Sharh Kitab Al-Tadlees fi Al-Hadith Lil-Damini by Muhammad Hassan Abdul Ghaffar
شرح كتاب التدليس في الحديث للدميني - محمد حسن عبد الغفار
Genres
شدة تحري الصحابة في حديث النبي ﷺ
وقد كان الصحابة من أشد الناس تحريًا في ضبط القول، وهل قال النبي ﷺ هذا اللفظ أم لا؟ ولذلك جاء عن علي بن أبي طالب ﵁ قال: ما حدثني أحد - من الصحابة أو من التابعين - بحديث عن النبي ﷺ إلا أمرته أن يقسم بالله، -يعني: حلفته بالله جل في علاه أسمعت هذا من رسول الله؟ إلا أبا بكر قال: وحدثني أبو بكر، وصدق أبو بكر فهو صديق من فوق سبع سماوات.
فهذا بيان لتحري الصحابة على ضبط أن هذا القول من النبي ﷺ.
وكان عمر بن الخطاب لا يحدثه أحد بحديث إلا قال له: ائتني بشاهد.
وتحري عمر هذا يحتج به بعض المتنطعين الذين يقولون: لا تقبل أحاديث الآحاد لا سيما في العقائد، والرد على ذلك وجيز، وهو أن عمر بن الخطاب ما كان يرد أحاديث الآحاد في هذه المواقف، بل لقد قبل كثيرًا من أحاديث الآحاد، وإنما كان شديد التحري، فمثلًا: لما حدث عمار بن ياسر بحديث اليتيم، وأنه كان مع عمر، وقد نسيه عمر، فقال له عمر: انظر ما تحدث به عن رسول الله ﷺ.
فقال: لو أردت لم أحدث به، قال: لا، أرو، ونوليك ما توليت.
فهذا يدل على أنه قبله منه، وهو حديث آحاد، بل إن القصة كان فيها عمر، وقد علم أنه قد وهم، ولذلك ترك الأمر إلى الراوي نفسه، وقال: نوليك ما توليت، فهو لا يشدد في هذه المسألة إلا لحكمة، فالمسائل التي فيها أحكام وتحتاج لضبط كان يشدد فيها ويريد الشاهد، لا لأنه يرد حديث الآحاد، وحديث عمار ظاهر جدًا في أنه لا يرد حديث الآحاد.
فالغرض المقصود من هذا هو أن الصحابة كان لهم تحر فائق في أن هذا الحديث قاله النبي ﷺ أم لا، وأيضًا أبو بكر قد فعل ذلك لما جاءته الجدة تطلب ميراثها فقال: لا أعلم لكن ميراثًا في كتاب الله جل في علاه ولا في سنة النبي ﷺ، ولكن انتظري حتى نسأل المهاجرين والأنصار، فقام المغير بن شعبة فقال: عندي فيها سنة، قد أعطاها النبي ﷺ السدس، فقال: ائتني بشاهد، ولم يقصد بقوله: ائتني بشاهد ليرد حديثه، وإنما لأن هذا حكم فيه مال، فأراد أن يعضده بغيره.
إذًا: كان الصحابة شديدي التحري في حديث النبي ﷺ.
1 / 6