قال ارسطو وقد يلحق هذه المسئلة مسئلة اخرى غامضة وهى هذه هل نقول ان الاعداد والاجرام والسطوح والخطوط والنقط جواهر ام لا نقول ذلك فانها ان لم تكن جواهر فقد تسقط عنا معرفة الهوية ما هى وما جواهر الهويات واما الحركات والالام وانواع المضاف والحالات والالفاظ فقد يظن انها لا تدل على جوهر شىء من الاشياء لان جميعها تقال على شىء موضوع وليس يقال شىء منها ان هذا الشىء فاما الشىء الذى يظن اكثر ذلك انه يدل على الجوهر فهو الماء والارض والهواء والنار التى منها قومت الاجسام المركبة واما الحرارات والبرودات التى فى هذه الاشياء وما اشبه ذلك فهى الام الجوهر واما الجسم فهو الذى يحصل هذه الالام وحده لانه هوية من الهويات وجوهر من الجواهر ولكن الجسم دون السطح فى الجوهرية والسطح دون الخط والخط دون النقطة والواحد وذلك ان الجسم يحد بهذه الاشياء ويظن ان هذه الاشياء يمكن ان تكون بغير جسم فاما الجسم فلا يمكن ان يكون من غير هذه ولذلك ظن الاكثرون والقدماء الفلاسفة ان الجوهر والهوية جسم وان سائر الاشياء الام لهذا الجسم ولذلك ظنوا ان اوائل الاجسام هى اوائل الهويات فاما الاخرون الذين ظنوا انهم اعلم من هولاء فقد ظنوا ان الجوهر والهوية من الاعداد فكما قلنا ان لم تكن هذه الاشياء التى ذكرنا جواهر فليس جوهر من الجواهر البتة ولا هوية من الهويات لانه ليس من الواجب ان تسمى الاعراض التى تعرض لهذه جواهر وهويات ولا كن اذا كان معروفا ان الاطوال والنقط التى للجسم اكثر جوهرية من الاجسام ولسنا نراها فمن اى الاجسام تكون الجواهر اذ لا يمكن ان تكون من الاجسام المحسوسة او خليق الا يكون جوهر البتة وايضا نرى ان هذه كلها اقسام الجسم فبعضها للعرض وبعضها للعمق وبعض للطول ومع هذا نقول ان هذه الاشياء تكون فى الاجرام مثل ما تكون الاشكال فيها فانه لا بد ان يكون للجرم شكل من الاشكال فان امكن الا يكون للجرم شكل امكن الا يكون له بعد من الابعاد كقولنا انه ان امكن الا يكون شكل عطارد فى صنم عطارد امكن الا يكون شكل نصف البردة فى جميع شكل البردة ناقص من الرومى ومع ما قلنا يعرض لاقاويل هولاء الخطأ اذا نحن فحصنا عن الاشياء التى يلزمها الكون والفساد لانهم يظنون ان الجوهر لم يكن اولا ثم كان او كان اولا ثم فسد وان الافات تلحقه عند الكون والفساد فاما النقط والخطوط والسطوح فلا يمكنها الكون ولا الفساد ولا ان تكون مرة ومرة لا تكون فان الاجرام اذا اتصلت وانفصلت فهى فى حد اتصالها تتوحد وفى حد انفصالها تصير اثنين وليس من شىء يتركب الا وهو يلزمه الفساد والاشياء التى تنقسم لم تكن من غير كون فاما النقطة ان كانت لا تنقسم فليست تصير نقطتان وان كانت تكون وتفسد فهى لا محالة من شىء ناقص من الرومى التفسير يقول ومن المسائل الغامضة التى يجب ان نفحص فى هذا العلم عنها هل الاعداد والاجسام والسطوح والخطوط والنقط جواهر الاشياء الموجودة اعنى التى يجاب فيها فى جواب ما هو الشىء كما قال قوم ام ليست جواهرها ثم قال فانه ان لم تكن هذه جواهر فقد تسقط عنا معرفة الهوية ما هى وما جواهر الهويات يريد فانه قد يظن انه ان لم تكن هذه ماهية جواهر الموجودات انه يذهب علينا معرفة طبيعة ما هى الموجودات القائمة بذاتها اعنى التى اتفق الناس على تسميتها جواهر ثم قال واما الحركات والالام وانواع المضاف والحالات والالفاظ فيظن انها لا تدل على جوهر شىء من الاشياء يريد وانما ظن بهذه انها جواهر لان ما عدى هذه مثل الحركات والاعراض والمضاف والحالات بين من امرها انها ليست تعرف جواهر الاشياء الموجودات اعنى المسماة جواهر ويريد بالالام الكيفيات المنسوبة للحواس مثل الحرارة والبرودة وبالحالات النوع من الكيف الذى يسمى حالا وملكة واما الالفاظ فيشبه ان يكون اراد بها المعقولات الثوانى ثم اتا بالسبب الذى من قبله اتفق على انها ليست جواهر فقال لان جميعها يقال على شىء موضوع وليس يقال شىء منها ان هذا الشىء يريد من قبل ان جميع هذه هى فى هذا الشىء المشار اليه الذى هو شخص الجوهر وليس يقال فى واحد منها انها هذا الشىء المشار اليه ثم قال فاما الشىء الذى يظن اكثر ذلك انه يدل على الجوهر فهو الماء والارض والهواء والنار التى منها تقومت الاجسام المركبة يريد فاما الشىء الذى يسبق الى الظن انه جوهر الموجودات المركبة المشار اليها فهى الاسطقسات الاربعة التى منها تركبت الجواهر المحسوسة يريد لا كن هذه يظهر من امرها انها جواهر المركبات التى تجرى مجرى الهيولى لا التى تجرى مجرى التى يجاب بها فى جواب ما هو ثم قال واما الجسم فهو الذى يحصل هذه الالام وحده لانه هوية من الهويات وجوهر من الجواهر يريد ان الجسم يحصل عند ما يرام حد طبيعة هذه الاعراض اى الذى يتنزل من حدودها مجرى الفصول التى تحصل طبيعة الموجود وتميزه من غيره ثم قال ولا كن الجسم دون السطح فى الجوهرية والسطح دون الخط والخط دون النقطة والواحد يريد ولا كن اذا قايست الجسم بالسطح وجدت الجسم دون السطح فى الجوهرية والسطح دون الخط والخط دون النقطة ثم اتا بالسبب في ذلك الاعتقاد فقال وذلك ان الجسم يحد بهذه الاشياء يريد توخذ في الحد اذ كان الجسم يحد انه المنقسم الى ثلثة سطوح او يحد بانه الذي يحيط به سطح او سطوح ثم قال ويظن ان هذه الاشياء يمكن ان تكون بغير جسم فاما الجسم فلا يمكن ان يكون من غير هذه يريد ومن قبل هذا ايضا ان هذه الاشياء يظن بها انها متقدمة بالطبع على الجسم يشير بذلك الى نوع التقدم الذى اذا وجد الاول لم يلزم ان يوجد الاخير واذا وجد الاخير لزم ان يوجد الاول او يريد ان الجسم لا يمكن ان يتصور دون السطح والسطح يمكن ان يتصور دون الجسم وكذلك الحال فى الخط مع السطح والنقطة مع الخط ولما اتا بالحجج التى تقنع فى ان الجسم هو الجوهر دون السطوح والخطوط قال ولذلك يظن الاكثرون من القدماء والفلاسفة ان الجوهر والهوية هو جسم وان سائر الاشياء لا تحد بحد الجسم ولذلك ظنوا ان اوائل الاجسام هى اوائل الهويات يريد ولاعتقادهم ان الجسم جوهر اعتقدوا ان اوائل الاجسام المركبة اعنى التى تركبت منها الاجسام هى الاجسام التى هى اوائل جميع الموجودات لانه اذا كانت الاجسام هى الاوائل فاوائل الاجسام هى اوائل الموجودات ثم قال فاما الاخرون الذين ظنوا انهم اعلم من هولاء فقد ظنوا ان الجوهر والهوية من الاعداد يريد فاما الذين ظنوا انهم اعلم من هولاء فانهم قالوا ان الجوهر بهذا الاعتبار يجب ان يكون الاعداد يريد لتقدمه فى التصور على سائر الموجودات ولتقدمه بالطبع ايضا ولكونه اشد تبريا من الهيولى من الجسم ثم قال فكما قلنا ان لم تكن هذه الاشياء التى ذكرنا جواهر فليس جوهر من الجواهر البتة ولا هوية من الهويات لانه ليس من الواجب ان تسمى الاعراض التى تعرض لهذه الاشياء جواهر وهويات يريد فيلزم بحسب هذا القول ان لم تكن هذه جواهر فقد يظن انه ليس يوجد جوهر من الجواهر البتة للموجودات لانه ليس يمكن ان تكون الامور المتاخرة عن هذه الجواهر وهى الاعراض جواهر لشىء من الامور المتفق عليها انها جواهر اعنى الجواهر المحسوسة ثم اخذ يتشكك على هذا القول فقال ولكن اذ كان معروفا ان الاطوال والنقط التى للجسم اكثر جوهرية من الاجسام ولسنا نراها فمن اى الاجسام تكون الجواهر اذ لا يمكن ان تكون من الاجسام المحسوسة يريد لا كن ان كان هذا الاعتبار يوجب ان السطح والخط والنقط جواهر وكان يظهر من امر هذه انها ليست جواهر وهى متقدمة على الاجسام التعاليمية فالاجسام التعاليمية ليست جواهر فمن اى الاشياء تكون جواهر الموجودات وذلك انه ليس يمكن ان تكون الاجسام المحسوسة لان هذه هى التى نطلب جواهرها عند قولنا فيها انها هوية وواحد لانا انما نطلب ما هو هذا الجوهر الذى يدل عليه لفظة موجود وواحد وليس هاهنا جسم الا التعاليمى والمحسوس ثم قال او خليق الا يكون جوهر البتة يريد او نقول على هذا الشك انه يلزم الا يوجد جوهر لشىء من الاشياء يريد انه اذا بطل ان تكون ماهيات الموجودات هى الاجسام فخليق ان يعتقد بحسب هذا انه ليس للموجودات ماهيات ولما كان ابطال كون الجسم التعليمى جوهرا ينبنى على ان الطول والعرض اعراض وانها فصول لهذا الجسم اخذ يذكر الحجج التى توجب ان الاطوال فصول للجسم التعليمى بمنزلة الاشكال فقال وايضا نرى ان هذه اقسام الجسم فبعضها للعرض وبعض للعمق وبعض للطول ومع هذا نقول ان هذه الاشياء تكون فى الاجرام مثل ما تكون الاشكال فيها يريد ومما يوضح ان الجسم التعليمى عرض هو ان الجسم يقوم حده من الابعاد الثلثة التى هى الطول والعرض والعمق ونرى مع هذا ان الاطوال هى فى الاجسام بمنزلة الاشكال اى فصول لها ثم اخذ يبين كون الابعاد بمنزلة الاشكال فقال فانه لا بد ان يكون للجرم شكل من الاشكال فان امكن الا يكون للجرم شكل امكن الا يكون له بعد من الابعاد يريد فان الشكل حاله من الجسم حال البعد فى انه لا يمكن ان يتعرى منه الجسم الا ويفسد الجسم كالحال فى فصل الشىء الجوهرى ثم اتا بمثال ذلك فقال كقولنا انه ان امكن الا يكون شكل عطارد فى صنم عطارد امكن الا يكون شكل نصف البردة فى جميع شكل البردة يريد فانه ان لم يكن الشكل جوهريا للجسم امكن ان يرتفع الشكل الخاص بالشىء ويبقى الشىء مثل ان تقول انه يمكن ان يرتفع شكل الانسان ويبقى انسانا او شكل صنم عطارد ويبقى صنم عطارد ولو امكن ان يرفع شكل الشىء الخاص بالشىء لامكن ان يرتفع نصف شكل الشىء عن الشىء ويبقى جميع الشكل وهذا هو الذى دل عليه بقوله امكن الا يكون شكل نصف البردة فى جميع شكل البردة وانما تمثل فى ذلك بالبردة لان البردة من الاشياء التى انما سميت بهذا الاسم وحدت بحسب شكلها فشكلها هو هو فصلها الذى يفصلها من سائر الملابس وكانه اراد ان يقرر من هذا الفصل انه متى انزلنا الابعاد اعراضا فان الجسم عرض ومتى انزلنا ان الجسم جوهر وجب ان تكون هذه جواهر وقوله ومع ما قلنا يعرض لاقاويل هولاء الخطأ اذا نحن فحصنا عن الاشياء التى يلزمها الكون والفاسد يريد ومع هذه الشناعات التى تلزم هذا الوضع اعنى كون الاجسام جواهر يعرض لهم شناعات من قبل ما يظهر فى الامور الكائنة الفاسدة ثم قال لانهم يظنون ان الجوهر لم يكن اولا ثم كان او كان اولا ثم فسد والافات تلحقه عند الكون والفساد يريد وذلك انه مما يظن ويوضع ويعترف به الجميع ان الجوهر يكون ويفسد وتلحقه الافات عند الكون والفساد اعنى انه اذا تكون حدث جوهر لم يكن واذا فسد فسد ما حدث ثم قال فاما النقط والخطوط والسطوح فلا يمكنها الكون ولا الفساد ولا ان تكون مرة ومرة لا يريد فاما النقط والخطوط والسطوح فليس تكون ولا تفسد ولا توجد مرة وتعدم مرة اذ كان لا يفسد الخط الى ما ليس بخط ولا يتكون مما ليس بخط وكذلك الامر فى الاجسام ثم اخذ يبين هذا المعنى فقال فان الاجرام اذا اتصلت وانفصلت فهى عند اتصالها تتوحد وفى حين انفصالها تصير اثنين وقوله وليس من شىء يتركب الا ويلزمه الفساد يريد وليس كل تركيب هو كون ولا كل انحلال هو فساد على ما يقوله بعض القدماء من ان الاجتماع هو الكون والافتراق هو الفساد بل الكائن هو الذى حدث له جوهر لم يكن والفاسد هو الذى فسد منه جوهر قد كان ثم قال والاشياء التى تنقسم لم تكن من غير كون يريد والاشياء التى تنقسم الى اجزاء موافقة بالاسم والحد فان هذه لا تكون من غير كون ولما اعترضه فى هذا المعنى امر النقطة وذلك انها لا تنقسم وليس لها كون وكان قال ايضا ان ما ينقسم الى مثل هذه بالحد والاسم دائما انه ليس له كون قال والاشياء التى لا تنقسم من الشىء المنقسم فانها لا تكون من غير كون يريد ان اصغر اجزاء الجسم المحسوس الذى لا ينقسم من حيث هو ذلك الجسم هو مركب مثال ذلك ان اصغر جزء من النار هو مركب من مادة وصورة ثم قال فاما النقطة ان كانت لا تنقسم فليس تصير نقطتان يريد واما النقطة فان كانت غير منقسمة فانه لا تكون اذ كانت النقطة لا تنقسم الى نقطتين فليس لها كون لانه ان كان لها كون فهى مركبة وهذا هو الذى دل عليه بقوله فهى لا محالة من شىء يريد وان كانت النقطة تكون وتفسد فهى لا محالة كائنة من شىء فتكون منقسمة وذلك مستحيل
[18] Textus/Commentum
Page 287