على حد الحسن باصطلاحنا المولد الحادث، الذي هو في عرف السلف يعود إلى
قسم من أقسام الصحيح، الذي يحب العمل به عند جمهور العلماء، أو الذي
يرغب عنه أبو عبد الله البخاري، ويمشيه مسلم، وبالعكس، فهو داخل في
أداني مراتب الصحة، فإنه لو انحط عن ذلك لخرج عن الاحتجاج، ولبقي
متجاذبًا بين الضعف والحسن؟ فكتاب أبي داود أعلى ما فيه من الثابت ما أخرجه
الشيخان، وذلك نحو من شطر الكتاب، ثم يليه ما أخرجه أحد الشيخين،
ورغب عنه الآخر، ثم يليه ما رغبا عنه، وكان إسناده جيدًا، سالمًا من علة
وشذوذ، ثم يليه ما كان إسناده صالحًا، وقبله العلماء لمجيئه من وجهين لينين
فصاعدًا، يعْضُد كُل إسْناد منهما الآخر، ثم يليه ما ضعف إسناده لنقص حفظ
راويه، فمثل هذا يمشيه أبو داود، وسكت عنه غالبًا، ثم يليه ما كان بين
الضعف من جهة راويه، فهذا لا يسكت عنه، بل يوهنه غالبًا، وقد يسكت
عنه بحسب شهرته ونكارته، والله أعلم.
قال الحافظ زكريا الساجي: كتاب الله أصل الإسلام، وكتاب أبي داود عهد
الإسلام.
قلت: كان أبو داود مع إمامته في الحديث وفنونه من كبار الفقهاء، فكتابه
يدل على ذلك، وهو من نُجباء أصحاب الإمام أحمد، لازم مجلسه مدة،
وسأله عن دقاق المسائل في الفروع والأصول.
روى الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، قال: كان عبد الله بن مسعود
يشبه بالنبي ﷺ في هديه ودله، وكان علقمة يشبه بعبد الله في ذلك.
قال جرير بن عبد الحميد: وكان إبراهيم النخعي يشبه بعلقمة في ذلك، وكان
منصور يشبه بإبراهيم.
وقيل: كان سفيان الثوري يشبه بمنصور، وكان وكيع يشبه بسفيان، وكان
أحمد يشبه بوكيع، وكان أبو داود يشبه بأحمد.
قال الخطابي: حدّثني عبد الله بن محمد المسكي، حدثنى أبو بكر بن جابر
خادم أبي داود- ﵀ قال: كنت مع أبي داود ببغداد، فصلينا المغرب،
1 / 20