Sharh Wasiyyat Abi Hanifa

Al-Babarti d. 786 AH
91

Sharh Wasiyyat Abi Hanifa

شرح وصية الإمام أبي حنيفة

قوله: (وشفاعة نبينا محمد عليه السلام ... إلخ) شفاعة نبينا محمد عليه السلام لأهل الكبائر قبل التوبة حق، لأنه تعالى أمر النبي بالاستغفار لذنوب المؤمنين بقوله: ?واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات? [محمد: 19] (1) ، وصاحب الكبيرة مؤمن لما سبق، فيستغفر له امتثالا لأمره تعالى وصيانة لعصمته صلى الله عليه وسلم عن مخالفة أمره، وإذا استغفر النبي عليه السلام لصاحب الكبيرة قبل توبته، يقبل الله شفاعته عليه السلام تحصيلا لمرضاته عليه السلام لقوله تعالى: ?ولسوف يعطيك ربك فترضى? [الضحى: 5]، ولقوله تعالى: ?يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا * ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا* لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا? [مريم: 85 87]، وصاحب الكبيرة اتخذ عند الرحمن عهدا فيكون داخلا تحت هذه الآية، وقوله تعالى: ?ولا يشفعون إلا لمن ارتضى? [الأنبياء: 28]، وصاحب الكبيرة مرتضى بحسب إيمانه وطاعته، والاستثناء من النفي إثبات، فوجب ثبوت الشفاعة له، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» (1) وهو حديث مشهور دال على أن شفاعة النبي ثابتة لأهل الكبائر، سواء كان قبل التوبة أو بعدها.

وذهبت المعتزلة إلى أن شفاعة النبي لا أثر لها في إسقاط العذاب، واحتجوا بآيات:

منها قوله تعالى: ?واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا? [البقرة: 48 و123]، دلت الآية على أنه لا تجزي نفس عن نفس شيئا على سبيل العموم، فإن النكرة في سياق النفي تعم، وتأثير شفاعة النبي عليه السلام مناف لمقتضى الآية، فلا يثبت التأثير.

ومنها قوله تعالى: ?ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع? [غافر: 18]، نفى الله سبحانه وتعالى الشفيع للظالمين على سبيل العموم، والعصاة ظالمون، فلا يكون لهم شفيع أصلا.

Page 129