Sharh Maqasid
شرح المقاصد في علم الكلام
Publisher
دار المعارف النعمانية
Edition Number
الأولى
Publication Year
1401هـ - 1981م
Publisher Location
باكستان
Genres
وثانيهما أن شبح الشيء مساو له في المقدار وإلا لم يكن صورة له ومثالا وحينئذ يلزم أن لا نرى ما هو أعظم من الجليدية لأن امتناع انطباع العظيم في الصغير معلوم بالضرورة أشار إلى الجواب بأنه إذا كان رؤية الشيء بانطباع شبحه كان المرئي هو الذي انطبع شبحه لا نفس الشبح كما مر في العلم وبأن شبح الشيء لا يلزم أن يساويه في المقدار كما يشاهد من صورة الوجه في المرآة الصغيرة إذ المراد به ما يناسب الشيء في الشكل واللون دون المقدار غاية الأمر أنا لا نعرف لمبة إبصار الشيء العظيم وإدرك البعد بينه وبين المرئي بمجرد انطباع صورة صغيرة منه في الجليدية ومادتها بواسطة الروح المصبوب في العصبتين إلى الباصرة وقيل أن الإبصار بخروج شعاع من العين على هيئة مخروطه رأسه عند العين وقاعدته عند المرئي ثم اختلفوا في أن ذلك المخروط مصمت أو مؤتلف من خطوط مجتمعة في الجانب الذي يلي الرأس متفرقة في الجانب الذي يلي القاعدة وقيل لا على هيئة المخروط بل على استواء لكن يثبت طرفه الذي يلي العين ويضطرب طرفه الآخر على المرئي وقيل الشعاع الذي في العين يكيف الهواء يكيفيته ويصير الكل آلة في الإبصار وقيل لا شعاع ولا انطباع وإنما الإبصار بمقابلة المستنير للعضو الباصر الذي فيه رطوبة صقيلة فإذا وجدت هذه الشروط مع زوال الموانع يقع للنفس علم إشراقي حضوري على المبصر فتدركه النفس مشاهدة ظاهرة جلية والحق أن الإبصار بمحض خلق الله تعالى عند فتح العين قال والمشهور من آراء الفلاسفة الانطباع والشعاع أي القول بانطباع شبح المرئي في الرطوبة الجليدية والقول بخروج الشعاع من العين على هيئة المخروط تمسك الأولون بوجوه أحدها وهو العمدة أن العين جسم صقيل نوراني وكل جسم كذلك إذا قابله كثيف ملون انطبع فيه شبحه كالمرآة أما الكبرى فظاهرة وأما الصغرى فلما يشاهد من النور في الظلمة إذا حك المنتبه من النوم عينه وكذا عند إمرار اليد على ظهر الهرة السوداء ولأن الإنسان إذا نظر نحو أنفه قد يرى عليه دائرة من الضياء وإذا انتبه من النوم قد يبصر ما قرب منه زمانا ثم يفقده وذلك لامتلاء العين من النور في ذلك الوقت وإذا غمض إحدى العينين يتسع ثقبة العين الأخرى وما ذاك إلا لأن جوهرا نورانيا يملؤه ولأنه لولا انصباب الأرواح النورانية من الدماغ إلى العين لما جعلت ثقبتا الإبصار مجوفتين وهذا بعد تمامه إنما يفيد انطباع الشبح لا كون الإبصار به وثانيها أن سائر الحواس إنما تدرك بأن يأتي صورة المحسوس إليها لا بأن يخرج منها شيء إلى المحسوس فكذا الإبصار ورد بأنه تمثيل بلا جامع وثالثها أن من نظر إلى الشمس طويلا ثم أعرض عنها تبقى صورتها في عينه زمانا ورد بأن الصورة في خياله لا عينه كما إذا غمض العين ورابعها أن الشيء بعينه إذا قرب من الرائي يرى أكبر مما إذا بعد عنه وذاك إلا لأن الانطباع على مخروط من الهواء المشف رأسه متصل بالحدقة وقاعدته سطح المرئي حتى أنه وتر لزاوية المخروط ومعلوم أن وترا بعينه كلما قرب من الزاوية كان الساق أقصر والزاوية أعظم وكلما بعد فبالعكس والشبح الذي في الزاوية الكبرى أعظم من الذي في الصغرى وهذا إنما يستقيم إذا جعلنا موضع الإبصار هو الزاوية على ما هو رأي الانطباع لا القاعدة على ما هو رأي خروج الشعاع فإنها لا تتفاوت ورد بأنا لا نسلم أنه لا سبب سوى ذلك كيف وأصحاب الشعاع أيضا يثبتون سببه على أن استلزام عظم زاوية الرؤية عظم المرئي وصغرها صغره محل نظر وإلى ما ذكرنا من وجوه الرد أشار بقوله وهو ضعيف تمسك القائلون بالشعاع أيضا بوجوه
أحدها أن من قل شعاع بصره كان إدراكه للقريب أصح من إدراكه للبعيد لتفرق الشعاع في البعيد ومن كثر شعاع بصره مع غلظه كان إدراكه للبعيد أصح لأن الحركة في المسافة الطويلة تفيده رقة وصفاء ولو كان الإبصار بالانطباع لما تفاوت الحال
وثانيها أن الأجهر يبصر بالليل دون النهار لأن شعاع بصره لقلته يتحلل نهارا بشعاع الشمس فلا يبصر ويجتمع ليلا فيقوى على الإبصار والأعشى بالعكس لأن شعاع بصره لغلظه لا يقوى على الإبصار إلا إذا أفادته الشمس رقة وصفاء
وثالثها أن الإنسان إذا نظر إلى ورقة قرأها كلها لم يظهر له منها إلا السطر الذي يحدق نحوه البصر وما ذاك إلا بسبب أن مسقط سهم مخروط الشعاع أصح إدراكا من جوانبه
Page 20