تركوا الأمر بإعادتهم لها، ومطالبتهم برد المظالم، أمر جلي لا يلتبس بهذا والله أعلم. واحتج أهل القول الأول، وهم القائلون بالصحة والامتثال من الجهة التي تعلق بها الأمر والعصيان من الجهة الأخرى؛ بأنه يقطع بطاعة العبد وعصيانه، حيث أمره سيده بالخياطة، ونهاه أن يفعلها في مكان مخصوص، لأجل الجهتين، وأجيب: بأنه لا نسلم ما قطعتم به، من أن العبد يوصف بأنه مطيع وعاصي، إلا حيث قال له سيده: خط هذا الثوب وامتنع من الإقامة في المكان الفلاني، فإنه إذا كان طالبا منه الخياطة من دون أن يقيدها بمكان دون آخر، وطالبا للامتناع من المكان المخصوص، فإذا لم يمتنع من ذلك المكان، وخاط فيه الثوب، فلا إشكال أنه قد أطاع بفعل الخياطة؛ لأن سيده لم يقيد فعلها بمكان دون آخر، وعصى بدخوله ذلك المكان، فيوصف هاهنا بأنه مطيع من وجه، عاص من وجه، وأما لو أمره سيده بخياطة الثوب، ونهاه أن يخيطه في مكان مخصوص؛ فإنه إذا خاطه في ذلك المكان، لم يكن مطيعا بتلك ا لخياطة، بل تكون معصية محضة بلا إشكال، وهذه الصورة هي نظير مسألتنا؛ لأن الله تعالى أمر بالصلاة، ونهانا أن نفعلها في تلك الأمكنة المغصوبة، فإذا فعلناها فيها، كانت معصية محضة بلا إشكال، بخلاف ما لو أمرنا بالصلاة على الإطلاق، ولم ينهنا عن تأديتها في المكان المغصوب، لكن نهانا عن دخوله، والإقامة فيه على الإطلاق، فكان يلزم أن نكون مطيعين بالصلاة؛ لأنا قد أديناها كما أمرنا، عاصين بالإقامة، انتهى. واحتج أحمد ومن قال بقوله، بأن الأكوان في الدار المغصوبة معاص، ومن المحال أن يكون العبد مطيعا بنفس ما هو به عاص؛ لأن ذلك كاجتماع الضدين، قال صاحب المنهاج: وهذا القول هو الصحيح عند أهل البيت، لما ذكروه؛ ولأنها لو صحت الصلاة في الدار المغصوبة لأجل الجهتين المذكورتين؛ لصح صوم يوم النحر؛ لأنه يكون طاعة من حيث كونه صوما، ومعصية من حيث كان في يوم النحر، والإجماع على أنه لا يصح، انتهى.
وهنا تفريعات على هذه المسألة:
Page 64