من جديد، كلا لم أستطع أبدا، فانتظرت أن تتاح لي فرصة ثم ركبت القطار ونزلت في فندق.
ماليس :
برافو.
كلير :
لا أدري، ليس عندي ذرة من الشجاعة هذا الصباح، إن علي الآن أن أكتسب رزقي، ليس معي مال، عندي فقط بضعة أشياء أستطيع أن أبيعها، والأمس كله ظللت أتمشى وأنظر إلى النساء؟
كيف تتاح للإنسان فرصة للعمل يا ترى؟ ...
ماليس :
إن زوجك لا شك يؤثر أن يرتب لك معاشا على أن يدعك تجرحين كرامته بأن تشتغلي.
كلير :
إذا لم أرجع إليه فإني لا أستطيع أن أقبل هذا المعاش.
ماليس :
حسن.
كلير :
لقد فكرت في الاشتغال كممرضة، ولكن هذا يحتاج إلى تمرين طويل، وأنا أكره جدا أن أرى المرضى يتألمون، والواقع أني عديمة الحيلة، ولا أستطيع حتى أن أرسم، وقد جئت لآخذ رأيك في المسرح.
ماليس :
هل مثلت من قبل؟ (كلير تهز رأسها)
قد لا تعتقدين ذلك، ولكني سمعت أن هناك تفضيلا للذين يتمرنون، وهناك الغناء لا أشير به، ولكن ألا يستطيع أخوك شيئا؟
كلير :
ليس لأخي ما يستغني عنه، ثم إنه يريد أن يتزوج، وسيرجع إلى الهند في سبتمبر، والصديق الوحيد الذي يمكن أن أضايقه هو المسز فولرتون، ولكنها متزوجة.
ماليس :
أتذكر زوجها.
كلير :
وفضلا عن ذلك فإني إذا ذهبت فإني سأحاصر نهارا وليلا، فلا بد من التواري.
ماليس :
إن دمي يغلي حين أفكر في مثيلاتك من النساء؛ كان الله في عون المرأة التي لا مال لها.
كلير :
يظهر أني سأضطر إلى العودة إلى زوجي.
ماليس :
لا لا، سنجد وسيلة ما، حافظي على شجاعتك وقوة روحك مهما كان الثمن. ماذا؟ أتدعينه يحف بك ويتعلق حتى لا يبقى شيء سوى الفراغ والألم، وتفقدي حتى القدرة على التألم؟ تجلسين في غرفة استقباله، وتؤدين الزيارات، وتلعبين البردج، وتخرجين معه للعشاء وتعودين إلى الواجب، وتحسين كل يوم أنك أضأل وأضأل، وتسألين فعلا يوما بعد يوم ثم تهرمين و... تموتين. (الجرس يدق.)
ماليس (ناظرا إلى الباب نظرة شك) :
هل تظنين أنه عرف أين أنت ذاهبة؟ (تهز رأسها.)
ماليس :
هل رأيت رجلا على السلم وأنت صاعدة ؟
كلير :
نعم، لماذا؟
ماليس :
إنه لا يبرح المكان على ما قيل لي!
كلير :
أوه، ولكن هذا معناه أنهم توقعوا أن ... لا.
ماليس :
إن الثقة بي ليست عظيمة.
كلير :
يبثون علي الجواسيس؟
ماليس :
ألا تدخلين في هذه الغرفة لحظة، أم ندعهم يدقون الجرس أم ماذا؟ قد لا يكون هناك شيء بالطبع.
كلير :
لست أنوي أن أختفي. (يدق الجرس للمرة الثالثة.)
ماليس (يفتح باب الغرفة الداخلية) :
يا مسز ميلر، انظري من الطارق، ثم اذهبي مؤقتا. (المسز ميلر تخرج قبعتها على رأسها وتمضي إلى الباب وتفتحه، فيسمع صوت رجل يقول: «المستر ماليس، هل لك أن تعطيه هذه البطاقات؟»)
المسز ميلر (عائدة) :
البطاقات.
ماليس :
المستر روبرت تويسدن، السير شارلس واللادي ديدموند (ينظر إلى كلير) .
كلير (وعلى وجهها أمارات الاحتقار وبدون تأثر) :
دعهم يدخلوا.
ماليس (للمسز ميلر) :
أدخليهم. (يدخل تويسدن وهو رجل ذكي حليق تبدو على شفتيه آيات العزم، ووراءه السير شارلس واللادي ديدموند، تخرج المسز ميلر لا تجري تحيات.)
تويسدن :
المستر ماليس؟ كيف أنت يا مسز ديدموند؟ لقد كان من حظي أن قابلتك يوم زفافك (كلير تحني رأسها)
إني محامي المستر جورج ديدموند، فهل لك يا سيدي أن تتركنا نتحادث قليلا مع المسز ديدموند؟ (تشير كلير إلى ماليس فيدخل الغرفة الداخلية ويغلق الباب.)
السير شارلس :
صمت (فجأة)
ماذا؟
اللادي ديدموند :
يا مستر تويسدن هل لك أن ...
تويسدن (باضطراب) :
يا مسز ديدموند، إني أعتذر ولكنك لم تتركي لنا حيلة أو طريقا آخر، أليس كذلك؟ (ينتظر ردا فلا تجيب، فيمضي في كلامه)
إن اختفاءك قد أقلق زوجك عليك جدا. حقيقة يا سيدتي العزيزة يجب أن تغفري لنا هذه المحاولة للاتصال بك.
كلير :
لماذا بثثتم الجواسيس علي؟
السير شارلس :
لا لا، لم يتجسس عليك أحد.
تويسدن :
يؤسفني أن أقول إن الجواب عن ذلك هو أن لنا حقا على ما يظهر، وأن سلوكك يسوغ عملنا (يرى وجه كلير فيسرع في الكلام)
والآن يا مسز ديدموند، إني محام، وأعلم أن المظاهر خداعة. لا تظني أني أكلمك بروح الخصم؛ فإني أرجو لك الخير (ترفع عينيها ليتأثر بهذه النظرة التي كأنما تقول: «ليس لي أصدقاء» فيسرع ويقول)
إن الذي نريد أن نقوله هو هذا: لا تدعي هذا الشقاق يستمر، لا ترتكبي عملا تندمين عليه فيما بعد. قولي لنا: ما هي المسألة؟ فإني واثق أن الإصلاح ممكن.
كلير :
ليس عندي ما أقوله ضد زوجي، وقد كان تركي له عملا فيه حماقة وليس فيه عقل.
تويسدن :
هذا كلام طيب.
كلير :
ولكن مع الأسف يوجد ما هو أقوى من العقل.
تويسدن :
لست أعرفه يا مسز ديدموند.
كلير :
أصحيح لا تعرفه؟
تويسدن (مرتبكا) :
لا ينبغي لك أن تتخذي خطوة كهذه بدون مشورة.
كلير :
ولا بعد الاستشارة أيضا؟
تويسدن (يدنو منها) :
لا يوجد شيء تحسين أنك تريدين أن تقوليه؛ شيء يمكن أن يصلح الأمور؟
كلير :
لا أظن ذلك، وشكرا لك.
اللادي ديدموند :
يجب أن تفهمي يا كلير أن ...
تويسدن :
امرأة جميلة في مثل مركزك وليس لها مال - إني صريح - هذا عالم قاس، ويؤسفني جدا أن تصير الأمور إلى السوء.
كلير :
وإذ عدت.
تويسدن :
إذا كان هناك شران؛ فاختاري أخفهما.
كلير :
إني في السادسة والعشرين، وهو في الثانية والثلاثين، ويحق لنا ألا نتوقع الموت خمسين.
اللادي ديدموند :
هذه نظرة سواداء مريضة يا كلير.
تويسدن :
ماذا أمامك إذا لم تعودي؟ ما هو مركزك؟ لا سمك ولا لحم ولا طير، قنيصة صالحة لمن يريد، صدقيني يا مسز ديدموند، إن نشوز امرأة جميلة مثلك لا لسبب سوى أن الروح الذي تزوجت به قد ذهب. هذا جنون، ويجب أن تعلمي أنه ما من أحد يلتفت لغير الحقائق، ولو أنه كان لك - معذرة - عاشق (تدور عينه في الغرفة ثم تستقر عليها)
فإنك إذن تكونين قد وضعت رجلك على أرض، ويكون لك شيء من الحماية، ولكن (يتردد)
ما دام أن ليس لك عشيق فليس لك حام.
كلير :
ما عدا العشيق الذي أستطيع أن أتخذه لنفسي.
السير شارلس :
أوه، أعوذ بالله!
تويسدن :
نعم، يا مسز ديدموند، هذه هي الصخرة موضع الصعوبة، ليس مال، فلم يكن ينبغي أن تكوني جميلة، ستكافحين الدنيا كلها، ولن تجدي من الدنيا رحمة، ونحن - معشر المحامين - نرى في هذا الشيء الكثير، لقد كلمتك - بصراحة - كرجل عارف بالدنيا.
كلير :
أشكرك، ولكن هل تظن أنك تدرك الوجه الآخر للمسألة؟
تويسدن (مصدوما) :
يا سيدتي العزيزة، إن لكل عقد جانبين، وقد وفى زوجك بما عليه وقام بنصيبه.
كلير :
وكذلك فعلت أنا إلى الآن، ولن أطلب منه شيئا، أتفهم؟
اللادي ديدموند :
ولكن يا بنيتي لا بد لك أن تعيشي.
تويسدن :
هل زاولت من قبل أي عمل من الأعمال؟
كلير :
كلا.
تويسدن :
هل عندك فكرة عن شدة المنافسة في هذه الأيام؟
كلير :
يمكنني أن أسعى. (تويسدن ينظر ويهز كتفيه.)
كلير (وقد اضطرب هدوءها بسبب نظرته) :
إن هذا جد، هذا شعور حقيقي، أتفهم؟
السير شارلس :
ولكن يا بنتي ماذا - بحق الشيطان - يكون مصير جورج؟
كلير :
يمكنه أن يصنع ما يشاء، هذا لا يعنيني.
تويسدن :
يا مسز ديدموند، إني أقول بلا تردد إنك لا تتصورين ما يواجهك، أنت التي نشأت في عزلة أتدركين أنك تقفين عند مفترق الطرق، وأن إحداها تؤدي إلى البوار؟
كلير :
أيها؟
تويسدن (ناظرا إلى الباب الذي خرج منه ماليس) :
طبعا إذا كنت تريدين أن تعرضي نفسك على الدنيا فستجدين كثيرين يساعدونك.
السير شارلس :
بلا شك.
كلير :
إنما أريد أن أتنفس.
تويسدن :
يا مسز ديدموند، عودي، في وسعك الآن أن تعودي، ولكن إذا تأخرت ضاعت الفرصة. الذئاب كثيرة. (ينظر إلى الباب.)
كلير :
ولكنهم ليسوا حيث تعتقد، لقد قلت إني محتاجة إلى المشورة، وأقول لك إني جئت هنا طلبا لها.
تويسدن (بهزة كتف لها معناها) :
في هذه الحالة لا أرى فائدة من بقائي. (يمضي إلى الباب.)
كلير :
من فضلك لا تدع الجواسيس يتعقبونني بعد خروجي. أرجو.
الليدي ديدموند :
إن جورج ينتظر في الخارج يا كلير.
كلير :
لست أريد أن أقابله. بأي حق جئتم إلى هنا؟ (تذهب إلى الباب الذي خرج منه ماليس وتفتحه وتقول)
من فضلك تعال يا مستر ماليس. (ماليس يدخل.)
تويسدن :
إني آسف (ينظر إلى ماليس ويحني رأسه)
آسف. عموا صباحا.
الليد ديدموند :
إن المستر ماليس لا شك يدرك ...
كلير :
إن المستر ماليس سيبقى هنا من فضلك في غرفته. (ماليس ينحني.)
السير شارلس :
يا فتاتي العزيزة، أقسم لك أني لا أستطيع أن أفهم أسلوب تفكيرك.
كلير :
أصحيح لا تفهم؟
الليدي ديدموند :
إن جورج راغب جدا في أن يستأنف معك الحياة من حيث انقطعت عند خروجك.
كلير :
آه!
الليدي ديدموند :
بصراحة ماذا تريدين؟
كلير :
أن يدعني وشأني، وأقول لك بصراحة: إنه أخطأ حين بث علي الجواسيس.
الليدي ديدموند :
ولكن يا بنتي، لو أنك أخبرتنا إلى أين أنت ذاهبة كما يفعل العقلاء، لا يمكن أبدا أن نتركك بلا مال أو مركز من أي نوع، والله يعلم ماذا تضطرين إليه؟ (تنظر إلى ماليس) .
ماليس (برقة) :
هذا لذيذ.
السير شارلس :
هل تستطيع أن تكرر هذه العبارة بصوت عال؟
الليدي ديدموند :
شارلس! يا كلير، إنك لا شك تدركين أن هذه نوبة سوداء، وهناك واجبك ومصلحتك. إن الزواج مقدس يا كلير.
كلير :
الزواج! إن زواجي أنا قد صار توفيقا بين حيوانين؛ أحدهما كاره غير راغب. هذا كل ما فيه من التقديس.
السير شارلس :
ماذا؟
الليدي ديدموند :
يجب أن تخجلي جدا.
كلير :
إني خجلة من الواقع.
الليدي ديدموند (ترمي نظرة إلى ماليس) :
إذ كان لا بد من الكلام في هذا فيجب أن نكون وحدنا.
ماليس (مخاطبا كلير) :
هل تريدين مني أن أجلو؟
كلير :
كلا.
الليدي ديدموند :
لقد كنت أظن أن الإحساس العادي بالواجب. يا للسماء! ألا ترين أنك متخذة ألعوبة؟
كلير :
إذا كنت تعرضين بالمستر ماليس فإنك كاذبة.
الليدي ديدموند :
ما دمت تفعلين ذلك؛ تجيئين إلى غرف رجل ...
كلير :
لقد قصدت إلى المستر ماليس لأنه الشخص الوحيد الذي أعرف أن له من الخيال ما يجعله يقدر موقفي، ولقد حضرت إليه منذ ربع ساعة، ولأول مرة، وطلبا للمشورة، وهاأنتم أولاء ترتابون به. هذا يبعث على التقزز.
الليدي ديدموند :
أهذا هو المكان الطبيعي الذي يصح أن أجد فيه زوجة ابني؟
كلير :
امرأته.
الليدي ديدموند :
هل أنت مستعدة أن تستمعي لأخيك رجنالد؟
كلير :
لقد فعلت.
الليدي ديدموند :
أليس لك شعور ديني على الإطلاق؟
كلير :
كلا، إذا كان الدين أن نعيش كما عشنا.
الليدي ديدموند :
إن هذا فظيع. هذه الحالة النفسية حقيقة فظيعة. (كلير تضحك ضحكة رقيقة كما فعلت في الفصل الأول، وكأنما ردت هذه الضحكة الحياة إلى السير شارلس بعد أن كان واقفا مذهولا وهو يصغي إلى المناقشة.)
السير شارلس :
أستحلفك أن لا تضحكي هذه الضحكة. (كلير تكف.)
الليدي ديدموند (بانفعال) :
أناشدك الحق المجرد يا كلير!
كلير :
الحق؟ مهما يكن الحق فإن حياتنا ليست حقا. (تضع يدها على قلبها)
إني أحلف أمام الله أني حاولت وحاولت، أقسم أمام الله أني لو ظننت أنه يمكن أن نتحاب مرة أخرى ولو حبا ضئيلا لرجعت، أقسم أمام الله أني لا أريد أن أجرح نفس أحد.
الليدي ديدموند :
ولكنك تجرحين كل نفس. كوني عاقلة.
كلير (وقد فقدت توازنها وسكونها) :
ألا ترون أني أجاهد بكل ما في من قوة أن لا أدفن حية، أن لا أخنق شيئا فشيئا؟ انظروا إلي، لست شمعا بل لحما ودما، وأنتم تريدون أن تسجنوني إلى الأبد جسما ونفسا.
السير شارلس :
والله لست أدري، لست أدري!
الليدي ديدموند (لماليس) :
إذا كانت قد بقيت لك ذرة من الكرامة يا سيدي، فإنك تدرك أن عليك على كل حال أن تدع ابني يكلم زوجته (تشير إلى شارلس)
سننتظر تحت.
السير شارلس :
أريد أن أقول كلمة (لكلير)
يا عزيزتي، إذا كان هذا إحساسك فإني كرجل مهذب.
الليدي ديدموند :
شارلس!
السير شارلس :
انتظري، أريد أن أقول - يا للعنة - لا أعلم أني أقدر أن أقول شيئا. (ينظر إليها بحزن ثم يدور ويخرج ووراءه زوجته، ويسمع صوتها في الخارج تكلمه وهو يجيبها «ماذا؟» وبينما هما خارجان يدخل جورج.)
جورج (مقبلا على كلير التي تستعيد هدوءها) :
هل لك أن تخرجي لنتكلم؟
كلير :
كلا. (جورج ينظر إلى ماليس الذي يكون مستندا إلى الحائط وذراعاه مطويتان على صدره.)
جورج (بصوت خافت) :
كلير.
كلير :
نعم؟
جورج :
إنك تمتحنين صبري بشدة، أليس كذلك؟ وتكرهينني على الحضور إليك والكلام على مسمع من هذا الرجل. إن أكثر الناس حقيقون أن يظنوا سوءا حين يرونك في هذا الموقف.
كلير :
لم يكن من اللازم أن تجيء ولا أن تفكر.
جورج :
هل كنت تتخيلين أني سأدعك تختفين بدون مجهود من ناحيتي؟
كلير :
لإنقاذي؟
جورج :
أستحلفك بالله أن تكوني عادلة منصفة، لقد جئت هنا لأقول لك أشياء معينة، فإذا اضطررتني أن أقولها على مسمع منه فأنت المسئولة، فهل لك أن تعيني لي موعدا في مكان آخر؟
كلير :
كلا
جورج :
لم لا؟
كلير :
إني أعرف كل هذه «الأشياء المعينة»؛ يجب أن تعودي إن هذا واجبك، ليس لك مال، أصدقاؤك لن يساعدوك، لا تستطيعين أن تكسبي رزقك، إنك تحدثين فضيحة، بل تستطيع أيضا أن تضيف إلى هذا مؤقتا «إن غرفتك الخاصة ستكون محترمة».
جورج :
هذا حقيقي كله ولست تستطيعين أن تدحضيه.
كلير :
أوه (فجأة)
إن حياتنا أكذوبة سخيفة تملأ النفس اشمئزازا، مللتها، فمن فضلك اتركني وشأني.
جورج :
إنك تخطئين فهم ما أريد على ما أظن، لم أجئ إلى هنا لأقول لك ما تعرفينه حق المعرفة حين يكون عقلك في رأسك، إنما جئت لأقول هذا: إن أي إنسان لم يفقد عقله يستطيع أن يفطن إلى خديعة صاحبك؛ فإنها لا تخدع طفلا، وإذا كنت تظنين أن سيدا كهذا (تدور عينه في الغرفة المشوشة حتى تقع على ماليس)
يحمي امرأة جميلة لغير شيء؛ فإنك تخطئين جدا.
كلير :
احترس (ماليس تبدو منه حركة تشنجية في يديه ثم يجمد) .
جورج :
لا أدعي أني ذكي أو ما إلى ذلك، ولكن لي عقلا ... ولست أزعم أني أرقى من الحقائق الواضحة ...
كلير (بصوت خافت جدا) :
الحقائق؟ ...
جورج :
أستحلفك أن تتركي هذه اللهجة المتعالية الشامخة فإنها لا تناسبك، واسمعي: إذا شئت أن تذهبي إلى القارة مع إحدى أخواتك الصغيرات إلى الخريف؛ فإني مستعد أن أؤجر الدور وأنتقل إلى النادي.
كلير :
تطفئ الحريق بخرطوم ثمنه «بني» (ببطء)
لست عائدة إليك يا جورج؛ انتهت المهزلة.
جورج (تصدمه لهجتها الحاسمة لحظة، ثم يواجه ماليس فجأة) :
إذن هناك شيء بينك وبين هذا الرجل.
ماليس (بلهجة خطرة، ولكن من غير أن يتحرك) :
أرجو أن تعيد هذا.
كلير :
ليس بيننا شيء.
جورج (ينظر منها إليه) :
على كل حال لست أنوي، لست أنوي أن أترك امرأة كانت «كلير تصنع بيديها إشارة ماحية» لست أنوي أن أتركها للخراب المحقق بدون أن أرفع أصبعا.
كلير :
هذا نبل.
جورج (بحدة) :
لست أعرف أنك تستحقين مني أي شيء، ولكني أقسم بشرفي أني جئت إلى هنا من أجلك، ولأحذرك عاقبة ما تفعلين (يلتفت فجأة إلى ماليس)
وأن أقول لصاحبك العزيز هذا رأيي فيه بصراحة، وأني لست أنوي أن أمكنه من لعبته؟ ... (ماليس من غير أن يتحرك أو يبعد عن الحائط ينظر إلى كلير وتتحرك شفتاه.)
كلير (تهز رأسها لماليس ثم تقول لزوجها) :
أرجو أن تذهب.
جورج :
سأخرج متى خرجت ...
ماليس :
يجب على الرجل المجرب أن يكون أصح إدراكا.
جورج :
ألا تخرجين؟
ماليس :
هذا غير معقول.
جورج :
ليس لك كلامي.
ماليس :
صدقت، لن تلثم كلماتي كلماتك.
جورج :
ألا تجيئين؟ (كلير تهز رأسها.)
جورج (بحدة) :
هل تعنين أنك ستبقين في هذه الزريبة مع هذا الخنزير الشاعر؟
ماليس (متغيرا) :
والله إن لم تخرج لأقتلنك.
جورج (يهدأ فجأة) :
سنرى ما يكون من أمرك.
ماليس (بهدوء خطر) :
نعم، سأقتلك. (يمضي بخفة إلى الحائط ويتناول العصا من فوق كوم الكتب، ويدنو من جورج وقد مسخ وجهه كوجه الشيطان.)
كلير (بسرعة تمسك العصا) :
أرجو. (ماليس يتخلى عن العصا، ويقف الرجلان يترامقان وهما ساكنان، كلير ترمي العصا، وتدوس عليها بقدمها، ثم تخلع قبعتها ببطء وتضعها على المنضدة.)
كلير :
والآن ألا تذهب؟ (صمت) .
جورج (ناظرا إلى القبعة) :
يا حمقاء، يا مجنونة، افهمي هذا: إذا لم تعودي الساعة الثالثة بعد ظهر اليوم فسأطلقك، وحينئذ تتمرغين في الحمأة مع صاحبك العالي النفس هذا، وأنت يا سيدي اعرف هذا: لن أرحمك، كلا وحق السماء سيتألم جيبك، وهذا هو الشيء الوحيد الذي يؤثر في أمثالك. (يدور ويخرج ويدفع الباب ليغلقه. كلير وماليس يقفان وجها الوجه. تبدأ شفتاها تضطربان.)
كلير :
فظيع. (تنحي وجهها وهي ترتعش، وتجلس على مسند الكرسي وتغطي عينيها بظهر كفيها. ماليس يلتقط العصا ويتحسسها برقة ثم يضعها وينتقل من مكانه ليرى وجهها، وهي جالسة هادئة تماما وناظرة إلى ما أمامها.)
ماليس :
لا يمكن أن يكون شيء أحسن من هذا.
كلير :
لا أدري ماذا أصنع، لا أدري ماذا أصنع!
ماليس :
اشكري السماء على حظك الحسن.
كلير :
إنه ينوي أن ينتقم منك، وهذا كله خطأ وبسببي.
ماليس :
دعيه ينتقم، دعيه يطلب الطلاق، تخلصي منه، افرغي من أمره على أية حالة (تقف لافتة وجهها عنه ثم تلتفت إليه بسرعة) .
كلير :
إذا كنت سأحدث لك ضررا فدعني أدفع لك ثمنه، وإلا فلن أطيق الأمر بغير ذلك، انتفع بي؛ استعملني على نحو ما إذا لم يكن عندك مانع.
ماليس :
يا إلهي (ترفع له وجهها ليقبلها وتغمض عينها)
أيتها المسكينة. (يحتضنها ويقبلها، ثم يتراجع وينظر إلى وجهها وهي واقفة لا تتحرك وعينها مغمضة، ولكنها ترتعش وشفتاها مزمومتان وكفاها تنقبضان وتتلويان.)
ماليس (بهدوء) :
لا لا ... ليس هذا بيت سيد محترم.
كلير (تدع رأسها ينثني وتقول همسا) :
إني آسفة.
ماليس :
أنا فاهم.
كلير :
ليست لي رغبة، وبغير ذلك لا أستطيع، لا أستطيع.
ماليس (بمرارة) :
صدقت، لقد عانيت من هذا ما فيه الكفاية. (صمت طويل. تتناول قبعتها بغير أن تنظر إليه وتلبسها.)
ماليس :
أخارجة؟ (كلير تهز رأسها أن نعم)
ألا تثقين بي؟
كلير :
إني واثقة بك، ولكني لا أقدر أن آخذ شيئا إذا كنت لا أعطيك ما يقابله.
ماليس :
أرجو، أرجو، ماذا يهم؟ استخدميني؛ انتفعي بي، كوني حرة معي على نحو ما.
كلير :
ليس يخفى علي ما يجب أن أكون لك ما دمت قد أوقعتك في هذا، وأنا أعرف ما تبغي، وما سوف تبغي، طبعا، ولم لا؟
ماليس :
إني أقسم لك بشرفي.
كلير :
كلا، إذا لم أكن لك كما ينبغي أن أكون فالعلاقة لا تكون صادقة، وهذا ما لا أستطيع؛ لأنه ليس مما يستطاع بالتكلف.
ماليس :
صحيح.
كلير :
وأتخذك لنفسي على هذه الصورة، لا. (تقصد إلى الباب) .
ماليس :
وإلى أين تذهبين؟ (كلير لا تجيب. تتنفس بسرعة ويطرأ عليها تغيير كأنها مهتاجة على الرغم من ظاهر سكونها.)
ماليس :
لست راجعة إليه؟ (كلير تهز رأسها)
الحمد لله! إذن ستذهبين إلى أهلك؟
كلير :
كلا.
ماليس :
لا شيء مما يدفع إليه اليأس (يريد الانتحار) .
كلير :
أو! لا.
ماليس :
إذن ماذا؟ تعالي قولي لي.
كلير :
لا أدري، إن المرأة تستطيع أن تدبر أمرها على نحو ما.
ماليس :
ولكن أنت الرقيقة الضعيفة ...
كلير :
لا تخف، لا تشق نفسك بسببي، أرجو ...
ماليس (يتناول ذراعها) :
أتتوهمين أن الناس سيتركونك بوجهك الجميل هذا؟ تعالي ثقي بي، ثقي بي، يجب.
كلير (تمد له راحتها) :
عم صباحا.
ماليس (لا يتناول يدها) :
هذه الدنيا الكبيرة اللعينة ... وأنت! اسمعي (تسمع أصوات المركبات في الشارع)
تخرجين إلى هذا العالم وحدك بلا معين بلا مال؟ الرجال الذين سيشتغلون معك، والرجال الذين ستصادقين أتظنين أنهم سيتركونك؟ والرجال الذين في الشارع يحملقون في وجهك ويستوقفونك؛ حيوانات لها أعناق ضخمة كأعناق الثيران، شياطين بعيون قاسية، خنازير وضيعة وذوو المروءة من أمثالي الذين لا يريدون بك سوءا، ولكنهم لا يستطيعون أن يتجاهلوا أنك خلقت لتعشقي. وافرضي أنك لا تمشين في طريق ضيق محجوز، بل تبرزين إلى الفضاء ... والمجتمع رجاله المحترمون الأتقياء، حتى الذين يحبونك أتتوهمين أن هؤلاء سيتركونك؟ إن الدنيا ستثير وراءك الرجال، لقد بدأ هذا في الساعة التي فررت فيها، ولن تهدئي من المطاردة حتى يوقعوك ثم تحملين في العربة مرة أخرى والله يومئذ معك.
كلير :
سأموت وأنا أعدو.
ماليس :
لا لا، دعيني أحمك، اسمحي لي.
كلير (تهز رأسها وهي تبتسم) :
أنا ذاهبة لأبحث عن حظي؛ تمن لي الخير.
ماليس :
لا أستطيع أن أسمح لك.
كلير :
بل يجب. (ينظر إلى وجهها فيدرك أنها مصممة، فينحني فجأة على أصابعها ويرفعها إلى شفتيه.)
ماليس :
أتمنى لك السعادة إذن. (يتخلى عن يدها. كلير تلمس رأسه وتدور فتخرج. ماليس يبقى ورأسه منثن على صدره يصغي إلى وقع خطواتها حتى ينقطع الصوت، فيعتدل ويضرب الهواء بجمع يده.) «يرخى الستار»
الفصل الثالث
المنظر الأول (غرفة الجلوس في مسكن ماليس. بعد الظهر بعد ثلاثة شهور، وعلى المنضدة زجاجة شراب مفتوحة وقبعة وبعض أدوات الشاي، وعلى الموقد إبريق على حمالة موقد الغاز، وعلى مقربة من الباب يقف هيوود، وهو رجل قصير مستدير الوجه وشاربه بلون الطباق. ماليس إلى جانب المنضدة يتأمل ورقة زرقاء.)
هيوود :
آسف أن ألح على زبون قديم يا سيدي، ولكن مضى سنة ونصف سنة بدون فائدة على المال.
ماليس :
إن دخانك أجود مما يلزم يا مستر هيوود، ليتني أستطيع أن أجد طريقة لتدخين نوع غيره.
هيوود :
إن هذا علاج عجيب يا سيدي. (دقة على الباب ثم يدخل غلام.)
ماليس :
نعم، ماذا جاء بك؟
الغلام :
الأصول لجريدة «واتشفاير» يا سيدي.
ماليس (يشير إليه أن يخرج) :
حالا، انتظر. (يخرج الغلام. ماليس يمضي إلى كوم الكتب ويقلبها ويتناول بعضها.)
ماليس :
هذه طبعة غير مهذبة لترجمة كتاب «ديكامرون» لبوكاكشيو يا مستر هيوود مصورة. أظنها تساوي أكثر مما تطلب مني.
هيوود (يهز رأسه) :
هذه الكتب أتراها تساوي ثلاثة جنيهات وسبعة شلنات؟
ماليس :
إنها نادرة وغير أخلاقية، هل تأخذها سدادا للدين؟
هيوود (تتنازعه عواطف شتى) :
لا أكاد أعرف ماذا أقول، كلا يا سيدي، لا أظن أنه يحسن أن يكون لي شأن بهذه الكتب.
ماليس :
في وسعك أن تقرأ هذه الكتب أو لا؟
هيوود (بتردد) :
إن لي زوجة في البيت.
ماليس :
في وسعكما أن تقرآها كلاكما.
هيوود :
كلا يا سيدي لا أستطيع.
ماليس :
حسن جدا، سأبيعها بنفسي وسأعطيك الثمن.
هيوود :
أشكرك يا سيدي، وأنا بالطبع لا أريد أن أضايقك.
ماليس :
كلا يا مستر هيوود، إن علي أن أعتذر.
هيوود :
ما دمت أرضيك.
ماليس :
بالتأكيد، عم مساء.
هيوود :
عم مساء يا سيدي، أرجو ألا أكون قد أسأتك.
ماليس :
على العكس. (هيوود يخرج مترددا ويقف. ماليس يحك رأسه ثم يضع الفاتورة في أحد أجزاء الكتاب ليتذكر، ويعيد الكتب إلى مكانها فوق الكوم. يدخل الغلام مرة أخرى ويقف في الباب.)
ماليس :
والآن جاء دورك. (يذهب إلى المنضدة ويتناول أوراقا مكتوبة، ولكن الباب يفتح مرة أخرى على مهل ويظهر المستر هيوود.)
ماليس :
هل من شيء يا مستر هيوود؟
هيوود :
هذه الحكاية البسيطة يا سيدي؛ إذا كان يريحك ... لقد فكرت في مكان أستطيع ...
ماليس :
تقرأ الكتب فيه؟ ستلتذها جدا.
هيوود :
لا يا سيدي، بل مكان أتخلص فيه منها.
ماليس (يمد يده بالكتب) :
ربما كان هذا خيرا، (هيوود يأخذ الكتب على مهل)
أهنئك يا مستر هيوود؛ إنه كتاب قيم.
هيوود :
نعم يا سيدي حقيقة، وإذا حدث أنه ...
ماليس :
بقي شيء أحسبه علي. هذه هي الفاتورة (يعطيه إياها)
أرسل لي الإيصال. عم مساء. (هيوود وقد أخذ عليه الطريق يحاول أن يخفي الكتب في جريدة مسائية ويتمتم «عم مساء يا سيدي» ويخرج. ماليس يتناول الأوراق ويقرأ جملة منها وينظر إلى الظلام.)
ماليس :
رجل الدنيا «المظهر اللائق هو معبودك، ويحك أيها الفيلسوف المغلق» (الغلام يحرك قدميه) «نشأت على المسخ والعقم، وقامت حياتك على الخوف من السخرية» (الغلام يتنفس تنفسا عميقا) «إنك عبد الحقائق». (دقة على الباب.)
ماليس :
من هذا؟ (يفتح الباب ويدخل رجنالد هنتنجدون.)
هنتنجدون :
إني أعتذر يا سيدي؛ فهل تسمح لي بالدخول لحظة؟ (ماليس ينحني بتهكم عدائي.)
هنتنجدون :
لا أدري هل تذكرني؟ إني أخو كلير ديدموند.
ماليس :
إني أذكرك. (يشير إلى الغلام أن يخرج.)
هنتنجدون :
لقد جئت إليك باعتبارك رجلا شريفا.
ماليس :
أخطأت. يوجد سيد شريف - على ما أعتقد - في الطابق الأول.
هنتنجدون :
إنما جئت من أجل أختي.
ماليس :
لعنة الله عليك! ألا تعرف أن الجواسيس مبثوثة على طول الشهور الثلاثة الماضية؟ سل جواسيسك عما تريد أن تعرفه.
هنتنجدون :
إننا نعرف أنك لم ترها وأنك لا تدري أين هي.
ماليس :
صحيح! لقد اكتشفت هذا، يا لها من براعة!
هنتنجدون :
عرفنا هذا من أختي.
ماليس :
أوه! إذن استطعتم أن تتعقبوا آثارها؟
هنتنجدون :
لقد عثرت عليها المسز فولرتون أمس في أحد الدكاكين الكبيرة تبيع القفازات.
ماليس :
المسز فولرتون السيدة ذات الزوج! حسن، لقد وجدتها وحملها إلى السجن.
هنتنجدون :
لم نجدها؛ لقد تركت الدكان لتوها، ولا نعرف أين ذهبت.
ماليس :
برافو.
هنتنجدون :
اسمع يا مستر ماليس: إني أشاطرك شعورك إلى حد ما، ولكني أحب أختي، وإنه ليؤلمني أن أضطر إلى الرجوع إلى الهند وأنا أعلم أن التيار يتقاذفها بدون حماية، وأنها قد تكون مدفوعة إلى ما لا يعلم إلا الله، وقد قالت المسز فولرتون أن لونها باهت جدا، وأنها ضعيفة هزيلة.
ماليس (مضطربا بين الاشمئزاز والعطف) :
لماذا جئت إلي؟
هنتنجدون :
لقد ظننا
ماليس :
من الذي ظن؟
هنتنجدون :
أبي وأنا.
ماليس :
نعم؟
هنتنجدون :
ظننا أنها قد تحضر إليك لاستشارتك بعد أن فقدت العمل الذي كانت تشتغل به، فإذا جاءت فإنك تولينا فضلا جزيلا إذا جعلت أبي يتصل بها؛ إنه رجل هرم وهو يتألم جدا لهذه المسألة (يقدم بطاقة لماليس)
هذا عنوانه.
ماليس (يلوي البطاقة) :
لا ينبغي أن يكون هناك أي سوء تفاهم يا سيدي، إني لن أصنع شيئا يمكن أن يساعد على ردها إلى زوجها، فإنها فرت لتنقذ روحها وهي ما زالت حية، وأنا لست ممن يطاردونها، بل على العكس - إذا كان في وسعي أن أفعل العكس - فإذا كان أبوك يريد أن يحميها؛ فإن هذه تكون مسألة أخرى، ولكنها كان لها رأيها الخاص في هذا.
هنتنجدون :
أظنك لا تدرك قلة استعداد أختي للحياة الخشنة العنيفة، إنها ليست من طراز المرأة الجديدة، وقد عاشت موفرة لها أسباب العناية بها وكل شيء يقدم لها، إن فيها شجاعة، ولكن هذا كل ما لها، ولا بد أن تصيبها الآلام.
ماليس :
هذا محتمل جدا، ويحدث دائما للطيور أول ما تطير، ولكنه خير لها أن تسقط في منتصف الطريق من أن لا تطير على الإطلاق. إن أختك يا سيدي تجرب جناحي روحها، وتحاول الخروج من سوق الرقيق القديمة، وهناك أكثر من نوع واحد من الخزي - للرجال والنساء على السواء يا كبتن هنتنجدون - وهناك ما هو شر من الموت كما تعلم من مهنتك.
هنتنجدون :
هذا مسلم، ولكن.
ماليس :
إن لكل منا رأيه في هذه، ولكنهم جميعا ينتهون إلى موت الروح في سبيل هياكلنا الجثمانية. هل من شيء آخر؟
هنتنجدون :
لقد انتهت إجازتي وسأبحر غدا، فإذا رأيت أختي فأرجو أن تبلغها حبي، وأن تخبرها أني أرجو منها أن تقابل أبي.
ماليس :
سأفعل إذا أتيحت لي فرصة. (يشير محييا فيرد هنتنجدون تحيته ويدور ويخرج.)
ماليس :
أيتها الفارة المسكينة، ترى أين تجرين الآن؟ (يقف إلى النافذة التي تريق منها الشمس على الغرفة ضوءا ذهبيا. يعود الغلام فينظر إليه ماليس ثم يذهب إلى المنضدة ويتناول الأوراق، ويبتسم له وهو يتنفس كالذي يلهث.)
ماليس : «يا رجل الدنيا، يا ثمرة العصر المادي العاجز عن إدراك الحقيقة التي تنطوي عليها حركة الروح؛ لأنك لا ترى فائدة - كما تقول - في هذا الكلام الفارغ المنبعث عن عواطف الضعف، يا من اعتاد أن يعتقد أنه السلسلة الفقرية للأمة، إن مركزك أمنع من أن ينال، وستظل معبود البلاد، والذي يفصل في أمر التشريع، والذي يتخذه المسرحيون والروائيون مادة لهم. بارك الله فيك ما بقيت أمواج البحر تتحدر على هذه الشواطئ». (يضع الورق في ظرف ويسلمه للغلام.)
ماليس :
أذاهب أنت مباشرة إلى جريدة «الواتشفاير»؟
الغلام :
نعم يا سيدي.
ماليس :
أسرع إذن. (يرفع الملف عن المنضدة، ويحمله إلى الغرفة الداخلية. يدور الغلام وأصبعه على أنفه، ولكنه يرى كلير في مدخل الباب فيستحيي جدا وهي لابسة ثوبا قاتم اللون، وينسل الغلام بجانبها ويخرج. تقف كلير في ضوء الشمس وعلى وجهها الأبيض أمارات الاضطراب، وتدير عينها في الغرفة وتبتسم وتتنهد، وتقف وأصابعها تعبث بالورق الذي على المنضدة، ثم تمسح بكفها قبعة ماليس وتظل منتظرة بشوق.)
ماليس (عائدا) :
أنت!
كلير (بابتسامة خفيفة) :
لست مجيدة جدا، هيه؟
ماليس (يدنو منها ثم يصد نفسه ثم يدير الكرسي) :
تعالي اجلسي، اجلسي (كلير تتنهد وتجلس)
سيكون الشاي مجهزا بعد قليل جدا. (يضع لها وسادة ويعد الشاي. تنظر إليه برقة ولكنه عندما ينتهي ويلتفت إليها تصوب نظرها إلى الأرض.)
كلير :
هل تعتقد أني جبانة جدا لأني جئت؟ (تخرج علبة سجاير ساذجة من محفظتها)
أتسمح لي أن أدخن؟ (ماليس يهز رأسه ثم يتراجع عنها مرة أخرى كأنما يخاف أن يدنو منها، فتعود إلى النظر إليه وهو لا يراها.)
ماليس :
وهكذا فقدت عملك.
كلير :
كيف عرفت؟
ماليس :
من أخيك؛ لقد سبقك بلحظة (كلير تنتفض واقفة)
خطر لهم أنك ستجيئين، وسيبحر هو غدا، ويريد منك أن تقابلي أباك.
كلير :
هل أبي مريض؟
ماليس :
بل قلق عليك.
كلير :
لقد كنت أكتب إليه كل أسبوع مرة (بتأثر)
إنهم لا يزالون ورائي.
ماليس (يلمس كتفها برقة) :
لا بأس، لا بأس. (تجلس على الكرسي ثانية ويتراجع هو مرة أخرى، وتعود هي فتنظر إليه بشوق حتى إذا التفت إليها تفزع.)
كلير :
لقد صارت أعصابي سخيفة في الأيام الأخيرة، وأظن هذا من تأثير الخوف والحذر والجو الفاسد، والإحساس بأن الناس ينظرون إلي، ويتكلمون عني، ويكرهون أن أكون هناك.
ماليس :
نعم، هذا يحتاج إلى قوة قلب.
كلير :
إني أحتجب طول الوقت، والشيء الوحيد الذي أعرفه - على التحقيق - هو أني لن أرجع إليه، وكلما ازددت كرها لما أنا صانعة زادت ثقتي ويقيني، وقد يحدث لي أي شيء إلا ذاك.
ماليس :
كانت أيامك سيئة؟
كلير :
إني مدللة، ومن البلاء أن تكون المرأة سيدة إذا كانت مضطرة أن تكسب رزقها، على أني لا أظن أن أيامي كانت عصيبة، لقد كنت أبيع في بعض المتاجر، وأعيش على خير مما يعيش أكثر العاملات في الدكاكين.
ماليس :
هل كانوا مؤدبين معك؟
كلير :
كثيرات من البنات ظريفات جدا، ولكنهن لا يردن أن أكون معهن؛ لسبب ما، وأحسبهن يرين أني مترفعة قليلا أو نحو ذلك، (وهنا تشير إلى صدرها)
لا أحسب أني أريدهن أيضا.
ماليس :
أنا فاهم.
كلير :
لقد كنت أنا والمسز فولرتون في جمعية لمساعدة السيدات البائسات على الحصول على عمل، وإني الآن لأعرف ماذا يحتجن إليه، إنهن يحتجن مالا كافيا لا يضطرهن إلى العمل، هذا كل شيء (تنظر إليه فجأة)
لا تتوهم أني شر مما أنا في الحقيقة. إن العمل تحت سلطة الآخرين، الاضطرار إلى ذلك، الانسياق إليه، هذه هي الصعوبة، ولقد جاهدت ولم أكن جبانة، كلا ولكن في كل صباح، في نفس الموعد أذهب إلى المحل، وفي كل يوم نفس الغذاء المرذول كما يسمينه، وفي كل مساء نفس التحية «عمي مساء يا مس كلير» «عمي مساء يا مس سمون» «عمي مساء يا مس هارت» «عمي مساء يا مس كلير» والمشي إلى البيت في نفس الطريق أو في نفس السيارة، والرجال الذين لا يصح أن أنظر إليهم يتبعونني (تنهض)
أوه! والإحساس دائما بأنه ليس ثم لا شمس ولا حياة ولا أمل، لا شيء كأن الواحدة مريضة، ثم الرغبة في أن أركب وأرقص، وأخرج إلى الضواحي والريف - (تهدأ وتجلس)
لا يسؤ رأيك في جدا؛ إنها حياة فظيعة حقيقة.
ماليس :
لماذا آثرت أن تعملي في دكان؟
كلير :
لحاجتي إلى الشهادات والتوصيات، ثم إني لم أرد أن أكذب أكثر مما يلزم، وأنت تعلم أن المرأة المتزوجة لا يسعها أن تقول الحقيقة، ولست أعرف الكتابة على الآلة الكاتبة ولا الاختزال، أما الغناء والرقص فقد خطر لي أنك ربما لا ترتاح ...
ماليس :
أنا؟ وأي شأن ... (يصد نفسه)
وهل كان الرجال وحوشا؟
كلير (تختلس نظرة إليه) :
يتبعني أحدهم كثيرا ... وفي إحدى الليالي أمسك بذراعي، فاكتفيت بأن أستل له هذا (وتخرج دبوسا من قبعتها وتمسكه كأنه خنجر، وتطوي شفتيها على أسنانها كالكلب حين يهم بأن يعض)
وقلت له: «هل لك من فضلك أن تدعني وشأني.» فتركني وأظن هذه كانت طريقة حسنة، وكان في الدكان رجل مؤدب - كنت آسفة من أجله - يا له من رجل متواضع!
ماليس :
مسكين! إنه من الصعب ألا يشتهي المرء القمر. (ترفع كلير عينها إليه حين تسمع نبرة صوته ووجهه ليس إليها.)
كلير (برقة) :
كيف كانت حالك أنت؟ أكنت تشتغل كثيرا؟
ماليس :
أشتغل بقدر ما أعطاني الله من قوة.
كلير (تختلس نظرة أخرى إليه) :
هل عندك ورق تريد أن تنقله على الآلة الكاتبة؟ إني أستطيع أن أتعلم ولا تزال معي حلية في مقدوري أن أبيعها وأنتفع بثمنها، أي الأنواع خير؟
ماليس :
لقد كانت عندي قائمة بأنواعها لا أعلم أين هي. (يذهب إلى الغرفة الداخلية ولا يكاد يخرج حتى تنهض كلير وكفاها على خديها كأنها تحس النار متقدة فيهما، ثم تقف منتظرة ويداها متصافقتان. يعود ماليس بالقائمة.)
ماليس :
هل تستطيعين الكتابة في بيتك؟
كلير :
أنا مضطرة إلى البحث عن غرفة أخرى، لا بد من الانتقال لأكون آمنة (تخرج من تحت قفازها إيصالا بإيداع أشيائها)
لقد حملت أشيائي إلى محطة شيرنج كروس؛ حقيبة صغيرة وأخرى كبيرة. (ثم تقول له وعلى وجهها دلائل التهيؤ للاندفاع إلى مجازفة)
أظنك لا تريدني الآن؟
ماليس :
ماذا؟
كلير (بصوت يكاد يكون كالهمس) :
لأنك إذا كنت لا تزال تريدني فإني أشتهي ذلك الآن.
ماليس (ناظرا بقوة إلى وجهها الباسم المضطرب) :
هل تعنين ما تقولين؟ هل تريدين؟ هل تحبينني؟
كلير :
لقد كنت أفكر فيك كثيرا، ولكن يجب أن تكون واثقا من إحساسك أنت! (يحتضنها ويقبل عينيها المغمضتين، ويقفان هكذا لحظة حتى يسمعا صوت المفتاح في قفل الباب.)
ماليس :
إنها خادمة البيت، أعطني هذا الإيصال؛ سأرسل من يجيء بحقائبك. (تطيعه وتناوله الإيصال وتبتسم، وتذهب في سكون إلى الغرفة الداخلية. تدخل المسز ميلر ولا يظهر على وجهها الصيني السحنة أنها رأت شيئا.)
ماليس :
هذه السيدة ستبقى هنا يا مسز ميلر، فأرجو أن تذهبي بهذا الإيصال إلى محل الودائع في محطة شيرنج كروس، وأن تحضري الحقائب في مركبة، أمعك نقود؟
المسز ميلر :
نصف كرون (تأخذ الإيصال ثم تقول عرضا)
إذا كنت لا تعلم فاعلم أن الاثنين يلازمان السلم الآن. (ولا تكاد تخرج حتى تصدر عن ماليس حركة تدل على هياج شيطاني، يمشي على أطراف أصابعه إلى الباب الخارجي وينصت، ثم يضع يده على أكرة الباب يديرها بلا صوت، ويفتح الباب فجأة فيظهر في ضوء الشمس في آخر الممر رجلان متلاصقان يتسمعان ويتشاوران. يفاجآن فيرتدان.)
ماليس (بوحشية غريبة لا يكاد يكون فيها ضوضاء) :
لقد طاردتماها حتى لا مفر لها، انتهت مهمتكما! (يغلق الباب في وجهيهما.)
المنظر الثاني (الغرفة عينها بعد ثلاثة شهور في الشتاء - بعد الظهر - وقد صار للغرفة مظهر أنيق، وعلى الأبواب ستائر، وتحت النافذة مقعد كبير، والكتب مرتبة على رفوفها، وثم عدة زهريات صغيرة فيها الورود والأزاهير، ويبدو ماليس جالسا على كرسيه ذي المسندين قريبا من الموقد والورق على ركبته والقلم في يده؛ وكأنه شاب وهزل، وحول كرسيه الأوراق المبعثرة كالعادة، وعلى المنضدة - بقرب النافذة - آلة كاتبة تكتب بها كلير، تفرغ من سطر ثم تضم أوراقا بعضها إلى بعض، وتدون ملاحظة على بطاقة؛ تجمع بعض الأرقام، وترسم خطا تحت المجموع.)
كلير :
متى تسلمت أجرة هذا يا كنت فسأكون قد كسبت جنيهين وسبعة عشر شلنا في الشهور الثلاثة، واقتصدت لك نحو ثلاثة جنيهات، مائة وسبعة عشر شلنا بحساب بنسين في الألف عن مائة وأربعين ألف كلمة، بمعدل ألف وأربعمائة كلمة في الساعة؛ فأنا أشتغل ساعة أو أكثر قليلا في اليوم، ألا تستطيع أن تساعدني على الحصول على مقدار آخر من العمل؟ (ماليس يرفع اليد التي فيها القلم ثم يدعها تهوي مرى أخرى. كلير تغطي الآلة الكتابة وتربطها.)
كلير :
لقد أعددت حقائبي فهل أعد لك حقائبك؟ (ماليس يهز رأسه موافقا)
ألا تستطيع أن نبقى أكثر من ثلاثة أيام على شاطئ البحر (يهز رأسه)
أن «لا» (تدنو منه)
هل نمت البارحة؟
ماليس :
نعم، نمت.
كلير :
رأسك يوجعك؟ (يهز رأسه أن نعم)
في مثل هذه الساعة بعد غد تنظر القضية وينتهي أمرها؛ لعلك لست مكروبا من أجلي؟ إني لا أعبأ شيئا، وكل ما يعنيني هو أبي المسكين. (ماليس يرفع نفسه من الكرسي بجهد ويتمشى في الغرفة.)
كلير :
هل تعرف يا كنت لماذا لا يطالب بتعويض بعد أن قال ما قال هنا يومئذ؟ (تنظر إليه فجأة)
أليس صحيحا أنه لا يطالب بتعويض؟
ماليس :
كلا، ليس بصحيح.
كلير :
ولكنك قلت لي هذا بنفسك.
ماليس :
كنت أكذب.
كلير :
لماذا؟
ماليس (يهز كتفيه) :
لا فائدة الآن من الكذب فستعرفين كل شيء غدا.
كلير :
بكم يطالب؟
ماليس :
بألفي جنيه (بمقت)
سيهب فوائدها لك (يضحك)
يا لها من مهارة! بضربة واحدة يهلك عدوه وينتقم لشرفه، ويضيف إلى اسمه حلية الكرم والمروءة.
كلير :
وهل ستضطر إلى دفع التعويض؟
ماليس :
إن الحجارة لا يقطر منها الدم.
كلير :
ألا تستطيع أن تقترض؟
ماليس :
ليس في وسعي الحصول حتى على ما يكفي لمصاريف الدعوى.
كلير :
هل سيعلنون إفلاسك إذن؟ (يهز رأسه موافقا)
ولكن هل معنى هذا أنك ستفقد دخلك؟ (ماليس يضحك)
ما هو دخلك يا كنت؟ (يلزم الصمت)
إني أعرف أنك تتناول مائة جنيه وخمسين في السنة من جريدة «واتشفاير» فماذا هناك غير ذلك؟
ماليس :
ربحت أربعين جنيها من خمسة كتب.
كلير :
وماذا أيضا؟ قل لي.
ماليس :
من خمسين إلى مائة جنيه في السنة، دعيني أيتها الطفلة أقرض بأسناني طريقي في الحياة. (كلير تقف ناظرة إليه بأسى ثم تدخل الغرفة التي وراءها بسرعة. ماليس يتناول الورقة والقلم. الورقة بيضاء ليس فيها حرف مكتوب.)
ماليس (يتحسس رأسه) :
كله دخان. (يلقي الورقة والقلم ثم يدخل الغرفة التي إلى اليسار. كلير تعود بصندوق صغير من الجلد وتضعه على منضدتها في الوقت الذي يدخل فيه ماليس ووراءه المسز ميلر لابسة قبعتها وحاملة معطفه.)
المسز ميلر :
البس معطفك ... إن البرد قارس (يلبس المعطف) .
كلير :
أين أنت ذاهب؟
ماليس :
إلى الجريدة. (يغلق الباب وراءه، تذهب المسز ميلر إلى كلير وفي يدها زجاجة زرقاء عليها ورقة حمراء وهي مملوءة تقريبا.)
المسز ميلر :
أتعرفين أنه يشرب هذا (تشير إلى فمها)
ليستطيع أن ينام؟
كلير (تقرأ ما على ورقة الزجاجة) :
أين كانت هذه؟
المسز ميلر :
في دولاب الحمام حيث يحفظ بعض أشيائه، لقد كنت أبحث عن حمالة جواربه فوجدتها.
كلير :
أعطينيها.
المسز ميلر :
شرب منها مرة قبل اليوم؛ لا بد من النوم. (تتناول كلير الزجاجة وتشمها وتذوق ما فيها بطرف أصبعها، المسز ميلر تلوي طرف مريلتها وتتكلم.)
المسز ميلر :
لقد كنت أريد أن أتكلم معك من زمان طويل أن مجيئك إليه لم يعد عليه بالخير
كلير :
لا تقولي شيئا، أرجو.
المسز ميلر :
لست أريد أن أقول شيئا ولكني مضطرة، فهذه قضية الطلاق وما جرته، وأنت سيدة وهو مضطر أن يعنى بك ويحاول أن يقتصد؛ لا يدخن طول النهار على عادته السابقة، ولا يشرب زجاجتي النبيذ بانتظام كما كان يفعل من قبل، ثم الأرق والتجاؤه إلى هذه المادة طلبا للنوم، ثم هذه الحكاية الأخيرة. لقد رأيته يجلس ويتناول رأسه بين يديه كأن رأسه سيسقط عن بدنه (تلمح ألم كلير فتستمر بلهجة العطف)
إني أعرف أنك تحبينه، ولست أحصي عليك ذنبا؛ فإنك لا تسببين له أي تعب أو مضايقة، ولكني معه منذ ثماني سنوات وقد ألفني وألفته، ولست أطيق أن أراه يتغير على هذا النحو، كلا لا أطيق حقيقة. (تحدث بأنفها صوتا ثم يزول انفعالها ويتركها جامدة كعادتها.)
كلير : «الحكاية الأخيرة»؟ ماذا تعنين بها؟
المسز ميلر :
إذا كان هو لم يخبرك فلا أعرف أن من حقي أن أخبرك أنا.
كلير :
أرجو.
المسز ميلر (كفاها تتلويان معا بسرعة) :
إنها حكاية متعلقة بجريدة «واتشفاير» أحد الذين يكتبون فيها صديق للمستر ماليس، وقد جاء إلى هنا صباح اليوم بعد أن خرجت، وكنت أرتب هذه الغرفة الأخرى (تشير إلى الغرفة اليمنى)
ولما كان الباب مفتوحا فقد سمعت كلامهما؛ فإن الستائر التي علقتها لا تحجب الصوت.
كلير :
ثم؟
المسز ميلر :
كانا يتكلمان عن قضية الطلاق، هذه الجريدة «واتشفاير» يملكها أناس لا يحبون أن تلغط الصحف بأمر الموظفين فيها، وقد كان صديق المستر ماليس يكلمه في هذا، وكان ظريفا فقال له: «إذا عرضت هذه القضية على المحكمة فستفقد وظيفتك؛ لأن هؤلاء المتسولين، هؤلاء الكلاب، هؤلاء الكتل الخشبية سيطردونك» وقد كان صوته يشعر بصدق إخلاصه، وكان متأثرا جدا. هذه هي الحكاية.
كلير :
إن هذه وحشية!
المسز ميلر :
هذا رأيي أيضا ولكن رأينا لا قيمة له، وقد قال له صديقه: «إن المسألة مسألة مبدأ، وليس لها علاقة بإمكان تأثر الجريدة»، ثم راح يستعمل لغة خشنة، يا له من رجل طيب! ثم قال المستر ماليس: «إن هذا قضاء تام علي».
كلير :
أشكرك يا مسز ميلر على إخباري بهذا.
المسز ميلر :
نعم، وإن كنت لا أعرف أنه كان ينبغي أن أخبرك (ثم بقلق شديد)
إني لا أعبأ بما يبدر من المستر ماليس، فإني أعرفه حق المعرفة، إنه رجل طيب يحب مساعدة الغير، وأغرب من هذا أنه يظل يساعدهم حتى وهم يسيئون إليه؛ إنه عنيد جدا، ولما جئت إلى هنا منذ ثلاثة شهور قلت لنفسي: إنه سيتمتع بوجودها زمنا، ولكنها سيدة لا تصلح له، إن به حاجة إلى امرأة تفكر فيما يفكر فيه، وتتحدث فيما يتحدث عنه، على أني - أحيانا - أعتقد أنه لا يريد أن تبقى معه امرأة قط.
كلير :
كفى.
المسز ميلر :
الله يعلم أني لا أريد أن أؤلمك فإن مركزك حرج جدا، ولا يجوز أن تكره المرأة ... المرأة ... هذا رأيي ...
كلير :
هل لك أن تقضي لي حاجة؟ (المسز ميلر تهز رأسها موافقة، كلير تتناول الأوراق وتخرج من الصندوق مذكرة وقطعة من الزبرجد.)
خذي هذه مع المذكرة إلى العنوان المكتوب عليها، إنه قريب جدا، وسيعطيك صاحب العنوان ثلاثين جنيها، ادفعي منها هذه الفواتير، وهاتي الإيصالات والباقي.
المسز ميلر (تتناول الزبرجدة والعنوان) :
إنها حلية جميلة.
كلير :
نعم، لقد كانت ملكا لأمي.
المسز ميلز :
إن من دواعي الأسف أن تفديها، أليس هناك سواها؟
كلير :
كلا، لا شيء غيرها يا مسز ميلر حتى ولا خاتم الزواج.
المسز ميلر (بتأثر) :
إنك تجعلين قلبي يبكي أحيانا! ... (تلف الزبرجدة والعنوان في منديل وتمضي إلى الباب.)
المسز ميلر (من الباب) :
هنا سيدة ورجل ... المسز فولر، تريد أن تحدثك أنت لا المستر ماليس.
كلير :
المسز فولرتون؟ «المسز ميلر تهز رأسها أن نعم» أدخليهما.
المسز ميلر (تفتح الباب إلى آخره، وتقول) : «تفضلا» (وتخرج) . (تدخل المسز فولرتون ولكن مع المحامي تويسدن لا مع زوجها.)
المسز فولرتون :
كلير يا عزيزتي، كيف أنت بعد هذا الزمن الطويل؟
كلير (وهي ناظرة إلى تويسدن) :
ماذا؟ ...
المسز فولرتون (وقد اضطربت لهذه المقابلة) :
لقد أحضرت معي المستر تويسدن ليقول لك شيئا، فهل تسمحين لي أن أبقى؟ ...
كلير :
نعم (تشير إلى الكرسي. تجلس المستر فولرتون)
والآن؟
المستر تويسدن :
إنك لا تنوين أن تدافعي عن نفسك في المحكمة؛ ولهذا لم أجد أمامي سوى أن ألجأ إليك ...
كلير :
أرجو أن تبين لي الداعي إلى مجيئك ...
تويسدن (ينحني قليلا) :
لقد كلفني المستر ديدموند أن أقول: إنه مستعد أن ينزل عن القضية، وأن يرتب لك ثلاثمائة جنيه في العام إذا تركت صاحبك الحالي وتعهدت أن لا تريه (كلير تبدي علامة اشمئزاز)
لا تسيئي فهمي من فضلك، إن هذا لا يقصد به أن تعودي إلى زوجك؛ فإنه ليس مستعدا لأن يعود إلى معاشرتك مرة أخرى، والغرض من هذا الاقتراح الغريب جدا أن ينقذ أسرته وينقذك من الفضيحة، وهو لا يلزمك بأكثر من أن تفارقي صاحبك الحالي مع شروط معينة خاصة بالمستقبل من هذا القبيل، وبعبارة أخرى: يتعهد زوجك بكفالة مستقبلك ما دمت تعيشين وحدك.
كلير :
هل لك من فضلك أن تشكر المستر ديدموند وأن تبلغه أني أرفض.
المسز فولرتون :
كلير، أتوسل إليك أن لا تتهوري. (كلير تنظر إليها وهي جامدة)
تويسدن :
إني مضطر يا مسز ديدموند أن أعرض عليك الموقف بكل ما ينطوي عليه من الفظاعة، فهل تعرفين أنه يطالب بتعويض؟!
كلير :
علمت بهذا الآن فقط ...
تويسدن :
وهل تدركين النتيجة التي لا بد أن تترتب على هذه القضية؟ ستكونين حميلة على مفلس لم تبرأ ذمته من دينه، وبعبارة أخرى: ستكونين حجرا مشدودا إلى عنق غريق.
كلير :
إنكم جبناء.
المسز فولرتون :
كلير، كلير (ثم للمستر تويسدن)
إنها لا تعني ما تقول؛ فكن حليما، أرجو.
كلير :
بل أعني ما أقول، إنكم تقضون عليه بالخراب من أجلي، بسببي تلقونه على الأرض ثم تركلونه بأرجلكم لتحملوني على الخضوع.
المسز فولرتون :
يا حبيبتي، إن المستر تويسدن ليس له شأن شخصي، فكيف تقولين له هذا الكلام؟
كلير :
لو كنت مشرفة على الموت لما أخذت مليما من زوجي ولو كان في ذلك نجاتي.
تويسدن :
إن هذه ألفاظ مرة جدا، فهل تريدين أن أبلغه إياها؟
كلير :
نعم. (تدير وجهها إلى الموقد.)
المسز فولرتون (لتويسدن) :
أرجو أن تدعني معها، لا تقل شيئا للمستر ديدموند الآن.
تويسدن :
لقد قلت لك مرة: إني أتمنى لك الخير، ومع أنك وصفتني بالجبن فإني ما زلت أتمنى لك الخير، فأستحلفك بالله أن تفكري قبل أن يفوت الأوان.
كلير (ترفع يدها إليه) :
إني آسفة وأعتذر إليك من قولي: إنك جبان، إنما عنيت الموقف كله.
تويسدن :
لا تهتمي بهذا، ولكن فكري (يخرج وكأنه يرى شيئا لا يريد أن يراه. كلير تسند جبينها إلى الرف وكأنها لا تشعر بمن معها. المسز فولرتون تدنو في سكون حتى ترى وجهها) .
المسز فولرتون :
يا حبيبتي، لا تغضبي مني أنا. (كلير تدير وجهها عنها كأنها تريد أن تنحي عينها عن الناس حتى لا ترى إلا ما يدور بنفسها)
هل يسعني إلا أن أريد إنقاذك من هذه المأساة؟
كلير :
أرجو أن تكفي يا دوللي، دعيني وشأني.
المسز فولرتون :
لا بد لي من الكلام يا كلير، إني أعتقد أنك ظالمة لجورج؛ فإنه لكرم منه أن يعرض عليك سحب القضية، وإن عليك لواجبا نحونا أن تحاولي إعفاء والدك وأخواتك وإعفاءنا جميعا - نحن الذين نعني بأمرك - من هذا الأسى.
كلير (تواجهها) :
تقولين: إن جورج كريم، لو كان يريد أن يكون كريما لما طالب بهذا التعويض، إنه يريد الانتقام، وقد قال هذا على مسمع مني هنا، وأنت تعتقدين إني أسأت إليه. نعم، أسأت إليه لما تزوجته، لست أعرف ماذا يكون مصيري؟ ولكني لن أبلغ من السقوط درجة أضطر معها إلى قبول المال منه. هذا محقق كالموت.
المسز فولرتون :
إيه يا كلير، إن هذا فظيع، إنك أرق من أن تحتملي متاعب الحياة، وأقل رقة مما ينبغي أيضا، وأنت حساسة جدا فلست تقبلين معونة، ولكنك لست من القوة بحيث تستغنين عن المساعدة، إن هذه مأساة. على كل حال يحسن على الأقل أن تذهبي إلى أهلك.
كلير :
بعد هذا؟
المسز فولرتون :
إذن تعالي إلينا.
كلير : «أما لو استطعت أن أكون الطل المتساقط أن أقبلك طول اليوم» كلا يا دوللي. (المسز فولرتون تدير وجهها خجلا واضطرابا، ولكن عينها السريعة ترى ما في الغرفة وهي تحاول أن تهتدي إلى حجة جديدة تهاجم بها كلير.)
المسز فولرتون :
لا يمكن أن تكوني. لست سعيدة هنا؟
كلير :
ألست سعيدة؟
المسز فولرتون :
أوه! بالله يا كلير أنقذي نفسك وأنقذينا جميعا.
كلير (بهدوء) :
إني أحبه.
المسز فولرتون :
لقد كنت تقولين إنك لن تحبي أبدا، إنك لا تريدين الحب ولن تريديه.
كلير :
هل قلت ذلك؟ عجيب.
المسز فولرتون :
بالله لا تتكلمي هكذا وإلا بكيت.
كلير :
إن المرء لا يعرف المستقبل، أليس كذلك؟ (بحرارة)
إني أحبه، أحبه.
المسز فولرتون (فجأة) :
إذا كنت تحبينه فكيف يكون حالك وأنت تعلمين أنك سببت له الخراب؟
كلير :
اذهبي، اذهبي.
المسز فولرتون :
لقد قلت: إنك تحبينه.
كلير (وهي ترعش من الوخزة فجأة) :
لا بد، لا بد أن أحتفظ به؛ إنه كل ما أملك.
المسز فولرتون :
هل تستطيعين؟ هل تستطيعين أن تستبقيه؟
كلير :
اذهبي.
المسز فولرتون :
سأذهب ولكن من الصعب استبقاء الرجال حتى الذين لم تخرب حياتهم المرأة، وأنت لا شك تعرفين نوع الحب الذي يحمله لك هذا الرجل، وهل هو حب حقيقي أو زائف؟ والله معك إذا كان زائفا. (تستدير لتخرج وتقول بحزن)
إلى اللقاء وإذا استطعت ... (تخرج وتعيد كلير قولها بصوت خافت: «لقد قلت إنك تحبينه» وتسمع صوت المفتاح في الباب، فتجري كأنها تريد أن تهرب إلى غرفة النوم ولكنها تغير رأيها وتبقى. يدخل ماليس ولا يراها أولا وهي واقفة أمام الستار الذي يشبه لونه لون ثوبها، ويبدو كأن غضبا عقيما مستول عليه، ثم يراها فتتشدد ويمشي إلى كرسيه ويجلس عليه من غير أن يخلع قبعته ومعطفه.)
كلير :
الجريدة هيه؟ يحسن أن تخبرني.
ماليس :
ليس هناك ما أخبرك به يا فتاتي. (تحس الرقة من نبرات صوته فتدنو منه وتركع إلى جانب كرسيه. يرفع ماليس قبعته.)
كلير :
إذن ستفقد عملك فيها أيضا (ماليس يحدق في وجهها)
إني أعرف، لا تسلني كيف؟
ماليس :
يا للكلاب المنافقة!
كلير (بصوت خفيض جدا) :
إن هناك أعمالا أخرى يمكن الحصول عليها، أليس كذلك؟
ماليس :
أوه كثيرة جدا! ليس علي إلا أن أخرج وأصيح «ماليس مؤلف خائب، وصحفي نزيه جدا، حر الفكر، زان ، مفلس» وإذا بالأعمال تتساقط على رأسي.
كلير (بهدوء) :
هل تحبني يا كنت؟ (ماليس يحملق في وجهها)
ألست في نظرك أكثر من امرأة جميلة؟
ماليس :
ليس هذا بوقت التفكير وإرخاء الأجنحة؛ فأيقظي نفسك وانهضي للكفاح.
كلير :
نعم.
ماليس :
إننا لا ننوي أن ندعهم يطحنوننا، أليس كذلك؟ (تحك خدها في رأسه الذي لا يزال مسندا إلى كتفها)
الحياة على التسامح، التنفس بمشيئة العدو، ثم يدركه العطف علينا يوما حين يفيض معين رحمته؛ فيأذن لنا بالحق في أن نأكل ونشرب ونتنفس مرة أخرى (ويبدي إشارة يتلخص فيها مقته ونقمته)
حسن، (يضع قبعته وينهض)
هذه آخر أنة يستطيعون أن ينالوها مني.
كلير :
أخارج أنت مرة أخرى؟ (يهز رأسه أن نعم)
إلى أين؟
ماليس :
ألتقط بعض الأعمال التي ستتساقط علي. موعد قطارنا السادسة. (يدخل حجرة النوم. تنهك كلير وتقف بجانب الموقد وهي تجيل عينها بذهول، وتمد يدها وتجمع بطريقة آلية أزهار البنفسج التي في الزهرية، ثم تلوي أغصانها فجأة وتهوي إلى الكرسي الذي لا بد أن يمر به وهو خارج والبنفسج في يدها. يدخل ماليس ويمضي إلى الباب فترفع إليه يدها بزهر البنفسج، فيحدق فيه ويهز كتفيه ويمضي. تظل كلير لحظة جالسة بدون حراك.)
كلير (بهدوء) :
أعطني قبلة. (يدور ويقبلها ولكن شفتيه - بعد القبلة - ينمان عن المرارة التي تحسها شفاه من فعلوا شيئا لا يوافق مزاجهم. يخرج ويتركها واقفة بجانب الكرسي وجيدها يضطرب، ثم تمضي باضطراب إلى المنضدة الصغيرة وتتناول ورقة وتكتب، وترفع رأسها فجأة فترى المسز ميلر.)
المسز ميلر :
لقد دفعت حساب الخباز واللبان والغسالة والبدال وهذا ما بقي. (تضع على المنضدة ورقة بخمسة جنيهات وأربعة جنيهات وشلنين. كلير تطوي الورقة وتضعها في ظرف، ثم تأخذ الورقة النقدية ذات الخمسة الجنيهات وتضعها في ثيابها.)
كلير (مشيرة إلى النقود على المنضدة) :
خذي أجرتك، وسلميه هذه الرسالة حين يعود. إني ذاهبة.
المسز ميلر :
وحدك؟ ومتى تعودين؟
كلير (ناهضة) :
لن أعود (تنظر إلى يدي المسز ميلر اللتين تعبثان بثوبها)
سأترك المستر ماليس ولن أراه مرة أخرى، وستسحب القضية المرفوعة علينا - قضية الطلاق - أتفهمين؟
المسز ميلر (وقد تهضم وجهها) :
لم أكن أنوي قط أن أقول لك شيئا.
كلير :
ليس هذا ذنبك، فإني أستطيع أن أرى بعيني، فلا تجعلي موقفي أشق وأصعب؛ ساعديني وأعدي لي مركبة.
المسز ميلر (مضطربة القلب) :
إن الخادم في الخارج ينظف نافذة ال ...
كلير :
مريه أن يحضر ليحمل حقيبتي؛ إنها مهيأة. (تدخل حجرة النوم.)
المسز ميلر (وهي تفتح الباب بحزن) :
تعال! (يظهر الخادم في قميصه عند الباب.)
المسز ميلر :
السيدة تريد مركبة، فانتظر واحمل لها حقيبتها. (تدخل كلير لابسة قبعتها ومعطفها.)
المسز ميلر (للخادم) :
تعال. (يدخلان غرفة النوم طلبا للحقيبة، تتناول كلير طاقة الزهر من الأرض وتعبث بها وكأنها لا تدري أي شيء هي، وتقف ساكنة جدا بجانب الموقد بينما تمر بها المسز ميلر والخادم، وحتى بعد أن يحمل الخادم الحقيبة ويخرج بها وتعود المسز ميلر تظل كلير واقفة.)
المسز ميلر (مشيرة إلى الآلة الكاتبة) :
هل تريدين هذه أيضا؟
كلير :
نعم. (تحمل المسز ميلر الآلة الكاتبة لتخرجها حتى إذا وصلت إلى الباب وقفت لتتزود بنظرة أخيرة من كلير وتبكي، وتسمع كلير صوت بكائها فترفع رأسها إليها.)
كلير :
لا تبكي ليس ثمة شيء، الوداع. (تخرج غير ناظرة وراءها، وتحاول المسز ميلر أن تكتم صوت بكائها بطرف ثوبها.) «يسدل الستار»
الفصل الرابع
(وقت العشاء في غرفة صغيرة بمشرب «الجاسكوني» في يوم سباق الدربي، وترى من نوافذ ممر عريض يفتح عليه الباب زرقة الجو القاتمة.
في هذه الليلة الصيفية، والجدران ذهبية اللون، والسجاجيد والستائر وسقوف المصابيح والكراسي المذهبة حمراء، والأخشاب المنجورة والحواجز بيضاء، والنخيلات في أصص مذهبة، وثم منفذ بغير باب إلى غرفة أخرى صغيرة، وهناك منضدة صغيرة وراء الحاجز المواري، وأخرى في فضاء الغرفة، وإلى كل منهما كرسيان، ويوجد خوان عليه بضعة أطباق «أورديفر» وسلة خوخ وزجاجتا شمبانيا، وصحفة جندوفلي، وإلى الخوان أنبوبة للمخاطبة مع الغرف الأخرى.
يظهر أرنو الخادم وهو نحيف أسمر سريع وعلى وجهه سيما التهكم الهادئ، وهو يفتح الجندوفلي ويصغي إلى عبارات المرح الصادرة عن جماعة يتناولون العشاء، ويلعب أحدهم على بوق أو ناي أنشودة «هل تعرف جون بيل»، وإذ ينقطع اللحن يتمتم لنفسه بالفرنسية «جميل جدا» ويمضي في فتح الجندوفلي.
تمر سيدتان عاريتا الأذرع وعلى رأسيهما قبعتان كبيرتان في الممر، ويسمع حديثهما وهما يمشيان وأحدهما تقول: «كلا، لا أحب ليلة الدربي؛ فإن الشبان لا يكونون على ما يرام» ثم يسمع قول إحداهما: «هذا البوق؛ إنه سلوك سوقي».
يرتفع حاجبا أرنو ويهبط ركنا فمه، وتدخل سيدة عارية الكتفين وفي شعرها أزهار قرمزية من الممر، وتقف لحظة عند النافذة منتظرة رجلا يلحق بها، ويدخلان الغرفة، فيقف أرنو مستعدا للخدمة ولكن الرجل يقول: «دعينا ندخل هنا» فيمضيان إلى الغرفة الأخرى.
يظهر المدير وهو أنيق الشاربين مزرر السترة، نشيط لا يحدث ضجة، ولا يغيب عن عينه شيء، ويلقي نظرة على الخوخ.)
المدير :
الواحدة بأربعة شلنات الليلة، أفاهم؟
أرنو :
نعم يا سيدي. (يدخل من الغرفة الأخرى شاب ومعه سيدة وهي سمراء كالإسبانية، وهو وسيم باهت اللون حليق بسام وعينه نصف مغمضة، وهو أحد الذين أفقدتهم تربيتهم وسيرتهم كل شيء إلا القوة على إخفاء عواطفهم، يتكلم بصوت فاتر.)
ذو الصوت الفاتر :
ضجة فظيعة تلك التي يحدثونها هناك يا مستر فارلي؛ ذلك الرجل الذي ينفخ في البوق! ...
المدير (بصوت متحبب) :
إنه جادسدون هنت يا سيدي اللورد، يتعشون عندنا دائما ليلة الدربي. هذا ركن هادئ يا سيدي اللورد. أرنو؟! ... (أرنو يسرع إلى المائدة ويقف بين الحاجز والنخيلة، يجلس الاثنان، ويطمئن المدير فيسرع في خفة ويتركهما ...
تظهر في الممر سيدة في ثوب أسود ومعطف مفتوح مترددة في الدخول، تتقدم إلى الباب هي كلير!) ...
أرنو (مشيرا إلى المائدة الأخرى وهو يسرع بالأطباق) :
مائدة حسنة يا سيدتي. (تتقدم كلير إلى طرف المائدة، ولما كان أرنو دقيق الملاحظة لزبائنه؛ فهو يلمح بسرعة وجهها الشاحب، وشعرها الذي لا مبالغة في تسويته، والظلال المرتسمة تحت جفنيها، وأنه لا دهان ولا زينة على وجهها، وأن شفتيها غير مصبوغتين، وأنه ليس لها حلية واحدة، ويلاحظ أيضا ثوبها الأسود الجميل التفصيل، وذراعيها الناصعتين، وجيدها الأتلع، وثلاث زهرات على صدرها - يدنو منها فترفع عينيها وفيها نظرة تائه يلتمس الهداية.)
أرنو :
هل سيدتي تنتظر أحدا؟ (تهز رأسها أن لا)
إذن سيدتي ستكون مسرورة تماما ههنا، مرتاحة تماما. هل آخذ معطف سيدتي؟ (يتناول المعطف برفق ويضعه على ظهر الكرسي المقابل للغرفة لتستطيع بسهولة أن تلتف به حين تريده. تجلس.)
ذو الصوت الفاتر :
جرسون.
أرنو :
ميلورد.
ذو الصوت الفاتر :
الشمبانيا.
أرنو :
حالا ميلورد. (كلير ترسم بأصبعها على غطاء المائدة وعينها غير مرفوعة، ثم ترفعها مرة وتتبع حركات أرنو السريعة.)
أرنو (عائدا) :
هل تشعر سيدتي بحرارة؟ (يتأملها جيدا)
هل تطلبين شيئا يا سيدتي؟
كلير (ناظرة إليه نظرة التائهة) :
ألا بد أن أطلب شيئا؟ ...
أرنو :
كلا يا سيدتي، ليس هذا ضروريا. كوب ماء (يصب ماء)
لم أتشرف برؤية سيدتي من قبل.
كلير (بابتسام خفيف) :
كلا.
أرنو :
ستجد سيدتي أن المكان حسن جدا ... هادئ جدا.
ذو الصوت الفاتر :
جرسون.
أرنو :
عفوا يا سيدتي (يذهب) . (تعود السيدتان عاريتا الكتفين ماشيتين في الممر، ويسمع قولهما «توتي؟ كلا، إنها متكبرة» «بوبي لن يحتمل هذا» اسمعي يا عزيزتي ...) (تفزع كلير لصوتهما فتمسك معطفها وتقوم نصف قيام. ينقطع الصوت فتقعد مرة أخرى.)
أرنو (عائدا إلى كلير وهو يهز كتفيه إلى الممر) :
محلنا ليس فيه مثل هذه الضجة في العادة لا كغيره من المحلات! بعض الضوضاء في هذه الليلة. هل سيدتي مغرمة بالأزهار؟ (يدور ويعود بزهرية يجيء بها من مائدة في غرفة أخرى)
هذه جميلة الرائحة.
كلير :
إنك طيب القلب.
أرنو (ينحني) :
العفو يا سيدتي، إنه من بواعث سروري. (ينحني مرة أخرى.) (يدخل من الممر شاب طويل نحيف معروق معتدل القامة، شعر رأسه وشاربيه أصفر مقصوص محفي، ووجهه أحمر جدا، ورأسه طويل، يلبس معطفا خفيفا مفتوحا وقبعة أوبرا ملقاة إلى الوراء، وصدرية بيضاء على وسطه النحيل - يدير عينه وينظر إلى كلير، ويمر بمائدتها متجها إلى الغرفة الداخلية، ثم يقف بالباب ويلتفت إليها ثانية، وتكون هي قد رفعت عينها فتصوبها إلى الأرض، فيتردد الشاب ويلمح نظر أرنو ويدعوه إليه بإشارة من رأسه، ويدخل الغرفة الأخرى. أرنو يتناول وعاء لم تبق إليه حاجة ويخرج وراءه، وتظل كلير جالسة وحدها في صمت لا يقطعه إلا همس جيرانها وراء الحاجز، وأنفاسها مسرعة كأنها تلهث من الجري، ترفع عينها فترى الشاب الطويل بغير قبعته ومعطفه واقفا بجانبها ومادا إليها يده بشيء من الإقدام والخجل ممتزجين.)
الشاب :
كيف أنت؟ لم أعرفك أولا - آسف جدا - لقد كانت هذه وقاحة مني. (تنظر كلير كأن عينها تفر منه وتتوسل إليه وتستسلم في وقت واحد. يحس الشاب بعطف، يرخي يده.)
كلير (بضعف) :
كيف أتيت؟
الشاب (متلعثما) :
هل، هل كنت هناك اليوم؟
كلير :
أين؟
الشاب (بابتسام) :
في سباق الدربي، ماذا؟ ألا تذهبين في العادة؟ (يلمس الكرسي الثاني)
هل تسمحين لي؟
كلير (بصوت يكاد يكون همسا) :
نعم. (بينما يجلس يحضر أرنو ويقف أمامهما.)
أرنو :
طبق البيض شهي جدا الليلة يا سيدتي، شهي جدا يا سيدتي ثم خوخة أو اثنتان بعد ذلك، خوخ جميل جدا، النبيذ - ليس رديئا يا سيدتي - هل تحبه سيدتي مثلجا قليلا؟ (يعود إلى الخوان.)
الشاب (دافنا وجهه في الأزهار) :
أقول: إن هذه جميلة، أليست كذلك؟ إنهم يقدمون هنا خدمة حسنة جدا.
كلير :
صحيح؟
الشاب :
ألم تدخلي هذا المكان من قبل؟ (كلير تهز رأسها نفيا)
وحق الله، لقد خيل إلي أني لا أعرف وجهك! (كلير تنظر إليه. يحس الشاب أن شيئا يتحرك في صدره فيتلعثم)
أعني لست ...
كلير :
لا تهتم.
الشاب (باحترام) :
طبعا إذا، إذا كنت تنتظرين أحدا أو أي شيء ... فإني ... (يقوم نصف قيام) .
كلير :
كلا، وشكرا لك. (يجلس مرة أخرى قلقا. صمت لا يقطعه إلا أصوات الجيران وراء الحاجز، وأصوات المرح من بعيد. يجيء أرنو بالبيض.)
الشاب :
النبيذ بسرعة.
أرنو :
حالا يا سيدي.
الشاب :
ألا تذهبين إلى السباق أبدا؟
كلير :
كلا. (أرنو يصب النبيذ في الكأسين.)
الشاب :
إني أتذكر جيدا أول يوم شهدت فيه السباق، كان يوما قاسيا خسرت كل شلن وخسرت ساعتي وسلسلتها أيضا؛ لأني لعبت الورق وأنا عائد إلى البيت.
كلير :
لكل شيء أوله، أليس كذلك؟ (ينظر إليها الشاب وهي تشرب.)
الشاب (وقد أحس أنه غرق في ماء أعمق مما كان يقدر) :
أقول لك: كون الأشياء لها أوائلها، هل تعنين شيئا؟ (كلير تهز رأسها موافقة.)
الشاب :
ماذا؟ هل تعنين حقيقة أن هذه أول ليلة؟ (كلير تهز رأسها موافقة وقد شجعتها الشمبانيا.)
الشاب :
وحق السماء، لقد كنت دائما أعجب.
أرنو (يملأ الكأسين مرة أخرى) :
هل يجد سيدي.
الشاب (مقاطعا) :
حسن ... حسن. (يشرب كأسه ثم يجلس معتدلا كالعصا وقد تحركت في نفسه عواطف الشهامة والعطف على الأنداد.)
الشاب :
إني أستطيع أن أرى أنك لست، أعني أنك سيدة (كلير تبتسم)
وأقول لك: إذا كنت ... لأنك في مأزق، وإني أخشى أن أحس أني وغد؛ دعيني أقرضك.
كلير (رافعة رأسها وقائلة بالفرنسية) :
إن النبيذ فينبغي أن نشرب. (تشرب ويجيء تعبيرها بالفرنسية التي لا يفهم منها حرفا دليلا جديدا على أنها سيدة، فيجلس صامتا معبسا، وبينما كانت كلير ترفع كأسها دخل رجلان؛ أحدهما أشقر معتدل الطول أنيق القحة، وشعره الناعم المقصوص وشاربه قد وخطهما الشيب، وعلى إحدى عينيه نظارة مفردة، وهو ينظر كأنه سيد كل امرأة تقع عليها عينه، ووجهه عريض وفيه أمارات الغطرسة وآثار النبيذ، أما رفيقه فنحيف طويل، وهو عربيد خبيث النظرة دوارها، وخداه كالكهفين، يقفان ينظران حولهما ثم يدخلان الغرفة الأخرى، ولكنهما وهما يمران يحملقان بلا حياء في وجهها.)
الشاب (وقد رأى ألمها لنظرة الرجلين) :
اسمعي إني أخشى أن تعديني وحشا.
كلير :
كلا حقيقة.
الشاب :
هل أنت مفلسة تماما؟ (كلير تهز رأسها موافقة)
ولكن (ينظر إلى حلتها ومعطفها)
إن ثيابك جميلة جدا.
كلير :
لقد كنت حكيمة فاحتفظت بها.
الشاب (وقد ازداد اضطرابه) :
اسمعي، إنك تعرفين أتمنى لو سمحت لي أن أقرضك؛ لقد كسبت اليوم كثيرا في السباق.
كلير (ترسم بإصبعها على غطاء المائدة ثم تحدق في وجهه) :
كلا، لا آخذ بلا مقابل.
الشاب :
وحق الله لست أدري، حقيقة لست أدري، إن هذا يجعلني أشعر أني خسيس؛ أعني كونك سيدة.
كلير (مبتسمة) :
ليست هذه غلطتك، أليس كذلك؟ لقد انهزمت على طول الخط، ولست أبالي حقيقة ماذا يحدث لي؟ (تعود إلى وجهها النظرة الدالة على نشوة النفس)
كلا، إلا الصدقة لا أستطيع أن أقبلها، ومن حسن حظي أني وقعت معك لا مع رجل آخر ... (تزداد ضجة الجماعة التي تتعشى، وتسمع هتفة طويلة ونفخة قوية في البوق.)
الشاب :
ولكن أين أهلك؟ لا بد أن لك أهلا كائنين من كانوا. (يستولي عليه سحرها بسرعة لأن خديها قد اصطبغا بالحمرة من أثر الشراب وعينها التمعت.)
كلير :
نعم، كان لي أهل وزوج وكل شيء، وهذا أنا هنا. مدهش! أليس كذلك؟ (تلمس الكأس)
إنه يذهب إلى رأسي، فهل تبالي؟ لن أرفع صوتي بالغناء أو أنهض وأرقص، ولن تتساقط دموعي أعدك بذلك.
الشاب (مضطربا بين دوافع الشهامة وعوامل الافتتان) :
يا لله! إن المرء لا يستطيع أن يصدق أن مثل هذا يحدث لسيدة.
كلير :
هل لك أخوات؟ (ترسل ضحكة رقيقة خافتة)
إن أخي في الهند فلن أخشى أن أقابله على أي حال.
الشاب :
كلا، ولكن قولي لي هل انقطعت تماما عن كل إنسان؟ (كلير تهز رأسها)
لا بد أن شيئا فظيعا قد حدث. (تبتسم. يعود الرجلان. الأشقر يحدق في وجه كلير فتنظر إليه غاضبة، فيضحك ويمضي مع صاحبه إلى الممر.)
كلير :
من هذان الرجلان؟
الشاب :
لا أعرفهما، لم يتسع وقتي لغشيان هذه المحلات، فقد عدت منذ أيام فقط من الهند، لقد قلت: إن أخاك هناك، في أية فرقة؟
كلير (وهي تهز رأسها) :
كلا، لن أدعك تعرف اسمي، فليس لي اسم ليس لي شيء (تضع ذراعيها العاريتين على المائدة وتسند وجهها على كفيها) .
كلير :
أول يونيو، في مثل هذا اليوم من العام الماضي فررت، ومنذ ذلك اليوم وأنا أجري.
الشاب :
لست أفهم شيئا، لا بد أنه كان لك رجل ... (ولكن وجهها يتغير وجسمها يتصلب، فيمسك عن الكلام وينحي وجهه، وبعد هنيهة ينظر إليها ثانية فإذا هي تشرب، تضع الكأس وتضحك ضحكة صغيرة.)
الشاب (بشيء من التهيب) :
على كل حال لا بد أن مجيئك إلى هنا في هذه الليلة كلفك مجهودا عنيفا.
كلير :
نعم، ماذا في الجانب الآخر؟ (الشاب يمد يده ويلمس ذراعها عطفا عليها، فتظنه يغازلها.)
كلير (وهي تهز رأسها) :
ليس الآن من فضلك فإني أتمتع بهذا، هل تسمح لي أن أدخن؟ (يخرج علبة السجاير ويقدم لها واحدة.)
كلير (وهي تخرج الدخان ببطء) :
نعم، أتمتع بهذا فقد كانت هذه الأيام الأخيرة عصيبة؛ لم أكن أجد الكفاية من الطعام أحيانا.
الشاب :
أصحيح هذا؟ يا له من حال لعين! اسمعي: كلي شيئا أدسم. (كلير تفهق فجأة كأنها توشك أن ينتابها ضحك عصبي، ولكنها تكتمه وتهز رأسها.)
الشاب :
ولو خوخة. (أرنو يجيء بالخوخ إلى المائدة.)
كلير (بابتسام) :
أشكرك. (أرنو يملأ الكأسين ويتراجع.)
كلير (رافعة كأسها) :
كل واشرب فإنك في غد. اسمع! (يسمع من ناحية الجماعة التي تتعشى غناء مشتركا متقطعا ختامه أصوات متنافرة ثم ينقطع.)
كلير : «اليوم يموت غزال» ما أحلى هذه الأغنية!
الشاب :
يا لهم من معربدين! (فجأة)
اسمعي إني معجب بشجاعتك.
كلير (تهز رأسها) :
لم أستطع المضي في الكفاح، كثيرات من النساء يستطعن ذلك ولكني أرق مما يجب، وليس لي القدر الكافي من اللباقة، أصدق صديقاتي قالت هذا عني (تضحك)
لم أستطع أن أكون قديسة أو ضحية، ولم أرض أن أكون لعبة بلا روح، لا هذا ولا ذاك، ومن هنا المأساة.
الشاب :
لا شك أن حظك كان سيئا جدا.
كلير :
لقد جاهدت (بعنف)
ولكن ما الفائدة ما دام أن ليس أمامك شيء؟ أأنا دميمة؟
الشاب :
كلا، بل رائعة الجمال.
كلير (بضحك) :
قال لي رجل مرة «ما دام ليس لك مال فقد كان ينبغي أن لا تكوني جميلة»، ولكنك ترى أن للجمال فائدة، ولو لم أكن جميلة لما استطعت أن أخاطر بالمجيء إلى هذا المحل. ألا تظن أني كنت جريئة حين اشتريت هذه؟ (تلمس الأزهار على صدرها)
اشتريتها بآخر شلن بقي معي بعد أجرة المركبة.
الشاب :
أصحيح هذا؟ إنها شجاعة.
كلير :
لا فائدة من التوسط، لقد نزلت إلى الميدان فتمن لي فيه التوفيق (تشرب وتضع كأسها بابتسام)
خضت البحر العميق (ترفع كفيها إلى ما فوق وجهها الباسم)
يهبط الإنسان، ويهبط حتى لا يبقى إلا رأسه، ثم يهبط ويهبط ... وينتهي الأمر، هل أنت الآن نادم على أنك كلمتني؟
الشاب :
لا وحق الله، وقد لا يكون هذا من النبل ولكني لست نادما.
كلير :
لنحمد الله على الجمال، وأرجو أن أموت جميلة. أتظن أني سأوفق في هذا الطريق؟
الشاب :
اسمعي، لا تتكلمي هكذا.
كلير :
إني أريد أن أعرف فقل لي.
الشاب :
إذن نعم ستوفقين.
كلير :
هذا بديع، وهؤلاء النسوة اللواتي يتمشين في الشوارع يتمنين أن لو بادلنني بعيونهن ليكن جميلات مثلي، أليس كذلك؟ إن عليهن أن يقطعن الطريق جيئة وذهابا، جيئة وذهابا، فهل تظن أني سأضطر أن أفعل مثلهن؟ ... (الشاب يهم بالنهوض ويضع كفه على ذراعها.)
الشاب :
أظن أنك مهتاجة أكثر مما يجب. إنك تبدين. ألا تأكلين خوختك؟ (تهز رأسها نفيا)
كليها أو خذي شيئا آخر إذن عنبا أو غيره.
كلير :
كلا، وأشكرك (وتكون قد هدأت جدا) .
الشاب :
حسن إذن، ما رأيك؟ إن الجو حار جدا هنا، أليس كذلك، أفلا يكون خيرا أن نركب سيارة في الهواء الطلق؟ فهل نقوم؟
كلير :
نعم. (يلتفت الشاب ليرى الخادم، ولكنه لا يكون في الغرفة فينهض.)
الشاب (محموما) :
لعن الله هذا الخادم. انتظري دقيقة - إذا لم يكن في هذا بأس - حتى أدفع الحساب. (يخرج إلى الممر فيدخل الرجلان. كلير جالسة لا تتحرك وهي ناظرة أمامها مباشرة.)
الأسمر :
أراهن بخمسة جنيهات على أنك لن تفوز بها.
الأشقر :
موافق. (يتقدم الأشقر إلى المائدة بوقاحة لا مثيل لها، ويخرج السيجار من فمه، ويصوب عينه إلى كلير ويقول «يسرني أن أراك في صحة جيدة، فهل تتعشين معي هنا غدا مساء؟»
تتنبه كلير فترفع إليه عينها فترى نظرته ونظرة زميله من ورائه، وهي نظرة خبيثة شريرة مترقبة، فتظل ناظرة بلا كلام، فيقول لها الأشقر من غير أن تزعجه نظرتها الصريحة «اتفقنا إذن، الساعة الحادية عشرة والنصف، أشكرك. عمي مساء».
ويعيد السيجار إلى فمه، ويكر راجعا إلى زميله ويقول له بصوت خافت «هات الرهان» ثم يسمعان صوتا ينادي «هالو شارلس!» فيلتفتان ليحيياه وراء الحاجز.
لم تتحرك كلير ولم تغير اتجاه نظرها، ثم تدفع يدها فجأة في جيب معطفها المعلق وراءها وتخرج الزجاجة الزرقاء الصغيرة التي أخذتها من بيت ماليس منذ ستة شهور، فتفتحها وتفرغها في كأس الشمبانيا، وترفع الكأس وتنظر إليها مبتسمة كأنها تشرب نخب أحد، ثم تدنيها من شفتيها وتشرب، وتضع الكأس وهي تبتسم وتسند الأزهار التي اشترتها إلى صدرها، وتسترخي شيئا فشيئا ببطء على الكرسي وعلى فمها الابتسامة الناعسة، فتقع الأزهار في حجرها وتسترخي ذراعاها، ويهبط رأسها على صدرها، والجالسون وراء الحاجز يتكلمون، وأصوات المرح من مائدة العشاء تهفو إلى الغرفة، وأحيانا ترتفع وأحيانا تخفت.
يدخل أرنو من الممر ويذهب إلى الخوان ومعه سلة فاكهة فيضعها، ويذهب إلى المائدة التي وراء الحاجز وينظر، ثم يعود إلى كلير.)
أرنو :
مدام! مدام! (يصغي إلى تنفسها ثم يلمح فجأة الزجاجة الصغيرة فيشمها)
يا إلهي! (يخرج الذين وراء الحاجز على صوته الغريب - وهم أربعة - وينظرون، ويقول الأسمر «هالو، هل أغمي عليها؟» فيمد أرنو يده بالزجاجة إليه.)
اللورد الفاتر (يتناول الزجاجة ويشمها) :
وحق الله! (تنحني المرأة على كلير وترفع يديها. يجري أرنو إلى التليفون ويتكلم.)
أرنو :
المدير بسرعة (يلتفت فيرى الشاب عائدا)
لقد فرت! لقد ماتت!
اللورد الفاتر (للشاب المذهول) :
ما هذا؟ أهي صديقتك؟
الشاب :
يا إلهي! لقد كانت سيدة، هذا كل ما أعرف عنها!
اللورد :
سيدة! (ويكون الرجلان الأسمر والأشقر قد تسللا من الغرفة، ويصل من ناحية الجماعة الذين يتعشون في الغرفة الأخرى صوت يغني أنشودة «لقد ذهبت» وصوت المزمار تغنى عليه أنشودة «اليوم يموت غزال» وختامها خافت هاف كأنه روح تصعد ثم تغرق الأنغام في ضجة الضحك، وقد غطى الشاب وجهه بكفيه، وراح أرنو يرسم الصليب على صدره بحرارة، أما اللورد فواقف يحدق وإحدى الأزاهير تتلوى بها أصابعه، وتقبل المرأة جبين كلير.)
Unknown page