228

Sharḥ Nahj al-Balāgha

شرح نهج البلاغة

Editor

محمد عبد الكريم النمري

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1418 AH

Publisher Location

بيروت

قلت : قد ذكر هذا اللفظ أبو العباس محمد بن يزيد المبرد في كتابه الكامل ولم يفسره ، وتفسيره أن معاوية قال للكاتب : اكتب على ألا ينقض شرط طاعة ، يريد أخذ إقرار عمرو له أنه قد بايعه على الطاعة بيعة مطلقة غير مشروطة بشيء ، وهذه مكايدة له ؛ لأنه لو كتب ذلك لكان لمعاوية أن يرجع في إعطائه مصر ، ولم يكن لعمرو أن يرجع عن طاعته ، ويحتج عليه برجوعه عن مصر ، لأن مقتضى المشارطة المذكورة ، أن طاعة معاوية واجبة عليه مطلقا ، سواء أكانت مصر مسلمة إليه أم لا .

فلما انتبه عمرو إلى هذه المكيدة منع الكاتب من أن يكتب ذلك ، وقال : بل اكتب : على ألا تنقض طاعة شرطا ، يريد أخذ إقرار معاوية له بأنه إذا كان أطاعه لا تنقض طاعته إياه ما شارطه عليه من تسليم مصر إليه . وهذا أيضا مكايدة من عمرو لمعاوية ، ومنع له من أن يغدر بما أعطاه من مصر . قال نصر : وكان لعمرو بن العاص عم من بني سهم ، أريب ، فلما جاء عمرو بالكتاب مسرورا عجب الفتى ، وقال : ألا تخبرني يا عمرو ، بأي رأي تعيش في قريش ! أعطيت دينك وتمنيت دنيا غيرك ! أترى أهل مصر - وهم قتلة عثمان - يدفعونها إلى معاوية وعلي حي ! وأتراها إن صارت لمعاوية لا يأخذها بالحرف الذي قدمه بالكتاب ؟ فقال عمرو : يابن أخي ، إن الأمر لله دون علي ومعاوية ، فقال الفتى :

ألا يا هند أخت بني زياد . . . رمي عمرو بداهية البلاد

رمي عمرو بأعور عبشمي . . . بعيد القعر مخشي الكياد

له خدع يحار العقل منها . . . مزخرفة صوائد للفؤاد

فشرط في الكتاب عليه حرفا . . . يناديه بخدعته المنادي

وأثبت مثله عمرو عليه . . . كلا المرأين حية بطن واد

ألا يا عمرو وما أحرزت مصرا . . . ولا ملت الغداة إلى الرشاد

أبعت الدين بالدنيا خسارا . . . فأنت بذاك من شر العباد

فلو كنت الغداة أخذت مصرا . . . ولكن دونها خرط القتاد

وفدت إلى معاوية بن حرب . . . فكنت بها كوافد قوم عاد

وأعطيت الذي أعطيت منها . . . بطرس فيه نضح من مداد

ألم تعرف أبا حسن عليا . . . وما نالت يداه من الأعادي

عدلت به معاوية بن حرب . . . فيما بعد البياض من السواد !

ويا بعد الأصابع من سهيل . . . ويا بعد الصلاح من الفساد

أتأمن أن تدال على خدب . . . يحث الخيل بالأسل الحداد

ينادي بالنزال وأنت منه . . . قريب فانظرن من ذا تعادي

فقال عمرو : يابن أخي ، لو كنت عند علي لوسعني ، ولكني الآن عند معاوية . قال الفتى : إنك لم لم ترد معاوية لم يردك ؛ ولكنك تريد دنياه ، وهو يريد دينك . وبلغ معاوية قول الفتى فطلبه ، فهرب فلحق بعلي عليه السلام ، فحدثه أمره فسر به وقربه .

Page 42