كذلك إذا قيل: بين الإنسان والفرس تشابه، من جهة أن هذا حيوان وهذا حيوان، واختلاف من جهة أن هذا ناطق وهذا صاهل، وغير ذلك من الأمور، كان بين الصفتين من التشابه والاختلاف بحسب ما بين الذاتين؛ وذلك أن الذات المجردة عن الصفة لا توجد إلا في الذهن، فالذهن يقدر ذاتًا مجردة عن الصفة، ويقدر وجودًا مطلقًا لا يتعين، وأما الموجودات في أنفسها فلا يمكن فيها وجود ذات مجردة عن كل صفة، ولا وجود مطلق لا يتعين ولا يتخصص، وإذا قال من قال من أهل الإثبات للصفات: [أنا أثبت صفات الله زائدة على ذاته]: فحقيقة ذلك أنا نثبتها زائدة على ما أثبتها النفاة من الذات. فإن النفاة اعتقدوا ثبوت ذات مجردة عن الصفات، فقال أهل الإثبات: نحن نقول بإثبات صفات زائدة على ما أثبته هؤلاء.
وأما الذات نفسها الموجودة فتلك لا يتصور أن تتحقق بلا صفة أصلًا، بل هذا بمنزلة من قال: أثبت إنسانًا، لا حيوانًا، ولا ناطقًا، ولا قائمًا بنفسه، ولا بغيره، ولا له قدرة، ولا حياة، ولا حركة، ولا سكون، أو نحو ذلك، أو قال: أثبت نخلة ليس لها ساق، ولا جذْع، ولا لِيفٌ، ولا غير ذلك؛ فإن هذا يثبت ما لا حقيقة له في الخارج، ولا يعقل؛ ولهذا كان السلف والأئمة يسمون نفاة الصفات [مُعَطِّلَة]؛ لأن حقيقة قولهم تعطيل ذات الله - تعالى - وإن كانوا هم قد لا يعلمون أن قولهم مستلزم للتعطيل، بل يصفونه بالوصفين المتناقضين فيقولون: هو موجود قديم واجب، ثم ينفون لوازم وجوده، فيكون حقيقة قولهم: موجود ليس بموجود، حق ليس بحق، خالق ليس بخالق، فينفون عنه النقيضين، إما تصريحًا بنفيهما، وإما إمساكا عن الإخبار بواحد منهما.
ولهذا كان محققوهم - وهم القرامطة - ينفون عنه النقيضين، فلا يقولون: موجود ولا لا موجود، ولا حي ولا لا حي، ولا عالم ولا لاعالم، قالوا: لأن وصفه بالإثبات تشبيه له بالموجودات، ووصفه بالنفي فيه تشبيه له بالمعدومات. فآل بهم إغراقهم في نفي التشبيه إلى أن وصفوه بغاية التعطيل. ثم إنهم لم يخلصوا مما فروا منه، بل يلزمهم على قياس قولهم أن يكونوا قد شبهوه بالممتنع الذي هو أخس
1 / 8