Sharḥ al-maqāṣid fī ʿilm al-kalām
شرح المقاصد في علم الكلام
Publisher
دار المعارف النعمانية
Edition Number
الأولى
Publication Year
1401هـ - 1981م
Publisher Location
باكستان
Genres
وأما الثالث وهو أن فناء الجوهر بانقطاع شرط وجوده فزعم بشر أن ذلك الشرط بقاء يخلقه الله تعالى لا في محل فإذا لم يوجد عدم الجوهر وذهب الأكثرون من أصحابنا والكعبي من المعتزلة إلى أنه بقاء قائم به يخلقه الله تعالى حالا فحالا فإذا لم يخلقه الله تعالى فيه انتفى الجوهر وقال إمام الحرمين بأنها الأعراض التي يجب اتصاف الجسم بها فإذا لم يخلقها الله فيه فني وقال القاضي في أحد قوليه هو الأكوان التي يخلقها الله تعالى في الجسم حالا فحالا فمتى لم يخلقها فيه انعدم وقال النظام أنه ليس بباق بل يخلق حالا فحالا فمتى لم يخلق فني وأكثر هذه الأقاويل من قبيل الأباطيل سيما القول يكون الفناء أمرا محققا في الخارج وضدا للبقاء قائما بنفسه أو بالجوهر وكون البقاء موجود إلا في محل ولعل وجه البطلان غني عن البيان قال المبحث الرابع يعني أن القائلين بصحة الفناء وبحقية حشر الأجساد اختلفوا في أن ذلك بإيجاد بعد الفناء أو بالجمع بعد تفرق الأجزاء والحق التوقف وهو اختيار إمام الحرمين حيث قال يجوز عقلا أن تعدم الجواهر ثم تعاد وأن تبقى وتزول أعراضها المعهودة ثم تعاد بنيتها ولم يدل قاطع سمعي على تعيين أحدهما فلايبعد أن يغير أجسام العباد على صفة أجسام التراب ثم يعاد تركيبها إلى ما عهد ولا تحيل أن يعدم منها شيء ثم يعاد والله أعلم احتج الأولون بوجوه
الأول الإجماع على ذلك قبل طهور المخالفين كبعض المتأخرين من المعتزلة وأهل السنة ورد بالمنع كيف وقد أطبقت معتزلة بغداد على خلافه نعم كان الصحابة مجمعين على بقاء الحق وفناء الخلق بمعنى هلاك الأشياء وموت الأحياء وتفرق الأجزاء لا بمعنى انعدام الجواهر بالكلية لأن الظاهر أنهم لم يكونوا يخوضون في هذه التدقيقات
الثاني قوله تعالى
﴿هو الأول والآخر﴾
أي في الوجود ولا يتصور ذلك إلا بانعدام ما سواه وليس بعد القيامة وفاقا فيكون قبلها وأجيب بأنه يجوز أن يكون المعنى هو مبدأ كل موجود وغاية كل مقصود أو هو المتوحد في الألوهية أو صفات الكمال كما إذا أقيل لك هذا أول من زارك وآخرهم فتقول هو الأول والآخر وتريد أنه لا زائر سواه أو هو الأول والآخر بالنسبة إلى كل حي بمعنى أنه يبقى بعد موت جميع الأحياء أو هو الأول خلقا والآخر رزقا كما قال
﴿خلقكم ثم رزقكم﴾
وبالجملة فليس المراد أنه آخر كل شيء يحسب الزمان للاتفاق على أبدية الجنة ومن فيها
الثالث قوله تعالى
﴿كل شيء هالك إلا وجهه﴾
فإن المراد به الانعدام لا الخروج عن كونه منتفعا به لأن الشيء بعد التفرق يبقى دليلا على الصانع وذلك من أعظم المنافع وأجيب بأن المعنى أنه هالك في حد ذاته لكونه ممكنا لايستحق الوجود إلا بالنظر إلى العلة أو المراد بالهلاك الموت أو الخروج عن الانتفاع المقصود به اللائق بحاله كما يقال هلك الطعام إذا لم يبق صالحا للأكل وإن صلح لمنفعة أخرى ومعلوم أن ليس مقصود الباري تعالى من كل جوهر الدلالة عليه وإن صلح لذلك كما أن من كتب كتابا ليس مقصوده بكل كلمة الدلالة على الكاتب أو المراد الموت كما في قوله تعالى
﴿إن امرؤ هلك﴾
وقيل معناه كل عمل لم يقصد به وجه الله تعالى فهو هالك أي غير مثاب عليه
الرابع قوله تعالى
﴿وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده﴾
﴿كما بدأنا أول خلق نعيده﴾
﴿كما بدأكم تعودون﴾
والبدأ من العدم فكذا العود وأيضا إعادة الخلق بعد إبدائه لا تتصور بدون تخلل العدم وأجيب بأنا لا نسلم أن المراد بإبداء الخلق الإيجاد والإخراج عن العدم بل الجمع والتركيب على ما يشعر به قوله وبدأ خلق الإنسان من طين ولهذا يوصف بكونه مرئيا مشاهدا كقوله تعالى
﴿أو لم يروا كيف يبدئ الله الخلق﴾
﴿قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق﴾
وأما القول بأن الخلق حقيقة في التركيب تمسكا بمثل قوله تعالى
﴿خلقكم من تراب﴾
أي ركبكم ويخلقون إفكا أي يركبونه فلا يكون حقيقة في الإيجاد دفعا للاشتراك فضعيف جدا لإطباق أهل اللغة على أنه إحداث وإيجاد مع تقدير سواء كان عن مادة كما في خلقكم من تراب أو بدونه كما في خلق الله العالم
Page 216