Sharh Talwih
شرح التلويح على التوضيح لمتن التنقيح في أصول الفقه
Genres
قوله: "لله علي صوم رجب" وقع في عبارة فخر الإسلام رحمه الله تعالى غير منون للعلمية والعدل عن الرجب لأن المراد رجب بعينه أي الذي يأتي عقيب اليمين، والمسألة على ستة أوجه، "وإن لم يكن موجبه يكون جمعا بين الحقيقة والمجاز ويمكن أن يقال" في جواب هذا الإشكال "لا جمع بينهما في الإرادة" لأنه نوى اليمين ولم ينو النذر "لكنه يثبت النذر بصيغته واليمين بإرادته" لأن الكلام موضوع للنذر وهو إنشاء فيثبت الموضوع له وإن لم ينو وحقيقة هذا الجواب أنا نسلم أن اليمين هو المعنى المجازي لكن في الإنشاءات يمكن أن يثبت للكلام المعنى الحقيقي والمجازي فالحقيقي لمجرد الصيغة سواء أراد أو لم يرد والمجازي إن أراد، فهذه المسألة تنقسم أقساما فإن لم ينو شيئا أو نوى النذر فقط أو نوى
...................................................................... ..........................
لأن القائل إما أن لا ينوي شيئا أو ينوي النذر مع نفي اليمين أو بدونه أو ينوي اليمين مع نفي النذر أو بدونه أو ينوي النذر واليمين جميعا. فالثلاثة الأول نذر باتفاق، والرابع يمين بالاتفاق، وفي الأخيرين خلاف، وإليهما الإشارة في أول هذه المسألة بقوله، ونوى اليمين أي مع نية النذر أو من غير تعرض له بالنفي والإثبات فعند أبي يوسف رحمه الله تعالى الخامس يمين، والسادس نذر وعندهما كلاهما نذر ويمين، وهما معنيان مختلفان فموجب الأول الوفاء بالملتزم، والقضاء عند الفوت لا الكفارة، وموجب الثاني المحافظة على البر، والكفارة عند الفوت لا القضاء، واللفظ حقيقة في النذر لأنه المفهوم عرفا ولغة، ولهذا لا يتوقف على النية بخلاف اليمين فإرادتهما معا جمع بين الحقيقة والمجاز، وتقرير الجواب أن هذا الكلام نذر بصيغته لكونها موضوعة لذلك يمين بموجبه أي لازمه المتأخر يمين لأن النذر إيجاب للمباح الذي هو صوم رجب مثلا، وإيجاب المباح يوجب تحريم ضده الذي هو مباح أيضا كترك الصوم مثلا لأن إيجاب الشيء يوجب المنع عن ضده، وتحريم المباح يمين لقوله تعالى: {قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم} [التحريم:2] أي شرع لكم تحليلها بالكفارة سمى تحريم النبي صلى الله عليه وسلم مارية أو العسل على نفسه يمينا فعلى تقرير المصنف رحمه الله تعالى الموجب هو نفس اليمين، وقيل معناه أن هذا الكلام يمين بواسطة موجبه أي أثره الثابت به لأن موجب النذر لزوم المنذر الذي هو جائز الترك في نفسه إذ لا نذر في الواجب بنفسه فصار النذر تحريما للمباح بواسطة موجبه أي حكمه، ودلالة اللفظ على لازم معناه لا تكون بطريق المجاز ما لم تستعمل في اللازم، ولم يرد به اللازم مع قرينة مانعة عن إرادة الموضوع له لأن الحقيقة أيضا تدل على جزء المعنى ولازمه بطريق التضمن والالتزام، ولا يصير بذلك مجازا ففهم الجزء أو اللازم قد يكون من حيث إنه نفس المراد فاللفظ حينئذ مجاز، وقد يكون من حيث إنه جزء المراد أو لازمه فاللفظ حقيقة كما إذا فهم الجدار من لفظ البيت المستعمل في معناه، وفهم الشجاعة من لفظ الأسد المستعمل في السبع، فالحاصل أن الصيغة حقيقة لا تجوز فيها، واليمين لازم لها فلا جمع، وفيه نظر لما سبق غير مرة من أن معنى الجمع بين الحقيقة والمجاز هو إرادة المعنى الحقيقي والمجازي معا لا كون اللفظ حقيقة ومجازا، وكيف يتصور ذلك، والمجاز مشروط بعدم إرادة الموضوع له، ولهذا عدل المصنف رحمه الله تعالى في تحرير المبحث عن عبارة القوم إلى قوله لا يراد من اللفظ معناه الحقيقي والمجازي معا فإذا أريد المعنى الحقيقي للصيغة ولازمه المتأخر كان جمعا بين الحقيقة والمجاز سواء سميت الصيغة مجازا أو لا.
Page 168