وثالثها: ليعينا على سهولة نقص الفضول والبخار الرديئة الكريهة الرائحة بارتعادهما، وانتفاضهما. ولأجل هذه المنافع خلقًا لينين ليكونا أطوع في حركة الانقباض وأسرع وانسب إلى جرم الجلد. وألينها أطرافهما لأن أعلاهما يتصل بالعظام. وهي صلبة. وحركة الارتعاد هناك قليلة ولا كذلك أسفلهما. وقسم الأنف بقسمين. وقد جعل الشيخ ذلك ليبقى أحدهما مفتوحًا عند ميل ما ينزل من المخاط إلى الآخر وهذا لا يصح لأنه لو كان ثقبًا واحدًا متسعًا لكان انسداده أقل لا محالة إذ الذي يقسمه بنصفين يهيئه للانسداد إذ يصير كل قسم منهما ضيقًا فيكون مستعدًا للانسداد بالمخاط لغلظه ولزوجته بل إنما خلق كذلك لأنه لو بقي واحدًا لكان واسعًا فيكون متهيئًا لنفوذ ما ينفذ فيه من الذباب ونحوه فاحتيج إلى تضييقه وحينئذٍ لو جعل واحدًا لم يف بما يحتاج إليه من الهواء فحينئذٍ جعل اثنين، وقسم بغضروف لأن هذا القاسم يحتاج أن يكون رقيقًا جدًا لئلا يزاحم ويضيق فلو خلق من عظم واحد لتهيأ للانكسار لإفراط رقته، ولو خلق من غشاء ونحوه لم يفد في دعامة عظم الأنف حتى لا يزولان عن وضعيهما عند الضربة عليهما ونحو ذلك. وجعل هذا الغضروف أصلب من الغضروفين الطرفيين للحاجة في هذا إلى الدعامة مع قلة الحاجة إلى الحركة وجعل أعلاه أصلب، وأسفله ألين. لأن الحاجة إلى الدعامة أكثرها في أعلاه، والحاجة. إلى مطاوعته على حركة الغضروفين الطرفيين، إنما يكون في أسفله، فلأن أعلاه حيث تحتبس الفضول لضيق المكان فيحتاج أن تكون أبعد عن قبول التضرر بها، وإنما يكون كذلك إذا كان أصلب. وجعل هذا الغضروف على طول الدرز الوسطاني ليكون القسمان متساويين، فلا يكون أحدهما ضيقًا جدًا متهيئًا للانسداد. وأيضًا ليكون لجرم هذا الغضروف مداخل لعظام الفك من خلل الدرز الوسط فيكون التحامه بها أو ثق وأما لم خلق الأنف في هذا الموضع المخصوص، فسنذكر ذلك حيث نتكلم في الأعضاء الآلية. والله أعلم.
البحث الثالث تشريح الفك الأسفل قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما الفك الأسفل وصورة عظامه ... إلى آخر الفصل.
الشرح أما منفعة هذا الفك فهو أن يتم به مضغ الطعام والكلام ونحو ذلك مما نذكر بعضه عند كلامنا في الفصل الآتي والباقي عند كلامنا في الأعضاء المركبة. وقد خلق له عظمان إذا لو كان من لحم فقط لم يكن المضغ ولو كان من غضاريف لم يكن قويًا، وعظامه لا بد وأن تكون خفيفة جدًا لتكون حركته أسهل. وإنما يكون كذلك إذا كانت رقيقة متخلخلة فلو جعل من عظام كثيرة جدًا لكان تركيبه واهيًا، ولو جعل من عظم واحد لكان إذا عرض لبعضه آفة، لم يؤمن سريانها. وجعل المفصل بين عظميه عند الذقن، ليكون العظمان متساويين إذ ليس أحدهما بزيادة العظم أولى من الآخر، وجعل هذا المفصل موثقًا لعدم الحاجة إلى حركة أحد العظمين دون الآخر وليكون تركيبه قويًا، وجعل لزاقًا لئلا يزداد جرم العظمين ضعفًا بزيادة الخلل الذي يحدثه الدرز وإنما لم يراع هذا في عظام الرأس لأن تلك العظام قوية غليظة ويحتاج فيها إلى زيادة التخلخل ليمكن نفوذ الأبخرة في التخلخل ونحوها مما ذكرناه هناك ولا كذلك ها هنا. ومن الناس من ينكر هذا المفصل وذلك لزيادة خفائه وهذان العظمان كلما ارتفعا ازدادا قوة ورقة أما الرقة فلأن عظمهما في أسفل، إنما كان لأجل الأسنان وذلك منتف في أعلاها. وأما القوة فليتدارك ذلك ما توهنه الرقة فلذلك هما هناك أصلب. وأقل تخلخلًا وعلى طرف كل واحد منهما زائدتان إحداهما رقيقة معقفة ترتبط بزائدة من الفك الأعلى وثانيتهما: غليظة في طرفها كرة مستديرة تتهندم في حفرة من العظم الحجري تحت الزائدة الشبيهة بحلمة الثدي وإنما احتيج إلى هاتين الزائدتين ليكون تشبث هذا العظم بما يتصل به قويًا لأنه معلق وكثير الحركة وتحتاج حركة المضغ إلى قوة ولو كانت الزائدة واحدة لكان سريع الانخلاع جدًا ولم يجعل هذا المفصل موثقًا، وإلا كانت تفوت منفعة هذا الفك وهي المضغ ونحوه. والله أعلم بغيبه.
الفصل الخامس
تشريح الأسنان
قال الشيخ الرئيس رحمة الله عليه وأما الأسنان فهي ... إلى آخر الفصل.
الشرح
1 / 25