أحدها: أن بعض الأصوليين، ذهب إلى أن صلاة المطالب للدين كالصلاة في الأرض المغصوبة، وذلك إذا كان وقت الصلاة متسعا بعد؛ لأنه مأمور بقضاء الدين، ومنهي عن التمادي به، وعن الاشتغال بغيره، إلا بفرض يقاومه تضييقا، فصلاته مع سعة وقتها، مأمور بها من حيث كونها صلاة منهي عنها، من حيث أنها مانعة من قضاء الدين، قال صاحب المنهاج: ولنا عليه سؤال، وهو أن نقول أنه يمكن الفرق بين المسألتين، بأن يقال: إنا لا نسلم أنه في حكم المنهي عن إفعالها هنا؛ لأنها ليست متعينة في المنع من قضاء؛ لأنه ينفك من قضاء الدين، لا إلى فعل، أو إلى فعل غيرها، فلا وجه للحكم، بأن أفعالها معصية.
ثانيها: أن من توسط زرع غيره تعديا، أو دخل في الدار المغصوبة، وأولج فرجة في محرم، أو نحو ذلك، فلا شك أنه مأمور بالخروج مما دخل فيه، ومنهي عن الإقامة عليه، فعليه أن يتحرى للخروج أسهل الطرق، ولا شيء عليه فوق ذلك، إذا تاب هنالك، لكن عليه غرم ما أتلف، وإنما نفينا عنه الإثم، مع أن مروره في الأرض المغصوبة ونحوها، منهي عنه؛ لتعذر امتثال الأمر، إلا بارتكاب ذلك، فأبحنا له ذلك الارتكاب، دفعا للضرورة، وعملا بسهولة الحنفية السمحة، هذا كله إذا كان خروجه عن توبة، وذهب أبو هاشم إلى أنه عاص في حال خروجه؛ لأنه فيه متصرف في ملك الغير، قال صاحب المنهاج: وخطأه الأصوليون في ذلك، قال الجويني: لقد أكثر الأصوليون من الكلام في تخطئته، والرجل ممن لا يقعقع خلفه بالشنان، وتأول له بأنه يعني، أن حكم المعصية مستصحب حتى ينفذ، قال صاحب المنهاج: ولعل أبا هاشم في ذلك يقول بأنه بدخوله ألجأ نفسه إلى التصرف في ملك الغير، في حال توبته، فعليه عقاب ذلك الإلجاء، مع عقاب المعصية، يعني فلم يخلص في حال خروجه عن عقوبة بسبب تصرفه، وهي عقوبة ألجأ نفسه في الابتداء إلى التصرف في الغضب عند التوبة، انتهى، وهو توجيه حسن، ولا يخرج عن دائرة الرأي، وإن كان ما قدمت لك هو الصحيح والله أعلم.
ثالثها: أن من توجه عليه أمران مستويان في التضييق، فله في الامتثال أن يبدأ بأيهما شاء، ولا يكون في فعل أحدهما منهيا بسبب وجوب الآخر عليه، وذلك كما إذا طالبه خصمان برد ودائعهما، وكانت الودائع في مكانين مستويين في القرب، ولا ضرر في تأخير أحدهما دون الآخر، فله أن يبدأ بأيهما شاء، أما لو كان وديعة أحدهما أقرب من وديعة الآخر، أو على أحدهما ضررا في التأخير دون الآخر، فعليه أن يبدأ بالأقرب، وبصاحب الضرر؛ لأن فرض الرد إليهما أضيق، وهو معنى كلام أصحابنا -رحمهم الله تعالى-:
Page 65