165

Sharḥ Nahj al-Balāgha

شرح نهج البلاغة

Editor

محمد عبد الكريم النمري

Publisher

دار الكتب العلمية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1418 AH

Publisher Location

بيروت

وروى الكلبي قال : لما أراد علي عليه السلام المسير إلى البصرة ، قام فخطب الناس ، فقال بعد أن حمد الله و صلى على رسوله صلى الله عليه : إن الله لما قبض نبيه ، استأثرت علينا قريش بالأمر ، ودفعتنا عن حق نحن أحق به من الناس كافة ، فرأيت أن الصبر على ذلك أفضل من تفريق كلمة المسلمين ، وسفك دمائهم . والناس حديثو عهد الإسلام ، والدين يمخض مخض الوطب ، يفسده أدنى وهن ، ويعكسه أقل خلف . فولي الأمر قوم لم يألوا في أمرهم اجتهادا ، ثم انتقلوا إلى دار الجزاء ، والله ولي تمحيص سيئاتهم ، والعفو عن هفواتهم . فما بال طلحة والزبير ، وليسا من هذا الأمر بسبيل ! لم يصبرا علي حولا ولا شهرا حتى وثبا ومرقا ، ونازعاني أمرا لم يجعل الله لهما إليه سبيلا ، بعد أن بايعا طائعين غير مكرهين ، يرتضعان أما قد فطمت ، ويحييان بدعة قد أميتت . أدم عثمان زعما ! والله ما التبعة إلا عندهم وفيهم ، وإن أعظم حجتهم لعلى أنفسهم ، وأنا راض بحجة الله عليهم وعمله ، فإن فاءا وانابا فحظهما أحرزا ، وأنفسهما غنما ، وأعظم بها غنيمة ! وإن أبيا أعطيتهما حد السيف ، وكفى به ناصرا لحق ، وشافيا لباطل ، ثم نزل .

خطبته بذي قار

وروى أبو مخنف عن زيد بن صوحان ، قال : شهدت عليا عليه السلام بذي قار ، وهو معتم بعمامة سوداء ، ملتف بساج يخطب ، فقال في خطبة : الحمد لله على كل أمر وحال ، وفي الغدو والآصال ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وان محمدا عبده ورسوله ، ابتعثه رحمة للعباد ، وحياة للبلاد ، حين امتلأت الأرض فتنة ، واضطرب حبلها ، وعبد الشيطان في أكنافها ، واشتمل عدو الله إبليس على عقائد أهلها ، فكان محمد بن عبد الله ابن عبد المطلب ، الذي أطفأ الله به نيرانها ، وأخمد به شرارها ، ونزع به أوتادها ، وأقام به ميلها ، إمام الهدى ، والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ، فلقد صدع بما أمر به ، وبلغ رسالات ربه ، فأصلح الله به ذات البين ، وآمن به السبل ، وحقن به الدماء ، وألف به بين ذوي الضغائن الواغرة في الصدور ، حتى أتاه اليقين ، ثم قبضه الله إليه حميدا . ثم استخلف الناس أبا بكر ، فلم يأل جهده ، ثم استخلف أبو بكر عمر فلم يأل جهده ، ثم استخلف الناس عثمان ، فنال منكم ، ونلتم منه ، حتى إذا كان من أمره ما كان ، أتيتموني لتبايعوني ، لا حاجة لي في ذلك ، ودخلت منزلي ، فاستخرجتموني فقبضت يدي فبسطتموها ، وتداككتم علي ، حتى ظننت أنكم قاتلي ، وأن بعضكم قاتل بعض ، فبايعتموني وأنا غير مسرور بذلك ولا جزل .

وقد علم الله سبحانه أن كنت كارها للحكومة بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ولقد سمعته يقول : ' ما من وال يلي شيئا من أمر أمتي إلا أتي به يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه على رؤوس الخلائق ، ثم ينشر كتابه ، فإن كان عادلا نجا ، وإن كان جائرا هوى ' ، حتى اجتمع علي ملؤكم ، وبايعني طلحة والزبير ، وأنا أعرف الغدر في أوجههما ، والنكث في أعينهما ، ثم استأذناني في العمرة ، فأعلمتهما أن ليس للعمرة يريدان ، فسارا إلى مكة واستخفا بعائشة وخدعاها ، وشخص معهما أبناء الطلقاء ، فقدموا البصرة ، فقتلوا بها المسلمين ، وفعلوا المنكر . ويا عجبا لاستقامتهما لأبي بكر وعمر وبغيهما علي ! وهما يعلمان أني لست دون أحدهما ، ولو شئت أن أقول لقلت ، ولقد كان معاوية كتب إليهما من الشام كتابا يخدعهما فيه ، فكتماه عني ، وخرجا يوهمان الطغام أنهما يطلبان بدم عثمان ؛ والله ما أنكرا علي منكرا ، ولا جعلا بيني وبينهم نصفا ، وإن دم عثمان لمعصوب بهما ، ومطلوب منهما . يا خيبة الداعي ! إلام دعا ! وبماذا أجيب ؟ والله إنهما لعلى ضلالة صماء ، وجهالة عمياء ، وإن الشيطان قد ذمر لهما حزبه ، واستجلب منهما خيله ورجله ، ليعيد الجور إلى أوطانه ، ويرد الباطل إلى نصابه .

Page 185