181

Sharh Maqasid

شرح المقاصد في علم الكلام

Publisher

دار المعارف النعمانية

Edition Number

الأولى

Publication Year

1401هـ - 1981م

Publisher Location

باكستان

ورابعها أن الإنسان يرى في الظلمة كأن نورا انفصل من عينه وأشرق على أنفه وإذا غمض عينيه على السراج يرى كأن خطوطا شعاعية اتصلت بين عينيه والسراج والجواب عن الكل أنها لا تدل على المطلوب أعني كون الإبصار بخروج الشعاع بل على أن في العين نورا ونحن لا ننكر أن في آلات الإبصار أجساما شعاعية مضيئة تسمى بالروح الباصرة يرتسم منها بين العين والمرئي مخروط وهمي يدرك المرئي من جهة زاويته التي عند الجليدية تشتد حركتها عند رؤية البعيد فيتحلل لطيفها ويفتقر إلى تلطيف إذا غلظ وتكثيف إذا ضعف ورق فوق ما ينبغي ويحدث منها في المقابل القابل أشعة وأضواء تكون قوتها فيما يحاذي مركز العين الذي هو بمنزلة الزاوية للمخروط الوهمي ولشدة استنارته تكون الصورة المنطبعة فيه أظهر وإدراكه أقوى وأكمل ويشبه أن يكون هذا مراد القائلين بخروج الشعاع تجوزا منهم على ما صرح به ابن سينا وإلا فهو باطل قطعا أما إذا أريد حقيقة الشعاع الذي هو من قبيل الأعراض فظاهر وإن أريد جسم شعاعي يتحرك من العين إلى المرئي فلأنا قاطعون بأنه يمتنع أن يخرج من العين جسم ينبسط في لحظة على نصف كرة العالم ثم إذا أطبق الجفن عاد إليها أو انعدم ثم إذا فتحه خرج مثله وهكذا وأن يتحرك الجسم الشعاعي من غير قاسر ولا إرادة إلى جميع الجهات وأن ينفذ في الأفلاك ويخرقها ليرى الكواكب وأن لا يتشوش بهبوب الرياح ولا يتصل بغير المقابل كما في الأصوات حيث تميلها الرياح إلى الجهات ولأنه يلزم أن يرى القمر قبل الثوابت بزمان يناسب تفاوت المسافة بينهما وليس كذلك بل ترى الأفلاك بما فيها من الكواكب دفعة وأيضا يلزم أن يرى ما في الخزف لكثرة المسام فيه بدليل الرشح دون ما في الزجاج أو الماء ولو كان رؤية ما فيهما من جهة المسام لوجب أن يكون بقدرها من غير أن يرى الشيء بمجموعه وبمثل هذه الأدلة والإمارات يمكن إبطال القول بأن الإبصار يتكيف الهواء بشعاع العين واتصاله بالمرئي قال هذا والقول بخروج الشعاع يريد أن علم المناظر والمرايا فن على حدة اعتنى به كثير من المحققين وبنوا الكلام فيه على خروج الشعاع بمعنى وقوعه من العين على المرئي كما يقع من الشمس والقمر وسائر الأجسام المضيئة على ما يقابلها على هيئة مخروط رأسه عند المضيء وقاعدته عند المرئي فيرى الشيء إذا بعد أصغر مما إذا قرب لأن المخروط يستدق فتضيق زواياه التي عند الباصرة وتضيق لذلك الدائرة التي عند المبصر وكلما ازداد الشيء بعدا ازدادت الزوايا والدائرة صغرا إلى أن ينتهي في البعد إلى حيث لا يمكن الإبصار ويرى الشيء في الماء أعظم منه في الهواء لأن الشعاع ينفذ في الهواء على استقامة وأما في الماء فبعضه ينفذ مستقيما وبعضه ينعطف على سطح الماء ثم ينفذ إلى المبصر فيرى بالامتداد الشعاعي النافذ مستقيما ومنعطفا معا من غير تمايز وذلك إذا قرب المرئي من سطح الماء وأما إذا بعد فيرى في موضعين لكون رؤيتها بالامتدادين المتمايزين وكذا إذا غمزنا إحدى العينين ونظرنا إلى القمر نراه قمرين لأن الامتداد الشعاعي الخارج منها ينحرف عن المحاذاة فلا يلتقي مؤدى الامتدادين في الحس المشترك على موضع واحد بل موضعين فيرى المرئي اثنين وهكذا في الأحوال وفيما إذا وضعنا السبابة والوسطى على العين مع اختلاف في الوضع ونظرنا إلى السراج فإنا نراه اثنين وكذا إذا نظرنا إلى الماء عند طلوع القمر فإنا نرى في الماء قمرا بالشعاع النافذ فيه وفي السماء قمرا بالشعاع المنعكس من سطح الماء إلى السماء ومن هذا القبيل رؤية الشيء في المرآة وذلك أن الشعاع الممتد من الباصرة إلى الجسم الصقيل ينعكس منه إلى جسم آخر وضعه من ذلك الصقيل كوضع الباصرة منه بشرط أن تكون جهته مخالفة لجهة الرائي وأما السبب في رؤية الشجر على شط النهر منتكسا فهو أن الشعاع إذا وقع على سطح الماء ينعكس منه إلى رأس الشجر من موضع أقرب إلى الرائي وإلى أسفله من موضع أبعد من الرائي إلى أن تتصل قاعدة الشجر بقاعدة عكسه والنفس لا تدرك الانعكاس لتعودها برؤية الأشياء عى استقامة الشعاع فتحسب الشعاع المنعكس نافذ في الماء فترى رأس الشجر أكثر نزولا في الماء لكونه أبعد منه وباقي أجزائه على الترتيب إلى قاعدة الشجر فيرى منتكسا وبيان ذلك بالتحقيق في علم المناظر ( قال وقد يشترط في الإبصار ) زعمت الفلاسفة وتبعهم المعتزلة أن الإبصار يتوقف على شرائط يمتنع حصوله بدونها ويجب حصوله معها أما الأول فلأنا نجد بالضرورة انتفاء الرؤية عند انتفاء شيء من تلك الشرائط ورد بأن العدم لا يدل على الامتناع وأما الثاني فلأنه لو جاز عدم الإبصار معها لجاز أن يكون بحضرتنا جبال شاهقة ورياض رائقة ونحن لانراها واللازم باطل قطعا ورد بأنه إن أريد باللازم إمكان ذلك في نفسه فلانم بطلانه وإن أريد الاحتمال والتجويز العقلي بحيث لا يكون انتفاؤه معلوما عند العقل على سبيل القطع فلانم لزومه فإن ذلك من العلوم العادية على ما سبق تحقيقه ومنهم من قال أن اشتراط هذه الشروط إنما هو عند تعلق النفس بالبدن هذا التعلق المخصوص أو كون الباصرة على هذا القدر من القوة لا على حد آخر فوقه كما في الآخرة قال أو في حكم المقابل يعني كما في رؤية الوجه في المرآة قال وأما الحواس الباطنة هي أيضا على حسب ما وجدناه خمس وإن احتمل إمكان غيرها وما يقال أنها إما مدركة وإما معينة على الإدراك والمدركة إما مدركة للصور أو للمعاني والمعينة إما حافظة للصور أو للمعاني وإما متصرفة فيها فوجه ضبط وجعل الحافظ والمتصرف مدركا باعتبار الإعانة على الإدراك إما الحس المشترك ويسمى باليونانية بنطاسيا أي لوح النفس فهي القوة التي تجتمع فيها صور المحسوسات الظاهرة بالتأدي إليها من طرق الحواس ويدل على وجودها وجوه

الأول أنا نحكم ببعض المحسوسات الظاهرة على البعض كما نحكم بأن هذا الأصفر هو هذا الحار أو هذا الحلو أو هذا المشموم وكل من الحواس الظاهرة لا يحضر عندها إلا نوع مدركاته فلا بد من قوة يحضر عندها جميع الأنواع ليصح الحكم بينها

الثاني أن النائم أو المريض كالمبرسم يشاهد صورا جزئية لا تحقق لها في الخارج ولا في شيء من الحواس الظاهرة فلا بد من قوة بها المشاهدة

Page 22