ما في القاموس نعم الحبرة هي سرور ظهر حبره أي أثره على وجوههم فكساها بهاء وجمالا. ففي الحديث: «يخرج من النار رجل قد ذهب حبره وسبره بكسرهما وقد يفتحان أي بهاؤه وجماله (وولّه) بالتشديد (عقولهم) أي جعلها والهة بتدبرها وتفكرها (في عظمته) وفي نسخة من عظمته (حيرة) أي ذوات تحير بما غشاها من ضياء جمال وبهاء كمال. وفي نسخة ووذر عقولهم أي تركها متحيرة ولا يخفي صنعة التجنيس بين حبرة وحيرة (فجعلوا همّهم به) أي بالله ودينه قائمين بحقوق ألوهيته ووظائف عبوديته (واحدا) أي هما واحدا إشارة إلى قوله صلى الله تعالى عليه وسلم من جعل الهموم هما واحدا كفاه الله تعالى هم الدنيا والآخرة. والمراد بالهم هنا القصد والهمة والعزم والجزم التام ولا يبعد أن يكون بمعنى الحزن الموجب للاهتمام في سبيل الله أو بسبب دينه، فالضمير له سبحانه وأبعد التلمساني في جعل الضمير للوله المفهوم من وله (ولم يروا) أي لم يعتقدوا أو لم يبصروا (في الدارين غيره مشاهدا) بضم الميم وفتح الهاء أي مشهودا لأنه كما قال بعض العارفين من أرباب الأسرار ليس في الدار غيره ديار وقال آخر من أصحاب الشهود سوى الله والله ما في الوجود وزاد أبو يزيد على من سواه. وقال: ليس في جبتي غير الله ومن هذا المقام المحقق الحسين ابن منصور الحلاج نطق وقال: أنا الحق، وقال مجنون بني عامر في هذا المعنى:
أنا من أهوى ومن أهوى أنا ... نحن روحان حللنا بدنا
فهذا مقام وحال لأرباب الكمال بلا حلول ولا اتحاد ولا اتصال ولا انفصال، ويؤيد هذا المقال قول الملك المتعال كل شيء هالك إلا وجهه ويقويه ما ورد عن النبي النبيه ﵊ أصدق كلمة قالها لبيد:
ألا كل شيء ما خلا الله باطل وفي نسخة بكسرة الهاء وهو لطيف جدا موافق للفظ واحدا فإنه يفيد بانضمام الفتح لأرباب الفتوح انه شاهد ومشهود كما أنه حامد ومحمود قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ
وفهم كل طائفة مذهبهم كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ لعل بعض أرباب النسخ استنكر لفظ مشاهدا فأسقطه مع انه لم يتم بدونه التسجيع بقوله واحدا وكأنهم اكتفوا بلفظ غيره حالة وقفه (فهم بمشاهدة جماله وجلاله يتنعّمون) وفي أصل التلمساني يتمتعون أي يتعيشون والمعنى انهم بمطالعة صفات انعام ولائه ونعوت بلائه وابتلائه يتلذذون فاستوى عندهم المنحة والمحنة في ثبوت كمال المحبة خلافا للناقصين في المودة على ما أخبر الله تعالى في حقهم من الحرف بقوله تعالى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ وفي هذا الحال قال بعض أرباب الكمال:
وليس لي في سواك حظ ... فكيف ما شئت فاختبرني
وفي القضية إشارة خفية إلى قوله صلى الله تعالى عليه وسلم إن قلوب بني آدم بين
1 / 18