[مُقَدِّمَة]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا قَالَ الشَّيْخُ الْفَقِيهُ الْإِمَامُ الْمُدَرِّسُ الْمُصَنِّفُ الْعَلَّامَةُ خَطِيبُ الْخِلَافَةِ الْعَلِيَّةِ وَالْمُفْتِي بِالْحَاضِرَةِ التُّونِسِيَّةِ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدٌ الْأَنْصَارِيُّ شُهِرَ الرَّصَّاعُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الْعَلِيمِ الَّذِي أَحَاطَ عِلْمُهُ بِدَقَائِقِ حَقَائِقِ الْمَعْقُولَاتِ، الْحَكِيمِ الَّذِي أَحْكَمَ بِحِكْمَتِهِ رَقَائِقَ دَقَائِقِ الْمَصْنُوعَاتِ، الْكَرِيمِ الَّذِي عَلَّمَنَا تَعْرِيفَ الْفُصُولِ وَخَاصَّةَ الْمَحْدُودَاتِ، وَأَلْهَمَنَا بِفَضْلِهِ فِي الِاسْتِدْلَالِ لِخَوَاصِّ الْكَائِنَاتِ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْهَادِي لِشَرْحِ بَيَانِ الْمُشْكِلَاتِ، وَخَالِقِ الْمَعْرِفَةِ فِي الْقُلُوبِ الزَّاهِرَاتِ، نَحْمَدُهُ سُبْحَانَهُ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِنْ مِنَنِهِ الْغَادِيَاتِ السَّابِحَاتِ، وَنَشْكُرُهُ عَلَى مَا سَنَّهُ مِنْ نِعَمِهِ وَعَرَّفَنَا بِهِ حَقَائِقَ الْمَخْلُوقَاتِ.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً نَصِلُ بِهَا إلَى مَعَارِفِ الْجَنَّاتِ، وَنَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَمَوْلَانَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الَّذِي أَتَانَا بِالْآيَاتِ الْبَيِّنَاتِ، وَأَرْشَدَنَا إلَى الدَّلَائِلِ الْوَاضِحَاتِ، وَحَقَّقَ لَنَا حَقَائِقَ الْعَقَائِدِ وَدَقَائِقَ الْفَرْعِيَّاتِ، وَأَصَّلَ لَنَا أُصُولَ الدِّيَانَاتِ وَالْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّاتِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ اقْتَبَسُوا مِنْ أَنْوَارِهِ وَالْتَقَطُوا مِنْ أَزْهَارِهِ، وَبَلَّغُوا لِمَنْ بَعْدَهُمْ مَا تَبَرَّكُوا بِهِ مِنْ نَوَامِي الْبَرَكَاتِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا سَلَامًا نَنْجُو بِهِ مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ، وَنَصِلُ بِهِ إلَى مَعْرِفَةِ حَقِيقَةِ نُفُوسِنَا الْأَمَّارَاتِ.
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ لَمَّا سَبَقَتْ مِنَّةُ اللَّهِ تَعَالَى إلَيَّ وَأَظْهَرَ فَضْلَهُ سُبْحَانَهُ عَلَيَّ بِمَحَبَّةِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَعَلَمِ الْأَعْلَامِ الَّذِي افْتَخَرَتْ بِهِ أُمَّةُ النَّبِيِّ ﵊ الشَّيْخِ الْوَلِيِّ الْعَالِمِ الْأَعْلَمِ الصَّالِحِ الزَّكِيِّ الْقُدْوَةِ الْأُسْوَةِ السُّنِّيِّ السَّنِيِّ الْعَارِفِ عَلَى التَّحْقِيقِ، الْهَادِي إلَى الطَّرِيقِ الدَّالِّ عَلَى التَّدْقِيقِ، صَاحِبِ السَّعْدِ وَالسُّعُودِ وَالْيُمْنِ وَالتَّوْفِيقِ، شَيْخِ كَثِيرٍ مِنْ شُيُوخِنَا نِهَايَةِ الْعُقُولِ فِي الْمَنْقُولِ وَالْمَعْقُولِ فِي وَقْتِنَا وَقَبْلَ وَقْتِنَا بَقِيَّةِ الرَّاسِخِينَ مِنْ سَادَاتِنَا آخِرِ الْمُتَعَبِّدِينَ مِنْ سَلَفِنَا سَيِّدِنَا وَمَوْلَانَا وَبَرَكَتِنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَرَفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَرَضِيَ عَنْهُ وَرَحِمَ سَلَفَهُ وَأَعَادَ عَلَيْنَا فَضْلَهُ، وَصَيَّرَنَا
1 / 2
مِمَّنْ عَظُمَ قَدْرُهُ وَعَرَفَهُ، وَمَنَّ عَلَيْنَا بِمَا مَنَّ بِهِ عَلَيْهِ مِنْ سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالدِّينِ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ.
وَقَدْ أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى فِي قُلُوبِنَا مَحَبَّتَهُ وَأَسْبَغَ بِهَا عَلَيْنَا نِعْمَتَهُ لَمَّا تَوَاتَرَ لَدَيْنَا مِنْ حُسْنِ طَرِيقِهِ وَهَدْيِهِ، وَغَزَارَةِ عِلْمِهِ وَبَلَاغَةِ فَهْمِهِ، وَقُوَّةِ عِزِّهِ لِطَاعَةِ رَبِّهِ، فَزَرَعَ اللَّهُ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ مَحَبَّتَهُ، وَأَلْقَى فِي أَفْئِدَتِهَا مَوَدَّتَهُ، كَمَا جَرَتْ عَادَتُهُ سُبْحَانَهُ فِي مُعَامَلَتِهِ لِخَاصَّةِ الصَّالِحِينَ، فِي إلْقَاءِ مَوَدَّتِهِمْ فِي قُلُوبِ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَدْ شَاهَدْنَا شُيُوخَنَا الْآخِذِينَ عَنْهُ يَقِفُونَ عِنْدَ حَدِّهِ مُعَظِّمِينَ لِقَدْرِهِ، مُسَلِّمِينَ لِفَهْمِهِ، لَا يُعَارِضُونَهُ وَلَا يُرَاجِعُونَهُ إلَّا بِأَدَبٍ وَوَقَارٍ، وَتَعْظِيمٍ وَإِكْبَارٍ، وَقَدْ قَيَّدْنَا عَنْهُمْ مَا سَمِعْنَا مِنْ كَرَامَاتِهِ وَمَا بَلَغَنَا مِنْ مَحَاسِنِهِ وَسِيَادَاتِهِ وَمَا قُيِّدَ عَنْهُ مِنْ ابْتِكَارَاتِهِ.
وَنَذْكُرُ إنْ شَاءَ اللَّهُ جُمْلَةً صَالِحَةً فِي أَوَّلِ هَذَا التَّقْيِيدِ وَآخِرِهِ مِنْ طَرِيقِهِ وَفَضْلِهِ وَدِينِهِ وَعِلْمِهِ، مَا يَحْمِلُ طَالِبَ الْعِلْمِ عَلَى تَعْظِيمِهِ وَبِرِّهِ، وَشَاهِدُنَا كُتُبُهُ جَامِعَةٌ مَانِعَةٌ شَافِيَةٌ وَافِيَةٌ الْمُبْرِزُ مِنْ فُقَهَاءِ الزَّمَانِ مِمَّنْ يَفُكُّ رُمُوزَهَا وَيَفْهَمُ إشَارَاتِهَا وَيَتَفَاخَرُونَ بِذَلِكَ خَلَفًا عَنْ سَلَفٍ وَكُلُّ ضَعِيفِ الْعَقْلِ خَبِيثُ سَرِيرَةٍ وَكَبِيرُ جَهْلٍ إذَا رَبَتْ بِهِ نَفْسُهُ الْخَبِيثَةُ عَلَا وَغَلَا، فَيَتَعَرَّضُ بِالِاعْتِرَاضِ لِلْعَطَبِ وَالْبِلَا حَفِظَ اللَّهُ قُلُوبَنَا وَمَلَأَهَا بِمَحَبَّتِنَا فِي سَادَاتِنَا الَّذِينَ فَتَحُوا لَنَا الْأَبْوَابَ وَهَدَانَا اللَّهُ بِهِمْ إلَى طَرِيقِ الْحَقِّ وَالصَّوَابِ، وَلَمَّا كُنْت كَثِيرَ الْمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ لِهَذَا السَّيِّدِ الْكَرِيمِ أَكْثَرْت مِنْ النَّظَرِ فِي تَعْرِيفِهِ لِلْحَقَائِقِ الْفِقْهِيَّةِ وَوَلِعْت فِي طَلَبِ تَفْهِيمِ فَوَائِدِهِ اللُّغَوِيَّةِ فَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِكَثِيرٍ مِنْ الْمُحِبِّينَ مِنْ الطَّلَبَةِ الْمُجْتَهِدِينَ وَأَحْصَنِهِمْ عَلَى النَّظَرِ فِي دَقَائِقِهِ وَالتَّفَقُّهِ فِي حَقَائِقِهِ لِأَنَّهَا مُعِينَةٌ عَلَى تَحَصُّلِ الْفَرْعِيَّاتِ، مُحَصِّلَةٌ لِحَقَائِق الْفِقْهِيَّاتِ، لِأَنَّ رُسُومَهُ قَوَاعِدُ مَذْهَبِيَّةٌ كُلِّيَّاتٌ، فَحِفْظُ الطَّالِبِ لِتِلْكَ الْقَوَاعِدِ إعَانَةٌ عَلَى تَحَصُّلِ الْفُرُوعِ وَكَثْرَةِ الْفَوَائِدِ، وَلَمَّا سَمِعَ مِنِّي مِرَارًا بَعْضُ نُبَلَاءِ الطَّلَبَةِ وَنُجْلِ فُضَلَاءِ الْأَحِبَّةِ شَرْحَ كَبِيرٍ مِنْ حَقَائِقِهِ ﵁، وَبَسْطَ مَوَاضِعَ مِنْ دَقَائِقِهِ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ، طَلَبَ مِنِّي شَرْحًا لِحُدُودِهِ، مُبَيِّنًا لِفَرَائِدِهِ، وَفَاتِحًا لِأَبْوَابِ عُقُودِهِ، فَرَأَيْت أَنَّ هَذِهِ مِنْ مِنَّةِ اللَّهِ عَلَيَّ وَهِدَايَةٍ مِنْ الْكَرِيمِ سَاقَهَا الْحَلِيمُ إلَيَّ، بِخِدْمَتِي لِشَيْخِ سُنَّةِ، النَّبِيِّ ﵊ الَّذِي كَانَتْ حَيَاتُهُ بِلُطْفِهِ الْجَمِيلِ وَخَصَّهُ اللَّهُ بِهِ مِنْ بَيْنِ الْأَنَامِ فَأَجَبْت السَّائِلَ لِمَا سَأَلَ.
وَاعْتَمَدْت عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ لَعَلَّهُ أَنْ يَحْفَظَنَا مِنْ الْخَطَأِ وَالزَّلَلِ، فِي الِاعْتِقَادِ وَالْقَوْلِ وَالنِّيَّةِ وَالْعَمَلِ، وَرَغِبْت
1 / 3
مِنْ مَوْلَايَ سُبْحَانَهُ أَنْ يَتَقَبَّلَهُ وَأَنْ يُتَمِّمَ لِي قَصْدَهُ وَعَمَلَهُ وَأَنْ يَجْعَلَنَا فِي حِمَى الْمُؤَلِّفِ ﵁ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ وَرَحِمِ سَلَفِهِ وَأَنْ يُحَصِّنَنَا بِحِصْنِ نَبِيِّهِ الْحَصِينِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ، وَسَمَّيْته " كِتَابَ الْهِدَايَةِ الْكَافِيَةِ الشَّافِيَةِ لِبَيَانِ حَقَائِقِ الْإِمَامِ ابْنِ عَرَفَةَ الْوَافِيَةِ " فَأَقُولُ وَبِاَللَّهِ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ مُقَدِّمَةِ يُحْتَاجُ إلَيْهَا، وَيَجِبُ لِطَالِبِ الْعِلْمِ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا، لِيُسْتَعَانَ بِهَا فِي فَهْمِ مَا يَنْبَنِي عَلَيْهَا وَفِيهَا مَسَائِلُ نَرْجُو أَنْ تَكُونَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ هَذَا الْوَلِيِّ وَسَائِلُ الْأُولَى فِي مَعْرِفَةِ نَسَبِهِ وَفَضْلِهِ وَعِلْمِهِ وَتَآلِيفِهِ وَسِنِّهِ وَمَوْتِهِ وَكَرَامَاتِهِ وَطَرِيقِهِ فِي هَدْيِهِ فَلْنَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ جُمْلَةً صَالِحَةً يَقِفُ عَلَيْهَا مَنْ لَهُ مَحَبَّةٌ وَشَوْقٌ فِي مَقَامِ هَذَا الْوَلِيِّ السُّنِّيِّ لِيَزِيدَ بِذَلِكَ تَعْظِيمًا لِقَدْرِهِ وَزِيَادَةً فِي بِرِّهِ وَتَخَلُّقًا بِطَرِيقِهِ وَتَحَقُّقًا فِي مَعْرِفَةِ قَدْرِهِ وَاحْتِقَارًا لِنَفْسِهِ وَيُعْلَمَ أَنَّ عِلْمَهُ إنَّمَا هُوَ ثَمَرَةُ عَمَلِهِ وَإِخْلَاصٌ لِنِيَّتِهِ وَحُسْنِ مُعَامَلَتِهِ لِرَبِّهِ فِي خِدْمَتِهِ.
أَمَّا نَسَبُهُ ﵁ فَهُوَ الشَّيْخُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الْأَعْلَمُ الْإِمَامُ الصَّالِحُ الْعَالِمُ الْقُدْوَةُ الْعَلَّامَةُ الْبَرَكَةُ الْفَهَّامَةُ ذُو الْقَدْرِ الْكَبِيرِ وَالْفَخْرِ الشَّهِيرِ الْحَاجُّ لِبَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ الْمُعَظِّمُ لِسُنَّةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ الْوَرِعُ الْأَنْزَهُ الْأَكْمَلُ سَيِّدُنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَرَفَةَ الْمَالِكِيُّ مَذْهَبًا الْوَرْغَمِّيُّ نَسَبًا التُّونِسِيُّ مَوْلِدًا وَمَنْشَأً تَزَايَدَ ﵀ عَامَ سِتَّةَ عَشَرَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَتُوُفِّيَ عَامَ ثَلَاثَةٍ وَثَمَانِمِائَةٍ وَكَانَ وَالِدُهُ رَجُلًا خَيِّرَا صَالِحًا مُتَعَبِّدًا جَاوَرَ بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ عَلَى سَاكِنِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى السَّلَامِ وَلَازَمَهَا وَتُوُفِّيَ بِهَا وَكَانَ يَدْعُو فِي آخِرِ لَيْلِهِ لِوَلَدِهِ بَعْدَ تَهَجُّدِهِ وَيُصَلِّي عَلَى نَبِيِّهِ وَيُسَلِّمُ عَلَيْهِ ثُمَّ يَقُولُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنَ عَرَفَةَ فِي حِمَاك يَقُولُ ذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ حَتَّى صَحِبَهُ اللُّطْفُ الْجَمِيلُ فِي حَيَاتِهِ وَظَهَرَ عَلَيْهِ آثَارُ الْبَرَكَةِ بَعْدَ مَمَاتِهِ وَكَانَ صَاحِبَ جَدٍّ وَوِلَايَةٍ وَبَخْتٍ وَيُنَاوِلُ عَصَا الْخَطِيبِ بِالْمَدِينَةِ الْمُشَرَّفَةِ لِلشَّيْخِ وَلِيِّ اللَّهِ سَيِّدِي خَلِيلٍ فَإِذَا نَاوَلَهُ ذَلِكَ يُفَكِّرُهُ وَيَقُولُ لَهُ يَا سَيِّدِي مُحَمَّدٌ وَلَدِي اُدْعُ لَهُ وَهَذِهِ سَعَادَةٌ رَبَّانِيَّةٌ وَعِنَايَةٌ سَمَاوِيَّةٌ سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ فَكَانَ بِذَلِكَ لَهُ الْكَرَامَاتُ مِنْ اللَّهِ وَكَانَ ﵁ فِي صِغَرِهِ مَشْهُورًا بِالْجِدِّ وَالِاجْتِهَادِ وَالْمُطَالَعَةِ وَالْمُذَاكَرَةِ
1 / 4
وَالْمُلَازَمَةِ لِلشُّيُوخِ الْجِلَّةِ وَقَدْ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ مُقَدِّمَاتُ الْفَلَاحِ الْمُنْتِجَةُ لِمَا نَتَجَتْ فِيهِ مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَالصَّلَاحِ وَأَخَذَ عَنْ شُيُوخٍ جَلِيلَةٍ عَظِيمَةٍ كَرِيمَةٍ مِنْهُمْ الشَّيْخُ الْإِمَامُ عَلَمُ الْأَعْلَامِ الْقَاضِي ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَكَانَ يَقْرَأُ عَلَيْهِ الْعَشْرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْحَدِيثَ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلَازَمَهُ كَثِيرًا وَأَخَذَ عَنْهُ عِلْمًا غَزِيرًا وَأَخَذَ عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ سَلَامَةَ وَالشَّيْخِ ابْنِ هَارُونَ وَالشَّيْخِ السَّطِّيِّ وَقَرَأَ عَلَيْهِ الْفَرَائِضَ وَأَخَذَ الْعُلُومَ الْعَقْلِيَّةَ عَنْ الشَّيْخِ الْأُبُلِّيِّ وَابْنِ الدَّرَّاسِ وَابْنِ الْحُبَابِ قَالَ ﵀ فِيمَا نَقَلْنَا عَنْ بَعْضِ شُيُوخِنَا قَرَأْت الْقُرْآنَ بِالسَّبْعِ عَلَى الشَّيْخِ الْعَلَّامَةِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامَةَ مِنْ طَرِيق الدَّانِي وَابْنِ شُرَيْحٍ وَعَلَى الشَّيْخُ الصَّالِحُ بْنُ برال بِالسَّبْعِ مِنْ طَرِيقِ الدَّانِي وَقَرَأَ أُصُولَ الْفِقْهِ عَلَى الشَّيْخِ ابْنِ عَلْوَانَ وَأُصُولَ الدِّينِ عَلَى الشَّيْخِ ابْنِ سَلَامَةَ وَعَلَى الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالنَّحْوَ عَلَى ابْنِ قُبَيْسٍ وَالْجَدَلَ وَالْمَنْطِقَ وَالنَّحْوَ عَلَى ابْنِ الْحُبَابِ وَالْفَرَائِضَ عَلَى الشَّيْخِ السَّطِّيِّ وَالْحِسَابَ عَلَى الشَّيْخِ الْأُبُلِّيِّ وَالْفِقْهَ عَلَى الشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ وَالشَّيْخِ ابْنِ الْقَدَّاحِ وَالشَّيْخِ ابْنِ هَارُونَ وَالسَّطِّيِّ وَسَائِرَ الْمَعْقُولِ عَلَى الشَّيْخِ الْأُبُلِّيِّ وَكَانَ الْأُبُلِّيُّ يُثْنِي عَلَيْهِ وَيَقُولُ لَمْ يَقْرَأْ عَلَيَّ مِثْلُهُ وَأَمَّا جِدُّهُ وَاجْتِهَادُهُ فِي طَاعَةِ رَبِّهِ وَالسَّعْيِ فِي ثَوَابِهِ فِي صِيَامِهِ وَقِيَامِهِ وَصَدَقَتِهِ فَيُقَالُ إنَّهُ بَلَغَ دَرَجَةَ كَثِيرٍ مِنْ التَّابِعِينَ وَنَالَ دَرَجَةَ الصَّالِحِينَ وَذِكْرُ الْحِكَايَاتِ عَنْهُ فِي ذَلِكَ يَحْتَاجُ إلَى تَأْلِيفٍ وَتَدْوِينِ تَصْنِيفٍ وَأَلَّفَ ﵁ تَآلِيفَ عَجِيبَةً وَمُصَنَّفَاتٍ غَرِيبَةً مِنْهَا تَأْلِيفُهُ الْفِقْهِيُّ لَمْ يُسْبَقْ بِهِ فِي تَحْقِيقِهِ وَتَهْذِيبِهِ وَجَمْعِهِ وَأَبْحَاثِهِ الرَّشِيقَةِ وَحُدُودِهِ الدَّقِيقَةِ وَمَا فِيهِ مِنْ مُعْجِزَاتِ أَبْحَاثِهِ الْمُبْتَكَرَةِ وَفَوَائِدِهِ الَّتِي هِيَ فِي كُلِّ أَوْرَاقِهِ مُنْتَشِرَةٌ وَتَأْلِيفُهُ الْمَنْطِقِيُّ فِيهِ مِنْ الْقَوَاعِدِ وَالْفَوَائِدِ مَا يَعْجِزُ عَنْهُ كِبَارُ الْفُحُولِ عَلَى صِغَرِ جُرْمِهِ وَكَثْرَةِ عِلْمِهِ وَتَأْلِيفُهُ الْفَرْضِيُّ وَتَأْلِيفُهُ الْأُصُولِيُّ الدِّينِيُّ وَالْفِقْهِيُّ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ إمْلَاءَاتِهِ فِي الْأَحَادِيثِ النَّبَوِيَّةِ وَالْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ وَالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ وَكَانَ ﵁ مَسْعُودًا فِي دُنْيَاهُ مَرَضِيًّا عَنْهُ فِي أُخْرَاهُ أَعَزَّهُ بِطَاعَتِهِ وَأَطَالَ عُمْرَهُ فِي عِبَادَتِهِ وَعَظَّمَتْهُ الْمُلُوكُ لِهَيْبَةِ دِيَانَتِهِ وَقَامَتْ بِحَقِّهِ لِقُوَّةِ خِدْمَتِهِ وَإِجَابَةِ دَعْوَتِهِ وَظُهُورِ كَرَامَتِهِ وَكَانَ مِنْ سَعَادَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يُبْتَلَ بِفِتْنَةِ الْقَضَاءِ مَعَ
1 / 5
قُدْرَتِهِ عَلَى تَحْصِيلِهِ حِفْظًا لَهُ مِنْ رَبِّهِ لِدَوَامِ النَّفْعِ بِهِ فِي عِلْمِهِ.
وَقُدِّمَ لِلْإِمَامَةِ بِالْجَامِعِ الْأَعْظَمِ عَامَ سِتَّةٍ وَخَمْسِينَ وَسَبْعِمِائَةٍ وَقُدِّمَ لِخَطَابَتِهِ عَامَ اثْنَيْنِ وَسَبْعِينَ وَقُدِّمَ لِلْفَتْوَى عَام ثَلَاثَةٍ وَسَبْعِينَ.
وَمِنْ غَرِيبِ كَرَامَاتِهِ أَنَّهُ مِنْ لَدُنْ وَلِيَ الْإِمَامَةَ إلَى مَوْتِهِ لَمْ يَقَعْ لَهُ تَعَذُّرٌ عَنْ الْإِمَامَةِ فِي صَلَاةٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ إلَّا فِي أَيَّامِ مَرَضِهِ عَامَ سِتَّةٍ وَسِتِّينَ وَفِي عَامِ ثَمَانِيَةٍ وَسِتِّينَ وَفِي عَامِ خَمْسَةٍ وَثَمَانِينَ وَفِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ وَفِي زَمَنِ غَيْبَتِهِ فِي زَمَنِ حَجِّهِ.
وَفِي بَعْضِ صَلَوَاتٍ غَابَ فِي وَقْتِهَا فِي خُرُوجِ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ بَعَثَهُ الْمَلِكِ الْهُمَامِ الْمُرْتَضَى لِآيَاتِ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِالسِّيَادَةِ عِنْدَ الْمُلُوكِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ مَوْلَانَا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَبُو الْعَبَّاسِ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُمْ وَبَرَّدَ ضَرِيحَهُمْ وَجَعَلَ الْبَرَكَةَ فِي عَقِبِهِمْ إلَى يَوْمِ الدِّينِ وَنَصَرَ مَوْلَانَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الْأَعْدَلِيَّ الْعُمَرِيَّ الْعُثْمَانِيَّ وَأَدَامَ أَيَّامَهُ الزَّاهِرَةَ وَكَانَ لَهُ وَمَعَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " وَهَذَا التَّأْلِيفُ مِنْ ثَمَرَاتِ حَسَنَاتِهِ وَنَتِيجَةِ بَرَكَاتِهِ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ مَنَّ عَلَيْنَا وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ بِوُجُودِهِ وَأَعَانَنَا عَلَى حُصُولِ الْخَيْرِ بِسَبَبِ عُلُوِّهِ وَعِزِّهِ وَصُعُودِهِ زَادَهُ اللَّهُ خَشْيَةً وَرَحْمَةً وَعَمَلًا بِالْحَقِّ وَنَصْرًا لِلْحَقِّ وَأَهْلِهِ وَعَمَّرَ الْأَرْضَ بِبَقَائِهِ وَنَوَّرَ عَدْلَهُ بِمَنِّهِ وَفَضْلِهِ " وَبِالْجُمْلَةِ فَالشَّيْخُ الْإِمَامُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ظَهَرَتْ عَلَيْهِ آثَارُ السَّعَادَةِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ وَجَمَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهُ بَيْنَ خَيْرَيْ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ بِالنُّصْرَةِ وَالْأَيَادِي الْفَاخِرَةِ نَفَعَنَا اللَّهُ بِهِ فِي الدُّنْيَا وَحَشَرَنَا مَعَهُ فِي الْآخِرَةِ وَلَا بُدَّ مِنْ زِيَادَةٍ فِي آخِرِ التَّأْلِيفِ نُذَيِّلُ بِهَا مِنْ تَمَامِ فَضْلِهِ وَدَلِيلِ عِلْمِهِ وَكَرَمِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَمُنُّ عَلَيْنَا بِبَعْضِ عِلْمِهِ بِحُرْمَةِ نَبِيِّهِ وَحَبِيبِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا
(الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ) لَمَّا ذَكَرَ الشَّيْخُ ﵁ فِي أَوِّلْ مُخْتَصَرِهِ بَعْدَ خُطْبَتِهِ أَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ تَأْلِيفُ مُخْتَصَرِهِ الَّذِي أَعْجَزَ الْفُحُولَ عَنْ مِثْلِهِ بِجَمْعِهِ وَمَنْعِهِ تَعْرِيفَ مَاهِيَّاتِ الْحَقَائِقِ الْفِقْهِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ لِمَا عَرَضَ مِنْ النَّقْلِ وَالتَّخْصِيصِ عَرَفْنَا مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ وَفَائِهِ بِمَا وَعَدَ بِهِ وَقَدْ وَفَّى بِهِ ﵀ وَجَرَى فِيهِ عَلَى نَهْجِ طَرِيقِ تَحْقِيقِ الْقَوَاعِدِ الْمَنْطِقِيَّةِ فِي التَّوَصُّلِ إلَى تَصَوُّرِ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ فَقَوْلُهُ ﵁ تَعْرِيفُ مَاهِيَّاتِ الْحَقَائِقِ وَلَمْ يَقُلْ حَدُّ مَاهِيَّاتِ الْحَقَائِقِ لِيَشْمَلَ التَّعْرِيفَ بِالْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ
1 / 6
وَالرَّسْمِيِّ لِأَنَّ الْمُعَرِّفَ هُوَ أَعَمُّ مِنْ الْحَدِّ عَلَى اصْطِلَاحِهِمْ وَرُبَّمَا يُطْلَقُ الْحَدُّ عَلَى ذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ ﵀ وَالْحَدُّ حَقِيقِيٌّ وَرَسْمِيٌّ وَلَفْظِيٌّ لَكِنْ قَالَ شُرَّاحُ ابْنِ الْحَاجِبِ فِيهِ مَجَازٌ لِأَنَّ الْحَدَّ إنَّمَا هُوَ بَيَانٌ لِلْحَقِيقَةِ بِأَجْزَائِهَا وَذَاتِيَّاتِهَا وَالْمُرَادُ بِمَاهِيَّاتِ الْحَقَائِقِ هُنَا أَيْ مَدْلُولِ الْحَقَائِقِ الْفَرْعِيَّةِ لِأَنَّ مُرَادَهُ بَيَانُ مَدْلُولِ مَا هُوَ حَقِيقَةٌ شَرْعِيَّةٌ كَالصَّلَاةِ وَمَا شَابَهَهَا وَقَوْلُهُ الْحَقَائِقُ جَمْعُ حَقِيقَةٍ وَهِيَ الْمَاهِيَّةُ فِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِ هِيَ اللَّفْظُ الْمُسْتَعْمَلُ فِيمَا وُضِعَ لَهُ فِي اصْطِلَاحِ التَّخَاطُبِ وَهُوَ يَشْمَلُ الْحَقَائِقَ اللُّغَوِيَّةَ وَالْعُرْفِيَّةَ وَالشَّرْعِيَّةَ عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي مَحَلِّهِ وَمَا فِيهَا مِنْ الْحُدُودِ وَالْبَحْثِ
وَالْمُرَادُ هُنَا الشَّرْعِيَّةُ وَلَمَّا كَانَتْ الشَّرْعِيَّةُ رُبَّمَا شَمِلَتْ الدِّينِيَّةَ عَلَى مَذْهَبِ الْمُعْتَزِلَةِ زَادَ الشَّيْخُ ﵀ قَيْدَ الْفِقْهِيَّةِ لِتَخْرُجَ الدِّينِيَّةُ ثُمَّ زَادَ فِي الْقَيْدِ الْكُلِّيَّةَ احْتِرَازًا مِنْ الشَّخْصِيَّةِ وَقَوْلُهُ لَمَّا عَرَضَ مِنْ النَّقْلِ وَالتَّخْصِيصِ عِلَّةً فِي كَوْنِهَا صَارَتْ حَقَائِقَ شَرْعِيَّةً فَرْعِيَّةً لِأَنَّهَا عَرَضَ لَهَا نَقْلٌ مِنْ أَصْلِ اللُّغَةِ كَالصَّلَاةِ لِأَنَّهَا فِي الْأَصْلِ لِلدُّعَاءِ ثُمَّ نُقِلَتْ إلَى عِبَادَةٍ مَخْصُوصَةٍ وَمِثْلُ الصِّيَامِ لِأَنَّهُ فِي اللُّغَةِ الْإِمْسَاكُ ثُمَّ خُصِّصَ فِي الشَّرْعِ بِإِمْسَاكٍ مَخْصُوصٍ فَقَوْلُهُ مِنْ نَقْلِ وَتَخْصِيصِ مَعْنَاهُ مِنْ نَقْلٍ فِي بَعْضِ الْحَقَائِقِ وَتَخْصِيصٍ فِي الْبَعْضِ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ قَصَدَ إلَى الْخِلَافِ فِي الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ هَلْ فِيهَا نَقْلٌ مِنْ الشَّارِعِ أَوْ لَيْسَ فِيهَا نَقْلٌ كَمَا قَالَهُ الْقَاضِي وَيَكُونُ أَشَارَ إلَى الْمَذْهَبَيْنِ الْمَعْلُومَيْنِ وَانْظُرْ الْعَضُدَ وَالتَّفْتَازَانِي وَغَيْرَهُمَا وَمَا نُقِلَ عَنْ الْقَاضِي فِي ذَلِكَ وَتَأَمَّلْ كَلَامَ الشَّيْخِ ﵁ فِي قَوْلِهِ مِنْ نَقْلٍ وَتَخْصِيصٍ فَإِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ انْحَصَرَتْ فِي النَّقْلِ وَالتَّخْصِيصِ مَعَ أَنَّهُمْ قَالُوا إنَّ الْوَاقِعَ مِنْهَا إمَّا نَقْلٌ مَعَ مُنَاسَبَةٍ غَلَبَ الِاسْتِعْمَالُ فِي الْمَنْقُولِ إلَيْهِ حَتَّى تَبَادَرَ فِي الذِّهْنِ مَعْنَاهُ أَوْ مَعَ نَقْلٍ لَا بِشَرْطِ مُنَاسَبَةٍ أَوْ مَعَ وَضْعٍ ابْتِدَاءً مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ وَهَذَا الثَّالِثُ لَمْ يَذْكُرْهُ الشَّيْخُ ﵀ وَلَعَلَّهُ يَمْنَعُ الثَّالِثَ وَفَرَّعَ الشَّيْخُ ﵀ عَلَى الْمُخْتَارِ مِنْ أَنَّ الْحَقَائِقَ الشَّرْعِيَّةَ وَاقِعَةٌ وَهُوَ الصَّوَابُ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ خِلَافًا لِلْقَاضِي
فَإِنْ قِيلَ هَلَّا قَالَ الشَّيْخُ ﵀ مِنْ نَقْلٍ وَتَخْصِيصٍ وَتَعْمِيمٍ لِأَنَّهُمْ قَالُوا الْغَالِبُ فِي الشَّرْعِ إمَّا النَّقْلُ أَوْ تَخْصِيصُ مَعْنَى اللُّغَةِ قَالُوا وَقَدْ وَرَدَ تَعْمِيمُ الشَّرْعِ لِمَا خَصَّصَتْهُ اللُّغَةُ كَالْيَمِينِ فَإِنَّهَا فِي اللُّغَةِ قَسَمٌ بِالتَّاءِ أَوْ بِإِحْدَى أَخَوَاتِهَا وَفِي الشَّرْعِ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ كَالْحَلِفِ بِالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ فَالْحَقِيقَةُ الشَّرْعِيَّةُ أَعَمُّ مِنْ مَدْلُولِ اللُّغَةِ وَيُمْكِنُ الْجَوَابُ
1 / 7
بِأَنْ نَقُولَ إنَّ ذَلِكَ يَدْخُلُ تَحْتَ النَّقْلِ لِنَقْلِ الشَّرْعِ الْمَعْنَى الْأَخَصِّ إلَى مَعْنًى أَعَمَّ وَفِيهِ بَحْثٌ لِأَنَّهُ إذَا صَحَّ ذَلِكَ فَيُقَالُ بِمِثْلِهِ فِي التَّخْصِيصِ وَيُسْتَغْنَى بِالنَّقْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ ﵁ وَنَفَعَ بِهِ وَبِعِلْمِهِ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ) قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ الشَّيْخَ ذَكَرَ التَّعْرِيفَ وَالْمُعَرَّفَ مَعْلُومٌ حَدُّهُ وَيَصْدُقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ حَقِيقِيٍّ وَرَسْمِيٍّ وَلَفْظِيٍّ فَإِنْ قُلْت هَلْ مُرَادُهُ ﵁ بَيَانُ الْحَقَائِقِ الْفِقْهِيَّةِ إمَّا بِالذَّاتِيَّاتِ أَوْ بِلَوَازِم الْمَاهِيَّاتِ أَوْ بِتَبْدِيلِ لَفْظٍ بِلَفْظٍ أَشْهَرَ وَيَكُونُ أَشَارَ إلَى أَنَّ الْمَاهِيَةَ إنْ عُلِمَتْ أَجْزَاؤُهَا وَذَاتِيَّتُهَا صَحَّ حَدُّهَا بِهَا إمَّا تَامَّةً أَوْ نَاقِصَةً وَإِنْ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ عُرِّفَتْ بِالْحَدِّ اللَّفْظِيِّ أَوْ مُرَادُهُ إنَّمَا هُوَ التَّعْرِيفُ بِالْأَمْرَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ لِأَنَّ الْعَقْلَ لَا يُمَيِّزُ اللَّازِمَ الدَّاخِلَ مِنْ اللَّازِمِ الْخَارِجِ قُلْت وَلَعَلَّ مُرَادَ الشَّيْخِ ﵁ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْعَقْلَ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنَّهُ يُدْرِكُهُ مِنْ أُصُولِ الشَّرْعِ بِالِاسْتِقْرَاءِ كَمَا يُعْلَمُ ذَلِكَ فِي وَضْعِ اللُّغَةِ فَمَا عُلِمَ بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ أَنَّهُ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ كَالرَّكْعَةِ وَالسَّجْدَةِ كَانَ ذَاتِيًّا وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ خَارِجٌ كَالشُّرُوطِ اللَّازِمَةِ كَانَ خَاصَّةً فَصَحَّ أَنَّ الْمَاهِيَةَ يَصِحُّ حَدُّهَا بِالْحَدِّ الْحَقِيقِيِّ وَالرَّسْمِيِّ وَاللَّفْظِيِّ إنْ وُجِدَ تَرَادُفٌ بَيْنَ الْمَحْدُودِ وَالْحَدِّ فَإِنْ قِيلَ الرَّكْعَةُ وَالسَّجْدَةُ وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ مِنْ الْأَجْزَاءِ أَجْزَاءٌ حِسِّيَّةٌ غَيْرُ مَحْمُولَةٍ وَأَجْزَاءُ الْمَحْدُودِ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مَحْمُولَةً عَلَى مَا حَقَّقَهُ جَمَاعَةٌ فِي الذَّاتِيّ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَقْلًا وَمَا لَيْسَ بِمَحْمُولٍ لَا يُقَالُ فِيهِ ذَاتِيٌّ وَبِمِثْلِ ذَلِكَ رَدَّ الشَّيْخُ ﵀ عَلَى شَيْخِهِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْحُدُودِ حَيْثُ يَقُولُ اسْتَغْنَى ابْنُ الْحَاجِبِ عَنْ الْحَدِّ بِذِكْرِ الْأَجْزَاءِ عَلَى مَا سَتَرَاهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فِي أَمَاكِنِهِ فَكَيْفَ يَصِحُّ ذَلِكَ
فَالْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ الشَّيْخَ ﵁ لَا يَذْكُرُ فِي الْحَدِّ الْأَجْزَاءَ الْحِسِّيَّةَ الَّتِي لَا تُحْمَلُ بَلْ مَا يَصِحُّ حَمْلُهُ فَيَقُولُ الصَّلَاةُ ذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ وَلَا يَقُولُ الصَّلَاةُ إحْرَامٌ وَسَلَامٌ وَلَعَلَّ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ هُوَ الَّذِي حَقَّقَهُ بَعْضُهُمْ وَأَنَّ النُّطْقَ فِي الْإِنْسَانِ هُوَ الْفِعْلُ الْحَقِيقِيُّ وَهُوَ الْجُزْءُ الْمُقَدَّمُ إلَّا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ إلَّا بِالِاشْتِقَاقِ مِنْهُ كَالنَّاطِقِ أَوْ ذُو نُطْقٍ وَوَقَعَ فِي كَلَامٍ لِكَاتِبِي أَنَّ الْحَدَّ يَصِحُّ بِالْأَجْزَاءِ الْحَيَّةِ وَالْحَدُّ الْحَقِيقِيُّ بِالذَّاتِيِّ لَا يَصِحُّ إلَّا بِمَا يَصِحُّ حَمْلُهُ وَلَمَّا كَانَ الشَّيْخُ ﵁ فِي بَعْضِ الْأَبْوَابِ يَقُولُ إمَّا حَدُّهُ وَإِمَّا رَسْمُهُ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ يُرَاعِي الْحَدَّ الْحَقِيقِيَّ
1 / 8
وَالرَّسْمِيِّ فِي حُدُودِهِ لَا أَنَّهَا كُلَّهَا عِنْدَهُ رُسُومٌ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ مِنْ الْبَحْثِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَنَبَّهْنَا بِذَلِكَ هُنَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهِ ثَمَّةَ وَلَوْلَا الْخُرُوجُ عَنْ الْمَقْصِدِ لَذَكَرْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا يُنَاسِبُ مَقْصِدَنَا
(الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ) الشَّيْخُ ﵀ لَمَّا كَانَ إمَامًا فِي الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ مُحَقِّقًا بِحَقَائِق الدَّقَائِقِ فَلَا بُدَّ أَنْ يُلَاحِظَ مَقُولَةَ الْمَحْدُودِ مَعَ حَدِّهِ وَكَانَتْ الْمَقُولَاتُ عَشْرَةً جَوْهَرٌ وَعَرَضٌ وَالْعَرَضُ يَنْقَسِمُ إلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ الْفِعْلِ وَالْكَيْفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ عِنْدَ الْحُكَمَاءِ وَقَدْ جُمِعَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ الشَّاعِرِ
زَيْدٌ طَوِيلٌ أَزْرَقُ ابْنُ مَالِكٍ ... فِي بَيْتِهِ بِالْأَمْسِ كَانَ مُتَّكَى
بِيَدِهِ سَيْفٌ لَوَاهُ فَالْتَوَى ... فَهَذِهِ عَشْرُ مَقُولَاتٍ حَوَى
وَقَدْ جَمَعَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ فِي بَيْتٍ وَاحِدٍ وَهُوَ
قَمَرٌ عَزِيزُ الْحُسْنِ الطَّفُّ مِصْرُهُ ... لَوْ قَامَ يَكْشِفُ غُمَّتِي لَمَا انْثَنَى
فَكُلُّ حَدٍّ ذَكَرَهُ يَرْجِعُ إلَى وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَقُولَاتِ وَلَوْلَا الطُّولُ لَذَكَرْنَاهُ فَلِهَذَا تَجِدُ الشَّيْخَ ﵁ يُعَبِّرُ عَنْ ذَلِكَ بِمَا يُنَاسِبُ مَقُولَةَ الْمَحْدُودِ وَيَذْكُرُ ذَلِكَ فِي الْجِنْسِ فَيَذْكُرُ الصِّفَةَ الْحُكْمِيَّةَ وَذَلِكَ رَاجِعٌ إلَى الْكَيْفِ أَوْ النِّسْبَةِ وَيَقُولُ قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ فِيمَا يُنَاسِبُ الْفِعْلَ مِنْ الْمَحْدُودَاتِ وَيَقُولُ أَمَّا حَدُّهُ اسْمًا إنْ كَانَ مِمَّا يُنَاسِبُ الْجَوْهَرَ كَالزَّكَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الصَّيْدِ وَيَظْهَرُ لَك ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ عِنْدَ كُلِّ حَدٍّ فِي كِتَابِهِ فَإِنْ قُلْت إذَا صَحَّ لَك مَا أَشَرْت إلَيْهِ فَمَا بَالَهُ ﵁ يَذْكُرُ فِي بَعْضِ حُدُودِهِ اللَّقَبَ كَمَا قَالَ فِي الذَّبَائِحِ لَقَبٌ إلَخْ وَكَمَا ذَكَرَ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ فَحَدُّ ذَلِكَ مُضَافًا وَلَقَبًا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَوَقَعَ لَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ وَاللَّقَبُ مِنْ صِفَاتِ الْأَلْفَاظِ وَلَيْسَتْ بِجِنْسٍ لِلْمَحْدُودِ بِوَجْهٍ وَلَا مِنْ الْمَقُولَاتِ
فَالْجَوَابُ أَنْ نَقُولَ: مَا أَشَرْت إلَيْهِ صَحِيحٌ وَإِنَّمَا يُذْكَرُ ذَلِكَ فِي بَيَانِ لَفْظٍ رُكِّبَ وَجُعِلَ عَلَى مَجْمُوعِ أُمُورٍ لَقَبًا عَلَيْهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ تَفْسِيرِ اللَّفْظِ الْمَوْضُوعِ عَلَى مَعَانٍ مَجْمُوعَةٍ فَهُوَ حَدٌّ لَفْظِيٌّ كَذَا وَقَعَ لِلشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي كَوْنِ ابْنِ الْحَاجِبِ يُعَبِّرُ بِاللَّقَبِ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ وَإِنْ كَانَ ﵀ اعْتَرَضَهُ فَمِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَإِلَّا فَسَلِمَ لَهُ أَنَّهُ حَدٌّ لَفْظِيٌّ لِتَعَذُّرِ التَّعْرِيفِ فِيهِ وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ التَّفَطُّنُ لَهُ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ فِي حُدُودِهِ وَاخْتِلَافِ عِبَارَاتِهِ فِيهَا وَاَللَّهُ
1 / 9
أَعْلَمُ.
(الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ): الشَّيْخُ ﵀ الْغَالِبُ فِي حُدُودِهِ أَنَّهَا تَعُمُّ الْمَاهِيَةَ الصَّحِيحَةَ وَالْفَاسِدَةَ مِثْلُ قَوْلِهِ قُرْبَةٌ فِعْلِيَّةٌ ذَاتُ إحْرَامٍ وَسَلَامٍ وَذَلِكَ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهَا صَحِيحَةً أَوْ فَاسِدَةً وَكَذَلِكَ فِي كَثِيرٍ مِنْ حُدُودِهِ وَرُبَّمَا وَقَعَ لَهُ مَا تَقِفُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الْحَقَائِقِ الشَّرْعِيَّةِ هَلْ يُرَاعَى حَدُّهَا الصَّحِيحُ فَقَطْ أَوْ يُرَاعَى الصَّحِيحُ وَالْفَاسِدُ اُنْظُرْ الْمَازِرِيَّ فِي الْبُيُوعِ وَانْظُرْ الشَّهَادَةَ هُنَا فَإِنَّا نَقَلْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فِي الرَّسْمِ يَعُمُّ الْفَاسِدَ وَغَيْرَهُ
(الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ) رُبَّمَا وَقَعَ الْحَدُّ مِنْ الشَّيْخِ ﵀ بِمَا يَعُمُّ الْمَشْهُورَ وَغَيْرَهُ وَرُبَّمَا وَقَعَ لَهُ الْحَدُّ بِمَا يَخُصُّ الْمَشْهُورَ وَرُبَّمَا اعْتَرَضَ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي قُصُورِهِ عَلَى ذَلِكَ كَمَا وَقَعَ لَهُ فِي الْإِيلَاءِ وَانْظُرْ مَا وَقَعَ فِي الظِّهَارِ لِلشَّيْخِ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ ﵀
(الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ) رُبَّمَا حَدَّ الشَّيْخُ الْحَقِيقَةَ الْعُرْفِيَّةَ بِاعْتِبَارِ أَعَمِّ مَعْنَاهَا وَبِاعْتِبَارِ أَخَصِّهِ عُرْفًا كَمَا قَالَ فِي الْبَيْعِ الْأَعَمِّ وَالْبَيْعِ الْأَخَصِّ الْعُرْفِيِّ وَالْمَقْصِدُ عِنْدَهُ إنَّمَا هُوَ الْحَقِيقَةُ الْعُرْفِيَّةُ الْفَرْعِيَّةُ وَمَا وَقَعَ فِي تَرَاجِمِ الْكُتُبِ الْمَشْهُورَةِ كَالْمُدَوَّنَةِ مِثْلُ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَالصِّيَامِ وَالصَّرْفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الَّذِي غَلَّبَ عُرْفًا شَرْعِيًّا عَلَى مَسَائِلَ فَرْعِيَّةٍ وَأَمَّا الْبَيْعُ الْأَعَمُّ فَلَمْ يَكُنْ مِثْلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَغْلِبْ إطْلَاقُهُ عَلَى الْمَعْنَى الْأَعَمِّ فِي عُرْفِ الْفُقَهَاءِ وَلِذَا قَالَ: وَالْيَمِينُ عُرْفًا إلَى آخِرِهِ وَأَدْخَلَ فِي ذَلِكَ الْحَلِفَ بِالطَّلَاقِ لِإِطْلَاقِ الْمُدَوَّنَةِ كِتَابَ الْأَيْمَانِ بِالطَّلَاقِ وَتَرْجَمَ عَلَيْهَا وَقَالَ الْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ الْحَقِيقَةُ وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الشَّرِكَةِ فَحَدُّهَا أَعَمِّيَّةٌ وَأَخَصِّيَّةٌ
(الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ) كَثِيرًا مِنْ الْحَقَائِقِ مَا يُذْكَرُ فِيهَا حَدُّ الِاسْمِ وَحَدُّ الْمَصْدَرِ وَيَظْهَرُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يُخَصَّصُ ذَلِكَ فِيمَا غَلَبَ فِيهِ الْعُرْفُ فِي الْأَمْرَيْنِ وَأَمَّا مَا خَصَّهُ بِأَحَدِهِمَا فَلَا يَحْتَاجُ إلَى حَدِّ غَيْرِهِ وَيَظْهَرُ لَك ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلَ فِي حُدُودِهِ وَيَأْتِي مَا فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَتَأَمَّلْ الْعَارِيَّةَ وَمَا ذَكَرْنَا فِيهَا
(الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ) الظَّاهِرُ أَنَّ الشَّيْخَ قَصَدَ بِالْحَقَائِقِ الْأَلْقَابَ الَّتِي صَيَّرَهَا الشَّارِعُ أَوْ أَهْلُ الشَّرْعِ حَقَائِقَ عَلَى أُمُورٍ كُلِّيَّةٍ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَمَا شَابَهُ ذَلِكَ وَقَدْ أَلْحَقْنَا مِنْهُ مَا يُشْبِهُ ذَلِكَ مِمَّا جُمِعَتْ فِيهِ الشُّرُوطُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ وَالْفُقَهَاءُ صَيَّرُوا ذَلِكَ كَالرُّسُومِ فَلِذَا اسْتَخْرَجْتُ مِنْ كَلَامِهِ مَا تَتِمُّ بِهِ الْفَائِدَةُ مِنْهُ وَسَتَرَى ذَلِكَ وَقَدْ ذَكَرَ الشَّيْخُ ﵀ فِي الْحَمَالَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَاهُ
1 / 10
(الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ) تَعْرِفُ أَنَّ الشَّيْخَ ﵀ إذَا وَجَدَ مَنْ سَبَقَهُ بِرَسْمٍ لَيْسَ فِيهِ إيرَادٌ يَأْتِي بِهِ وَيَنْسُبُهُ لِقَائِلِهِ مِنْ أَنْصَافِهِ وَخَوْفِ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ فِي كِتَابِهِ بِأَنَّهُ مَسْبُوقٌ بِهِ وَنَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ لِيُعْلَمَ أَنَّ ثَمَّ حَقَائِقَ لِغَيْرِهِ ارْتَضَاهَا فَإِذَا وَرَدَ عَلَيْهَا اعْتِرَاضٌ فَإِنَّهُ يَرِدُ عَلَى الشَّيْخِ ﵀ لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ وَاسْتَحْضَرَ هُنَا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي مَدَارِكِهِ مِنْ اعْتِرَاضِ عَبْدِ الْحَقِّ وَتَعَقُّبِهِ عَلَى الْبَرَادِعِيِّ وَأَنَّهُ لَا يَرِدُ ذَلِكَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ سَبَقَهُ بِمِثْلِ ذَلِكَ الِاخْتِصَارِ أَبُو مُحَمَّدٍ ﵀ وَرَدَّ الشَّيْخُ ابْنُ عَبْدِ السَّلَامِ ﵀ ذَلِكَ بِمَا حَاصِلُهُ مَنْ نَقَلَ قَوْلًا وَرَضِيَ بِهِ فَهُوَ قَائِلٌ بِهِ فَالِاعْتِرَاضُ عَلَى الْجَمِيعِ وَلِذَا تَرَى الشَّيْخَ ﵀ يَقُولُ قَالَ ابْنُ الْحَاجِبِ وَقَبِلَهُ شُرَّاحُهُ فَقِفْ عَلَى ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ هَذَا بَعْضُ مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ فِي الْإِعَانَةِ عَلَى فَهْمِ حُدُودِهِ ﵁ وَنَفَعَ بِهِ وَلَوْلَا الْخُرُوجُ عَنْ الْمَقْصِدِ لَزِدْنَا مِمَّا يُحْتَاجُ إلَيْهِ أَكْثَرَ مِمَّا ذَكَرْنَا وَاَللَّهَ سُبْحَانَهُ أَسْأَلُهُ الْقَبُولَ وَالْإِقْبَالَ وَحُسْنَ النِّيَّةِ فِي الْأَعْمَالِ وَالتَّحَصُّنَ بِمَنْ اتَّصَفَ بِأَشْرَفِ خِصَالٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحَالٍ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا دَائِمًا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ.
[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]
(ط هـ ر):
1 / 11
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا.
كِتَابُ الطَّهَارَةِ قَالَ الشَّيْخُ ﵁ وَنَفَعَ بِهِ فِي حَدِّ الطَّهَارَةِ " صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ أَوْ فِيهِ أَوْ لَهُ فَالْأُولَيَانِ مِنْ خَبَثٍ وَالْأَخِيرَةُ مِنْ حَدَثٍ " أَقُولُ وَبِاَللَّهِ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ الطَّهَارَةُ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ أَيْ حَدُّ الطَّهَارَةِ وَهُوَ مُبْتَدَأٌ وَالْخَبَرُ صِفَةٌ إلَى آخِرِهِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هُنَاكَ طَهَارَةً وَطَهُورِيَّةً وَطَهُورًا وَتَطْهِيرًا وَأَنَّهَا حَقَائِقُ أَرْبَعُ شَرْعِيَّةٌ فَعَرَّفَ الشَّيْخُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْأَرْبَعَ وَبَعْضَ أَضْدَادِهَا مُطَابَقَةً وَبَعْضُهَا يُؤْخَذُ مِنْهُ الْتِزَامًا فَقَالَ فِي تَعْرِيفِ الطَّهَارَةِ مَا رَأَيْتَهُ وَالطَّهَارَةُ فِي اللُّغَةِ مَعْرُوفٌ مَعْنَاهَا وَهِيَ النَّزَاهَةُ مِنْ الْأَقْذَارِ الْحِسِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الشَّيْخَ ﵁ حَصَرَ الْحَقَائِقَ الْفِقْهِيَّةَ الَّتِي تَعَرَّضَ لِحَدِّهَا فِيمَا كَانَ مِنْهَا بِنَقْلٍ أَوْ تَخْصِيصٍ وَيُمْكِنُ هُنَا أَنَّ الطَّهَارَةَ الشَّرْعِيَّةَ الْمَعْنَى الَّذِي غَلَبَتْ فِيهِ بِنَقْلٍ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَا يُوصَفُ لُغَةً بِالتَّنْزِيهِ أَوْ النَّزَاهَةِ وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ إنَّهَا فِي اللُّغَةِ لِلْأَمْرِ الْأَعَمِّ وَهِيَ النَّزَاهَةُ الْمُطْلَقَةُ فَقَصَرَهَا الشَّرْعُ عَلَى بَعْضِ أَفْرَادِهَا وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ عِيَاضٍ ﵀ قَرِيبٌ مِنْهُ وَالطَّهَارَةُ أَصْلُهَا اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى التَّطْهِيرِ وَعَلَى ذَلِكَ فَهِمَ الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ ﵀ عَلَى مَا سَيَأْتِي وَعِنْدَ الشَّيْخِ ﵀ الطَّهَارَةُ غَيْرُ التَّطْهِيرِ لِوُجُودِ مَعْنَاهَا فِي مَحَلٍّ لَا يُوجَدُ فِيهِ التَّطْهِيرُ وَلَمَّا تَحَقَّقَ عِنْدَهُ ذَلِكَ ﵀ ذَكَرَ جِنْسًا يُنَاسِبُ مَقُولَةَ الْمَحْدُودِ وَهُوَ الصِّفَةُ لِأَنَّ مَدْلُولَ الطَّهَارَةِ مَعْنًى لَا فِعْلٌ وَلَا جَوْهَرٌ فَقَالَ صِفَةٌ وَالصِّفَةُ تُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ فَيُطْلَقُ عَلَى النَّعْتِ صِفَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ وَذَكَرُوا خِلَافًا هَلْ الْوَصْفُ وَالصِّفَةُ وَالنَّعْتُ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ أَمْ لَا وَتُطْلَقُ الصِّفَةُ عَلَى الْمَعْنَى الْقَائِمِ بِالْمَوْصُوفِ إمَّا حِسًّا أَوْ عَقْلًا وَتُطْلَقُ الصِّفَةُ عَلَى أَمْرٍ تَقْدِيرِيٍّ إذَا وُجِدَ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمٌ كَمَا يُقَالُ فِي صِفَةِ الْحَدَثِ إذَا وُجِدَ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مَنْعٌ وَإِذَا ذَهَبَ وَوُجِدَ ضِدُّهُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إبَاحَةُ مَا كَانَ مَمْنُوعًا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحَدَثِ الْخَارِجِ نَفْسِهِ بَلْ مَا قُدِّرَ مُرَتَّبًا عَلَى وُجُودِ الْخَارِجِ وَهَذَا الْمَعْنَى وَقَعَ فِي كَلَامِ غَيْرِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - تَقِفُ عَلَيْهِ بَعْدُ فِي آخِرِ شَرْحِ الْحَدِّ
1 / 12
وَالْحَاصِلُ أَنَّ الصِّفَةَ هُنَا الْمُرَادُ مِنْهَا مَعْنًى تَقْدِيرِيٌّ عَبَّرَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ حُكْمِيٌّ لِيَخْرُجَ بِذَلِكَ الْمَعْنَى الْحِسِّيُّ كَالسَّوَادِ وَالْبَيَاضِ وَالْمَعْنَى الْعَقْلِيُّ كَالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَقَيَّدَ الصِّفَةَ بِمَا ذَكَرَهُ وَهَذَا الْجِنْسُ الْمُقَيَّدُ بِمَا قَيَّدَهُ بِهِ ذَكَرَهُ فِي حُدُودٍ كَثِيرَةٍ كَالطَّلَاقِ وَإِحْرَامِ الْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَحْدُودَاتِ لَمَّا كَانَتْ صِفَاتٍ نَاسَبَ مَا ذُكِرَ فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ صِفَاتٍ حَقِيقِيَّةً وَالصِّفَةُ التَّقْدِيرِيَّةُ فِي الْحَقِيقِيَّةِ عَدَمِيَّةٌ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ كَذَا كَانَ يَمُرُّ لَنَا فِيهِ فِي إطْلَاقِ الصِّفَةِ عَلَى ذَلِكَ الْمَعْنَى وَالطَّهَارَةُ عِنْدَهُ كَأَنَّهَا مِنْ مَقُولَةِ الْكَيْفِ فَلِذَا جُعِلَ جِنْسُهَا الصِّفَةُ وَقَوْلُهُ ﵁ (تُوجِبُ لِمَوْصُوفِهَا جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ سَبَبٌ فِي حُكْمٍ لِمَوْصُوفٍ كَانَ ضِدُّهُ حَاصِلًا مَعَ ضِدِّ الصِّفَةِ لِأَنَّ الْحَدَثَ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الطَّهَارَةِ أَوْجَبَ مَنْعَ الِاسْتِبَاحَةِ فَلَمَّا حَصَلَتْ الطَّهَارَةُ ذَهَبَ ذَلِكَ الْحُكْمُ فَيَثْبُتُ ضِدُّهُ لِلْمَوْصُوفِ وَهُوَ الْجَوَازُ وَقَوْلُهُ اسْتِبَاحَةٌ أَيْ طَلَبُ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ طَلَبَ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ شَرْعًا مَعَ الْمَانِعِ كَانَ مَمْنُوعًا فَإِنَّ الْمُكَلَّفَ لَا يَجُوزُ لَهُ شَرْعًا طَلَبُ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ مِفْتَاحِهَا لِأَنَّ مِفْتَاحَهَا هُوَ الطَّهَارَةُ لِقَوْلِ النَّبِيِّ ﵊ «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ» فَصَحَّ أَنَّ مَنْ لَيْسَ لَهُ مِفْتَاحٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّسَوُّرُ عَلَى طَلَبِ إبَاحَةِ الدُّخُولِ فَإِذَا وُجِدَ مِفْتَاحُهَا ثَبَتَ جَوَازُ طَلَبِ إبَاحَةِ الدُّخُولِ كَذَا كَأَنْ يَمُرَّ لَنَا فَهْمُهُ فَعَلَى الْمَعْنَى الَّذِي قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَهُ ﵁ يَجِبُ ذِكْرُ جَوَازٍ مَعَ اسْتِبَاحَةٍ لِأَنَّ سِرَّ التَّقْسِيمِ هُنَا يَقْتَضِي أَنْ نَقُولَ صِفَةٌ تُوجِبُ الصَّلَاةَ أَوْ تُوجِبُ جَوَازَ الصَّلَاةِ أَوْ تُوجِبُ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ أَوْ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ ﵀ فَالْأَوَّلُ لَا يَصِحُّ بِوَجْهٍ لِأَنَّهُ صَيَّرَ الصِّفَةَ مُوجِبًا أَيْ عِلَّةً فَيَلْزَمُ عَلَيْهِ أَنَّ الطَّهَارَةَ مَتَى وُجِدَتْ وُجِدَتْ الصَّلَاةُ لِلْمَوْصُوفِ بِهَا وَذَلِكَ بَاطِلٌ قَطْعًا وَلَوْ قَالَ تُوجِبُ جَوَازَ الصَّلَاةِ لَأَفَادَ أَنَّ الطَّهَارَةَ أَوْجَبَتْ جَوَازَ الْفِعْلِ فَقَطْ وَالْمَقْصِدُ مِنْهَا أَنَّهَا تُبِيحُ مَا مَنَعَهُ وُجُودَ ضِدِّهَا وَهُوَ الْحَدَثُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ جَوَازَ طَلَبِ إبَاحَتِهَا وَإِذَا مَنَعَ جَوَازَ طَلَبِ إبَاحَتِهَا فَقَدْ مَنَعَ إبَاحَتَهَا فَالْحَدَثُ يَمْنَعُ إبَاحَةَ الصَّلَاةِ وَيَمْنَعُ مَا هُوَ أَعَمُّ وَهُوَ طَلَبُ الْإِبَاحَةِ فَالصِّفَةُ تُوجِبُ مَا مَنَعَهُ الْحَدَثُ وَلَوْ قَالَ ﵀ تُوجِبُ طَلَبَ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ لَكَانَ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ جَوَازِ الطَّلَبِ لِأَنَّهُ هُوَ الْمَمْنُوعُ بِالْحَدَثِ كَمَا ذَكَرْنَا فَصَحَّ صِحَّةُ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ مِنْ ذِكْرِ الْأَمْرَيْنِ هَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ ﵀.
ثُمَّ قَالَ بِهِ أَوْ فِيهِ أَوْ لَهُ أَشَارَ ﵀ إلَى أَنَّ جَوَازَ
1 / 13
اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ يَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ جَوَازِ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِشَيْءٍ مَعْنَاهُ بِمُقَارَنَةِ شَيْءٍ لِلصَّلَاةِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مَا يُقَارِنُ الصَّلَاةَ مِنْ ثَوْبٍ أَوْ غَيْرِهِ حَتَّى جِلْدِ الْمُصَلِّي لِأَنَّهَا تُقَارِنُ الصَّلَاةَ وَكَذَا جَوَازُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ مَكَانُ الْمُصَلِّي إذَا كَانَ طَاهِرًا وَهَذَانِ يَرْجِعَانِ إلَى طَهَارَةِ الْخَبَثِ وَكَذَلِكَ جَوَازُ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ لِلْمُكَلَّفِ الْمُصَلِّي وَهِيَ طَهَارَةُ حَدَثٍ فَانْقَسَمَتْ الطَّهَارَةُ إلَى طَهَارَةِ حَدَثٍ وَطَهَارَةِ خَبَثٍ فَكَأَنَّهُ قَالَ طَهَارَةُ الْخَبَثِ وَالْحَدَثِ اشْتَرَكَا فِي أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُوجِبُ لِمَوْصُوفِهِ اسْتِبَاحَةَ الصَّلَاةِ فَفِي الْخَبَثِ تُوجِبُ الِاسْتِبَاحَةَ بِمَوْصُوفِهَا وَعَلَى مَوْصُوفِهَا وَفِي الْحَدَثِ تُوجِبُ الِاسْتِبَاحَةَ لِمَوْصُوفِهَا فَضَمِيرُ بِهِ وَفِيهِ وَلَهُ كُلٌّ يَعُودُ عَلَى الْمَوْصُوفِ وَلَمَّا أَبْهَمَ طَهَارَةَ الْحَدَثِ وَالْخَبَثِ بَيَّنَ ذَلِكَ فَقَالَ بَعْدَ تَمَامِ الْحَدِّ الْأُولَيَانِ مِنْ خَبَثٍ وَالْأَخِيرَةُ مِنْ حَدَثٍ هَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ ﵁ ثُمَّ إنَّ النَّاظِرِينَ فِي كَلَامِهِ أَوْرَدُوا أَسْئِلَةً أَشْكَلَتْ عَلَيْهِمْ فِي حَدِّهِ مَعَ أَدَبِهِمْ مَعَهُ لِمَعْرِفَةِ قَدْرِهِ فَلْنَذْكُرْ مِنْ ذَلِكَ مَا ذَكَرُوهُ وَنُشِيرُ إلَى شَيْءٍ مِمَّا تَرَكُوهُ.
(السُّؤَالُ الْأَوَّلُ) كَيْفَ صَحَّ إطْلَاقُ الصِّفَةِ عَلَى الْحُكْمِيَّةِ وَقَدْ ذَكَرْتُمْ أَنَّ ذَلِكَ أَمْرٌ تَقْدِيرِيٌّ وَالْمَقَادِيرُ الْعَقْلِيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ اعْتِبَارِيَّةٌ عَدَمِيَّةٌ وَلَيْسَتْ بِصِفَاتٍ.
(السُّؤَالُ الثَّانِي) كَيْفَ صَحَّ الْإِيجَابُ وَالسَّلْبُ فِي الْأُمُورِ الِاعْتِبَارِيَّةِ وَهِيَ عَدَمِيَّةٌ وَالْعِلَّةُ وُجُودِيَّةٌ.
(السُّؤَالُ الثَّالِثُ) كَيْفَ صَحَّ أَنَّ الْجَوَازَ يَكُونُ مُوجِبًا.
(الرَّابِعُ) كَيْفَ صَحَّ أَنَّ الشَّرْطَ يُوجِبُ وَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ خَاصِّيَّةِ السَّبَبِ وَهَذَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ الْإِمَامُ سَيِّدِي الْفَقِيهُ الْأَبِيُّ تِلْمِيذُ الشَّيْخِ ﵏ أَجْمَعِينَ وَأَنَّهُ أَوْرَدَ عَلَى الشَّيْخِ فِي مَجْلِسِهِ.
(الْخَامِسُ) مَا فَائِدَةُ زِيَادَةِ قَوْلِهِ جَوَازَ اسْتِبَاحَةٍ وَهَلَّا قَالَ تُوجِبُ الِاسْتِبَاحَةَ أَوْ قَالَ مُوجِبُ الصَّلَاةِ.
(السَّادِسُ) أَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْحَدِّ مَا يُوجِبُ التَّرْدِيدَ وَهُوَ أَوْ وَالتَّرْدِيدُ يُنَافِي التَّحْدِيدَ.
(السَّابِعُ) أَنَّهُ جَمَعَ حَقَائِقَ فِي حَدٍّ وَاحِدٍ وَهِيَ طَهَارَةُ الْخَبَثِ وَطَهَارَةُ الْحَدَثِ وَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ عَلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْفَنِّ مِنْ أَنَّ الْحَقَائِقَ الْمُخْتَلِفَةَ لَا يَصِحُّ جَمْعُهَا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ.
(الثَّامِنُ) أَنَّ الْحَدَّ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ فِي طَرَفِ طَهَارَةِ الْحَدَثِ فَالذِّمِّيَّةُ إذَا طَهُرَتْ لِزَوْجِهَا مِنْ حَيْضَتِهَا فَإِنَّ طَهَارَتَهَا لَا تُوجِبُ مَا ذُكِرَ.
(التَّاسِعُ) أَنَّهُ غَيْرُ مُنْعَكِسٍ فِي طَهَارَةِ الْخَبَثِ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُضَافَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ طَاهِرٌ وَلَا يُصَلِّي بِهِ وَلَا يُوجِبُ جَوَازَ الِاسْتِبَاحَةِ.
(الْعَاشِرُ) تَرِدُ عَلَيْهِ طَهَارَةُ الْوُضُوءِ لِلْجُنُبِ لِأَجْلِ النَّوْمِ إذَا فَرَّعْنَا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِيَبِيتَ عَلَى إحْدَى الطَّهَارَتَيْنِ وَكَذَا مَسْأَلَةُ كُلِّ عُضْوٍ يَطْهُرُ بِانْفِرَادِهِ إذَا
1 / 14
قِيلَ بِهِ فِي الْوُضُوءِ هَذَا خُلَاصَةُ مَا قِيلَ فِي ذَلِكَ فَلْنَتَكَلَّمْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْأَسْئِلَةِ وَنُجِيبُ بِمَا يَلِيقُ بِهِ عَنْهُ مِنْ الْأَجْوِبَةِ الْمُمْكِنَةِ.
" أَمَّا السُّؤَالُ الْأَوَّلُ " فَجَوَابُهُ أَنْ نَقُولَ وَإِنْ صَحَّ مَا ذَكَرْتُمْ إلَّا أَنَّ الشَّارِعَ سَمَّاهَا صِفَاتٍ وَلَا مُشَاحَّةَ فِي التَّسْمِيَاتِ وَلِمَا تَقَرَّرَ فِي الشَّرْعِ أَنَّهُ سُمِّيَ الثَّوْبُ طَاهِرًا لِمَعْنًى وَكَذَلِكَ الْبَدَنُ وَالْمَكَانُ عَلِمْنَا أَنَّ ثَمَّ مَعْنًى تَقْدِيرِيًّا سَمَّاهُ طَهَارَةً وَاشْتَقَّ مِنْهُ لِلْمَوْصُوفِ مَا يَتَّصِفُ بِهِ فَصَحَّ أَنَّ الشَّيْخَ ﵀ أَطْلَقَ عَلَى ذَلِكَ صِفَةَ قَوْلِهِ فِي الْجِنْسِ صِفَةً يَشْمَلُ الصِّفَةَ الْحَقِيقِيَّةَ الْحِسِّيَّةَ وَالْمَعْنَوِيَّةَ وَيَشْمَلُ الصِّفَةَ التَّقْدِيرِيَّةَ الْحُكْمِيَّةَ وَلِذَا خَصَّصَهَا بِالْحُكْمِيَّةِ وَالْمَقَادِيرُ الشَّرْعِيَّةُ رُبَّمَا يُطْلِقُونَ عَلَيْهَا صِفَاتِ الْفُقَهَاءِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الْأُصُولِيِّينَ لَمَّا قَسَّمُوا الْوَصْفَ الَّذِي يَقَعُ التَّقَابُلُ بِهِ إلَى أَقْسَامٍ مَعْلُومَةٍ عِنْدَهُمْ وَمَا أَشَارَ إلَيْهِ السَّائِلُ مَضَى فِيهِ عَلَى قَاعِدَةِ أَهْلِ الْمَعْقُولَاتِ فَبَيَّنَ أَنَّ الْأُمُورَ الِاعْتِبَارِيَّةَ لَا وُجُودَ لَهَا وَلَا يُطْلَقُ عَلَيْهَا صِفَاتٌ خِلَافًا لِلْحُكَمَاءِ وَعَلَيْهِ أَوْرَدُوا مَا أَوْرَدُوا عَلَى حَدِّ ابْنِ الْحَاجِبِ لِلْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ نِسْبَةٌ بَيْنَ مُفْرَدَيْنِ قَائِمَةٌ بِالْمُتَكَلِّمِ وَلَا يُرَدُّ هَذَا بِوَجْهٍ هُنَا.
" وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّانِي " فَلَا يَصِحُّ إيرَادُهُ عَلَى مَا قَرَّرْنَا لِأَنَّ هَذِهِ الصِّفَةَ جَعَلَهَا الشَّارِعُ كَأَنَّهَا ثُبُوتِيَّةٌ يَصِحُّ التَّعْلِيلُ بِهَا وَإِذَا كَانَ التَّعْلِيلُ فِي الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ يَصِحُّ بِالْعَدَمِ الْمُقَيَّدِ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا فِي الصِّفَةِ التَّقْدِيرِيَّةِ الْحُكْمِيَّةِ وَتَعْلِيلُ الْعَدَمِ بِالْعَدَمِ عِنْدَهُمْ جَائِزٌ بِاتِّفَاقٍ وَمَا الْخِلَافُ إلَّا فِي تَعْلِيلِ الْوُجُودِ بِالْعَدَمِ كَمَا ذَكَرَهُ أَهْلُ أُصُولِ الْفِقْهِ فِي الْعِلَّةِ الْمُسْتَنْبَطَةِ وَأَمَّا الْمَنْصُوصَةُ تَجُوزُ بِاتِّفَاقٍ فَصَحَّ أَنْ يُقَالَ بِأَنَّ الطَّهَارَةَ عِلَّةٌ مُوجِبَةٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَغَرَّ السَّائِلَ مَا وَقَعَ لِأَهْلِ أُصُولِ الدِّينِ وَالْحُكَمَاءِ مِنْ أَنَّ الْعِلَّةَ مِنْ شَرْطِهَا أَنْ تَكُونَ مَوْجُودَةً وَذَلِكَ صَحِيحٌ فِي مَحَلِّهِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَعْنَاهُ هُنَا.
" وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّالِثُ " فَوَقَعَ فِي كَلَامِ بَعْضِ شُرَّاحِ التَّهْذِيبِ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيمَا رَأَيْته فَقَالَ تَأَمَّلْ كَلَامَ الشَّيْخِ ﵀ اللَّهُ كَيْفَ يَتَقَرَّرُ مِنْهُ أَنَّ الْجَوَازَ يَجِبُ وَالْجَائِزُ لَا يَجِبُ وَتَقْرِيرُ هَذَا السُّؤَالِ عَلَى مَا فِيهِ أَنَّهُ يُسْتَشْكَلُ أَنَّ الْجَوَازَ يَكُونُ مَعْلُولًا لِلصِّفَةِ الْمُوجِبَةِ وَكَيْفَ يَصِحُّ فِي مَعْلُولِ الْمُوجِبِ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا وَهَذَا كَلَامٌ سَاقِطٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لِأَنَّ مَعْنَى قَوْلِنَا الْجَوَازُ مَعْلُولٌ لِلْإِيجَابِ أَيْ أَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْهُ شَرْعًا كَمَا تَقُولُ الذَّكَاةُ عِلَّةٌ فِي جَوَازِ الْأَكْلِ وَالذَّكَاةُ تُوجِبُ جَوَازَ الْأَكْلِ وَلَيْسَ فِيهِ مَا يُوهِمُ تَنَاقُضًا بِوَجْهٍ ".
وَأَمَّا السُّؤَالُ الرَّابِعُ " فَقَدْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الشَّيْخِ الْعَالِمِ سَيِّدِي الْفَقِيهِ الْأَبِيِّ ﵀
1 / 15
وَرَضِيَ عَنْهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَذَكَرَ أَنَّهُ أَوْرَدَ عَلَى الشَّيْخِ الْإِمَامِ ﵀ وَرَضِيَ عَنْهُ وَتَوَقَّفَ فِي قَبُولِهِ قَالَ تِلْمِيذُهُ: وَالْحَقُّ قَبُولُهُ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ وَالشُّرُوطُ لَا تُوجِبُ وَإِنَّمَا يُوجِبُ السَّبَبُ قَالَ وَتَصْحِيحُهُ أَنْ يُقَالَ تُصَحَّحُ لِمَوْصُوفِهَا وَظَهَرَ لِي أَنَّ السُّؤَالَ لَا يَرِدُ عَلَى حَدِّ شَيْخِ الْإِسْلَامِ وَعَلَمِ الْأَعْلَامِ صَيَّرَنَا اللَّهُ فِي بَرَكَاتِهِ بِحُرْمَةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَأَزْكَى السَّلَامِ وَبَيَانُ عَدَمِ إيرَادِهِ أَنْ نَقُولَ سَلَّمْنَا أَنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي الصَّلَاةِ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهَا شَرْطٌ فِي صِحَّتِهَا أَوْ فِي قَبُولِهَا أَوْ فِي إجْزَائِهَا عَلَى مَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي ذَلِكَ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ ﷺ «لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ» فَالطَّهَارَةُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِهَا قَبُولُ الصَّلَاةِ وَلَا هِيَ سَبَبٌ فِيهِ بِوَجْهٍ وَلَا عِلَّةٍ كَمَا ذُكِرَ وَهَذَا حَقٌّ وَإِمَّا أَنَّ الشَّرْطَ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا فِيمَا لَمْ يَكُنْ شَرْطًا فِيهِ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ بِوَجْهٍ لِأَنَّ السَّبَبِيَّةَ فِيهِ عَامَّةٌ فِي تَقَرُّرِ مَعْنَى وُجُودِهِ وَالشَّرْطِيَّةُ فِي مَعْنًى آخَرَ تَكُونُ شَرْطًا فِيهِ فَنَقُولُ إنَّ الطَّهَارَةَ شَرْطٌ فِي قَبُولِ الصَّلَاةِ أَوْ فِي أَجْزَائِهَا وَهَذَا لَمْ يَقُلْ فِيهِ الشَّيْخُ ﵁ إنَّ الشَّرْطَ أَوْجَبَ بِوَجْهٍ وَلَا أَلَمَّ بِهِ لَفْظُهُ وَالصِّفَةُ الْمُوجِبَةُ إنَّمَا أَوْجَبَتْ جَوَازَ طَلَبِ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّ الشَّرْطَ وَهُوَ الطَّهَارَةُ لَمَّا حَصَلَتْ جَازَ لِلْمُكَلَّفِ طَلَبُ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ كَمَا أَنَّهُ إذَا اتَّصَفَ بِالْحَدَثِ مَنَعَهُ الْحَدَثُ مِنْ جَوَازِ الطَّلَبِ لِمَا ذُكِرَ فَصَحَّ قَوْلُهُ ﵁ صِفَةٌ تُوجِبُ جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّرْطَ هُنَا صَارَ سَبَبًا فِي جَوَازِ أَنَّ الْمُكَلَّفَ يَطْلُبُ جَوَازَ الْقُدُومِ عَلَى الصَّلَاةِ فَجَوَازُ طَلَبِ الْإِبَاحَةِ مُسَبَّبٌ عَنْ الصِّفَةِ فَمَا كَانَتْ الصِّفَةُ لَهُ سَبَبًا لَمْ تَكُنْ فِيهِ شَرْطًا وَإِنَّمَا كَانَتْ شَرْطًا لِقَبُولِ الصَّلَاةِ فَقَوْلُ الشَّيْخِ سَيِّدِي الْفَقِيهِ الْأَبِيِّ الْحَقُّ قَبُولُ الْإِيرَادِ لَمْ يَظْهَرْ بَلْ الْحَقُّ عَدَمُ قَبُولِهِ ثُمَّ يَرُدُّ عَلَى قَوْلِهِ أَنَّهُ يُبَدِّلُ نُوجِبُ بِتَصَحُّحِ لِمَوْصُوفِهَا إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ يَصْدُقُ عَلَى الشَّرْطِ فَلَا يَرِدُ السُّؤَالُ وَقَصْدُ الشَّيْخِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِيمَا يَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ".
وَأَمَّا السُّؤَالُ الْخَامِسُ " فَجَوَابُهُ يُؤْخَذُ بِمَا قَرَّرْنَا بِهِ كَلَامَهُ ﵁ فَإِنَّا قَرَّرْنَا أَنَّهُ لَا بُدَّ مِمَّا ذُكِرَ فَرَاجِعْهُ فِي تَقْرِيرِ مَعْنَاهُ يَظْهَرُ لَك مِنْ لَفْظِهِ وَفَحْوَاهُ ".
وَأَمَّا السُّؤَالُ السَّادِسُ " فَهُوَ سُؤَالٌ مَطْرُوقٌ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ حُدُودِ الْمُتَكَلِّمِينَ وَغَيْرِهِمْ وَيَقُولُونَ التَّرْدِيدُ فِي الْحَدِّ يُنَافِي التَّحْدِيدَ وَهُوَ صَحِيحٌ كَمَا قَرَّرُوهُ عَقْلًا وَقَدْ أَوْرَدَ ذَلِكَ عَلَى حَدِّ النَّظَرِ فِي كَلَامِ صَاحِبِ الْإِرْشَادِ حَيْثُ قَالَ هُوَ الْفِكْرُ الَّذِي يُطْلَبُ بِهِ مَنْ قَامَ بِهِ عِلْمًا أَوْ غَلَبَةَ ظَنٍّ وَأَوْرَدَ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي
1 / 16
حَدِّ الْحُكْمِ فِي قَوْلِهِ بِالِاقْتِضَاءِ أَوْ التَّخْيِيرِ أَوْ الْوَضْعِ وَأَجَابَ الْمُحَقِّقُونَ بِأَنَّ التَّقْسِيمَ وَالتَّرْدِيدَ إنَّمَا هُوَ فِي مُتَعَلِّقِ الْحَدِّ لَا فِي الْحَدِّ نَفْسِهِ كَأَنَّهُ قَالَ النَّظَرُ يُطْلَبُ بِهِ مَطْلُوبًا مَا وَيَنْقَسِمُ الْمَطْلُوبُ إلَى قِسْمَيْنِ وَكَذَا يُقَالُ هُنَا إنَّ الصِّفَةَ الْحُكْمِيَّةَ أَوْجَبَتْ جَوَازَ اسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِالْإِطْلَاقِ إمَّا بِشَيْءٍ أَوْ فِي شَيْءٍ أَوْ لِشَيْءٍ وَهَذَا لَا إحَالَةَ فِيهِ فِي الْحَدِّ وَانْظُرْ كَلَامَ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ فِي حَدِّ الْقَذْفِ فَإِنَّهُ ذَكَرَ سُؤَالًا وَجَوَابًا يُنَاسِبُ مَا هُنَا مِنْ السُّؤَالِ وَتَأَمَّلْ جَوَابَهُ وَسَيَأْتِي مَا فِيهِ.
" وَأَمَّا السُّؤَالُ السَّابِعُ " فَمِثْلُهُ أَيْضًا أَوْرَدَ بَعْضُهُمْ عَلَى كَلَامِ ابْنِ الْحَاجِبِ فِي حَدِّهِ لِلْحُكْمِ وَأَنَّ الْحَقَائِقَ الْمُخْتَلِفَةَ لَا يَصِحُّ جَمْعُهَا فِي حَدٍّ وَاحِدٍ حَقِيقِيٍّ فَكَذَا يُقَالُ هُنَا لِأَنَّ طَهَارَةَ الْخَبَثِ وَالْحَدَثِ حَقِيقَتَانِ مُخْتَلِفَتَانِ كَخِطَابِ الْوَضْعِ وَخِطَابِ التَّكْلِيفِ وَأَجَابُوا أَيْضًا عَنْ ذَلِكَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ بَيْنَهَا هُوَ الَّذِي وَقَعَ الْجَمْعُ فِيهِ وَالتَّقْسِيمُ لِلْحَقَائِقِ فِي مُتَعَلِّقِهِ وَلِلْمُقْتَرِحِ فِي مِثْلِهِ كَلَامٌ حَسَنٌ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
" وَأَمَّا السُّؤَالُ الثَّامِنُ " فَقَدْ أَوْرَدَهُ الشَّيْخُ سَيِّدِي الْفَقِيهُ الْأَبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنْ قَالَ إنْ قَدَّرْنَا صِحَّةَ الصَّلَاةِ لِلذِّمِّيَّةِ بِتِلْكَ الطَّهَارَةِ بِشَرْطِ إسْلَامِهَا فَقَدْ صَحَّ إدْخَالُ هَذِهِ الطَّهَارَةِ فِي الْحَدِّ وَإِنْ لَمْ تَصِحَّ الصَّلَاةُ بِهَا عَلَى مَا ذُكِرَ فَالْمُرَادُ إخْرَاجُهَا هَذَا مَعْنَى مَا ذُكِرَ وَتَقْرِيرُ مَا فَهِمْتُهُ عَنْهُ أَنَّهُ أَرَادَ السَّبْرَ وَالتَّقْسِيمَ فِي ذَلِكَ فَإِنْ قُلْنَا بِصِحَّةِ الصَّلَاةِ بِشَرْطِ الْإِسْلَامِ فِي تِلْكَ الطَّهَارَةِ فَقَدْ صَدَقَ الْحَدُّ عَلَى طَهَارَةِ الْكِتَابِيَّةِ وَلَا تَخْرُجُ عَنْ الْحَدِّ وَإِنْ قُلْنَا بِأَنَّهُ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهَا عَلَى تَقْدِيرِ الْإِسْلَامِ فَالْمُرَادُ إخْرَاجُهَا لَا دُخُولُهَا فَلَا يَرِدُ مَا ذُكِرَ مِنْ عَدَمِ الْعَكْسِ وَإِذَا صُحِّحَ مَا مَهَّدْنَاهُ عَنْهُ فَنَقُولُ أَمَّا قَوْلُهُ أَوَّلًا فَقَدْ صَدَقَ الْحَدُّ سَلَّمْنَاهُ لِأَنَّ مَعْنَى إيجَابِ السَّبَبِ لِمُسَبِّبِهِ إنَّمَا يَكُونُ إذَا تَوَفَّرَتْ الشُّرُوطُ وَفُقِدَ الْمَانِعُ فَمَعْنَى قَوْلِ الشَّيْخِ صِفَةٌ تُوجِبُ جَوَازَ إلَخْ لَكِنْ مَعَ وُجُودِ شَرْطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَأَمَّا مَا أَشَارَ إلَيْهِ فِي أَنَّ الذِّمِّيَّةَ إذَا تَطَهَّرَتْ لِزَوْجِهَا وَأَسْلَمَتْ فَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهَا فَالْمُرَادُ إخْرَاجُهَا فَيُقَالُ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ إخْرَاجُهَا مِنْ الْحَدِّ لَكِنْ أَيُّ شَيْءٍ يُخْرِجُهَا وَقَدْ قَرَّرَنَا أَنَّ الْإِيجَابَ الْمَذْكُورَ فِي الذِّمِّيَّةِ مَوْقُوفٌ عَلَى شُرُوطِ صِحَّةِ الصَّلَاةِ وَفَقْدِ الْمَوَانِعِ كَمَا قَرَّرْنَا فِي الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى إذَا تَقَرَّرَ حُصُولُهَا مَعَ تَقَرُّرِ وُجُودِ مَانِعِ الصُّغْرَى فَإِطْلَاقُ حَدِّ الطَّهَارَةِ عَلَى الطَّهَارَةِ الْكُبْرَى يُوجِبُ إدْخَالَ طَهَارَةِ الذِّمِّيَّةِ الْمَذْكُورَةِ فَصَارَ الْحَدُّ عَلَى هَذَا غَيْرَ مُطَّرِدٍ وَغَايَةُ الْمُجِيبِ أَنَّهُ أَجَابَ
1 / 17
عَنْ عَدَمِ الِانْعِكَاسِ وَوَقَعَ فِي إيرَادِ عَدَمِ الِاطِّرَادِ وَتَقَدَّمَ لَنَا مَا بَحَثَ بِهِ فِي هَذَا الْكَلَامِ وَأَنَّهُ لَا يَصِحُّ إذَا تَأَمَّلَ ".
وَأَمَّا السُّؤَالُ التَّاسِعُ " فَوَقَعَ أَيْضًا فِي كَلَامِ الشَّيْخِ الْمَذْكُورِ قَبْلُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَأَوْرَدَهُ مَعَ مَا قَبْلَهُ وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ جَوَازَ إبَاحَةِ الصَّلَاةِ بِالثَّوْبِ أَعَمُّ مِنْ كَوْنِهِ يَكُونُ لَابِسًا لَهُ أَوْ بِهِ فَلَوْ صَلَّى بِمَاءٍ مُضَافٍ بِشَيْءٍ طَاهِرٍ لَجَازَ لِلْمُصَلِّي ذَلِكَ وَدَخَلَ فِي الْحَدِّ وَصَدَقَ الْحَدُّ عَلَى طَهَارَتِهِ هَذَا مَعْنَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ (فَإِنْ قُلْتَ) هَلْ يَصِحُّ الْجَوَابُ عَنْ هَذَا وَعَنْ طَهَارَةِ الذِّمِّيَّةِ لِزَوْجِهَا بِأَنَّهَا طَهَارَةٌ مُقَيَّدَةٌ وَلَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ وَالْحَدُّ الْمَذْكُورُ إنَّمَا هُوَ لِلطَّهَارَةِ الْمُطْلَقَةِ وَطَهَارَةُ الذِّمِّيَّةِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا طَهَارَةٌ بِالْإِطْلَاقِ وَلَا أَنَّهَا طَاهِرَةٌ بِالْإِطْلَاقِ بَلْ طَاهِرَةٌ لِزَوْجِهَا وَالْمُرَادُ حَدُّ الطَّهَارَةِ الشَّرْعِيَّةِ الْمُطْلَقَةِ وَهِيَ الْمَحْدُودَةُ هُنَا وَكَذَلِكَ الْمَاءُ الْمُضَافُ وَمَا شَابَهَهُ لِأَنَّهُ خَاصٌّ تَطْهِيرُهُ بِغَيْرِ الْعِبَادَاتِ بَلْ يَكُونُ فِي الْعَادَاتِ فَقَطْ (قُلْنَا) هَذَا لَا يُنَجِّي فِي الْجَوَابِ وَيَدُلُّ عَلَى الصَّوَابِ لِأَنَّ الشَّيْخَ الْحَادَّ ﵁ قَدْ اسْتَحْضَرَ قَرِيبًا مِنْ هَذَا فِي اعْتِرَاضِهِ عَلَى ابْنِ الْحَاجِبِ فِي حَدِّ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ قَوْلُهُ الْبَاقِي عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ مَاءَ الْوَرْدِ فَيَكُونُ حَدُّهُ غَيْرَ مَانِعٍ قَالَ ﵀ وَلَا يُجَابُ بِإِطْلَاقِ الْمُطْلَقِ.
لِأَنَّهُ الْمَحْدُودُ فَتَأَمَّلْهُ فَكَذَا يُقَالُ هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا السُّؤَالَ لَا يَرِدُ هَاهُنَا لِأَنَّ الْحَدَّ الْمَذْكُورَ إنَّمَا هُوَ لِمُطْلَقِ طَهَارَةٍ وَذَلِكَ صَادِقٌ عَلَى طَهَارَةِ الذِّمِّيَّةِ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا لِأَنَّهُ إذَا صَدَقَ الْمُقَيَّدُ صَدَقَ الْمُطْلَقُ فَقَوْلُ السَّائِلِ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهَا طَهَارَةٌ مُطْلَقَةٌ بَاطِلٌ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهَا مُطْلَقُ طَهَارَةٍ قَطْعًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِّ فَلَا إشْكَالَ " وَأَمَّا السُّؤَالُ الْعَاشِرُ " فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ التَّاسِعِ لِأَنَّ وُضُوءَ الْجُنُبِ كَطَهَارَةِ الذِّمِّيَّةِ لِزَوْجِهَا وَأَمَّا كُلُّ عُضْوٍ يَطْهُرُ بِانْفِرَادِهِ إذَا قِيلَ بِهِ فَالتَّحْقِيقُ مَا حَقَّقَهُ الشَّيْخُ بَعْدُ فِي إجْرَاءِ ذَلِكَ عَلَى مَا قِيلَ فِي الْخِيَارِ إذَا أَمْضَى وَبِهِ يَرُدُّ عَلَى ابْنِ الْعَرَبِيِّ فَرَاجِعْهُ وَفِي الْإِشَارَةِ مَا يُغْنِي اللَّبِيبَ عَنْ التَّطْوِيلِ بِالْعِبَارَةِ هَذَا مَا ظَهَرَ فِي كَلَامِ هَذَا السَّيِّدِ الْإِمَامِ وَمَا أُورِدَ عَلَيْهِ مِنْ السَّادَاتِ الْكِرَامِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَنْفَعُنَا بِهِ وَبِعِلْمِهِ وَيَمُنُّ عَلَيْنَا فِي الْفَهْمِ عَنْهُ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ لَا رَبَّ غَيْرُهُ وَلَا إلَهَ إلَّا هُوَ، وَبَعْدَ أَنْ قَرَّرْتُ كَلَامَ الشَّيْخِ ﵀ بِمَا قَرَّرْتُهُ بِهِ فِيمَا كَانَ الْفَهْمُ يَجْرِي عَلَيْهِ وَقَفْتُ عَلَى مَا رَأَيْته مِنْ كَلَامِ بَعْضِ الشُّيُوخِ فَلْنَذْكُرْهُ لِنُكْمِلَ بِهِ الْفَائِدَةَ فَمِمَّا رَأَيْته بِخَطِّ بَعْضِ الْمَشَايِخِ تَلَامِذَةِ الشَّيْخِ الْإِمَامِ ابْنِ عَرَفَةَ أَسْكَنَهُ اللَّهُ دَارَ السَّلَامِ أَنَّهُ قَالَ اخْتَلَفُوا
1 / 18
فِي تَقْرِيرِ الصِّفَةِ الْحُكْمِيَّةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ مَعْنَاهَا أَنَّ الشَّارِعَ حَكَمَ بِوُجُودِ مَا أُثِرَ فِعْلُهَا مِنْ صَاحِبِ حَدَثٍ أَوْ خَبَثٍ.
لِأَنَّ التَّطْهِيرَ أَوْجَبَ بِهِ الشَّارِعُ صِفَةَ الطَّهَارَةِ وَهَذَا لَا يَخْلُو مِنْ ضَعْفٍ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَعْنِي أَنَّهَا حُكْمِيَّةٌ أَيْ تَقْدِيرِيَّةٌ لَا وُجُودَ لِهَذَا ذِهْنًا وَلَا خَارِجًا لِأَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى أَمْرٍ سَلْبِيٍّ وَهُوَ انْتِفَاءُ الْحَدَثِ أَوْ الْخَبَثِ فَقَدَّرَ الشَّارِعُ وُجُودَ صِفَتِهَا وَإِنْ كَانَتْ سَلْبًا وَوَجَدْتُ لِلشَّيْخِ الْعَالِمِ الْإِمَامِ شَيْخِنَا أَبِي حَفْصٍ عُمَرَ ﵀ أَنَّهُ قَالَ الَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّهُ قَصَدَ إلَى مَا أَشَارَ إلَيْهِ الْقَرَافِيُّ فِي قَوَاعِدِهِ أَنَّهَا تَرْجِعُ إلَى أَحَدِ الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ لِأَنَّهَا مِنْ أَحْكَامِ الْوَضْعِ وَأَحْكَامُ الْوَضْعِ تَرْجِعُ إلَى الْأَحْكَامِ الْخَمْسَةِ فَالنَّجَاسَةُ تَرْجِعُ إلَى حُرْمَةِ مُلَابَسَةِ الْمُصَلِّي الصَّلَاةَ وَالطَّهَارَةُ تَرْجِعُ إلَى إبَاحَةِ مُلَابَسَةِ الصَّلَاةِ (قَالَ) وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا قُلْته وَأَنَّهُ قَصَدَهُ أَنَّهُ ذَكَرَ فِي مُخْتَصَرِهِ الْأُصُولِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ كَلَامَ الْقَرَافِيُّ وَهَذَا الْمَعْنَى قَدْ بَسَطْنَاهُ فِي مُخْتَصَرِنَا الْفِقْهِيِّ ثُمَّ قَالَ وَلَا يَخْلُو فِيهِ مِنْ بَحْثٍ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مَعْنَى قَوْلِهِ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ أَنَّهَا صِفَةٌ رَاجِعَةٌ إلَى الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ وَلَا يَخْلُو هَذَا مِنْ نَظَرٍ ذُكِرَ ﵀ اُنْظُرْ الْفَرْقَ التَّاسِعَ وَالْخَمْسِينَ وَمَا ذَكَرَهُ فِيهِ، وَوُجِدَ أَيْضًا عَنْ بَعْضِ الْمَشَايِخِ مِنْ تَلَامِذَتِهِ أَنَّ الرَّسْمَ غَيْرُ مُطَّرِدٍ لِصِدْقِهِ عَلَى سَتْر الْعَوْرَةِ وَعَلَى الْقِرَاءَةِ وَعَلَى إحْرَامِ الصَّلَاةِ وَهَذَا عِنْدِي لَا يُرَدُّ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّ الشَّيْخَ يُرَاعِي مَقُولَةَ الْمَحْدُودِ وَالْقِرَاءَةُ لَيْسَتْ صِفَةً وَإِنَّمَا هِيَ فِعْلٌ.
وَكَذَلِكَ سَتْرُ الْعَوْرَةِ وَمَا شَابَهَ ذَلِكَ وَكَانَ هَذَا التِّلْمِيذُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ قَصْدُ شَيْخِهِ فِي رُسُومِهِ وَأَنَّهُ إنَّمَا يَعْرِفُ مَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهُ شَرْعًا فِي مَعْنًى إمَّا مَصْدَرِيٌّ أَوْ اسْمِيٌّ أَوْ حُكْمِيٌّ وَالْقِرَاءَةُ وَمَا ذُكِرَ مَعَهَا غَلَبَ اسْتِعْمَالُهَا فِي أَمْرٍ فِعْلِيٍّ بِخِلَافِ الطَّهَارَةِ وَمَا شَابَهَهَا وَمِمَّا وَجَدْت أَيْضًا مُقَيَّدًا عَنْ بَعْضِ تَلَامِذَتِهِ أَنَّ قَوْلَهُ بِهِ الْبَاءُ فِيهِ إمَّا ظَرْفِيَّةٌ أَوْ سَبَبِيَّةٌ أَوْ لِلْمُصَاحَبَةِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَصِحُّ فَإِنْ كَانَتْ لِلظَّرْفِيَّةِ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ الْمَاءُ الْمَوْصُوفُ بِالطَّهَارَةِ وَإِنْ كَانَتْ لِلسَّبَبِيَّةِ خَرَجَ عَنْ ذَلِكَ الثَّوْبُ الطَّاهِرُ وَإِنْ كَانَتْ لِلْمُصَاحَبَةِ خَرَجَ الْمَاءُ أَيْضًا وَإِنْ أَرَادَ الْعُمُومَ فَيَلْزَمُ تَعْمِيمُ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ مَجَازٌ هَذَا سُؤَالُهُ وَقُلْت فِي الْجَوَابِ نَخْتَارُ الْعُمُومَ وَالْمَجَازَ فِي الرَّسْمِ لِقَرِينَةِ سَائِغٍ أَوْ نَقُولُ إنَّهَا لِلسَّبَبِيَّةِ وَلَا يَخْرُجُ الثَّوْبُ فِي طَهَارَتِهِ لِأَنَّ طَهَارَتَهُ سَبَبٌ فِي جَوَازِ الِاسْتِبَاحَةِ بِسَبَبِ وُجُودِ كَوْنِهِ طَاهِرًا وَكَذَلِكَ طَهَارَةُ الْمَاءِ فَتَأَمَّلْهُ. وَوَجَدْت لِبَعْضِ الْمَشَايِخِ سُؤَالًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّ
1 / 19
قَوْلَهُ ﵀ تُوجِبُ فَذَكَرَ الْمُوجِبَ وَصَيَّرَ مُوَجِّهَ جَوَازِ الِاسْتِبَاحَةِ وَذَلِكَ مُتَنَافٍ لِأَنَّ الْإِيجَابَ يُنَافِي الْجَوَازَ وَالْجَوَازَ يُنَافِي الْإِيجَابَ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُوجِبًا لِلْآخَرِ وَهَذَا كَلَامٌ ضَعِيفٌ وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنْ لَا يُورَدَ مِثْلُهُ عَلَى كَلَامِ هَذَا الْإِمَامِ لِأَنَّ مَعْنَى الْإِيجَابِ فِي كَلَامِهِ هُنَا أَنَّهُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ صُيِّرَتْ سَبَبًا فِي جَوَازِ الْقُدُومِ كَمَا يُقَالُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ سَبَبٌ فِي جَوَازِ الِانْتِشَارِ وَلَيْسَ فِيهِ إحَالَةٌ وَالسَّبَبُ وَإِنْ أَوْجَبَ فَلُزُومُ الْجَوَازِ لِلسَّبَبِ هُوَ الْمُسَبَّبُ وَذَلِكَ لَازِمٌ.
وَلَيْسَ فِيهِ تَنَافٍ بِوَجْهٍ وَلَا حَالٍ وَوَجَدْتُ أَيْضًا بِخَطِّ بَعْضِهِمْ أَنَّ فِي لَفْظِ الشَّيْخِ إضَافَةَ الشَّيْءِ إلَى نَفْسِهِ وَهُوَ الْجَوَازُ وَالِاسْتِبَاحَةُ وَأَحَدُهُمَا يُغْنِي عَنْ صَاحِبِهِ وَذِكْرُ مِثْلِ ذَلِكَ فِي الْحُدُودِ لَا يَصِحُّ وَتَقَدَّمَ لَنَا قَبْلَ هَذَا مَا يَنْفِي هَذَا وَيَرُدُّهُ وَبَيَّنَّا مَا يُمْكِنُ إصْلَاحُهُ بِهِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَنْفَعُنَا بِهِ وَبِعِلْمِهِ وَمِمَّا وَجَدْته مَا أَوْرَدُوهُ عَلَى عَدَمِ الِانْعِكَاسِ فَذَكَرُوا مَسَائِلَ مِثْلَ مَا قَدَّمْنَا مِنْ طَهَارَةِ الْحَائِضِ لِلْقِرَاءَةِ وَالذِّمَّةِ لِلْحَيْضِ لِزَوْجِهَا الْمُسْلِمِ وَالْوُضُوءِ لِلتِّلَاوَةِ وَغُسْلِ الْمَيِّتِ وَكُلُّ ذَلِكَ لَا يَصْدُقُ فِيهِ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ لِمَوْصُوفِ الطَّهَارَةِ وَهِيَ طَهَارَةٌ فَالْمَحْدُودُ مَوْجُودٌ وَالْحَدُّ فِيهِ مَفْقُودٌ ثُمَّ أَوْرَدَ بَعْضُهُمْ سُؤَالًا بِأَنْ قَالَ إنَّ الْحَدَّ صَادِقٌ إذَا كَانَتْ اللَّامُ لِلتَّعْلِيلِ فِي قَوْلِهِ لَهُ فَأَجَابَ بِأَنَّهَا لِشِبْهِ الْمِلْكِ أَوْ الِاسْتِحْقَاقِ وَإِلَّا فَلَا يَتَنَاوَلُ الْمُصَلِّي وَأَقْرَبُ مَا يُقَرَّرُ بِهِ هَذَا عَلَى ضَعْفِهِ أَنَّ اللَّامَ إذَا كَانَتْ لِلتَّعْلِيلِ فَيَكُونُ مَنْ جَازَ لَهُ اسْتِبَاحَةُ الصَّلَاةِ بِالصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ غَيْرَ الْمَوْصُوفِ بِهَا وَذَلِكَ صَادِقٌ فِي الذِّمِّيَّةِ فَلَا تَخْرُجُ مِنْ الرَّسْمِ لِصِدْقِهِ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ مَا شَابَهَهَا وَفِيهِ مَا لَا يَخْفَى وَجَوَابُهُ الْمَذْكُورُ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّامَ لَيْسَتْ لِلتَّعْلِيلِ بَلْ لِشِبْهِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ وَكَانَتْ لِلتَّعْلِيلِ لَمَا دَخَلَتْ طَهَارَةُ الْمُصَلِّي لِأَنَّ الَّذِي اُسْتُبِيحَتْ الصَّلَاةُ لَهُ إنَّمَا هُوَ لِأَجْلِ الْمَوْصُوفِ وَهُوَ الْمُصَلِّي لَا الْمَوْصُوفُ بِالطَّهَارَةِ وَهُوَ الْمُصَلِّي وَهَذَا كُلُّهُ كَلَامٌ لَائِحٌ عَلَيْهِ الضَّعْفُ وَذَكَرَ سُؤَالًا عَلَى ذَلِكَ وَجَوَابًا لَا نُطِيلُ بِهِ وَذَكَرَ اعْتِرَاضَاتِ ضَعِيفَةً.
(فَإِنْ قُلْت) وُجِدَ بِخَطِّ الشَّيْخِ ﵁ عَلَى رَسْمِ النَّجَاسَةِ وَلَا يُنْقَضُ بِالْحَرِيرِ لِأَنَّ صِفَتَهُ إنَّمَا هِيَ مَانِعَةُ لُبْسِهِ لِلذَّكَرِ وَلِذَلِكَ صَحَّتْ الصَّلَاةُ بِهِ لِلنِّسَاءِ فَهَذَا الْكَلَامُ يَقْتَضِي أَنَّ الشَّيْخَ ﵀ رَأَى أَنَّ لُبْسَ الْحَرِيرِ وَسِتْرَ الْعَوْرَةِ وَالْقِرَاءَةَ وَغَيْرَ ذَلِكَ صِفَاتٌ حُكْمِيَّةٌ وَلِذَا سَلَّمَ إيرَادُهَا وَأَجَابَ بِمَا رَأَيْته فَلَا يَصِحُّ الْجَوَابُ أَوْ لَا بِمَا ذَكَرْنَاهُ (قُلْت) وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى
1 / 20
مَا ذُكِرَ بِوَجْهٍ بَلْ الصِّفَةُ الْمَذْكُورَةُ غَيْرُ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ وَقَدْ وُجِدَ مَكْتُوبًا بِخَطِّ بَعْضِ الْمَشَايِخِ أَنْ قَالَ مَا ذَكَرَهُ الشَّيْخُ لَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ وَلَا يَرِدُ لُبْسُ الْحَرِيرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ صِفَةً حُكْمِيَّةً تُوجِبُ الْمَنْعَ الْمَذْكُورَ لِأَنَّ كَوْنَهُ حَرِيرًا صِفَةٌ وُجُودِيَّةٌ خَارِجِيَّةٌ لَا حُكْمِيَّةٌ بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ لِأَنَّهَا صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَهُوَ كَلَامٌ فِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى وَهُوَ الصِّفَةُ الْحُكْمِيَّةُ الشَّيْخُ مَسْبُوقٌ بِهِ قَالَ الشَّيْخُ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْحَدَثُ يُطْلَقُ عَلَى ثَلَاثِ مَعَانٍ الْأَوَّلُ الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ الثَّانِي الْخُرُوجُ الثَّالِثُ الْمَنْعُ النَّاشِئُ عَنْ الْخُرُوجِ ثُمَّ اُسْتُشْكِلَ عَدَمُ رَفْعِ الْحَدَثِ فِي التَّيَمُّمِ ثُمَّ قَالَ بَقِيَ مَعْنًى رَابِعٌ يَدَّعِيهِ كَثِيرٌ مِنْ الْفُقَهَاءِ وَهُوَ أَنَّ الْحَدَثَ وَصْفٌ حُكْمِيٌّ يُقَدَّرُ قَائِمًا بِالْأَعْضَاءِ عَلَى مُقْتَضَى الْأَوْصَافِ الْحِسِّيَّةِ وَيُنَزِّلُونَ ذَلِكَ مَنْزِلَةَ الْحِسِّ فِي قِيَامِهِ بِالْأَعْضَاءِ فَمَنْ يَقُولُ إنَّهُ يَرْفَعُ الْحَدَثَ كَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ يَقُولُ يُزِيلُ ذَلِكَ الْأَمْرُ الْحُكْمِيُّ فَيَزُولُ الْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ الْأَمْرِ الْمُقَدَّرِ الْحُكْمِيِّ وَمَنْ يَقُولُ اللَّهُ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ فَذَلِكَ الْمَعْنَى الْمُقَدَّرُ الْقَائِمُ بِالْأَعْضَاءِ بَاقٍ حُكْمًا وَلَمْ يَزُلْ وَالْمَنْعُ الْمُرَتَّبُ عَلَيْهِ زَائِلٌ.
فَبِهَذَا الِاعْتِبَارِ يَقُولُ إنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَزُلْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْحُكْمِيُّ الْمُقَدَّرُ وَإِنْ كَانَ الْمَنْعُ زَائِلًا (وَالْحَاصِلُ) أَنَّهُمْ أَبْدَوْا لِلْحَدَثِ مَعْنًى رَابِعًا غَيْرَ مَا ذَكَرْنَا وَهُمْ مُطَالَبُونَ بِدَلِيلٍ شَرْعِيٍّ عَلَى إثْبَاتِهِ فَهَذَا الْكَلَامُ هُوَ الَّذِي أَشَرْنَا إلَيْهِ أَوَّلًا وَأَنَّهُ يُنَاسِبُ مَا أَشَارَ إلَيْهِ الشَّيْخُ الْإِمَامُ فِي رَسْمِهِ فِي الصِّفَةِ الْحُكْمِيَّةِ لِلطَّهَارَةِ فَالْحَدَثُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَالطَّهَارَةُ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ فَهُمَا صِنْفَانِ تَحْتَ نَوْعٍ أَوْ نَوْعَانِ تَحْتَ جِنْسٍ وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَرَّرْنَاهُ وَأَوْضَحْنَا بِهِ رَسْمَهُ مُخَالِفًا لِمَا قَرَّرَهُ بِهِ شَيْخُنَا الْإِمَامُ أَبُو حَفْصٍ عُمَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - وَظَاهِرُ كَلَامِ الشَّيْخِ ابْنِ دَقِيقِ الْعِيدِ أَنَّ ذَلِكَ دَعْوَى لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَلَنَا أَنْ نَقُولَ إنَّ إطْلَاقَ الْفُقَهَاءِ عَلَى ذَلِكَ صِفَةٌ حُكْمِيَّةٌ لَمْ يَكُنْ إلَّا عَنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ وَفَهِمُوا الشَّرِيعَةَ عَلَيْهِ فَلَا مَانِعَ مِنْهُ وَلَا يَخُصُّ ذَلِكَ بِالطَّهَارَةِ وَلَا الْحَدَثِ بَلْ كُلُّ مَا تُعْقَلُ فِيهِ مَا تُعْقَلُ فِيهِمَا وَاصْطَلَحُوا بِإِطْلَاقِ الصِّفَةِ عَلَيْهِ صَحَّ فِيهِ ذَلِكَ كَالطَّلَاقِ وَالْإِحْرَامِ وَيَأْتِي الْبَحْثُ فِيهِ فِي بَعْضِ الْمَحْدُودَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى (فَإِنْ قُلْتَ) قَدْ قَالَ الشَّيْخُ ﵀ فِي رَسْمِ الْحَدَثِ لَمَّا عَرَّفَ النَّجَاسَةَ وَالْحَدَثَ سَيَأْتِي فَعَلَى أَيِّ شَيْءٍ أَحَالَ مِنْ الْمَوَاضِعِ (قُلْتَ) كَأَنْ يَظْهَرُ لِي فِي الْقَدِيمِ وَرَأَيْتُهُ مُقَيَّدًا أَنَّهُ أَشَارَ إلَى مَا وَقَعَ لَهُ فِي النِّيَّةِ فِي الْوُضُوءِ
1 / 21