Sharh Mushkil
شرح المشكل من شعر المتنبي
وأسمرُ في رأسه أزرقٌ ... مِثلُ لِسَانِ الحية الصادى
) وَشُربٌ أذكُتِ الشعري شكائمها ... وَوَسَّمَتْها على آنافِها الحَكمُ (
اي أحمى طلوع الشعري العبُور، وهو أوان اشتداد الحر، وانقطاع المطر، شكائم هذه الخيل الضامرة والشكائم: فئوس اللُّجُم، واحدتها شكيمة وقيل: الشكائم: الحكَم، فاستحرت الحكم حتى عادت كالمكواة، فوسمت آناف الخيل، كما يسمها الكاوي بالنار.
) حتى وَرَدْنَ بِسمنينٍ بُحيرتها ... تنش بالماء في أشداقها اللُّجُمُ (
اي أن الخيل شربت من بُحيرة سُمنين. فغلا ذلك الماء في أفواهها باستحرار اللجم التي في أشداقها، كان ذلك الحر الذي في الحديد هو الذي أحمى الماء فغلى في أفواه الخيل.
) وأصبحت بقُرى هنزيط جائلة ... ترعى الظُبا في خصيبٍ نبتُه الِّمَمُ (
الخصيب هنا: الهامُ، ونبتها الشعر. والخصيب كناية عن كثرة الشعر. وإنما عنى أن هؤلاء القتلى شباب لم يصلعُوا بعد، وهم يكنُون عن كثرة الشعر وسواده بالخصب، وعن ذد ذلك بالمَحْل فمما جاء في ذلك قولُه:
رأت أقحوان الشيب فوق خَطِيطةٍ ... إذا أمطرت لم تستكن صُوأبها
شبه رأسه حين صلع بالخطيطة، وهي الارض التي تُمطر بين أرضين ممطورتين. وإذا لم تُمطر لم تُنبت. وقال:) تستكن صُؤابها (: اي أنه ليس هنا شعر فيستتر فيه الصؤاب لو مُطر، ولا نعلم أحدًا شبه الشيب بالأقحوان إلا هذا الشاعر: قال أبو النجم في تشبيهه قلة الشعر بالجرب) أجرب الفإلى إذا الفإلى فلا (كقولك: أهيجتُ الأرض: وجدْتُها هائجة النبات وله نظائر كثيرة.
) فَمَا تركن بها خُلدًا لهُ بصر ... تحت التراب ولا بارًا لهُ قدمُ (
استثارت هذه الخيل من مُنهزمي الروم من وَلَجَ بطن الارض، وسلك الأخاديد، فصار بتخلله التراب، بمنزلة الخُلد وهي الفأرة العمياء، إلا أن الخلد هنا إنسان وله بصر، إنما أخرجه بقوله:) لهُ بصر (من نوع الخلد إلى نوع الانسان إذهو المختبئ في التراب، وليس يُخلد في الحقيقة، إنما هو إنسان، وإنما شبهه بالخلد فيما ذكرت لك. وكذلك أنزلت منهم صقر الخيل والعُقاب، فصار بازًا في تسنُّمه المراقب، كتسم البوازي، إلا أن له قدمًا، إذ ليس بباز في الحقيقة. وبقوله:) قدم (أخرجه من نوع البازي إلى الإنسانية، كما أخرجه من نوع الخُلد بقوله:) له بصر (وهذا الاخراج مليح، وإن كان قوله:) له بصر (و) له قدم (، من باب الرسم لامن باب الحد، فقد أحال، فتفهمه، فإنه لطيف.
) ولا هزبرًا لهُ من دِرعه لِبدٌ ... ولا مساةً لها من شِبهها حشم (
اي: درعه له كاللبدة للأسد،) ولها من شبهها حشم (: اي: جوارٍ مثلُها في الحسن والسن يخدُمنها. وبقوله:) من درعه لِبدَ (أخرجه من نوع الأسد، لان الأسد لا يدرعُ. وبقوله:) لها من شِبهها حشم (عرضان، ليسا برسمين، كالبصر والقدم الذي قبله، لان البصر والقدم جوهران.
) عبرت تقدُمُهُم فيه وفي بلدٍ ... سُكانهُ رممٌ مسكونُها حُمَمُ (
والحُمم: الفحم؛ واحدته حُمة بالهاء. سمي بذلك لسواده. اي قتلتهم وأحرقت منازلهم؛ فلم يبق من أنفسهم إلا أعُظمُ رمم، وهي البالية، ولم يبق من منازلهم إلا ماعاد حُمما. فالأعظم هي الساكنة لأنها جزء من السكان، والمسكونةُ هي الحمم، لأنها جزء من المساكن.
وما أحسن ما قابل به بين الرمم والحُمم: لفظًا ومعنى. وقوله:) سكانها رممُ (جملة في موضع النعت لبلد. وقوله:) مسكونها حُمم (: جملة في موضع النعت لرمم. فكأنه قال: في بلد خال مُحرق.
) وفي أكفهمُ النارُ التي عُبدت ... قبل المجُوس إلى ذا اليوم تضطرمُ (
سبه السيوف بالنار في صفائها والتهابها وقوة تأثيرها. وقوله:) عبدت قبل المجوس (: كلام صحيح، لان الحاجة إلى السيف طبيعة، وعبادة المجوس النار شريعة، والطبيعة أقدم من الشريعة، وإن لم تكن هذه السيوف المحدثة الآن، هي السيوف التي استعملت قبل عبادة المجوس النار، وإنما أراد التي عُبدت أفرادُها من السيوف، أو عبدت أمثالها. ومعنى عبادتها: القول بها، والاستغاثة إليها.
وقيل: اشتمالهم بها: كاشتمال الاسلام بالمصاحفن والنصارى بالإنجيل، ونحو ذلك من أنواع الشعار الإلهي.
وقيل، معنى) عُبدت قبل المجوس (، إنما ذهب إلى أنها عتيقة قديمة.
1 / 79