Sharh Hisn al-Muslim
شرح حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة
Publisher
مطبعة سفير
Publisher Location
الرياض
Genres
سلسلة مؤلفات سعيد بن علي بن وهف القحطاني
شرح حصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة
شرحه
مجدي بن عبد الوهاب أحمد
صححه وعلق عليه مؤلف حصن المسلم
Unknown page
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة المصحح مؤلف الأصل
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:
فهذا شرح مختصر لحصن المسلم من أذكار الكتاب والسنة، شرحه الأخ في الله، مجدي بن عبد الوهاب الأحمد من بلاد الشام، من الأردن، وقد بذل فيه جهدًا جيدًا جزاه الله خيرًا، إلا أن العصمة لمن عصم الله تعالى، وقد طبعه ونشره عن طريق المكتبة الإسلامية بالأردن - عمان - ومؤسسة الريان للطباعة والنشر والتوزيع، ببيروت- لبنان - وبعد أن بلغني أن الكتاب قد طُبِعَ اتصلت بصاحب المكتبة الإسلامية، وبمؤسسة الريان وطلبت منهما إرسال نسخة من الكتاب إليَّ، ثم قرأت الكتاب بعد أن أُرسل لي فوجدت ملاحظات وأخطاء لا بد من بيانها وإصلاحها، وهي على النحو الآتي:
١ - أخطاء نقلها الشارح في تأويل بعض صفات الله تعالى في مواضع من الكتاب (١)، فبينت مذهب أهل السنة فيها وعلقت عليها في
_________
(١) ومن أمثلة ذلك: ما نقله في تفسير لقاء الله تعالى في الصفحة (٦٧)، من الطبعة الأولى عنده، وهو في هذه الطبعة في (ص ٩٧)، وتفسيره لرحمة الله تعالى بالإحسان في (ص ٨٢)، وفي هذه الطبعة في (ص ١٢٠) و(ص٢٤٥)، وهو في هذه الطبعة في (ص ٣٤٩)، وقصوره في بيان علو الله تعالى في (ص ١٠٣)، وفي هذه الطبعة (ص ١٥١)، وغضب الله تعالى في (ص١٣٦)، وهو في هذه الطبعة في (ص ٢٠٠)، وقصوره في تعريف الشرك الأكبر والأصغر في (ص٢٠٢)، وفي هذه الطبعة في (ص ٢٨٩)، وقصوره في بيان معنى لا إله إلا الله في (ص ٢٠٤)، وهو في هذه الطبعة في (ص ٢٩٢)، فقد ذكر معنى الربوبية ولم يذكر المعنى الأعظم وهو معنى الألوهية (لا معبود بحق إلا الله)، وهذا من باب الأمثلة، وإلا فهناك غيرها، وقد بينت الحق في هذه المواضع وغيرها، مما سيراه القارئ، ولله الحمد والمنة.
1 / 3
متن الكتاب.
٢ - أخطاء ذكرها الشارح في بعض المسائل الفقهية، فقد ذكر بعض الأقوال المرجوحة، أو الضعيفة، ورجح بنفسه بعض الترجيحات، فذكرت القول الذي أراه صوابًا موافقًا للأدلة (١).
٣ - حذف مقدمة حصن المسلم التي بينت فيها منهجي، فأثبُّتها.
٤ - حذف الأرقام الفرعية تحت العناوين فأثبتها.
_________
(١) كقوله: بأن المأموم يجمع بين التسميع والتحميد، في (ص ٧٢)، وفي هذه الطبعة (ص ١٠٤)، وقوله: بأن في القرآن أربع عشرة سجدة فقط في (ص ٧٩)، وفي هذه الطبعة في (ص ١١٤)، وقوله: باشتراط شروط الصلاة لسجود التلاوة في (ص٨٠)، وفي هذه الطبعة في (ص ١١٦)، وقوله: بأن سجود التلاوة لا يفعل في أوقات النهي في (ص ٨٠)، وفي هذه الطبعة في (ص ١١٦)، وترجيحه لاشتراط شروط الصلاة في سجود الشكر (ص ٢٣٢)، وهو في هذه الطبعة في (ص ٣٣٢)، وقوله: بأن وجه المرأة وكفيها ليسا بعورة والأفضل تغطيتهما في (ص ١١٥)، وهو في هذه الطبعة (ص ١٦٩)، وهذا غلط منه، وأخطأ في مسألة رد السلام على الكفار (ص ٢١٩)، وفي هذه الطبعة في (ص ٣١٣)، وترك ظاهر الحديث «وعليكم» وغير ذلك، فأوضحت الحق بدليله ولله الحمد في هذه المواضع كلها.
ويرجى ممن عنده طبعة الشارح أن يصححها ويعدلها على هذه الطبعة، وخاصة الأمور الاعتقادية والفقهية.
1 / 4
٥ - أضفت شرح بعض الكلمات وصححت بعض الأوهام والسقط في بعض الآيات والأحاديث والكلمات والجمل، والهوامش.
٦ - أضفت بعض الفوائد في الشرح.
٧ - الأخطاء المطبعية الكثيرة في الكتاب، فصححت ما ظهر لي منها.
وقد جعلت كلامي بين معقوفين، سواء كان ذلك في المتن أو الحاشية، أو العناوين، وقلت في أول كل تصحيح لي: [قال المصحح ...] وفي الهامش رمزت لما أضفته في الحاشية بقولي: (المصحح)، وبعد إصلاح هذه الأخطاء فقد أصبح الكتاب مفيدًا جدًا ولله الحمد؛ لأن الشارح بذل فيه جهدًا طيبًا مباركًا جزاه الله خيرًا.
والله أسألُ أن يجعل هذا العمل خالصًا لوجهه الكريم، وأن ينفعني به في حياتي وبعد مماتي، وأن ينفع به الشارح، ومن انتهى إليه؛ فإنه خير مسؤول، وأكرم مأمول، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
المصحح مؤلف الأصل
سعيد بن علي بن وهف القحطاني
حرر عشية الأربعاء الموافق
١٥/ ١١/١٤٢٦هـ
1 / 5
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
[مقدمة الشارح]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله. ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ (١).
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (٢).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) (٣).
أما بعد؛ فإن أصدق الحديث كتاب الله - تعالى - وخير الهدي هديُ محمد ﷺ، وشرَّ الأمور محدثاتها، وكلّ محدثة بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة في النار.
وبعد: قال رسول الله ﷺ: «إن الله - تعالى - أمر يحيى بن زكريا -
_________
(١) سورة آل عمران، الآية: ١٠٢.
(٢) سورة النساء، الآية: ١.
(٣) سورة الأحزاب، الآيتان: ٧٠، ٧١.
1 / 6
﵊ بخمس كلمات أن يعمل بها، ويأمر بني إسرائيل أن يعملوا بها ... - وذكر منها -: «وآمركم أن تذكروا الله - تعالى -؛ فإن مثل ذلك كمثل رجل خرج العدو في أثره سِرَاعًا، حتى إذا أتى على حصنٍ حصينٍ فأحرز نفسه منهم، كذلك العبد لا يحرز نفسه من الشيطان إلا بذكر الله - تعالى - ...» (١).
«فلو لم يكن في الذكر إلا هذه الخصلة الواحدة؛ لكان حقيقًا بالعبد ألا يفتر لسانه من ذكر الله - تعالى - وألاّ يزال لهجًا بذكره؛ فإنه لا يحرز نفسه من عدوه إلا بالذكر، ولا يدخل عليه العدو إلا من باب الغفلة، فهو يرصده؛ فإذا غفل وثب عليه وافترسه» (٢).
وقال مطرف بن عبد الله - رحمه الله تعالى -: «نظرت في هذا الأمر من أين هو؟ فإذا هو من عند الله - سبحانه -، ثم نظرت على مَن تَمامه، فإذا هو على الله - تعالى - ثم نظرت ما مَلاَكه؟! فإذا هو الدعاء، ثم نظرت في ابن آدم فإذا هو ملقى بين ربه وبين الشيطان فإذا أراد الله - تعالى - به خيرًا اجتره إليه بعصمته، وإلا خلّى بينه وبين الشيطان».
إذن ذكر ودعاء الله ﷾ هو حصن المسلم، وحياة قلبه، وقوت بدنه، وسعادة روحه، هو منجاته من كل شر وسوء ...
وإن من أشمل وأسهل وأصح، ما يرشد إلى ذكر الله - تعالى - ويعين
_________
(١) رواه أحمد (٤/ ٢٠٢)، والترمذي برقم (٢٨٧٢).
(٢) انظر: «الوابل الصيب» لابن القيم ﵀ (ص ٥٠).
1 / 7
على دعائه سبحانه، هو كتاب «حصن المسلم» للشيخ الفاضل سعيد بن علي بن وهف القحطاني - حفظه الله تعالى -.
ولقد لاقى هذا الكتاب - على صغر حجمه - قَبولًا واسعًا كبيرًا ...؛ فلا تكاد تجد بيتًا إلا وفيه هذا الكتاب، بل لا تكادَ تجد مسلمًا ليست له نسخة منه خاصة به ...
بل ومن شدة إقبال الناس عليه؛ تُرجم إلى عدة لغات عالمية ...
حقًّا إن مثل هذا الكتاب يجب أن يُعتنى به، ويُخدم خدمة علمية.
ولقد سُئِلْتُ أن أضع عليه شرحًا يعين على فهمه، ويرشد إلى معرفة معانيه ... فوجد هذا السؤال في قلبي مكانًا رَحبًا ...، فسارعت مستعينًا بالله العظيم الكريم إلى الإجابة، مستفيدًا في ذلك من شروح الكتب الستة وغيرها من شروح كتب السنة، وأيضًا من شرحي على كتاب «الكلم الطيب» (١) لشيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -.
ولم أعزُ ذلك - على الغالب - لكثرة الاستفادة منها، وخشية إثقال الحواشي، وأيضًا لما فعلته من تصرف في بعض ألفاظها أحيانًا.
ولقد أبقيت كتاب «حصن المسلم» على ما هو عليه، وأبقيت التخريجات والتعليقات التي في الحاشية كما هي، إلا أن المصنف - حفظه الله - لم يذكر أرقام الأحاديث في تخريجه في الغالب؛ فرأيت أن أضع بين معقوفتين عزو
_________
(١) سيطبع قريبًا - إن شاءالله - بـ (مكتبة المعارف) في الرياض.
1 / 8
الحديث إلى رقمه، وأن أنقل بعض التعليقات إلى المتن أو الشرح.
وأيضًا لقد كانت مني تخريجات للأحاديث التي وردت في الشرح؛ فرأيت تمييز الحواشي؛ فرمزت إلى تخريجاته وتعليقاته بـ (ق)، وإلى تخريجاتي وتعليقاتي بـ (م).
ولقد حاولت جاهدًا أن أجعل شرحي هذا سهلًا واضحًا، خاليًا من التعقيدات ... (١)، وأرجو أن أكون قد وُفِّقتُ إلى السداد والصواب، وجُنِّبْتُ الخطأ والزلل والخلل.
والله العظيم أرجو أن يجزي المصنف خير الجزاء، وأن يرزقني وإياه والمسلمين جميعًا الإخلاص في القول والعمل، ويهدينا سواء السبيل، ويقينا شر أنفسنا، ويحفظنا من كيد الشيطان وشره، ويجعلنا من الذاكرين له سبحانه [كثيرًا]، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
كتبه
مجدي بن عبد الوهاب الأحمد/ أبو مسلم
- غفر الله له، وعفا عنه -
ليلة الخميس ٢٧ صفر ١٤٢٦هـ.
الموافق ٦ نيسان ٢٠٠٥م
في بلاد الشام - الأردن - الزرقاء
الرمز البريدي: (١٣١١١)، ص. ب: (٥٨٢٧)
_________
(١) ومما يجب التنبيه عليه؛ أن الأدعية والأذكار يوجد بينها اشتراك في الألفاظ، وتكرار؛ فرأيت الاقتصار على شرح اللفظ مرة واحدة دون تكرار ذلك إلا نادرًا، والله الموفق.
1 / 9
مسائل تتعلق بالذكر والدعاء
[أولًا فوائد الذكر]
وأستهلها بالفوائد التي ذكرها العلامة الإمام ابن القيم ﵀ في كتابه «الوابل الصيب» (١).
الأولى: أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره.
الثانية: أنه يُرْضِي الرحمن ﷿.
الثالثة: أنه يزيل الهم والغم عن القلب، وأنه يجلب للقلب الفرح والسرور والنشاط.
الرابعة: أنه يقوي القلب والبدن.
الخامسة: أنه ينور الوجه والقلب.
السادسة: أنه يجلب الرزق.
السابعة: أنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة.
الثامنة: أنه يورث المحبة التي هي روح الإسلام، وقطب رحى الدين، ومدار السعادة والنجاة.
التاسعة: أنه يورث المراقبة حتى يدخل في باب الإحسان، فيعبد الله كأنه يراه، ولا سبيل للغافل عن الذكر إلى مقام الإحسان.
العاشرة: أنه يورث الإنابة والرجوع إلى الله - تعالى -.
_________
(١) بتصرف.
1 / 10
الحادية عشرة: أنه يورث القرب من الله - تعالى -، فعلى قدر ذكر الله - تعالى - يكون القرب منه، وعلى قدر غفلته يكون بعده عنه.
الثانية عشرة: أنه يفتح له بابًا عظيمًا من أبواب المعرفة، وكلما أكثر من الذكر ازداد من المعرفة.
الثالثة عشرة: أنه يورث الهيبة لربه وإجلاله، لشدة استيلائه على قلبه، وحضوره مع الله - تعالى - بخلاف الغافل، فإن حجاب الهيبة دقيق في قلبه.
الرابعة عشرة: أنه يورثه ذكر الله - تعالى - قال الله - تعالى-: ﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ﴾ ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى به فضلًا وشرفًا.
الخامسة عشرة: أنه يورث حياة القلب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: «الذكر للقلب مثل الماء للسمكة، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء؟!!».
السادسة عشرة: أنه قوت القلب والروح.
السابعة عشرة: أنه يورث جلاء القلب من صداه.
ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، وجلاؤه بالذكر؛ فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء، فإذا ترك الذكر صدأ، فإذا ذكر جلاه.
وصدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب، وجلاؤه بشيئين: بالاستغفار والذكر.
1 / 11
فمن كانت الغفلة أغلب أوقاته كان الصدأ متراكبًا على قلبه، وصداه بحسب غفلته، وإذا صدأ القلب لم ينطبع فيه صور المعلومات على ما هي فيه، فيرى الباطل في صورة الحق، والحق في صورة الباطل؛ لأنه لما تراكم عليه الصدأ أظلم، فلم تظهر فيه صور الحقائق كما هي عليه، فإذا تراكم عليه الصدأ واسود، وركبه الرَّان؛ فسد تصوره وإدراكه، فلا يقبل حقًا، ولا ينكر باطلًا، وهذا أعظم عقوبات القلب.
الثامنة عشرة: أنه يحط الخطايا، ويذهبها؛ فإنه من أعظم الحسنات؛ والحسنات يذهبن السيئات.
التاسعة عشرة: أنه يزيل الوحشة بين العبد وبين ربه؛ فإن الغافل بينه وبين الله - تعالى - وحشة، لا تزول إلا بالذكر.
العشرون: أن ما يذكر به العبد ربه من جلاله وتسبيحه وتحميده، تذكر لصاحبه عند الشدة.
الحادية والعشرون: أن العبد إذا تقرب إلى الله - تعالى - بذكره في الرخاء، عرفه في الشدة.
الثانية والعشرون: أنه منجاة من عذاب الله - تعالى -.
الثالثة والعشرون: أنه سبب تنزل السكينة، وغشيان الرحمة، وحفوف الملائكة بالذكر، كما أخبر النبي ﷺ (١).
_________
(١) وهو قوله ﷺ: «لا يقعد قوم يذكرون الله - تعالى - إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده» رواه مسلم برقم (٢٧٠٠). (م).
1 / 12
الرابعة والعشرون: أنه سبب انشغال اللسان عن الغيبة، والنميمة، والكذب، والفحش، والباطل.
الخامسة والعشرون: مجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة مجالس الشيطان.
السادسة والعشرون: أنه يسعد الذاكر بذكره، ويسعد به جليسه، وهذا هو المبارك أينما كان، والغافل يشقى بلغوه وغفلته، ويشقى به مُجالسه.
السابعة والعشرون: أنه يؤمِّن العبد من الحسرة يوم القيامة، وإن كل مجلس لا يذكر العبد فيه ربه - تعالى - كان عليه حسرة وترة يوم
القيامة.
الثامنة والعشرون: أنه مع البكاء في الخلوة سبب لإظلال الله - تعالى - العبد يوم الحشر الأكبر في ظل عرشه، والناس في حر الشمس؛ قد صهرتهم في الموقف، وهذا الذاكر مستظل بظل عرش الرحمن ﷿.
التاسعة والعشرون: أن الاشتغال به سبب إعطاء الله - تعالى - الذاكر أفضل ما يعطي السائلين.
الثلاثون: أنه أيسر العبادات، وهو من أحلاها وأفضلها؛ فإن حركة اللسان أخف حركات الجوارح وأيسرها، ولو تحرك عضو من أعضاء الإنسان في اليوم والليلة مقدار حركة اللسان، لشق عليه غاية المشقة بل لا يمكن ذلك.
1 / 13
الحادية والثلاثون: أنه غرس الجنة؛ قال ﷺ: «من قال سبحان الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة» (١).
الثانية والثلاثون: أن العطاء والفضل الذي رتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال.
الثالثة والثلاثون: أن دوام ذكر الله - تعالى - يوجب الأمان من لسانه، الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده، فإن نسيان الرب، يوجب نسيان نفسه ومصالحها، كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (٢).
الرابعة والثلاثون: أن الذكر يُسيِّر العبد وهو على فراشه، وفي سوقه، وفي حال صحته وسقمه، وفي حال نعيمه ولذته، ومعاشه، وقيامه، وقعوده، واضطجاعه، وسفره، وإقامته، فليس في الأوقات شيء يعم الأوقات والأحوال مثله.
الخامسة والثلاثون: أن الذكر نور للذاكر في الدنيا، ونور له في قبره، ونور له في معاده، يسعى بين يديه على الصراط؛ ولأجل ذلك كان ﷺ يبالغ في سؤاله ربه في النور، حتى سأله أن يجعله في لحمه وعظامه، وعصبه وشعره، وسمعه وبصره، ومن فوقه ومن تحته، وعن يمينه وعن شماله،
_________
(١) رواه الترمذي برقم (٣٤٦٤)، وصححه الألباني، انظر: صحيح الترمذي. (م).
(٢) سورة الحشر، الآية: ١٩.
1 / 14
وخلفه وأمامه، حتى يقول: «واجعلني نورًا» فسأل ربه أن يجعل النور في ذاته الظاهرة والباطنة، وأن يجعله محيطًا به من جهاته، فدين الله نور، وكتابه نور، ورسوله نور، وداره التي أعدها لأوليائه نور يتلألأ، والله - تعالى - نور السموات والأرض، ومن أسمائه «النور» ﷾.
السادسة والثلاثون: أن الذكر رأس الأصول، وطريق عامة الطائفة، ومنشود الولاية، فمن فُتح له فيه فقد فَتح باب الدخول على الله ﷿ فليتطهر وليدخل على ربه، يجد عنده كل ما يريد، فإن وجد ربه - تعالى - يجد كل شيء، وإن فاته ربه - تعالى - فاته كل شيء.
السابعة والثلاثون: أن الذكر يجمع المُفرَّق، ويفُرِّق المجتمع، ويُقرب البعيد، ويُبعد القريب؛ فيجمع ما تفرَّق على العبد من قلبه وإرادته، ويُفرِّق ما اجتمع عليه من الهموم والغموم، والأحزان والحسرات، ويفرق أيضًا ما اجتمع عنده من جند الشيطان؛ فإن إبليس - عليه اللعنة - لا يزال يبعث له سرية بعد سرية، والذكر يُقرِّب الآخرة ويُعظِّمها في قلبه، ويُصَغِّر الدنيا في عينيه، ويُبعدها عن قلبه ولسانه.
الثامنة والثلاثون: أن الذِّكر يُنَبِّهُ القلب من نومه، ويوقظه من سِنته والقلب إذا كان نائمًا فاتته الأرباح والمتاجر، وكان الغالب عليه الخسران.
التاسعة والثلاثون: أن الذكر شجرة تثمر المعارف.
الأربعون: أن الذاكر قريب من مذكوره، ومذكوره معه، وهذه المعية معية الولاية والمحبة، والنصرة والتوفيق، لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ
1 / 15
اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ﴾ (١)، ﴿وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمحْسِنِينَ﴾ (٢)،
﴿لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا﴾ (٣) وللذاكر من هذه المعية نصيب وافر، كما في الحديث القدسي: «أنا مع عبدي ما ذكرني، وتحركت بي شفتاه» (٤).
الحادية والأربعون: أن الذكر يعدل الضرب بالسيف في سبيل الله - تعالى - بعد نفقة الأموال، والحمل على الخيل في سبيل الله - تعالى -.
الثانية والأربعون: أن الذكر رأس الشكر؛ فما شكر الله - تعالى - من لم يذكره.
الثالثة والأربعون: أن أكرم الخلق على الله - تعالى - من المؤمنين من لا يزال لسانه رطبًا من ذكره؛ فإنه أبقاه في أمره ونهيه، وجعل ذكره شعاره، والتقوى أوجبت له دخول الجنة، والنجاة من النار.
الرابعة والأربعون: أن في القلب قسوة لا يذهبها إلا ذكر الله - تعالى - قال رجل للحسن البصري ﵀: يا أبا سعيد، أشكو إليك قسوة قلبي؟! قال: «أذِبْهُ بالذكر».
الخامسة والأربعون: أن الذكر شفاء للقلب ودواؤه، والغفلة مرضه، والقلوب مريضة، وشفاؤها ودواؤها في ذكر الله - تعالى -.
_________
(١) سورة النحل، الآية: ١٢٨.
(٢) سورة العنكبوت، الآية: ٦٩.
(٣) سورة التوبة، الآية: ٤٠.
(٤) رواه أحمد (٢/ ٥٤٠) وغيره، وصححه الألباني، انظر: «صحيح الجامع» برقم (١٩٠٦). (م).
1 / 16
السادسة والأربعون: أن الذكر أصل موالاة الله ﷿ والغفلة أصل معاداته، وأن العبد لا يزال يذكر ربه حتى يحبه فيواليه، ولا يزال يغفل عنه حتى يبغضه فيعاديه.
السابعة والأربعون: أنه ما استجلبت نعم الله - تعالى - واستدفعت نقمهُ بمثل ذكره، فالذكر جلاَّب للنعم، دفَّاع للنقم؛ قال بعض السلف: «ما أقبح الغفلة عن ذكر من لا يغفل عن بِرّك».
الثامنة والأربعون: الذكر يوجب صلاة الله ﷿ وملائكته على الذاكر، ومن صلى عليه الله وملائكته فقد أفلح، وفاز كل الفوز؛ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ﴾ (١).
التاسعة والأربعون: أن من شاء أن يسكن رياض الجنة؛ فليستوطن مجالس الذكر؛ فإنها رياض الجنة.
الخمسون: أن مجالس الذكر مجالس الملائكة، فليس من مجالس الدنيا لهم مجلس، إلا مجلس يذكر الله فيه، كما ورد في قوله: «إن لله ملائكة يطوفون في الطُّرق، يلتمسون أهل الذكر». الحديث (٢).
الحادية والخمسون: أن الله ﷿ يباهي ملائكته بالذاكرين؛
كما جاء عن أبي سعيد الخدري ﵁ قال: «خرج معاوية على حلقة في
_________
(١) سورة الأحزاب، الآيتات: ٤١ - ٤٣.
(٢) رواه البخاري برقم (٦٤٠٨)، ومسلم برقم (٢٧٨٩). (م).
1 / 17
المسجد، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله - تعالى - قال: آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: أمَا إني لم أستحلفكم تهمة لكم، قال: وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله ﷺ أقل عنه حديثًا مني، وإن رسول الله ﷺ خرج على حلقة من أصحابه، فقال: «ما أجلسكم ها هنا؟» قالوا: جلسنا نذكر الله - تعالى - ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومَنَّ به علينا بك، قال: «آلله ما أجلسكم إلا ذلك؟» قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذلك، قال: «ألا إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكنه أتاني جبريل ﵇ وأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة» (١)؛ فهذه المباهاة من الرب ﷾ دليل على شرف الذكر عنده، ومحبته له، وأن له مزية على غيره من الأعمال.
الثانية والخمسون: أن جميع الأعمال إنما شرعت إقامة لذكر الله ﷿ فالمقصود بها تحصيل ذكر الله ﷿ قال الله تعالى: ﴿وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي﴾ (٢)، وذُكر عن ابن عباس ﵄ أنه سئل: أي العمل أفضل؟ قال: «ذكر الله أكبر».
الثالثة والخمسون: أن أفضل أهل كل عمل أكثرهم فيه ذكرًا لله - تعالى - فأفضل الصوم أكثرهم ذكرًا لله - سبحانه - في صومهم،
_________
(١) رواه مسلم برقم (٢٧٠١). (م).
(٢) سورة طه، الآية: ١٤.
1 / 18
وأفضل الحجاج أكثرهم ذكرًا لله، وأكثر المتصدقين أكثرهم ذكرًا لله ﷿ ... وهكذا سائر الأعمال.
الرابعة والخمسون: أن إدامة الذكر تنوب عن التطوعات، وتقوم مقامها، سواء كانت بدنية، أو مالية، أو بدنية ومالية كحج التطوع، وقد جاء ذلك صريحًا في حديث أبي هريرة ﵁: أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله ﷺ فقالوا: يا رسول الله ذهب أهل الدُّثُور بالدرجات العلى، والنعيم المقيم؛ يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل أموال يحجون بها، ويعتمرون، ويجاهدون؟! فقال: «ألا أعلمكم شيئًا تدركون به من سبقكم، وتسبقون به من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع ما صنعتم؟» قالوا: بلى يا رسول الله، قال: «تسبحون، وتحمدون، وتكبرون خلف كل صلاة ...» الحديث (١).
فجعل الذكر عوضًا عما فاتهم من الحج والعمرة والجهاد، وأخبر أنهم يسبقونهم بهذا الذكر.
الخامسة والخمسون: أن ذكر الله - تعالى - من أكبر العون على طاعته؛ فإنه يحببها إلى العبد، ويسهلها عليه، ويلذذها له، ويجعل قرة عينه فيها.
السادسة والخمسون: أن ذكر الله - تعالى - يُسَهِّل الصعب، ويُيسِّر العسير، ويخفف المشاق.
السابعة والخمسون: أن ذكر الله ﷿ يذهب عن القلب مخاوفه
_________
(١) رواه البخاري برقم (٨٤٣)، ومسلم برقم (٥٩٥). (م).
1 / 19
كلها، وله تأثير عجيب في حصول الأمن، فليس للخائف الذي قد اشتد خوفه أنفع من ذكر الله - تعالى -.
الثامنة والخمسون: أن الذكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يطق فعله بدونه؛ ألا ترى كيف علّم رسول الله ﷺ ابنته فاطمة وعليًا ﵄ أن يسبحا كل ليلة، إذا أخذا مضاجعهما ثلاثًا وثلاثين، ويحمدا ثلاثًا وثلاثين، ويكبرا أربعًا وثلاثين، لما سألته الخادمَ، وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسقي والخدمة، وعلمها ذلك، وقال: «إنه خير لكما من خادم» (١).
فقيل: إن من داوم على ذلك وجد قوة في يومه مغنية عن خادم.
التاسعة والخمسون: أن أعمال الآخرة كلها في مضمار السباق، والذاكرون هم أسبقهم في ذلك المضمار.
الستون: كثرة ذكر الله ﷿ أمان من النفاق؛ فإن المنافق قليل الذكر لله ﷿ قال الله تعالى في المنافقين: ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ (٢). وقال كعب: «من أكثر ذكر الله برئ من النفاق».
_________
(١) رواه البخاري برقم (٣٧٠٥)، ومسلم برقم (٢٧٢٧). (م).
(٢) سورة النساء، الآية: ١٤٢.
1 / 20
[ثانيًا] آداب الذكر والدعاء (١)
إن للذكر والدعاء آدابًا مشروعة، وشروطًا مفروضة، فمن وَفَّى وُفِّي له، ومن لزم تلك السيرة على شروط الآداب أوشك نيل ما سأل، ومن أخل بالآداب استحق ثلاث خلال: المقت، والبعد، والحرمان - عياذًا بالله تعالى -.
وها أنا أذكر آداب الذكر والدعاء وشروطهما.
[١]- فمن آدابه: أن تعلم أن سيرة الأنبياء والمرسلين والأولياء الصالحين، إن أرادوا استقضاء حاجة عند مولاهم، أن يبادروا قبل السؤال فيقوموا بين يدي ربهم، فَيَصُفُّوا أقدامهم، ويبسطوا أكفهم، ويرسلوا دموعهم على خدودهم، فيبدؤوا بالتوبة من معاصيهم، والتنصل من مخالفتهم، ويستبطنوا الخشوع في قلوبهم، ويتمسكنوا، ويتذللوا ...
فيبدؤون بالثناء على معبودهم، وتقديسه، وتنزيهه، وتعظيمه، والثناء عليه بما هو أهله، ثم يرغبون في الدعاء.
هذا إبراهيم خليل الله ﵇ لما أراد مناجاة مولاه في استقضاء حوائجه، واستدرار ما في خزائنه، بدأ بالثناء على ربه قبل سؤاله، فبدأ
_________
(١) جُل هذه الآداب مأخوذة من كتاب «الدعاء المأثور وآدابه» لأبي بكر الطرطوشي ﵀ وكتاب «الأذكار» للنووي ﵀، وكتاب «الصحيح المسند من أذكار اليوم والليلة» لمصطفى العدوي - حفظه الله - بتصرف.
1 / 21