Sharh Risala Nasiha
شرح الرسالة الناصحة بالأدلة الواضحة
Genres
وذهب أهل العدل على طبقاتهم إلى أنها - أعني شفاعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم - لا تكون لمن يستحق النار من الفساق والكفار، ولم ينكر أحد من جميع الأمة والأئمة -عليهم السلام- الشفاعة، وكيف وقد ظهر قوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((من كذب بالشفاعة لم ينلها))([45])، وإن حدث قول بغير ذلك كان خارقا للإجماع وذلك لا يجوز.
فإن قيل: فلمن تكون الشفاعة على هذا إن قلتم تكون للعصاة هدمتم قاعدة كلامكم أولا، وإن قلتم للمؤمنين فلا نجد لها معنى؛ لأنهم بما استحقوا من الثواب أغنياء؟.
قلنا: الأمر فيما ذهبنا إليه [واضح([46])] جدا، لأنا نعلم أن
الله -تعالى- قد وعد نبيئه -صلى الله عليه وآله وسلم- أن يبعثه مقاما محمودا يتميز به على سائر الأنبياء -عليهم السلام- وذلك لا يكون إلا بأن يبعثه شافعا مشفعا، والشفاعة كما تحسن في حق الفقراء تحسن في حق الأغنياء، ألا ترى أنه كما يقال: يشفع فلان إلى الملك في إغناء فقير، أو فك أسير، قد يحسن أن يقال: شفع ولده إليه في الزيادة في راتب الوزير، وإجلاسه معه على السرير، فكما أن الشفاعة تحسن وتنفع في دفع المحذور، قد تحسن وتنفع في جلب السرور.
[الدليل على أن الشفاعة ليست للفساق]
والدليل على صحة ما ذهبنا إليه قول الله -تعالى- وهو لا يقول إلا الحق: {ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع(18)}[غافر].
ووجه الإستدلال بهذه الآية: أن الله -تعالى- نفى على العموم أن يكون لأحد من الظالمين، يوم القيامة حميم من المؤمنين، ولا شفيع مطاع من المقربين، والفاسق ظالم كالكافر، وإثبات ما نفى الله -تعالى- لا يجوز.
أما أنه تعالى نفى أن يكون لأحد من الظالمين حميم ولا شفيع يطاع: فذلك ظاهر؛ لأنه أدخل حرف النفي على شفيع، وهو نكرة شائعة، فاقتضى العموم بدلالة جواز الإستثناء.
Page 196