Sharh Maqasid
شرح المقاصد في علم الكلام
Publisher
دار المعارف النعمانية
Edition Number
الأولى
Publication Year
1401هـ - 1981م
Publisher Location
باكستان
Genres
وأما رابعا فلأنه لو اتصف في الأزل بالكذب في خير ما لامتنع صدقه فيه لأن ما ثبت قدمه امتنع عدمه لكنا نعلم بالضرورة أن من علم النسبة لا يمتنع عليه أن يخبر عنها على ما هي عليه وطريق اطراد هذا الوجه في كلامه المنتظم من الحروف المسموعة أنه عبارة عن كلامه الأزلي ومرجع الصدق والكذب إلى المعنى وأما وجه استحالة النقص ففي كلام البعض أنه لا يتم إلا على رأي المعتزلة القائلين بالقبح العقلي قال إمام الحرمين لا يمكن التمسك في تنزيه الرب تعالى عن الكذب بكونه نقصا لأن الكذب عندنا لا يقبح لعينه وقال صاحب التلخيص الحكم بأن الكذب نقص إن كان عقليا كان قولا بحسن الأشياء وقبحها عقلا وإن كان سمعيا لزم الدور وهذا مبني على أن مرجع الأداة السمعية إلى كلام الله تعالى وصدقه وأن تصديقه النبي عليه الصلاة والسلام بالمعجزات إخبار خاص وقد عرفت ما فيه وقال صاحب المواقف لم يظهر لي فرق بين النقض في العقل وبين القبح العقلي بل هو هو بعينه وأنا أتعجب من كلام هؤلاء المحققين الواقفين على محل النزاع في مسألة الحسن والقبح والجواب أن كلامه في الأزل لا يتصف بالماضي والحال والمستقبل لعدم الزمان وإنما يتصف بذلك فيما لا يزال بحسب التعلقات وحدوث الأزمنة والأوقات وتحقيق هذا مع القول بأن الأزلي مدلول اللفظي عسير جدا وكذا القول بأن المتصف بالمضي وغيره إنما هو اللفظ الحادث دون المعنى القديم ( قال الرابع ) تقديره أن كلامه يشتمل على أمر ونهي وإخبار واستخبار ونداء وغير ذلك فلو كان أزليا لزم الأمر بلا مأمور والنهي بلا منهى والإخبار بلا سامع والنداء والاستخبار بلا مخاطب وكل ذلك سفه وعبث لا يجوز أن ينسب إلى الحكيم تعالى وتقدرس وأجيب بوجوه
أحدها لعبد الله بن سعيد القطان وهو أن كلامه في الأزل ليس بأمر ولا نهي ولا خبر وغير ذلك وإنما يصير أحد الأقسام فيما لا يزال فإن قيل وجود الجنس من غير أن يكون أحد الأنواع ليس بمعقول وأيضا التغير على القديم محال قلنا هو إرادته أمر واحد يعرض له التنوع بحسب التعلقات الحادثة من غير أن يتغير في نفسه
وثانيها إن وجود المخاطب إنما يلزم في الكلام الحسي وإما النفسي فيكفيه وجوده العقلي
وثالثها أن السفه أو العبث إنما يلزم لو خوطب المعدوم وأمر في عدمه وإما على تقدير وجوده بأن يكون طلبا للفعل ممن سيكون فلا كما في طلب الرجل تعلم ولده الذي أخبره صادق بأنه سيولد وكما في خطاب النبي عليه الصلاة والسلام بأوامره ونواهيه كل مكلف بولد إلى يوم القيامة إذ اختصاص خطاباته بأهل عصره وثبوت الحكم فيمن عداهم بطريق القياس بعيد جدا نعم لو قيل خطاب الحاضرين قصدا والغائبين والمعدومين ضمنا وتبعا ليس من السفه في شيء لكان شيئا واعلم أن هذا الجواب هو المشهور بين الجمهور وكلامهم متردد في أن معناه أن المعدوم مأمور في الأزل بأن يمتثل وتأتي بالفعل على تقدير الوجود أو المعدوم ليس بمأمور في الأزل لكن لما استمر الأمر الأزلي إلى زمان وجوده صار بعد الوجود مأمورا
ورابعها أن السفه هو أن يخلو عن الحكمة والعاقبة الحميدة ما يتعلق بها والقديم ليس كذلك إذ لا يطلب بثبوته حكمة وغرض
Page 105