273

Sharḥ al-maqāṣid fī ʿilm al-kalām

شرح المقاصد في علم الكلام

Publisher

دار المعارف النعمانية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1401هـ - 1981م

Publisher Location

باكستان

السادس لو لم يكن وجوب النظر وبالجملة أول الواجبات عقليا لزم إفحام الأنبياء وقد مر بجوابه ولقوة هاتين الشبهتين ذهب بعض أهل السنة وهم الحنفية إلى أن حسن بعض الأشياء وقبحها مما يدرك بالعقل كما هو رأي المعتزلة كوجوب أول الواجبات ووجوب تصديق النبي وحرمة تكذيبه دفعا للتسلسل وكحرمة الإشراك بالله ونسبة ما هو في غاية الشناعة إليه على من هو عارف به وبصفاته وكمالاته ووجوب ترك ذلك ولا نزاع في أن كل واجب حسن وكل حرام قبيح إلا أنهم لم يقولوا بالوجوب أو الحرمة على الله تعالى وجعلوا الحاكم بالحسن والقبح والخالق لأفعال العباد هو الله تعالى والعقل آلة لمعرفة بعض ذلك من غير إيجاب ولا توليد بل بإيجاد الله تعالى من غير كسب في البعض ومع الكسب بالنظر الصحيح في البعض ( قال المبحث الرابع ) لا خلاف في أن الباري لا يفعل قبيحا ولا يترك واجبا أما عندنا فلأنه لا قبح منه ولا واجب عليه لكون ذلك بالشرع ولا يتصور في فعله وأما عند المعتزلة فلأن كل ما هو قبيح منه فهو يتركه البتة وما هو واجب عليه فهو يفعله البتة وسيجيء ذكر ما أوجبوا عليه فإن قيل الكفر والظلم والمعاصي كلها قبائح وقد خلقها الله تعالى قلنا نعم إلا أن خلق القبيح ليس بقبيح فهو موجد للقبائح لا فاعل لها فإن قيل فلا يفعل الحسن أيضا لأنه لا حكم عليه أمرا كما لا حكم عليه نهيا والإجماع على خلافه قلنا قد ورد الشرع بالثناء عليه في أفعاله فكانت حسنة لكونها متعلق المدح والثناء عند الله تعالى وأما إذا اكتفي في الحسن بعدم استحقاق الذم في حكم الله تعالى فالأمر أظهر فإن قيل الذي ثبت من مذهبنا هو أنه لا واجب عليه بمعنى أن شيئا من أفعاله ليس مما أمرالشارع به وحكم بأن فاعله يستحق المدح وتاركه الذم عند الله تعالى والمعتزلة إنما يقولون بالوجوب بمعنى استحقاق تاركه الذم عند العقل أو بمعنى اللزوم عليه لما في تركه من الإخلال بالحكمة قلنا على الأول لا نسلم أنه يستحق الذم عقلا على فعل أو ترك فإنه المالك على الإطلاق وعلى الثاني لا نسلم أن شيئا من أفعاله يكون بحيث يخل تركه بحكمة لجواز أن يكون له في كل فعل أو ترك حكم ومصالح لا تهتدي إليها العقول فإنه الحكيم الخبير على أنه لا معنى للزوم عليه إلا عدم التمكن من الترك وهو ينافي الاختيار ولو سلم فلا يوافق مذهبهم أن صدور الفعل عنه على سبيل الصحة من غير أن ينتهي الوجوب ولهذا اضطر المتأخرون منهم إلى أن معنى الوجوب على الله أنه يفعله البتة ولا يتركه وإن كان الترك جائزا كما في العاديات فإنا نعلم قطعا أن جبل أحد باق على حاله لم ينقلب ذهبا وإن كان جائزا والجواب أن الوجوب حينئذ مجرد تسمية والحكم بأن الله تعالى يفعل البتة ما سميتموه واجبا جهالة وادعاء من شرذمة بخلاف العاديات فإنها علوم ضرورية خلقها الله تعالى لكل عاقل والعجب أنهم لا يسمون كل ما اخبر به الشارع من أفعاله واجبا عليه مع قيام الدليل على أنه يفعله البتة قال المبحث الخامس جعل أصحابنا جواز تكليف مالا يطاق وعدم تعليل أفعال الله تعالى بالأغراض من فروع مسألة الحسن والقبح وبطلان القول بأنه يقبح منه شيء ويجب عليه فعل أو ترك لأن المخالفين إنما عولوا في ذلك على أن تكليف مالا يطاق سفه والفعل الحالي عن الغرض فيما شأنه ذلك عبث وكلاهما قبيح لا يليق بالحكمة فيجب عليه تركه والمعتزلة منهم من ادعى العلم الضروري بقبح تكليف مالا يطاق حتى زعم بعض جهلتهم أن غير العقلاء كالصبيان والمعاتية يستقبح ذلك بل البهائم أيضا بلسان الحال حيث يحاربون بالقرون والأذناب وكثير من الأعضاء عند عدم الطاقة وأنت خبير بأن هذا منافرة للطبع وألم ومشقة وتضرر لا قبح بالمعنى المتنازع ومنهم من أثبته بقياس الغائب على الشاهد فإن العقلاء حتى الذاهلين عن النواهي الشرعية بل المنكرين للشرائع يستقبحون تكليف الموالي عبيدهم مالا يطيقونه ويذمونهم على ذلك معللين بالعجز وعدم الطاقة والجواب أن ذلك من جهة قطع المستقبحين بأن أفعال العباد معللة بالأغراض وأن مثل ذلك مناف لغرض العامة ومصلحة العالم ولا كذلك تكليف علام الغيوب إما لتنزه أفعاله من الغرض وإما لقصده حكما ومصالح لا تهتدي إليها العقول فإن قيل كلامنا في تكليف التحقيق والمعاقبة على الترك لا في التكليف لأسرار أخر كما في التحدي قلنا نحن أيضا إنما نعتبر احتمال أسرار أخر في ذلك التكليف وفي تثبيت استحقاق العقاب قال ثم المتنازع يشير إلى تحرير محل للنزاع على ما هو رأي المحققين من أصحابنا فإنه حكي عن بعضهم تجويز تكليف المحال حتى الممتنع لذاته كجعل القديم محدثا وبالعكس وعن بعضهم أن تكليف ما علم الله تعالى عدم وقوعه أو أراد ذلك أو أخبر به كلها تكليف مالا يطاق فنقول مراتب مالا يطاق ثلاث أدناها ما يمتنع بعلم الله تعالى بعدم وقوعه أو لإرادته ذلك أو لإخباره بذلك ولا نزاع في وقوع التكليف به فضلا عن الجواز فإن من مات على كفره ومن أخبر الله تعالى بعدم إيمانه يعد عاصيا إجماعا وأقصاها ما يمتنع لذاته كقلب الحقائق وجمع الضدين أو النقيضين وفي جواز التكليف به تردد بناء على أنه يستدعي تصور المكلف به واقعا والممتنع هل يتصور واقعا فيه تردد فقيل لو لم يتصور لم يصح الحكم بامتناع تصوره وقيل تصوره إنما يكون على سبيل التشبيه بأن يعقل بين السواد والحلاوة أمر هو الاجتماع ثم يقال مثل هذا الأمر لا يمكن بين السواد والبياض أو على سبيل النفي بأن يحكم العقل بأنه لا يمكن أن يوجد مفهوم هو اجتماع السواد والبياض كذا في الشفاء وله زيادة تحقيق وتفصيل أوردناها في شرح الأصول والمرتبة الوسطى ما أمكن في نفسه لكن لم يقع متعلقا لقدرة العبد أصلا كخلق الجسم أو عادة كالصعود إلى السماء وهذا هو الذي وقع النزاع في جواز التكليف به بمعنى طلب تحقيق الفعل والإتيان به واستحقاق العقاب على تركه لا على قصد التعجيز وإظهار عدم الاقتدار على الفعل كما في التحدي بمعارضة القرآن فإنه لاخفاء في وجوب كونه مما لا يطاق فإن قيل تكليف الجماد ليس بأبعد من هذا لجواز أن يخلق الله فيه الحياة والعلم والقدرة فكيف لم يقع النزاع في إمتاعه حتى للقائلين بجواز تكليف الممتنع لذاته قلنا لأن شرط التكليف الفهم ولا فهم للجماد حين هو جماد ثم الجمهور على أن النزاع إنما هو في الجواز وأما الوقوع فمنفي بحكم الاستقراء وبشهادة مثل قوله تعالى

﴿لا يكلف الله نفسا إلا وسعها

وبما ذكرنا يظهر أن كثيرا من التمسكات المذكورة في كلام الفريقين لم ترد على المتنازع إما للمانعين فمثل قوله تعالى

﴿لا يكلف الله نفسا إلا وسعها

فإنه إنما ينفي الوقوع لا الجواز فإن قيل ما علم الله أو أخبر بعدم وقوعه يلزم من فرض وقوعه محال هو جهله أو كذبه تعالى عن ذلك وكل ما يلزم من فرض وقوعه محال فهو محال ضرورة امتناع وجود الملزوم بدون اللازم فجوابه منع الكبرى وإنما يصدق لو كان لزوم المحال لذاته أما لو كان لعارض كالعلم أو الخبر فيما نحن فيه فلا لجواز أن يكون هو ممكنا في نفسه ومنشأ لزوم المحال هو ذلك العارض ولعل لهذه النكتة في بعض كتبنا تقريرا آخر وأما للمجوزين فوجوه منها مثل قوله تعالى

﴿أنبئوني بأسماء هؤلاء

وقوله تعالى

﴿فأتوا بسورة من مثله

وذلك لأنه تكليف تعجيز لا تكليف تحقيق ومنها أن فعل العبد بخلق الله تعالى وقدرته فلا يكون بقدرة العبد وهو معنى مالا يطاق وذلك لأن معنى مالا يطاق أن لا يكون متعلقا بقدرة العبد وما وقع التكليف به متعلق بقدرته وإن كان واقعا بقدرة الله تعالى ومنها أن التكليف قبل الفعل والقدرة معه فلا يكون التكليف إلا بغير المقدور وذلك لأن القدرة المعتبرة في التكليف هي سلامة الأسباب والآلات لا الاستطاعة التي لا تكون إلا مع الفعل ولو صح هذان الوجهان لكان جميع التكاليف تكليف مالا يطاق وليس كذلك ومنها أن من علم الله تعالى منه أنه لا يؤمن بل يموت على الكفر مكلف بالإيمان وفاقا مع استحالته منه لأنه لو آمن لزم انقلاب علم الله تعالى جهلا لا يقال لا نسلم أنه لو آمن لزم انقلاب العلم جهلا بل لزم أن يكون العلم المتعلق به من الأزل أنه يموت مؤمنا فإن العلم تابع للمعلوم فيكون هذا تقدير علم مكان علم لا تغيير علم إلى جهل كما إذا قدرت الآتي بالقبيح آتيا بالحسن فإنه يكون من أول الأمر مستحقا للمدح لا منقلبا من استحقاق الذم إلى استحقاق المدح لأنا نقول الكلام فيمن تحقق العلم بأنه يموت كافرا فعلى تقدير الإيمان يكون الانقلاب ضروريا وكذا الكلام فيمن أخبر الله تعالى بأنه لا يؤمن كأبي جهل وأبي لهب وأضرابهما وقد عرفت أن هذا ليس من المتنازع فلا يكون الدليل على هذا التقرير واردا على محل النزاع وأما على تقرير كثير من المحققين فيدل على أن التكليف بالممتنع لذاته كجمع النقيضين جائز بل واقع قال إمام الحرمين في الإرشاد فإن قيل ما جوزتموه عقلا من تكليف المحال هل اتفق وقوعه شرعا قلنا قال شيخنا ذلك واقع شرعا فإن الرب تعالى أمر أبا جهل بأن يصدقه ويؤمن به في جميع ما يخبر عنه ومما أخبر عنه أنه لا يؤمن فقد أمره أن يصدقه بأنه لا يصدقه وذلك جمع بين النقضين وكذا ذكر الإمام الرازي في المطالب العالية وقال أيضا أن الأمر بتحصيل الإيمان مع حصول العلم بعدم الإيمان أمر بجمع الوجود والعدم لأن وجود الإيمان يستحيل أن يحصل مع العلم بعدم الإيمان ضرورة أن العلم يقتضي المطابقة وذلك بحصول عدم الإيمان وأجاب بعضهم بأن ما ذكر لا يدل على أن المكلف به هو الجمع بل تحصيل الإيمان هو ممكن في نفسه مقدور للعبد بحسب أصله وإن امتنع لسابق علم أو إخبار للرسول بأنه لا يؤمن فيكون مما هو جائز بل واقع بالاتفاق وفيه نظر لأن الكلام فيمن وصل إليه هذا الخبر وكلف التصديق به على التعيين وبعضهم بأن الإيمان في حق مثل أبي لهب هو التصديق بما عدا هذا الإخبار وهذا في غاية السقوط وقد يتمسك بمثل قوله تعالى حكاية ربنا

﴿ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به

ودلالته إما على الجواز فظاهر وإما على الوقوع فلأنه إنما يستعاذ في العادة عما وقع في الجملة لا عما أمكن ولم يقع أصلا والجواب أن المراد به العوارض التي لا طاقة بها إلا التكاليف قال وأما نفي الغرض ما ذهب إليه الأشاعرة من أن أفعال الله تعالى ليست معللة بالأغراض يفهم من بعض أدلته عموم السلب ولزوم النفي بمعنى أنه يمتنع أن يكون شيء من أفعاله معللا بالغرض ومن بعضها سلب العموم ونفي اللزوم بمعنى أن ذلك ليس بلازم في كل فعل فمن الأول وجهان

أحدهما لو كان الباري فاعلا لغرض لكان ناقصا في ذاته مستكملا بتحصيل ذلك الغرض لأنه لا بد في الغرض من أن يكون وجوده أصلح للفاعل من عدمه وهو معنى الكمال لا يقال لعل الغرض يعود إلى الغير فلا تتم الملازمة لأنا نقول وحصول ذلك الغرض للغير لا بد أن يكون أصلح للفاعل من عدمه وإلا لم يصلح غرضا لفعله ضرورة وحينئذ يعود الإلزام ورد بمنع الضرورة بل يكفي مجرد كونه أصلح للغير

Page 156