Sharh Maqasid
شرح المقاصد في علم الكلام
Publisher
دار المعارف النعمانية
Edition Number
الأولى
Publication Year
1401هـ - 1981م
Publisher Location
باكستان
Genres
والثالث قوى يفرض صدور أعمال متوالية عنها مختلفة بالعدد كرماة يختلف عدد رميهم ولا محالة يكون التي يصدر عنها عدد أكثر أقوى من التي يصدر عنها عدد أقل ويجب من ذلك أن يكون لعمل غير المتناهية عدد غير متناه فالاختلاف الأول بالشدة والثاني بالمدة والثالث بالعدة ولما كان امتناع اللاتناهي بحسب الشدة وهو أن يقع الأثر في الزمان الذي هو في غاية القصر بل في الآن ظاهر الامتناع أن تقع الحركة إلا في زمان قابل للانقسام بحيث تكون القوة التي توقع الحركة في نصف ذلك الزمان اشد تأثيرا اقتصروا على بيان امتناع اللاتناهي بحسب العدة والمدة فقالوا لا شك أن التأثير القسري يختلف باختلاف القابل المقسور بمعنى أنه كلما كان أكبر كان تحريك القاسر له أضعف لكون معاوقته وممانعته أكثر وأقوى لأنه إنما يعاوق بحسب طبيعته وهي في الجسم الكبير أقوى منها في الجسم الصغير لاشتماله على مثل طبيعة الصغير مع الزيادة فإذا فرضنا تحريك جسم بقوته جسما من مبدأ معين ثم تحريكه جسما آخر مماثلا له بحسب الطبيعة وأكبر منه بحسب المقدار بتلك القوة بعينها ومن ذلك المبدأ بعينه لزم أن يتفاوت منتهى حركة الجسمين بأن تكون حركة الأصغر أكثر من حركة الأكبر لكون المعاوقة فيه أقل فبالضرورة تنتهي حركة الأكبر ويلزم منه انتهاء حركة الأصغر لأنها إنما تزيد على حركة الأكبر بقدر زيادة مقداره على مقداره إذ المفروض أنه لا تفاوت إلا بذلك والتأثير الطبيعي يختلف باختلاف الفاعل بمعنى أنه كلما كان الجسم أعظم مقدارا كانت الطبيعة فيه أقوى وأكثر آثارا لأن القوى الجسمانية المتشابهة إنما تختلف باختلاف محالها بالصغر والكبر لكونها متجزئة بتجزئتها وأما في قبول الحركة فالصغير والكبير فيه متساويان لأن ذلك للجسمية وهي فيهما على السوية فإذا فرضنا حركة الصغير والكبير بالطبع من مبدأ معين لزم التفاوت في الجانب الآخر ضرورة أن الجزء لا يقوى على ما يقوى عليه الكل فتنقطع حركة الصغير ويلزم منه انتهاء حركة الكبير لكونهما على نسبة جسميهما فقوله لتفاوت الصغير والكبير بيان الاختلاف القسري باختلاف القابل وقوله وتساويهما في القبول بيان لعدم اختلاف الطبيعي باختلاف القابل وقوله فإذا فرض في حركتيهما أي حركتي الصغير والكبير شروع في تقرير الدليل وهو جامع للقسري والطبيعي ولم يقع في كلام القوم إلا بطريق التفصيل على ما شرحناه فإن نوقض الدليل إجمالا بالحركات الفلكية فإنها مع عدم تناهيها عندهم مستندة إلى قوى جسمانية لها إدراكات جزئية إذ التعقل الكلي لا يكفي في جزئيات الحركة على ما سيجيء وتفصيلا بأنه لم لا يجوز أن تكون القوى الجسمانية أزلية لا يكون لحركاتها مبدأ ولو سلم فلا نسلم إمكان ما فرضتم من اتحاد المبدأ بل مبدأ حركة الأصغر أصغر من مبدأ حركة الأكبر ولو سلم فلم لا يجوز أن يكون التفاوت الذي لا بد منه هو التفاوت بالسرعة والبطأ بأن يكون حركة الأصغر أسرع في القسرية وأبطأ في الطبيعية من غير انقطاع ولو سلم فالتفاوت بالزيادة والنقصان لا يوجب الانقطاع كما إذا فرضنا لحركة فلك القمر وفلك زحل مبدأ من موازاة نقطة معينة من الفلك الأعظم فإن دورات القمر أضعاف دورات زحل مع عدم تناهيهما أجيب عن الأول بأن حركات الأفلاك إرادية مستندة إلى إرادات وتعقلات جزئية مستندة إلى نفوسها المجردة في ذواتها المقارنة في أفعالها بالمادة المدركة للجزئيات بواسطة الآلات وكلامنا في تأثير القوى الحالة في الأجسام وعن الثاني والثالث بأن فرض المبدأ الواحد للحركتين بأن يعتبرا من نقطة واحدة من أوساط المسافة يماسها الطرف الذي يليها كاف في إثبات المطلوب ولا خفاء في إمكانه وإن لم يكن للحركة بداية وليس المراد بالمبدأ مجموع حيز الجسم حتى يكون مبدأ حركة الأصغر أصغر وعن الرابع بأن الاختلاف بالسرعة والبطاء يكون تفاوتا بحسب الشدة وليس الكلام فيه بل في التفاوت بحسب المدة والعدة ومعناه الزيادة والنقصان في زمان الحركة وعددها وعن الخامس بأن دورات القمر أو زحل ليست جملة موجودة يمكن الحكم عليها بالزيادة والنقصان ولا هناك أيضا قوة موجودة تستند تلك الدورات إليها بل إنما تستند إلى إرادات متجددة متعددة متعاقبة لا توجد إلا مع الحركات بخلاف ما نحن فيه فإن كون جملة الأفعال وإن لم تكن حاصلة في الحال لكن كون القوة قوية عليها أمر حاصل في الحال متفاوت بالزيادة والنقصان بالنسبة إلى تحريك الصغير والكبير وفي هذا نظر وعليه زيادة كلام يذكر في إبطال التسلسل وأجيب عن أصل الدليل بعد تسليم تأثير القوى بأن ما ذكرتم من اختلاف القسرية باختلاف القابل والطبيعية باختلاف الفاعل بحيث يكون تفاوت القوة على المعاوقة أو على التحريك في الجسم الصغير والكبير بنسبة مقداريهما حتى لو كان مقدار الصغير نصف مقدار الكبير كانت قوة معاوقته أو تحريكه نصف قوة معاوقة الكبير أو تحريكه ليلزم أن تكون حركته القسرية ضعف حركة الكبير وحركته الطبيعية نصفها ممنوع لجواز أن تكون القوة من الأعراض التي لا تنقسم بانقسام المحل كالوحدة والنقطة والأبوة قال المبحث السادس يستحيل يريد بيان استحالة الدور والتسلسل وعبر عنهما بعبارة جامعة وهي أن يتراقى عروض العلية والمعلولية لا إلى نهاية بأن يكون كل ما هو معروض للعلية معروضا للمعلولية ولا ينتهي إلى ما تعرض له العلية دون المعلولية فإن كانت المعروضات متناهية فهو الدور بمرتبة إن كانا اثنتين وبمراتب إن كانت فوق الاثنتين وإلا فهو التسلسل إما بطلان الدور فلأنه يستلزم تقدم الشيء على نفسه وهو ضروري الاستحالة وجه الاستلزام أن الشيء إذا كان علة لآخر كان متقدما عليه وإذا كان الآخر علة له كان متقدما عليه والمتقدم على المتقدم على الشيء متقدم على ذلك الشيء فيكن الشيء متقدما على نفسه ويلزمه كون الشيء متأخرا عن نفسه وهو معنى احتياجه إلى نفسه وتوقفه على نفسه والكل بديهي الاستحالة وربما يبين بأن التقدم أو التوقف أو الاحتياج نسبة لا تعقل إلا بين اثنين وبأن نسبة المحتاج إليه إلى المحتاج الوجوب وعكسها الإمكان والكل ضعيف لأن التغاير الاعتباري كاف فإن قيل إن أريد بتقدم الشيء على نفسه التقدم بالزمان فغير لازم في العلة أو بالعلية فنفس المدعي لأن قولنا الشيء لا يتقدم على نفسه بالعلية بمنزلة قولنا الشيء لا يكون علة لنفسه قلنا المراد التقدم بالمعنى الذي يصحح قولنا وجد فوجد على ما هو اللازم في كون الشيء علة للشيء بمعنى أنه مالم توجد العلة لم يوجد المعلول ألا ترى أنه يصح أن يقال وجدت حركة اليد فوجدت حركة الخاتم ولا يصح أن يقال وجدت حركة الخاتم فوجدت حركة اليد ولا خفاء في استحالة ذلك بالنظر إلى الشيء ونفسه فإن قيل يجوز أن يكون الشيء علة لما هو علة له من غير لزوم تقدم الشيء على نفسه وسند المنع وجهان
الأول أن المحتاج إلى المحتاج إلى الشيء لا يلزم أن يكون محتاجا إلى ذلك الشيء فإن العلة القريبة للشيء كافية في تحققه من غير احتياج إلى البعيدة والألزم تخلف الشيء عن علته القريبة
والثاني أن يكون الشيء بماهيته علة لشيء هو علة لوجود ذلك الشيء قلنا اللزوم ضروري والسند مدفوع لأنه مالم يوجد العلة البعيدة للشيء لم توجد العلة القريبة ومالم توجد العلة القريبة لم يوجد ذلك الشيء فما لم توجد البعيدة لم يوجد ذلك الشيء وهو معنى الاحتياج والتخلف إنما يلزم لو وجدت القريبة بدون البعيدة من غير وجود المعلول ولأن كون ماهية الشيء علة لما هو علة لوجوده مع أنه ظاهر الاستحالة لما فيه من وجود المعلول قبل وجود العلة ليس مما نحن فيه أعني الدور المفسر بتوقف الشيء على ما يتوقف عليه قال وأما الثاني احتجوا على بطلان التسلسل بوجوه
Page 165