131

Sharh Ma Bacd Tabica

شرح ما بعد الطبيعة

قال ارسطو واما العلة فى ظنون هولاء الناس فانهم كانوا يلتمسون الفحص عن حقيقة الهويات وكانوا يظنون ان الهويات هى المحسوسات فقط وهذه المحسوسات طبائعها ليست محدودة والاختلاف فيها كثير وفى كل الهويات التى هى على هذه الحال ايضا كما قلنا ولذلك يشبه ما يقولون الحق ولا يقولون الحق فانه ينبغى ان يقال هذا القول مثل ما قال المتحيرون فى كسانقراطس وايضا لما رأوا جميع هذه الطبيعة انها تتحرك وانه لا شىء يقال بالحقيقة على الاشياء التى تتغير ظنوا انه لا يمكن البتة ان يقال شىء بالحقيقة على الاشياء التى تتغير بكليتها على حال ومن هذا الراى تتشعب اراء من راى مثل راى ابروقليطس ومن يقول بقوله وما كان يرى ابروقليطس ايضا فانه فى اخر عمره لم يكن يرى انه ينبغى ان يقال شىء بل كان يحرك اصبعه فقط وكان يخطئ ابروقليطس فى قوله انه لا يمكن ان يشير احد الى ماء نهر جار مرتين فانه كان يقول ولا مرة واحدة يمكن هذا ونحن نقول فى هذا القول ايضا ان الذى يتغير له عند تغيره قول ما يصدق عليه ويظن انه ليس وان كان مما يشك فيه فان الذى ينفى منه شىء من الاشياء مضطر ان يكون له هوية ما به يمكن ان ينفيه ومضطر ان تكون هوية ما للذى يكون وبالجملة ان كان يفسد شىء فله هوية وان كان يتكون فمضطر ان تكون هوية للذى منه يكون وللذى به يكون والا يكون هذا بلا نهاية ولكن ندع هذه فنقول ان التغير بالكمية ليس بعينه التغير بالكيفية ايضا وليس العلم بالكمية فقط بل تعرف كل الاشياء بالصور التفسير لما ذكر الشبه التى أدت بعض الناس الى القول بان الاشياء كلها صادقة والتى أدت بعضهم الى ان ينكروا النظر فقالوا انه ليس معرفة هاهنا البتة ولا حقيقة يريد ان يذكر العلة فى غلط هولاء ومن اين دخل عليهم الغلط فقال والعلة فى ظنون هولاء الناس انهم كانوا يلتمسون الفحص عن حقيقة الهويات وكانوا يظنون ان الهويات هى المحسوسات الى قوله طبائعها ليست محدودة يريد والعلة فى الحيرة التى عرضت لهولاء القوم انهم كانوا يرومون الفحص عن حقيقة الموجودات ولم يكن قصدهم قصد السوفسطانيين وكانوا يظنون مع ذلك ان الموجودات هى المحسوسات فقط والمحسوسات طبائعها متغيرة لا تثبت على حال والمعرفة بالاشياء ان كانت موجودة فينبغى ان تكون ثابتة فى اشياء ثابتة فكانوا يتحيرون بسبب ذلك وينفون العلم وهذا هو الذى دل عليه بقوله والاختلاف فيها كثير وفى كل الهويات التى على هذه الحال يريد والاختلاف فى كل المحسوسات كثير وكذلك فى كل الموجودات التى هى من قبل الامور المحسوسة ثم قال ولذلك يشبه ما يقولون الحق ولا يقولون الحق يريد ان قولهم يشبه الحق من جهة وهو قولهم ان المحسوسات متغيرة غير ثابتة وانه لا يكون فيها معرفة وهذا كله حق وليس قولهم ان المعلومات هى المحسوسات وهذا كذب وقوله فانه ينبغى ان يقال هذا القول مثل ما قال المتحيرون فى كسانقراطس يريد انه ينبغى ان يتحذر من هذا الشك مثل ما تحذر منه المتحيرون فى اقاويل كسانقراطس ثم عرفوا وجه الغلط فيه ثم قال وايضا لما رأوا جميع هذه الطبيعة انها تتحرك وانه لا شىء يقال بالحقيقة على الاشياء التى تتغير ظنوا انه لا يمكن البتة ان يقال شىء بالحقيقة على الاشياء التى تتغير بكليتها على حال يريد وبالجملة فالذى اعتمدوا عليه هو امران احدهما انهم رأوا هذه الطبيعة المحسوسة متغيرة متبدلة بذاتها والثاني انهم اعتقدوا انه ليس شىء من الاشياء يصدق بالحقيقة على الاشياء التى تتغير بجملتها بل كل ما توصف به يلفى كاذبا لسرعة تغيرها وعلى هذا فلا يكون هاهنا معرفة ثابتة لا دائما ولا وقتا ما ثم قال ومن هذا الراى تتشعب اراء من راى مثل راى ابروقليطس ومن يقول بقوله يريد ومن هذا الراى تتشعب آراء من يرى مثل راى ابروقليطس ثم ذكر راى ابروقليطس فقال وما كان يرى ابروقليطس فانه فى اخر عمره لم يكن يرى انه ينبغى ان يقال شىء بل كان يحرك اصبعه فقط يريد ان هذا الرجل انتهى به الظن فى اخر عمره وشدد زعم من قبله انه لا ينبغى ان يجيب احد عندما يسال عن اى شىء سئل لا بنعم ولا بكلا لانه يكون كاذبا من قبل انه لن يفرغ من الجواب الا وقد تغير الشىء الى ضده فصار لمكان هذا اذا سئل اشار باصبعه ولا يتكلم ثم قال وكان يخطئ فلانا فى قوله انه لا يمكن ان يشير احد الى ماء نهر مرتين لانه كان يقول ولا مرة واحدة يمكن هذا يريد وكان يخطئ رجلا تقدمه من القدماء كان يرى هذا الراى فى قوله انه لا يمكن ان يغطس احد فى ماء نهر مرتين ولا ان يلمسه مرتين لانه كان يقول انه كان ينبغى له ان يقول انه لا يمكن ان يلمس احد ما واحدا بعينه مرة واحدة فضلا عن مرتين وانما اراد بهذا كله ان هذه حال الموجودات فى سيلانها وانها لا يحصل فيها علم ولو فى زمان هو فى غاية القلة ثم قال ونحن نقول فى هذا القول ايضا ان الذى يتغير له عند تغيره قول ما يصدق عليه ويظن انه ليس يريد ونحن نقول فى الجواب على هولاء ان الذى يتغير يوجد له قول يصدق عليه بما هو متغير وهو مثلا قولنا ليس يثبت ومقابله يكذب عليه وهو قولنا انه يثبت وهو الذى اراد بقوله ويظن انه ليس اى ويقضى عليه انه لا يثبت وهذا حكم غير متغير وانما قال هذا لانهم كانوا يجحدون التغير بانه ليس وقوله وان كان مما يشك فيه فان الذى ينفى منه شىء من الاشياء مضطر ان يكون له هوية ما به يمكن ان ينفيه يريد وبالجملة من ينفى شيئا ما من شىء فلا بد وان يكون للمنفى طبيعة ما حاصلة وبالجملة لا بد وان يكون هوية من الهويات يعنى ان هولاء الذين ينفون العلم يلزم ان يكون للعلم عندهم طبيعة ما محدودة فيكون لا محالة هوية من الهويات والا لم يكن شىء منفيا البتة ثم قال فمضطر ان تكون هوية ما للذى يكون وبالجملة ان كان يفسد شىء فله هوية وان كان يتكون فمضطر ان تكون هوية للذى منه يكون والذى به يكون والا يمر هذا الى غير نهاية يريد وبالجملة ان كان شىء يتكون فقد لزم ضرورة ان يكون له هوية منها يكون وهى هيولاه وهوية بها يكون والا تكون هذه فاسدة والا يمر الامر الى غير نهاية وكذلك الامر فى الفساد يلزم ان ينتهى الى شىء لا يفسد ثم قال ولا كن ندع هذه فنقول ان التغير بالكمية ليس بعينه التغير بالكيفية وليس العلم بالكمية فقط بل تعرف كل الاشياء بالصور يريد ولا كن لندع هذه المعاندة فننتقل الى ما هو اوضح منها وهو ان التغير الذى يظنون انه دائم فى الموجودات هو فى الكمية لا فى الكيفية والصورة والعلم الضرورى بالاشياء لا يكون من قبل كمياتها فقط بل ومن قبل صورها فان كانت الصور ثابتة فالعلم بها ثابت

Page 427