Sharḥ Nahj al-Balāgha
شرح نهج البلاغة
Editor
محمد عبد الكريم النمري
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الأولى
Publication Year
1418 AH
Publisher Location
بيروت
ثم رفع يديه ، فقال : اللهم إن طلحا والزبير قطعاني ، وظلماني ، وألبا علي ، ونكثا بيعتي ، فأحلل ما عقدا ، وانكث ما أبرما ، ولا تغفر لهما أبدا ، وأرهما المساءة فيما عملا واملا ! قال أبو مخنف : فقام إليه الأشتر فقال : الحمد لله الذي من علينا فأفضل ، وأحسن إلينا فأجمل ، قد سمعنا كلامك يا أمير المؤمنين ، ولقد أصبت ووفقت ، وأنت ابن عم نبينا وصهره ووصيه ، وأول مصدق به ، ومصل معه ، شهدت مشاهده كلها ، فكان لك الفضل فيها على جميع الأمة ، فمن اتبعك أصاب حظه ، واستبشر بفلجه ، ومن عصاك ، ورغب عنك ، فإلى أمه الهاوية ! لعمري يا أمير المؤمنين ما أمر طلحة والزبير وعائشة علينا بمخيل ، ولقد دخل الرجلان فيما دخلا فيه ، وفارقا على غير حدث أحدثت ، ولا جور صنعت ؛ فإن زعما أنهما يطلبان بدم عثمان فليقيدا من أنفسهما فإنهما أول من ألب عليه وأغرى الناس بدمه ، وأشهد الله ، لئن لم يدخلا فيما خرجا منه لنلحقهما بعثمان ، فإن سيوفنا في عواتقنا ، وقلوبنا في صدورنا ، ونحن اليوم كما كنا أمس . ثم قعد .
ومن خطبة له في قسمة الأرزاق بين الناس
الأصل : أما بعد ، فإن الأمر ينزل من السماء إلى الأرض كقطر المطر إلى كل نفس بما قسم لها من زيادة أو نقصان ، فإن رأى أحدكم لأخيه غفيرة في أهل أو مال أو نفس ، فلا تكونن له فتنة ، فإن المرء المسلم ما لم يعش دناءة تظهر فيخشع لها إذا ذكرت ويغرى بها لئام الناس ، كان كالفالج الياسر الذي ينتظر أول فوزة من قداحه توجب له المغنم ، ويرفع عنه بها المغرم . وكذلك المرء المسلم البريء من الخيانة ينتظر من الله إحدى الحسنيين ، إما داعي الله فما عند الله خير له ، وإما رزق الله ، فإذا هو ذو أهل ومال ، ومعه دينه وحسبه .
إن المال والبنين حرث الدنيا ، والعمل الصالح حرث الآخرة ، وقد يجمعهما الله تعالى لأقوام ؛ فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه ، واخشوه خشية ليست بتعذير ، واعملوا في غير رياء ولا سمعة ، فإنه من يعمل لغير الله يكله الله إلى من عمل له . نسأل الله منازل الشهداء ، ومعايشة السعداء ، ومرافقة الأنبياء .
أيها الناس ، إنه لا يستغني الرجل وإن كان ذا مال عن عشيرته ودفاعهم عنه بأيديهم وألسنتهم ؛ وهم أعظم الناس حيطة من ورائه ، وألمهم لشعثه ، وأعطفهم عليه عند نازلة إن نزلت به ، ولسان الصدق يجعله الله للمرء في الناس خير له من المال يورثه غيره .
Page 186