Sharh Nahj Balagha

Ibn Abi al-Hadid d. 656 AH
31

Sharh Nahj Balagha

شرح نهج البلاغة

Investigator

محمد عبد الكريم النمري

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1418 AH

Publisher Location

بيروت

الشرح : إنما قال عليه السلام : أول الدين معرفته ، لأن التقليد باطل ، وأول الواجبات الدينية المعرفة . ويمكن أن يقول قائل : ألستم تقولون في علم الكلام : أول الواجبات النظر في طريق معرفة الله تعالى ؛ وتارة تقولون : القصد إلى النظر ؟ فهل يمكن الجمع بين هذا وبين كلامه عليه السلام ؟ ! وجوابه أن النظر والقصد إلى النظر إنما وجبا بالعرض لا بالذات ؛ لأنهما وصلة إلى المعرفة ، والمعرفة هي المقصود بالوجوب ، وأمير المؤمنين عليه السلام أراد : أول واجب مقصود بذاته من الدين معرفة البارئ سبحانه ؛ فلا تناقض بين كلامه وبين آراء المتكلمين .

وأما قوله : وكمال معرفته التصديق به ، فلأن معرفته قد تكون ناقصة ، وقد تكون غير ناقصة ، فالمعرفة الناقصة هي المعرفة بأن للعالم صانعا غير العالم ، وذلك باعتبار أن الممكن لا بد له من مؤثر ، فمن علم هذا فقط علم الله تعالى ولكن علما ناقصا ، وأما المعرفة التي ليست ناقصة فأن تعلم أن ذلك المؤثر خارج عن سلسلة الممكنات ، والخارج عن كل الممكنات ليس بممكن ، وما ليس بممكن فهو واجب الوجود ، فمن علم أن للعالم مؤثرا واجب الوجود فقد عرفه عرفانا أكمل من عرفان أن للعالم مؤثرا فقط ، وهذا الأمر الزائد هو المكنى عنه بالتصديق به ؛ لأن أخص ما يمتاز به البارئ عن مخلوقاته هو وجوب الوجود .

وأما قوله عليه السلام : وكمال التصديق به توحيده ، فلأن من علم أنه تعالى واجب الوجود مصدق بالبارئ سبحانه ، لكن ذلك التصديق قد يكون ناقصا ، وقد يكون غير ناقص ؛ فالتصديق الناقص أن يقتصر على أن يعلم أنه واجب الوجود فقط ، و التصديق الذي هو أكمل من ذلك وأتم هو العلم بتوحيده سبحانه ، باعتبار أن وجوب الوجود لا يمكن أن يكون لذاتين ، لأن فرض واجبي الوجود يفضي إلى عموم وجوب الوجود لهما وامتياز كل واحد منهما بأمر غير الوجوب المشترك ، وذلك يفضي إلى تركيبهما وإخراجهما عن كونهما واجبي الوجود ، فمن علم البارئ سبحانه واحدا ، أي لا واجب الوجود إلا هو يكون أكمل تصديقا ممن لم يعلم ذلك ؛ وإنما اقتصر على أن صانع العالم واجب الوجود فقط .

وأما قوله : وكمال توحيده الإخلاص له ؛ فالمراد بالإخلاص له ههنا هو نفي الجسمية والعرضية ولوازمهما عنه ، لأن الجسم مركب ، وكل مركب ممكن ، وواجب الوجود ليس بممكن . أيضا فكل عرض مفتقر ، وواجب الوجود غير مفتقر ؛ فواجب الوجود ليس بعرض . وأيضا فكل جرم محدث ، وواجب الوجود ليس بمحدث ، فواجب الوجود ليس بجرم . وأيضا فكل حاصل في الجهة ، إما جرم أو عرض ، وواجب الوجود ليس بجرم ولا عرض ، فلا يكون حاصلا في جهة ؛ فمن عرف وحدانية البارئ ولم يعرف هذه الأمور كان توحيده ناقصا ، ومن عرف هذه الأمور بعد العلم بوحدانيته تعالى فهو المخلص في عرفانه جل اسمه ، ومعرفته تكون أتم وأكمل .

Page 51