البعضية من القرينة كالدخول في نحو: ادخل السوق، والأكل في نحو: { أن يأكله الذئب } (يوسف: 13)، فالمجرد وذو اللام بالنظر إلى القرينة سواء، وبالنظر إلى أنفسهما مختلفان، واعلم أن ما ذكره المصنف من تعريف الطلق هو ما مشى عليه ابن الحاجب وتبعه البدر الشماخي رحمه الله تعالى، حيث عرفا المطلق بأنه: "ما دل على شائع في جنسه"، وعلى ذلك مشى صاحب المنهاج، وهو معنى ما ذهب إليه الآمدي حيث عرف المطلق بأنه: "النكرة في سياق الإثبات"، وهذه التعاريف قاضية بأن النكرة والمطلق شيء واحد، وفرق بينهما ابن السبكي، فعرف المطلق بأنه: "الدال على الماهية بلا قيد"، ثم قال: "وعلى الفرق بين المطلق والنكرة أسلوب المنطقيين والأصوليين وكذا الفقهاء حيث اختلفوا فيمن قال لامرأته: إن كان حملك ذكرا فأنت طالق، وكان ذكرين، قيل: لا تطلق؛ نظرا للتنكير المشعر بالتوحيد، وقيل: تطلق حملا على الجنس" انتهى، قال المحلى: "ومن هنا يعلم أن اللفظ في المطلق والنكرة واحد، وأن الفرق بينهما بالاعتبار إن اعتبر في اللفظ دلالته على الماهية سمي مطلقا، واسم جنس أيضا، أو مع قيد الوحدة الشائعة سمي نكرة، وتعقب هذا التفريق الكمال فقال: "وما جرى عليه ابن الحاجب كالآمدي في تعريف المطلق هو الموافق لأسلوب الأصوليين؛ لأن كلامهم في قواعد أحكام أفعال المكلفين، والتكليف متعلق بالأفراد دون المفهومات الكلية التي هي أمور عقلية بل ويوافق أسلوب المناطقة أيضا فإن المطلق عندهم هو موضوع القضية المهملة؛ لأنه مطلق عن التقييد بالكلية والجزئية، والنكرة قد تكون موضوع الجزئية، وقد تكون موضوع الكلية، والحكم في الجميع متعلق بالأفراد، وأما القضايا الطبيعية التي الحكم فيها على الماهية من حيث هي، فقد صرح المناطقة بأنها لا اعتبار لها في العلوم" انتهى، وبهذا التحقيق الذي ذكره الكمال هاهنا تعرف صحة ما مشى عليه المصنف في النظم تبعا لمن ذكر من
المحققين ولا عبرة بما تعقب به ابن القاسم كلام شيخه في الكمال، فقد قال البناني في آخر كلام تعقب به كلام ابن القاسم ما نصه: "ولا تغتر بما للعلامة اسم، مما أبداه هنا من التمويهات وأطال به مما لا طائل تحته من التأويلات"، وإنما قال البناني ذلك بعد أن كشف الغطاء عما احتوى عليه كلام ابن القاسم من التمويهات، والله - سبحانه وتعالى - أعلم.
ولما فرغ من بيان حقيقة المطلق والمقيد شرع في بيان حكم كل واحد منهما، فقال:
حكمهما أن يجري كل واحد ... مجراه في مواضع التباعد
وحيثما يتحدان في السبب ... والحكم فالحمل هناك قد وجب
فيحمل المطلق منهما على ... ذي القيد من غير خلاف حصلا
وإن يكن حكمهما متحدا ... واختلف الموجب فالخلف بدا
Page 77