أي حكم الخاص، القطع بما دل عليه لفظه، إلا إذا عرض عليه عارض، أو منعه عن ذلك مانع، وذلك كالقرينة المانعة من إرادة حقيقة اللفظ، من نحو قولنا: رأيت أسدا يرمي، فإن قول القائل: رأيت أسدا يدل على المرئي إنما هو الحيوان المفترس قطعا، وذكر الرمي مانع من إرادة أصله، فيدل على غير ما وضع له، دلالة ظنية، ونحو قوله تعالى: { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } فإن اشتراك القرء بين الحيض والطهر، مانع من القطع بإرادة أحدهما دون الآخر، ولولا ذلك الاشتراك، لكان العدد مفيدا للقطع؛ لكونه من الخاص كما مر، ونحو قوله تعالى: { فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } المرتب على قوله تعالى: { الطلاق مرتان ...} الآية فإن الفاء في قوله تعالى: (فإن خفتم) للتعقيب، وهي من لفظ الخاص، فمدلولها أن الفدية أحد طرق الطلاق، لا فسخ للنكاح، لكن لما احتمل أن تكون هذه الجملة معترضة بين ما قبلها وبين قوله تعالى: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد) كان هذا الاحتمال مانعا من القطع، بمدلول الخاص الذي هو الفاء، ولذا ذهب الشافعي وبعض أصحابنا إلى جعل الخلع فسخا، وذهب بعض أصحابنا والحنفية إلى أنه طلاق، ولما فرغ من تعريف الخاص، وبيان حكمه إجمالا، شرع في بيان أقسامه وبيان أحكامه تفصيلا فقال:
** ذكر الأمر **
قدمه على النهي؛ لأنه وجودي، والنهي عدمي، والوجود أشرف من العدم، وقدمهما على غيرهما؛ لأن عليهما يترتب غالب الأحكام، وعليهما مدار الإسلام، وبمعرفتهما يمتاز الحلال من الحرام، والأمر يطلق على أشياء منها: القول الخصوص المعبر عنه بأفعل ونحوه، نحو (أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة) ومنها الفعل نحو، قوله تعالى: { وشاورهم في الأمر } أي الفعل الذي تعزم عليه، ومنها الشأن نحو {إنما أمرنا لشيء إذا أردناه} أي شأننا، ومنها الصفة، نحو لأمر ما يسود من يسود، أي لصفة من صفات الكمال، ومنها الشيء، نحو: لأمر ما جدع قصير أنفه، أي لشيء، ومنها الغرض، نحو: فعلت هذا لأمر، أي لغرض، واتفق الكل على أنه حقيقة في القول المخصوص، واختلفوا فيما عدا ذلك، فقال قوم: هو حقيقة في الكل على طريق الاشتراك، وقال آخرون: هو مجاز فيما عدا القول المخصوص، وقال آخرون: هو حقيقة في بعض هذه الأشياء، وجاز في البعض الآخر، ثم أنه أخذ في تعريف الأمر الذي يدور غرض الأصوليين فقال:
طلب فعل غير كف لا على ... وجه الدعاء فهو أمر حصلا.
بالقول والفعل وبالإشارة ... إن فهمت وقد تجيء العبارة .
حقيقة نحو افعلن ولتفعل ... وغيرها نحو أمرت فأقبل.
فمن هنا المندوب مأمور به ... وقيل لا والخلف لفظي به.
Page 35