حكم المطلق والمقيد أن يجري كل واحد في موضعه إذا اختلفا سببا وحكما، فالمطلق يجري في إطلاقه والمقيد في موضع تقييده، ولا يصح أن يحمل أحدهما على الآخر بلا خلاف بين الأصوليين؛ لم بين المطلق والمقيد من التنافي، وذلك نحو قوله تعالى في كفارة الظهار: { فصيام شهرين متتابعين } (المجادلة: 4)، وقوله في صيام الكفارة: { فصيام ثلاثة أيام } (المائدة: 89)، فإن السبب الموجب للصيام في آية اليمين هو الحنث، والسبب الموجب للصيام في آية الظهار هو الظهار، والحكم فيهما مختلف ايضا، فلا يصح حمل مطلق الصيام في آية اليمين على مقيدة بالتتابع في آية الظهار، وإنما قال أصحابنا بتتابع الصيام في آية اليمين لقراءة ابن مسعود، فإنه قرأ: "فصيام ثلاثة أيام متتابعات" لا لنفس الحمل على ما في الظهار، وقد جعل البدر رحمه الله تعالى الآيتين مثالا لما إذا اختلف موجب المطلق والمقيد، واتفق حكمهما؛ نظرا إلى ان الحكم في الوضعين الصيام، فأجرى فيه الخلاف الآتي فيما إذا اتفق حكم المطلق و المقيد، واختلف سببهما، ونحن إذا قلنا باختلاف حكمهما لختلاف نوعي الصيام، فالصيام في آية اليمين محدود بالثلاثة الأيام، وفي آية الظهار محدود بالشهرين، وباختلاف نوعيه اختلف حكمه تشديدا وتخفيفا، فلا يصح حمل مطلقه في التخفيف على مطلقه في التشديد؛ لما يترتب هذا التشديد في التكاليف المطلوبة في التخفيف، وإن اتحد حكم المطلق والمقيد واتفق سببهما؛ وجب حمل المطلق على المقيد بيانا، سواء تقدم أحدهما على الآخر أو تقارنا في الوجود ما لم يتأخر المقيد، حتى يعمل بالمطلق فإنه يكون حينئذ يكون المقيد ناسخا لبعض أحكام المطلق، وقيل: إن المقيد إذا تأخر عن المطلق فهو ناسخ له بحسب ما يتناوله وإن لم يقع العمل بالمطلق، قال البدر: "وهذا ليس بشيء لأن التقييد بيان، وأيضا لو كان نسخا ؛ لكان التخصيص نسخا، لأنه نوع <1/79> من المجاز مثله، ويلزمهم أن يكون تأخير المطلق نسخا؛ لأن التنافي إنما يتصور على الطرفين". انتهى.
Page 79