حكم النهي: تحريم لمنهي عنه، والدوام عن الكف عنه، ووجوب تعجيل الامتثال، إلا إذا دل دليل على إرادة غير ذلك، فإنه يصرف إلى ما اقتضاه الدليل، فأما التحريم فإن ما ثبت له بأدلة خارجة عن حقيقته، إما حقيقية فتحمل التحريم وغيره، وتلك الأدلة هي الأدلة المذكورة في باب الأمر، الدالة على أن حكم الأمر الوجوب حقيقة، فإن النهي هو أمر بالكف عن الفعل، لكنه زاد عن الأمر باقتضائه الفور والدوام، واقتضاؤه ذلك لا يخرجه عن كون الامتثال فيه واجبا لتلك الأدلة، وأما الدوام فهو الاستمرار على ترك الفعل، وإنما كان النهي يقتضي ذلك؛ لأن فاعل المنهي عنه في أي وقت من الأوقات من بعد ورود النهي فاعل لما طلب منه الكف، وفاعل ذلك لا يكون ممتثلا، وعلى ذلك جمهور الأصوليين، وخالفهم الفخر الرازي، وجعله كالأمر في أنه لا يجب فيه تكرار الانتهاء عنه في كل وقت، بل إذا تركه في الوقت الذي يلي النطق بالنهي فقد امتثل، وإن فعله بعد ذلك الوقت لم يخرج عن الامتثال بفعله بعد أن كف عنه مرة، وحجه أن القائل إذا قال: لا تفعل كذا، فكأنه قال: كف عن هذا الفعل، فالمطلوب إنما هو الكف فإذا كف عنه عقيب الأمر بالكف فقد فعل الكف، وهو المطلوب، ومن فعل المطلوب فقد امتثل على ما يقتضيه إطلاق اللفظ، فلا يجب كف آخر في الوقت الثالث والرابع إلا لقرينة تقتضيه، ولأن النهي عن الفعل أمر بفعل ضده، فكما أن الأمر المطلق لا يقتضي تكرار الفعل، كذلك النهي.
وأجيب: بأنه لا شك بأنه المطلوب من النهي مع الإطلاق أن لا يكون للمنهي عنه حالة وجود، فمتى أوجده فقد خالف الناهي حيث نهاه ألا يجعل له حالة وجود، فجعل له حالة وجود، وهذه مخالفة لما طلب الناهي بلا إشكال؛ فلا امتثال، والمطلوب في لفظ الأمر ثبوتها، أي ثبوت حالة وجود للمأمور به، فمتى ثبتت فقد امتثل، وإن لم يتكرر فقد ظهر الفرق بين الأمر والنهي؛ فبطل ما زعمه الرازي من الجمع بينهما، وأما اقتضاء النهي الفور فهو أنه لو لم يقتضي الفور؛ لجاز أن يرتكب ما نهي عنه بعد النهي؛ وهو باطل؛ لأن فاعل ذلك النهي لا يكون ممتثلا، وهذا معنى قوله: "كي لا يفعل الحرام".
Page 68