172

Sharh Risala Nasiha

شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة

وأما الكلام في وجه الإستدلال به على إمامة أمير المؤمنين -عليه السلام-: فذلك لأن الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((ألست أولى بكم من أنفسكم !؟)) ، للمسلمين كافة، فقالوا: بلى، وقد أوجب الله عليهم ذلك بقوله: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}[الأحزاب:6] ، وأولى في اللغة بمعنى أحق وأملك، لا يختلف أهل اللغة في ذلك، ولا يعقل له معنى سواه إذا أطلقت اللفظة، فإن كانت ممن يصح ذلك منه فذلك أبلغ وأكشف، فلما تقرر ذلك قال -عليه وآله السلام-: ((فمن كنت مولاه فعلي مولاه)) ، فكان معنى هذا اللفظ عند كل عاقل متأمل أن من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به،ولا شك أن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أولى بكل مؤمن من نفسه.

وقد حقق الله -سبحانه- ذلك بقوله: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم}[الأحزاب:6] ، وقد جعل الله هذه المرتبة لعلي بن أبي طالب -عليه السلام-، وذلك يفيد معنى الإمامة.

أما أنه جعل ذلك لعلي بن أبي طالب -عليه السلام- فظاهر اللفظ يشهد بذلك؛ لأنه قال: ((ألست أولى بكم من أنفسكم !؟)) قالوا: بلى، قال: ((فمن كنت مولاه فعلي مولاه)) ولفظة مولى؛ وإن كانت في الأصل مشتركة بين معان كثيرة، فقد صارت بالقرينة المتقدمة، وهي قوله -صلى الله عليه وآله وسلم- ((ألست أولى بكم من أنفسكم؟)) وهي مع ذلك إحدى حقائقها ، فصار ذلك بمنزلة قوله -صلى الله عليه وآله وسلم- لو قال: (ألست أملك التصرف فيكم ؟ فإن قالوا: بلى، قال: فمن كنت أملك التصرف عليه فهذا مالك) ثم يمسك فإن لفظة مالك وإن كانت مشتركة بين ملك اليمين والإسم العلم وملك التصرف ، لا يفهم منها والحال هذه إلا ملك التصرف، وهذا معلوم لكل منصف؛ بل قول النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- أولى مما مثلنا به وأجلى.

Page 210