182

Sharḥ Nahj al-Balāgha

شرح نهج البلاغة

Editor

محمد عبد الكريم النمري

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1418 AH

Publisher Location

بيروت

واختلف في كتابته له كيف كانت ، فالذي عليه المحققون من أهل السيرة أن الوحي كان يكتبه علي عليه السلام وزيد بن ثابت ، وزيد بن أرقم ، وأن حنظلة بن الربيع التيمي ومعاوية بن أبي سفيان كانا يكتبان له إلى الملوك وإلى رؤساء القبائل ، ويكتبان حوائجه بين يديه ، ويكتبان ما يجبى من أموال الصدقات وما يقسم في أربابها .

وكان معاوية على أس الدهر مبغضا لعلي عليه السلام ، شديد الانحراف عنه ، وكيف لا يبغضه وقد قتل أخاه حنظلة يوم بدر ، وخاله الوليد بن عتبة ، وشرك عمه في جده وهو عتبة ، أو في عمه ، وهو شيبة ، على اختلاف الرواية ، وقتل بني عمه عبد شمس نفرا كثيرا من أعيانهم وأماثلهم ، ثم جاءت الطامة الكبرى واقعة عثمان ، فنسبها كلها إليه بشبهة إمساكه عنه ، وانضواء كثير من قتلته إليه عليه السلام ، فتأكدت البغضة ، وثارت الأحقاد ، وتذكرت تلك الترات الأولى ، حتى أفضى الأمر إلى ما أفضى إليه .

وقد كان معاوية ، مع عظم قدر علي عليه السلام في النفوس ، واعتراف العرب بشجاعته ؛ وأنه البطل الذي لا يقام له ، يتهدده - وعثمان بعد حي - بالحرب والمنابذة ، ويراسله من الشام رسائل خشنة ، حتى قال له في وجهه ما رواه أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل ، قال : قدم معاوية المدينة قدمة أيام عثمان في أواخر خلافته ، فجلس عثمان يوما للناس ، فاعتذر من أمور نقمت عليه ، فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل توبة الكافر ، وإني رددت الحكم عمي لأنه تاب ، فقبلت توبته ، ولو كان بينه وبين أبي بكر وعمر من الرحم ما بين وبينه لآوياه . فأما ما نقمتم علي أني أعطيت من مال الله ، فإن الأمر إلي ، أحكم في هذا المال بما آراه صلاحا للأمة ، وإلا فلماذا كنت خليفة ! فقطع عليه الكلام معاوية وقال للمسلمين الحاضرين عنده : أيها المهاجرون ، قد علمتم أنه ليس منكم رجل إلا وقد كان قبل الإسلام مغمورا في قومه ، تقطع الأمور من دونه ، حتى بعث الله رسوله فسبقتم إليه ، وأبطأ عنه أهل الشرف والرياسة ، فسدتم بالسبق لا بغيره ؛ حتى إنه ليقال اليوم : رهط فلان ، وآل فلان ؛ ولم يكونوا قبل شيئا مذكورا ، وسيدوم لكم هذا الأمر ما استقمتم ، فإن تركتم شيخنا هذا يموت على فراشه وإلا خرج منكم ، ولا ينفعكم سبقكم وهجرتكم .

فقال له علي عليه السلام : ما أنت وهذا يابن اللخناء ! فقال معاوية : مهلا يا أبا الحسن عن ذكر أمي ، فما كانت بأخس نسائكم ، ولقد صافحها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أسلمت ولم يصافح امرأة غيرها ، أما لو قالها غيرك ! فنهض علي عليه السلام ليخرج مغضبا ، فقال عثمان : اجلس ، فقال له : لا أجلس ، فقال : عزمت عليك لتجلسن ، فأبى وولى ، فأخذ عثمان طرف ردائه ، فترك الرداء في يده وخرج ، فأتبعه عثمان بصره ، فقال : والله لا تصل إليك ولا إلا أحد من ولدك .

Page 202