Sharh Nahj Balagha
شرح نهج البلاغة
Investigator
محمد عبد الكريم النمري
Publisher
دار الكتب العلمية
Edition Number
الأولى
Publication Year
1418 AH
Publisher Location
بيروت
ويمكن أن يقول قائل : هذا الكلام لا يدل على صحة القول بعذاب القبر ؛ لجواز أن يعني بمعاينة من قد مات ، ما يشاهده المحتضر من الحالة الدالة على السعادة أو الشقاوة ، فقد جاء في الخبر : ' لا يموت امرؤ حتى يعلم مصيره ، هل هو إلى الجنة إم إلى النار ' . ويمكن أن يعني به ما يعاينه المحتضر من ملك الموت وهول قدومه . ويمكن أن يعني به ما كان عليه السلام يقوله عن نفسه : إنه لا يموت ميت حتى يشاهده عليه السلام حاضرا عنده . والشيعة تذهب إلى هذا القول وتعتقده ، وتروي عنه عليه السلام شعرا للحارث الأعور الهمداني :
يا حار همدان من يمت يرني . . . من مؤمن أو منافق قبلا
يعرفني طرفه وأعرفه . . . بعينه واسمه وما فعلا
أقول للنار وهي توقد لل . . . عرض ذريه لا تقربي الرجلا
ذريه لا تقربيه إن له . . . حبلا بحبل الوصي متصلا
وأنت يا حار إن تمت ترني . . . فلا تخف عثرة ولا زللا
أسقيك من بارد على ظمأ . . . تخاله في الحلاوة العسلا
وليس هذا بمنكر ؛ إن صح أنه عليه السلام قاله عن نفسه ، ففي الكتاب العزيز ما يدل على أن أهل الكتاب لا يموت منهم ميت حتى يصدق بعيسى بن مريم عليه السلام ، وذلك قوله : ' وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمن به قبل موته ويوم القيامة يكون عليهم شهيدا ' ؛ قال كثير من المفسرين : معنى ذلك أن كل ميت من اليهود وغيرهم من أهل الكتاب السالفة إذا احتضر رأى المسيح عيسى عنده ، فيصدق به من لم يكن في أوقات التكليف مصدقا به .
وشبيه بقوله عليه السلام : ' لو عاينتم ما عاين من مات قبلكم ' قول أبي حازم لسليمان بن عبد الملك في كلام يعظه به : إن آباؤك ابتزوا هذا الأمر من غير مشورة ، ثم ماتوا ، فلو علمت ما قالوا وما قيل لهم ! فقيل : إنه بكى حتى سقط .
ومن خطبة له في موعظة الناس
الأصل : فإن الغاية أمامكم ، وإن وراءكم الساعة تحدوكم .
تخففوا تلحقوا ، فإنما ينتظر بأولكم آخركم .
قال الرضي رحمه الله : أقول : إن هذا الكلام لو وزن بعد كلام الله سبحانه ، وبعد كلام رسول الله صلى الله عليه وآله بكل كلام لمال به راجحا ، وبرز عليه سابقا .
فأما قوله عليه السلام : تخففوا تلحقوا ، فما سمع كلام أقل منه مسموعا ولا أكثر محصولا ، وما أبعد غورها من كلمة ! وأنقع نطفتها من حكمة ! وقد نبهنا في كتاب الخصائص على عظم قدرها ، وشرف جوهرها .
Page 180