أنه للإذن المشترك بين الثلاثة، التي هي الوجوب والندب والإباحة، وثالثها: أنه مشترك بين هذه الثلاثة وبين التهديد، ونسب إلى الإمامية من الشيعة، (وأما قوله وحكمه إن جاء إلخ) أي حكمه الأمر إن ورد بعد الحظر أو بعد الندب، هو كحكمه إن ورد ابتداء، أي إذا حرم الله سبحانه شيئا، ثم أمر به، فذلك الأمر للوجوب، إلا لقرينة تصرفه عن حقيقته، وكذا إذا ندب لشيء، ثم أمر به، فالأمر به للوجوب، إلا لقرينة، كما كان ذلك في الأمر ابتداء، وكون الأمر للوجوب بعد التحريم، هو قول القاضي أبي الطيب، وأبي إسحاق الشيرازي، وأبي المظفر السمعاني، والفخر الرازي، وغيرهم وقيل: هو الإباحة حقيقة، ونسب إلى الأكثر، وإلى الفخر الرازي، وقال الغزالي: إن كان الحظر عارضا لعلة، وعلفت صيغة أفعل بزوالها، فيبقى موجب الصيغة كما كان قبل النهي، وقيل فيه بالتوقف، وظاهر كلام البدر -رحمه الله تعالى- في مختصره أنه للإباحة حقيقة، وصرح في شرحه؛ بأن ورود الأمر بعد الحظر، قرينة صارفة له عن الإيجاب إلى الإباحة، فظاهر كلامه في شرحه؛ أن كون الأمر عبد الحظر للإباحة مجازا، لا حقيقة، (احتج القائلون) بالوجوب، بما تقرر من الأدلة القاطعة، على أن الأمر للوجوب، ولا دليل يعدل به عن حقيقته، التي تثبت له بالدليل القاطع، (واحتج) القائلون بالإباحة، بأن الأمر بعد الحظر لا يرد غالبا إلا للإباحة، ولا يتبادر منه إلى الذهن، إلا ذلك، والتبادر علامة الحقيقة، (قلنا) أما الاستدلال بالأغلبية فهو أمر ظني ، يثبت عند عدم الذي هو أقوى منه، أما عند الدليل القاطع، فإنه يرد إليه، فما قامت فيه قرينة أنه للإباحة، فهو لها، وما لم تقم في قرينة، رد إلى أصله المعلوم قطعا، مثال ما ورد بعد الحظر وليس له قرينة تصرفه عن حقيقته، قوله تعالى: { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين الآية } بيان ذلك أنه تعالى حرم قتال المشركين في الأشهر الحرم، وأمر به بعد انسلاخها، وهذا الأمر واجب على الكفاية، بلا خلاف بينهم، ومثال ما ورد بعد الحظر، وله قرينة تصرفه عن الحقيقة، قوله تعالى: { فإذا حللتم فاصطادوا } { فإذا تطهرن فأتوهن } { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا } والقرينة في الكل، هي أن المأمور به منفعة دنيوية، ولم يوجب الشرع شيئا من المنافع الدنيوية، إلا التي يدفع بها الضرر، فإنها واجبة ووجوبها إنما هو لغيرها، وهو دفع الضرر لا لذاتها، فثبت ما قلناه والله أعلم، ولما فرغ من بيان حقيقة الأمر وحكمه، شرع في بيان تقسيمه إلى مقيد ومطلق عن القيد فقال:
والأمر قد يأتي مقيدا وقد ... يأتي بلا قيد فإن قيد ورد.
ففعله في وقت قيده لزم ... ومن يفوته بلا عذر أثم.
Page 42