Shari'ah, My Son
شريعة الله يا ولدي
Publisher
المطبعة السلفية
Edition Number
الأولى-١٤٠٧ هـ
Publication Year
١٩٨٧ م
Publisher Location
القاهرة
Genres
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الكتاب: شريعة الله يا ولدي
المؤلف: العلامة الشيخ / محمود غريب
(أسلم على يدي المؤلف خمسةٌ من علماء أوربا في فترة السبعينيات)
الناشر: المطبعة السلفية - القاهرة
الطبعة: الأولى - ١٤٠٧ هـ - ١٩٨٧ م
تنبيه:
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع]
جَزَى اللَّهُ كَاتِبَهُ وَمَنْ تَحَمَّلَ نَفَقَةَ الْكِتَابَةِ خَيرَ الجَزَاءِ وَأَوفَاهُ.
****************
الكتاب واحد من الكتب التي تم تدريسها لطلاب المعاهد والجامعات.
من عناوين الكتاب:
اللقاء الأول
في هذا الفصل
* طوبى للغرباء.
* لماذا الإسلام وحده؟
* لماذا غشاء البكارة؟
* الجانب الإلهي والجانب الاجتهادي.
* المساواة أهم منه.
* خيال المآتة.
اللقاء الثاني
في هذا اللقاء
* هل على الرجل عدة إذا طلق زوجته؟
* دور السنة في خدمة القرآن.
* ما يصدر عن بشريته، وما يصدر عن نبوته.
* أنتم أعلم بأمر دنياكم.
* نريد من هو أعلم منا بالقرآن.
* عندما نأكل السمك والكبد.
اللقاء الثالث
في هذا اللقاء:
* أدركوا هؤلاء الشباب.
* من الاعتماد إلى الاجتهاد.
* التلقي بالعقل، والتلقي بالقلب.
* نحو سلفية صحيحة.
* اختلاف لا يضر.
* إذا عرف السبب.
* الاختلاف الفقهي لا التعصب الفقهي.
* السواك ...
ومعجون الأسنان.
* هل تصلي خلف الإمام مالك؟
* من أجل صاحب هذا القبر.
اللقاء الرابع
في هذا اللقاء
* الذين يتطوعون بتيسير الزنا.
* هل ألسنة الناس أقلام الحق دائمًا؟
* قبر الجرائم الأخلاقية أفضل.
* لو كنت سترته بثوبك كان خيرًا لك.
* لا توثقوه بالحبال.
* أوله سفاح وآخره نكاح.
اللقاء الخامس
في هذا اللقاء
* الثوب صدقه عليه يا رسول الله.
* التكافل أولًا.
* السفينة قرارترنتى اصدق دلالة.
* بين العقاد وابن الأزرق.
* يد عاملة.
ويد عاطلة.
ويد عاجزة.
ويد عابثة.
* رقبة مانع الزكاة، قبل يد السارق.
* حروب الردة لماذا؟
اللقاء السادس
* حتمية الحصاد.
* القتل إعلام بنهاية الأجل.
وليس إنهاء للأجل.
* القاضي لم يهب القاتل الحياة، فلماذا يسلبها منه؟
* القصاص لا يعيد الحياة للمقتول.
ولكن.
* سأصبر ...
حتى يحكم الله.
* الشريعة تحكم الناس من داخلهم.
* آية الدين.
* عندما تعدل شهادة المرأة الواحدة شهادة رجلين.
اللقاء السابع
في هذا اللقاء
* منفعة بين إثمين.
* سر الإنسان كعِرضه.
* الهضم شيء آخر.
* دلالة الاجتناب أوسع.
* اجلدوا الصائم أولًا.
* ما ذنب هؤلاء؟.
* هل تضر مع الإيمان معصية؟.
* نحو منهج للعلاج.
1 / 2
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
مقدمة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ﷺ على النبي المصطفى.
أما بعد
فهذه الرسالة هي الرسالة الرابعة من "سلسلة يا ولدي" وهي حوار علمي حول جانب (العقوبات) في الشريعة الإسلامية.
وقد قسَّمت الشريعة الإسلامية إلى جانبين.
* الجانب الأول: جانب إلهي.
يأْخذ حكم العقيدة فمنكر كافر.
وهذا الجانب ثابت ثبوت القوانين الكونية.
فلا يقبل العُدُول ولا التعديل.
ونصوصه محددة، ومحدودة.
1 / 3
* الجانب الثاني: جانب اجتهادي.
أثْرَى الشريعة الإسلامية، فاستطاعت أن تسدّ حاجة الأُمَّة الكبيرة.
وقد بينت أصوله.
وسبب اختلاف الأئمة في استنباط الأحكام منه.
بما يرفع الملام عن الأئمة الأعلام ﵃.
ثم تحدّثت عن العقوبات مؤكّدًا النقاط التالية.
* أن الله يحكم عباده من داخلهم.
* كل شبهة في العقوبات يُفسِّرها الإسلام لصالح المتَّهم.
* إذا وقع الإسلام العقوبة على مذنب فالعقوبة "ذاتية" لا تمتدّ للأبرياء، كما أنها "وقتيَّة" لا يتبعها لعنة ولا إغلاق لأبواب العيش في وجه المذنب.
* شدَّد الإسلام في قبول دعوى الزنا تشديدًا يجعل قبولها من الصعوبة بمكان.
وأسقط العقوبة لأيِّ شبهة.
1 / 4
وقد بينّت أن الذين يدخلون البيت - عادة - بدون استئذان - كالمرأة والصبي - لا يقبل القضاءُ شهادتهما في الحدود وللزوج أحكام خاصة بينتها.
ثم ختمت الرسالة - بالحديث عن التوبة.
مؤكدًا أنّ تعطيل الحدود لا يعني تعطيل المغفرة.
والسلسلة - كما أجمع قراؤها الكرام - تجمع بين العمق والسهولة.
وقد دارت في بيت الشيخ عارف "بحيّ الكرخ ببغداد" والله أَسأَل أَن يوفقنا لخدمة هذا الدين العظيم.
وأَن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم
محمود غريب
سلطنة عمان - صلالة
1 / 5
اللقاء الأول
في هذا الفصل
* طوبى للغرباء.
* لماذا الإسلام وحده؟
* لماذا غشاء البكارة؟
* الجانب الإلهي والجانب الاجتهادي.
* المساواة أهم منه.
* خيال المآتة.
1 / 6
في غرفة المدرسين جلس الشيخ (عارف) مع زملائه يهنّئهم بالقرن الخامس عشر الهجري، ويشيد بالدور العظم الذي قدّمته الشريعة الإسلامية للعالم طوال هذه المدة.
فقد حافظت الشريعة على دولة الإسلام أكثر من ألف عام.
واعتنقتها شعوب ذات حضارات واسعة، وفلسفات متعددة، فوسعتهم، وحدّت مشاكلهم، فلم يشعروا في ظلَّها بغُربة.
وسبقت الغرب والشرق، في تأسيس قواعد دستوريّة وقضائية، لم يهتد العالم إليها إلا بعد ألف عام من الشريعة الإسلامية.
وحسب الشريعة فخرًا أنها أقامت أول نظام قضائي - العالم حَاكَمَ رئيس الدولة الأعلى، أمام المحاكم
1 / 7
العادية، وجعل سلطة القضاء فوق الجميع.
هذا في الوقت الذي كان العالم يؤمن بأنّ المَلكَ هو ظلّ الله في الأرض، فلا يسأل عمّا يفعل.
والناس أمامه يسألون.
لقد استطاعت الشريعة الإسلامية أَن تربي النفوس وأَن تُحكم السفينة، وأن تمنع المسلم من الجريمة، حتى مع أمنه من العقاب.
1 / 8
حوار بين منصف وعارف عن شريعة الإسلام
منصف: حديثك عن الشريعة الإسلامية، حديث المحامي المؤمن عن القضية العادلة.
عارف: الإسلام أعمق مما نعلم.
يا أُستاذ منصف.
منصف: لكنك تحدّثت عن الشريعة وهي شباب وسُنّة الحياة ...
كل قوي يضعف، وكل حي يموت، والرسول ﷺ قال: "بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأَ.
فطوبى للغرباء".
"رواه مسلم وأحمد"
عارف: هذا الحديث صحيح السند.
ولكنه لا يؤخذ على ظاهره (يا منصف) .
فهناك حديث آخر
1 / 9
صحيح أيضًا لابد أن يُدرس هنا ليتم المعنى.
قال ﷺ: "إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا".
(رواه أبو داوود.
٣٧٤٠)
فالإسلام بدأ غريبًا.
نم قوي فحكم العالم.
ثم عاد غريبًا.
ثم بعث الله بعد مائة عام من يُجدّد شبابه فأصبح قويًا.
ثم عاد غريبًا ثم بعث الله له من يُجدّد شبابه، وهكذا.
فالحديثان يرسمان خطًا بيانيًا لنبضات قلب الإسلام، قوة وغربة، ولكن الإسلام لن يموت.
﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا﴾ [الفتح ٢٨]
كرم: أربعة عشر قرنًا ليس بالعمر القصير.
ولا بالأمر السهل.
والزمن يُغير كل شيء.
عارف: لماذا يُوجّه هذا الكلام للإسلام وحده؟ لماذا لا يوجه للنصرانية - التي بلغت حوالي عشرين قرنًا؟
1 / 10
واليهودية التي بلغت أكثر من ذلك بكثير لماذا ...
الإسلام وحده؟!
كرم: قانون التطور كحجر الرحى ...
يطحن كل شيء.
عارف: هل يمكن لمرور الزمن أن يجعل العلم رذيلة؟ أو العدل ظلمًا؟ أو الفضيلة عارًا؟ يا أستاذ كرم.
الوسائل هي التي تخضع لقانون التطور.
فالقاضي يذهب اليوم إلى دار القضاء بالسيارة المريحة ويحافظ على الحقوق بأساليب علمية متطورة.
ويستفيد من الطب الشرعي "العدلي" في معرفة ظروف الجريمة وسلاحها.
ولكنّ التطور لا يجعل الظلم عدلًا.
ولا سلب حقوق الناس فضلية.
يا أُستاذ كرم.
إنّ الشريعة الإسلامية ثابتة ثبوت القوانين الكونية.
فقانون الجاذبية.
وقانون المدّ والجزر.
وقانون تمدّد المعادن بالحرارة.
كلها قوانين ثابتة
1 / 11
والشريعة كذلك.
لأن الذي قنَّن الشريعة، هو الذي قنّن القوانين الكونية.
والقرآن يُؤكد هذا المعنى فيقول.
﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ [الروم ٣٠] فقوانين الكون ثابتة.
ويقول أيضًا: ﴿لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ [يونس ٦٤] .
فقوانين الشريعة ثابتة أيضًا.
منصف: ثبوت القوانين الكونية لا نناقش فيه.
لأنّه أمر مشاهد.
ولكننا نناقش ثبوت القوانين الشرعية فقط.
عارف: من الصعب أن نُفرق بين قوانين الخَلْق، وقوانين الأًَخْلاَق.
لأنّ الله سبحانه - راعي الجانب الأخلاقي في تكوين الإنسان.
فالمهندس المدني عندما يضع رسمًا لإنشاء مصنع، فإنه يضع في اعتباره نوع الأغراض التي سينتجها هذا المصنع.
وضمانات السلامة له.
والله ﷾ وله المثل
1 / 12
الأعلى لما خلق الإنسان جعله مخلوقًا أخلاقيًا، ووضع فيه ما يؤهله لمهمته.
كرم: طبعًا هذا الكلام من الناحية النفسية فقط.
عارف: ومن الناحية العضوية كذلك.!! وقد قمت بدراسة لهذا الموضوع، عندما كنت شابًا، وخرجت بنتيجة إيجابية.
منصف: أنت لم تزل في شبابك يا شيخ عارف.
ولكن ما الدراسة التي قمت بها؟.
عارف: عملية الحمل والوضع والإرضاع - عند المرأة - عملية صعبة.
قال تعالى: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا﴾ [الأحقاف ١٥] وهذه المتاعب كفيلة أن تمنع المرأة من تكرار الحمل.
من أجل لك جعل الله سبحانه - الغريزة الجنسية عند المرأة أضعاف مثلها عند الرجل.
1 / 13
كما جعل عاطفة الأُمومة (عند المرأة)، أقوى بكثير من عاطفة الأُبوة
(عند الرجل) .
وذلك حتى تتهيّأ المرأة لحمل جديد.
كلما استعدّت لذلك.
متناسية آلام الحمل والوضع.
ولكن ثورة الجنس، ونداء العاطفة المُلح، قد يدفع المرأة للانحراف المبكر قبل الزواج.
لذلك نرى عظمة الله في خلق صمام الشرف (غشاءِ البكارة) حتى يمنع المرأة من تلبية كثير من الرغبات المنحرفة قبل الزواج.
فعملية التكوين العضوي للجسد، تؤكد مراعاة الجانب الأخلاقي في تكوين الإنسان فالإنسان كائن أخلاقي بتركيبه النفسي والعضوي كذلك ﴿لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ في تحريم الزنا مثلًا.
و﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ في جعل الإنسان كائنًا أخلاقيًا.
1 / 14
كرم: غشاء البكارة مسألة عضوية، تخضع لنظرية التطور - التي قال بها دارون.
عارف: لا يا أستاذ كرم.
لقد درست هذا الجانب.
وثبت لي غير هذا الرأي لو كانت المسألة كما تقول، لوجد غشاءُ البكارة في الحيوان أيضًا.
ولكنني اتصلت بكلية (الطب البيطري) وسألت أساتذتها في هذا الموضوع.
وقام صديقنا الدكتور عبد المنعم صالح - أستاذ التشريح بالكلية وأعد لي دراسة وافية، في هذا الموضوع، أكدت أن (غشاء البكارة) بصورته الكاملة الناضجة، من خصائص المرأة فقط، ولا يوجد بصفة كاملة في أنثى الحيوان.
وقد ترجم لي الدكتور عبد المنعم صالح - مشكورًا - ما كتبه الدكتور (هيكل) في كتابه "الأحشاء للحيوانات الألفية" (طبعة برلين ١٩٧٣ فأكد ما قلته) .
1 / 15
أنّ غشاء البكارة - يا أستاذ كرم - شارة أخلاقية، انفردت بها المرأة تأكيدًا للرباط النفسي والعضوي بين المرأة والأخلاق.
﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ لأنَّ قوانين الكون ثابتة.
﴿لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ﴾ لأنَّ قوانين الشريعة، وما تهدي إليه من فضيلة، ثابتة أيضًا.
منصف: هذه دراسة جديدة.
أظنك لم تُسبق إليها يا شيخ عارف.
ويعجبني دائمًا اهتمامك بالحقائق العلمية والبحث عنها.
عارف: الحقائق العلمية، والآيات القرآنية، كلاهما دليل على عظمة الله.
كرم: لكن عصرنا هذا جدت فيه أمور كثيرة.
ومشاكل متعددة، لم تكن في عهد التشريع.
فكيف نحتكم إلى الشريعة فيما جدّ من أُمور؟.
1 / 16
عارف: ربما يوجه هذا السؤال إلى التشريح الوضعي لأنَّ واضعي القانون يعرفون بعض الماضي والحاضر - الذي يحيط بهم - ولا يعرفون المستقبل.
ولكن الشريعة الإسلامية شرعها الله سبحانه وهو يعلم السر وأخفى.
يعلم الغيب، علمه للحاضر ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ﴾ .
لذلك جعل الله سبحانه نصوص الشريعة من المرونة بحيث تتسع لكل زمان ومكان.
وقد أثبتت التجربة التاريخية، أن التشريع الإسلامي - الذي نزل في مكة والمدينة قد وسع الأُمم ذات الحضارات القديمة، والفلسفات المختلفة، ولم يشعر أهالي هذه البلاد بغُربة في ظل الإسلام.
ولا بحيرة في حل مشاكلهم.
وأُلفت نظرك يا أستاذ كرم، إلى قضية خفي سرُّها على كثير من الناس، فأخطأُوا فهمها.
1 / 17
كرم: نعم يا شيخ عارف.
عارف: كثير من الناس خلط بين الجانب الإلهي، والجانب الاجتهادي، في الشريعة الإسلامية فضاق تصورهم للشريعة الإسلامية بسبب هذا الخطأ.
كرم: ماذا تعني؟
عارف: الشريعة الإسلامية فيها جانب إلهي ثابت، لا يقبل التطور ولا التبديل، وهو ما ثبت من الأحكام الشرعية بالنص القرآني.
أو الحديث النبوي الصحيح.
نصًا لا يحتمل التأويل.
وهذا الجانب يأخذ حكم العقدة.
ويكفر جاحدة (منكره) .
قال تعالى: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة ٢٧٥] ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ [المائدة ٣٨] ﴿لَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ [الإسراء ٣٣]
1 / 18
﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور ٢] ﴿حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ﴾ [النساء ٢٣] ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء ١١] ﴿كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى﴾ [البقرة ١٧٨] وهذه الأحكام تمثل الجانب الإلهي في الشريعة الإسلامية.
وهي لا تحتمل التأويل، ولا يجوز فيها العدول ولا التعديل، وحكمها حكم العقيدة، لذلك يكفر جاحدها.
أما القسم الثاني من الشريعة فهو اجتهاد الأئمة في فهم النصوص الشرعية.
والأحكام التي تنشأ عن هذا الاجتهاد - وإن كان أصلها الكتاب والسنة - إلا أنها تتسع لعلاج - المشاكل المعاصرة.
لأن تجربة الماضي أثبتت أن سلف الأمة من العلماء المجتهدين قد استنبطوا أحكامًا للتجارة البحرية.
والمجتمعات الزراعية
1 / 19
والصناعية والمصارف الإسلامية - البنوك وغيرها مما استجدّ من النظم الحضارية.
استنبطوا هذه الأحكام من الأُصول العامة للشريعة.
كقوله تعالى ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [٢٧٥ البقرة] ﴿كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ﴾ [الحشر ٧] ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة ١٧٩] وقول الرسول ﷺ "لا ضرر ولا ضرار".
استبط العلماء أحكامًا سّدت حاجة الدولة الكبيرة، وعالجت مشاكل الدولتين الحضاريتين (الفرس والروم) عندما دخل في الإسلام.
والأحكام الاجتهادية، يؤخذ منها، ويرد عليها، بدليل شرعي، لأنَّ اجتهاد إمام ليس حجة على إمام آخر.
وباب الاجتهاد مفتوح لمن استكمل شروط الاجتهاد.
فالشريعة الإسلامية مرنة النصوص مما يؤهلها لإصلاح كل زمان ومكان، وذلك لأن
1 / 20
كلمات القرآن وإن كانت محدودة العدد.
إلا أنها لا نهائية العطاء.
وسوف أسوق لك يا أستاذ منصف، مثالًا واحدًا، يغنينا عن كثير من الأمثلة لضيق الوقت.
في القانون الوضعي تختلف الدية والتعويضات، التي تُدفع لأُسرة الرجل الغني أو صاحب المنصب الكبير، عن الدية والتعويضات التي تُدفع لأُسرة الرجل الفقير.
فإذا أُصيب أو قتل في حادث واحد، عامل ومدير، فإن الدية أو التعويضات تختلف بحسب راتب كل منهما ومنصبه، مع أن أسرة الفقير غالبًا ما تكون أحوج إلى الدية والتعويضات.
ولكن الشريعة الإسلامية سبقت العالم، وسبقت الثورة الفرنسية، عندما نظرت للإنسان من خلال بشريته المجردة.
فالغني والفقير والرجل والمرأة، والمسلم والكتابي، يستوون جميعًا في البشرية، وفي حرمة الدم، لذلك -
1 / 21