وقد شنع جالينوس على من لا يجعلها عظامًا وجعلهم سوفسطائية، واستدل هو على أنها عظام بما هو عين السفسطة وذلك لأنه قال ما هذا معناه: إنها لو لم تكن عظامًا لكانت عروقًا أو شرايين أو لكمًا أو عصبًا ونحو ذلك. ومعلوم أنها ليست كذلك. وهذا غير لازم. فإن القائلين بأنها ليست بعظام يجعلونها من الأعضاء المؤلفة لا من هذه المفردة، ويستدلون على تركيبها بما يشاهد فيها من الشظايا، وتلك رباطية وعصبية، قالوا: وهذا يوجد في أسنان الحيوانات الكبار ظاهرًا. والله ولي التوفيق.
الفصل السادس
منفعة الصلب
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه الصلب مخلوق لمنافع.... إلى آخر الفصل.
الشرح الصلب عضو مؤلف من فقرات ترتبط بعضها ببعض يحيط بأكثر جرمها لحم، وابتداء هذا العضو من منتهى عظام القحف، وانتهاؤه عند آخر العصعص، وله تجويف ممتد في طوله يحوي فيه النخاع. وله منافع غير الأربعة المذكورة.
أحدها: أن ترتبط به عظام البدن فيكون كالأساس لها.
وثانيها: أن الأحشاء تتعلق بها فتبقى أو ضاعها محفوظة.
وثالثها: أن ما ينزل من فضول مؤخر الدماغ يسلك فيه، ولا يحتبس فيفسد الدماغ.
ورابعها: أن المني ينزل فيه من الدماغ على ما تعرفه في موضعه وعبارة الكتاب في هذا الفصل ظاهرة.
لكن ها هنا بحثان: أحدهما أن جرم الدماغ شديد اللين، مستعد جدًا للتضرر فكان ينبغي أن يكون مسلكه من قدام العظم العظيم الذي في الفقرات ليكون محروزًا عن التضرر بالمصادمات لكن جعل من وراء ذلك العظم. وثانيهما: أن الدماغ، لا شك أنه أشرف من النخاع؛ فكان ينبغي أن يكون الاحتياط به في وقاياته أكثر. ولم يجعل كذلك فإنه لم يخلق لو قايته شوك وأجنحة، ونحو ذلك مما يزيد في الاحتياط عليه كما فعل في النخاع.
الجواب: أما الأول فلأن النخاع لو جعل من داخل لكان يتسخن جدًا بقربه من القلب، وذلك يخرجه عن المزاج الذي يحتاج إليه في أن تنفذ فيه قوة الحس والحركة الإرادية وأن يكون نائبًا عن الدماغ في إيصال هذه القوى إلى الأعصاب ونفوذها فيه إلى الأعضاء الأخر فلذلك احتيج أن يجعل النخاع من خلف ليكون أبعد عن التسخين الشديد بحرارة القلب، ومع ذلك جعل من ورائه عظام ثلاثة وتستره عن ملاقاة المؤذيات فحصل بذلك الغرضان جميعًا وهما: بعد النخاع عن القلب مع انستاره بالعظام وانحراسته بها عن المؤذيات.
وأما الثاني: فإن هذه العظام الزوائد في الفقار وهي التي ذكرناها ليست مخلوقة لو قاية النخاع فقط، بل والقلب والرئة وغيرهما من الأعضاء الكريمة كالشرايين والحجاب ونحو ذلك. ولأن توقى أجرام الفقرات أيضًا خاصةً وعظام القحف تحيط بالدماغ من كل جانب وهي متصلة كالعظم الواحد، فلذلك لا يكون الحذر عليه من المصادمات ونحوها كالحذر على النخاع لأن مسلك النخاع تتخلله أفضية تسهل نفوذ المؤذيات فيها. والله ولي التوفيق.
الفصل السابع
تشريح الفقرات
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه الفقرة عظم في وسطه ثقب ينفذ فيه النخاع ... إلى آخره.
الشرح قوله الفقرة عظم في وسطه ثقب ينفذ فيه النخاع لقائل أن يقول: إن هذا التعريف لا يصح وذلك لأن الجدار الرابع من جدران القحف يصدق عليه أنه عظم في وسطه ثقب ينفذ فيه النخاع وذلك لأن النخاع ينفذ في ثقب في وسط أسفل هذا العظم مع أنه ليس بفقرة وكذلك العظم العريض الذي يسمى عظم العجز هو عند كثير من المشرحين ليس من الفقار مع أن النخاع ينفد فيه في ثقب في وسطه، وأيضًا فإن نفوذ النخاع في جميع الفقرات ليس في الوسط بل في مؤخر كل واحد منها.
والجواب: أما عن الأول، فإن قول الشيخ عظم ليس المراد به أنه عظم مطلقًا، بل عظم من جملة عظام الصلب. لأن كلامه ها هنا إنما هو في عظام الصلب فكأنه يقول: الفقرة عظم من عظام الصلب ينفذ فيه النخاع.
وأما الثاني: فإن عظم العجز عند الشيخ مؤلف من الفقار وإن خالف في ذلك جميع المشرحين.
1 / 28