(الباطن) وفي نسخة والباطن أي باعتبار ذاته دون صفاته (تقدّسا) أي تنزها فإنه كما قال الغزالي وغيره كل ما خطر ببالك فالله وراء ذلك (لا عدما،) بضم فسكون لغة في المفتوحين أي لا فقدا وعدما إذ لا يقتضي عدم ظهوره نفي وجوده ونوره لانه قد ثبت بالدليل القطعي قدمه وما ثبت قدمه استحال عدمه والتحقيق المتضمن للتدقيق على وجه التوفيق أنه باطن لا يدرك أحد حقيقة ذاته ولا يحيط أحد بكنه صفاته وهذا بالنسبة إلى ما سواه فإنه لا يعرف الله إلا الله ونصبهما على التمييز وأما قول الدلجي تمييز أو تعليل لكونه باطنا فهو وان كان صحيحا في هذا المبنى لكن التعليل لا يصح بحسب المعنى في قوله (وسع كلّ شيء رحمة وعلما) أي أحاط بكل شيء رحمته وعلمه فإن كل شيء لا يستغني عن رحمته إيجادا وامدادا وعلمه شامل للجزئيات والكليات احصاء واعدادا والجملة مقتبسة من قوله تعالى:
رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا والاقتباس أن يتضمن الكلام شيئا من القرآن أو الحديث على وجه لا يكون فيه إشعار بأنه منه (وأسبغ) أي أكمل بالرحمة الخاصة والعلم المختص بالهداية (على أوليائه) أي المؤمنين على قدر كمالاتهم ومراتب حالاتهم (نعما) بكسر ففتح جمع نعمة، وفي نسخة بضم فسكون مقصورا لغة في النعمة لكنه يكتب بالياء مع انه غير ملائم لقوله: (عمّا) بضم المهملة وتشديد الميم جمع عميمة وهي العامة الشاملة التامة ووهم من قال من المحشيين انها جمع عمة فإنه يقال نخل عم نخلة عميمة والحاصل أن رحمته وسعت كل شيء في أمر الدنيا لكن له رحمة خاصة بأرباب العقبى كما قال:
وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ الآية. وكذا علمه بكل شيء محيط بمعنى المعية كما قال: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ لكن لأرباب الخصوص معية خاصة كما يدل عليه قول موسى ﵊: إِنَّ مَعِي رَبِّي وقول نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم للصديق الأكبر رضي الله تعالى عنه: «لا تحزن إن الله معنا» وتأمل التفرقة بين الكلامين فإن الثاني مشير إلى مقام جمع الجمع والأول مشير إلى مقام التفرقة والمنع، وأما ما ذكره الدلجي من أن تصدير هذه الفقرة بالواو الموضوعة للجمع دون ما قبلها مع أن أجزاء الصفات المتعاقبة على موصوف واحد مشعرة به يلوح بزيادة جمعية وارتباط معية ففيه مناقشة خفية لأن أجزاء الصفات المفردة يؤتى بها من غير واو الجمعية في الجمل الاسمية، كقوله تعالى: وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ مع جواز إتيان العاطف بخلاف الجمل الفعلية، ولهذا قال: (وبعث) أي أرسل الله (فيهم) أي في أوليائه ولأجل أحبائه، ولذا قيل إنه لم يرسل في الحقيقة إلى أعدائه ثم المؤمنون هم المراد بأوليائه لقوله تَعَالَى: لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ (رَسُولًا) أي نبيا مرسلا أمر بتبليغ الرسالة موصوفا بكونه (من أنفسهم) بضم الفاء أي من جنسهم العربي أو البشري دون الملكي للحكم الإلهي (أنفسهم) بفتح الفاء ونصب السين أي أشرفهم وأعظمهم في نفوسهم فالأول جمع النفس بسكون الفاء والثاني افعل من النفيس وجمع بينهما كما قرىء في الآية بهما ونصب أنفسهم الثاني على أنه صفة رسولا أو
1 / 11