205

Sharḥ Nahj al-Balāgha

شرح نهج البلاغة

Editor

محمد عبد الكريم النمري

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1418 AH

Publisher Location

بيروت

وروى شريك بن عبد الله النخعي ، عن محمد بن عمرو بن مرة عن أبيه ، عن عبد الله بن سلمة ، وعن أبي موسى الأشعري ، قال : حججت مع عمر ، فلما نزلنا وعظم الناس خرجت من رحلي أريده ، فلقيني المغيرة بن شعبة ، فرافقني ، ثم قال : أين تريد ؟ فقلت : أمير المؤمنين ، فهل لك ؟ قال : نعم ، فانطلقنا نريد رحل عمر ، فإنا لفي طريقنا أذ ذكرنا تولي عمر وقيامه بما هو فيه ، وحياطته على الإسلام ، ونهوضه بما قبله من ذلك ، ثم خرجنا إلى ذكر أبي بكر ، فقلت للمغيرة : يا لك الخير ! لقد كان أبو بكر مسددا في عمر ، لكأنه ينظر إلى قيامه بعده ، وجده واجتهاده وغنائه في الإسلام ، فقال المغيرة : لقد كان ذلك ، وإن كان قوم كرهوا ولاية عمر ليزووها عنه ، وما كان لهم في ذلك من حظ ، فقلت له : لا أبا لك ! ومن القوم الذين كرهوا ذلك لعمر ؟ فقال المغيرة : لله أنت ! كأنك لا تعرف هذا الحي من قريش وما خصوا به من الحسد ! فوالله لو كان هذا الحسد يدرك بحساب لكان لقريش تسعة أعشاره وللناس كلهم عشر ، فقلت : مه يا مغيرة ! فإن قريشا بانت بفضلها على الناس . فلم نزل في مثل ذلك حتى انتهينا إلى رحل عمر فلم نجده ، فسألنا عنه فقيل : قد خرج آنفا ، فمضينا نقفو أثره حتى دخلنا المسجد ، فإذا عمر يطوف بالبيت ، فطفنا معه ، فلما فرغ دخل بيني وبين المغيرة ، فتوكأ على المغيرة وقال : من أين جئتما ؟ فقلنا : خرجنا نريدك يا أمير المؤمنين ، فأتينا رحلك فقيل لنا : خرج إلى المسجد ، فاتبعناك . فقال : اتبعكما الخير ، ثم نظر المغيرة إلي وتبسم ، فرمقه عمر ، فقال : مم تبسمت أيها العبد ! فقال : من حديث كنت أنا وأبو موسى فيه آنفا في طريقنا إليك ، قال : وما ذاك الحديث ؟ فقصصنا عليه الخبر حتى بلغنا ذكر حسد قريش ، وذكر من أراد صرف أبي بكر عن استخلاف عمر ، فتنفس الصعداء ثم قال : ثكلتك أمك يا مغيرة ! وما تسعة أعشار الحسد ! بل وتسعة أعشار العشر ، وفي الناس كلهم عشر العشر ، بل وقريش شركاؤهم أيضا فيه ! وسكت مليا وهو يتهادى بيننا ، ثم قال : ألا أخبركما بأحسد قريش كلها ؟ قلنا : بلى يا أمير المؤمنين ، قال : وعليكما ثيابكما ؟ قلنا : نعم ، قال : وكيف بذلك وأنتما ملبسان ثيابكما ؟ قلنا : يا أمير المؤمنين ، وما بال الثياب ! قال : خوف الإذاعة منها ، قلنا له : أتخاف الإذاعة من الثياب أنت ، وأنت ملبس الثياب أخوف ! وما الثياب أردت ! قال : هو ذاك ، ثم انطلق وانطلقنا معه حتى انتهينا إلى رحله ، فخلى أيدينا من يده ، ثم قال : لا تريما ، ودخل فقلت للمغيرة : لا أبا لك ! لقد عثرنا بكلامنا معه ، وما كنا فيه ، وما نراه حبسنا إلا ليذاكرنا إياها ، قال : فإنا لكذلك إذ أخرج أذنه إلينا ، فقال : ادخلا ، فدخلنا فوجدناه مستلقيا على برذعة برحل ، فلما رآنا تمثل بقول كعب ابن زهير : لا تفش سرك إلا عندي ذي ثقة . . . أولى وأفضل ما استودعت أسرارا

صدرا رحيبا وقلبا واسعا قمنا . . . ألا تخاف متى أودعت إظهارا

Page 19