136

عالما لذاته. ثم يقال لهم : الاستواء هاهنا بمعنى الاستيلاء والغلبة ، وذلك مشهور في اللغة. قال الشاعر :

فلما علونا واستوينا عليهم

تركناهم صرعى لنسر وكاسر

وقال آخر :

قد استوى بشر على العراق

من غير سيف ودم مهراق

فالحمد للمهيمن الخلاق فإن قالوا : إنه تعالى مستول على العالم جملة ، فما وجه تخصيص العرش بالذكر؟ قلنا : لأنه أعظم ما خلق الله تعالى فلهذا اختصه بالذكر.

وقد قيل : إن العرش هاهنا بمعنى الملك ، وذلك ظاهر في اللغة يقال : ثل عرش بني فلان ، أي إذا زال ملكهم. وفيه يقول الشاعر :

إذا ما بنو مروان ثلت عروشهم

وأودت كما أودت حمير

** (ولتصنع على عيني).

وقد تعلقوا أيضا بقوله تعالى : ( ولتصنع على عيني ) قالوا : فأثبت لنفسه العين ، وذو العين لا يكون إلا جسما.

والأصل في الجواب عن ذلك ، أن المراد به لتقع الصنعة على علمي ، والعين قد تورد بمعنى العلم ، يقال جرى هذا بعيني أي جرى بعلمي. ولو لا ما ذكرناه وإلا لزم أن يكون لله تعالى عيون كثيرة ، لأنه قال :

** «بأعيننا»

** (كل شيء هالك إلا وجهه).

وقد تعلقوا بقوله تعالى : ( كل شيء هالك إلا وجهه ) قالوا : فأثبت لنفسه الوجه ، وذو الوجه لا يكون إلا جسما.

وجوابنا عن هذا ، أن المراد به كل شيء هالك إلا ذاته أي نفسه ، والوجه بمعنى الذات مشهور في اللغة ، يقال : يقال : وجه هذا الثوب جيد ، أي ذاته جيدة وبعد ، فلو كان الأمر على ما ذكروه ، للزم أن ينتفي كل شيء منه إلا الوجه ، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.

Page 151