276

Sharḥ al-maqāṣid fī ʿilm al-kalām

شرح المقاصد في علم الكلام

Publisher

دار المعارف النعمانية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1401هـ - 1981م

Publisher Location

باكستان

ورابعا بأن العمل والثواب على ما ذكرتم يشبه إجارة ولا بد فيها من رضى الأجير وإن كان الأجر أضعاف آلاف لأجرة المثل والحق على أن القول بالقبح العقلي ووجوب تركه على الله تعالى يشكل الأمر في تكليف الكافر للقطع بأنه إضرار من جهة أنه إلزام أفعال شاقة لا يترتب عليه نفع له بل استحقاق عقاب دائم وإن كان مسببا عن سوء اختياره ولا خفاء في أن مثله يقبح بخلاف تكليف المؤمن حيث يترتب عليه منافع لا تحصى وكون تكليف الكافر لغرض التعريض والتمكين أي جعله في معرض الثواب ومتمكنا من اكتسابه إنما يحسن إذا لم يعلم قطعا أنه لا يكتسب الثواب وإن استحقاق العقاب والوقوع في الهلاك الدائم كان منتفيا لولا هذا التكليف وأجاب بعض المعتزلة بأن لنا أصلا جليلا تنحل به أمثال هذه الشبه وهو أنه قد يستقبح الفعل في بادي النظر مع أن فيه حكما ومصالح إذا ظهرت عاد الاستقباح استحسانا كما في قصة موسى مع الخضر عليهما السلام من خرق السفينة وقتل الغلام وكما في تعذيب الإنسان ولده أو عبده للتأديب والزجر عن بعض المنكرات وعلى هذا ينبغي أن يحمل كل مالا يدرك فيه جهة حسن من أفعال الباري تعالى وتقدس وإليه الإشارة بقوله

﴿إني أعلم ما لا تعلمون

حيث تعجب الملائكة من خلق آدم عليه السلام وبه تبين حسن خلق المؤذيات وإبليس وذريته وتبقيته ونحو ذلك قلنا إذا تأملتم فهذا الأصل عليكم لا لكم والله أعلم الفصل السادس في تفاريع الأفعال قد جرت العادة بتعقيب مسألة خلق الأعمال بمباحث الهدى والضلال والأرزاق والآجال ونحو ذلك فعقدنا لها فصلا وسميناه بفصل تفاريع الأفعال لابتناء عامة مباحثه على أنه تعالى هو الخالق لكل شيء وأنه لا قبح في خلقه وفعله وإن قبح المخلوق قال المبحث الأول الهدى قد يكون لازما بمعنى الابتداء أي وجدان طريق توصل إلى المطلوب ويقابله الضلال أي فقدان الطريق الموصل وقد يكون متعديا بمعنى الدلالة على الطريق الموصل والإرشاد إليه ويقابله الإضلال بمعنى الدلالة على خلافه مثل أضلني فلان عن الطريق وقد تستعمل الهداية في معنى الدعوة إلى الحق كقوله تعالى

﴿وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم

وقوله تعالى

﴿وأما ثمود فهديناهم

أي دعوناهم إلى طريق الحق

﴿فاستحبوا العمى على الهدى

أي على الاهتداء وبمعنى الإثابة كقوله تعالى في حق المهاجرين والأنصار

﴿سيهديهم ويصلح بالهم

وقيل معناه الإرشاد في الآخرة إلى طريق الجنة ويستعمل الإضلال في معنى الإضاعة والإهلاك كقوله تعالى

﴿فلن يضل أعمالهم

ومنه

﴿أئذا ضللنا في الأرض

أي هلكنا وقد يسندان مجازا إلى الأسباب كقوله تعالى

﴿إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم

وكقوله تعالى حكاية

﴿رب إنهن أضللن كثيرا

وهذا كله مما ليس فيه كثير نزاع وإنما الكلام في الآيات المشتملة على اتصاف الباري تعالى بالهداية والإضلال والطبع على قلوب الكفرة والختم والمد في طغيانهم ونحو ذلك كقوله تعالى

﴿والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم

﴿إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء

﴿فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا

﴿من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون

﴿إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء

﴿يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا

﴿ختم الله على قلوبهم

بل طبع الله عليها بكفرهم

﴿وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه

﴿ويمدهم في طغيانهم

إلى غير ذلك فهي عندنا راجعة إلى خلق الإيمان والاهتداء والكفر والضلال بناء على ما مر من أنه الخالق وحده خلافا للمعتزلة بناء على أصلهم الفاسد أنه لوخلق فيهم الهدى والضلال لما صح منه المدح والثواب والذم والعقاب فحملوا الهداية على الإرشاد إلى طريق الحق بالبيان ونصب الأدلة أو الإرشاد في الآخرة إلى طريق الجنة والإضلال على الإهلاك والتعذيب أو التسمية والتلقيب بالضال أو الوجدان ضالا ولما ظهر على بعضهم أن بعض هذه المعاني لا يقبل التعليق بالمشيئة وبعضها لا يخص المؤمن دون الكافر وبعضها ليس مضافا إلى الله تعالى دون النبي صلى الله عليه وسلم وبعض معاني الإضلال لا يقابل الهداية جعلوا الهداية بمعنى الدلالة الموصلة إلى البغية والإضلال مع أنه فعل الشيطان مسندا إلى الله تعالى مجازا لما أنه بأقداره وتمكينه ولأن ضلالهم بواسطة ضربه المثل في

﴿يضل به كثيرا

أوبواسطة الفتنة التي هي الابتلاء والتكليف في

﴿تضل بها من تشاء

ونحن نقول بل الهداية هي الدلالة على الطريق الموصل سواء كانت موصلة أم لا والعدول إلى المجاز إنما يصح عند تعذر الحقيقة ولا تعذر وبعض المواضع من كلام الله تعالى يشهد للمتأمل بأن إضافة الهداية والإضلال إلى الله تعالى ليست إلا بطريق الحقيقة والله الهادي ( قال المبحث الثاني اللطف والتوفيق ) قدرة الطاعة والخذلان خلق قدرة المعصية والعصمة هي التوفيق بعينه فإن عممت كانت توفيقا عاما وإن خصصت كانت توفيقا خاصا كذا ذكره إمام الحرمين وقال ثم الموفق لا يعصى إذ لا قدرة له على المعصية وبالعكس ومبناه على أن القدرة مع الفعل وليست نسبته إلى الطرفين على السواء ومن أصحابنا من قال العصمة أن لا يخلق الله تعالى في العبد الذنب وقالت الفلاسفة هي ملكة تمنع الفجور مع القدرة عليه وقيل خاصية في نفس الشخص أو بدنه يمتنع بسببه صدور الذنب عنه ورد بأنه ح لا يستحق المدح بترك الذنب ولا الثواب عليه ولا التكليف به وفي كلام المعتزلة أن اللطف ما يختار المكلف عنده الطاعة تركا أو إتيانا أو يقرب منهما مع تمكنه في الحالين فإن كان مقربا من الواجب أو ترك القبيح يسمى لطفا مقربا وإن كان محصلا له فلطفا محصلا ويخص المحصل للواجب باسم التوفيق والمحصل لترك القبيح باسم العصمة ومنهم من قال التوفيق خلق لطف يعلم الله تعالى أن العبد يطيع عنده والخذلان منع اللطف والعصمة لطف لا يكون معه داع إلى ترك الطاعة ولا إلى ارتكاب المعصية مع القدرة عليهما واللطف هو الفعل الذي يعلم الله تعالى أن العبد يطيع عنده ( قال المبحث الثالث الأجل ) في اللغة الوقت وأجل الشيء يقال لجميع مدته ولآخرها كما يقال أجل هذا الدين شهران وآخر الشهر وفسر قوله تعالى

﴿ثم قضى أجلا

وأجل مسمى عنده بعضهم بأجل الموت وأجل القيمة وبعضهم بما بين أن يخلق إلى الموت وما بين الموت والبعث ثم شاع استعماله في آخر مدة الحياة فلذا يفسر بالوقت الذي علم الله تعالى بطلان حياة الحيوان فيه ثم من قواعد الباب أن المقتول ميت بأجله أي موته كائن في الوقت الذي علم الله تعالى في الأزل وقدر حاصل بإيجاد الله تعالى من غير صنع للعبد مباشرة ولا توليدا وأنه لو لم يقتل لجاز أن يموت في ذلك الوقت وأن لا يموت من غير قطع بامتداد العمر ولا بالموت بدل القتل وخالف في ذلك طوائف من المعتزلة فزعم الكعبي أنه ليس بميت لأن القتل فعل العبد والموت لا يكون إلا فعل الله تعالى أي مفعوله وأثر صنعه ورد بأن القتل قائم بالقاتل حال فيه لا في المقتول وإنما فيه الموت وانزهاق الروح الذي هو إيجاد الله تعالى عقيب القتل بطريق جري العادة وكأنه يريد بالقتل المقتولية وبجعلها نفس بطلان الحياة ويخص الموت بما لا يكون على وجه القتل على ما يشعر به قوله تعالى

﴿أفإن مات أو قتل

الآية لكن لا خفاء في أن المعنى مات حتف أنفه وأن مجرد بطلان الحياة موت ولهذا قيل أن في المقتول معنيين قتلا هو من فعل القاتل وموتا هو من فعل الله تعالى وزعم كثير منهم أن القائل قد قطع عليه الأجل وأنه لو لم يقتل لعاش إلى أمد هو أجله الذي علم الله تعالى موته فيه لولا القتل وزعم أبو الهذيل أنه لو لم يقتل لمات البتة في ذلك الوقت لنا الآيات والأحاديث الدالة على أن كل هالك مستوف أجله من غير تقدم ولا تأخر ثم على تقدير عدم القتل لا قطع بوجود الأجل وعدمه فلا قطع بالموت ولا الحياة فإن عورض بقوله تعالى

﴿وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب

وقوله عليه السلام لا يزيد في العمر إلا البر أجيب بأن المعنى ولا ينقص من عمر معمر على أن الضمير لمطلق المعمر لا لذلك المعمر بعينه كما يقال لي درهم ونصفه أي لا ينقص عمر شخص من أعمار إخوانه ومبالغ مدد أمثاله وأما الحديث فخبر واحد فلا يعارض القطعي وقد يقال أن المراد الزيادة والنقصان بحسب الخير والبركة كما قيل ذكر الفتى عمره الثاني أو بالنسبة إلى ما أثبتته الملائكة في صحيفتهم فقد يثبت فيها الشيء مطلقا وهو في علم الله تعالى مقيد ثم يؤول إلى موجب علم الله تعالى وإليه الإشارة بقوله تعالى

﴿يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب

أو بالنسبة إلى ما قدر الله تعالى من عمره لولا أسباب الزيادة والنقصان وهذا يعود إلى القول بتعدد الأجل والمذهب أنه واحد تمسك الكثيرون بأنه لو مات بأجله لم يستحق القاتل دما ولا دية أو قصاصا ولا ضمانا في ذبح شاة الغير لأنه لم يقطع عليه أجلا ولم يحدث بفعله أمرا لا مباشرة ولا توليدا وبأنه قد يقتل في الملحمة ألوف تقضي العادة بامتناع موتهم في ذلك الزمان والجواب عن الأول أن استحقاق الذم والعقوبة ليس بما ثبت في المحل من الموت بل بما اكتسبه القاتل وارتكبه من الفعل المنهي سيما عند ظهور البقاء وعدم القطع بالأجل حتى لو علم موت الشاة بإخبار الصادق أو ظهور الآمارت لم يضمن عند بعض الفقهاء وعن الثاني منع قضاء العادة بل قد يقع مثل ذلك بالوباء والزلزلة والغرق والحرق تمسك أبو الهذيل بأنه لو لم يمت لكان القاتل قاطعا لأجل قدرة الله تعالى مغيرا لأمر علمه وهو محال والجواب أن عدم القتل إنما يتصور على تقدير علم الله تعالى بأنه لا يقتل وحينئذ لا نسلم لزوم المحال وقد يجاب بأنه لا استحالة في قطع الأجل المقدر الثابت لولا القتل لأنه تقرير للمعلوم لا تغيير فإن قيل إذا كان الأجل زمان بطلان الحياة في علم الله تعالى كان المقتول ميتا بأجله قطعا وإن قيد بطلان الحياة بأن لا يترتب على فعل من العبد لم يكن كذلك قطعا من غير تصور خلاف فكان الخلاف لفظي على ما يراه الأستاذ وكثير من المحققين قلنا المراد بأجله المضاف زمان بطلان حياته بحيث لا محيص عنه ولا تقدم ولا تأخر على ما يشير إليه قوله تعالى

﴿فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون

ومرجع الخلاف إلى أنه هل يتحقق في حق المقتول مثل ذلك أم المعلوم في حقه أنه إن قتل مات وإن لم يقتل فإلى وقت هو أجل له فإن قيل فيلزم على الأول القطع بالموت إن لم يقتل وعلى الثاني القطع بامتداد العمر إلى أمد وقد قال بجواز الأمرين البعض من كل من الفريقين أجيب بمنع لزوم الثاني لجواز أن لا يكون الوقت الذي هو الأجل متراخيا بل يكون متصلا بحين القتل أو نفسه وهذا ظاهر وأما الأول فيمكن دفعه بأن عدم قتل المقتول سيما مع تعلق علم الله تعالى بأنه يقتل أمر مستحيل لا يمتنع أن يستلزم محالا هو انقلاب الأجل وإن قدر معه تعلق العلم بأنه لا يقتل فانتفاء القطع بكون ذلك الوقت هو الأجل ظاهر لأن القطع بذلك إنما كان من جهة القطع بالقتل ثم الأجل عندنا واحد وعند من جعل المقتول ميتا بأجله مع القطع بأنه لو لم يقتل لعاش إلى أمد آخر هو أجله اثنان وعند الفلاسفة للحيوان أجل طبيعي بتحلل رطوبته وانطفاء حرارته الغريزيتين وآجال اخترامية بحسب أسباب لا تحصى من الأمراض والآفات قال المبحث الرابع الرزق في الأصل مصدر سمي به المرزوق وهو ما ساقه الله تعالى إلى الحيوان مما ينتفع به فيدخل رزق الإنسان والدواب وغيرهما من المأكول وغيره ويخرج مالم ينتفع به وإن كان السوق للانتفاع لأنه يقال فيمن ملك شيئا وتمكن من الانتفاع به ولم ينتفع إن ذلك لم يصر رزقا له وعلى هذا يصح أن كل أحد يستوفي رزقه ولا يأكل أحد رزق غيره ولا الغير رزقه بخلاف ما إذا اكتفى بمجرد صحة الانتفاع والتمكن منه على ما يراه المعتزلة وبعض أصحابنا نظرا إلى أن أنواع الأطعمة والثمرات تسمى أرزاقا ويؤمر بالإنفاق من الأرزاق ولهذا اختاروا في تفسير المعنى المصدري التمكن من الانتفاع وفي العيني ما يصح به الانتفاع ولم يكن لأحد منعه احترازا عن الحرام وعما أبيح للضيف مثلا قبل أن يأكل ومن فسره بما ساقه الله تعالى إلى العبد فأكله لم يجعل غير المأكول رزقا عرفا وإن صح لغة حيث يقال رزقه الله ولدا صالحا وأراد بالعبد ما يشمل البهائم تغليبا وتفسيره بالملك ليس بمطرد ولا منعكس لدخول ملك الله تعالى وخروج رزق الدواب بل العبيد والإماء مع الاختلال بما في مفهومه من الإضافة إلى الرازق اللهم إلا أن يقال المراد المملوك أي المجعول ملكا بمعنى الإذن في التصرف الشرعي وفيه معنى الإضافة ولا يشمل ملك الله تعالى ويدخل رزق غير الإنسان بطريق التغليب لكن لا بد مع هذا من قيد الانتفاع وحينئذ فخروج ملك الله تعالى ظاهر ومن فسره بالانتفاع أراد المنتفع به أو أخذ الرزق مصدرا من المبني للمفعول أي الارتزاق ولما كان الرزق مضافا إلى الرازق وهو الله تعالى وحده لم يكن الحرام المنتفع به رزقا عند المعتزلة لقبحه وقد عرفت فساد أصلهم ولزمهم أن من لم يأكل طول عمره إلا الحرام لم يرزقه الله تعالى وهو باطل لقوله تعالى

﴿وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها

وأجيب بأنه تعالى قد ساق إليه كثيرا من المباح إلا أنه أعرض عنه لسوء اختياره على أنه منقوض بمن مات ولم يأكل حلالا ولا حراما فجوابكم جوابنا قالوا لو كان الحرام رزقا لما جاز دفعه عنه ولا الذم والعقاب عليه قلنا ممنوع وإنما يصح لو لم يكن مرتكبا للمنهي عنه مكتسبا للقبح من الفعل سيما في مباشرة الأسباب لأن السعي في تحصيل الرزق قد يجب وذلك عند الحاجة وقد يستحب وذلك عند قصد التوسعة على نفسه وعياله وقد يباح وذلك عند قصد التكثير من غير ارتكاب منهي وقد يحرم وذلك عند ارتكاب المنهي كالغصب والسرقة والربا قال المبحث الخامس السعر تقدير ما يباع به الشيء طعاما كان أو غيره ويكون غلاء ورخصا باعتبار الزيادة على المقدار الغالب في ذلك المكان والأوان والنقصان عنه ويكونان بما لا اختيار فيه للعبد كتقليل ذلك الجنس وتكثير الرغبات فيه وبالعكس وبما له فيه اختيار كإخافة السبل ومنع التبائع وادخار الأجناس ومرجعه أيضا إلى الله تعالى فالمسعر هو الله وحده خلافا للمعتزلة زعما منهم أنه قد يكون من أفعال العباد توليدا كما مر ومباشرة كالمواضعة على تقدير الأثمان قال المبحث السادس لما لم نقل بوجوب شيء على الله كفينا مؤنة كثير من تطويلات المعتزلة القائلين بوجوب أشياء على الله تعالى عن ذلك علوا كبيرا وقد أكثروا الكلام في تفاصيلها ولنعد منها عدة

الأول اللطف وهو فعل يقرب العبد إلى الطاعة ويبعده عن المعصية لا إلى حد الإلجاء ويسمى اللطف المقرب أو يحصل الطاعة فيه ويسمى المحصل وذلك كالأرزاق والآجال والقوى والآلات وإكمال العقل ونصب الأدلة وما يشبه ذلك وفسروا الوجوب عليه بأنه لا بد أن يفعله لقيام الداعي وانتفاء الصارف وتارة بأن لتركه مدخلا في استحقاق الذم وقد عرفت ما فيه واستدلوا على الوجوب بوجوه

الأول أنه مريد للطاعة فلو جاز منع ما يحصل أو يقرب منها لكان غير مريد لها وهو تناقض ورد بمنع الملازمة ومنع أن كل مأمور به مراد

الثاني أن منع اللطف نقض لغرضه الذي هو الإتيان بالمأمور به ونقض الغرض قبيح يجب تركه ورد بمنع المقدمتين لجواز أن لا يكون نقض المأمور به مرادا أو غرضا ويتعلق بنقضه حكم ومصالح

الثالث أن منع اللطف تحصيل للمعصية أو تقريب منها وكلاهما قبيح يجب تركه ورد بالمنع فإن عدم تحصيل الطاعة أعم من تحصيل المعصية وكذا التقريب ولانم أن إيجاد القبيح قبيح وقد مر

الرابع أن الواجب لا يتم إلا بما يحصله أو يقرب منه فيكون واجبا ورد بعد تسليم القاعدة بأن ذلك وجوب على المكلف بشرط كونه مقدورا له فلا يكون مما نحن فيه ثم عورضت الوجوه بوجوه

الأول أنه لو وجب اللطف لما بقي كافر ولا فاسق لأن من الألطاف ما هو محصل ومن قواعدهم أن أقصى اللطف واجب فلا يندفع ما ذكرنا بما قيل أن الكافر أو الفاسق لا يخلو عن لطف فلذا أجيب بأن اللطف يتفاوت بالنسبة إلى المكلفين وليس كل ما هو لطف في إيمان زيد لطف في إيمان عمرو فليس في معلوم الله تعالى ما هو لطف في حق الكل حتى يحصل إيمانهم ورد بالنصوص الدالة على أن انتفاء إيمان الكل مبني على انتفاء مشيئة الله وذلك كقوله تعالى

﴿ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها

﴿ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا

﴿ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة

﴿فلو شاء لهداكم أجمعين

إلى غير ذلك مما لا يحصى سيما في أواخر سورة الأنعام وحملها على مشيئة القسر والإلجاء اجتراء والنقل عن أئمة التفسير افتراء والتمسك بقوله تعالى

﴿كذلك كذب الذين من قبلهم

مراء لأنه لا يدل على أن تعليق الأمور بمشيئة الله كذب بل على أن قول الكفرة لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا عناد منهم وتكذيب لله وتسوية بين مشيئته ورضاه وأمره على ما قالوا حين فعلوا فاحشة وجدنا عليه آباؤنا والله أمرنا بها

الثاني أنه لو وجب لما أخبر الله بسعادة البعض وشقاوة البعض بحيث لا يطيع البتة لأن ذلك إقناط وإغراء على المعصية وهو قبيح ولو في حق من علم الله أنه لا يجدي عليه اللطف

Page 163