بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب مسمى بشرح فصول أبقراط من كتبه المصنفة
الحمد لله الذي انفرد بالأزلية والأبدية وتوحد تعالى جناب جلاله عن إدراك قوة الوهم وتمجد، عجز في تفكر كنه عظمة كبريائه العقل المجرد، قدير أسس قواعد علم الطبيعة على الاستقصات المتضادة القوى بقدرته الكاملة وأمره الممهد، وأظهر منها بحكمته الشاملة اعتدال مزاج زمرة البشرية وعدالة خلقتهم المجردة واصطفى من بينهم خلاصتهم وأعدلهم وآثر منهم أشرفهم وأفضلهم بالنبوة والرسالة فهو أحمد وحامد وحميد ومحمود ومحمد خاتم أنبيائه وسيد رسله المظفر المؤيد ونبينا العربي القرشي الهاشمي الأبطحي المكي المدني، صلى عليه وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين وسلم تسليما. أما بعد، فلما عزم هذه الصنعة على نيل السنية ودرك الساحة السامية التي هي أجل موقعا من كل رقية وأفضل مغنما من كل مستفاد وذخيرة وأراد أن يفوز بسعادة تلقى فناء العالي وحضرة مولى الموالي منشأ العز والمعالي زلال منبع السعادة والاقبال، جمال مجمع القياصرة والأفياء، مربى العلم PageVW1P002A والعلماء، مقوى الفضل والفضلاء، ورافع قواعد المدارس والجوامع، واضع أساس المعابد والصوامع عمدة السلاطين قدوة الخواقين ظل الله في الأرضين خاقان ابن الخاقان السلطان جلال الدنيا والدين PageVW0P001A * محمود (1) سلطان جلال الدنيا والدين جاني بك خان أسعده الله في الدارين وأيده وخلد جلاله ما ملكه وأيده، فطلب وسيلة تسعف مرامه ورام ذريعة التزمت نظامه وجد وسيلة العلمية أشرف الوسائل وذريعته أسرع إسعافا بالمطالب والمسائل سيما علم الطب، فإن العلوم كلها مفتقرة إليه لحفظة صحة البدن عند استكمال النفس وكسبها العلوم، أعني * أن (2) اكتساب العلوم مفتقرة إلى صحة البدن وصحة البدن مفتقرة إلى علم الطب.فكانت العلوم مفتقرة إلى علم الطب لأن المفتقر * إلى المفتقر (3) إلى الشيء مفتقر إلى ذلك الشيء. ولهذا المعنى قال النبي * صلى الله عليه وسلم (4) من * صحت (5) طبيعته * فقد (6) صحت شريعته فلا جرم اختار أفضل العلوم وأشرفها ليكون سلما إلى مبتغاه ودرجا إلى متوخاه وذريعة إلى أكمل ملوك العالم وأفضل من تولاه وكتب شرحا باسم دار كتبه المعمورة المولوية ليكون PageVW0P001B تحفة موصلة له إلى عتبته العالية السلطانية لفصول أبقراط الحكيم. الذي كان موردا للواردات السماوية ومهبطا لإلهامات * الإلهية (7) وقد حاز قصب السبق في صناعة الطب وبلغ الغاية وفاز بالأمد الأقصى واستولى * على (8) النهاية وكتابه على خاتم الحكم فص وكلامه بين الحكماء نص ووقع هذا الشرح المشبع والتفسير المطلع على ترتيب أبي الحسين الذي نظم درر فصوله في سلك الضبط PageVW1P002B * وأحسن (9) ترتيبها وأجمل تبويبها بلا * (10) خبط لأن شرح أبي الصادق مختلط غير مرتب * وليس (11) ذكر الفصول وشرحها * فيه (12) موافق الترتيب لفصول كتاب أبي الحسين المرتب المتداول بين الأطباء المستعمل بين الحكماء ولا يجد الطالب تفسير فصل من الكتاب المرتب في شرح أبي الصادق الغير المضبوط إلا بطول نظر وعسر، فشرح كتاب الفصول هذا الراجي للقبول وهو أحمد بن محمد بن قاسم المتطبب الكيلاني على ترتيب كتاب ابي الحسين السنجري PageVW0P002A أسهل نيلا للمرام وأسرع إطلاعا على فحوى الكلام.
1
[aphorism]
قال أبقراط: العمر قصير والصناعة طويلة والوقت ضيق والتجربة خطر والقضاء عسر، وقد ينبغي لك أن لا تقتصر على توخي فعل ما ينبغي دون أن يكون ما يفعله المريض ومن يحضره كذلك والأشياء التي من * خارج. (13)
[commentary]
العمر وهو مدة تعلق النفس بالبدن للاستكمال، والتدبير والصناعة ملكة نفسانية تقتدر بها على استعمال موضوعات ما نحو غرض من الأغراض على سبيل الإرادة صادرة عن بصيرة بحسب الممكن فيها. والمراد بالصناعة ههنا الصناعة الطبية المشتملة على كلا قسمي الطب علمي ويقال له أيضا نظري، وهو معرفة الأشياء التي لا تتعرض فيها لبيان كيفية عمل، وعلمي وهو الذي تتعرض لبيان كيفية * العمل (14) . والقصر والطول من الأمور النسبية إنما يقال لشيء أنه قصير بالنسبة إلى شيء هو دونه في الطول، وبالعكس. ولقائل PageVW0P002B أن يقول العمر من مقوله الكم لأنه مقدار زمان والزمان كم متصل PageVW1P003A غير قار الذات. والصناعة من مقولة الكيف لأنها من الكيفيات المختصة بذوات الأنفس. فكيف تقاس الكمية بالكيفية؟ ويمكن أن يجاب عنه بأن المراد من طول الصناعة هو مدة اكتساب الصناعة الطبية التي بالنسبة إلى مدة * تعلق النفس (15) بالبدن، وهي العمر، طويلة لأن إحاطة الأمراض الجزئية بحسب الأشخاص الكثيرة المختلفة الطبائع غير ممكن لعدم تناهيها ولأن الكائنات الفاسدات * لا يمكن ضبطها (16) ، فكيف نبرهن عليها وأجزاء مدة العمر متناهية، فيكون المتناهي * قصيرا بالنسبة إلى غير المتناهي وغير المتناهي طويل بالنسبة إلى المتناهي (17) لا محالة. وكذلك الحال في غرض المزاج الانساني لأن الأجزاء التي بين طرفيه الإفراط والتفريط غير متناهية، فلا يمكن ضبطها كالخط المشتمل على النقاط الغير المتناهية. وكذلك الأسباب الجزئية بحسب الأمراض الجزئية. وقوله: والوقت ضيق، يعني وقت * اكتساب (18) الصناعة، وذلك لأن PageVW0P003A العمر مع قصره وطول الصناعة يكون الإنسان * في (19) أوائل عمره وهي أوان الطفولية والصبوية ناقصة القوى الحساسة التي هي المدركة الظاهرة والمشاعر التي هي المدركة الباطنة. فيعجز عن * الإدراكات (20) البرهانية وفي سن الشيخوخة والهرم تضعف قواه فيصعب عليه التعلم بالقياسات العقلية والبراهين القطعية اليقينية. وهذه الصناعة مشتملة على القوانين الكلية والجزئية التي لا تدرك إلا بقوة العقل وصحة الذهن وهو قوة النفس المستعدة لاكتساب الحدود والآراء وسلامة القوى التي تكون في الآلات الجسمانية على حسب الأفعال PageVW1P003B * النفسانية (21) ، وكذلك استعمال القوانين الكلية في المشاهدات الجزئية لاستنباط جزئيات الأمراض الواقعة في الأشخاص المختلفة الطبائع وتقدير المعالجات بقدر الأمراض في كل شخص يحتاج إلى الحدس الثاقب والفكر الصائب، ولذلك يقال الطب هو الحدس PageVW0P003B وما بين هذين يكون قد يصرف بعض أوقاته في الأمور الضرورية الطبيعية كالنوم والاستفراغ ونحو هما، والبعض الآخر في الاشتغال بالأمور الاضطرارية التي يحتاج إليها في معاشه كالأكل والشرب وما يشبههما. ويكون * في (22) البعض ممنوا إلى أمور غير اضطرارية هي كالاضطرارية، وهي مباشرة أسباب أمر المعاش وهي الأمور التي يحتاج إليها الإنسان في تحصيل ما يتوقف عليه معاشه، وهي المكاسب التي بها تتم أجزاء المعاش وإصلاحه وتهيئته ليستعد لحصول ما هو الغرض منه. فيكون وقت * اكتساب (23) هذه الصناعة الطويلة بالنسبة إلى جميع أوقات العمر ضيقا لا يسعها ولا يمكن فيه الإطلاع عليها. هذا تحريض وحث على تعلمها. وقوله: والقضاء عسر، يريد به القياس المقدم على التجربة رتبة لأنها امتحان لما استخرج بالقياس الصحيح كما إذا احتاج الطبيب إلى استعمال دواء في شفاء مرض وكان عنده دواء ركبه على قياس صحيح، ولكن لا تأمن من خطره وضرره، * فيحترز (24) من استعماله ما لم PageVW0P004A تشهد له التجربة بالنفع * ففضيلة (25) الشيء * الذي (26) أوجبه القياس إنما تتبين إذا شهدت له التجربة بذلك. فمن الظاهر البين أن الدواء إنما يوثق غاية الثقة PageVW1P004A إذا شهدت التجربة، وذلك التجربة التي هي * حق قانونه (27) تصحح ما أوجبه القياس عند الحس بمشاهدات التجربة له. فإذن للقياس أن يستخرج حكما صحيحا كليا * وللتجربة أن تشهد بصحة ما استخرجه القياس إذا وجدته عند الحس مطابقا لما أوجبه القياس في الجزئيات إلا ما أمكن أن يقام عليه برهان. فأما ما قام على صحته البرهان من الأشياء المستخرجة بالقياس لم يحتج شهادة التجربة. وإنما قال عسر لأن القياس والعلم به في نفس الأمر عسر، فالإحاطة بسببه على سائر الجزئيات من الأبدان والأسباب والأمراض والأدوية والأهوية فردا فردا بطريق الأولى يكون عسرا. وإنما قدم التجربة على قوله «القضاء» المؤول عند أصحاب القياس بأن المراد منه القياس مع كون التجربة مؤخرا في الرتبة ليعلمنا أن في التجربة التي قبل PageVW0P004B القياس خطرا، وهي تجربة الجهال وامتحان الشيء ابتداء من غير قياس ولا صادر عن أصل وقانون، وهي التي عناها أبقراط الحكيم بقوله «والتجربة خطر» لأن المرض الواحد في النوع يتكثر بحسب قلة مادته وكثرتها وبحسب غلظها ورقتها وبحسب انفرادها وتركبها وما يلزمها من الأعراض اللاحقة بها، حتى يصير كثيرا بالعدد والاعتبار بحيث لا يمكن إدراك جميعها بالتجربة. ومن الممتنع أن يجرب جميع الحالات الجزئية من الأمور الطبيعية والخارجة عن الطبيعة لأنها ليست كلها مما يخرج إلى الفعل في أبدان وأزمان يقدر عليها إنسان واحد ليعرف طبائع الأبدان وسائر أحوالها وطبيعة الأمراض ومقاديرها وقوى الأدوية التي يعالج بها واختلاف الأدوية بزيادة القوة ونقصانها وما السبب الذي صار ينفع أو يضر كل واحد من الأدوية والأهوية لمرض مرض بلا الأقيسة الصحيحة والقوانين الكلية الشاملة لجميع جزئيات هذه الصناعة. وقال قوم إن PageVW0P005A المراد من القضاء هو الحكم، فعسره إنما يكون بأن الحكم على المنفعة والمضرة التي حدثت بعد العلاج في الصداع الحاد مثلا بالاستفراغ والفصد واستعمال النطولات والشمومات والمروخات بأنها من أيها حصلت عسر. وأما قوله: وقد ينبغي لك أن لا تقتصر على توخي فعل ما ينبغي يعني، يطلب منك أن لا تقتصر على طلب مباشرة ما ينبغي من التدبير والعلاج بل ينبغي أن يكون ما يفعله المريض ومن يحضره كذلك، أي كما ينبغي، والأشياء التي من خارج عطف على ما يفعله المريض كالمسموعات والمبصرات هذا تبينه للطبيب على وجه الوعظ والنصيحة لكيلا تقتصر على تدبيره وتغفل عن فعل المريض وتذهل عن أفعال من يحضره وعن الأشياء الواردة عليه من خارج لأن البدن الإنساني قد يتغير ويستحيل من حال بسبب أفعاله إلى حال آخر إما بسبب أفعاله الظاهرة بحسب قوتها وضعفها واستوائها والتوائها واختلافها تحدث في المريض حالة موافقة لتدبير الطبيب أو PageVW0P005B غير ملائمة مخالفة له. وإمابسبب أفعاله الباطنة كالتفكر والتوهم والتخيل وما أشبهها، فإنها توثر في البدن تأثيرا بحسب كثرتها وقلتها وقوتها وضعفها مخالفا للعلاج غير ملائم. وربما يكون ملائما. وعلى هذا أفعال من يحضره وأقواله قد يكون مما يهيج الغضب ويورث الحزن والخوف فيؤثر في المريض واختل أمر التدبير وكذلك الأشياء التي ترد عليه من خارج تؤثر في البدن بوساطة الأعراض النفسانية التي تهيجها وذلك لأن من المسموعات والمبصرات ما يوجب الفرح والسرور ومنها ما يوجب الحزن والخوف. ولما كان الفرح والحزن يؤثران في النفس والنفس مؤثرة في البدن متصرفة فيه وتصرفه من حال إلى حال آخر فعند اللذة والفرح المعتدلين تهش النفس وتنبسط الروح في القلب وتميل إلى الخارج وتنتشر الحرارة الغريزية التي هي آلة للقوى في أفعالها وتنتعش وتنهض الطبيعة لدفع المؤذي من البدن، وفي حال الحزن والخوف تميل الروح والحرارة PageVW0P006A الغريزية إلى الداخل وينقبض القلب وتضعف القوى. فينبغي أن لا يقتصر الطبيب على تدابيره التي تفعل على ما ينبغي، لكن ينبغي أن يكون المريض وخدمه ممتثلا لأمره في التوقي والاحتماء عما يضر بعد كونهم مطيعين (28) له فيما أمرهم وأن تكون الأشياء الخارجة موافقة للعلاج والتدابيرالطبية ملائمة لطبيعة المريض كلقاء الأحباء واستماع الكلام الذي يورث البهجة والسرور ولا يكون مما يبغضه ويورث الغضب والغم والخوف، لأن من المعالجات الناجعة الاستعانة بما يقوي الحيوانية والنفسانية كالفرح ولقاء من يستأنسه وسماع ما يسره كما قال أبقراط الحكيم في كتابه الموسوم بابيديميا أن سماع العليل لما يحب ويكره يبلغ في البرئ والردائة أمرا ليس * باليسير. (29)
2
[aphorism]
قال أبقراط: إن التقدم بالقضية في الأمراض الحادة بالبرء كان أو بالموت ليس يكون على غاية * الثقة (30) . PageVW0P006B
[commentary]
يعني التقدم بالقضية والمبادرة إلى الحكم في الأمراض الحادة بلا علامات السلامة وامارات التلف بأن صاحبها يبرأ أو يتلف غير موثوق به لأن المرض الحاد تكون مادته قوية التأثير سريعة الانقضاء، * فتشمر الطبيعة عن ساق الجد (31) وتجاهد بها غاية المجاهدة لتدفع إذاها عن البدن، فإن اقتدرت على الاستيلاء والمقاومة وطاوعتها المادة دفعتها ونفضتها عن البدن بسرعة بلا علامات النضج وامارات البحران المحمود المحتاجة في ظهورها إلى زمان. وإن كانت المادة قوية الكيفية رديئة * كثيرة الكمية (32) غالبة ولم تمهلها للاستعداد في الإنضاج والاستيلاء، فعجزت وتقاعدت عن دفع المادة، فلا بد أن يهلك العليل، فالمبادرة إلى الحكم قبل ظهور دليل وقياس يؤديان إليه في الأمراض الحادة ليس يكون على غاية الثقة، وذلك لأن لها علامات وامارات يستدل بها على كيفية حال قوة الطبيعة أو قوة المرض، وغلبة أحداهما على الأخرى عند البحران PageVW0P007A فالتقدم بالحكم عند علام العلامة بالبرء * أو (33) بالموت ليس يكون على غاية الثقة لأنه يكون رجما بالغيب أو متابعة الظن PageVW1P004B * إن الظن (34) لا يغني عن الحق شيئا. واعلم أن المرض الحاد هو الذي مع سرعة انقضائه عظيم ويحدث من أخلاط حارة مع حمى * كالحمرة والحصبة (35) وفرانيطس، ومن أخلاط باردة بلا حمى كالسكتة والكزاز والصرع فإنه قد * يبرأ (36) المريض من هذه الأمراض عند نهوض القوة المدبرة وغلبتها بلا دليل الغلبة فلا ينبغي أن يحكم على التلف وقد يهلك العليل بعد ظهور النضج وأيام الإنذار في * أوان (37) البحران عند خور القوة وضعفها.
3
[aphorism]
قال أبقراط * الحكيم (38) : ولا ينبغي أن تعبر بخفة يجدها المريض من نفسها بخلاف القياس ولا أن تهولك أمور صعبة تحدث على مجرى القياس، فإن أكثر ما يحدث من ذلك ليس بثابت ولا يكاد يلبث ولا تطول مدته.
[commentary]
PageVW0P007B يعلم الطبيب وينبهه بأن لا يغتر * بخفة (39) يجدها المريض في غير وقتها وفي أيام مجاهدة الطبيعة ومكادحتها بالمرض، فإن الخفة الغير المسبوقة بعلامات النضج واستفراغ البحراني لا اعتبار لها لأنها ليست على مجرى القياس. فينبغي أن يكون العليل على التوقي والاحتماء ولا يعتمد بهذه الخفة واحترز من التدابير الغير الملائمة، فربما تكون تلك الخفة والهدوء الذي يجده على خلاف القياس حادثا لعجز الطبيعة وضعف القوة المدبرة وعدم مطاوعة مادة المرض لها لتتصرف فيها وتنضجها وتستبعدها للدفع من غاية الغلظ والكثافة. ويقول لا تهولك أمور صعبة وأعراض هائلة تحدث على مجرى القياس كاضطراب العليل وقلقه وتململه على الفراش بعد علامات النضج وقوة PageVW1P005A المريض في أيام الباحوري لأنها تجري على منهج القياس وتدل على انتهاض الطبيعة وقوتها ومقاومتها بالمرض، فلا تخف منها. فإنها تنقضي سريعا ولا تلبث طويلا وتتبدل ببحران محمود وخفة وراحة وهدوء طبيعي PageVW0P008A بخلاف ما لو ظهرت هذه الأعراض عند عجز القوة المدبرة وعدم علامات النضج وخور الطبيعة وتقاعدها عن المقاومة والمكادحة.
4
[aphorism]
قال * الحكيم (40) أبقراط: إن أنت فعلت * جميع ما ينبغي أن تفعل على ما ينبغي ولم يكن ما ينبغي أن يكون (41) فلا تنتقل إلى غير ما أنت عليه ما دام ما رأيته منذ أول الأمر * ثابتا. (42)
[commentary]
* واعلم (43) أن أمر العلاج يتم بأشياء ثلاثة: أحدها التدبير والآخر استعمال الأدوية والثالث العمل باليد. وأعني بالتدبير التصرف في الأسباب * الستة (44) الضرورية بأن تجعل موافقة ملائمة للصحة الحاصلة ومخالفة للمرض عند كونها * زائلة (45) . يقول الحكيم أبقراط إن استعملت في مرض ما جميع ما ينبغي أن تستعمل فيه من * التدابير (46) واستعمال الأدوية على ما ينبغي في مقدارها من الكمية والكيفية، ولم يظهر * لك (47) من البرء ما ينبغي أن يظهر بهذا العلاج، فلا تنتقل من هذا العلاج إلى نوع آخر، أي من PageVW0P008B استعمال الأشياء الباردة إلى الحارة أو بالعكس، ولكن لا باس أن تنتقل من دواء إلى دواء آخر في نوعه لأنه قد يكون * تأخر (48) أثر معالجة الصواب من إلفة معدة العليل بدواء واحد أو يكون من غلظ المادة ولزوجتها أو برودتها، فيعسر نضجها بسهولة وبسرعة وتحتاج إلى زمان طويل، فلا يظهر بدئا PageVW1P005B منفعة بينة فلا تنتقل إلى غير ما أنت عليه في نوعه لأنه لو كانت التدابير مخالفة لازداد المرض واشتد عند * تداو (49) يزيد ويعين مادته، فلما لم يزد وبقي في حاله دل على موافقة العلاج. وقيل لا تهرب عن الصواب لتأخر الأثر ولا تقام على الغلط لتباطؤ * الضرر (50) ولا تقام في علاج واحد على دواء واحد، فإن المألوف لا ينفعل عنه.
5
[aphorism]
قال أبقراط * الحكيم (51) : استعمال الكثير دفعة مما يملأ البدن أو يستفرغه أو يسخنه أو يبرده أو يحركه بنوع آخر من * الحركة (52) أي نوع كان فهو خطر، وكل ما كان كثيرا فهو مقاوم للطبيعة. فأما ما كان PageVW0P009A قليلا فمأمون متى أردت انتقالا من شيء إلى غيره ومتى أردت غير ذلك.
[commentary]
إن امتلأ البدن امتلاءا كثيرا أعرض من ذلك الشدة والاسترخاء والتشنج الامتلائي والعفونة واحتقان الحار الغريزي والتخمة وانصداع الأوعية وانفجارها. وإن استفرغ البدن استفراغا كثيرا عرض برد المزاج باستفراغ المادة المشتعلة به الحار الغريزي، وربما عرض منه حرارة المزاج إن كان المستفرغ البلغم، وقد يعرض من ذلك اليبس وقد يتبع الاستفراغ الكثير الشدة لفرط يبس العروق وانسدادها فمن استعمال الكثير مما يملأ البدن واستفراغ الكثير يعرض الآفات الكثيرة. وأما الاحتباس والاستفراغ المعتدلان نافعان حافظان لحاله الصحة، وكذلك في التسخين والتبريد وغيرهما مما يحرك البدن من حال إلى حال خطر عند * استعمالها (53) * الكثير دفعه لأن قوام الطبيعة بالاعتدال وكلما جاوز الاعتدال استمال (54) البدن إلى الانحراف وسوء المزاج فيغير عن حالته PageVW1P006A الصحية. يقول الحكيم PageVW0P009B أبقراط: متى أردت أن تنتقل من حالة إلى حالة آخرى ينبغي أن يكون انتقالك على سبيل التدريج لا على طريق * التكثير (55) دفعه لأن كل كثير مقاوم للطبيعة مغير لاعتدال المزاج الذي قوام الصحة، فلو كان انتقالك وتدبيرك فيه قليلا * قليلا (56) وكنت مصيبا صار ذلك من قبيل العادات، ولو كنت مخطئا في تدبير انتقالك * وأحسست (57) به يكون لك سبيل إلى غير التدبير الذي كنت فيه وكنت مأمونا متى أردت غير ذلك الانتقال ويمكنك الانتقال منه إلى غيره بخلاف ما لو لم يكن على التدريج.
6
[aphorism]
قال أبقراط: لا الشبع ولا الجوع ولا غير هما من جميع الأشياء * محمود (58) إذا كان مجاوزا لمقدار الطبيعة.
[commentary]
لا * ينبغي (59) أن تدافع الشهوة الصادقة إذا هاجت، فإن الصبر على الجوع الصادق يملأ المعدة أخلاطا صديدية رديئة ويعرض للممرورين من الصبر على الجوع انصباب المرار إلى معدتهم PageVW0P010A وإذا تناولوا شيئا بعد ذلك يفسده. وكذلك الشبع المفرط رديء لأنه يورث * البخر (60) والتخمة والهيضة ولا شيء شر من التخمة، والهيضة شبه التخمة فإنها لو عرضت من الأغذية اللطيفة يعرض منها حميات حادة خبثته وأورام حادة رديئة، فلا جرم ينبغي أن يحترز من الشبع المفرط والجوع المتطاول ويتناول مقدارا معتدلا لم يثقل ولم يهدد الشراسيف ولم ينفخ ولم يقرقر ولم يعرض غثي ولم يحس طعم الغذاء PageVW1P006B في الحشاء، وقد يدل * على (61) أن الطعام معتدل في الكمية أن يعرض منه عظم النبض مع صغر النفس بسبب مزاحمة المعدة الحجاب فيصغر النفس لذلك ويتواتر وتزداد بذلك حاجة القلب، فيعظم النبض، وإن أراد من الشبع عدم الاشتهاء الذي يكون لمرارية المعدة أو لسخونها أو لنزارة تجلب السوداء إليها أو لعدم احتياج البدن إلى بدل ما يتحلل أو لسوء مزاج العصب الحساس الذي في فم المعدة. وعنى بالجوع زيادة الشهوة واشتدادها الذي يحدث من سوء مزاج بارد يعرض لفم المعدة، إما من كثرة انصباب PageVW0P010B السوداء إليه وإما لشدة احتياج البدن إلى بدل ما يتحلل ويخلخله، وقد يكون من الديدان والحيات. فهذه كلها أحوال رديئة تحدث حالات غير محمودة مغيرة للاعتدال والمزاج الصحي.
7
[aphorism]
قال أبقراط * الحكيم (62) : ما كان من الأمراض يحدث من الامتلاء فشفاؤه يكون بالاستفراغ. وما كان منها يحدث من الاستفراغ فشفاؤه يكون بالامتلاء، وشفاء سائر الأمراض يكون * بالمضادة (63) .
[commentary]
* أقول (64) : أعلم أن الامتلاء على وجهين: * امتلاء (65) بحسب القوة وامتلاء بحسب الأوعية. الامتلاء بحسب القوة هو أن لا يكون الاذى من الأخلاط * لكميتها (66) فقط بل لردائة كيفيتها تقهر القوة ولا تطاوع الهضم والنضج، فيكون صاحبها على خطر من الأمراض العفينة وغيرها. وشفاؤه يكون بالاستفراغ. وأما الامتلاء بحسب الأوعية هي أن تكون الأخلاط والأرواح، وإن كانت صالحة في كيفيتها قد زادت في كميتها حتى ملأت الأوعية ومددتها وصاحبها PageVW0P011A يكون على خطر من الحركة، PageVW1P007A فإنه ربما انصدع من شدة الامتلاء عرق وسال الدم إلى المخانق فحدث خناق أو نفث دم. فشفاؤه يكون بالاستفراغ، وما حدث عن الاستفراغ من الخواء والسوسة والضعف فشفاؤه يكون بالامتلاء والمرطب المقوي، ومنهما استفرغ البدن بالفصد وبرد الدم وبرد البدن. فينبغي أن يتناول الحارة الرطبة ليكون شفاء سائر الأمراض بالمضادة لأن الصحة تحفظ بالأشياء المتشابهة والمرض بالأشياء المضادة. وشبه القدماء الصحة بالجسم المستقيم الذي استقامته إنما يبقى عليه بأن لا يمال به إلى جهة والمرض بالجسم الذي اعوج، فإنها مهما أريد استقامته احتيج بأن يمال به إلى خلاف الجهة التي صار إليها ومما يشكل به في هذا الموضع هو أن الصحة قد تحفظ بالضد، فإن المحرور إن لم يستعمل التدبير المبرد والمبرود التدبير المسخن لم يبق واحد منهما على اعتداله وصحته، وكذلك المرض قد يداوى بالمشابه والمماثل. فإن كثيرا من الحميات تتناول PageVW1P011B فيما الأدوية الحارة ويداوى من به استرخاء بصب الماء البارد الكثير عليه، فيبرأ وينحل هذا الإشكال * بأن تعلم (67) أن البدن الحار والبارد * إذا (68) غذى من الغذاء المضاد لهما في المزاح يكون غذاء بالقوة وتدبير الصحة بالإطلاق من القول بالمشاكل لا بالمضادة لأن الغذاء في التحقيق هو الذي يكون بالفعل. فأما مادام بالقوة وفي سلوك الاستحالة إلى جوهر البدن PageVW1P007B فلا يكون في الحقيقة غذاء والغذاء بالفعل هو الذي صار جزءا للبدن. فأما مادام كيلوسا في المعدة أو دما في العروق أو رطوبة رذاذية على فرج الأعضاء، فإنه يكون غذاء بالقوة لأن شانه أن سيغذو وإذا كان الأمر على هذا فإن الغذاء إذا كان مضادا في قوته لمزاج البدن فإنه * كما (69) يعدله بالمضادة ينسلخ عن مزاجه بتأثير البدن فيه ويكسيه مزاجا مثل مزاج نفسه حتى إذا صار جزءا للبدن صار مثله في المزاج والقوام وسائر الأحوال، فيكون مشاكلا. أما قبل أن يكون غذاء في التحقيق فليس هو داخل في باب الإخلاف عليه بل PageVW0P012A ينزل منزله الهواء البارد الذي يعدل حرارة القلب، ولعل حفظ صحة هؤلاء بوحد مركبا من التدبيرين الذين أحدهما يسمى التقدم بالحفظ والآخر حفظ الصحة. * فيكون الغذاء المضادة لمزاج البدن بما بعدله يدخل في باب التقدم بالحفظ لا في باب حفظ الصحة (70) وبما يخلف عليه بدلا مما نقص عنه يدخل في باب حفظ الصحة، ويكون ذلك بالمشاكل. فكذلك لو سلمت رأي جالينوس بأن مراد أبقراط الحكيم من الامتلاء والاستفراغ ما لم * يحدثان (71) ، * أي يحدثان (72) مرضا إن لم يقابل بضده كل واحد منهما أي إن لم يستفرغ الامتلاء أو يملأ البدن من الاستفراغ يحدثان مرضا كان هذا التدبير هو التقدم بالحفظ، * وإن (73) * فهمت (74) عنهما * الأمراض (75) الحادثة من الاستفراغ والامتلاء يكون العلاج البسيط والشفاء البحت أن يقابل الامتلاء بالاستفراغ والاستفراغ بالامتلاء. وإن فهمت أنهما أخذا يحدثان المرض كان هذا التدبير مركبا من التقدم بالحفظ ومن PageVW1P008A الشفاء لأنه يدفع ما يتوقع حدوثه ويزيل ما وقع لأن PageVW0P012B أحوال البدن تحسب نسبتها إلى ما يحتاج إليه من التدبير خمسة: أحدها أن يكون البدن صحيحا حصة لا يذم من أحوالها شيء، فتدبير هذا البدن هو حفظه على ما هو عليه من الصحة فقط. والثاني أن يكون البدن صحيحا إلا أنه ليس بحيث لا يذم من صحته شيء أصلا إما لأنه ضعيف القوة أو لأن صحته مؤذنة بالزوال ان لم يعن بها إلا أنه لم يزل بعد شيء منها، وتدبيره التقدم بالحفظ * ولو كان في الحقيقة هذا التدبير مركبا من حفظ الصحة ومن التقدم بالحفظ (76) وهذا قسم ثالث. والرابع أن تكون الصحة قد أخذت تزول، وهذا التدبير مركب من التقدم بالحفظ ومن الشفاء لأن ما قد زال من الصحة يحتاج إلى المداواة وما هو مزمع بالزوال مقدم بالحفظ لئلا يزول. والخامس الأبدان التي قد زالت صحتها وتدبيرها في هذا الحال المداواة والشفاء البحت. وأما ما سبق من الشبهة في استعمال التدبير المسخن في الحميات فليس هو لمداواة المرض بل لتقطيع الأخلاط اللزجة وتلطيفها وتفتيح السدد وللإعانة PageVW0P013A على النضج. وأما صب الماء البارد كما سيجيء إنما يستعمل لتنعكس بذلك حرارته وتجتمع في عمق البدن فيهجم على المرض البارد بالدفع، فيكون الشافي للمرض هو نفس الحرارة التي ضد له والبرد هو الجامع الحاصر لها لتقوى على الفعل.
8
[aphorism]
قال أبقراط * الحكيم (77) : إذا كان وجعان معا وليس هما في موضع واحد فإن أقواهما يخفي * الآخر. (78)
[commentary]
إن الوجع هو الاحساس بالمنافي وجملة أسباب PageVW1P008B الوجع * منحصرة (79) في جنسين، جنس يغير المزاج دفعه، وهو سوء المزاج المختلف وجنس تفرق الاتصال وأعني من سوء المزاج المختلف أن يكون للأعضاء في جواهرها مزاج متمكن، ثم يعرض لها مزاج * غريب مضاد (80) لذلك المزاج حتى يكون أسخن من ذلك أو أبرد، فتحس القوة الحاسة بورود ذلك المنافي. فلما كان الوجع هو إحساس بمؤثر مناف من حيث هو * مناف (81) فيكون الوجع * هو (82) المحسوس المنافي بغتة، فكلما كان وجعان في موضعين متغايرين وكان أحدهما أقوى من الآخر ويؤثر في القوة الحساسة PageVW0P013B * وتنفعل الحساسة (83) منه ويستعمل به فيذهل عن الأضعف، وهكذا حال حاسة السمع والبصر وغيرهما من المدركات، فإنها تدرك ما هو الأقوى وأشد تأثيرا فيها دون الأضعف ولأن المحسوس هو المؤثر في الحاسة والحاسة هو * المتأثر به (84) ، فالمحسوس الذي هو أقوى في الفاعلية تشتغل الحاسة بقبوله فيخفي فاعلية الأضعف كما أن نغمات * الصنج (85) لا تدرك عند صوت الطبل وضوء السراج لا يستبين في جنب اشتعال النار العظيمة المضيئة.
9
[aphorism]
قال أبقراط رحمه الله خروج البدن عن طبيعته كما يخرج فيما يستفرغ من المثانة وفيما يستفرغ من البطن وفيما يستفرغ من اللحم أو من غيره من البدن إن كان يسيرا كان المرض يسيرا وإن كان كثيرا كان المرض عظيما وإن * كان (86) كثيرا جدا كان دليلا على * الموت. (87)
[commentary]
اعلم أن خروج البدن عن طبيعته الصحي وانحراف مزاجه عن PageVW0P014A اعتداله الطبيعي يسبب ما يستفرغ من المثانة بالادرار PageVW1P009A ومن البطن بالإسهال ومن اللحم بالعرق أو من غيره من البدن إن كان يسيرا كان المرض وسوء المزاج الحاصل من هذه الاستفراغات يسيرا، وإن كانت الاستفراغات من هذه المواضع كثيرة كان المرض الحادث منها عظيما لانحراف المزاج وانخزال القوة. وإن كانت كثيرة جدا كان دليلا على الموت لفساد مزاج الصحي بحيث لا يقبل علاقة * النفس (88) . وأما إن عرضت هذه الاستفراغات للمريض وكان خروج بدن المريض عن مقداره الطبيعي فيما يستفرغ من المثانة أو البطن أو اللحم قليلا يسيرا دل على أن مادة المرض قليل، وإن كان كثيرا دل على أن مادة المرض كثيرة والمرض عظيم، وإن كان كثيرا جدا دل على أن مادة * المرض (89) كثيرة بحيث لا تقدر * القوة (90) المدبرة على إمساكها وتخرج الأخلاط من تلقاء نفسها ودل على عجز الطبيعة وضعفها * إذ (91) لو كان استخراج هذه المستفرغات * لطبيعة (92) المريض بسبب استفراغها الخارج عن مقدارها الطبيعي PageVW0P014B استخراجا يسيرا كان انحراف مزاجه وضعفه يسيرا، وإن كان استفراغها كثيرا * فلا بد (93) أن يكون استخراجها * لطبيعة (94) المريض استخراجا كثيرا، فتضعف قوة المريض ويضعف المرض، وإن كان كثيرا جدا كان استخراجها كثيرا مفرطا بسبب تحليل الأرواح عند استفراغ الأخلاط الكثيرة المستتبعة لها، وكان سببا لاطفاء الحرارة الغريزية بسبب عوز مادتها التي هي الرطوبة PageVW1P009B الغريزية التي استصحبتها المستفرغات فيكون دليلا على سقوط القوة ومشارفة الهلاك.
10
[aphorism]
قال * أبقراط (95) : خصب البدن المفرط لأصحاب الرياضة خطر إذ كانوا قد بلغوا منه الغاية القصوى، وذلك أنه لا يمكن أن يثبتوا على حالهم تلك ولا يستقروا، ولما كانوا لا يستقرون لم يمكن أن يزدادوا صلاحا فبقي أن يميلوا إلى حال أردى ، فذلك ينبغي أن ينقص الخصب بلا تأخير كيما تعود البدن فيبتدأ في قبول الغذاء ولا تبلغ في استفراغه الغاية القصوى PageVW0P015A فإن ذلك خطر لكن بمقدار احتمال الطبيعة، وكذلك كل استفراغ تبلغ فيه الغاية القصوى فهو خطر وكل تغذية أيضا هي عند الغاية القصوى فهي خطر.
[commentary]
يعني إذا أمتلأ البدن امتلاء مجاوزا لمقدار احتمال الطبيعة وحصل الإفراط في الخصب، وهو أن تمتلأ العروق التي هي مجاري الأخلاط والأرواح ومسالكها * وامتلاء (96) أوعيتها الحاصلة في بطون الدماغ الشريفة والأعضاء التي هي كالخزائن العامرة لسلطان الطبيعة في بعض تصرفاتها التدبيرية لبقاء * الشخص أو النوع (97) ، وبالجملة كل عضو أو تجويف يمكن أن يجتمع ويقف فيه من الأخلاط وجاوز قدر قوة الطبيعة في أن يتصرف فيما بالإنضاج أو الجذب والدفع أو التشبيه والهضم وما هو من جنس الحركة في الكيف أو الأين وهو الامتلاء بحسب القوة، ففيه خطر لأن هذا يوجب عزل الطبيعة وتعطيلها عن افعالها وتصرفاتها التي بها تدبر أمر البدن كالتغذية وإيراد بدل ما يتحلل من جوهر الروح * والبدن (98) وأخذ PageVW0P015B يفسد المزاج PageVW1P010A ويضعف القوى وأما أن تمتلأ تلك الأوعية والعروق من الأخلاط والأرواح بحيث لا تسع الزيادة ولا يتمكن من المطاوعة في الانبساط وهذا امتلاء بحسب الأوعية. أو يقول إنما عنى بخصب البدن السمن في * الغاية (99) القصوى والامتلاء الذي استغنى البدن * به (100) عن التغذي وتمدد وانتفخ مع احمرار اللون حتى لم يبق في الأوردة محل لقبول الدم ولا في الشراسيف مجال لحركة الروح وانغمرت الحرارة المحيية وعرض الثقل والكسل وانغمست الحرارة الغريزية المحركة حتى قارب الانطفاء. ومع هذا لا يقف البدن على هذه الحالة بل يركن إلى حالة أردى منها، وهو التغذي وتوليد الدم على عادته المعتادة وإرساله إلى العروق الممتلئة المتمددة القريبة إلى الانشقاق. فينبغي أن ينقص الخصب بتقليل الغذاء لأن الغذاء المفرط الكثير وإن عرض له أن ينهضم في المعدة فإنه قلما ينهضم في العروق بل يبقى فيها نيئا ولم يتشبه بالبدن لعدم احتياجه به فيمدد العروق ويصدعها، فينبغي أن لا يؤكل PageVL7P016A قدر العادة بل ينقص منه حتى أقبلت الطبيعة على الفضلات وهضمتها والتي لا تقدر الطبيعة على إصلاحها ينبغي أن تستفرغ بلا تأخير كيلا يتأذى البدن منها ويتألم بسبب كيفيتها الفاسدة أو كميتها الكثيرة الزائدة ، وحتى لا ينصدع عرق من العروق وينصب الدم إلى * المخانق (101) وينبغي أن يكون الاستفراغ على قدر احتمال القوة لا على مقدار الامتلاء لأن الاستفراغ PageVW1P010B المفرط دفعة يؤدي إلى الضعف خور القوة وتحليل الروح وانحلال الحرارة الغريزية والقوى ويتبعه برد ويبس في جوهر الأعضاء ويحدث التشنج والكزاز اليابسين. فأعلم أن في كل استفراغ يبلغ فيه الغاية القصوى خطر كالخطر في التغذية التي يبلغ بها البدن الغاية القصوى من الخصب والامتلاء. ولما كان الاستفراغ المفرط والامتلاء المهدد من التغذية الكثيرة في أصحاب الرياضة كالصريعين والملاحين خطرا. وكان الخطر في غير هؤلاء أولى لأن أصحاب الرياضة أوفر الناس قوة وأكثر تحليلا وأقدر على هضم الغذاء وأصلبهم أعصابا وعروقا. وأما قوله PageVW0P016B إذا كانوا قد بلغوا منه الغاية القصوى يدل بحسب الظاهر أن خصب البدن إذا لم يكن على هذه الغاية لا يوجب خطرا. وإن كان لا يخلو عن الضرر لأنه أمر مخالف للطبيعة مغير لها.
11
[aphorism]
قال أبقراط * الحكيم (102) : متى كان بانسان جوع فلا ينبغي أن * يتعب. (103)
[commentary]
يعني الجوع ما يعرض من فقدان الغذاء من الخواء وعدم بدل ما يتحلل من البدن. والتعب هو الإعياء الحاصل من كثرة الحركات والأفعال وتكررها. فإنها توهن القوة. وإن كان قد يصحب ذلك تحلل الروح على سبيل صحبة سبب لسبب، يقول لا ينبغي أن يتعب الجائع العادم الغذاء المحتاج إلى بدل ما يتحلل لئلا يكون تحليل بدنه أكثر لأن التعب في مثل هذا * البدن (104) الذي لم يجد فيه فضلة تحللها * تحلل (105) جوهر الروح اللطيف البخاري الذي هو * مركب القوى وينقص الحار الغريزي الذي هو (106) آلة للقوى، فتضعف PageVW1P011A القوى وتكل عن أفعالها. فينبغي أن يحفظ البدن PageVW0P017A الذي له خواء من أي استفراغ كان بل يؤمر أن يكسب بالاستراحة والدعة الترطيب ليحصل له بدل ما يتحلل منه .
12
[aphorism]
قال * الحكيم (107) أبقراط: من اعتاد تعبا ما فهو وإن كان ضعيف البدن أو * شيخا (108) فهو أحمل لذلك التعب الذي اعتداه ممن لم يعتده وإن كان قويا * شابا. (109)
[commentary]
واعلم أن الأعضاء الضعيفة والصغيرة الدقيقة تقوى وتعظم بالدلك والرياضة الدائمة التي تخصها مثل من كان قضيف الساقين. فإنا نأمره بالإحضار والعدو المعتدل والدلك اليسير. ثم اليوم الثاني يحفظ ذلك الدلك بحاله ويزيد في الرياضة. وفي الثالث أيضا نفعل هكذا حتى تتحلل الفضلات المسددة لمسالك الدم، ويتوجه إليهما الدم الغاذي وجذباه بالسخونة واندمجا بالدلك، وكذلك يشهد الأشياء الثقيلة والآلات التي يرفعها الصريعون لتقوية أبدانهم وسمن عضدهم. فعلم أن التعب الذي اعتاده العضو يصير طبيعيا غير مضر له بل يشتد ويقوى به PageVW0P017B فيكون البدن المعود أحمل للتعب الذي اعتاده ممن لم يعتده.
13
[aphorism]
قال أبقراط الحكيم: ما قد اعتاده الانسان منذ زمان * طويل (110) وإن كان أضر مما لم يعتده، فاذاه له أقل، فينبغي أن ينتقل الانسان إلى ما لم * يعتده (111) .
[commentary]
يعني أي شيء اعتاده الانسان منذ زمان طويل من المأكول والمشروب وغيرهما وإن كان أضر وأخس مما لم يعتده * فأذاه له أقل لأن (112) ذلك الشيء PageVW1P011B يصير طبيعيا له ومألوفا، ويحصل للبدن عند اعتياده به قوة مصلحة لفساده وتكون طبيعته محتملة لاذاه كما تكسب الأعضاء المتحركة احتمال التعب من الشيء المتعب بزمان طويل. فينبغي أن لا يقتصر الانسان على الأشياء اللذيذة المرغوبة دائما بل ينبغي أن ينتقل بالتدريج إلى غيرها ويمرن نفسه بالعادات المختلفة حتى لو وقع فيها ضروريا واضطر باستعمال تلك الأشياء لم يكن أجنبيا منها ولم تكن تلك الأشياء مضرة له. ولذلك قيل أن العادة طبيعة مكتسبة ينتفع بها في كثير PageVW0P018A من التدابير الطبيعية كما لو احتجنا إلى إخراج الدم أو سقي الماء البارد في الحمى الحادة الحارة. فإنا لا نتوقف فيمن كان معتاده ولا نقدم على من لم يعتده كل الإقدام سيما الفصد فيمن يغشي عليه والماء البارد فيمن أحشاؤه ضعيفة.
14
[aphorism]
قال * أبقراط الحكيم (113) : ما كان من الطعام والشراب أخس قليلا إلا أنه ألذ فينبغي أن يختار على ما هو أفضل منه إلا أنه * أكره. (114)
[commentary]
واعلم أن الغذاء منه لطيف ومنه كثيف، وأيضا فإن كل واحد منهما قد يكون رديء الكيموس ويكون محمود الكيموس. والماء الذي هو ركن من الأركان لبدن الإنسان * وخص (115) بالتناول من بينها، وإن كان لا يغذو بل ينفذ الغذاء وبه رقة تؤثر في البدن بحسب اختلافه لا في جوهره المائية لكن بحسب ما يخالطها وبحسب الكيفيات التي تغلب عليها. فقال الحكيم أبقراط: ما كان من الطعام والشراب أخس قليلا بالنسبة إلى غيرهما PageVW0P018B من الأطعمة والأشربة اللطيفة PageVW1P012A إلا أنه تستلذه النفس وتشتهيه فينبغي أن يختار هذا الطعام المشتهى على الطعام الفاضل الشريف الذي لا تقبله النفس ولا تشتهيه بل تكرهه لأن الطبيعة تصلحه وتدفع مضاره من البدن فيصير موافقا ملائما للبدن بخلاف الغذاء الفاضل الغير المرغوب، فإن الطبيعة تشمئز عنه ولا تشتغل بهضمه.
15
[aphorism]
قال أبقراط رحمه الله: متى ورد على البدن غذاء خارج عن الطبيعة كثير فإن ذلك يحدث مرضا ويدل على ذلك * برؤه (116)
[commentary]
إن الخالق تعالى أعطى كل حيوان وكل بدن من المزاج ما هو أليق به وأصلح لأفعاله وأحواله، ولا يكون عدم حصول * ذلك المزاج (117) لبخل من جهة الجواد المطلق ولا لامتناع ذاتي من جهة ذلك الشيء، بل لامتناع يرجع إلى حال القوابل عند استعداداتها التامة، وكل مغير لذلك المزاج المناسب PageVW0P019A لأفعاله وأحواله ممرض لذلك البدن مغير لأحواله الطبيعي، فمتى ورد على البدن غذاء خارج عن مزاجه في الكمية أو الكيفية، أما في الكمية بأن يحدث في البدن امتلاء بحسب القوة أو بحسب الأوعية كما مر. * وأما (118) في الكيفية هو أن يحدث في البدن من الحرارة أو البرودة أو الرطوبة أو اليبوسة الزائدة كل واحدة منها على الطبيعي، كما إذا أورد على البدن شيء حار زائد على مزاجه فيسخنه ويخرجه عن حاله إلى أن يكون أحر مما ينبغي، وكذلك إذا ورد عليه شيء بارد أو يابس أو رطب واعلم أن الشيء الذي يقال له حار أو بارد أو رطب أو يابس على ضربين PageVW1P012B أحدهما بالفعل والآخر بالقوة، فالحار بالفعل هو أن تكون حرارته موجودة عند حس الإنسان كالباه وكذلك البارد والرطب واليابس والحار بالقوة هو أن لا تكون موجودة عند الحس إلا أنه ممكن أن يصير من بعد بالفعل كالفلفل والثوم والغامر مزجا. فالحار بالفعل يسخن البدن ساعة بلقاه والحار بالقوة يأخذ مبدأ PageVW0P019B الإسخان من البدن، أعني أنه يأخذ مبدأ الاستحالة إلى الحرارة من البدن حتى إذا صار حار بالفعل عاد وأسخن البدن، * وذلك لأن سخونة البدن (119) بالفعل وسخونة الفلفل وغيره بالقوة. وأما الحار بالفعل، يقال على أربعة أضرب: أحدها يقال مطلقا والآخر يقال بالأغلب والثالث أن يقال بالعرض والرابع أن يقال بالإضافة. فالحار المطلق هو ما كانت حرارته خالصة محضة غير مشوية بالضد، وكذلك كل واحد من البارد والرطب واليابس. وأما الحار بالأغلب فهو ما اجتمعت فيه الحرارة والبرودة غير أن الحرارة تكون غالبة على البرودة، وعلى هذا القياس البارد والرطب واليابس. وأما الحار بالإضافة فهو الذي توجد حرارته بحسب الاعتبار إلى شيء آخر، كما يقال * لحمام (120) إنه حار أي أن حرارته توجد بحسب الإضافة إلى حمام آخر أبرد منه. وأما قوله غذاء خارج عن الطبيعة كثير، فلو جعلت قوله كثير صفة للغذاء * ورفعته (121) يكون تقدير كلامه متى ورد على البدن غذاء كثير خارج عن الطبيعة بحسب الكمية، ويجوز PageVW0P020A أن ينصبه، ويكون تقديره PageVW1P013A متى ورد على البدن غذاء * كثير (122) خارج عن الطبيعة خروجا كثيرا في الكيفية أي مهما كان الشيء الوارد على البدن مقدارا معتدلا في الكمية والكيفية بحيث لم يغيره يكون ملائما موافقا طبيعيا. وأما إن ورد عليه شيء وغيره وأخرجه عن حاله الطبيعي فلا بد أن يحدث مرضا فيه. ويدل برؤه بالاستفراغ ان حدوث مرضه كان من جهة كثرة كمية الشيء الوارد عليه وبرؤه بتبديل المزاج واستعمال الضد، يدل على حدوثه أنه كان من الكيفية الخارجة من مزاج البدن.
16
[aphorism]
قال أبقراط الحكيم: ما كان من الأشياء يغذو سريعا دفعة فخروجه أيضا يكون * سريعا. (123)
[commentary]
إن الأشياء تغذو سريعا بحسب لطافة جوهرها وسرعة انهضامها ومطاوعتها للقوة الهاضمة بسرعة، خصوصا متى كانت القوة قوية وكان البدن جائعا يفتقر إلى الغذاء والحرارة قوية في جميع البدن تحلل وتجوع العروق وتهيجها إلى مص PageVW0P020B بعد مص ينتهي إلى الكبد * فيجذب (124) الكبد بحرارتها الجذابة وقوتها الجاذبة الكيلوس من المعدة سريعا ويميز الثفل منه فيخرج من المعاء سريعا إن لم يكن مانعا فيكون معنى كلامه على هذا التقدير ما كان من الأشياء ينهضم سريعا فخروج أثفاله يكون سريعا أو لأن الأغذية بعضها غليظة كثيفة بطيئة الانهضام يتولد منها دم ثخين متين، فإذا صار جزء عضو يكون ذلك الجزء صلبا قويا لا يتحلل بسرعة ويمكث زمانا طويلا ولا ينحل بسهولة. PageVW1P013B وبعضها لطيف ا لجوهر وهي التي يتولد منها دم لطيف رقيق بعد انهضامها في المعدة بسهولة. وإذا صار بدل ما يتحلل من البدن جزء عضو يكون أسخف قواما وألطف جوهرا فتؤثر فيه المحللات بسرعة وسهولة لقابليته، فيخرج من البدن وينحل منه بسهولة. فيكون معناه ما كان من الأشياء يغذو سريعا فخروجه بالتحليل أيضا يكون سريعا لأن اللحم الوثيق التركيب المنعقد من الدم المتين لاندماجه PageVW0P021A وتكرره لا ينفعل عن الموثر ولا يقبل التذويب والتحليل بخلاف اللحم السخيف النابت من الدم اللطيف المتهلهل النسج الواهي التركيب، فإنه باد في سبب يقبل التحليل والتذويب.
17
[aphorism]
قال أبقراط * الحكيم رحمه الله (125) : كل حركة يتحركها البدن * فإراحته (126) منها حين يبتدي به الإعياء تمنعه من أن يحدث له * الإعياء. (127)
[commentary]
إن الإنسان خلق بالطبع متحركا لأنه حساس متحرك بالإرادة وليس له أن تعطل نفسه مما خلق له فالبدن مهما احتاج إلى الحركة والرياضة واستعملها بالمقدار المعتدل ولم يتجاوز حد الرياضة كانت سببا للصحة. وإن بلغ الإعياء ودخل حد التعب * كانت (128) مضعفة ممرضة لأن في استعمال الرياضة والحركة المعتدلة نوع استفراغ وفي تركها ضرب من الاحتقان لأن الحركة التي في حد الرياضة تحلل الفضلات وتهيح الحرارة الغريزية وتجود أفعال القوى، والحركة التي تجاوزت حد الرياضة ودخلت حد * التعب (129) PageVW0P021B وهو الذي أخذ يظهر في الحركة الإعياء. فاعلم أنه آخر الرياضة وابتداء الإعياء الذي يحلل البخار الروحاني PageVW1P014A والحرارة الغريزية * ويضعفها (130) ، فترك الحركة عند ظهور الإعياء أمان من أمراض كثيرة تتولد من التعب كالحمى وتثوير الأخلاط وضعف القوى وغيرها. وكل إعياء يكون سببه الحركة فتركها عند ابتداء أثر * الإعياء (131) يمنع حدوث الإعياء المتعب المغير لصحة البدن.
18
[aphorism]
قال أبقراط رحمه * الله (132) : الإعياء الذي لا يعرف له سبب ينذر * بالمرض. (133)
[commentary]
الإعياء هو ضعف القوة المحركة بسبب ضعف آلات البدن وكلالتها. وسبب هذا الضعف إما وارد على جرم العضو أو على الروح الحامل للقوة المحركة أو على نفس القوة. والذي يكون السبب فيه خاصا بالعضو فإما سوء مزاج يفسد بسببه مزاج الروح * الحامل (134) للقوة، والذي يكون خاصا بالروح فهو إما تحلل باستفراغ يخصه، والذي يخص القوة فكثرة الافعال وتكررها، فإنها توهن القوة. وإذا لم يكن للإعياء PageVW0P022A سبب ظاهر من مزاولة الحركات وتكرر الافعال التي تسخن الأعضاء وتجلب إليها الفضول بسبب سوء مزاجها وضعفها، فتثقل الفضلات على القوة المحركة، فيحدث الإعياء ينذر بالمرض لأن الفضلات المتجلبة المثقلة وسوء المزاج إما عارضة وإما على الأعضاء التي هي آلات للقوة المحركة فتنالها الكلالة بسبب ضعف الأعضاء أو وردت على الروح الحامل للقوة المحركة فحدث به الإعياء أو تثقل الفضلات القوة بحيث عرض لها منها ما يعرض لها في وقت تكرر الافعال PageVW1P014B ومزاولة الحركات. * فالأعياء (135) يكون * كلالا (136) يلحق القوة المحركة من جهة الأسباب المذكورة، * وهي (137) ثلاثة أصناف: القروحي والتمددي والورمي. فالقروحي إعياء يحس * منه (138) في الظاهر من الجلد شبيه بمس القروح وقد يحس ذلك في المس وقد * يحس (139) به صاحبه عند حركته وضعف تثاؤبه وتمطيه وكراهته الحركات وسببه كثرة فضول رقيقة حادة وانتشار أخلاط رديئة. * وأما تمددي (140) يحس صاحبه كان بدنه قد رض ويحس بحرارة وتمدد ويكره صاحبه الحركة PageVW0P022B ويكون من فضول محتبسة في العضل. والإعياء الورمي فهو أن يكون البدن أسخن من العادة وشبيها بالمنتفخ حجما ولونا ويتأذى بالمس والحركة. فهذه كلها تنذر بالمرض إن لم يكن للإعياء سبب * ظاهر (141) .
19
[aphorism]
قال أبقراط : المشايخ أحمل الناس للصوم ومن بعدهم الكهول والفتيان أقل احتمالا له وأقل الناس احتمالا للصوم الصبيان، ومن كان من الصبيان أقوى شهوة فهو أقل * احتمالا (142) * له (143) .
[commentary]
اعلم أن القوة الغاذية وهي التي تحيل الغذاء إلى مشابهة المغتذي تورد الغذاء في البدن تارة مساويا لما يتحلل وتارة أنقص وتارة أزيد، والنمو لا يكون إلا بأن يكون الوارد أزيد من المتحلل لأن النمو يحتاج إلى تحصيل دم أكثر مما يتحلل من البدن ليجعل البعض بدلا لما تحلل، والباقي زيادة في جوهر الأعضاء على التناسب الطبيعي الذي هو النمو. إن * الأسنان (144) أربعة: سن النمو وهو إلى قريب من ثلاثين سنة وينقسم إلى سن الطفولة وإلى سن الصبوية PageVW0P023A والفتى، ثم سن الوقوف PageVW1P015A وهو إلى نحو من خمس وثلاثين سنة أو أربعين وهو سن الشباب، وسن الانحطاط مع بقاء القوة وهو سن المكتهلين وهو إلى نحو من ستين سنة، وسن الانحطاط مع ظهور الضعف وهو سن الشيوخ إلى آخر العمر. ولما كان الدم الذي يخلف بدل ما يتحلل وينصرف إلى النماء والنشوء يحتاج إلى تناول غذاء كثير فيكون الصبيان أقل الناس احتمالا للصوم وأحوج إلى الطعام ليصرف بعضه إلى بدل ما يتحلل والبعض إلى النماء، ولأن الصبيان لنعومة أبدانهم ورطوبتها وكثرة حركاتهم أكثر تحليلا ولقرب عهدهم بالمني والروح هم أرطب من المعتدل لأجل النمو ولأن الرطوبة مادة للنمو، * ولما كان النمو (145) لا يحصل إلا عند تمدد الأعضاء الأصلية والتمديد لا يتم إلا عند أمرين: أحدهما: كون العضو قابلا للتمديد برطوبته والآخر ما يفعل ذلك التمديد وهو الحار الغريزي. فيثبت أن في الصبيان الحرارة والرطوبة أكثر * ولتوفر (146) حرارتهم الغريزية كانوا أشد اشتهاء وأقل احتمالا PageVW0P023B للصوم ولرطوبة أبدانهم كانوا أكثر تحليلا لأن الهيولى * المتحلل (147) هو * الجوهر الرطب (148) والفاعل له الحرارة، فيحتاجون إلى غذاء أزيد من المتحلل ولأن النمو يحتاج إلى أمرين: لتبدل ما يتحلل ولزيادة جوهر الأعضاء. فيكون أقل احتمالا للصوم والجوع وأكثر احتياجا إلى الغذاء. وما كان من الصبيان أكثر حرارة غريزية يكون أقوى شهوة ومن كان أقوى شهوة فهو أقل احتمالا للصوم. ثم من بعدهم الشبان * لأن (149) أفعالهم الطبيعية من الشهوة والهضم أكثر * وأقوى (150) * الحرارة (151) PageVW1P015B الغريزية المستفادة فيهم من المني أحدث وأجمع بالنسبة إلى الكهول، ولم يقع لهم سبب يزيد في حرارتهم الغريزية ولم يقع بسبب لطفها بل تلك الحرارة مستحفظة فيهم برطوبة معتدلة في الكيفية والكمية معا. فيكون * حينئذ (152) الوارد على البدن مساويا لما تحلل منهم، ويكون وسطا بين سن النمو والانحطاط في احتمال الصوم والجوع. وأنهم أرطب من الكهول في المزاج وأكثر تحليلا، فيكون أقل احتمالا بالنسبة إلى الكهول PageVW0P024A والمشايخ لسلوكهم طريق الفناء وقلة حرارتهم الغريزية لكثرة تحليلات مضت في مادتها وهي الرطوبة الغريزية واستحالهم إلى المزاج البارد اليابس * الغير (153) القابل للتحليل وتشرب الغذاء فيهم، فلا يحتاجون إلا قليلا من بدل ما يتحلل ولضعف حرارتهم الغريزية وقصور * هضمهم (154) ونقصان استمرائهم هم أحمل الناس للصوم والجوع.
20
[aphorism]
قال * أبقراط (155) : أصعب ما يكون احتمال الطعام * على البدن في الصيف والخريف وأسهل ما يكون احتمال الطعام (156) عليه في الشتاء ثم بعده في * الربيع. (157)
[commentary]
واعلم أن الفصول الأربعة عند المنجمين هي أزمنة انتقالات الشمس في * الربع (158) ربع من فلك البروج مبدأه من النطفة الربيعية. وأما عند الأطباء فإن الربيع هو الزمان الذي لا يحوج في البلاد المعتدلة إلى دفاء يعتديه ويكون فيه ابتداء زمان الإزهار والإثمار، ويكون الخريف هو المقابل له لأنه زمان تغير اللون من الورق في الأشجار وابتداء سقوطها. وما سواهما شتاء وصيف، والصيف هو جميع الزمان الحار والشتاء PageVW1P016A هو جميع الزمان البارد. فالشتاء PageVW0P024B هو مقابل للصيف. يقول الحكيم أبقراط: احتمال الطعام في الصيف والخريف صعب عسر لأن الحرارة الغريزية في حر الصيف تميل إلى خارج البدن وتنتشر في سطحه الظاهر للجذب والمجانسة فيبرد الباطن وتضعف القوى الطبيعية، فلا يكون حال الهضم والاستمراء على ما ينبغي فلا يحتمل فيهما الغذاء الكثير. ويكون في * الشتاء (159) والربيع الذي يتلوه على العكس لأن الحرارة التي هي آلة للأفعال الطبيعية تنهزم من البرد وتجمع في الباطن وتشد الأعضاء وتقوي القوى لعدم التحليل. فيكون استمراء الغذاء فيهما جيدا ويكون احتمال الطعام على الأبدان سهلا. ولكن يناقض هذا الحكم ما قاله الشيخ في كلياته، إنه ينبغي أن يتناول في الشتاء من الأشياء الحارة بالفعل وفي الصيف من الأشياء الباردة بالفعل لأنه لو كان الباطن في الشتاء حارا * بالفعل (160) وأكل الشيء الحار بالفعل، فلا * بد أن (161) يلتهب الباطن ويسخن سخونة قوية نارية. ولو أكل في الصيف الذي يكون فيه الأحشاء والجوف باردا بالفعل * الأشياء (162) PageVW0P025A الباردة بالفعل فربما برد الباطن وانطفأت الحرارة من قوة البرد.
21
[aphorism]
قال أبقراط * رحمه الله (163) : الأجواف في الشتاء والربيع أسخن ما يكون بالطبع والنوم فيهما أطول ما يكون، فينبغي أن يكون في هذين الوقتين ما يتناول من الأغذية أكثر، وذلك لأن الحرارة الغريزية في الأبدان في هذين الوقتين كثيرة بالطبع والكسب، ولذلك يحتاجون إلى غذاء كثير، والدليل على ذلك أمر الأسنان * والصريعين. (164)
[commentary]
ولما كانت الحرارة الغريزية آلة للطبيعة بدفع ضرر البارد * الوارد (165) بالمضادة والحرارة الغريبة العارضين للبدن بتحريكها الروح إلى دفعها وإنما يدفع ضرر البارد بالمضادة ويحمي الرطوبات الغريزية عن أن يستولي عليها البرد فيجهدها وعن الحرارة الغريبة لئلا يعفنها لأن الحرارة الغريزية إذا كانت قوية تمكنت الطبيعة بتوسطها من التصرف في الرطوبات على سبيل النضج والهضم وحفظها على الصلاح فلم تعفن وأقبل على استمراء الغذاء ودفع الفضلات PageVW0P025B لأنها آلة للقوى كلها. فأما إذا كانت الحرارة الغريزية ضعيفة خلت الطبيعة عن الرطوبات لضعف الآلة المتوسطة بينها وبين الرطوبات فاستولت عليها الحرارة الغريبة وحركتها حركة غريبة فحدثت العفونة وبسبب ضعفها لا تقدر الطبيعة على هضم الغذاء ودفع الفضلات * ولأن (166) الحرارة وهي المدبرة تقوى جدا في الشتاء بما تسلم من التحلل وتجتمع جميع القوى الطبيعية تفعل فعلها بجودة. ولهذا قيل قلما يعرض للأبدان الصحيحة مرض في الشتاء، وإن برد الشتاء يجمع الحرارة الغريزية في البدن ويمنعها من التحلل والانتشار والانفشاش بسبب تكاثف المسام وانسدادها. ولما جعل الدستور في الأشتهاء وهضم الغذاء هذه الحرارة. وقال في الأسنان: من كان أوفر حارا غريزيا فهو أقل احتمالا للصوم وأحوج إلى الطعام، فقال في فصول السنة إن احتمال الطعام في الشتاء والربيع أيسر وأسهل، فبين في هذا الفصل PageVW1P017A كمية ذاك. فقال: الأجواف PageVW0P026A في الشتاء والربيع أسخن ما تكون بالطبع لأن الحرارة المحيية فيهما تجمع وتغوص في الباطن وتصير كامنة في الأجواف وتقوى في الاستمراء وتوليد الدم ودفع الفضول فتزداد شهوة الطعام. وإنما أدخل الربيع في حكم الشتاء لأن أوائل الربيع قريب منه ومما يعين على اكتساب الحرارة الغريزية طول النوم في ليالي الشتاء لميلها في حالة النوم إلى الباطن وإجمام القوى وإقبال الطبيعة إلى هضم الغذاء ونضج الفضول. وأما في الصيف وأواخر الخريف تبرز الحرارة الغريزية المحيية إلى الظاهر وتنفش وتتحلل وتضعف الأفعال الطبيعية. وإنما قال: والدليل على ذلك * أمر الأسنان (167) والصريعين، أي على أن الحرارة الغريزية سبب على هضم الغذاء أمر * الأسنان (168) ، فإن من كان منهم أوفر حرارة بالطبع كالشبان والذين في سن النمو يكون أحوج إلى الغذاء وأقل احتمالا للجوع، وكذلك الصريعين الذين يكسبون الحرارة بالرياضة ويحتاجون باستيفاء الغذاء الكثير. PageVW0P026B
22
[aphorism]
قال أبقراط * رحمه الله (169) : من كان بدنه غليظا جدا بالطبع فالموت إليه أسرع منه إلى * القضيف (170) .
[commentary]
واعلم أن السمين والشحم مادتهما دسومة الدم * وينعقد (171) بهما البرد وتذيبهما الحرارة ويدلان دائما على البرودة. فإن كان مع ذلك ضيق من العروق وقلة من الدم وكان صاحبه يضعف على الجوع دل على أن هذا المزاج غريزي وهذه السحنة جبلية. وإذا لم يكن هذه دل على مزاج PageVW1P017B مكتسب لأنه يمكن أن يتغير المزاج الطبيعي بسبب العادة كما يقولون العادة طبيعة خامسة وسبب التدبير كقضيف البدن إذا استعمل الراحة والدعة وقلة الرياضة، فكسب السمن وبالعكس السمين إذا استعمل التعب والصوم، يعني السمين المفرط الذي يكون سمنه طبيعيا يكون ضيق العروق ومنضغطا في اللحم والشحم والأرواح والحرارة الغريزية فيه قليلة لبرودة المزاج. فإذا PageVW0P027A وقع في * سن (172) الانحطاط إزداد برودته ونقص حرارته الغريزية وانغمرت في الرطوبات الغريبة وأخذ في الانطفاء فيكون أسرع إلى الموت من السمين المكتسب سمنه ومن القضيف الواسع العروق الكثير الروح والحرارة المحيية.
23
[aphorism]
قال أبقراط * الحكيم (173) : عظم البدن في الشبيبة ليس يكره بل يستحب إلا أنه عند الشيخوخة يثقل ويعسر احتماله، فيكون أردأ من البدن الذي هو أنقص منه.
[commentary]
أراد بلفظ الغليظ في الفصل المقدم السمن لأنه ذكر في مقابلته * القضيف (174) ويعني في هذا الفصل من الغلظ الزيادة في الأقطار الثلاثة * والطول (175) . والفرق بين السمن والزيادة في الأقطار أن الأجزاء الزائدة من الغذاء في النمو تنفذ في جوهر الأعضاء وتهددها وتزيدها طولا وعرضا وعمقا على التناسب الطبيعي. وأما في السمن لا ينفذ في جوهر الأعضاء بل يلتصق بها، يعني الزيادات التي تحصل للبدن في الشبيبة من النمو * مستحبة (176) PageVW0P027B مستحسنة في حال الشباب خصوصا الطول مادام شابا إلا أنه عند * الشيخوخة (177) ينحني ويثقل عليه ويعسر احتماله، فيكون أردأ من البدن الذي هو أنقص منه في PageVW1P018B الطول.
24
[aphorism]
قال أبقراط: من كان لحمه رطبا فينبغي أن يجوع، فإن الجوع يجفف * الأبدان. (178)
[commentary]
إن المجففات كثيرة مثل * الاستفراغ (179) وتواتر الحركات البدنية والنفسانية وملاقاة الشيء اليابس بالفعل المجفف حسب ما يفعله التراب ويبس السمائم * وتناول (180) الشيء اليابس بالقوة والمجفف كالنمكسود وورود المستفرغ المحلل كالاستحمام والسهر والتضحي للشمس وغيرها من المسخنات. وإنما خص التجفيف من بين المجففات بالجوع لينبئنا أن الجوع الذي يجفف بالعرض ومع تجفيفه الخفي اليسير ينفع البدن الرطب فانتفاعه بالمجففات القوية الظاهرة يكون أولى، فلا جرم من عرض له مرض بلغماني وانحرف مزاجه إلى الرطوبة كالاستسقاء والفلج والتشنج PageVW0P028A والاسترخاء ونحوها ينبغي أن يقلل طعامه ويجوع لئلا يرد على بدنه بدل مما يتحلل منه من الرطوبات * وأقبلت (181) القوة المدبرة الإلهية على هضم الرطوبات الفضلية واشتغلت الحرارة المحيية بتسخينها وتحليلها ونهضت القوى إلى إنضاجها ليكون غذاء للبدن إن كانت قابلة وصالحة لاستحالتها إلى الغذاء، وإلا دفعتها باستفراغ مناسب فحصل له التجفيف بطريق حسن ويمكن أ ن يكون البدن الصحيح مائلا إلى الرطوبة ويتوقع فيه حدوث المرض الرطوبي فينتفع بتقليل الغذاء.
25
[aphorism]
قال أبقراط * رحمه الله (182) : من كان بطنه لينا فإنه ما دام شابا فهو أحسن حالا ممن كان بطنه يابسا، ثم يؤول حاله إلى الشيخوخة إلى أن يصير أردى، PageVW1P018B وذلك أن بطنه يجف إذا أشاخ على الأمر الأكثر.
[commentary]
اعلم أن مزاج الشبان حارة رطبة بالاعتدال ومزاج المشايخ باردة يابسة والحرارة الغريزية في الشبان PageVW0P028B أوفر والقوى الطبيعية أقوى، فكان ما يرد عليهم من الغذاء الزائد من بدل ما يتحلل منهم ينصرف إلى النماء، فمتى وقف النمو جمع الفضلات ودفعتها القوة الدافعة بتليين البطن. فيكون أحسن حالا من الشاب الذي يكون يابس البطن. فإذا شاخ وصار يابس المزاج نشف رطوباته الرقيقة استيلاء يبس مزاجه وجهد برودة مزاجه الغليظة منها وضعفت القوة الدافعة عن دفعها. فيكون يابس البطن. فقال بناء على هذا المعنى إنه تؤول حاله عند الشيخوخة إلى أن يصير أردى، أحسب أنه يبين في هذا الفصل أن لين الطبن أجود وأقرب إلى الصحة في * الشاب (183) كان أو في الشيخ ويكون فحوي كلامه أنه من كان بطنه في شبابه لينا فهو أحسن حالا ممن كان بطنه في شبابه يابسا لأن فضلات بدنه تستفرغ بالتدريج وينقي بدنه ولا يجتمع فيه الأخلاط الرديئة والمواد المؤدية إلى السقم بخلاف ما لو كان في PageVW0P029A شبابه يابس البطن فتحتبس فيه الفضلات والمواد الغير المحتاجة إليها فيتوقع حدوث الأمراض التي تقتضيها، فلا جرم يكون الشاب اللين البطن أحسن حالا وأصح بدنا من الشاب اليابس البطن ما دام شابا لا مطلقا لأنه يؤول إلى العكس عند الشيخوخة لأنه يصير الشاب اليابس البطن حاله أجود وأحسن عند الشيخوخة PageVW1P019A لأنه يلين بطنه من الشاب اللين البطن لأنه يكون يابس البطن، فلا جرم يصير أردى حالا عند الشيخوخة من الشاب اليابس * البطن (184) .
26
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (185) : من كان بطنه في شبابه لينا فإنه إذا أشاخ يبس بطنه ومن كان في شبابه يابس البطن فإنه إذا أشاخ لان بطنه.
[commentary]
يبين وينور هذا الفصل * لقوله (186) إذا أشاخ لأن بطنه في الفصل الذي يليه مقدما إن لين الطبيعة في * الشباب (187) يكون إما لبرودة فم المعدة وازدياد شهوته فيتناول أكثر من جذب الكبد فيلين بطنه. وإذا شاخ وتفاقمت تلك البرودة لاستيلائها PageVW0P029B على مزاج الشيخ بحيث ابطلت القوة ا لشهوانية وتناول الطعام أقل من رزء البدن وجذبه يبس بطنه. وأما أن يكون شابا مكتنز اللحم مستغنيا عن الغذاء لامتلاء بدنه وعدم تحلله فيلين بطنه. فإذا شاخ وتخلخل بدنه لاستفراغات وتحليلات تقدمت عليه وبنشفان الأيام الماضية التي أذهبت برطوباته واحتاج إلى جذب الغذاء ليخلف لما تحلل منه فيجف * بطنه (188) . وأما إن تكون قوة الدافعة في المعدة وأمعاء الشاب قوية بحيث لا يمهل الكبد على استيفاء جذب عصارة الغذاء فتتحرر سريعا فيلين بطنه. وإذا شاخ * وغلبت (189) اليبوسة على بدنه وضعفت القوة الجاذبة الشهوانية في المعدة وجذبت الكبد رطوبات * الغذاء (190) من المعدة ومصتها عروق البدن يجف بطنه. وأما إن يكون لخلط حامض بلغمي يلحج في فم المعدة ويدغدغه بحموضته فيغتذي أكثر من رزء البدن فيلين بطنه. فمهما شاخ ونقصت رطوبات * المعدة والبدن (191) كلها بسبب PageVW1P019A غلبة اليبوسة. وقل تناول الغذاء PageVW0P030A بالنسبة إلى رزء البدن يبس بطنه. وأما إن يكو * ن (192) من كثرة انصباب السوداء إلى فم المعدة فتهيج الشهوة ويتناول أكثر من احتياج البدن فلان بطنه فإذا شاخ وقل انصبابها وقل تناول الطعام يبس بطنه. وأما يبس بطن الشاب يكون لحرارة فم المعدة وكبده فيجذب فم المعدة * بحرارته (193) الرطوبات إلى نفسه ويسترخي بها فتضعف وتنقص الشهوة ويقل تناول الغذاء والحرارة الكبدية تجذب عصارته إليها فيعرض يبس البطن. فإذا شاخ * وبردت (194) المعدة والكبد ويتناول الغذاء أكثر من رزء البدن ولم يقدر الكبد لبرودتها على استيفاء جلبه وجذبه فيلين بطنه. وأما من خلط مراري أو مالح في فم المعدة فيحدث نقصان الشهوة إلى الطعام فجف بطنه، فإذا شاخ وانتقص فيه الخلط المراري لغلبة البرودة واليبس وإزداد التغذي بالنسبة المعهودة لان بطنه أو يكون لشدة قوة الماسكة فتشبث به ويطول لبث الغذاء في المعدة ريثما تجذب الكبد * رطوباته (195) جميعا فيجف بطنه. فإذا شاخ وضعفت * (196) الماسكة في المعدة والجاذبة PageVW0P030B في الكبد لان بطنه وفي الجملة إذا استبدل مزاج الحار الرطب الذي للشاب بالمزاج البارد اليابس في حاله الشيخوخة فجميع القوى والأفعال الحاصلة للشاب على وجه الكمال تختلف وتتغير بل تضعف إذا شاخ ووقع في سن الانحطاط PageVW1P020A لأنها تابعة للمزاج فتختلف بحسب اختلافه. فلا جرم الشاب اليابس الطبيعة يلين بطنه في * حالة (197) الشيخوخة، وإن كان الشاب لين البطن يكون الأمر على العكس في هذا.
27
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (198) : ما كان من الأبدان في النشوء فالحار الغريزي فيه على غاية ما يكون عليه من الكثرة ويحتاج من * الوقود (199) إلى أكثر مما يحتاج إليه غيره، فإن لم يتناول ما يحتاج إليه من * الوقود (200) ذبل بدنه ونقص. وأما في الشيوخ فإن الحار الغريزي فيهم قليل، فمن قبل هذا ليس تكون الحمى في المشيخة حادة كما تكون في الذين في النشوء.
[commentary]
واعلم أن حرارة الصبيان أكثر كمية من حرارة الشبان كما أن جوهرا لطيفا حارا واحدا في الكيف والكم، فشيء تارة في جوهر PageVW0P031A رطب * كثير (201) كالماء وفشى * أخرى (202) في جوهر يابس قليل كالحجر. وإذا كان كذلك فإنا نجد * حينئذ (203) الحار المائي أكثر كمية وألين كيفية والحار الحجري أقل كمية وأحد كيفية. وعلى هذا فقس وجود الحار في الصبيان والشباب، * وقيل (204) لو أخذ الصبى الخصب وضمه الإنسان إلى نفسه فإنه يسخن البدن على أنه يزيد في جوهر الحرارة الغريزية وفي كميتها وفي الجملة كل من هو في النشوء فهو أكثر حرارة غريزية لقرب عهده بالكون وذلك أن كون الإنسان من الدم والمني والروح، وثلاثتها حارة حرارة غريزية ولان البدن من حين يوجد لا تزال تؤثر حرارته في رطوبته فتفنيها وتفنى هي أيضا بفنائها. إذا الرطوبة الغريزية تجري من الحرارة مجرى المادة لها كالدهن للسراج، فصار الصبيان ومن هو بعد في النشوء أكثر الإنسان حارا حرارة غريزية PageVW1P020B وأقلها حرارة الشيوخ والمتوسطون بينهما متوسط منهما. فإذا ضم الإنسان إلى صدره صبيا PageVW0P031B خصبا وهو أكثر الصبيان حرارة ورطوبة غريزية انضافت حرارة من بدن الصبى إلى حرارة فيتوفر جوهر الحرارة فيه * وتزداد (205) كميتها كالنار التي أضاف إليها نارا آخرى، ولهذا كانت القدماء فيمن كان يعتريهم ضعف الحرارة الغريزية إما من قبل السن أو من قبل الخلقة أو لعارض أخر مرضي كانوا يعتنقون * جزء الكلاب فيضمونها إلى صدورهم طلبا لهذه المنفعة (206) بعينها، وذلك أنه ليس شيء من أولاد الحيوان ما هو أطيب وأسمن وأنعم وأسخن من جزء الكلاب. فعلم أن جوهر الحرارة الغريزية في الصبيان كثير بحيث يزيدها في غير صاحبها كمية والرطوبة الغريزية أيضا فيهم غالبة لأن الرطوبة مادة للنمو والمادة لا تنفعل ولا تتخلق بنفسها بل عند القوة الفاعلة فيها والقوة الفاعلة هي النفس والطبيعة بإذن الله تعالى ولا تفعل إلا بالآلة وهي الحرارة الغريزية. ولما كان الصبيان أرطب من المعتدل لأجل النمو والتمديد ويدل عليه لين عظامهم وأعضائهم PageVW0P032A وقرب عهدهم بالمني والروح وهذه الرطوبة الغريزية التي هي بمنزلة الدهن للسراج بعد سن الوقوف تأخذ في الانتقاص بنقص الحرارة الغريزية فلا جرم يكون الصبيان والذين في النشوء أكثر حرارة غريزية ويحتاجون إلى غذاء أكثر من سائر الأسنان ليكون بدل ما يتحلل منهم ويفضل منه لأجل النمو وازدياد أقطار البدن. ولما غلبت اليبوسة وقلت الحرارة الغريزية في المشايخ وضعفت القوى PageVW1P021A * الطبيعية (207) فيهم لم يحتاجوا إلا إلى غذاء قليل لأن حرارتهم قليلة هادئة فاترة تنطفي وتنغمر بالغذاء الكثير كما تنطفي الشعلة الضعيفة التي * قاربت (208) الانطفاء من الدهن الكثير والنار الضعيفة من الوقود الكثير. ولما كان الصبيان والذين هم في النشوء على غاية الحرارة الغريزية فيحتاجون إلى الوقود الكثير ولأن التحلل فيهم كثير لرطوبة أبدانهم ولينها فيحتاجون من الخلف وبدل ما يتحلل منهم إلى أكثر مما يحتاج إليه غيرهم. ومع ذلك أبدانهم في النماء تحتاج إلى الزيادة في الغذاء لأجل النمو وأما الشيوخ PageVW0P032B فإنهم لا يحتاجون إلا إلى الوقود القليل لأن أعضائهم لجفافها وصلابتها لا تتمدد ولا تتشرب فيها الرطوبة ولا يحتملون الكثرة لانخزال قواهم وضعف الحرارة فيهم، ولما كان مزاجهم باردا يابسا مستبعد القبول لحدة الحرارة الغريزية وكثرتها فلا يكون * قابلا (209) لحدة الحرارة الغريبة التي للحمى لاتحاد موضوعهما. لما حكم الحكيم أبقراط بأن الذين هم في النشو أكثر الأبدان حارا حرارة غريزية أتبع ذلك بأن الشيوخ أقل الناس حارا، ثم استشهد على ذلك بأن الحمى ليست * تكون (210) في المشايخ حادة كما يكون هم في النشوء لأن الذين هم في * النشوء (211) تكون حرارتهم كثيرة وهم حار المزاج، فمتى أصابتهم حرارتهم الحمى وإنضافت إلى حرارتهم الغريزية تكون حمامهم حادة وأشد كيفية بخلاف مالو أصابت تلك الحمى بعينه ونوعه وعلى وتيرة واحدة على الشيوخ لم تكن حادة لأن مزاجهم بارد يابس يقاوم حرارة الحمى فلم تظهر فيهم شدة كيفية حرارة الحمى كما تظهر في الشاب الحار PageVW1P021B المزاج الكثير الحرارة الغريزية PageVW0P033A .
28
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم رحمه الله (212) : البدن الذي ليس بالنقي كلما غذوته زدته شرا.
[commentary]
يعني من البدن الغير النقي الذي فيه أخلاط رديئة وكيموسات فاسدة كثيرة بحيث لو ورد الطعام الجيد عليها واستحال إلى كيموس محمود تغير وفسد جوهره بمجاورة تلك الفضلات الرديئة ومصاحبة تلك الأخلاط الفاسدة التي في البدن بسبب غلبة كميتها وكيفيتها. فتزيد الأخلاط الرديئة وإزداد البدن شرا. فينبغي أن ينقي البدن الذي هذه حاله قبل التغذية. فأما لو كانت الفضلات الفاسدة قليلة في كميتها يسيرة في ردائة كيفيتها بحيث يمكن أن تصلحها الطبيعة بخلطها في الغذاء المحمود وشوبها في الكيموس الجيد أحالها إلى الغذاء وإلا انغمرت * تحته (213) وبقيت مكنونة إلى حين كما هو حال أكثر * الأصحاء (214) ، ولذلك يؤمر لمن في بدنه فضلات * رديئة (215) ولا يحتمل الاستفراغ أن يتوسع في الأغذية والأطعمة الجيدة PageVW0P033B * الكيموس (216) لتغمرها وتكسر * سوأها (217) بمخالطتها ومصاحبتها.
29
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط رحمه الله (218) : من كان بدنه صحيحا فاستعمال الدواء فيه يعسر.
[commentary]
يعني من كان بدنه نقيا يعسر في استعمال الدواء المسهل لأن وجود البدن الصحيح يستلزم وجود نقاء البدن وعدم نقائه يستلزم عدم صحته. فذلك الملزوم وأراد لازمه. فلما كان بين الصحة ونقاء البدن وبين الفضلات الرديئة والأخلاط الفاسدة تناف لا يجتمعان في بدن واحد ولا يرتفعان لأنه بينهما نسبة * المانعة (219) للجمع والخلو ثابت. قال الحكيم أبقراط: من كان بدنه نقيا من الفضلات الغير الطبيعية * يعسر (220) PageVW1P022A استعمال الدواء فيه لأن الدواء * المسهل (221) يستعمل إما في بدن ليست صحته بحيث لا يذم بسبب اجتماع الفضلات الرديئة فيه وأمارات الامتلاء المنذرة بأن صحته قد تزول أن لم يعن بها ويستفرغ من موادها PageVW0P034A . ويقال لهذا التدبير التقدم بالحفظ ولو كان بالحقيقة مركب من حفظ الصحة ومن التقدم بالحفظ. وإما إن يستعمل في بدن صحته قد أخذت تزول بسبب امتلائه من الأخلاط المؤذية، وهذا التدبير مركب من المداواة ومن التقدم بالحفظ لأنه ما قد زال من الصحة يحتاج إلى المداواة وما هو مزمع بالزوال يتقدم بالحفظ لئلا يزول. وإما يستعمل في البدن الذي قد زال صحته بسبب اجتماع المواد الرديئة المحدثة للمرض كالنقرس ووجع المفاصل والفالج وغيرها وهذا التدبير هو المداواة البحت. وأما في البدن الصحيح النقي لا يستعمل الدواء المسهل * أصلا (222) ولا يشرب * لأنه (223) لو شرب الدواء ولم يجد في البدن * شيئا (224) من الفضلات فيتصرف في الرطوبات الطبيعية المفتقر إليها البدن ليخرجها، عرض لشاربه قلق واضطراب ومغص وكرب ودوار وربما حدث عند استفراغها مع الصعوبة والعسر مرض صعب مثل التشنج اليابس والكزاز وتحليل الأرواح والحرارة الغريزية المؤدي إلى الغشي PageVW0P034B .
30
[aphorism]
* قال أبقراط (225) : من كان بدنه صحيحا فأسهل أو قيئ بدواء أسرع إليه الغشي وكذلك من كان يغتذي بغذاء رديء.
[commentary]
واعلم أن الأدوية المسهلة والمقيئة هي التي تميز الأخلاط عن الدم وتجذب الفضلات من العروق وتجمع المواد في المعدة PageVW1P022B والأمعاء ثم * القوة (226) الدافعة التي فيها تخرجها من البدن، فمهما شرب الدواء المسهل أو المقيء وسرت قوة الأدوية في الأعضاء وسلكت العروق. فإن لم يجد فيها فضلة وكان البدن نقيا عمل في الرطوبات الغريزية التي هي مادة الحرارة المحيية وأخذ في تحليلها واستفراغها فشارف الحرارة الغريزية الانطفاء أو هيجت قوى الأدوية الأرواح وعملت فيها بالتحليل بسبب استتباع المستفرغ الأرواح فحدث الغشي لأن الغشي * هو (227) تعطل حل القوى المحركة والحساسة لضعف القلب واجتماع الروح كله إليه * أو (228) استفراغ الروح وتحلله حتى لا يفصل على الموجود المعدن، وكذلك PageVW0P035A من كان يغتذي بغذاء رديء لأن الأغذية الرديئة تتولد منها الكيموسات الفاسدة السمية المخالفة فما ارتقت منها الأبخرة الرديئة الكيفية بمصاحبة الأرواح إلى القلب يحدث الغشي أو لو تمادى الإنسان في أكل الأغذية الرديئة القليلة الغذاء الرقيقة الكيموس * فيقل (229) في البدن الدم ولم تتولد فيه الأرواح والحرارة الغريزية بمقدار ما ينبغي ولم يحصل للبدن بدل ما يتحلل منه فتسقط القوى لضعف الأرواح التي هي مركبها فيحدث الغشي.
31
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (230) : إنما ينبغي لك أن تستعمل الدواء والتحريك بعد أن ينضج المرض، فأما ما دام نيئا في أول المرض فلا ينبغي أن تستعمل ذلك إلا أن يكون المرض مهتاجا وليس يكاد في أكثر الأمر أن يكون * كذلك (231) .
[commentary]
إن جالينوس يجزم القول بأن الأمراض المزمنة ينتظر فيها النضج لا غير وهو ترقيق الأخلاط الغليظة إن كان المانع الغلظ وتغليظها إن كان المانع PageVW1P023A الرقة وتقطيع الأخلاط اللزجة. PageVW0P035B فلو لم تنضج مادة المرض ولم تستعد للدفع ولاستيلاء الطبيعة جذب الدواء المسهل من البدن ما هو أرق الفضلات وألطفها وبقيت الغليظة العسرة الإخراج. وما كانت منها نيئة غير قابلة الامتياز عن الدم وعن الخلط المحتاج إليه البدن وهي ساكنة هادئة، فلا ينبغي أن يحرك بالدواء قبل إن ينضج وفي ابتداء المرض إلا أن تكون متحركة في نفسها مهتاجة في البدن من عضو إلى عضو آخر. وليس يكاد في أكثر الأمر أن يكون كذلك يعني ليس يكاد أن يكون في أول الأمر وابتداء المرض المادة * متحركة (232) مهتاجة، فإنه يرخص في تلك الحالة استعمال الدواء المسهل قبل النضج لئلا تنصب المادة المتحركة إلى عضو شريف ويعظم * الخطب (233) .
32
[aphorism]
* قال أبقراط (234) : ما دام المرض في ابتدائه فإن رأيت أن تحرك شيئا فحركه وإذا صار المرض إلى منتهاه فينبغي أن * يستقر (235) المريض ويسكن.
[commentary]
إن المبدأ من الأوقات الكلية للمرض ليس هو البدوء الأول الذي PageVW0P036A لا عرض له، فإن ذلك غير مضبوط على الأكثر لكنه الوقت الذي يحس الإنسان فيه * بالتكسر (236) والاضطراب في جسده ويعلم أن حاله قد فارقت الصحة مفارقة يظهر معها ضرر الفعل ، يعني متى أحست الامتلاء في البدن فبادر إلى الاستفراغ في ابتداء المرض ووفور القوة قبل النضج لتنكسر عادية المرض وسورته وتقل المادة بحيث اقتدر القوة المدبرة على الاستيلاء عليها لتنضجها وتدفعها، ولئلا تغلب على الطبيعة PageVW1P023B بكميتها * وكيفيتها (237) وعجزت القوة المدبرة عن مقاومتها كالذي يجاهد ويصارع الخصم فإنه يحتاج في ابتداء الأمر إلى المعين مع بقاء القوة في أول المجاهدة لأنه يؤول حاله آخر الأمر إما استيلاؤه على الخصم عند عجز الخصم وضعفه * وإما (238) غلبة الخصم عليه عند انهرامه وعجزه، فلا يحتاج إلى المعين بعد خؤر الطبيعة وتركها المجاهدة والمقاومة أو بعد استيلائها وغلبتها على المادة، وإذا صار المريض إلى منتهاه فينبغي أن يستقر المريض ويسكن لأنه فيه يتوقع البحران التام ويؤول الأمر * إما (239) إلى السلامة أو التلف. PageVW0P036B
33
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (240) : ينبغي أن تستعمل دواء الاستفراغ في الأمراض الحادة جدا إذا * كانت (241) الأخلاط هائجة منذ أول يوم، فإن تأخيره في مثل هذه الأمراض رديء.
[commentary]
يعني ينبغي أن تستعمل الدواء المسهل أو المقيء في ابتداء المرض الحاد الذي له مع سرعة انقضائه عظم ويكون بحرانه في الأسبوع الأول * أو (242) الثاني، فربما لم يمهل الطبيعة في نضج المواد لأنه إذا كانت هائجة سابحة في تجاويف العروق الكبار بعد خروجها من المسالك الضيقة ومضايق العروق الدقيقة بحدتها ولطافتها فتتوقع منها الانصباب إلى عضو رئيس أو إلى المخانق. * فيجب أن (243) لا يؤخر استعمال المستفرغ في مثل هذا المرض الحاد التي مادته هائجة قاهرة لتنقص كميتها * وتفتر (244) عادية كيفيتها، واقتدرت الطبيعة على مقاومتها، ولئلا * تتغلب (245) عليها بحسب كثرتها وحدتها منذ أول الأمر. PageVW0P037A
34
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (246) : قد تحتاج في الأمراض * الحادة (247) في الندرة إلى أن تستعمل الدواء المسهل في أولها وينبغي أن تفعل ذلك PageVW1P024A بعد أن * تتقدم فتدبر للأمر (248) على ما ينبغي.
[commentary]
اعلم أنه قد تحتاج في الأمراض الحادة في الندرة إلى أ ن تستعمل الدواء المسهل في أولها، أ ي لو اتفق هيجان مادة المرض في ابتدائه ولم تمهل الطبيعة لتتصرف فيها فالمبادرة إلى استفراغها أولى لئلا يلحق البدن من رداءة كيفيتها أو كثرة كميتها ضرر عظيم إذ ضرر حركة المادة الحادة أعظم من ضرر استفراغها قبل النضج خصوصا * إن (249) كانت هائجة سابحة في تجاويف العروق الكبار. وأما إذا كانت محصورة في تجاويف العروق الصغار الدقاق غير مداخلة في الأعضاء فلا يحرك حتى ينضج ويحصل له القوام المعتدل الصالح * للدفع (250) ، وكذلك إذا لم يأمن من ثبات القوة إلى وقت النضج استفرغنا ما قبله بعد PageVL7P037B إن يتقدم فتدبر الأمر على ما ينبغي، ثم تستعمل الدواء لأنه يجب إعداد البدن قبل الدواء المسهل بتوسيع المسام وتليين الطبيعة، وخصوصا في الأمراض الحادة المحتاجة إلى الاستفراغ قبل إعداد المادة، وفي الجملة * تليين (251) الطبيعة وتفتيح السدد * قانون (252) جيد في شرب * الدواء (253) المسهل وتوجيه المادة إلى جهة ميلها إليها. ولو كانت المادة حارة والمريض * محموما (254) ينبغي أن يكون المسهل من الأشياء الباردة * كالشيرخشت (255) والترنجبين والأجاص ليكون الجمع بين المصلحين وهو استفراغ المادة مع تبديل المزاج. قوله قد يحتاج دليل * على (256) قلة وقوع الاحتياج إلى المسهل في ابتداء المرض حتى لا ينضج ولم يستعد. وأعني بالنضج تغيير مادة المرض PageVW1P024B عن رداءة طبيعتها إلى حال يستعد بها لأن يخرج من البدن.
35
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (257) : من أحتاج إلى الفصد أو شرب الدواء فينبغي أن يسقى الدواء أو يفصد في الربيع.
[commentary]
* اعلم (258) أن الفصد هو استفراغ كلي يستفرغ الكثرة والكثرة هي PageVW0P038A تزايد الأخلاط على * تساو (259) منها في العروق وتفصد إما لكثرة الدم أو لردائة وإما لكليهما، وإذا أوجبت الضرورة * فصدا واستفراغا (260) فيجب أن تبدله بالفصد هذا من وصايا أبقراط، * وكذلك (261) إذا كانت الأخلاط البلغمية مختلطة بالدم، ولكن إذا كانت لزجة باردة فربما زادها الفصد غلظا ولزوجة فالواجب أن تبدأ بالمسهل. وفي الجملة إن كانت الأخلاط متساوية * يقدم (262) الفصد، وإن كانت غير متساوية * استفرغ (263) أولا الفضلة الغالبة حتى تتساوى ثم يفصد * يعني (264) الحكيم أبقراط أن البدن إن * كان ممتلئا (265) أو فيه * حال (266) فساد الكيموسات وأردت الاستفراغ فينبغي أن تسقي الدواء أو تفصد في الربيع لأن الصيف يجذب إلى السطح * الظاهر (267) من البدن، فلو جذبها الدواء والفصد إلى داخله فوقع المجاذبة والمدافعة المتخالفة في * الجهة (268) وتحيرت الطبيعة، وفي الشتاء تكون الأخلاط جامدة غليظة يعسر إخراجها من البدن، وأوائل الخريف في حكم الصيف وأواخره في حكم الشتاء أو لأنه بارد يابس في المزاج تغلظ المواد. PageVW0P038B وأما الربيع يحل ويذيب الفضلات بحرارة اللطيفة وتكون فيه المواد متحركة هائجة قابلة للاستفراغ والإسهال.
36
[aphorism]
* قال أبقراط (269) : من كان به زلق الأمعاء في الشتاء فاستفراغه بالدواء من فوق رديء.
[commentary]
إن زلق PageVW1P025A الأمعاء مرض معوي وهو أن لا يلبث الطعام في الأمعاء بل يزلق عنها سريعا غير منهضم، وسببه إما لبثور يخرج في السطح الداخل من الأمعاء أو الخارج منها. وإما * لرطوبات (270) فاسدة تجتمع في الأمعاء * فيزلق الطعام (271) ويخرجها، وإما لسوء المزاج * وإما (272) من أخلاط صفراوية لذاعة فيها وإما من ضعفها. فإذا ورد * الغذاء (273) الأمعاء في البثوري لذع الغذاء البثور ولذعت البثور الأمعاء دفعت ما فيها غير منهضم. وإنما قال من كان به زلق الأمعاء في الشتاء فاستفراغه بالدواء من فوق رديء عسر بل يستفرغ من أسفل * إن (274) كان سببه لرطوبات فاسدة في الامعاء أو لترهلها وسوء مزاج رطب * يعرض (275) لها أو من أخلاط مزلقة أو لذاعة فيها لأنها في الشتاء تكون PageVW0P039A غليظة كثيفة مائلة إلى * السفل، (276) فيستفرغ من جهة ميلها لتزيل سبب الزلق ويبرأ. فأما إن كان سببه بثوريا فاستفراغه بالدواء من فوق كان أو * من أسفل (277) رديء لأنه لما كان لذع الطعام البثور يهيج الزلق * فكان (278) لذع الأدوية القوية المقيئة أو المسهلة البثور أولى بالتهيج، وفي إزدياد سبب الزلق المعوي. وقال الشيخ في كلياته: من كان خلطه نازلا مثل أصحاب زلق الأمعاء تقيئته محال.
37
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (279) : ينبغي * أن (280) يكون ما يستعمل * في الاستفراغ (281) بالدواء في الصيف من فوق أكثر وفي الشتاء من أسفل.
[commentary]
إن الصيف أولى زمان يستعمل فيه القيء * وإن (282) احتاج إليه من لا يوافي القيء سجيته. فالصيف زمان يرخص له ذلك لأن آلات الصدر تكون في الصيف لينة مطاوعة * للانبساط (283) PageVW1P025B مواتية للامتداد وفي الشتاء يكون صلبا غير مطاوعة للتوسيع بالقيء والقذف أو لأن الأخلاط في الصيف ترق وتميل إلى المرارية وتطفو إلى فوق PageVW0P039B وفي الشتاء تغلظ وتجمد وترسب إلى تحت، فتستعمل المقيء في الصيف والمسهل في الشتاء ليكون دفع الفضلات إلى جهة مالت إليها.
38
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (284) : الأشياء التي ينبغي أن تستفرغ يجب إن تستفرغ من المواضع التي هي إليها * أميل (285) بالأعضاء التي تصلح لاستفراغها.
[commentary]
واعلم أن في كل استفراغ يجب * رعاية (286) * أربعة (287) أمور: أحدها استفراغ ما يجب استفراغه، أي يكون من الفضل المؤذي ويعقب بعد استفراغه راحة وخفة في البدن. والثاني رعاية جهة ميله كالغثيان الدال على ميل المادة إلى فم المعدة فتستعمل القيء والخيالات * الحمر (288) التي تحس أمام للعين تدل على ترقي الدم اللطيف إلى فوق، * فتستعمل (289) الترعيف والمغص والقراقر تدل على انحدار * الخلط (290) فتستعمل المسهل. والثالث رعاية جهة العضو المأوف ومخرج المادة من العضو القريب كالباسليق الأيمن * لعلل (291) الكبد والأيسر لعلل الطحال. والرابع أن يكون مخرجه طبيعيا كأعضاء البول لحدة الكبد والأمعاء PageVW0P040A لمقعرها يعلمنا سلوك طريق الاستفراغ. قال ينبغي أن تستفرغ * الفضول (292) الرديئة من المواضع التي هي إليها أميل وبالأعضاء التي كانت صالحة لعبور الأخلاط فيها، مثال ذلك أن فضول الدماغ لو كانت في مقدمه يستفرغ من المنخرين ولو كانت في مؤخرة أو وسطه يستفرغ من ثقب الحنك PageVW1P026A لأن مستفرغها وميلها الطبيعية إلى هذه المجاري، * وكذلك (293) تستفرغ مادة الكبد المأوفة إذا كانت في مقعرها بالإسهال، ولو كانت في محدبها بالإدرار ويستفرغ فضل المعدة المائلة إلى فمها بالقيء وإلى أسافلها بالإسهال لأن استفراغ فضول هذه الأعضاء من هذه النواحي أسهل وأوفق إن لم يكن مانعا فيها وكانت أميل إليها بالطبع. * فأما (294) إن كانت هذه النواحي مأوفة تستفرغ من غير هذه النواحي وترد إلى جهة آخرى.
39
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (295) : كل بدن تريد تنقيه فينبغي أن تجعل ما تريد إخراجه منه يجري فيه بسهولة. PageVW0P040B
[commentary]
يعني كل بدن تريد تنقيته ينبغي أن يكون المستفرغ من الخلط الغالب على البدن * ومن (296) الفضل الغير المحتاج إليه وأن يكون نضيجا معتدل القوام وأن يكون استفراغها من الجهة التي كانت مائلة إليها وأن يسهل * سبيلها (297) إلى الاندفاع من العضو المحتبس فيه بدفع من الدافعة لئلا يصعب استفراغها ويخرج بسهولة وحصل للبدن نقاء تام.
40
[aphorism]
* قال أبقراط (298) : من كان * قضيف (299) البدن وكان القيء يسهل عليه فاجعل استفراغك بالدواء من فوق أكثر وتوق أن تفعل ذلك في الشتاء.
[commentary]
إن أبعد الناس استحقاقا بالقيء هم النحفاء وكل ضيقي الصدور دقيقي الرقاب طويلي العنق ناتئ الحنجرة ضعاف المعدة والسمان جدا، فلا يليق بهؤلاء من جهة الطبيعة والسحنة القيء بل يصلح لهم * الإسهال (300) وأما بسبب العادة فكل من يعسر عليه القيء أو لم يعتده، فإن هؤلاء إذا قيء * بالمقيئات (301) القوية فربما انصدع عرق من أعضاء بنفسهم فيقعون PageVW1P026B في نفث الدم والسل. وأما أن وجدت قضيفا يسهل عليه القيء PageVW0P041A فاغتنم قيأه لأن القضاف أجدر بالقيء لصفراويتهم ولأن أكثر ما يتولد فيهم الصفراء وهي للطافتها وخفتها تميل إلى فوق، وينبغي أن يحذر من استعمال المقيء فيهم * أوان (302) الشتاء لأن الفضلات فيه تكون متجمدة غليظة راسبة في قعر البدن وتكون آلات الصدر صلبة غير مطاوعة للتمدد والانبساط خصوصا في القضاف والنحفاء المائلة مزاجهم إلى الصلابة واليبس لقلة لحومهم.
41
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (303) : فأما من كان يعسر عليه القيء وكان من حسن اللحم على حال متوسطة فاجعل استفراغك إياه بالدواء من أسفل وتوق أن تفعل ذلك في الصيف.
[commentary]
قال من كان قضيفا سهل إجابة الطبيعة إلى القيء، فالأولى في تنقيته أن تستعمل القيء، وينبغي أن يكون ذلك في الصيف أو الربيع. ومن كان معتدل السحنة فالإسهال أولى به، وإن دعى إلى استفراغه بالقيء * داع (304) * فلتنظره (305) إلى الصيف. * ولما (306) علمت أن القانون الكلي أنه يعسر القيء في القضاف والنحفاء الناتئ الخنجرة ويسهل على واسع الصدر PageVW0P041B معتدل اللحم. وفهمت ان القيء أسهل وأوفق في الصيف وأصعب * وأعسر (307) في الشتاء، واستعمال المسهل على العكس في هذين الفصلين. يعلمنا دستورا آخر ويقول لو وجد من معتدلي اللحم من كان يعسر عليه القيء ولم يعتد به وأردت تنقيته من الفضل المخالف فاترك بقيئته واجعل استفراغك أياه من أسفل بالدواء المناسب لذلك الخلط، ولكن احترز أن تفعل ذلك في الصيف. فإن المعدة في الصيف تكون ضعيفة والأدوية PageVW1P027A المسهلة في الأكثر تضعف المعدة وتسخنها ولأن الأخلاط في الصيف تكون رقيقة لطيفة خفيفة مرارية تميل إلى أعالى البدن وطبيعة آلات الصدر والأحشاء تكون موافقة للقيء مواتية للتمدد فيه كما لو وجد من القضاف من سهل عليه القيء والاستفراغ من فوق فيختار استعمال القيء به لسهولة احتماله، ويجب أن تحذر في الشتاء لغلظ المواد وصلابة عضلات الصدر فيه، وتكون آلات التنفس وأعضاء الصدر غير مطاوعة للتمدد والانبساط والانقباض عند دفع الخلط. PageVW0P042A
42
[aphorism]
* قال أبقراط (308) : فأما أصحاب السل * فإذا استفرغتهم (309) بالدواء فاحذر أن تستفرغهم من فوق.
[commentary]
يريد المستعدين للسل بسبب السحنة الطبيعية. يقول احذر واجتنب من استعمال القيء في كل رديء الصوت ضيق الصدر ناتئ الحنجرة واحترز ممن كان رئته ضعيفة مستعدة القبول للسل والوقوع فيه لئلا ينصدع عرق من رئته السخيفة وحدث له نفث الدم المؤدي إلى * السل والقرحة فيها. وإن فهمت من أصحاب (310) السل المسلولين الواقعين في السل فمضره القيء فيهم ظاهر لأن تمدد صدورهم وحركة آلات تنفسهم تزيد في اتساع قرحة رئتهم ونفث الدم والمدة منها، بل الاستفراغات كلها مذمومة فيهم لا القيء فقط لأنهم يحتاجون إلى الخصب وترطيب البدن والتغذية، فلو استفرغ منهم الرطوبات الواجب حفظها لاحتياج البدن إليها بسبب كثرة تحليلها PageVW0P042B بالحمى الدقيقة اللازمة عرض لهم الهزال والذبول المهلك.
43
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (311) : فأما من كان الغالب عليه المرة السوداء فينبغي PageVW1P027B أن يستفرغه الطبيب إياها من أسفل بدواء أغلظ إذ تضيف الضدين إلى قياس واحد.
[commentary]
إن المرة السوداء مضادة للمرة الصفراء في الطبيعة والقوام، أي في الغلظ واللطافة والميل والتحيز والخفة والثقل لأن المرة السوداء باردة يابسة غليظة رأسية إلى أسفل، وهي عكر الدم وثفله ثقيل بالطبع لأرضيته بخلاف المرة الصفراء فإنها حارة يابسة، وهي رغوة الدم وزبده تطفو فوق الدم للطافتها وخفتها وميلها الطبيعي إلى أعالي البدن. فلا جرم يكون الدواء المسهل لها مضادا لمسهل الصفراء وجهة استفراغها مخالفة لجهة استفراغها لأن الخلط السوداوي لغلظه لا يستفرغ إلا بدواء غليظ PageVW0P043A أي قوي ولا ينقى نقاء تاما بمسهل أو مسهلين لأرضيتها وغلظها بل ينبغي أن تستفرغ بعد تهيئتها وإنضاجها بالترطيب والترقيق بالاستحمام المعتدل والأغذية الرطبة والدعة والراحة لتمكن تنقية البدن منها هكذا في مرات حتى ينقى البدن وينبغي أن يكون اسفراغه من أسفل. قوله: إذ تضيف الضدين إلى قياس واحد، أي لما علمت أن المرة السدواء ضد الصفراء لثقلها وميلها إلى * أسفل (312) والصفراء لخفتها ولطافها مائلة إلى فوق، والقياس الواحد هو الذي يكون استفراغ الأشياء من المواضع التي هي إليها، فيكون حق تنقية البدن من السوداء من أسفل لميلها إليه والصفراء من فوق لترقيها إليه.
44
[aphorism]
* قال أبقراط (313) : إنما ينبغي أن تسقي من الدواء ما يستفرغ من البدن النوع الذي إذا استفرغ من تلقاء نفسه نفع استفراغه. PageVW1P028A فأما ما كان استفراغه على خلاف ذلك فينبغي أن تقطعه PageVW0P043B .
[commentary]
يعني إذا أردت تنقيه البدن ينبغي أن تسقي من الدواء الذي يستفرغ من النوع الذي إذا استفرغه * القوة (314) المدبرة الالهية الموكلة على البدن للتدبير في إصلاحه ذلك * النوع (315) من الخلط وميزه عن غيره من غير قصد. وأرادتك تكون هو ذلك بعينه ولم يكن غير ذلك الخلط ويعقبه لا * محالة (316) خفة وراحة من غير كرب وضعف. والمراد من الاستفراغ من تلقاء نفسه هذا الاستفراغ الطبيعي الذي يميز الخلط الرديء من غيره ويدفعه بلا كلفة شرب الدواء * أو (317) تحريك الدواء المسهل. ومتى علمت أن الاستفراغ ليس من * قبل (318) الفضل المؤذي ولا من الخلط الغير الملائم فينبغي أن تقطع الإسهال لئلا يتبعه ضعف وكرب من * استفراغ (319) الخلط المحتاج إليه البدن. فإن من تعرض للإسهال والقيء وبدنه كان نقيا لم يكن له بد من دوار ومغص وكرب يلحقه ويكون ما يستفرغ يستفرغ بصعوبة جدا وبالجملة مادام الدواء يستفرغ الفضول، فإنه لا يكون معه اضطراب. وإذا أخذ يضطرب PageVW0P044A ويكأب فاعلم أنه يستفرغ منه غير الفضول واشتغل في احتباسه.
45
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (320) : إن كان ما يستفرغ من البدن عند استطلاق البطن أو القيء الذي يكونان طوعا من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن نفع ذلك وسهل احتماله، وإن لم يكن كذلك كان الأمر على الضد، * وكذلك (321) خلا العروق فإنها إن خلت من * النوع (322) الذي ينبغي أن * يخلو (323) منه البدن نفع ذلك وسهل PageVW1P028B احتماله، فإن لم يكن كذلك كان الأمر على الضد. وينبغي أن تنظر أيضا في الوقت الحاضر من أوقات السنة وفي البلد والسن وفي الأمراض * هل (324) يوجب استفراغ ما قد هممت باستفراغه أم لا.
[commentary]
واعلم أن الحاجة إلى القيء والإسهال وغيرهما من الاستفراغات القوية غير واقعة بمن كان حسن التدبير * فإن حسن التدبير (325) يحتاج إلى أسهل منها، وربما كفاه الرياضة أو الدلك أو الاستحمام. فأما إن PageVW0P044B وقع الاحتياج إليهما بحسب سوء التدبير وكسب الامتلاء من الكيموسات الرديئة، فإن كان ما يستفرغ من البدن عند استطلاق البطن أو القيء الذين يكونان طوعا أي مجيئا وممتئلا لأمر الطبيعة أو الدواء المسهل ويكون من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه البدن نفع ذلك الاستفراغ وسهل على البدن احتمال استفراغ تلك الفضول، وإن لم يكن كذلك * بل (326) يكون مما لا ينبغي أن يخرج من البدن كان الأمر على الضد، أي لم ينفع وصعب احتماله لأنها تكون من الأشياء المحتاجة إليها البدن، وكذلك خلاء العروق * لأن القيء والإسهال إن أفرطا بحيث انتزعا من العروق الأخلاط الرديئة (327) التي ينبغي أن يخلو منه البدن وأيضا لو خلت بالفصد من الزيادة في الدم كالذي يحدث في حمى سونوخس ومن السخونة الغليان في الماء شرا نفع ذلك وسهل احتماله لأنها خلت من النوع الذي ينبغي أن * يخلو (328) منه وبالمقدار الذي يجب. قوله: وإن لم يكن كذلك أي لو لم يكن من الفضلات الرديئة التي ينبغي أن PageVW0P045A تستفرغ وبالمقدار المقصود لم تحتمله الطبيعة والقوة. وقوله: وينبغي أن تنظر في الوقت الحاضر من أوقات PageVW1P029A * السنة (329) وفي البلد والسن وفي المرض ، أي لو كان الوقت صيفيا قائظا والبلد من البلاد * الحارة والسن سن الشباب والمرض حاد حار، فلا بد أن تستفرغ البدن من المادة الحارة التي توجبها هذه الأسباب كما لو كان الوقت شتويا وكان البلد من البلاد (330) الباردة والمريض شيخا والمرض بليدا باردا يوجب استفراغ المواد البلغمانية والباردة. واعلم أن ضعيف * المعاء (331) ربما استفاد من الأدوية المسهلة قوة مسهلة فطال عليه الأمر واحتاج إلى علاجات كثيرة، وكذلك الصبي * الذي (332) لم يبلغ المشايخ يخاف عليهم من الدواء المسهل غوائله وفي وقت طلوع الشعرى العبور وهواء وإن القيظ والحر الشديد وفي حال وقوع الثلج على الجبال والبرد الشديد فينبغي أن ينظر في الوقت الحاضر من أوقات السنة والسن. أو * نقول (333) لما وجب حفظ * الأخلاط على النسبة الطبيعية لها في الكم والكيف دون (334) PageVW0P045B البدن فينبغي أن تصان عليه نسبة بعضها إلى البعض في الكمية والكيفية ليكون موافقا للمزاج. فمهما تجاوز أحدها من حده ومقداره يكون مضرا مؤذيا إلى سوء مزاج. فقال الحكيم أبقراط ما يستفرغ من البدن بالاستطلاق والقيء إن كان فضلا غير ملائم وكان مما ينبغي استفراغه في نوعه ومقداره * نفع، وكذلك (335) إن خلت ا لعروق من النوع الذي ينبغي أن * تخلو (336) منها وهو من الأخلاط المؤذية المختلطة بالدم لا من الدم المحتاج إليه لأنه إنما يؤذي بسبب خلط ما آخر ولأنه إذا سخن وعفن استحال لطيفه مرة صفراء وكثيفه مرة سوداء وخروجها طوعا بلا صعوبة وقلق دليل على أنه من الفضلات الغير المحتاجة إليها وليكن الاستفراغ بالاستدلال من مقتضى الوقت والسن والسحنة والبلد والمزاج * والتدبير المقدم وأولى الاستدلال PageVW1P029B أن يكون من نوع المرض فإن الشباب الحار المزاج في الوقت الحار والبلد السخين (337) إذا فلج لم يستفرغ منه الدم والصفراء ولو كان المزاج والسن والوقت البلد يوجبه. PageVW0P046A وإنما قال: * وكذلك (338) خلاء العروق، لأنه قد يستفرغ بالقيء والإسهال من جوف المعدة والأمعاء بلا خلاء العروق فذكره ليندرج في الحكم المقصود * ذلك (339) الاستفراغ الذي * تخلو (340) معه العروق والفصد الغير المذكور مع أن الدم حبسه في البدن واجب بالطبع واستفراغه خارج عن الطبع والمرتان والبلغم يكون استفراغها طبيعي وحبسها غير طبيعي لأن قوام البدن من الدم وهو أيضا يسخن البدن ويدفع نكاية البرد ويسخن الأحشاء ويعين القوى على أفعالها ويفيد اللون والبشرة جمالا ونضارة مع أن الطبيعة ضنين على استفراغه لكنه قد يوجد مقداره زائدا عن الاحتياج فينقص كما في الحمى المطبقة. وأما إذا كان * على (341) مقداره في الكم والكيف لا ينبغي أن يستفرغ ما دام البدن صحيحا وإن خرج يكون خارجا عن المجرى الطبيعي كما في انفجار الدم. وأما الطمث في النساء وهو أفضل دم تميزه الطبيعة لكون الجنين وتغذيته، فإذا لم ينصرف إلى الزرع وتغذيته دفعته الطبيعة كل شهر. PageVW0P046B
46
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (342) : إن الأجود في كل مرض أن يكون ما يلي السرة والثنة له ثخن ومتى كان رقيقا جدا منهوكا فذلك رديء. وإذا كان أيضا كذلك * فالإسهال (343) معه خطر.
[commentary]
واعلم أن الإسهال والقيء مع هزال المراق صعب متعب ذو خطر وسمن ما يلي السرة وثخن الثنة جيد وهزالهما رديء PageVW1P030A لأن في هذه النواحي عضلات تعين على عصر ما في الأحشاء من البراز والبول والأجنة في الأرحام وتسخن المعدة والأمعاء بإدفائها وتعين الحجاب وتدعمه عند النفخة. واعلم أن ما في الجوف من الأعضاء والعروق فمنبت أغشيتهما من * الصفاق (344) المستبطن لعضل البطن وهو غشاء موضوع تحت العضلة على البطن من الغضروف الحنجري المشرف على فم المعدة إلى عظم العانة، وإن المعدة والأمعاء * تستعين (345) وتستمد في هضم الغذاء ودفع ثفلها بهذا الصفاق والثرب الشحمي القابل للحرارة سريعا بسبب الشحم ولأن الثرب مؤلف من طبقتين صفيقتين غشائيتين PageVW0P047A مطبقة أحداهما على الأخرى فيما بينهما عروق * وشرايين (346) كثيرة وفيما بين الطبقتين شحم كثير ومنشأه من فم المعدة ومنتهاه عند المعاء المسمى قولون. فظهر أن الثرب ليس بشحم بل عضو إلى شحمي، فإن الصفاق والمراق والثرب والعضلات إن كانت حول السرة والثنة رقيقة متهلهلة النسح تكون ضعيفة تضر بالاستمراء وتوليد الدم ودفع الفضلات لأنها تعين آلات الغذاء والقوى الطبيعية في إفعالها. فسمن الثنة وثخن ما يلي السرة جيد في كل مرض وهزالهما رديء، وكذلك الاستفراغ بالمقيء والمسهل مع رقة هذه آلات والأعضاء ذو خطر رديء لأنها لا تقدر على دفع أذى الأخلاط والدواء عن نفسها فيكون متألما متأثرا لضعفها ولا تعين المعدة والأمعاء لدفع الفضلات * ويحتبس (347) فيها، ومع هذه الحالة يكون القيء أكثر خطرا لأنها تتمدد عند PageVW1P030B القيء فلا يؤمن * من (348) هتك شيء منها لدقتها ورقتها وسخافة جرمها، ويتألم صاحبها عند تحريكها بالعنف.
47
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (349) : PageVW0P047B بعد طلوع * الشعرى (350) العبور وفي وقت طلوعها * وقبله (351) يعسر الاستفراغ بالأدوية.
[commentary]
الشعرى العروب كوكب يشتد الحر عند طلوعه وقبله وبعده بعشرين يوما هكذا، وجده أبقراط في زمانه يعني بذكره نهي المسهل في أيام الصيف وشدة الحر والقيظ لأن هذا الوقت حار يابس لقرب الشمس من سمت الرأس وقوة الشعاع الفائض عنها إلينا. وسبب ذلك في الحقيقة هو أن مسقط الشعاع منها ما هو بمنزلة مسقط السهم من الاسطوانة والمخروط كأنه ينفذ من جرم الشمس إلى ما هو محاذيه، وإن * قوته (352) عند سهمه إذ التأثير من أشعة * جرمها (353) تتوجه إليه من الأطراف كلها. وأما ما يلي الأطراف فهو * أضعف (354) ونحن في الصيف واقعون في السهم أو يقرب منه، فيمنعنا من الاستفراغ في اشتداد الحر بمثل هذه البلاد لأن الهواء في هذه الأماكن في تلك الأوقات تكون حارة يابسة مجففة منشفة لرطوبات الأبدان فلا يجد الدواء المستفرغ مبذرقا لدفع الأخلاط PageVW0P048A والمواد * الكثيفة (355) المتحللة أجزاؤها الرقيقة ولأن أكثر المسهلات حارة واجتماع الحارين في بدن واحد غير محتمل أو لأن القوى في الصيف تكون ضعيفة وآلاتها مسترخية أو لأن حرارة الصيف تجذب المواد الفضلية إلى خارج البدن وإلى سطحه * الظاهر (356) * والدواء (357) المسهل يجذبها إلى داخله، فيقع التجاذب والتنازع بين الشيئين في بدن واحد.
48
[aphorism]
* قال أبقراط (358) : * في (359) شرب الخربق خطر لمن كان لحمه PageVW1P031A صحيحا وذلك أنه يحدث تشنجا.
[commentary]
اعلم أن كل استفراغ أفرط في عمله، فإنه يسخن البدن ويجففه، فإن بقي بقية من المادة التي تحتاج إلى استفراغها يكون أقل خطرا من الاستقصاء في الاستفراغ والبلوغ به إلى أن * تخور (360) القوة، فكثيرا ما تحلل الطبيعة تلك البقية بعد الفراغ. يعني بالبدن الصحيح البدن الذي لا فضلة فيه ولا يحتاج إلى تنقية، فلو سقيته خربقا انتزع الرطوبات المحتاجة إليها البدن فيجفف اللحم ويصلب الأعصاب ويعرض التشنج اليابس. ولا يختص هذا الحكم بالخربق فقط بل يعرض هذه الحالة من كل دواء PageVW0P048B أفرط في استفراغه لكن حدوثها من الخربق أظهر لمبالغته في استنزاف رطوبات البدن وتجفيف الاعصاب والأعضاء الأصلية.
49
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (361) : من أحتاج إلى أن يسقى الخربق وكان استفراغه من فوق لا يواتيه بسهولة فينبغي أن يرطب بدنه * من قبل (362) سقيه أياه بغذاء أكثر وراحة.
[commentary]
يعنى إذا احتجت إلى استفراغ بدن يابس أو خلط يابس بدواء قوي مثل الخربق ونحوه فبالغ قبل استفراغه في الترطيب بالأغذية الدسمة الرطبة والدعة والراحة والاستحمام المعتدل المرطب لتكسب أعضاؤه النداوة والرطوبة ويقدر على الامتداد في حال القيء وليحصل للفضلات اليابسة مبذرقا من الرطوبات ولأن الأدوية القوية خصوصا الخربق يستفرغ الرطوبات باستقصاء وعنف، فيجفف الأعضاء العصبانية PageVW1P031B ويحدث التشنج اليابس إن لم يكن في البدن فضل رطوبة فلا جرم ينبغي أن تحتاط PageVW0P049A في ترطيب البدن وبالغ في تسييل الأخلاط وتذويبها عند شوبها بالرطوبات الفاضلة المكتسبة.
50
[aphorism]
* قال أبقراط (363) : إذا أردت أن يكون استفراغ الخربق أكثر فحرك البدن وإذا أردت أن تسكنه فنوم الشارب له ولا تحركه.
[commentary]
إن الحركة المعتدلة تنمي الحرارة الغريزية وتقوي القوى على إفعالها وتهيج المواد والفضول المحتبسة الساكنة وتزيد الأخلاط المستعدة للذوبان إسالة. وأما إذا كانت مفرطة كثيرة أو شديدة فربما دفعتها إلى الخارج بالعرق بسبب تسخينه البدن وتفتيحه المسام، ولو أفرط في الكثرة أو الشدة فإنها تحللها. وأما السكون فهو مبرد لفقدان * انتعاش (364) الحرارة والاحتقان الخانق والنوم * شديد (365) الشبه بالسكون واليقظة بالحركة، * فالسكون (366) والنوم يسكنان المواد المنبعثة ويغلظانها. فقال: إذا أردت أن يكون استفراغ الخربق أكثر فحرك لشاربه بالحركة لتثور الأخلاط PageVW0P049B وتهيج الأخلاط الغير المحتاجة إليها ولتكون الحركة معينة للدواء في إخراج الفضلات . ولو أفرط في الإسهال وأردت أن تسكنها فنوم الشارب ولا تحركه لتغوص الحرارة الغريزية التي هي آلة للقوى وتكسر الطبيعة سورة الدواء ولكي تسكن الأخلاط وتغلط بالبرودة الحاصلة من السكون والنوم وينقطع الاستفراغ والإسهال.
51
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (367) : إذا سقيت إنسانا خربقا فليكن قصدك لتحريك بدنه أكثر PageVW1P032A ولتنويمه وتسكينه أقل وقد يدل ركوب السفن على أن الحركة تثور الأخلاط.
[commentary]
يعني من أراد شرب الدواء المسهل فليتحرك بحكرة معتدلة * لتثور (368) الأخلاط بدليل تثورها بركوب السفن. وإن أردت قطعه فلينم ولا يجب أن يتحرك على الدواء * كما (369) يشرب بل ينبغي أن يسكن في أول الأمر حتى تشتمل عليه الطبيعة فتعمل فيه وخرج من الدواء ما هو بالقوة إلى الفعل بل ينبغي إذا شرب إنسان المسهل وكان PageVW0P050A قويا أن ينام عليه قبل عمله ليجود عمله. وإن كان ضعيفا فالأولى أن لا ينام عليه، فإن الطبيعة تهضمه وتسقط قوته. فأما إذا أخذ الدواء في العمل فالأولى أن لا يسكن بل ينبغي أن يتحرك بحركة معتدلة. ويستدل بركوب السفينة أنه مع سكونه في نفسه وحركة الغير الذي هو عليه تهيج الأخلاط وتثور الفضلات * فتهيجها بالحركات البدني الذي فيه المواد يكون (370) أولى وتثويرها يكون أحرى. فلما عرفت أن الحركة * مهيجة (371) مثورة، فلا بد أن يكون السكون والنوم مبلدا مسكنا لها لأنهما ضد الحركة، فيكون فعلهما في المواد والأخلاط * ضد (372) فعلها.
52
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (373) : * الأوجاع التي فوق الحجاب تدل على أن الاستفراغ بالدواء من فوق و (374) الأوجاع التي من أسفل تدل على أن الاستفراغ بالدواء من أسفل.
[commentary]
يعني يستفرغ ما في المعدة * بالقيء (375) إن كانت * المادة (376) في فمها وإن كانت PageVW0P050B في قعرها بالإسهال، يقول إن كانت الخلط الموجع فوق الحجاب الذي يحول معارضا بين المعدة والكبد وهو حجاب معصل بالحجاب * المعترض (377) الذي بين القلب والمعدة وجب استفراغه بالقيء، أي إذا كان الفضل المؤذي من فوق في فم المعدة وعند PageVW1P032B الحجاب يستفرغ من فوق ليكون موافقا لجهة ميل المادة إليها * ويكون (378) أقرب سبيلا لسلوكها إلى الخارج. وإن كان من أسفل المعدة وقعرها ينبغي أن يستفرغ بالإسهال ويستدل على أن المادة في فم المعدة بالوجع من فوق وتقلب النفس والغثيان. وإن كانت في قعرها أو في الأمعاء يستدل بالوجع من أسفل وبالمغص والقراقر ليكون إخراجها من الجانب الذي مالت إليه، * ولكن (379) يستعمل القيء في العلل التي تعرض في أسافل البدن مثل وجع الركبتين وعرق النساء والنقرس. ويستعمل المسهل في علل الرأس وأعالي البدن مثل وجع العين والاذن وغيرهما إن كانت * المادة (380) متحيزة مستكنة لأن الدواء المسهل يجذب من فوق ويقلع من تحت والقيء يفعل الجذب والقلع بالعكس. واعلم أنه يعني في * هذا (381) الفصل فوق المعدة وأسفلها لا البدن مطلقا، يعلمنا تأمل جهة ميل المادة ودفع الطبيعة لها لنحذو حذوها ونعينها.
53
[aphorism]
* قال أبقراط (382) : من لم تكن به حمى وكان به امتناع من الطعام ونخس في الفؤاد وسدر ومرارة في الفم فذلك يدل على استفراغه بالدواء من فوق.
[commentary]
يعني يعالج عدم الشهوة لغير المحموم لو كان مع نخس الفؤاد والسدر ومرارة الفم بالقيء لأن عدم الاشتهاء مع مرارة الفم ونخس الفؤاد، وهو وجع يعرض لفم المعدة ويسمون فم المعدة فؤادا * لقربه (383) من القلب، يكون من خلط مراري ينصب إلى فم المعدة وسوء مزاج حار يعرض فيها. والسدر، وهو حالة يبقى الإنسان مع حدوثها PageVW1P033A باهتا يجد في رأسه ثقلا وفي عينيه ظلمة، ربما وجد طنينا في الاذنين وربما زال معها * عقله (384) * وسببه (385) امتناع الروح PageVW0P051B النفساني * عن سلوكها (386) الطبيعي في أوعية الدماغ وعروقها، فيحدث السدر. وحدوثه مع مرارة الفم ونخس الفؤاد يدل على أن سبب السدر شدة ألم يعرض لحجب الدماغ من الصداع الحادث من ارتقاء البخارات المراري وتصاعد الخلط الصفراوي إليه، فلا جرم * يعالج (387) عدم الاشتهاء مع وجود هذه العوارض الدالة على ميل * المادة (388) المرارية إلى فوق بالقيء ليكون استفراغها من الجهة المائلة هي إليها، وإنما خصص علاج عدم الشهوة مع وجود هذه العوارض التي لم تكن معها حمى بالقيء لأن امتناع الطعام ونخس الفؤاد والسدر ومرارة الفم تكون في أكثر الأمر عرضا للحمى وتبعا لها ويتنفي بانتفائها بلا احتياج إلى القيء فقيد علاجه به مع عدمها.
54
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (389) : من لم تكن به حمى وأصابه مغص وثقل في الركبتين ووجع في القطن فذلك يدل على أنه يحتاج إلى الاستفراغ بالدواء من أسفل. PageVW0P052A
[commentary]
يعني لو عرض لغير المحموم مغص وهو وجع في الأمعاء بسبب خلط بورقي مالح وإما من خلط غليظ بلغمي يرتبك في الأمعاء وإما من زبل يابس محتقن فيها أو ريح غليظة * محتقنة (390) فيها تمدد الأمعاء وإما فضل حاد ينصب إليها ووجع في الركبتين والقطن فهذه كلها تدل على احتياج الاستفراغ من أسفل، أظن أنه لا يستفرغ مع هذه الحالات من أسفل مطلقا، ولهذا يؤمر القيء في علاج وجع الركبتين والقطن وغيرها PageVW1P034B ولكن يستفرغ من أسفل بالمسهل، وقت دفع الطبيعة الفضلات إلى أسافل البدن وميلها إلى * السفل (391) دفعه ليكون إعانة للطبيعة واستفراغها لها من جهة ميلها إليها لأنا نحذو حذوها في الاستفراغ. وإنما خصص هذا الحكم لهذه العلل مع عدم * الحمى (392) لأنه يكون في * أكثر (393) الأمر من أعراض الحمى وتبرأ عند انقلاعها بالاستفراغ من أسفل. واعلم أن على فقر القطن سناسن وأجنحة عراض زوائدها المفصلية السافلة يستعرض PageVW0P052B فيشبه ا لأجنحة الواقية، وهي خمس فقرات كلها منبت لأعصاب الرجل، فمهما انصبت إلى فقرات القطن فضلات مؤذية وسرت وانحدرت بطريق الأعصاب الناشئة منها إلى الركبتين واحتقنت واحتبست في مفصليهما واشتكى العليل بثقلهما، فينبغي أن تستفرغ من أسفل لأن الدواء المسهل يجذب من فوق ويقلع من تحت، فإذا كانت من تحت جذبها إلى الخلاف وقلعها.
55
[aphorism]
* قال أبقراط (394) : ينبغي أن تسقي الحامل الدواء إذا كانت الأخلاط في بدنها هائجة منذ تأتي على الجنين أربعة أشهر وإلى أن تأتي عليه سبعة أشهر، ويكون * التقدم (395) على هذا أقل. فأما من كان أصغر من ذلك أو أكبر منه فينبغي أن يتوقى عليه.
[commentary]
واعلم أن الأدوية المسهلة كلها لا تلقي الأعضاء ولا تصير إليها ألا ترى أنه قيراط من السقمونيا يحدث الصفراء من سائر الأعضاء. ومن البعيد أن يتوزع هذا القدر منه على كل واحد PageVW0P053A من أجزاء البدن وأيضا فإن هذه الادوية تجذب على البعد من الأخلاط، فإذا قرب منها واتصل بها لم يجتذبها أصلا. وأفعال هذه PageVW1P034A الأدوية مضادة لأفعال الطبيعة المدبرة في البدن إذ الطبيعة من شأنها أن تستمسك بالأخلاط لتحفظها، والأدوية المسهلة من شأنها أن تقهر الطبيعة على انتراع الأخلاط من البدن، والطبيعة تجذب الدم والأخلاط من الكبد والمعدة إلى الأعضاء * والأدوية المسهلة تجذب الأخلاط من الأعضاء (396) في الطريق التي صارت فيها إلى جانب المعدة والأمعاء، فتنهض القوة الدافعة لنفضها إلى أسفل. وربما كان بالدواء قوة جذب لا تمهل الأخلاط أن * تعبر (397) من المعدة إلى الأمعاء لكنها تجذبها وتمسكها في المعدة فتنهض القوة الدافعة التي في المعدة وتدفعها بالقيء. فهذه الأدوية تجذب الأخلاط كحجر المغناطيس والكاهربا إلى نفسها. والصحيح أن الجزء من المعدة الملاقي للدواء ينطبع بكيفية * الدواء (398) PageVW0P053B مثل ما ينطبع من كيفية الحرارة والبرودة الهواء، ولا يزال يتأدى ذلك الانطباع جزءا فجزءا من الهواء حتى يتكيف الهواء بأسره. فكذلك يتأدى الانطباع من جزء تلقاء الدواء من المعدة إلى الأعضاء والأرواح في العروق، فتصير قوى الأرواح ذات كيفية جاذبة للأخلاط من العروق إما إلى الأمعاء فيستفرغ بالإسهال أو إلى المعدة فيستفرغ بالقيء. فمتى انطبع الرحم وانفعل من كيفية الدواء المسهل فنهضت القوة الدافعة التي فيه فيدفع الجنين. فلا جرم لا ينبغي أن تسقي الحامل الدواء المسهل إلا عند الضرورة الشديدة، فإن الجنين ينفعل أيضا من الدواء المسهل كما ينفعل ويتأثر الرضيع * عند شرب المرضع الدواء إلا أن يكون الأخلاط هائجة، ويكون بعد (399) ابتداء الشهر الرابع إلى شهر السابع. وقوله: وفوق * أن (400) تفعل ذلك، أي سقي المسهل في غير هذا الوقت لأن الجنين في الثلاثة PageVW1P034B الأول يكون ضعيفا غير كامل كحال الثمار عند ابتداء كونها، وفي الثلاثة الأخير قد كمل كالثمار * اليانعة (401) * المهيأة (402) PageVW0P054A للسقوط، فيكون الجنين في هذين الوقتين سهل الانفصال من الرحم بخلاف الثلاثة المتوسطة، فإن الجنين فيها يكون قوي الاتصال عسر الانفصال * ويتعلق (403) برباطات الرحم. فأما إذا كانت الحامل على خطر من المواد الهائجة التي تتحرك وتسبح في تجاويف العروق، فاستفراغها في أي وقت كان، فإن في هلاكها هلاك الجنين وربما خلصت عند الإسقاط للجنين.
56
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم رحمه الله (404) : ليس ينبغي أن يستدل على المقدار الذي يجب أن يستفرغ من البدن من كثرته لكنه ينبغي أن * يستغنم الاستفراغ ما دام الشيء الذي ينبغي أن (405) يستفرغ هو الذي يستفرغ والمريض محتمل له بسهولة وخفة، وحيث ينبغي فليكن الاستفراغ حتى يعرض الغشي، وإنما ينبغي أن يفعل ذلك متى كان المريض محتملا له.
[commentary]
اعلم أنه ما يخرج من البدن خروجا غير طبيعي ثلاثة أصناف PageVW0P054B احدها أن * يكون (406) في جملة جنسه * خارجا (407) عن المجرى الطبيعي مثل انفجار الدم، فإنه ليس للدم أن يخرج عن البدن خروجا طبيعيا قل أم كثر ما دام البدن صحيحا. فأما خروجه بالرعاف عند البحارين ومن أسفل * عند (408) البواسير، فإنه يخرج والبدن غير صحيح فلا يناقض الأصل الذي قدمناه لأن خروجه بحسب النسبة إلى حال البدن طبيعي، وأيضا فإن الأجزاء الذي ينجرد من سطح المعاء والمثانة وقطع اللحم التي تفتت من الأعضاء وتخرج بالبول والبراز وأجزاء * الرئة (409) التي تخرج بالنفث والحصاة والديدان كلها خارجة عن الطبيعي في الجنس والجوهر. والثاني أن يكون خروج PageVW1P035A ما يخرج عن البدن خارجا عن المجرى في الكيفية كالبول الأسود فإن السواد في البول خروج عن الطبيعة في الكيف وكالبراز المتبعر والسائل، فإنهما خارجان عن الطبيعة في القوام والقوام داخل في الكيف. والثالث أن يكون خروج ما يخرج خارجا عن الطبيعي في الكمية كالخلفة ودرور البول * والعرق (410) PageVW0P055A فإن خروج هذه الأشياء عن المجرى الطبيعي ليس في الجنس والكيف إذا كثر مقدارها بل في الكم. فأما ما توجبه البحارين من كثرة الاستفراغ فخروجه واستفراغه طبيعي بحسب الحاجة والوقت، ولذلك ليس ينبغي أن يقطع مادام الشيء الذي ينبغي أن يستفرغ هو الذي يستفرغ، والمريض يحتمله بسهولة وخفة، ولكن قيل أن إبقاء بقية من المادة التي يحتاج إلى استفراغها أقل غائلة من الاستقصاء في الاستفراغ * والبلوغ (411) به إلى أن تخور القوة. فكثيرا ما تحلل الطبيعة تلك البقية. فأما ما دام الخلط من الجنس الذي ينبغي أن يستفرغ والمريض محتملا له فلا تخف من إفراطه في الإسهال والاستفراغ، وربما احتيج أن يستفرغ إلى حد الغشي. ومن كان قويا وفضلاته الرديئة كثيرة فاستفرغه إلى حد يمكن احتماله، وإذا كانت المادة كثيرة شديدة التلجج أو شديدة الاختلاط بالدم ولا يمكن أن يستفرغ دفعة واحدة يستفرغ في دفعات كثيرة بمقدار احتمال الطبيعة.
قال الحكيم أبقراط: لا تقطع الاستفراغ مستدلا من كثرته PageVW0P055B بل PageVW1P035B اغتنم الاستفراغ من الشيء الذي تزيد استفراغه حتى بلغ المنتهى وهو الغشي لأنه غاية حد القوة التي تقطع دونها الاستفراغ، وينبغي أن تحفظ القوة بأن يكون محتملا له بسهولة وخفة فأجاز البلاغ إلى حد الغشي لو كانت القوة محتملة لذلك لا مطلقا.
57
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (412) : من شرب دواء الاستفراغ فاستفرغ ولم يعطش فليس ينقطع عنه الاستفراغ حتى يعطش.
[commentary]
واعلم أن من العلامات الدالة على وقت وجوب قطع المسهل وقت العطش فما دام لم يعطش شارب الدواء، وإن كثر الإسهال لا يجب قطعه، لكن قد يعرض العطش لا لكثرة الإسهال وإفراطه بل بسبب حرارة المعدة وسخونتها أو يبوستها وبسبب حال الدواء إذا كان حارا وبسبب المادة في نفسها إذا كانت حارة كالمرة الصفراء. فإن في مثل هذه الأسباب لا يبعد أن يجيء العطش * مستعجلا كما لو اتفق في اضداد هذه الأسباب لم يبعد أن لا يجيء العطش (413) . PageVW0P056A فإذا رأيت أن العطش قد أفرط والإسهال ليس بالقليل فاحبسه خصوصا إذا لم تكن * أسباب سرعة (414) العطش موجودة. وربما كان خروج ما يخرج دليلا على وقت الإمساك والقطع، * فإن (415) المستسهل للصفراء إذا رأى الإسهال أنه قد انتهى إلى البلغم فليعلم أنه قد أفرط، وكيف إذا انتهى إلى * إسهال (416) السوداء. وأما * الدم (417) فهو أعظم خطرا وأجل، وإنما يحدث العطش بعد الإسهال إذا أفرط الدواء في تحليل الرطوبات وإسخانه.
58
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (418) : إن استفرغ البدن من النوع الذي ينبغي أن ينقى منه نفع ذلك واحتمل بسهولة، وإن كان الأمر على ضد ذلك كان الأمر عسرا.
[commentary]
واعلم PageVW1P036A * (419) أن البدن مركب من * الأخلاط الأربعة (420) ، وهي * اسطقسات (421) قريبة للبدن لأنها متولدة من الأغذية النابتة من الأركان، ولكل واحد منها مزاج خاص وكيفية معينة حصلت من اجتماعها للبدن مزاج طبيعي واعتدال صحي، ولكل واحد منها أيضا مقدار معين PageVW0P056B وكمية مقدره بالنسبة إلى الأخرى بحيث لو تجاوز أحدها عن مقداره المحدود بطل المناسبة بينها وتؤول حال البدن إلى سوء مزاج، فمهما أحسست ردائة وفساد مزاج في واحد منها فينبغي أن تعد له إن كان في صلاحه مطمع وإلا يستفرغ ما ليس يقابل له ولا مطمع في تعديله. ولو أحسست أيضا إزدياد أحدها على الأخرى بحيث اختلت النسبة المقصودة بينهما في الكم الحافظ للمزاج الصحي ينبغي أن تنقص تلك الفضلة لتحصل تلك المناسبة المقدرة. فمهما استفرغ البدن من الخلط الذي ينبغي أن ينقى البدن من رداءة كيفيته وفساد مزاجه بسبب كيفيته الغير الطبيعية أو من الفضلة المجاوزة عن مقدارها المغيرة للاعتدال الصحي بسبب زيادة كميته نفع ذلك الاستفراغ واحتمله البدن بسهولة لأن فيه صلاحه وعودة إلى حاله الطبيعي، فيستطيب البدن ذلك الاستفراغ بخلاف ما لو كان الاستفراغ من الخلط الجيد الصالح المحتاج إليه البدن مع كونه على مقداره الطبيعي في الكمية الحافظة للمزاج الصحي كان عسرا ذا خطر PageVW0P057A لأنه يغير ويستخرج مزاج البدن عن صحته إلى سوء المزاج.
59
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (422) : إذا حدث * بالشيخ (423) بسبب استفراغ مشي أو قيء فواق فليس ذلك PageVW1P036B بدليل محمود.
[commentary]
والفواق هو حركة الطبقة ا لداخلة من المعدة، وتلك الحركة مركبة من تشنج انقباضي للهرب من المؤذي وتهدد انبساطي لدفع ذلك، وقيل الفواق حركة مركبة من انقباض تشنجي وانبساط تمددي يعرض في فم المعدة أو في جميع جرمها والمري * منها (424) ، فتجتمع إلى نفسها هربا من المؤذي. واستعداد الحركة كمن يريد أن يثب، فإنه يتأخر قليلا ثم يثب. وقد يحدث الفواق ليبس وجفاف شديد يعرض لفم المعدة، فيعرض فيه التشنج اليابس وتدوم الطبيعة المدبرة أن تمدده لينبسط ويعود إلى حاله الطبيعي، فيحدث * الفواق (425) لعدم مطاوعته، وهذا الفواق رديء بل هو علامة الموت إن حدث بعد استفراغات كثيرة عرضت من الإسهال PageVW0P057B والقيء وغيرهما. وقد يحدث بعد الحميات الحادة الحارة المجففة وعلاجه الترطيب وسقي اللبن ودهن اللوز * والاحساء اللينة (426) . وإنما خصصه * بالشيخ (427) لأن الفواق واليابس أسرع حدوثا به ليبوسة مزاجه.
60
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (428) : إذا كان المرض ملائما لطبيعة المريض وسحنته وسنه والوقت الحاضر من أقوات السنة فخطره أقل من خطر المرض إذا كان غير ملائم لواحدة من هذه الخصال.
[commentary]
يعني ملائمه المرض لطبيعة المريض وسحنته وسنه وللزمان الحاضر أسلم من مخالفته لها، ومع ذلك * إن (429) الشاب المعتدل السحنة * الحار (430) المزاج في البلد الحار في فصل الصيف * المباشر (431) بالأعمال الحارة والتدابير المسخنة إذا مرض مرضا حارا اقتضى أن يكون التدبير المبرد أكثر منه PageVW1P037A إذا كانت هذه الأشياء بالضد من ذلك، والمرض حار لأن هذه الأسباب بالصفة المذكورة متعاونة PageVW0P058A على إحداث المرض الحار ومقاومة * للتدبير (432) الذي يصلح له، وإضدادها يوجد معينة للتدبير مقاومة للمرض الحار. ولكن حكم أبقراط الحكيم على العكس وقال إن هذه المعانى إذا كانت مضادة للمرض كان المرض أشد خطرا منه إذا كانت بخلافه. وأما الذي يجري عليه أمر التدابير الطبيعية في علاج المرضى يوجد جاريه بخلاف حكمه، وذلك أن الشاب والشيخ إذا أصابهما حمى غب يحتاج الشاب من التبريد إلى اضعاف مما يحتاج إليه الشيخ ولو أصابهما خدر أو فالج وجد الشيخ يحتاج من التسخين إلى أضعاف ما يحتاج إليه الشاب. ولو اقتصر في حمى الغب من تبريد الشاب على ما يدبر به * الشيخ لاحترق كما لو اقتصر من تسخين الشيخ في الخدر على ما يدبر به (433) الشاب ليوشك أن يجمد وهلك. ولهذا إن * الحار (434) المزاج في وقت صحته إن لم يدبر بما يعدل حرارته يحول من مزاجه الصحي إلى سوء المزاج، * وكذلك (435) المبرود إن لم يدبر بتعديل مزاجه في التسخين أيضا لصار PageVW0P058B في عدد المرضى. ومن ههنا وجد الطاعن مساغا للقول بأن الصحة ليست تحفظ بالمثل بل قد تحفظ بالضد. فإذا كان المحرور في وقت الصحة يدبر * بالتدبير (436) المبرد فإذا انضاف إلى حرارة مزاجه الصحي حرارة آخرى مرضية فالأولى أن يبالغ في تبريده أكثر، وإذا كان المبرود يعدل مزاجه بالتدبير المسخن فلو مرض مرضا باردا فالأحرى أن يبالغ * في (437) تسخينه أكثر وإذا مرض مرضا حارا ينبغي أن لا يبالغ في تبريده كما حكم بقراط، وهو صدر هذا الصناعة في الفصل الآخر المقدم ذكره PageVW1P037B بأن الحمى * ليست (438) تكون في المشايخ حادة كما تكون في اللذين هم في * النشوء (439) ، ولكن مهما تأملت حق التأمل فهمت أن المرض الحار إذا عرض للشاب المحرور فهو أقوى حرارة منه إذا عرض بعينه للشيخ والمبرود. والمرض الذي هو أقوى حرارة يحتاج * من (440) التبريد إلى ما هو أقوى تأثيرا من ذلك المرض بعينه إذا كان أضعف حرارة. والآخر أن المحرور * إذا مرض مرضا حارا (441) فقد تباعد من مزاجه الطبيعي بأقل من المبرود إذا مرض بذلك المرض بعينه لأن الحار المزاج في درجة * مثلا إذا أصابه مرض حار في درجة (442) PageVW0P059A احتاج إلى دواء بارد * في درجة لأنه لم يتباعد من مزاجه الطبيعي أكثر من درجة. والبارد المزاج في درجة إذا أصابه مرض حار في درجه احتاج إلى دواء بارد (443) في درجتين لأنه قد تباعد عما له من المزاج الطبيعي نحوا من درجتين. وافهم أن ههنا قانونين متقاربين تأمل فيهما حق التأمل حتى تميز أحدهما عن الآخر: أحدهما أن المرض الحار إذا عرض للشاب والمحرور فهو أقوى حرارة منه إذا عرض بعينه للشيخ والمبرود، والمرض الذي هو أ قوى حرارة يحتاج من التبريد إلى ما هو أقوى تأثيرا من ذلك المرض بعينه إذا كان أضعف حرارة. والآخر أن المحرور إذا مرض مرضا حارا فقد تباعد عن مزاجه بأقل من المبرود إذا مرض بذلك المرض بعينه، وهذا القانون يقتضي أن المحرور يحتاج أ ن برد مزاجه إلى رتبة من البرد أقل مما يحتاج إليه المبرود. * وليس يقتضي هذا الأصل أن المحرور يحتاج إلى تبريد أقل والمبرود (444) إلى * تبريد (445) أكثر، بل ليس بالشنيع أن الذي يحتاج أن يرد مزاجه إلى رتبة من البرد PageVW0P059B أقل أن يحتاج إلى تبريد أكثر لأن هذا الخروج وهذا التبريد في باب الكيف دون الكم، ولعل من يزعم أن المرض الحار إذا عرض للمبرود فهو أكثر خطرا منه إذا عرض بعينه للمحرور والمرض PageVW1P038A الذي هو أشد خطرا يحتاج إلى مبالغة في علاجة أكثر إذا كان أقل خطرا. فالمرض الحار في المبرود يحتاج إلى تبريد أكثر * منه (446) إذا كان * ذلك (447) بعينه في المحرور. فالجواب أن المرض إذا كان مضادا للمزاج والسن والسحنة والوقت الحاضر كان أكثر خطرا لأن السبب الفاعل لما كان في غاية القوة حتى قاوم المزاج الأصلي والسن وغيرهما وقهرها على * إيجاب (448) المرض كذلك فهو يقاوم التدبير الذي يزيله فهو لذلك أعسر برءا وليس عسر برء المرض الحار بموجب كثرة التبريد وقلته لكنه يوجب الإلحاح والمواظبة على التدابير المقاومة أياه.
61
[aphorism]
* قال أبقراط (449) : فأما في الأسنان فيعرض هذه الأمراض: أما الأطفال الصغار حين يولدون فيعرض لهم القلاع والقيء PageVW0P060A والسعال والسهر والتفزع * وورم (450) السرة ورطوبة الأذنين.
[commentary]
القلاع قرحة تكون في جلدة الفم واللسان مع انتشار واتساع، وأكثر ما تعرض للأطفال لردائة اللبن ولأن * غشاء (451) أفواههم وألسنتهم لين جدا لا يحتمل المص الكثير، وإنهم يتغذون قبل هذا من طريق السرة، فيؤذيهم الاغتذاء بالفم * وللطافة (452) جلدة فمهم بحلوة مائية اللبن ويحدث القلاع. وأردأ القلاع الأسود وأسلمه الأبيض والأحمر. ويعرض لهم القيء لسوء استمراء معدتهم الضعيفة التي لم تعتد بالغذاء. ويحدث بهم السعال للطافة رئتهم وعدم اعتيادها باستنساق الهواء الخارج * من الرحم (453) . وأما السهر لتأذي أبدانهم اللطيفة بشد القماط وعدم إلفتهم بالرقاد مستلقيا في المهاد. PageVW1P038B وإنما يتفرغون في النوم لفساد اللبن في معدتهم * لأن المرضعات يرغبن إلى كثرة ارضاعهم فيفسد اللبن فيها (454) ويلذع معدتهم برداءة كيفيته وترتقي منها البخارات الغليظة إلى دماغهم، ويتأذى ذلك الأذى من القوة الحساسة إلى القوة المصورة والمخيلة، فمثلت أحلاما هائلة، وإنما تتورم سرتهم PageVW0P060B بسبب ألم القطع العارض عليها ولامتلاء دماغهم من الرطوبات * الفضلية (455) تنحدر إلى أذنيهم منها ما هو أرق، فإن انحدرت إلى * رئتهم (456) يعرض لهم السعال، وربما كان سبب سهرهم إحساسهم * ألم (457) شد القماط على الهيئة الغير المعتادة للطافة أعضائهم. وسبب * ورم (458) سرتهم تفرق اتصال حدث من قطعها، * فيرم لضعفها عن (459) هضم الغذاء الآتية إليها لآفة فيها.
62
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (460) : وإذا قرب الصبى من أن تنبت له الأسنان عرض له مضيض في اللثة وحميات وتشنج واختلاف ولا سيما * إذا نبتت (461) له الأنياب وللعبل من الصبيان ولمن كان بطنه منهم معتقلا.
[commentary]
يعني يعرض لهم عند نبات الأسنان مضيض وهو وجع * مع (462) حكة يعرض عند انشقاق اللثات وإحداث الطبيعة الأواري وتعرض لهم الحمى من ورم اللثات ووجعها والاختلاف الحادث فيهم بسبب تسخين حرارة الحمى لأبدانهم. وإذابة فضلاتهم واستحالة اللبن في معدتهم إلى الصفراء وانحدارها إلى الأمعاء، ولا سيما إذا نبتت لهم PageVW0P061A الانياب لأن الوجع عند نباتها يكون أشد والحمى أقوى واختلافهم أكثر خصوصا للعبل من الصبيان، فإن فضلات بدنهم تكون أكثر. ولو كان * ممن كان (463) بطنه معتقلا محتبسا قبل هذا وفضلات بدنه محفوظا مجتمعا يكون اختلافه أكثر ويحتمل أن يكون لاشتغال الطبيعة بتخليق PageVW1P039A العضو وتكوينه * عن إجادة (464) الهضم أو * لعروض (465) الوجع، وهو مما * يمنع (466) الهضم في الأبدان الضعيفة. وأما التشنج الحادث فيهم يكون * بسبب ما يعرض (467) لهم من فساد الهضم في أبدانهم وشدة ضعف أعضائهم، وخصوصا لمن كان منهم عبل البدن * رطبه (468) ، وقد يحدث فيهم التشنج اليابس عقيب الحميات * والإسهالات (469) الكثيرة التي وقعت عند نبات الأنياب.
63
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (470) : وإذا تجاوز الصبي هذا السن عرض له ورم الحلق ودخول خرزة * القفا (471) والربو والحصى * والحيات في البطن والدود (472) والثآليل المتعلقة والخنازير وسائر الخراجات.
[commentary]
يعني إذا تجاوز الصبى في السن من نبات الأسنان عرض له ورم PageVW0P061B الحلق لكثرة كلامه وشدة * صياحه (473) شرها في التكلم ورغبة في الصياح عند الملاعبة، فيسخن الحلق ويجذب المواد إلى نفسه أو يتألم ويضعف وتنحدر إليه الفضلات وتنصب المادة إلى العضلات من * جانبي (474) الحلقوم التي بها يكون البلع أو في العضلة الموضوعة على فم المريء والحلقوم بسبب النزلة * الحادثة (475) من امتلاء دماغه فتحدث الذبحة. وإن كان الورم في عضلات فقار الرقبة بحيث يجذبها إلى داخل ويزيل المفصل حدث الخناق. وإن كان الخلط غليظا لزجا تمدد النخاع ويجذب رباطات فقرات القفاء ويزلقها عن موضعها، فيدخل خرزة القفاء. وأما فيحدث * الربو (476) من جهتها لمزاحمتها قصبة الرئة. واعلم أن الربو علة رئيسة لا يجد * الوادع (477) معها * بدا (478) من تنفس متواتر PageVW1P039B وسببه رطوبات غليظة تنزل وتملأ أقسام قصبة الرئة، وقد يكون معه * خرخرة في الصدر (479) ويحدث هذا من امتلاء دماغهم وانحدار فضلاته إلى الرئة. وأما الحصاة فسببها الفاعلي حرارة خارجة عن الاعتدال وسببها المادي خلط غليظ تنشف الحرارة رطوبته ويبقى شديد الغلظ فيجف ويتحجر على طول المدة خصوصا إذا كانت المجاري التي فيما بين الكلية والمثانة أو المثانة والأحليل ضيقة، وفي الجملة يكون تولد الرمل والحصاة من الماء الغليظ PageVW0P062A الكدر في الكلية والمثانة الحارتين كما يتولد إن في قدور الحمامات. وقد علمت أن سبب غلظ البول وكدورته هو كثرة الفضول وأبدان الصبيان أكثر فضولا لسوء تدبيرهم في أكلهم وكثرة تناولهم الغذاء ووفور حرارتهم الغريزية ولضيق فوهات * مثاناتهم (480) يتصفى الرقيق من بولهم ويبقى الغليظ، فينعقد رملا ثم حجرا ومع ذلك ردائة لبن الظمأ مما يولد الحجر. وسبب تولد الديدان رطوبات بلغمية في الأمعاء لكثرة رطوباتهم الفضلية، فيتعفن فيها ويحدث الحرارة الغريبة وتتولد منها الديدان. وهي إما طوال تسمى الحيات وتولدها يكون في الأمعاء الدقاق، وإما صغار شبيه بالدود المتولد في الخل والجبن، ويكون تولدها في * المعاء (481) المستقيم. الثآليل هي بثور صغار شديدة الصلابة مستديرة، وهي على ضروب شتى، فمنها * منكوسة (482) ومنها متشققة ذات شظايا، ومنها متعلقة ومنها مسمارية ومنها طوال * ومنها (483) معقفة ومنا متقيحة تكون المدة * تحتها (484) . وسببها * جميعا (485) خلط غليظ يابس بلغمي يجفف الحرارة الغريزية * المائية (486) رطوباته الفضلية وينعقد PageVW1P040A الغليظ فيهم. وأما الخنازير تشبه السلع وتفارقها في أنها غير متبرئة تبرأ السلعة بل هي متعلقة باللحم وهي تحدث في اللحوم الرخوة وخاصة في العنق، وحدوثها PageVW0P062B فيهم من سوء استمرائهم وقصور هضمهم، وحدوث التخمة لهم بسبب كثرة تغذيتهم. ويعني بالخراجات ما يخرج من البدن من * الدماميل (487) والبثور، لا ما يريده الأطباء من الخراج الذي يتولد من مادة حارة تجمع * المادة (488) . واعلم أنه أراد من هذاالسن سن الترعرع وهو بعد * الشدة (489) ونبات الأسنان وقبل المراهقة.
64
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (490) : * فأما (491) من جاوز هذا السن وقرب * من (492) أن ينبت له الشعر فيعرض له كثير من هذه الأمراض وحميات أزيد طولا ورعاف.
[commentary]
يعني سن الغلامية والرهاق إلى أن يبقل وجهه. إن الشعر إنما يتكون من مجموع بخار دخاني * بحيث يكون الدخان غالبا عليه، (493) والدخان إنما يتكون من غلبة الحرارة. فمتى بقل الوجه دل على غلبة الحرارة وقوتها وتجفيف الرطوبات وكثرة * البخار الدخاني (494) . وإنما قال: فيعرض له كثير من هذه الأمراض المذكورة في الفصل الذي يليه مقدما لأنه يليهم ومزاجه أقرب إليهم. وقوله: ويعرض له حميات أزيد طولا يعني أطول مدة ممن هو قبل هذا السن لأن دمه أكثر وأمتن وفضلاته أوفر وأغلظ وبدنه أصلب وأكثف، فتكون مواده أبطأ تحليلا PageVW0P063A فتكون حميات من هو في هذا السن وهو سن الغلامية والرهاق أطول * ممن (495) هو في سن الترعرع وقبل الرهاق. ويكون حدوث الرعاف به أكثر لأن دمه ينصرف إلى بدل PageVW1P040B ما يتحلل فقط ولا ينصرف إلى النشوء والنماء، فيكون الدم فيه أوفر وأميل إلى الصفراوية، فيرتفي إلى فوق لخفته ولطافته، وتقيح أفواه العروق وتجذبه، فيحدث الرعاف إن لم يستفرغ الدم وينقص.
65
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (496) : وأما الشبان فيعرض لهم نفث الدم والسل والحميات الحادة والصرع وسائر الأمراض إلا أن أكثر ما يعرض لهم ما ذكرنا.
[commentary]
وأما الشبان فيعرض لهم نفث الدم لامتلاء عروقهم منه وعدم احتياجهم إلى النشوء، فينحرق أو ينشق عرق من عروق رئتهم إما من أسباب خارجة كضربة أو سقطة أو وثبة أو صياح شديد وإما من أسباب داخلة مثل تآكلها عن الخلط المريء أو السوداء الحامض وانفتاح عروقها فيظهر نفث الدم وبعد انصداع عرق الرئة وانشقاقه تحدث القرحة في الرئة ويعرض السل. وأما الحميات كالغب والمحرقة فإنها تحدث لسخونة الدم وصفراويته لأن دم PageVW0P063B هؤلاء * يكون (497) أكثر وحرارتهم أوفر ومزاجهم أميل إلى الصفراء. وأما الصرع وهو علة تمنع الأعضاء * النفسية (498) عن أفعالها كلها منعا غير تام، وسببه * سدة (499) تعرض في بعض بطون دماغهم وفي مجاري الأعصاب المحركة لأعضائهم من دم كثير متين، فتمتنع الروح عن السلوك فيها سلوكا طبيعيا فيحدث الصرع. وقال: وتعرض لهم سائر الأمراض الحارة اليابسة إلا أن عروض هذه العلل المذكورة أكثر وقوعا عليهم لاقتضاء سنهم لها.
66
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (500) : * فأما (501) من جاوز هذا السن فيعرض له الربو وذات الجنب وذات الرئة والحمى التي معها السهر والحمى التي معها اختلاط العقل والحمى المحرقة والهيضة والاختلاف PageVW1P041A الطويل وسحج الأمعاء وزلق الأمعاء وانفتاح أفواه العروق من أسفل.
[commentary]
يعني الكهول المنحرف * مزاجهم (502) إلى البرد واليبس، فإن الأعضاء منهم تجف وتضعف وتنقص الأفعال الطبيعية وقواها فيهم ويحدث بهم الربو لاجتماع الرطوبات الغريبة في قصبة رئتهم وفي فرجها * وخلخلتها (503) PageVW0P064A وهذه الرطوبات قد تكون * منصبة (504) إليها من دماغهم أو من المواضع الأخرى، ويكون سبب تولدها فيهم انحراف مزاجهم إلى البرد واليبس وقلة الحرارة الغريزية وبسبب يبوسة أبدانهم لا تتشرب الرطوبات ولنقصان حرارتهم لا تتحلل * وتجتمع (505) الرطوبات الفضلية فيهم وتجتمع في رئتهم بطريق الترقي والانحدار فيحدث الربو. ويمكن حدوثه بسبب يبوسة رئتهم فتصلب ولا تطاوع إلى الانبساط والترويح * فيحدث (506) الربو فيهم ليبس رئتهم. وأما ذات الجنب وهو ورم في الغشاء المستبطن للأضلاع والحجاب الحاجز وإن أمزجة هؤلاء تميل إلى السوداوية. ونسبة الكهول إلى الشبان كنسبة الخريف إلى الصيف. والسبب الفاعل لورم ذات الجنب فيهم يكون إما لدم سوداوي أو بلغمي * يتحيز (507) في ذلك الغشاء * ويتورم (508) . أما ذات الرئة وهو ورم حار في الرئة قد وقع ابتداء أو بعد حدوث النوازل. وقد تستحيل ذات الجنب إلى ذات الرئة على سبيل الانتقال وتحدث عن كل خلط صار حارا بعد التعفن. وأما الحمى التي معها السهر لأن دماغ هؤلاء يابس بالنسبة إلى الصبيان والشبان وبخاراتها PageVW0P064B المتصاعدة حارة يابسة تورث السهر واختلاط PageVW1P041B العقل. وقد يكون سبب السهر فيهم من بلاغم * دماغهم (509) التي اكتسبت من البخارات المرارية ملوحية وتورقية، فتلذع الدماغ * ويحدث (510) السهر. وأما الحمى المحرقة تحدث فيهم في أوائل كهولتهم * وابتداء نزولهم في هذا الطور لغلبة المرار في ذلك الوقت على دماغهم (511) . وأما الهيضة فهي حركة من المواد الفاسدة * والغير (512) المنهضمة إلى الانفصال بالقيء والإسهال راجعة من البدن على شدة وعنف من الدافعة وذلك لكثرة تناولهم وإفراطهم في الأكل لسوداوية مزاجهم مع قصور هضمهم لضعف حرارتهم الغريزية فتدفع الطبيعة ما كان لطيفا فوق المعدة بالقيء وما كان غليظا راسبا في قعرها بالإسهال. ويحدث بهم الاختلاف الطويل لبرودة معدتهم * وسوداويتها (513) ويتناولون أكثر من * رزء (514) البدن فيلين بطنهم. وإما أن يكون سبب ضعف ماسكتهم الإسهال الطويل فإن كان على فضلاتهم البلغم المالح البورقي لذعت * الأمعاء (515) وخدشتها وعقرتها وفتحت أفواه عروقها فحدث السحج. وإما خلط سوداوي يسحج بحموضتها وحدتها. وإما زلق الأمعاء فهو أن لا يلبث PageVW0P065A الطعام في الأمعاء بل يزلق عنها سريعا بسبب رطوبات فاسدة تجتمع في الأمعاء * فيزلق (516) الطعام ويخرجه سريعا. وإما لترهل أمعائهم وسوء مزاج رطب يعرض لها فتضعف قوتها الماسكة وإذا انحدرت الدم السوداوي إلى أسفل * وفتح أفواه العروق (517) من المقعدة يحدثه حدث البواسير لاقتضاء مزاجهم البارد اليابس وغلبة الدم المحترق فيهم في * هذا (518) السن.
67
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (519) : الكهول في أكثر الأمر * يمرضون (520) * أقل مما يمرض الشبان إلا أن ما يعرض لهم من الأمراض المزمنة على أكثر الأمر يموتون وهي بهم (521) .
[commentary]
ثم يجب أن تعلم أن الحرارة الغريزية بعد سن PageVW1P042A الوقوف تأخذ في الانتقاص لانتشاف الهواء المحيط مادتها التي هي الرطوبة الغريزية ولمعاونة الحرارة المحيية ومعاضدة الحركات البدنية والنفسانية له في الانتشاف والتحليل. فيميل * مزاج (522) الكهول إلى البرد واليبس فتكون موادهم بليدة ساكنة هادئة فيمرضون أقل مما يمرض الشبان لأن الشبان مزاجهم حارة رطبة بالنسبة إلى الكهول وتكون موادهم متحركة هائجة، ومع ذلك PageVW0P065B لا يراعون لتدابيرهم في السنة * الضرورية (523) التي بها تحفظ صحتهم رعاية الكهول، إلا أن ما يعرض للكهول من الأمراض المزمنة يموتون * وهي بهم (524) لبلادة موادهم وغلظها وضعف قواهم ونقصان حرارتهم الغريزية التي هي آلة لأفعال القوى كلها وكلما أمعنوا في السن يزداد سبب مادة مرضهم وتنقص قواهم الطبيعية فيموتون مع ذلك المرض.
68
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (525) : وأما المشايخ فتعرض لهم رداءة التنفس والنزلة التي يعرض معها السعال وتقطير البول وعسره وأوجاع المفاصل وأوجاع الكلى والسكات والدوار والقروح الرديئة وحكة البدن والسهر ولين البطن ورطوبة العينين والمنخرين وظلمة البصر والزرقة وثقل السمع.
[commentary]
وإنما تعرض لهم رداءة التنفس لأن آلات التنفس * عصباني (526) فتصلب وتغلظ لاستيلاء اليبوسة والبرودة عليها عند الشيخوخة فلا تطاوع إلى الانبساط والانقباض فتحدث رداءة * التنفس (527) PageVW0P066A ولغلبة الرطوبة على دماغهم وامتلائه من الفضلات البلغماني تعرض لهم النزلات فتمتلئ قصبة PageVW1P042B رئتهم وتنسد مسامها فيحدث الربو وسوء التنفس والسعال لدفع الرئة أذى الرطوبات عن نفسها. وأما تقطير البول لأن المثانة عصبانية باردة واستولت البرودة على * مزاج (528) المشايخ فغلبت البرودة والرطوبة * عليها (529) واسترخت العضلة * المطبقة بها (530) فتضعف الماسكة ولا تقدر على إمساك كل قليل حتى يجتمع البول الكثير أو تضعف القوة الدافعة فلا يعصر البول إلا قليلا، ويكون سبب عسره بسبب خلط غليظ بلغماني يلحج في مجرى * بولهم (531) من المثانة إلى القضيب فتحدث الشدة، وإما * لاستيلاء (532) الرطوبة على مثاناتهم الباردة المزاج * فتسترخي (533) العضلة العاصرة للمثانة فيعسر خروج بولهم. وأما وجع المفاصل هو وجع وورم يحدث في مفاصل الأعضاء ومن خواص هذه الأورام أنها لا تنضج ولا تجمع مدة كسائر الأورام لأن موادها في أعضاء غير لحمية وهي غليظة مخاطية. فإذا كثرت ورقت حتى تبل اللحم الذي حول * المفصل (534) أحدثت أوراما شبيهة بأورام أصحاب * الاستسقاء (535) PageVW0P066B اللحمي. وتعرض هذه العلة للمشايخ بسبب ضعف مفاصلهم وانصباب الفضلات البلغمية إليها، وأوجاع الكلى فيهم يكون لسوء مزاج بارد يعرض عليها وضعفها وهزالها وقلة شحمها الدالة كلها على ذهاب شهوة المباضعة. وأما السكنة وهي تعطل الأعضاء عن الحس والحركة وسببه سدة كاملة تامة تقع في بطون الدماغ الشريفة باسرها فيمتنع الروح النفساني عن السلوك فيها، وتعرض تلك السدة فيهم من خلط بلغمي غليظ زلج يجتمع في دماغهم البارد المزاج. وأما الدوار، PageVW1P043A فهو أن يخيل لصاحبه أن الأشياء تدور عليه وأن دماغه وبدنه يدوران به، فيعرض الدوار * في (536) هؤلاء بسبب ضعف دماغهم وقصور القوى فيهم، فلا تقدر على تحليل البخارات الصاعدة إليه، فتجتمع هناك وتتحرك حركة غير طبيعية * وتقابلها الروح بحركة طبيعية (537) مضادة لتلك الحركة فتتدافعان وتقع بينهما حركة دورية كما يرى في الزوبعة، وبسبب دوران الروح يتخيل أن الأشياء لأنه سوا تختلف نسبة أجزاء المحسوس إلى الحاس من جهة المحسوس أو من جهة الحاس ولأن جواهر أعضائهم صلبة جافة لا تقدر الدم القليل المتين المتولد فيهم بالتشرب فيها لتلتحم، ومع ضعف القوى الطبيعية PageVW0P067A والحرارة الغريزية أعضاؤهم مبتلة بالرطوبات الغريبة المانعة عن * انعقاد (538) الدم باللحم فلا تندمل قروحهم بسهولة. وقد تحدث الحكة فيهم بسبب ضعف جلودهم وكثرة تولد البلغم المالح فيهم بسبب سوء استمرائهم وضعف قواهم عن تحليل البخارات المحتقنة تحت الجلد سيما لو تناولوا أغذية مالحة حريفة. وأما السهر لغلبة اليبس الطبيعي على مزاج دماغهم أو لامتلاء دماغهم عن البلاغم المالحة اللذاعة. وأما لين بطن المشايخ يكون إما * لترهل (539) معدتهم وابتلالها لسوء مزاج رطب يعرض لها من الرطوبات الغريبة والبلاغم المحتبسة على سطحها الظاهر، وإما من ضعف الهاضمة والماسكة فيها ورطوبة المنخرين والعينين فيهم لامتلاء دماغهم بالرطوبات الفضلية المتحلية إليها لضعفها بحيث لا يتأتى له أن تدفعها عن نفسها. وتكون ظلمة البصر فيهم لسوء PageVW1P043B مزاج بارد رطب * يعرض (540) في الدماغ فتغلظ الروح الباصرة وتكدره. وقد تحدث بهم هذه العلة لفساد رطوباتهم وتكرحها وكثرة * البخارات (541) الرديئة وضعف مزاج الدماغ والقوة الباصرة، وقد تحدث من تكدر رطوبتهم النبضية أو الجليدية التي هي مرآة العين. وأما حدوث زرقة العين فيهم تكون بسبب زيادة في الرطوبة الزجاجية. PageVW0P067B واعلم أن حاسة السمع أفضل من حاسة البصر * لأن الصمم (542) إذا كان مولودا * لا (543) يصير صحابه ناطقا كاملا عالما بالعلوم ويكون أبكم، فإذن يجب على الإنسان أن يتعهد حاسة السمع ويصونها. ويكون ثقل السمع فيهم لسوء مزاج آلات سمعهم وضعف قوتهم المدركة السامعة، وقد يحدث لغلبة اليبس على العصبة المفروشة على الصماخ وقد يحدث لأخلاط غليظة تنجلب إليه.
69
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (544) : إن ما يعرض من البحوحة والنزلة للشيخ الفاني ليس ينضج.
[commentary]
يعني من البحوحة السعال وهو * حركة (545) تدفع بها الطبيعة الأذى عن الرئة وذلك إما لشيء في الرئة يحتاج أن يخرج وذلك الشيء في المشايخ رطوبات تنحدر من فضلات دماغهم على سبيل النزلة، وذلك يكون بسبب برودة مزاج دماغهم لأن الدماغ البارد لا ينضج ما يصل إليه من الغذاء * أو لا يتحلل ما يتصاعد إليه من الأبخرة بل يستحيل الغذاء (546) فضولا وترتكم فيه البخارات * فيكسبها (547) رطوبة فتدوم عليهم النوازل لازدياد سببها يوما فيوما وهي برودة دماغهم ونقصان حرارتهم الغريزية وضعف قوامهم ومهما لم تنقطع PageVW0P068A النزلة * فيهم (548) لم يبرأوا من البحوحة، يعني مهما ثبت وجود السبب يكون المسبب تاما وإلا يكون ممكن الثبوت باعتبار وجود * السبب (549) وعدمه.
70
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم رحمه الله (550) : إن انقلاب أوقات ا لسنة مما يعمل * في توليد (551) الأمراض خاصة في الوقت الواحد منها التغيير الشديد في البرد أو في الحر، * وكذلك (552) في سائر الحالات PageVW1P044B على هذا القياس
[commentary]
واعلم أن جميع المركبات متولدة من الأركان الأربعة والإنسان مركب من الأخلاط الأربعة المركبة من الأركان الأربعة والسنة مركبة من الفصول الأربعة التي هي بمنزلة الأركان * لها (553) كالصيف الحار اليابس الذي بمنزلة النار في المركبات والصفراء في الحيوانات، * والربيع الحار الرطب الذي بمنزلة الهواء في المركبات والدم في الحيوانات (554) ، والشتاء البارد الرطب الذي بمنزلة الماء في المركبات والبلغم في الحيوانات، والخريف البارد اليابس الذي بمنزلة * الأرضية (555) والتراب في المركبات والسوداء في الحيوانات. فلما كانت السنة مركبة من الفصول الأربعة PageVW0P068B التي لكل منها طبع خاص * وفي (556) الكمية والكيفية حد معين بهما ائتلفت وركبت السنة، فمهما وردت السنة والفصول على وجهتها الطبيعية أثرت في الأبدان أثرا طبيعيا وحفظ مزاج الأبدان والأخلاط على حالتها الطبيعية. ولو * انحرفت (557) وانقلبت أوقات السنة ولم ترد على وجهها الطبيعي أظهرت في الأبدان حالات غير طبيعية فيجب أن يكون ورود الفصول على * واجباتها (558) وطبائعها فيكون الصيف حارا والشتاء باردا والربيع والخريف معتدل بينهما إذ لو يغير * وانقلب (559) كل واحد منها * عن (560) طبيعته أخذت أمراضا رديئة لأنه يغير الأخلاط عن طبائعها. وإن تأثير انقلاب الفصول ليس هو بسبب الزمان من حيث هو زمان بل لما يتغير معه من الكيفية يؤثر في تغيير الأحوال البدني * وكذلك (561) أيضا الهواء الذي في يوم واحد مرة حر ومرة برد يتغير مقتضاهما في الأبدان وتغير الفصل وانحرافه * قد (562) يكون إلى إفراط طبيعته في الكيفية الخاصة به، وقد يكون إلى تبديل طبيعته PageVW1P000 أ ي من * الحر (563) إلى البرد أو بالعكس. وكلاهما تولدان المرض.
71
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (564) : إذا كانت أوقات السنة لازمة لنظامها وكان في كل وقت PageVW0P069A منها ما ينبغي أن يكون فيه كان ما يحدث فيها من الأمراض حسن الثبات والنظام حسن البحران، وإذا كانت أوقات السنة غير لازمة لنظامها كان ما يحدث فيها من الأمراض غير منتظم سمج البحران.
[commentary]
إن أوقات السنة وهي الفصول الأربعة التي * هي (565) أزمنة انتقالات الشمس في ربع من * فلك (566) البروج على أربعة طبائع: الربيع حار رطب، والصيف حار يابس، والخريف بارد يابس، والشتاء بارد رطب. وقيل الربيع معتدل لأنه ليس يوجد فيه فرط حر ولا برد ولا فرط رطوبة ويبس والهواء ينسلخ فيه عن برودة الشتاء لبعد الشمس عن المسامية * بالحر (567) من اقبال الشمس إليه، وتكون حرارة الصيف لمسامتها أو قربها من المسامية فيسخن الهواء ويتحلل ويلطف ويقرب من طبيعة العنصر الناري. وأما اليبس لإفناء فرط الحر الرطوبات والخريف يقرب مزاجه من الاعتدال لأن الحر فيه ينكسر والبرد * لم (568) يستحكم بعد. وأما حاله في الرطوبة واليبس فليس بمعتدل بل مائلة إلى اليبس أكثر لأن حر الصيف قد جفف الهواء والأرض ولم يحدث بعد من الأندية ما يعدلها. وأما ا لشتاء فبارد رطب تكون برودته لبعد الشمس PageVW0P069B عن المسامية ورطوبته من كثرة الأنداء والأمطار والثلوج. واعلم أن اختلاف الهواء في * أرباع (569) اليوم والليلة مناسب لاختلافه في أرباع السنة، وذلك أن منزلة الغدوات في اليوم منزلة الربيع في السنة وأنصاف النهار بمنزلة الصيف والعشاء PageVW1P045A بمنزلة الخريف وأنصاف الليل بمنزلة الشتاء إلا أن هذه الاختلافات لا يكاد يظهر تأثيرها في الأبدان الصحيحة وفي الأبدان الضعيفة والمريضة قد يظهر أثرها أثرا محسوسا. وإن * تغيرات (570) السنة منها طبيعية وهي التي بحسب الفصول التي ترد على ما ينبغي أن يكون عليه ومنها ما ليس بطبيعي ولا خارج عنه كالصيف المفرط في الحر والشتاء المفرط في البرد. قال الحكيم أبقراط: متى كانت التغيرات الطبيعية منتظمة في سلكها على ما ينبغي ولم تكن مختلفة * كان (571) ما يحدث فيها من الأمراض حسن الثبات والنظام، وإلا يكون على العكس لأنه لو سبق الشتاء على طبيعته ولحق الربيع المعتدل به تلافى وتدارك تأثيرات الشتاء في الأبدان بالنضج وترقيق الأخلاط المتجمدة المحتقنة بحرارته المعتدلة، وإن تبعه الربيع الشتوي * أو (572) الصيفي فجمع في السنة * الواحدة (573) الشتاءان والصيفان، PageVW0P070A فتكون المواد الممرضة * عاصية (574) على الطبيعة غير منقادة في تصرفاتها لأنها غير قياسي، فيكون نضجها وبحرانها سمجا غير حسن. وعلى هذالو كان الشتاء مفرطا في برده الشديد لم يقدر الربيع على تلافي المواد المتجمدة الغليظة لأنها تكون أشد حقنا وحصرا في الأبدان وأحوج إلى * الملطفات (575) والمقطعات القوية. وإن تجاوز الصيف حده الطبيعي والحر الشديد بحيث يجفف الأبدان واحترقت الأخلاط وترمدت، فيكون إنضاجها واستفراغها PageVW1P045B عسرا غير يسير، وكانت أمراضها هائلة مخوفة. فإن أصح أحوال السنة أن ترد فصولها على طبائعها وعلى ما ينبغي أن يكون عليها، فإن تغيرت تجلب أمراضا.
72
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم رحمه الله (576) : إن من الطبائع ما يكون حاله في الشتاء أجود وفي الصيف أردأ.
[commentary]
* لما (577) علمت أن قوام البدن بالاعتدال وكل ما جاوزه فهو مغير له. * فالربيع (578) إذا كان على مزاجه كان * مناسبا لمزاج (579) الروح والحرارة المحيية والدم وهو مع اعتداله يميل إلى حرارة يسيرة لطيفة سماوية ورطوبة طبيعية، وهو يحمر اللون لأنه يجذب الدم إلى الظاهر باعتدال، ولم يبلغ تحليله الضعف PageVW0P070B ويحفظ صحة * البدن (580) المعتدل بالمناسبة والمشاكلة ويحفظ صحة * البدن (581) الحار بتعديله أياه لأنه يكون بالنسبة إليه باردا و يصحح البدن البارد أيضا لأنه يكون بالنسبة إليه حارا. فعلى هذا القانون قال إن من الطبائع ما يكون حاله في الشتاء أجود وفي الصيف أردأ يعني من كان حار المزاج قضيفا صفراويا فالشتاء البارد الرطب يعدل مزاجه ويكون موافقا ملائما، والصيف الحار اليابس يزيد تسخينه وتحليله فيكون غير ملائم له، والمزاج البارد الرطب بخلاف هذا. فأما إن عنى طبائع الأصحاء فأشكل عليه هذا الحكم بأنه كل فصل يوافق من به مزاج صحي مناسب له ويخالف من به سوء مزاج مناسب له لأنه يحفظ الصحة بالأشياء الملائمة ويرد الصحة بالأشياء PageVW1P046A المضادة.
73
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط رحمه الله (582) : كل واحد من الأمراض فحاله عند شيء * دون شيء (583) أمثل وأردأ وأسنان ما وعند أوقات من السنة وبلدان وأصناف من التدبير.
[commentary]
يعني لكل واحد من الأمراض والأسنان حاله عند وقت وبلد وتدبير * أمثل (584) ، أي أوفق وأجود وأردأ يعني أن المرض الحار اليابس عند الفصل PageVW0P071A البارد الرطب والبلد والتدبير الباردين الرطبين أمثل وأحسن لأنه يعدله. وعند خلاف هذه الأسباب يكون على العكس لأنه يكون من * قبيل (585) المعالجة بالضد، لكن المرض الحار عند حدوثها وتكونها في الفصل الحار والبلد والتدبير الحارين أقل خطرا من عند خلاف هذه الأسباب. وفهمت أمر الأسنان في الفصل المقدم الذي مضت. وأما حال البلدان هي بعينها حال الأوقات فإن البلد يفعل ما يفعله بسبب طبيعة هوائه الذي حاصل له بسبب العرض * وبسبب (586) ارتفاعه وانخفاضه وبسبب الجبال والبحار.
74
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (587) : متى كان في أي وقت من أوقات السنة في يوم واحد مرة حر ومرة برد فتوقع فيه حدوث أمراض خريفية.
[commentary]
يعني لو تغير الهواء في اليوم الواحد في أي فصل كان من فصول السنة من الحر إلى البرد لتغير مقتضاه في الأبدان لأنه قد يشبه اليوم الواحد بعض الفصول دون بعض. فمن الأيام ما هو شتوي ومنها ما هو صيفي ومنها ما هو خريفي يسخن وبرد في يوم واحد لأن البدن الذي قد سخن PageVL7P071B وتخلخل ولطف والأخلاط PageVW1P046B ورق فيه، ثم أثر فيه وفي أخلاطه صدمه الهواء البارد فيعرض فيه أمراض الحقن والحصر، ولأن الشيء المتخلخل يقبل الحر والبرد أسرع. ولهذا إذا سخنت الماء وعرضته للإجماد كان أسرع جمودا من الماء البارد لتخلخله ونفوذ البرودة فيه على أن الأبدان لا تحس من برد الربيع ما تحس من برد الخريف لأن الأبدان في الربيع منتقلة من البرد إلى الحر متعود بالبرد وفي الخريف منتقل من الحر إلى البرد معود بالحر.
75
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (588) : الأمراض كلها تحدت في أوقات السنة كلها إلا أن بعضها في بعض الأوقات أحرى بأن تحدث وتهيج.
[commentary]
اعلم أن الأمراض كلها تحدث في أوقات السنة كلها، أي في كل فصل منها، لكن حدوث بعضها ببعض الأوقات أولى من بعض. وإن الأسباب الملاقية الممرضة للبدن كثيرة سيما الستة الضرورية التي لا بد للناس في استيفاء حياته وحفظ صحته من المطعم والمشرب ولاغنى له عن هواء تينفسه * وعن (589) سكون يريح به البدن ولا عن الحركة واليقظة إذ الحيوان متحرك بالطبع ولا عن PageVL7P072A الاستفراغ والاحتقان اللذين يلزمانه ضرورة ولا عما يتبع هذه من العوارض التي تعرض للنفس، فمتى استعملت هذه الضروريات على ما ينبغي صارت أسبابا صحية، ومن أهمل أمرها لم يأمن الفساد وسوء الحال وصار عرضة للآلام والأسقام. ومن عجيب حكمة الباري في هذه الأمور الستة الضرورية للإنسان أن جعل لكل واحد منها * محركا PageVW1P048A طبيعيا يقتضيه وداعيا (590) يوجبه. فالجوع يقتضي الطعام ليكون بدلا مما يتحلل من البدن والعطش الماء المنذرف الملطف للأغذية الغليظة والكرى النوم الذي فيه راحة للبدن واجمام * لقواه (591) * فعلى (592) هذا القياس تأمل تعرف الباقي. فلو لم يكن في البدن محرك ولا داعي إلى هذه الأسباب يمكن أن يتقاعد عنها الانسان * لشغل (593) أو كسل حتى ينحل ويهلك كما يحتاج إلى الدواء والعلاج بشيء يصلح به بدنه فيدافع به حتى يؤديه إلى المرض المتلف وبازاء كل واحد منها في الانسان حالة تمنعه أن يتجاوز حده المحتاج إليه لئلا يؤدي إلى مرض وفساد كالري بعد العطش والشبع بعد الجوع واليقظة بعد النوم. ولما وقفت أن الفاعل للمرض ليس هو الهواء فقط بل الأمراض كلها تحدث في جميع الأوقات إلا أن PageVW0P072B المرض المشابه في الكيفية للفصل الحاضر أحرى بأن يحدث ويهيج من غير المشابه كما إن الصيف إذا وجد بدنا صفراويا أحدث أمراضا حارة وإذا وجد الشتاء بدنا * بلغمانيا (594) أحدث أمراضا * بلغميا باردا (595) .
76
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (596) : * فأما (597) في أوقات السنة ففي الربيع وأوائل الصيف يكون الصبيان والذين يتلونهم في السن على أفضل حالاتهم وأكمل الصحة، وفي باقي الصيف وطرف من الخريف يكون المشايخ أحسن حالا، وفي باقي الخريف والشتاء يكون المتوسطون بينهما في السن أحسن حالا.
[commentary]
إن أوقات السنة * طبيعية كانت أو غير (598) طبيعية تلائم PageVW1P048B بعض الأبدان دون البعض. فقال: الأبدان الصحيحة القريبة بالاعتدال يوافقها الفصل الشبيه بها في الكيفية كالصبيان والمراهقين المعتدلي والمزاج بالنسبة إلى غيرهم، * فيلائمهم (599) الربيع وأوائل الصيف القريب بمزاج الربيع لمشابهة بينها في المزاج ولأن المعتدل * يحفظ المزاج بالمعتدل (600) فقط ولأن كل * فصل (601) يوافق PageVW0P073A من به مزاج صحي مناسب له. وفي باقي الصيف وأوائل الخريف يكون المشايخ أحسن حالا لأنهم * باردو (602) المزاج فينتفعون بحرارة هذه الأوقات وتلائمهم ملائمة ما ويتأذون بالشتاء البارد. والمتوسطون وهم * الشبان (603) الذي أحر وأيبس بالنسبة إلى الصبيان، والكهول الذي هم أيضا أحر من المشايخ ينتفعون بالشتاء البارد الرطب وتعدل مزاجهم بالمضادة، ولو قيل لما كان المحرور في وقت صحته أن لم يدبر بما يعدل حرارته لم تحفظ صحته وينحرف عما له من * اعتدال (604) المزاج إلى سوء مزاج ما كالمبرود إن لم يعدل مزاجه بالتسخين أيضا لصار من المرضى فلا يكون حفظ الصحة بالمشاكل بل يكون حفظه بالمضادة فيجيب بأن الهواء البسيط لا يستحيل إلى جوهر البدن ليكون مشابها وغير مشابه بل يعدل مزاجه فقط كالماء * المعتدل (605) .
77
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (606) : * قد (607) يعرض في الربيع الوسواس السوداوي والجنون والصرع وانبعاث الدم والذبحة والزكام والبحوحة والسعال والعلة التي ينقشر فيها الجلد * والقوابي (608) PageVW1P048A والبهق والبثور الكثيرة التي PageVW0P073B تتقرح والخراجات وأوجاع المفاصل.
[commentary]
إن الربيع يحفظ * الأبدان (609) النقية على صحتها ولا تحدث فيها الفضلات الرديئة كما تحدثها الفصول الأخر بسبب كيفيتها الغالبة عليها. وأما الربيع معتدل ولكن إن وجد بدنا غير نقي يهيج مواده ويسيل الأخلاط الراكدة ويجريها ويحرك المواد المتجمدة، ولذلك السبب يعرض فيه الوسواس السوداوي فيمن غلبت عليه المرة السوداوي والماليخوليا والجنون لأن المواد الغالبة كانت في الشتاء متجمدة غليظة هادئة فمتى ورد الربيع وصادف في البدن الخلط الرديء أذابته بحرارته المعتدلة فإن قدرت قوة الطبيعة على دفعها إلى سطوح الظاهرة من الأبدان حدثت الدماميل والبثور والخراجات أوالقوابي والبهق وغيرها بحسب المادة الغير الطبيعية الغالبة. وإلا فإن انصبت المادة إلى الحلق أحدثت الذبحة أو إلى المنخرين فيحدث الزكام أو إلى الصدر فتعرض البحوحة أو إلى الرئة فيظهر السعال. وإن جرت إلى المفاصل أحدثت أوجاع المفاصل والنقرس ولتحريك الربيع في المبلغمين مواد البلغمي تحدث فيهم السكتة والفالج وأوجاع المفاصل ولانبعاث الدم في العروق الغالب عليه الدم يحدث اختلاف الدم والرعاف ونفث الدم. وأما تقشر الجلد فسببه خلط سوداوي محترق إلا أنه حريف لذاع، ولذلك لا يكون إلا مع حكة مقلقلة وقد يعرض لجلد الجبهة أن ينقشر منها قشور رقاق ومعه حكة يسيرة وسببه رطوبة فاسدة * تدفعها (610) للدماغ، وعلاجه تنقية الدماغ.
78
[aphorism]
* قال أبقراط (611) : وأما في الصيف فيعرض بعض هذه الأمراض وحميات * دائمة (612) ومحرقة وقيء وذرب ورمد ووجع في الأذن وقروح في الفم وعفن في القروح وحصف
[commentary]
* وأما (613) في الصيف يعرض بعض الأمراض الحادثة في الربيع لأن أواخر الربيع قريب بأوائل الصيف في الطبع. وأما الحمى الدائمة قد تكون * من (614) سخونة الدم وغليانه بلا عفونة، ويسمي سوء سونوخس وإما من عفونة بعض الدم داخل العروق وأما الحمى المحرقة هي الصفراوية التي تعفن مادتها داخل العروق فتكون لازمة لا تفارق إلا بعد البحران. ومادة القيء في أكثر الأمر هي الصفراء التي تعلو وتطفو لخفتها ولطافتها إلى فم المعدة وتهيج القيء، وإن انصبت إلى المعدة وذلك PageVL7P074B عندما تكثر في البدن فتدفعها الأعضاء إلى نواحي المعدة والأمعاء فيحدث الذرب. وإن ارتفعت إلى * العين (615) أو الأذن أو الفم عرضت هذه الأمراض المذكورة، وهذه كلها لحرارة الصيف * وغلبة (616) المرار فيه. وأما عفن القروح يكون من * القرحة (617) الرطبة أو الصيف الذي يكثر فيه الأنداء والأمطار لأن * هيولا (618) العفونة الرطوبة وفاعلها الحرارة. وأما الحصف بثور صغار شوكية كالذرة تنفرش في ظاهر الجلد وأكثر ما تعرض في البلاد الحارة والصيف القائظ والأعضاء * الكثيرة (619) العرق * القليلة (620) الاغتسال إذا صادفها الماء البارد * أو (621) الهواء البارد، وسببه رطوبات رقيقة حادة كأنها اثقال العرق المستعصية على الرشح أ و بخارات حادة غليظة إذا احتقنت عند انسداد PageVW1P049A المسام بالبرد * احتبست (622) في سطح الجلد * وتبثرت (623) فيه.
79
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (624) : وأما في الخريف فيعرض أكثر * أمراض الصيف (625) وحميات ربع ومختلطة * وأطحلة (626) واستسقاء وسل وتقطير البول واختلاف الدم وزلق الأمعاء ووجع الورك والذبحة والربو والقولنج PageVW0P075A الشديد الذي يسميه اليونانيون إيلاوس والصرع والجنون والوسواس السوداوي.
[commentary]
إن المواد التي تكون غالبة في الربيع ولم تستفرغ ولم تتحلل وبقيت بعد استفراغها وانفشاشها من حر الصيف وورد عليها الخريف فتحتقن من برد الخريف وعدم التحلل في الأبدان تعرض أمراض الصيف لأن الخريف كالكافل عن الصيف من بقايا أمراضه. وأما الحميات * المختلطة (627) التي لا تحفظ أدوارها تكون من اختلاف الهواء في الخريف فيختلف عملها في المواد. وإما من سوء تدبير العليل في المأكل من تناول الفواكه * المختلفة (628) المولدة للأخلاط المختلفة. وأما حمى الربع وهي * الحمى (629) السوداوية التي تعفن مادتها خارج العروق وهي من الأخلاط المحرقة المترمدة في حر الصيف المحتقنة في الخريف. وأما ورم الطحال * سببها برد مزاج الطحال (630) من كثرة السوداء المتولدة في الخريف لأنه * بارد (631) يابس يقتضي تولد المادة الباردة اليابسة ولما ضعف الطحال عن هضم السوداء الواردة إليه ولم يقدر على جذب السوداء عن الكبد فتجتمع السوداء في الكبد وتبرد وتؤدي PageVW0P075B إلى الاستسقاء وإن تصاعدت إلى الدماغ حدث الصرع أو الجنون * والوسواس (632) السوداوي ويعرض فيه تقطير البول لما يعرض للمثانة PageVW1P049B من اختلاف المزاج في حر يوم الخريف وبرودة ليله ويعرض فيه زلق الأمعاء، وذلك لدفع برودته وحصرها مارقة * بالحرارة (633) من المواد. وتكون الذبحة فيه مرارية وفي الربيع بلغمية لأن مبدأ كل منهما من الخلط الذي يولده الفصل الذي قبله. وأما القولنج الشديد الذي يسميه اليونانيون إيلاوس معناه رب ارحم وهو ما يحدث في الأمعاء الدقاق ويكثر عروضه في الخريف لثقل يجف * ويشتد ويتبندق (634) وإما لحرارة الأمعاء ويبس الثفل فيها لاقتضاء الفصل اليابس * له (635) . وأما السل والربو ووجع الورك أي عرق النسا سببها حركة الفضول في الصيف ثم حصرها في الخريف. واختلاف الدم فيه يكون من احتقان الفضول السوداوية * أو (636) الصفراوية في البدن وانصبابها إلى الأمعاء، وقد كانت تتحلل من قبل فتقرحها * وتسجحها (637) بالحموضة والحدة * وتفتح (638) أفواه عروقها فيحدث اختلاف الدم.
80
[aphorism]
* قال أبقراط (639) : PageVW0P076A الخريف لأصحاب السل رديء.
[commentary]
واعلم أن الخريف أضر الفصول بأصحاب * قروح (640) الرئة والمسلولين وأنه مضر لأصحاب السل المفرد وغير المفرد، أي المفرد من الدق، فإنه في أكثر الأمر يكون معه الدق ويضر المدقوق أيضا بسبب تجفيفه والمدقوق يحتاج إلى الترطيب. وإن ظهائر الخريف صيفية لأن الهواء الخريفي شديد اليبس مستعد * جدا لقبول (641) التسخن والاستحالة إلى النارية بتهيئة الصيف إياه لذلك ولياليه وغدواته باردة لبعد الشمس في الخريف عن سمت الرؤوس ولشدة قبول اللطيف * المتحلل (642) لتأثير المبرد. فإن تغير الهواء PageVW1P050A إلى الحر تارة والبرد أخرى مما يضرر * بالرئات (643) الضعيفة خصوصا المأوفة * لأن (644) البارد لذاع * للقروح (645) والحار * معفن (646) لها فيزيد في أسباب * السل (647) .
81
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (648) : في الخريف تكون الأمراض أحد ما تكون وأقتل في أكثر الأمر. فأما الربيع فأصح الأوقات وأقلها موتا.
[commentary]
وإن الخريف كثير الأمراض بالنسبة إلى الفصول الأخرى لكثرة تردد الناس فيه PageVW0P076B في يومه الحار ورواحه البارد * ولكثرة (649) تناول الفواكه * المختلفة (650) فيه وفساد الأخلاط بها ولأن القوى تتحلل في الصيف وتفسد الأخلاط في الخريف بسبب تناول الفواكه الرديئة الفجة ولأن الصيف يحلل * بحرارته (651) ما رق من المواد ويزيد * في غلظ (652) ما بقي منها هواء الخريف ويحصرها في الأبدان وكلما * ثار (653) فيه خلط من تثوير الطبيعة رده برودة الخريف إلى الحقن ونقل الدم فيه بل هو مضاد للدم في مزاجه فلا يعين على توليده. وقد تقدم الصيف في تحليله وتقليله ويكثر فيه من الأخلاط المراري * الأصفر بقية (654) من الصيف والأسود المترمد لاحتراقه في الصيف وتجفيفه في الخريف، فلذلك تكثر فيه السوداء لأن الصيف يرمد والخريف مبرد فمواد الربيع هادية رطبة غير حارة وهوائه معتدل والطبيعة قوية فيكون أصح الأوقات وأقلها موتا ومواد الخريف حادة محترقة متحركة والقوى الطبيعية ضعيفة لكثرة تحليلات الصيف فيكون أمراضه أحد.
82
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم رحمه الله (655) : وأما الشتاء PageVW1P050B فيعرض فيه ذات الجنب وذات الرئة والزكام والبحوحة والسعال وأوجاع الجنبين والقطن والصداع والسدر والسكات.
[commentary]
متى امتلأ الدماغ في الشتاء من الفضلات الرطبة والبلاغم الغليظة بعد كثرة تناول الفواكه الفجة الرطبة أو غير الفجة عند الخريف وانعدم تحللها في برودة الشتاء بل احتقنت واحتبست في الدماغ وازداد غلظها فيه ولم يرتق من شؤون الدماغ لانسداد مسامها بسبب صدمة الهواء البارد حدث الصداع، * وإن استحكمت (656) وزادت كمية حدث السدر، وهو حالة تبقي للإنسان مع حدوثها باهتا ويجد في رأسه ثقلا عظيما وفي أذنيه طنينا. وإن وقعت بسبب غلظها ولزوجتها سدة كاملة في مجاري الروح وبطونه الشريفة حدثت السكتة، وهي تعطل الأعضاء عن الحس والحركة جميعا بسبب امتناع سلوك الروح في مسالكه. فأما إن انصبب إلى الرئة * وتحيرت (657) في خلخلتها * حدثت (658) ذات الرئة، وهو ورم فيها من نزله ينصب من الرأس، وربما كان بسبب * ذات (659) الجنب أو الذبحة على سبيل الانتقال. وإن دفعتها الطبيعة إلى المنخرين حدث الزكام. وإن انصبت إلى قصبة الرئة حدثت البحوحة * والسعال (660) ، وهو حركة PageVW0P077B تدفع بها الطبيعة الأذى عن الرئة والأعضاء التي تتصل بها. وإن انحدرت إلى الجنبين أو القطن * على سبيل دفع الطبيعة (661) ومنعها الهواء البارد عن التحليل والخروج عن البدن ظهر الوجع في الجنبين والقطن لسوء مزاج PageVW1P051A مادي فيها.
83
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (662) : * الرياح الجنوبية (663) تحدث ثقلا في السمع وغشاوة في البصر وثقلا في الرأس * وكسلا واسترخاء، فعند قوة هذه الريح وغلبتها تعرض هذه الأعراض. وأما (664) الشمال، فتحدث السعال والحلوق والبطون اليابسة وعسر البول والاقشعرار ووجعا في الأضلاع والصدر. * فعند (665) غلبة هذه الريح وقوتها ينبغي أن تتوقع حدوث هذه الأعراض.
[commentary]
واعلم أن الرياح الجنوبية حارة رطبة. أما حرارتها فلأنها تهب من جانب خط الاستواء والحر يوجد مفرطا في هذه * البقاع (666) من جهة * أن الشمس (667) تسامتها في السنة دفعة ودفعتين. وأما رطوبتها فلأن هذا الجانب منها كثير البحار فتبخر عنها الشمس أبخرة رطبة فتستصحبها الرياح. فلما كانت الجنوبية في أكثر البلاد حارة رطبة ولأنها تأتينا من * الجهة (668) الحارة والبحار المتسخنة PageVW0P078A الجنوبية عنا والشمس تهيج عنها أبخرة كثيرة تخالط الرياح فصارت الجنوبية مرخية بسبب ترطيبها وكثرة بخاراتها الرطبة ومضعفة للقوى لإرخاء محالها ومبادئها ولانسداد مسالك الأرواح التي هي مركب لها بسبب انطباق مسالكها * لاسترخاء (669) عرضت لها أو يضعفها بسبب تحليل الأرواح والحرارة الغريزية التي * هي (670) آلة للقوى في أفعالها وبسبب تفتيحها المسام بحرارتها تملأ البدن رطوبات كدرة وتذيب الرطوبات وترخي الأعضاء وتثقل بتصاعد البخارات الرطبة الرأس والحواس وآلات السمع * وتظهر (671) بسبب الأبخرة الكدرة التي تخالط الروح الباصرة وتحيل بينه وبين الجليدية غشاوة في البصر. وبسبب استرخائها الأعصاب تحدث كسلا وعسر حركة في البدن، وتحدث الحميات العفينة لتعفينها الأخلاط بالحرارة والرطوبة. PageVW1P052A وأما إفسادها * القروح (672) * وتنقيصها (673) الباه بسبب ترطيبها الأعصاب وتحليلها الأرواح. وأما الشمال فباردة يابسة. أما برودتها فلأنها تهب من جانب قطب الشمال، وهذه الناحية أبرد النواحي لأن الشمس لا تسامتها * أصلا (674) ولكثرة الثلوج والمياه الجامدة فيها. وهو يقوي ويشد ويمنع السيلان PageVW0P078B الظاهرة ويسدد المسام بسبب شدة البرد ويحدث السعال بسبب ما ينحدر من الدماغ إلى قصبة الرئة وآلات التنفس والحلوق إلى النزلات المتحلية إلى الحلق. وتحدث البحوحة لبرودة الهواء الذي يصيب الرئة والصدر وآلات التنفس العصبانية العديمة الدم والحرارة القوية المقاومة للبرد فيؤذيها بالبرودة وتصلبها ولا يمكن الاحتراز عنها لضرورة * التنفس (675) . وأما البطون اليابسة لغوص الحرارة الغريزية إلى الباطن واحتقانها فيجفف الأثقال ويبطئ نزولها أو لأن الحرارة تجتمع في الباطن ويجود الهضم والاتسمرار ويجذب الكبد والأعضاء رطوبات الغذاء جذبا قويا فيجف الثفل. وأما عسر البول لأن المثانة عصبانية باردة بالطبع فورود صدمة الهواء البارد يضرها ويزيدها برودة فيسوء مزاجها، فيحدث عسر البول، أو لأن البرودة تشد فم المثانة فلا يخرج بسهولة. والاقشعرار يحدث لبرودة الهواء المزاحمة للأعضاء العصبانية أو لاحتباس الكيموسات الرديئة اللذاعة PageVW1P052B بين اللحم والجلد ووجع الأضلاع. والصدر * يكون لاحتقان البخارات والمواد فيها لبرودة الهواء الوارد على (676) الصدر والأضلاع العصبانية العظامية بالتنفس فيؤذيها بالكيفية الباردة. PageVW0P079A
84
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (677) : فأما حالات الهواء في كل يوم * يوم (678) فما كان منها شماليا فإنه يجمع الأبدان ويشدها ويقويها ويجود حركتها ويحسن ألوانها ويصفي السمع منها ويجفف البطن ويحدث في الأعين لذعا. وإن كان في نواحي الصدر وجع متقدم هيجه وزاد فيه. وما كان منها جنوبيا فإنه يحل الأبدان ويرخيها ويرطبها ويحدث ثقلا في الرأس والسمع * وسدرا (679) في العينين وفي البدن كله عسر الحركة ويلين البطن.
[commentary]
اعلم أن الشمال يجمع أجزاء الأعضاء ويشد جوهر البدن * ويقويه على الحركة لأنها يحصر الحار الغريزي ويمنعه عن الانفشاش والتلاشي (680) ويقوي القوى الطبيعية لوفور الحرارة الغريزية ويحسن ألوان الأبدان ويحدث فيها * رونقا (681) ونضارة في بشرتها لأن الطبيعة لما استمر الغذاء استمراء جيدا ودفع الفضلات الرديئة حسن اللون وإما لأنها باردة تحتاز على جبال وتلال باردة كثيرة الثلوج ويابسة لأنها لا يصحبها أبخرة لأن التحلل في جهة الشمال أقل وقوعا ولا يحتاز على مياه سائلة بحرية بل يحتاز في الأكثر على * المياه (682) الجامدة، فإنها تقوي * وتشد (683) الأبدان PageVW0P079B وتمنع السيلان الظاهرة لانسداد المسام بالبرد ويقوى الهضم لاحتقان الحار الغريزي * الذي هو آلة (684) لأفعال * القوى (685) الطبيعية ويعقل البطن لانتشاف الهواء اليابس رطوبة الأبدان وانعصار PageVW1P053A عضل المقعدة بالبرد وعدم مساعدة المجرى ويدر البول لانسداد طريق العرق ويكثر سيلان الفضلات من الرأس، فتحدث علل الصدر والرئة وأوجاع * الأضلاع (686) والجنب ويصفي السمع لتجفيفها الرطوبات الكدرة المرخية المثقلة. وأما لذع العين لتخلخلها ولطافتها * فهي (687) تغوص في مسامها الهواء الألطف منها وتلذعها بالكيفية الباردة. وأما الهواء البارد فإنه يحصر الحار الغريزي داخلا ما لم يفرط إفراطا * يوغل به (688) إلى الباطن، فإن ذلك مهلك، ولكن الهواء البارد الغير المفرط يمنع سيلان المواد ويحبسها لكنه يحدث النزلة ويضعف العصب ويضر بقصبة الرئة ويقوي على الهضم لحصر الحرارة الغريزية إلى الباطن ووفورها في الأجواف عند الهواء البارد ولعدم تحليل الأرواح التي هي مركب للقوى ويكثر البول لاحتقان الرطوبات وقلة تحللها بالعرق ويبطئ خروج الثفل لانعصار عضل المقعدة ومساعدة المعاء المستقيم على هيأتها، فلا ينزل الثفل سريعا لفقدان مساعدة PageVW0P080A المجرى فيمكث وتنحل مائيته إلى البول. وإن كان في نواحي الصدر علة مؤلمة مثل الربو الذي يحسن حال صاحبه في الصيف والسل والمرة المحتقنة في الصدر وغيرها، فإن الهواء البارد يهيجها ويزيدها ردائة، وإذا تقدمت الجنوب وتلاها الشمال حدثت من الجنوب إسالة ومن الشمال عصر إلى الباطن. وأما الجنوب يحل شدة الأبدان ويرخي القوة ويرطب الأعضاء برطوبته ويملأ الدماغ من الأبخرة الرطبة المتصاعدة * ومن (689) استنشاق الهواء الرطب فيرطب منشأ الأعصاب ومبادئها فيرخي وينطبق بعضها ببعض فيضيق مسالك الروح ويمتنع عن السلوك فيضعف القوى، وبسبب اجتماع الرطوبات على مبادئ الحواس يحدث ثقلا في الرأس والسمع، وبسبب نشوب الأخلاط الكدرة في الروح الباصرة يحدث سدرا في العينين، وهو ظلمة فيهما مع دوي * في الأذنين (690) ، ويلين البطن لترطيبة البدن وسوء الاستمراء وضعف القوة الماسكة لأنها أمس حاجة إلى الاستمساك والثبات الحاصل من اليبس، وكانت الرطوبة مضادة للقوة الماسكة.
85
[aphorism]
* قال أبقراط (691) : PageVW0P080B إذا احتبس المطر حدثت حميات حادة، فإن كثر ذلك الاحتباس في السنة ثم حدث في الهواء حال يبس فينبغي أن تتوقع في أكثر الحالات هذه الأعراض وأشباهها.
[commentary]
يعني عند احتباس المطر تحدث الحميات الحادة * في الكيفية (692) لأن البخارات التي * تتصاعد (693) إلى البشرة تكون أيبس لأن احتباس المطر يؤدي إلى اليبوسة ويميل * المواد (694) إلى اليبوسة والحدة والصفراوية، فيكون ما يرتقي عند الحميات من أبخرة البدن أحد من الحميات المشوية بالرطوبات. ويمكن أن يفهم من الحميات الحادة عظمها وسرعة انقضائها لأن المواد المتعفنة الحارة أقرب إلى النضج والبحران، وإن كانت صعبة هائلة من المواد المغمورة المشوية بالرطوبات البليدة البطيئة البحران وتكون المواد الحارة الخفيفة أسرع تحللا وأوشك انقضاء PageVW1P054B من ضدها الباردة الرطبة الغليظة لأنها * تكون (695) أبطى تحللا.
86
[aphorism]
قال أبقراط الحكيم: إن من حالات الهواء في السنة بالجملة قلة المطر أصح من كثرة المطر وأقل موتا. PageVW0P081A
[commentary]
واعلم * أن (696) من عند كثرة المطر تحدث الحميات العفينة لأن * هيولى (697) العفونة هو * الجوهر (698) الرطب وعند احتباس المطر دفعة تعرض للبطن الحميات الحادة. وأما إذا لم يكن كثيرا * أو (699) لم يحتبس دفعة بل يكون معتدلا بين الحالين فيكون الهواء أيضا معتدلا في الرطوبة واليبس ويعدل الأبدان والأخلاط ويشد الأعضاء ويقوي الأرواح، فيكون أصح وأقل موتا.
87
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (700) : فأما الأمراض التي تحدث عند كثرة المطر في أكثر الحالات فهي حميات طويلة واستطلاق البطن وعفن وصرع وسكات وذبحة. وأما الأمراض التي تحدث عند قلة المطر فهي سل ورمد ووجع المفاصل وتقطير البول واختلاف الدم.
[commentary]
يعني الحميات التي تحدث عند كثرة المطر على الأكثر فهي حميات طويلة لأن الهواء الرطب إذا صادف بدنا رطبا بلغمانيا أو مستعدا لقبول الرطوبات اجتمع فيه الرطوبات الفضلية وامتلأ من المواد البلغمانية وتعفنت وحدثت الحمى الطويلة لكون موادها الرطبة الباردة PageVW0P081B محتاجة في النضج إلى زمان طويل أو لكثرتها لا تتحلل إلا في مدة طويلة ويحدث الاستطلاق * لامتلاء (701) البدن من الرطوبات الفضلية وقلة تحللها في الهواء الرطب. وأما العفونة وهي تغير الجسم الرطب * بالحرارة (702) على وجه لا تفنى PageVW1P054B رطوباته بل تغيره عن صلوحة القبول للأمزجة النوعية فلتوفر البدن من الفضلات الرطبة القابلة لهذا المعنى وإن * امتلأ (703) الدماغ من الرطوبة واجتمع * فيه (704) البلاغم فمتى انحدرت إلى الحلق حدثت الذبحة وإن لم تنحدر وتمكنت هناك بحيث أحدثت الشدة عرض الصرع والسكتة لأن الدماغ بارد رطب في مزاجه الأصلى والهواء الرطب يزيد فيه الرطوبة فتجتمع المواد وتكسب منه البرودة والغلظ. وأما * عند قلة (705) المطر واحتباسه في الوقت الذي يحتاج إليه يصير الهواء حارا يابسا وتتولد فيه مواد المرارية الحارة اللذاعة ليبوسة الهواء * وانتشافها (706) الرطوبات. فإن ارتقت الخلط المرارية للطافتها إلى العين حدث الرمد، وإن انحدرت إلى الرئة على طريق النزلة حدث السل لنوازل كثيرة تنزل من الرأس أو من انصباب الخلط الحاد اللذاع إلى الرئة، وإن تجلبت إلى المفاصل عرض وجع المفاصل الصفراوي. وأما PageVW0P082A لو اندفعت بطريق * الإدرار (707) إلى المثانة ظهر تقطير البول بسبب حدة البول ومراريته فيحرق المجرى ويلذعه، فيكون استرساله مؤلما واجتماعه وثفله أيضا غير محتمل، فتكون له حالة بين الاسترسال والاحتباس، وهي التقطر، أو لأن كل قليل منه لشدة ايذائه ولذعه يستدعي النفض فتدفعه الدافعة. وإن لم يكن بإرادة وإن دفعتها * الطبيعة (708) إلى الأمعاء وسحجتها بالحدة وفتحت فوهات عروقها حدث اختلاف الدم.
88
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (709) : إذا كان الصيف شبيها بالربيع فتوقع في الحميات عرقا كثيرا.
[commentary]
يعني إذا كان * هواء (710) الصيف معتدلا ربيعيا * كانت (711) PageVW1P055A الحميات حسنة الحال غير ذات خشونة ويبوسة وكثر فيه العرق لأن * حرارة (712) الصيف المعتدل الهواء ترقق وتلطف الرطوبات وتوسع المسام، * أو (713) لأنه لا يقدر على تحليل الرطوبات المكتسبة المحتقنة في الشتاء * والمستفادة (714) من الفواكه الخريفية الماضية، فيتوقع في الحميات عرقا كثير لاجتماع الرطوبات في الأبدان وقلة التحليل فتجذبها حرارة الصيف إلى الظاهر وترققها حرارة الحمى فتستفرغ بالعرق.
89
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (715) : PageVW0P082B فأما في أوقات السنة فأقول أنه متى كان الشتاء قليل المطر شماليا وكان الربيع مطيرا جنوبيا فيجب ضرورة أن تحدث في الصيف حميات حادة ورمد واختلاف * دم (716) ، وأكثر ما يعرض اختلاف الدم للنساء ولأصحاب * الطبائع (717) الرطبة.
[commentary]
يبين حالة السنة واقتضاء فصوله بحسب ما يعرض لها. يقول متى كان الشتاء شماليا قليل المطر يابسا والربيع جنوبيا مطيرا فإن الربيع يعدل برطوبته ما اكتسبت من يبوسة الشتاء ما لم تفرط الرطوبة ولم يطل زمان الربيع. فأما إن طال زمانه كثر في الصيف الحميات الحادة العفينة والرمد ولين * الطبيعة (718) واختلاف الدم، وذلك كله من النوازل واندفاع البلاغم المجتمعة التي حركتها الحرارة الصيفية، وخصوصا لأصحاب الأمزجة الرطبة مثل النساء، فإن الحميات العفينة تكثر فيها، يعني إذا دام الربيع برطوبته وأدركه الصيف على هذه الحالة وألفى الأبدان * ممتلئة (719) فضولا ورطوبات وعمل الحرارة الصيفية على العنصر الرطوبي PageVW1P055B عرضت للناس حميات عفينة حادة بالكيفية خصوصا للمرطوبين. فلو انحدرت الفضلات ا لمتعفنة إلى الأمعاء عرض لهم PageVW0P083A اختلاف الدم. وإن ارتفعت إلى الأعالي ما لطفت ورقت منها أحدثت الرمد. وإنما يعرض اختلاف الدم للنساء ولأصحاب الطبائع الرطبة لو انحدرت الرطوبات المتعفنة الرديئة إلى الأمعاء وفتحت فوهات عروقها * بالخدش (720) .
90
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (721) : متى * كان (722) الشتاء مطيرا جنوبيا دفئا وكان الربيع قليل المطر شماليا، فإن النساء اللواتي يتفق ولادهن نحو الربيع يسقطن من أدنى سبب، واللاتي * تلدن (723) منهن تلدن أطفالا ضعيفة الحركة * مسقامة (724) ، حتى إنهم إما أن يموتوا على المكان وأما أن يبقى منهوكة * مسقامة (725) طول حياتهم. وأما سائر الناس فيعرض لهم اختلاف الدم والرمد اليابس، وأما الكهول، فيعرض لهم من النزل ما يفنى سريعا.
[commentary]
واعلم أن الهواء أشد تأثيرا وأهم ما يحتاج إليه البدن لأنه مع كونه أحد أركان البدن قد يوجد ضروريا في بقاء الحياة لترويح القلب ودفع الأبخرة الدخانية وإمداده للجوهر الروحي و مبذرق الأرواح كلها إلى الأعضاء، وهو أقوى تأثيرا في الأبدان لأنه يرد عليها من داخلها بالمنافذ والمسام PageVW0P083B ومجاري التنفس ومن خارجها أيضا إذ هو محيط بها من جميع جهاتها وهو يفعل فيها بنفسه وبما يخالطه. هذا الفصل عكس فصل المقدم الذي يليه، يعني أنه إذا ورد ربيع شمالي على شتاء جنوبي ثم تبعه صيف * ومد (726) وحفظ الربيع المواد إلى الصيف أسقطت اللواتي تتربصن PageVW1P056A وضعهن ربيعا بأدنى سبب، وإن ولدن أضعفن وأسقمن. وقيل أكثر الموتان في الخريف * للغلمان (727) وكثر السحج * وقروح (728) الأمعاء والغب الغير الخالصة الطويلة بسبب حفظ الربيع المواد وترقيقها الصيف. ويكثر في الناس الرمد واختلاف الدم والنوازل سيما للشيوخ، يعني يؤثر هواء الربيع في الأبدان اللطيفة المتخلخلة خصوصا في أبدان النساء، لأن هواءه وإن كان باردا لطيف نفاذ وقد * سبق (729) عليهن الشتاء الجنوبي الملين المرخي فيغوص فيهن هواء الربيع ويصل إلى أجوافهن فتتألم الأجنة وتتأثر من نكاية برد الربيع وتسقط. فأما إن كان الجنين قويا بحيث لم * يسقط (730) ولدته ضعيفا مسقاما طول حياته، ولو انصبت الفضلات المجتمعة في الشتاء الجنوبي من الرأس إلى العين حدث الرمد اليابس لاحتقان المواد بصفقة برودة الربيع * وتكثيف (731) مسام العين وتغليظه المادة، فامتنعت الدموع PageVW0P084A عن النفوذ منها، وإن انحدرت إلى الأمعاء * وجردتها (732) بملوحتها أو لزوجتها حتى * انفتحت (733) فوهات عروقها حدث اختلاف الدم ويعرض * للكهول (734) نزلات تزول بسرعة لأن المواد الحريفية الحادة ورد عليها شتاء جنوبي حار، فلم يغلظها بتجميدها، فينضج ويتحلل سريعا. وأما في الشيوخ يعرضهم النزلات المهلكة لقلة الحرارة فيهم وضعف قواهم الطبيعية التي لا تقدر على نضجها.
91
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم رحمه الله (735) : فإن كان PageVW1P056B الصيف قليل المطر شماليا وكان الخريف مطيرا جنوبيا عرض في الشتاء صداع شديد وسعال وبحوحة وزكام وعرض لبعض الناس السل.
[commentary]
واعلم أنه إذا ورد على * صيف (736) يابس شمالي خريف مطير جنوبي تلافى وتدارك هواء الخريف لما يحدث من هواء الصيف بتعديله أياه لكن استعدت الأبدان أن تصدع في الشتاء وتسعل وتبح وتسل لأن مواد الصيف الشمالي والخريف الجنوبي المطير تملأ الأبدان والدماغ * من (737) الفضلات الرطبة، فيعرض في الشتاء أمراض الحقن والحصر لصفقة الهواء الشتوي وصدمة برودته PageVW0P084B ولأنه يشد ويكثف مسام سطوح الأبدان فيحدث صداع شديد لاحتقان البخارات المتصاعدة إلى الدماغ، وإن سالت وانحدرت إلى أسفل حدثت النزلات وزكام وبحوحة وسعال وسل، وإنما لم تحدث هذه في الخريف لأنه يعدل رطوبة أمطاره وجنوبيته يبوسة الصيف وشماليته.
92
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (738) : وإن كان الخريف شماليا يابسا * كان (739) موافقا لمن كانت طبيعته رطبة وللنساء. وأما سائر الناس فيعرض لهم رمد يابس وحميات حادة وزكام مزمن، ومنهم من يعرض له الوسواس من المرة السوداوي.
[commentary]
هذا الفصل متمم لأحكام الفصل المقدم الذي يليه، يعني إن كان الصيف شماليا يابسا والخريف أيضا كان يابسا شماليا، انتفع به من يشكو الرطوبة والنساء، ولكن يعرض لغيرهم رمد يابس ونزلة مزمنة وحميات حادة PageVW1P057A والوسواس السوداوي . قال الحكيم أبقراط: ولو كان الخريف شماليا يابسا فيعاون الصيف على تجفيف الأبدان ويوافق الذين مزاجهم رطب وللنساء لتعديله رطوبتها ويضر لغير المرطوبين لازدياد جفافهم به وتحليل ما رق ولطف من موادهم PageVW0P085A فيعرض لمن عينه ضعيفة قابلة للمواد الغليظة رمد يابس ولمن كان أخلاطه مستعدة العفن تحدث الحميات، ولمن كان دماغه ضعيفا لا يقدر على هضم الفضلات وتحليل الرطوبات فينجلب إلى أسفل ويحدث الزكام المزمن. وأما الوسواس السوداوي الذي يحدث فيهم لغلظ الأخلاط ويبوستها فهكذا تتغير حالا طبيعة الأبدان بحسب تغير فصول السنة وعلى مقتضى اختلاف طبائعها.
93
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (740) : من أصابه وجع في مؤخر رأسه فقطع له العرق المنتصب الذي في الجبهة انقطع بقطعه.
[commentary]
الفصد هو استفراغ كلي يستفرغ الكثرة التي هي تزائد الأخلاط على * تساو (741) منها في العروق، فمن أصابه وجع في مؤخر رأسه من مادة دموية أو من امتلاء الدماغ من الأخلاط الأربعة على * تساو (742) بينها فيفصد عرق الجبهة وهو عرق * منتصب (743) ما بين الحاجبين لأن فصده ينفع من ثفل الرأس خصوصا في مؤخره وثفل العين والصداع الدائم المزمن، فيبرى بسبب استفراغ المادة المؤذية المجتمعة في مؤخر الرأس إلى خلاف الجبهة * وجذبها (744) إلى مقدم الدماغ PageVW0P085B المضاد * للخلف (745) . فأما إن كان الوجع من مادة غير دموية ولم يكن PageVW1P057B الدم في البدن غالبا فلا يفصد بل تستفرغ المادة بحسب مستفرغ يخصها.
94
[aphorism]
* قال أبقراط (746) : من دام به التفزع وخبث النفس زمانا طويلا فعلته سوداوية
[commentary]
التفزع وخبث النفس من الأعراض اللازمة لأصحاب المالنخوليا، والمالنخوليا هو * تغير (747) الظنون والفكر عن المجرى الطبيعي إلى الفساد وإلى الخوف ولرداءة مزاج السوداوي يوحش * روح الدماغ من داخل ويفزعه بظلمته كما تفزع وتوحش (748) الظلمة الخارجة، على أن مزاج * البارد اليابس (749) مناف للروح مضعف * إياه (750) . وإنما * يقال (751) مالنخوليا * لما (752) كان حدوثه عن سوداء غير * محرقة (753) وسببه إما أن يكون في الدماغ نفسه وإما من خارج الدماغ والذي في الدماغ نفسه فإما أن يكون من سوء مزاج بارد يابس بلا مادة تثقل جوهر الدماغ بتغليظه وتغير مزاج الروح النير إلى الظلمة، وإما أن يكون مع مادة سوداوية أو بخارات سوداوية غالبة على الدماغ فأظلمت الروح النفساني. فيعرض الخوف والحزن. يقول مهما هجم على المرء * هذان العارضان (754) ولم يعرف سببهما، وطال PageVW0P086A زمانهما فاعلم أنه سيقع في المالنخوليا أو مرض آخر سوداوي كالجنون والجذام.
95
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (755) : من أصابه الصرع قبل نبات الشعر في العانة فإنه يحدث له انتقال، فأما إذا عرض له وقد آتى عليه من السنين خمس وعشرون سنة فإنه يموت وهو به.
[commentary]
يعني الصرع البلغمي، وهو علة تمنع الأعضاء النفسية عن أفعالها، وسببه سدة تعرض في بعض بطون الدماغ ومجاري الأعصاب المحركة للأعضاء من خلط غليظ أو لزج أو كثير، فتمتنع الروح PageVW1P058A عن السلوك فيها سلوكا طبيعيا، فمتى حدث للمراهقين من * الصبيان (756) الصرع البلغمي وانتقلوا في السن إلى البلوغ حدث لهم كمال عظيم وتغيروا في مزاجهم من حال إلى حال آخر، وظهر فيهم حرارة نارية تصعد منها بخار دخاني ينعقد منه الشعر وصاروا أحر وأيبس مزاجا من الصبيان الغير البالغين، وانقطع منهم سبب الصرع، وهو رطوبة مزاجهم وتولد البلغم في أبدانهم، فبرؤوا من الصرع، أو لأن القلب والكبد والدماغ تتقاوم وتتنازع في دفع أذى * البعض للبعض (757) ، فهما بلغ الشخص وفاز القلب والكبد بحرارة الشباب استولت حرارتهما على الدماغ ومنعت أن يرتكم ويجتمع فيه البلاغم المسددة بالتحليل. PageVW0P086B وأما إذا عرض له بعد نبات الشعر في العانة وبعد البلوغ فلو لم يعالج فإنه يكون * مصروعا (758) طول * حياته (759) ولم يبرأ برءا تاما إلى أن يموت.
96
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (760) : صاحب الصرع إذا كان حدثا فبرؤه منه يكون خاصة بانتقاله في السن والبلد والتدبير.
[commentary]
إن الصرع يحدث إما من مادة دموية أو سوداوية أو بخار غليظ أو رديء يرتقي من بعض الأعضاء إلى الدماغ. وأما صاحب الصرع البلغمي إن كان صببا حدثا فبرؤه عند انتقاله في السن إلى البلوغ لأنه انتقال عظيم مغير لحالة البدن إلى حالة أخرى وتصلح حاله عند الانتقال من البلد البارد الرطب إلى بلد حار يابس مضاد لمزاجه ليكون مجففا لمزاجه الرطب ويحتاج برؤه إلى تبديل التدبير المبرد إلى المسخن المجفف ليقطع سبب صرعه.
97
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (761) : إذا حدث بعد الجنون اختلاف دم أو استسقاء أو حيرة فذلك دليل محمود PageVW0P087A PageVW1P058B الاستسقاء هو مرض مادي سببه مادة غريبة باردة تتخلل الأعضاء فتربو بها إما الظاهر من الأعضاء كلها وإما المواضع الخالية من النواحي التي فيها تدبير الغذاء، وذلك عندما يفسد مزاج الكبد ويستولى عليها الضعف. وإنما يحدث بعد الجنون اختلاف دم أو استسقاء ويبرأ بطريق الانتقال من مرض إلى مرض آخر لغلبة الخلط السوداوي على البدن وكثرة انصبابها إلى المعدة، فتتفاقم البرودة وغمرت الحرارة الغريزية وأطفأها فبردت وضعفت ولم يهضم الطعام جيدا فتصل عصارة الغذاء إلى الكبد فجة ولا يمكنها أن تحيلها إلى الدم وتجذبها الأعضاء بتلك الحال فتبقى بين خلل اللحم. ولهذا يسمى لحميا. وأما أن يكون سببه غلبة مادة السوداء على البدن وكثرته في الكبد بحيث يبرد مزاجها فيحدث الاستسقاء ويصلح حال الجنون، وإذا أنفتح عرق من عروق المقعدة بسبب حدة الدم السوداوي وحموضته وتجلب وسال من أسفل بطريق اختلاف الدم السوداوي من عروق البواسير كان الجنون مرجو البرء لانتقال مادة الجنون وانحدارها من العضو الشريف وهو الدماغ إلى الخسيس وهو PageVW0P087B المقعدة. ويمكن أن يكون المراد من الحيرة السكون * والقرار (762) من الاضطراب والقلق بعد كسب الدماغ البله وتبديل مزاجه اليابس إلى الرطوبة واستحالة المادة الحادة إلى الفترة والبلادة، فانكسر سورة الجنون وحصل لصاحبه انتباه ما فيحير في شانه ويفكر في حالته الغير المضبوطة فيكون دليلا محمودا.
98
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (763) : من أصابه في دماغه العلة PageVW1P059A التي يقال لها * سقاقلوس (764) ، فإنه يهلك في ثلاثة أيام، فإن جاوزها فإنه يبرأ.
[commentary]
وأعلم أن مما يؤول إليه الورم الحار الدموي هو الصلابة، وذلك إذا * تحلل (765) ما فيه من اللطيف أو يؤول إلى العفونة والفساد، وذلك إذا لم يبادر بعلاجه فتنسد أفواه العروق والمنافس الذي في العضو المأوف فيعدم التنفس فيسرع إليه الفساد والتعفن. * ويقال (766) لهذا الفساد غانغرانيا ويدعى الخبيثة أيضا. وعلامة ذلك أن تذهب نضارة * العضو (767) ويسكن الضربان كأن الحس مخدر، فإذا استحكم هذه العارضة حتى بطل الحس أصلا وأخذ العضو يموت صار * سقاقلوس (768) ، * وإذا (769) أخذ يسعى هذا PageVW0P088A الفساد إلى ما حول العضو فهو الآكلة، فيكون تقدير كلام أبقراط من أصابه في دماغه غانغرايا وابتدأ ظهور * سقاقلوس (770) * وممكن (771) أن يبرأ غانغرايا في الأعضاء كلها وعند ابتداء حدوث * سقاقلوس (772) ، فيمكن أيضا أن تنهض القوة الدماغية لمقاومة العلة ودفعت مادتها * وانحط (773) المرض ويبرأ في ثلاثة أيام، وإن لم يحتمل الدماغ الشريف صعوبتها وشدتها مات في ثلاثة أيام.
99
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (774) : من كان يوجعه شيء من بدنه ولا يحس بوجعه في أكثر حالاته فعقله مختلط.
[commentary]
واعلم أن العقل عند الحكماء ليس في الدماغ ولا في عضو من أعضاء الإنسان وليس بجسم ولا جسماني، بل جوهر مجرد. وقال الشيخ في الرموز القوة البدنية لما احتاجت إلى البدن فكل ما يضر البدن يضرها بالضرورة والقوة العاقلة * بمعزل (775) عن هذا لأن الفكر PageVW1P059A في غاية المضرة في * حق (776) البدن لإفنائه الحرارة الغريزية وفي غاية النفع في حق القوة العاقلة، فكيف يكون بدنيا. لكن يزعم الأطباء أن العقل في الدماغ ويستدلون بأن من كان دماغه مؤوفا يكون عقله مختلا فيجب لا جرم أن يكون الدماغ محلا له. فقال على مذهبهم أنه من كان يوجعه شيء من بدنه PageVW0P088B ولا يحس بوجعه فعقله يكون مختلطا. واعلم أن الوجع هو الإحساس بالمنافي، فإن لم يحس ذلك بسبب أن يكون المحل الذي هو منشأ التصرفات الحسية * مأوفا (777) ويكون هذا المحل هو بعينه محلا للتصرفات العقلية يمكن أن يكون صاحب هذا المحل المؤوف * مختلط (778) العقل * مختل (779) التصرفات العقلية، فمهما غلبت مادة السوداء البارد اليابس على البدن واستولت البرودة واليبوسة على الأعصاب وكثفت * وصلبت (780) ، فلم يقدر الروح النفساني والقوة الحساسة على * السلوك (781) في الأعضاء تمام السلوك، فلم يحس بالوجع الحاصل فيها.
100
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (782) : إذا حدث من كثرة الشرب اقشعرار واختلاط ذهن فذلك دليل رديء.
[commentary]
واعلم أن الشراب ينفع * للممرورين (783) بإدرار * المرة (784) والمرطوبين بإنضاج الرطوبة وهو * يقطع (785) البلغم ويحلله ويزلق السوداء فتخرج بسهولة ويقمع * عادتها (786) بالمضادة ويحل كل منعقد من غير تسخين كثير * وينعم (787) المنفذ للغذاء والشراب. وكلما زاد عطريته وزاد طيبه وطاب طعمه فهو أوفق وأجود. وإن من كان قوي الدماغ لم يسكر بسرعة ولم يقبل دماغه الأبخرة المتراقية منه بل يدفعه. وقد رأى PageVW1P060A البعض PageVW0P089A أن السكر إذا وقع في الشهر مرة أو مرتين نفع لإحمام القوى النفسانية ويريح البدن ويدر البول والعرق ويحلل الفضول. ولو شرب الصبيان كان كزيادة نار على نار في الحطب الضعيف. فأما ما احتمل الشيخ فليسق وعدل الشبان فيه. وإذا شرب يستحيل * من (788) الحرارة الغريزية وينقلب إلى جوهرها فتصير مادة لها زائدة في كميتها. هذا إذا شرب القدر المعتدل منه لأن تجاوزه عن حد الاعتدال يغمر الحرارة الغريزية ويخنقها * صنيع الحطب الكثير إذا وضع على النار دفعة فيعرض النافض والقشعريرة (789) لأن شاربه * إن (790) كان صفراويا حار المزاج وهيج الشراب الصفراء والبخارات الحارة اقشعر الإنسان وانتفض عند حركتها ومرورها على الأعصاب والعضلات كما ينتفض عند صب الماء الحار على البدن. وإن الذهن قوة للنفس في البدن وليس * الدماغ (791) محلها ولكن يحكم على رأي الأطباء أنه لو ارتقت البخارات الرديئة على الدماغ وتراكمت فيه وتغير مزاجه وحدث اختلاط الذهن، فذلك دليل رديء لأنه يدل على فساد مزاج الدماغ وكدورة الأرواح النفسانية وغلظها وامتناع نفوذها في مسالكها فعجزت القوة الحساسة عن تصرفاتها.
101
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (792) : PageVW0P089B * وعن الضربة على الرأس البهتة واختلاط الذهن (793) .
[commentary]
يعني لو وقع شيء على الرأس أو أصابته ضربة تحدث البهتة وهو أن يكون الإنسان عند حدوثها باهتا متحيرا ثقيل الرأس مع طنين في أذنيه، * وإذا (794) قام أظلمت عيناه وتهيأ للسقوط. وسببه ألم يعرض لحجب الدماغ أو سدة تعرض هناك أو ورم، فتمنع PageVW1P060B الروح النفساني من السلوك الطبيعي في أوعية الدماغ وعروقها فتضعف قوة الإدراك وتصرفات العقل في التدبير، أو يكون سبب البهتة ضربة تحرك الروح فيتبعه حركات دائرة متموجة كما يحدث في الماء من وقوع شيء ثقيل عليه أو ضرب باليد فتضعف مدركات الدماغ بسبب تحرك الأرواح عن محالها الطبيعية وعجزت في أفعالها المخصوصة بها.
102
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (795) : من حدث في دماغه قطع فلا بد من أن تحدث له حمى وقيء مرار.
[commentary]
يعني من أصابته ضربة في رأسه وقطعت الغشاء الصلب المحيط بالغشاء الرقيق والدماغ لأنه لو أصابت نفس الدماغ هلك صاحبه في ساعتها. وإنما تحدث له الحمى لشدة الوجع * وصعوبة (796) الألم، وإذا سخن الشرايين الذي PageVW0P090A في الرأس بسبب تسخينها الوجع تتأدى تلك السخونة إلى الروح وجرم القلب وتشتعل فيه وتنبث منه بتوسط الروح والدم والشرايين في جميع البدن واشتعلت فيه وظهرت الحمى * وحرارة (797) الحمى تهيج الصفراء في البدن وتضعف المعدة وتنصب إليها المرار فيحدث القيء أو * لمشاركة (798) فم المعدة الدماغ بروح العصب الجائي إليها * يتألم وينفعل من وجع القطع ويتسخن بمشاركة الدماغ وتطفو المرار فيه (799) للطافتها وخفتها فيحدث القيء المراري والغثيان وتقلب النفس.
103
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (800) : صحة الذهن في * كل (801) مرض علامة جيدة، وكذلك الهشاشة للطعام، وضد ذلك علامة رديئة.
[commentary]
* تعتبر قوة المريض وتوفرها وضعفها عند مقاساة المرض وتستدل بقوة القوى النفسانية بصحة الذهن وجودة التنفس والحيوانية تستدل بقوة النبض واستوائه والقوى الطبيعية بالهشاشة للطعام. فاستقامة هذه كلها علامة جيدة في كل مرض وضد ذلك علامة رديئة. (802) فإن انضاف إليها حسن قوة النبض وحسن استقلال المريض بما يعانيه من المرض كانت PageVW0P090B العلامات للسلامة كلها متوفرة لسلامة الأعضاء الرئيسية التي هي مصدر ومنشأ * لأفعال (803) هذه القوى، وإنما ترك PageVW1P061A ذكر النبض الدال على القوة الحيوانية لأن مذهب عظيم الفلاسفة وهو أرسطوطاليس أن الأرواح كلها إنما تتولد في القلب وتشترك كلها في أمر واحد وهو القوة الحيوانية، ثم إنها بواسطة تلك القوة تستعد لقبول النفس من واهب الصور، وتلك النفس علة لحصول سائر القوى في تلك الأرواح إلا أن أفعال تلك القوى لا تصدر عنها ما دامت في القلب بل حصول الروح في الدماغ شرط لا * لحدوث (804) القوة النفسانية فيه، فإنها كانت موجودة قبل ذلك في القلب * بل شرط لظهور أفعال النفسانية عن تلك القوى وكذلك القول في الروح الطبيعي، فإنها حين كانت موجودة في القلب (805) كانت حاملة للقوة الطبيعية ولكن انتقاله إلى الكبد شرط لظهور أفعال تلك القوى عنها، * فحينئذ (806) مهما كانت صحة الذهن والهشاشة للطعام الدالين على القوة النفسانية والطبيعية حاصلة كان توفر القوة الحيوانية التي هي مبدأ لهما حاصلة وحكمنا على سلامة أحوال القلب الذي هو معدنهما، * فلا يحتاج لذكره (807) . والآخر أن الروح الطبيعي الذي PageVW0P091A يرد القلب ويستحيل روحا حيوانيا ويكسب فيه لطافة ومزاجا يليق بأن يكون حاملا للقوة النفسانية، ثم يعبر عن القلب * ويتصاعد (808) إلى الدماغ وتظهر أفعالها. فمتى كانت أفعالها سليمة دلت على سلامة أحوال الدماغ وصحة القلب. فلم يذكره ولو اعتبر وذكر حال النبض كان أوكد في الدلالة على قوة * القوى (809) الثلاثة وسلامة الأعضاء الرئيسية واقتدار المريض على مقاساة المرض ومعاناته فلا جرم تكون هذه علامة جيدة في أكثر الأمر وفي كل الأمراض.
104
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (810) : من كان من اختلاط * الذهن (811) مع ضحك فهو أسلم ومن كان منه مع PageVW1P061B هم وحزن فهو أشد خطرا.
[commentary]
وأعلم أن السوداء تكثر تارة بسبب العضو الفاعل للغذاء وهو الكبد إذا أحرق الدم وضعف عن دفع الفضل السوداوي وتارة بسبب العضو الذي هو مفرغة السوداء وهو الطحال إذا ضعف عن أمرين: أحدهما جذب عكر الدم ورماده عن الكبد والآخر عن دفع فضل ما ينحدر إلى المدفع الذي له. فإن * اختلاط (812) الذهن الذي مع ضحك وفرح يكون أسلم PageVW0P091B ويكون دماغ صاحب هذه المادة كدماغ السكران الممتلئة من البخارات الحارة الرطبة وتعين الرطوبة على الانبساط للروح الحيواني فيحدث الفرح والانبساط الذي من علاجاته. ولا شك أن الأشياء المضحكة في الظاهر أحسن من الأشياء الهائلة المخوفة، * فكذلك (813) تخيلها وإدراكها من داخل بسبب شوب الأبخرة الغير الطبيعية * للحارة (814) الرطبة في الروح الدماغي يكون أجود من الفزع والخوف والغضب الحادثة من البخارات السوداوية اليابسة لأنها مظلمة مكدرة للروح. وفي الجملة اختلاط الذهن مع الضحك يكون من حراقة الدم ويكون أسهل علاجا وأقرب برءا من الذي يكون مع حزن ومن لأنه يكون من حراقة المواد اليابسة الغليظة البطيئة النضيج فيكون أشد خطرا.
105
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (815) : العطاس يكون من الرأس إذا سخن الدماغ ورطب الموضع الخالي الذي في الرأس فانحدر الهواء الذي في الرأس فيسمع له صوت لأن نفوذه وخروجه في موضع ضيق.
[commentary]
واعلم أن العطاس يحدث لدفع المؤذي عن الدماغ كما يحدث السعال PageVW0P092A من دفع الطبيعة المؤذي عن الرئة والفواق من دفعها PageVW1P062A إياه عن المعدة، ويعرض العطاس إذا تجلبت الرطوبات في المواضع الخالية من الدماغ وبين الغشاء المحيط والدماغ، وصارت بخارا لذاعا فتنهض الطبيعة لدفعه فينجذب الهواء الكثير بالاستنشاق وانبساط الرئة من القدام إلى خلف، ثم تدفع كمن إذا أراد شيئا إن يرميه فيميله من قدام إلى خلف ثم يرميه بقوة إلى قدام. ولا يعرض العطاس ما لم تكن الرطوبة لذاعة مؤذية كما يتجلب في الزكام الرطوبة من المنخرين من غير عطاس. وإنما يعطس المزكوم إذا كانت الرطوبة بورقية لذاعة، وكما يهيج العطاس لو أدخل في الأنف شيء مؤلم لذاع من خارج، فلما انحلت الرطوبة في الموضع الخالي من الدماغ استحال بخارا لذاعا وتشمر الطبيعة لإزالته، فتجذب الهواء من الخارج، ثم تدفعه بمعاونة استرداد الهواء المنجذب وانقباض الصدر والرئة دفعة بقوة، وإنما يسمع له صوت لنفوذ الهواء الكثير والأبخرة دفعة من موضع ضيق.
106
[aphorism]
قال أبقراط رحمه الله: من يحدث به وهو * صحيح (816) وجع بغتة في رأسه ثم أسكت على PageVW0P092B المكان وعرض له غطيط فإنه يهلك في سبعة أيام إن لم تحدث به حمى.
[commentary]
ومن مقدمات السكتة الصداع الشديد الذي يعرض بغتة وهو يحدث عن سدة * حاصلة (817) عن خلط غليظ بلغمي في الدماغ، فإذا * تحيز (818) واستحكم * وسد (819) * المنفذ الذي يصعد في القوة الحيوانية من القلب إلى الدماغ وانسدت (820) المنافذ التي تنزل منها القوة النفسانية إلى أعصاب الحس والحركة حدثت السكتة. وقد يحدث الصداع من خلط دموي ينصب إلى بطون الدماغ وتنسد مجاري الروح عندما PageVW1P062B تنسد الشريانات والعروق من شدة الامتلاء وكثرة الدم، فلم يبق للروح مجال ويكاد أن يختنق، ويعرض من ذلك ما يعرض عند الشد على العرقين * السباتيين (821) من سقوط الحس والحركة. * ويعني (822) في هذا الفصل * من (823) الصداع الحادث من الخلط البلغمي والريح الغليظة، ولهذا علق موت هذا المسكوت يعدم وجود الحمى في سبعة أيام لأن حرارة الحمى تحلل البلاغم والرياح الغليظة وتنحل بها الشدة وتبرأ في الأكثر. فأما إن لم تحدث الحمى في هذه المدة هلك لأن النفس الخفي الضعيف لا يقدر على ترويح القلب ولم يرد على البدن بدل * ما (824) يتحلل، * ولأن (825) الطبيعة لا تقدر على مقاومة المرض الحاد أكثر من هذه المدة، ولأن العضو PageVW0P093A الشريف لا يحتمل صعوبة المرض الحاد أكثر من ذلك. وإنما يعرض الغطيط لاسترخاء العضلات وآلات التنفس على الصدر، ولا تستطيع القوة المحركة تحريكها إلا بجهد شديد حركة ضعيفة فيظهر الغطيط الشديد.
107
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (826) : الأمراض السوداوية يخاف منها أن تؤول إلى السكتة والاسترخاء والفالج أو إلى التشنج أو إلى الجنون أو إلى العمى
[commentary]
الأمراض السوداوية الحادثة من المرة السوداء مثل ماليخوليا والوحشة * والتفزع (827) إن كانت من قبل الدماغ وغلبتها فيه بحيث ينسد مسلك الروح النفساني يؤول إلى السكتة. ولو صارت الرطوبات الفضلية الغير * المحترقة (828) تذرفه لها وانحلت السكتة وانصبت مادتها إلى أحد شقي البدن بحيث تدفعها الطبيعة من الدماغ على سبيل البحران وانتقال مرض إلى مرض آخر وتجلبت من PageVW1P063B بطون الدماغ إلى أعصاب أحد الجانبين من البدن * بحسب (829) ضعفها وقوتها فتمتنع القوة المحركة والحساسة عن النفوذ فيها فيحدث الفالج. وإن كانت مشوية بالرطوبات الرقيقة * وتشربت (830) في الأعصاب يحدث الاسترخاء. وقد يمكن أن PageVW0P093B يحدث الاسترخاء بسبب سدة من الخلط السوداوي الغليظ في فرج أعصاب العضو فيسترخي عند انقطاع * سلوك (831) الروح إليه وابتلاله بالرطوبات الغريبة. وإن انصبت المادة السوداوية في تجاويف الأعصاب ومددتها عرضا نقص من طولها وحدث التشنج. وإن تجلبت من الدماغ * شيئا (832) من ألطف أجزاء السوداء أو من بخاراتها الغليظة انكدرت الجليدية التي هي مراة العين وأظلمت بخاراتها الدخانية نور الباصرة حدث العمى. وإن غيرت السوداء المجتمعة مزاج الدماغ وتشوش جوهر الدماغ بكيفيتها حتى أفسد التفكر والمدركات الباطنة حدث الجنون.
108
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (833) : السكتة والفالج يحدثان خاصة بمن كان سنه فيما بين الأربعين إلى الستين.
[commentary]
كان هذا الفصل * ملحقا (834) بالفصل المقدم الذي يليه. يعني السكتة والفالج الحادثين من السوداء يحدثان خاصة للكهول لأن حدوثهما من البلغم أشد مناسبة للمشايخ لأن مزاجهم لو كان يابسا لكن رطوبات الفضلية فيهم أكثر * لقصور (835) هضمهم وضعف حرارتهم * الغريزية (836) فلكثرة البلاغم والرطوبات الفضلية يتولد فيهم * هذان المرضان (837) . فلو لم يعن من السكتة والفالج ما يحدثان PageVW1P063B من السوداء لم يصح أن PageVW0P094A * يحدثا (838) خاصة لمن كان سنه فيما بين الأربعين إلى الستين لأن حدوثهما من البلغم مخصوص للمشايخ دون الكهول ولأن المواد المحرقة التي تصرف فيها الحرارة الغريزية في سن الشباب متى اجتمعت في دماغ الكهول، * فازداد (839) غلظا ببرودة الدماغ * وحدثت منها السدة عرضت سكتة. وإن كان في الدماغ (840) فضل قوة ورطوبات صارت تذرفه للخلط السوداوي حتى انصبت إلى أعصاب أحد الجانبين بحسب ضعفها وقوتها، فيمتنع الروح عن السلوك فيها حدث * الفالج (841) .
109
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (842) : السكتة إن كانت قوية لم * يمكن (843) أن يبرأ صاحبها منها، وإن كانت ضعيفة لم يسهل أن يبرأ.
[commentary]
السكتة القوية هي التي يكون الغطيط والنخير فيها قويا وسببهما سقوط آلات التنفس بعضها على البعض ويبطل معها الحس والحركة بأسرها سوى حركة آلات التنفس لبقاء الحياة. فمتى وقعت سدة كاملة تامة في بطون الدماغ من خلط بلغمي غليظ ويكون معه غطيط وتحيز قوي يكون أصعب لأنهما يدلان على اختناق الحار الغريزي وشدة سقوط آلات التنفس، فلا يصل الهواء من خارج إلى القلب للترويح، ولم تخرج البخارات الدخانية منه PageVW0P094B واحتقنت فيه فيموت بخلاف ما لو كانت السدة في مجاري الروح إلى الدماغ، وذلك عندما * تنسد (844) الشريانات والعروق من شدة الامتلاء وكثرة الدم حتى لم يبق للروح * منفذ (845) ، فإنه ربما يبرأ بالفصد والرعاف الطبيعي.
110
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (846) : من تزعزع دماغه فإنه يصيبه في وقته سكتة
[commentary]
فإن التزعزع PageVW1P064A والحركة العارضة للدماغ بسبب سقطة أو ضربة على * الرأس (847) يحدث السكتة لأن الدماغ يتقيض من الألم وتشمئز القوى النفسانية من الأذى وتسكن القوى عن أفعالها وتكمن عن تصرفاتها، فيبطل الحس والحركة دفعة، وربما تمدد الأعصاب لأذى يقع في أصلها فتهرب منه الأعصاب طولا أو تأخر ليدفع المؤدي إلى قدام، فيضيق مسلك الروح ويمتنع عن النفوذ. وربما انهتك بعض الأعصاب من شدة التزعزع * فصار (848) الإنسان مسكونا عادما للحس والحركة، وإنما يزعزع الدماغ لفضاء يحيط به بخلاف خيط النخاع المنحرط في ثقب خرزات الفقار الحافظ له من الحركة.
111
[aphorism]
قال أبقراط الحكيم: PageVW0P095A من اعتراه التمدد فإنه يهلك في اربعة أيام، فإن جاوزها فإنه يبرأ.
[commentary]
التمدد هو تشنج العصب من الجانبين، * فينتصب (849) العضو ولا يميل إلى جانب، وهو ضد التشنج ومشارك له في السبب لأن التشنج يكون إلى جهة واحدة. فإذا اجتمع تشنجان في جهتين متضادتين صار تمددا، أو لما كان التمدد تشنجا مضاعفا وجب أن يكون أحد من التشنج البسيط، فيكون * بحرانه (850) أقرب وأسرع. والمراد من هذا التمدد هو الكزاز الذي يقال على تشنج مبتدء من عضلات الترقوة، فيمددها إلى * قدام (851) أو إلى خلف، وسبب التمدد الكزاز المادي منهما أن تجري الرطوبة الباردة الممددة * الكازة (852) أي القابضة خلال الليف، ثم جمدت وبقيت على الصلابة فيعسر رجوعها إلى الانعطاف ومادة الاسترخاء * يشبه مادة التمدد في نفوذه إلا أن مادة الاسترخاء (853) رقيقة مرخية، وهذه جامدة صلبة لا * تدع (854) PageVW1P064B العضو إلى أن ينعطف. فمتى وقع التشنج في أصل العنق وأعصابه ولا يطاوع الحجاب وآلات التنفس الانبساط والانقباض كما ينبغي، فلا يدخل الهواء المروح من الخارج بسهولة ولا تخرج الأبخرة الدخانية إلا بعسر ولا تحتمل الطبيعة مقاساة هذه المرض الصعب الحاد أكثر PageVW0P095B من أربعة أيام، فيختنق لرداءة التنفس فيموت في هذه الأيام. وإن تجاوز الأربعة دل على قوة الطبيعة واستطاعتها على المقاومة بالمرض، فربما يبرأ.
112
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (855) : إذا عرض * للسكران (856) سكاة بغتة فإنه يتشنج ويموت إلا أن تحدث به حمى أو يتكلم إذا حضرت الساعة التي ينحل فيها خماره.
[commentary]
إن الشراب للطافة * جوهره (857) واعتدال قوامه وسرعة نفوذه وخفة بخاره وجودة هضمه متى أفرط شاربه وملأت بخاراته الرطبة الدماغ واكتسبت هناك برودة * وغلظا (858) حتى تنسد مسالك الروح النفساني بتراكمها حدثت السكتة. وأما إن يكون الشدة في مجاري الروح إلى الدماغ عندما تنسد الشريانات والعروق من كثرة الدم وشدة امتلائه المكتسب من الشراب فلا تجد الروح فيها محالا ومنفذا، فيختنق ويعرض من ذلك ما يعرض عند سد العرقين السباتيين من سقوط الحس والحركة. وأما التشنج النازل إلى الأعصاب فسببه أن المادة التي تغشى الدماغ أو * الأذى (859) الذي يلحقه يلحق الأعصاب أيضا، فيكون حالها حاله، وذلك لاتباعها لجوهر الدماغ PageVW0P096A وتأذيها يما يتأذى به الدماغ وامتلاؤها من الخلط المندفع إليها من مبادئها بحيث يزداد عرضها ويتقلص طولها. وإنما يعرض التشنج ولا يعرض PageVW1P065A الاسترخاء فيفعل انقباضا وتقلصا من الدماغ ولا يفعل استرخاء وانبساطا لأن الدماغ يحاول في تلك الحالة دفع شيء غير ملائم له والدفع إنما * يتأتى (860) بالانقباض * والانعصار (861) . وإنما عنى به الأول * لأنه (862) قال: يتشنج ويموت إلا أن تحدث به حمى، أي لو عرضت الحمى من شدة مقاومة الطبيعة بالمرض * فحرارتها (863) تلطف الأبخرة وتحللها * وتدفعها (864) فيبرأ. وإن لم تعرض به الحمى ولكن شمرت الطبيعة عن ساق الجد واستولت على المادة بمعونة الحرارة الغريزية وحرارة الغريبة المكتسبة من الشراب على الرطوبات والأبخرة بالتجفيف والتحليل في الوقت الذي ينحل فيه الخمار على حسب اختلاف أمزجة الشاربين وتفاوت غلظ أبخرة الشراب ولطافتها * وبحسب (865) قوتها وفترتها. واحد يتكلم في تلك الحالة كان دليلا على براءه وإلا انغمرت الحرارة المحيية في رطوبات الشراب ومات.
113
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (866) : إذا حدث بعد سيلان الدم اختلاط في الذهن أو تشنج فذلك دليل رديء. PageVW0P096B
[commentary]
اعلم أن الدم هو * غاذ (867) للبدن وبدل لما يتحلل منه من الرطوبات ويتولد من الدم الوارد على البطن الأيسر من القلب جوهرا بخاريا لطيفا يسري منه إلى الأعضاء ذا صورة وكيفية تفيد البدن الحياة وعنها تصدر أفعال الحي، وذلك الجوهر يسمى روحا، وتلك الصورة هي نفس القوة الحيوانية، أعني القوة التي بوجودها في الحيوان توجد الحياة ومنها تصدر أفعاله. وأما الكيفية فهي الحرارة المحيية التي تسمى غريزية بتوسطها يظهر من سائر PageVW1P065B القوى أفعالها وهي تجري منها مجرى الآلة، فمتى حدث بعد سيلان الدم الكثير اختلاط في الذهن دل على نقصان الدم * الذي (868) هو مادة الأرواح وضعف القوى كلها وانحلال الحرارة الغريزية التي هي آلة لها ونقصان الرطوبة الغريزية وغلبة اليبوسة لأن الحرارة تقوم بالرطوبة وتغتذي منها، فلا بد أن يختلط الذهن بسبب اليبوسة ويضعف إدراكه بسبب ضعف القوى. وحدوث التشنج بعد سيلان الدم دليل أيضا على نقصان الرطوبة لأن الرطوبة المداخلة في الأعضاء الأصلية وهي غير اللحم والشحم * منذ ابتداء النشو التي بها اتصال أجزائها ومبدأها من النطفة (869) ، ولهذا يكون الأطفال * والصبيان (870) أرطب مزاجا لقرب عهدهم PageVW0P097A بالنطفة ومبدأ النطفة من الدم المشوب فيها الأخلاط الأربعة، وتستحفظ تلك الرطوبة بالدم الوارد على البدن * فالتشنج (871) الحادث بعد سيلان الدم دليل على يبوسة الأعضاء الأصلية وجفاف الأعصاب وصلابتها التي * نالتها (872) من استفراغ الدم المرطب لها ولغلبة اليبوسة عليها، فاعلم.
114
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (873) : إذا جرى من البدن دم كثير فحدث فواق أو تشنج فتلك علامة رديئة.
[commentary]
التشنج علة عصبية يتحرك لها العضل إلى مباديها فيعصى في الانبساط، وقد يعرض التشنج من اليبس العارض للأعصاب، فيتشنج كالسيور الرطبة إذا أدنيت إلى النار ونالها الجفاف واليبس، وهذا التشنج يحدث بعد الأسباب المجففة ميل الاستفراغات والتعب والسهر والجوع والحمى. ويسمي التشنج اليابس لأنه متى عرض بعد جريان الدم الكثير من البدن يكون PageVW1P066A دليلا على جفاف * نال (874) الأعصاب، وهذا النوع لا يبرأ * إلا (875) في الصبيان و الشبان في النادر * وفي (876) زمان طويل. وقد يحدث الفواق ليبس وجفاف شديد يعرض لفم المعدة، فيعرض فيه التشنج اليابس وتحركه الطبيعة إلى الانبساط ليدفع أذاه وهو لا يطاوعه PageVW0P097B لصلابته التي ناله من اليبس. فيعرض الفواق، وهذا * الفواق (877) رديء، لأنه حدث من غلبة اليبوسة وبعد الاستفراغ من الدم المرطب للبدن والأعضاء الأصلية.
115
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (878) : إذا حدث التشنج والفواق بعد استفراغ مفرط فهو علامة رديئة.
[commentary]
يعني حدوث التشنج والفواق بعد الاستفراغ المفرط من أي استفراغ كان من الفصد * أو (879) الإسهال أو القيء * أو (880) العرق أو التعب أو السهر إذا تجاوز وأورث اليبوسة والجفاف حتى أحدثهما علامة رديئة، ودليل على إفناء الرطوبات واستيلاء اليبس على الأعصاب * والأعضاء (881) الأصلية بحيث نالت اليبوسة العصب الجائي إلى فم المعدة * وأحدثت (882) الفواق اليابس العسر البرء، فلا جرم التشنج والفواق الحادثان بعد الاستفراغ الكثير المفرط علامة فقدان الرطوبة الأصلية في البدن وانعدام البلة فيه، فلا تجد الحرارة الغريزية متشبثا فشارف الانطفاء والانهزام، فحدوثهما دفعة بعد الاستفراغ المفرط الكثير كانت علامة الموت.
116
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (883) : لأن تكون الحمى بعد التشنج خير من أن يكون التشنج بعد الحمى PageVW0P098A يعني التشنج الذي يكون من مادة باردة رطبة وهو التشنج الامتلائي والتشنج الرطب الذي لو عرضت PageVW1P066B بعده الحمى يزيل مادتها بحرارتها الملطفة غلظها ويرققها ويقطع لزوجتها، فتكون الحمى بعده دليل برء وخير بخلاف ما لو أصابت التشنج بعد الحمى، فإنه يدل على تحليل الرطوبات واستفراغها بحرارة الحمى ومقاساتها وإتعابها للبن، فتستولى اليبوسة على البدن، ويحدث التشنج اليابس، ولا شك أن التشنج اليابس أصعب من * التشنج (884) الرطب وأعسر برءا لأن * الامتلائي (885) الرطوبي يبرأ بتنقية البدن * واستفراغه (886) والتشنج اليابس لا يبرأ إلا بترطيب الأعضاء بأنواع * المرطبات (887) في زمان طويل ومن كان قابلا في سنه وسحنته فتكون الحمى التي بعد التشنج الرطب خير من التشنج * الذي (888) بعد الحمى * ومن الحمى الذي عرضت قبله لأن الحمى بعده تعالج التشنج والحمى (889) التي تعرض قبله تحدث التشنج اليابس العسر البرء الصعب العلاج.
117
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (890) : التشنج يكون من الامتلاء ويكون من الاستفراغ، وكذلك الفواق.
[commentary]
التشنج يكون من مادة غليظة نفذت في فرج الأعصاب وتمددها عرضا PageVW0P098B * وتنقص (891) من طولها. ويقال له التشنج الامتلائي وعلامته أن يعرض بغتة وقد يحدث من اليبس العارض للأعصاب بعد الاستفراغات والحمى المحرقة ويعقب التعب والسهر والجوع. ويعرض هذا قليلا قليلا مع ضمور العضو، ويسمى التشنج اليابس. * فلذلك (892) الفواق الذي هو حركة مركبة من تشنج انقباضي وتمدد انبساطي يعرض في فم * المعدة (893) أو فيها جميعا * فتجتمع إلى نفسها هربا من المؤذي وتنبسط تارة لدفع المؤذي أو تنقبض (894) وتشمئز * لاستعداد (895) الحركة القوية كمن يريد أن يثب * فيتأخر (896) قليلا ويجمع أجزاءه ثم يثب. وقد يكون هذا المؤذي شيئا مزاحما يؤذي * المعدة (897) بكيفيته وكميته، فيعرض الفواق وقد يعرض ليبس وجفاف PageVW1P067A شديد فيها فيعرض لها التشنج اليابس فتحركه الطبيعة إلى الانبساط. فبين لنا أنهما يحدثان من الامتلاء ومن الخواء الحاصل بعقب الاستفراغ.
118
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (898) : وعن * السهر (899) التشنج واختلاط الذهن.
[commentary]
السهر إفراط في اليقظة وخروج عن الأمر الطبيعي فيها، فيجفف البدن لكثرة استعمال الروح النفساني آلات الحس والحركة ولفرط تحليل الرطوبات PageVW0P099A بالحركات اليقظية. فيعرض التشنج اليابس كما يعرض بعد الرياضة القوية ويحدث للدماغ من كثرة تحليل الرطوبات وطول * الفكرة (900) في السهر سوء مزاج حار يابس فيه واحتداد البخارات المتصاعدة إليه، فيختلط الذهن ويشوش أفعال الدماغ * لاستفراغ (901) مفرط يعرض للروح * النفسانية (902) وفرط تحلله بسبب طول السهر. فمهما حدث بعد سيلان الدم والسهر * والتعب (903) اختلاط في الذهن أو تشنج. فذلك يدل على علته اليبوسة على الدماغ لفرط استفراغ رطوبات البدن واحتداد البخارات المتصاعدة إلى الدماغ وغلبة المرارية فيها.وإذا * أصاب (904) الدماغ سبب مجفف استرجع الرطوبات بطريق الجذب من الأعصاب والنخاع النابتة منه. فانقبضت الأعصاب. فحصل مع اختلاط الذهن وضعف المدركات وتشوش أفعالها تشنج الأعضاء العصبانية.
119
[aphorism]
* قال أبقراط (905) : وعن الاحتراق الشديد التشنج والتمدد.
[commentary]
يعني يحدث التشنج والتمدد * اليابس (906) من * الاحتراق (907) الشديد الذي يحدث من الحمى * المحرقة (908) أو من حر الهواء المفرط ومن النار. وذلك لجفاف PageVW1P067B الأعصاب وانقباضها، فإن اجتمع وانقبض العصب من جانب واحد ظهر PageVW0P099B التشنج وإن تشنج العصب من الجانبين انتصب العضو ولم تمل إلى جانب حدث التمدد، ولأن العصب مهما تنقبض عرضا بالجفاف تزداد طولا وتنطبق بعض أجزائها على البعض، * فيعسر (909) نفوذ القوة المحركة فيها لتقبضها فتضعف عن نقل الأعضاء وخصوصا إذا أعانه التصلب على العصيان.
120
[aphorism]
* قال أبقراط (910) : التشنج من شرب الدواء مميت.
[commentary]
التشنج الذي يحدث بعقب * الدواء المسهل (911) أو المقيء المتوغل في عمله والمفرط في استفراغه دليل على مبالغته في العمل وقهره الطبيعة حتى انتزع الرطوبات الغريزية من أقاصى البدن وأفنت الرطوبات الأصلية التي هي * للحرارة (912) الغريزية بمنزلة الدهن للسراج وبفنائها تنطفي الحرارة المحيية.
121
[aphorism]
* قال أبقراط (913) : التشنج والأوجاع العارضة في الأحشاء في الحميات الحادة علامة رديئة.
[commentary]
اعلم أن الوجع هو الإحساس بالمنافي وجملة أسباب الوجع منحصرة في جنسين: جنس يغير المزاج دفعة وهو سوء المزاج المختلف وجنس تفرق الاتصال PageVW0P100A فكان أحد جنسي أسباب الألم هو سوء المزاج المختلف، وليس كل سوء مزاج بل الحار بالذات والبارد بالذات واليابس بالعرض والرطب لا يؤلم البتة لأن الحار والبارد كيفيتان فاعلتان واليابس والرطب كيفيتان انفعاليتان. يعني التشنج والأوجاع العارضة في الأحشاء * في (914) الحميات الحارة علامة رديئة لأنه لما استولت حرارتها PageVW1P068A * والتهابها (915) على الأحشاء وجففتها حتى يبست * و (916) تشنجت فيعرض فيها وجع * لأمرين (917) : أحدهما سوء المزاج المختلف الذي عرض فيها من شدة * حرارة (918) الحمى وتسخينها لها والآخر اليبوسة والجفاف العارضة عليها، ولأن اليبوسة لشدة تقبيضه وجمع أجزائه تلزمه أن ينجذب الجزء الآخر إلى حيث جمع وتشنج * فيتفرق (919) من جانب ما يحدث عنه فيحصل في الأحشاء تفرق الاتصال مع سوء المزاج المختلف المنحصر عليهما سبب الوجع. فلا محالة أن يحس بمؤثر مناف من حيث هو مناف فلذلك الأحساس يقال الوجع والوجع يثير الحرارة الزائدة في سبب الوجع. فيكون علامة رديئة لأن الوجع والتشنج * من (920) الحمى في الأعضاء الظاهرة رديء سيما في الأحشاء.
122
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (921) : التشنج الذي يكون من الخربق من علامات الموت.
[commentary]
PageVW0P100B لما * كان (922) المبدأ الأول لتكون أبداننا شيئين: أحدهما مني الرجل، وإنه قائم مقام الفاعل وفيه قوة عاقدة كالأنفحة، والثاني مني المرأة وإنه قائم مقام المادة وفيه قوة * منعقدة (923) كاللبن الذي يصير من الأنفحة * جبنا (924) . * وهذان (925) الجوهران مشتركان في أن كل واحد منهما سيال رطب، فكانت المائية والأرضية في * مني (926) المرأة أكثر والهوائية والنارية في مني الرجل أغلب، فوجب أن يكون أول انعقاد هذين * انعقادا (927) رطبا، فذلك الرطوبة الأصلية التي بها اتصال الأعضاء والأجزاء بمنزلة مادة للحرارة PageVW1P068B الغريزية وبمنزلة الدهن للسراج. فمتى استفرغت بالخربق ويبست الأعضاء الأصلية وأصاب الأعصاب جفاف ويبس * مؤد (928) إلى التشنج يكون * علامة (929) إفناء الرطوبات الغريزية بقسر وقهر، ودليل على يبس جوهر الأعصاب، فلم * يتأت (930) للقوة الحساسة * والمحركة (931) أن * تنفذ (932) فيها وانطفأ الحرارة الغريزية التي * هي (933) قائمة * بالرطوبات (934) * الغريزية (935) عند فنائها فيكون من علامات الموت.
123
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (936) : التشنج * الذي (937) يحدث من جراحة من * علامات (938) الموت.
[commentary]
لأنه يدل على ورم أصاب * أعصاب العضو (939) المجروح فازداد حجمها عرضا PageVW0P101A وانتقص من طولها، فتشنجت، فإن ارتقت من أعصاب * العضو (940) المتورم إلى منشأها الذي هو الدماغ مادة الورم * أو (941) بخاراتها الغليظة * وتحيزت (942) وتراكمت فيه حتى تكون سببا للورم فيه، كان * دليلا (943) خطرا، ولو جرى من الجراحة دم كثير مفرط بحيث فنيت الرطوبات الغريزية * وانطفأت (944) الحرارة المحيية لفقد مادتها ومتشبثها فتشنجت الأعضاء العصبانية من استيلاء البرودة واليبوسة عليها، وكان علامة الموت. أو يكون التشنج من خلط * مؤذ (945) في الجراحة ينفر عنه العصب ويجتمع لدفعه، وذلك إما خلط حاد أو أكال أو ذو كيفية * سمية (946) مثل ما يعرض التشنج لمن لسعته العقرب أو الحية، وارتقت الكيفية السمية على سبيل العصب الملسوع نحو الدماغ فيتألم جوهر الدماغ فتكون علامة الموت.
124
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (947) : إذا حدث بعد سيلان PageVW1P069A الطمث * تشنج وغشى فتلك علامة دريئة.
[commentary]
إذا أفرط سيلان * الطمث (948) من سبب ضعف عروق الرحم أو انفتاقها أو بسبب آخر، ويسمى الاستحاضة، عرض تشنج من غلبة البرودة واليبوسة على البدن سيما على الأعصاب الباردة في أصل مزاجها، وكان تكسب الحرارة PageVW0P101B والرطوبة من الدم الحار الرطب، * فلما (949) فارقها الدم * المرطب (950) يبست وتشنجت * بالتشنج (951) اليابس العسر البرء. ولو وقع مع هذا التشنج * الغشي (952) وهو تعطل جل القوى المحركة والحساسة لضعف القلب واجتماع الروح كله إليه أو استفراغه وتحلله حتى لا يفضل على الموجود في المعدن، يعنى متى استفرغ * الدم (953) الكثير على سبيل الطمث وحدث الغشي بسبب استتباع الدم الروح مستفرغا معه إلى أن يتحلل جمهوره، فتلك علامة رديئة لأن التشنج الكائن من البرودة واليبوسة يدل على ضعف الحرارة الغريزية * ونقصانها (954) ، والغشى يدل على ضعف القوة الحيوانية وسقوطها. ولا شك أن * الحياة (955) بهما ويموت الإنسان عند عدمها.
125
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (956) : إذا كان الهواء يتعسر في مجاريه من البدن فذلك رديء لأنه يدل على تشنج.
[commentary]
يعني امتناع نفوذ النفس إلى الرئة والقلب وعسر دخول الهواء وخروجه يدل * في (957) الأمراض الحادة أن آلات التنفس والعضلات المحركة * للصدر (958) في الانبساط * يبست (959) وتشنجت بسبب شدة حرارة الحمى والتهابها، فلا تطاوع من صلابتها الانبساط والانقباض الطبيعي كما ينبغي، فلم * يصل (960) الهواء PageVW0P102A النقي * الصحيح (961) إلى القلب ولم تخرج الأبخرة PageVW1P069B الدخانية منه فتحتقن فيه، فذلك دليل رديء لأنه يدل على تشنج يابس لآلات التنفس العصباني، فإن * تطاولت (962) مدة هذه الحالة * فلا بد أن (963) تعجز الطبيعة وتخور القوة ويهلك العليل. وأما إن يكون من امتلاء الرئة والصدر من البخارات الدخانية المتصاعدة من القلب والأعضاء كلها وتجفف عضلات الصدر والحجاب والرئة فلا تنبسط ولا تنقبض على المجرى فتحدث حالة شبيهة بالشرق فيكون دليل سوء.
126
[aphorism]
* قال أبقراط (964) : وربما صب على من به تمدد من غير قرحة وهو * شاب (965) حسن اللحم في وسط الصيف ماء بارد كثير فأحدث فيه انعطافا من حرارة كثيرة فكان تخلصه بتلك الحرارة.
[commentary]
وإذا وقع التمدد من رطوبة جرت خلال الليف ثم جهدت وبقيت على الصلابة فيعسر رجوعها إلى الانعطاف لأن مادة الاسترخاء رقيقة مرخية ومادة هذه جامدة صلبة لا تدع العضو أن ينعطف، فلو صب * على (966) من به هذا النوع من التمدد ماء بارد كثير ولم يكن به قرحة مانعة من انصباب PageVW0P102B الماء البارد اللذاع للقرحة، وكان في سن الشباب لأنه لو كان شيخا بارد المزاج توثر فيه نكاية البرد وتغوص فيه * سورته (967) وتنطفي الحرارة الغريزية الضعيفة فيه، وينبغي أن تكون سحنته حسن اللحم لأنه لو كان * به (968) هزال وكان عديم اللحم وصل برودة الماء البارد إلى أعصابه البارد * المزاج (969) فازداد صلابه وتمددا، و إنما يأمر استعمال هذا في اوآن الصيف والقيظ لأنه لو استعمل في الشتاء وقرب برودة الماء مع برودة الهواء انهزم PageVW1P070A الحار بالكلية من سورة شدة * البرد (970) وعظم الخطب، وهذا النوع من التدبير إنما هو بطريق العرض لأن البارد لا يشفي البارد بالذات ولكن يحدث من انصبابه انسداد سطح البدن واحتقنت الأبخرة الحادة التي تنفذ منها وغاص الحرارة المحيية إلى داخل البدن ومنعها تكاثف المسام عن الانفشاش والانتشار إلى * الظاهر (971) ويقوي الطبيعة على تحليل المادة الممددة فيبرأ.
127
[aphorism]
* قال أبقراط (972) : إن أوجاع العينين يحلها شرب الشراب الصرف أو الحمام أو التكميد أو فصد العرق أو شرب الدواء. PageVW0P103A
[commentary]
واعلم أن وجع العين الحادث من الرمد وهو ورم حار يعرض في طبقة الملتحمة ولا ينبغي أن نظن أن الورم الحار هو الكائن عن دم أو مرة فقط بل عن كل مادة كانت * حارة بجوهرها (973) أو عرضت لها الحرارة بالعفونة، فقد ينبغي لذلك أن نسلك في علاجه طريقة علاج الورم الحار من استفراغ البدن بالفصد أو بالدواء أو بالأدوية المحللة. ولا ينبغي أن تستعمل هذه التدابير في نوع واحد من الوجع ولا في أي وقت كان بل يستعمل كل واحد منها في نوع دون نوع وفي وقت دون وقت آخر، كما لو كان الوجع من ورم دموي يفصد في أول الأمر ثم يحجم، وإن بقيت على عروق العين دم غليظ أو بلغم لزج لحجب فيها فشرب الشراب يلطفه ويرققه، فيكون مستعدا للتحليل. وإن كان وجع العين من مادة صفراوية أو سوداوية PageVW1P070B أو بلغمانية فتنضج المادة أولا ثم يستفرغ بشرب الدواء بحسب الخلط الغالب ثم تستعمل الحمام لتحليل ما بقي منها وإخراجها من المسام بطريق التسخين. وينبغي أن تفصد إن كان الدم غالبا بفصد القيفال ثم يحجم بعده لأن الحجامة تخرج الدم من الشرايين ولأنه ربما كان سبب الوجع في الشرايين PageVW0P103B دون * الأوردة (974) . وأما إن كان الوجع بلغمانيا ولم يكن الدماغ ممتلئيا أو كان ريحيا تستعمل الكمادات والاستحمام إن لم يكن البدن ممتلئا.
128
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (975) : الدموع التي تجري في الحمى أو في غيرها من الأمراض إن كان ذلك عن إرادة من المريض فليس ذلك بمنكر وإن كان ذلك عن غير إرادة فهو أردى.
[commentary]
إن سيلان دمعة العين إذا لم يكن لعلة فيها يكون لضعفها بمشاركة الدماغ و سبب الضعف إما أن يكون واردا على جرم العضو أو على الروح الحامل للقوة المتصرفة في العضو أو على نفس القوة. والذي يكون السبب خاصا بالعضو فإما أن يكون سوء مزاج مستحكم من الحرارة أو البرودة * أو السخونة (976) أو الرطوبة أو يكون من تهلهل نسج ذلك العضو إذا كانت الأفعال الطبيعية كلها والارادية تتم بالليف وهضم الغذاء الوارد على العضو وتحليل الفضلات الآتية به مفتقر إلى الإمساك الجيد على الهيئة الحسنة، وذلك بالليف. ومعلومة أن العين عضو لطيف متخلخل شفاف بلا ليف. والذي يكون السبب في PageVW0P104A الضعف خاصا بالروح، فهو إما * من (977) سوء PageVW1P071A مزاج حصل له من ارتقاء البخارات الحادة في الحمى إلى الدماغ وإما تحلل يخصه من حرارة الحمى أو يكون على سبيل اتباع * لاستفراغ (978) غيره. والذي يخص القوة فكثرة الأفعال وتكررها، فإنها توهن القوة، وإن كان قد * يصحب (979) ذلك تحلل الروح، فمهما صادف العين ضعف من هذا الأسباب وضعفت قوتها الدافعة أن تدفع المائية التي تصحب الغذاء للبذرقة وتنفذه إلى المسالك الضيقة، فلم ترجع القهقرى وبقيت فيها فتحلبت منها. أو يكون سيلانها بسبب ضعف قوتها الماسكة الغذاء الهضمية الهاضمة، فتصير فضلة فتدمع العين عند سيلانها، فالدموع التي تجري في الحمى أو في غيرها إن لم تكن لعلة في العين كانت علامة رديئة لأنها تدل على ضعفها أو سوء مزاجها.
129
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (980) : إذا كان بإنسان رمد واعتراه اختلاف فذلك فمحمود.
[commentary]
لو كان عضو من الأعضاء مأوفا لمادة فيها مؤذية موجعة، فينبغي أن تستفرغ منه تلك المادة أولا، * فتجذب (981) إلى خلاف جهة ذلك العضو، أي إن كان العضو العليل في الجهة الأعلى من البدن جعل الجذب والاستفراغ إلى الجهة الأسفل PageVW0P104B وإن كان في الأسفل على العكس، وإن كان في اليمين جعل الجذب والاستفراغ إلى جانب اليسار * وهكذا (982) على العكس من هذا. * ولذلك (983) إسهال البطن يبرىء وجع العين لأن الطبيعة تدفع المواد المؤذية وتصرفها من الأعالي * إلى (984) الأسافل وكما يجب أن تراعي PageVW1P071B في الاستفراغ والاجتذاب مخالفة الجهة، كذلك تراعي المسامتة، أعني ينبغي * أن يكون (985) الاستفراغ على استقامة لا تأريب كالجذب من اليد اليمنى إلى الرجل اليمنى، لا إلى الرجل اليسرى، فإن ذلك انحراف عن المسامتة. وكذلك تجذب مادة العين بالمحجمة إلى القفا والمادة المنصبة إلى ناحية * القفا (986) تفصد عروق الجبهة، فإذن يكون الاستفراغ من الجانب المخالف المسامت أسرع * اختطافا (987) وانتزاعا للمواد المجتمعة في العضو، ويكون أسهل براءا * وأقرب (988) شفاء.
130
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (989) : قد ينبغي أن تتفقد باطن الجفن في وقت النوم، فإن تبين شيء من بياض العين والجفن منطبق، وليس ذلك بعقب اختلاف ولا شرب دواء، فتلك علامة رديئة مهلكة جدا.
[commentary]
ظهور بياض العين وعدم انطباق الفم على التمام في حال النوم إذا لم يكونا PageVW0P105A من عادة المريض في حال صحته أو لم يتقدمهما استفراغ ولا شرب دواء مسهل، فإنهما يدلان على ضعف القوة المحركة للجفن الأعلى لأن الأسفل منه غير محتاج إلى الحركة إذ الغرض يتأتى ويتم بحركة الأعلى وحده ويكمل به التغميض والتحديق، وإنه وإن كان قد يمكن أن يكون الجفن الأعلى ساكنا والأسفل متحركا لكن عناية الصانع مصروفة إلى تقريب الأفعال من مباديها ولأنه أقرب إلى منبت الأعصاب * ويلحق الجفن الأعلى (990) عضلتان تأتيانه من جهة الموقين تجذبانه إلى أسفل جذبا متشابها وهاتان تنبتان من داخل السكرجة فإذا صارت أحداهما PageVW1P072A مأوفة فلا ينطبق كما ينبغي بل يبقى من جانب العضلة المأوفة انفتاح ما. وأما فتح الجفن فقد كان تكفيه عضلة باقي الوسط، فينبسط طرف وترها على الجفن، فإذا تشنجت فتحته فخلقت واحدة تنزل على الاستقامة بين الغشائين فيتصل مستعرضه بجرم شبيه بالغضروف * منفرش تحت منبت الهدب (991) . وهذه العضلة تنبت من طرف سكرجة العين من فوق ، وضعف القوة المحركة النفسانية يدل على ضعف الروح النفساني بسبب تحلله * واستفراغه (992) أو سوء مزاجه المستحكم فيكون ضعف * المحركة (993) للجفن القريب من المبدأ والمنشأ علامة رديئة * مهلكة (994) في الأمراض لأنه يدل على تحلل الأرواح الدماغية واستفراغها PageVW0P105B أو فساد مزاجها المستحكم الغير القابل * لتشبث (995) القوة المحركة بها ويظهر فعلها ويؤول أمر العليل إلى أن يعدم الحس والحركة بأسره وهكذا حال الفم عند عدم انطباقه في النوم دليل على ضعف القوة المحركة * لأن الفك الأسفل الذي خص بالحركة دون الأعلى له ثلاثة حركات (996) حركة فتح الفم والفغر وحركة الانطباق وحركة المضغ والسحق الفاتحة تجذبه إلى أسفل وتنزله والمطبقة تشيله والساحقة تديره، فيجب أن تكون حركة الاطباق بعضلة نازلة من علو لتتشنج إلى * أسفل (997) عند ضم الفم والفاغرة بالضد والساحقة بالتوريب. أو نقول خلق الاطباق وعضلتان لينتان لقربهما من المبدأ وهو الدماغ الذي جوهره في غاية اللين وتشاركانه في ثلاثة أزواج من العصب، فمهما ضعفت القوة المحركة لسوء مزاج * هذين العضلتين (998) بحيث لم يقدر الروح الذي هو مركب لها أن ينفذ فيهما واستفرغ الروح وتحلل من مقاساة الأمراض وضعفت * قوته (999) . * فربما (1000) * سرت (1001) الآفة إلى جرم الدماغ أو الروح * النفساني (1002) كله فعظم الخطب وهلك العليل. وقد يظهر بياض العين والجفن منطبق عند اللذة لأن اللذة إحساس بالملائم ويكون الإحساس بانفعال القوة الحساسة عن المحسوس بحسب ما يتأثر فيه. فمهما اشتغل الطبيعة PageVW0P106A باستحفاظ اللذة المطلوبة واستلذاذها ذهل عن استعمال القوة المحركة للجفن أو تسترخي القوة المحركة أو تضعف القوة لكثرة تحلل الروح في * الحالة (1003) المستلذة.
131
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1004) : من كان في منخريه بالطبع رطوبة أزيد وكان PageVW1P072B منيه أرق فإن صحته أقرب إلى السقم، ومتى كان الأمر على ضد ذلك فإنه أصح بدنا.
[commentary]
إن الرطوبة الطبيعية في المنخرين تدل على رطوبة مزاج الدماغ ورطوبة الأبخرة المتصاعدة الدالة على البدن البارد * الرطب (1005) لأنه لو كان حار المزاج لتحللت الأبخرة ولم تتصاعد أو كانت حارة فسخنت الدماغ عند ترقيها ورقت ونفدت من * الشوب (1006) ولم تنجلب منه إلى المنخرين. وأما جوهر المني الذي تولده القوة * المولدة (1007) وتميزه من أمشاج البدن وإنه دم في غاية اللطافة والصفاء فتطبخه القوة الطبيعية في * البيضتين (1008) * ويستحيل (1009) إلى النطفة وتدخره في خزانة أوعية المني ويكسب المني في صفاقاتها البياض كاللبن الذي ينبض في الثدي، وقد * جبل (1010) الإنسان باللذة الحاصلة عند دفق هذا المني ليحفظ نوع الإنسان وسبب تلك اللذة سيلان تلك الرطوبة اللزجة الحارة على عضو يفعل فيه باللذع اللطيف PageVW0P106B ويكون هذا كلذة * الحكة (1011) والدغدغة التي تعرض من سيلان * دم (1012) فائر على سطح قرحة إلا أن الذي عند الجماع يكون أشد وأقوى لقوة الأسباب الملذذة والدم الذي تتولد منه النطفة يجيء من العرقين الناشئين من الوتين الطالع من الكبد * والشريانين (1013) الناشئين من الأبهر النابت من القلب، وتكون فيهما القوة المحيية * والحرارة الغريزية (1014) ، فرقته تدل على رطوبة الكبد والقلب والانثيين ومائية الدم الذي في البدن. وبلة المنخرين دليل على رطوبة الدماغ، * فحينئذ (1015) تكون الأعضاء PageVW1P073A * الرئيسة (1016) كلها رطبة، ويدل أيضا * رقتها (1017) على برودة مزاج هذا الأعضاء والبدن لأن الحرارة تغلظ المني وتحدث فيه الخثورة بسبب ما فيه من الأرواح والهوائية. وإذا * صادفه (1018) البرد الذي أولى بالتجميد والتكثيف يزول خثورته ويصير رقيقا مائيا لانهزام الأرواح وانطفاء الحرارة الغريزية التي فيه، * فحينئذ (1019) تكون رطوبة مزاج البدن * دليلا (1020) على سرعة انفعاله من الأشياء الواردة عليه من الداخل والخارج، ولأنه ألين وأسخف فيتأثر سريعا من المؤثرات، وأسهل قبولا للتعفن. فتكون صحة البدن الذي على هذا المزاج غير معول * عليه (1021) بخلاف البدن الذي * هو (1022) أميل إلى الحرارة واليبوسة، فيكون أقوى وأصلب وأعسر انفعالا من المؤثرات PageVW0P107A أو لأن الحرارة مقتضية العود إلى الاعتدال الذي به قوام البدن وحفظ الصحة والبرودة * مقتضية (1023) البعد عنه لأن الحرارة * مقتضية (1024) لليبوسة واليبوسة * مقتضية (1025) للبرودة، فتكون الحرارة * مقتضية (1026) * للاعتدال المناسب للصحة بخلاف البرودة، فإنها (1027) * مقتضية (1028) للرطوبة التي هي مقتضية للبرودة أيضا، كما قال الشيخ في كلياته إن الاعتدال والصحة أشد مناسبة للحرارة منهما للبرودة أو لأن البدن الذي مائل إلى الرطوبة والبرودة * تكون (1029) فيه الحرارة الغريزية قليلة منغمرة في الرطوبات، وهي آلة للقوى الطبيعة في أفعالها، وبها تحفظ الصحة ويدفع المرض.
132
[aphorism]
* قال أبقراط (1030) : اللثغ يعتريهم اختلاف طويل.
[commentary]
اللثغ جمع ألثغ، وهم الذين في لسانهم كلالة وثقل، وقد يسيل لعابهم حاله التكلم ولا يقدرون في PageVW1P073B النطق * على (1031) إظهار بعض الحروف عن مخارجها لرطوبة مزاجهم وامتلاء دماغهم بها، فتسترخي عضلات لسانهم بعض الاسترخاء، فلا يتأتي لسانهم أن يعتمد على مخارج بعض الحروف حتى يفصحوا بها، فيلصق ويصل لسانهم عند إظهار الكاف بمخرج الدال فيأتون به ويتكلمون بالثاء PageVW0P107B بدل السين. وهكذا يتكلمون أكثر الصبيان ولا يقدرون على المشي لغلبة الرطوبة على أبدانهم المحتاجة إليها للتمديد والنماء في أعضائهم فتكون أعصابهم مبتلا مسترخيا لا يقدرون من قلة التمكن والاعتماد عليها، فمتى ضعفوا في السن ومالوا إلى الحرارة واليبوسة * يقتدرون (1032) على المشي ويستقيم كلامهم. وكذلك يعرض للسكارى هذه الحالة لامتلاء دماغهم الذي هو منبت الأعصاب من البخارات الرطبة * ويزول (1033) عنهم عند الصحو وتحليل تلك البخارات. ويعرض * للثغ (1034) اختلاف طويل * مزمن (1035) لاقتضاء طبيعتهم وكثرة الرطوبات فيهم * ولترهل (1036) معدتهم وابتلالها وإما لنوازل تنزل من دماغهم إلى المعدة فتفسد الغذاء وتنزله وتنزل هي بنفسها معه لزلقها ودفع الطبيعة لها، وذلك لكثرة الفضول في دماغهم.، * وقد (1037) تعرض اللثغة من قصر اللسان أو قصر الرباط الذي تحت، وعلامته أن يكون ملتزقا بطرف اللسان، وعلاجه قطع ذلك الرباط.
133
[aphorism]
* قال أبقراط (1038) : متى * عدم (1039) اللسان بغتة قوته أو استرخى عضو من الأعضاء فالعلة سوداوية.
[commentary]
يعني بالاسترخاء فقدان الحس والحركة دفعة، أي متى عدم الحس PageVW1P074A والحركة بالكلية PageVW0P108A من اللسان أو من أي عضو كان. فاعلم أن المادة * المنصبة (1040) فيه تكون من الخلط المشوب فيه السوداء، لأن فيها أجزاء أرضية غليظة تنسد مسالك ا لروح النفساني فيبطل الحس والحركة دفعة بخلاف الاسترخاء الذي يحدث من البلغم، فإنه لرخاوته ولينه قد يمكن أن ينفذ فيه جوهر الروح الحامل للقوى بعض النفوذ فلا تنعدم الحس والحركة دفعة كما في الخلط السوداوي. وقد * يمكن أن (1041) تنصب الرطوبة الباردة خلال ليف الأعصاب ثم جمدت وصارت سوداويا غليظا، فتمدد العضو وفقد الحس والحركة، أو تنصب السوداء إلى عضلات اللسان أو إلى أعصاب أي عضو كان واسترختها برطوبتها التي تغذو الطحال لابأبخار الطحال يجذب السوداء وينضجها إذ هي قاصرة عن تمام النصج كالبلغم ويستحيلها إلى الدم الرقيق اللطيف الشرياني أرق وألطف من الدم الكبدي، ولذلك يأتي الطحال شرايين كثيرة ويعينها على نضج هذه الفضلة إلا أن سوداويتها لا تفارقها ثم تغتذي منه، وما لا يستحيل إلى * هذا (1042) الدم يقذفه إلى * الأمعاء (1043) .
134
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم رحمه الله (1044) : PageVW0P108B من اشتكى الحلق أو خرجت من البدن بثور أو خراجات، فينبغي أن تنظر وتتفقد ما يبرز من البدن، فإن كان الغالب عليه * المرار (1045) فإن البدن مع ذلك * عليل (1046) ، وإن كان ما يبرز من البدن مثل ما يبرز من البدن الصحيح، فكن على ثقة من التقدم على أن تغذو البدن.
[commentary]
يعني من PageVW1P074B اشتكى الحلق من البثور التي تخرج فيه وفي قصبة * رئته (1047) من النوازل التي تنزل إليه من الدماغ من غير ورم ويحس فيه دغدغة شبيهة بالوجع اليسير وربما عرض لصاحبه البحوحة وأدرك في الحلق خشونة ولذعا ما، أو خرجت من البدن بثرات أو خراج يسير صغير غير كثير فلا ينبغي أن يخاف من هذه الأعراض اليسيرة، ويشتغل باستفراغ البدن فإنه ربما كانت من الفضلات التي دفعتها الطبيعة من الداخل إلى الخارج وحصل * للبدن (1048) بنفضها نقاء * تام (1049) ، فلا احتياج * للدواء (1050) المستفرغ لأنه من تعرض للإسهال والقيء وبدنه كان نقيا لم يكون له بد من دوار ومغص وكرب يلحقه فينبغي أن يتفقد النبض والبول عن الخلط الغالب على البدن ويتأمل أن البثور والخراج من أي جنس ومن أي مادة ثم يدفع بحسن التدبير من تقليل الغذاء والتغذي بالأغذية المضادة لمادة البثور والخراج ويستعمل الرياضة والدلك والحمام فإنها تستفرغ الفضلات استفراغا خفيا. وإن كان مع هذه الأعراض علامة غلبة المرار مثل صفرة اللون والقارورة وسرعة النبض * ومرارة (1051) الفم وشدة العطش وضعف شهوة الطعام فليستفرغ أولا * بما (1052) يسهل الصفراء، ثم يغذى بالأغذية المعدلة * المطفئة لباقيها (1053) . وهكذا حال البدن في جميع أحواله لأن الطبيعة ربما تميز الفضلة الرديئة وتدفعها من البدن لو كانت قليلة المقدار، وإن كانت كثيرة غير مطيعة للبدن احتاجت في دفعها بمعونة الدواء والفصد PageVW1.P075A وتبديل المزاج بالأغذية والأشربة المناسبة.
135
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (1054) : إذا ظهر الورم في الحلقوم من خارج فيمن اعترته الذبحة كان دليلا محمودا.
[commentary]
الورم هو غلظ وانتفاخ يحدث في العضو من فضل مادة تمدده وتملأه، والبثور أيضا من جنس الأورام لأنها * أورام (1055) صغار كما أن الأورام بثور كبار، ومتى انصبت المادة الفضلية إلى العضو وتحيزت بين فرجه مفرقة بعضها عن البعض حتى تأخذ لأنفسها * (1056) أمكنة، وظهرت في ذلك العضو زيادة وتمدد في حجمه، يعني من اعتراه ورم في العضلات من جانبي الحلقوم التي بها يكون البلع وفي العضلة PageVW0P109B الموضوعة على فم المريء وفي * بطانة (1057) المريء * حدثت له الذبحة، فإن ظهر الورم من خارج خلقه ورم هلالي من الأذن إلى الأذن يكون (1058) علامة محمودة لانتقال المادة من الداخل إلى الخارج، فربما يكون بذلك برؤه وسهل صعوبته.
136
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1059) : من اعترته حمى وليس في حلقه انتفاخ فعرض له اختناق بغتة فذلك من علامات الموت.
[commentary]
إن * الاختناق (1060) هو امتناع نفوذ النفس إلى الرئة * والقلب (1061) ، والفرق بين الورم في الحنجرة والورم في المريء أنه إذا كان البلع ممكنا وامتنع النفس كان الورم في الحنجرة وإن كان بالعكس فالورم في المريء. وربما عظم ورم الحنجرة حتى يمنع البلع لأنه يضغط المريء، وقد يعظم ورم المريء حتى يمنع النفس لأنه يزاحم قصبة الرئة. وإنما يضيق النفس من أورام المريء ما كان في أعلاه، فأما ما كان دون ذلك فلا يمنع النفس. واعلم أن العضل المحركة * للأعضاء (1062) الحادث إليها الهواء، وهي عضل الحنجرة، إذا عجزت عن تحريكها لسوء مزاج PageVW1.P075B يابس استولى عليها أو لاسترخاء أو تشنج فيمتنع النفس، وإن كان المجرى غير مسدود ولم يكن مع حمى. * وأما (1063) امتناع النفس بسبب ضغط المجاور فإنه يقع بسبب زوال الفقرات التي PageVW0P110A في أول العنق إلى الداخل بسبب ضربة أو سقطة أو لورم في عضل الخرز وأربطتها أو في عضل المريء أو لشيء من الأسباب التي تجذبها إلى داخل مثل ريح غليظة بداخل المفصل أو مادة حادة تزيل المفصل عن موضعه ويقال لهذا الخناق الكلبي وهو رديء. وافهم أن أقسام الأورام بحسب أعضاء هذه الناحية أربعة: فإنها إما أن يكون الورم في العضلات الخارجة * من (1064) الحنجرة المائلة إلى قدام أو إلى أسفل حتى * تظهر (1065) حمرة الورم في مقدم العنق أو الصدر * والقص (1066) ، أو يكون في العضلات الخارجة عنها، ولكن إلى خلف، وفي عضلات المريء حتى يكون الورم وحمرته * تظهر (1067) في داخل الفم. وربما يؤدي إلى الفقار والنخاع بالمشاركة. أو يكون في العضلات الباطنة من المريء وما يليه فيضيق النفس بالمجاورة وضغط الورم بالقصبة، وهذا من قبيل الذبحة، وبه يلزم الخناق بالعرض. أو يكون الورم في العضلات الباطنة من الحنجرة وفي الغشاء المستبطن لها، وهو شر الأربعة. وهذا الذي عناه أبقراط في هذا الفصل لأنه خناق مع حمى ولا يتبين في الحلق ولا في * ظاهر (1068) الرقبة انتفاخ ولا يقطع في القفا فلا بد مع هذه الأعراض من ورم حار داخل الحنجرة يضيق مسالك التنفس المحتاج PageVW0P110B إليه في الحياة، فبسبب نقصان استنشاق الهواء المروح PageVW1P076A للقلب وامتناع خروج البخارات الدخانية المكدرة للروح يخنق العليل ويموت.
137
[aphorism]
قال * أبقراط (1069) : من اعترته حمى فاعوجت معها رقبته وعسر عليه الازدراد حتى لا يقدر أن يزدرد إلا بكد من غير أن يظهر به انتفاخ فذلك من علامات * الموت (1070) .
[commentary]
يعني باعوجاج * الرقبة (1071) الخناق الكلي لأن اعوجاجها يدل على ميل الفقار وزوالها عن موضعها. ويحدث ذلك إما لورم في العضلات الداخلة * من (1072) المريء أو في رباطات بينها وبين المريء، أو يكون الورم في نفس المريء من جانب الخلف، فإن بين هذه الآلات وبين الفقار والنخاع مشاركة. فمتى تورمت آلة من هذه الآلات أو تشنجت من شدة الحمى واستيلاء اليبس عليها جذبت * الفقرات (1073) إلى الداخل وزالت خرزات الرقبة * عن مفصلها اعوجت الرقبة (1074) وحدث الخناق الذي هو أردأ أنواعه. وعلامته أن العليل لا يقدر أن * يقلب (1075) رأسه ولا أن يلتفت إلى جهة من الجهات ولا يقدر على فتح فمه البتة، هذا إذا كان من زوال الفقار. وأما إذا كان الورم في العضلات الداخلة من غير زوال الفقار فربما فتح فاه ودلع لسانه PageVW0P111A وعلاجه الفصد وتليين الطبيعة ورد الفقرة الزائلة بالآلة الشبيهة بلسان اللحام ووضع الأطلية القابضة الجاذبة على الرقبة، وقد تزول إحدى قطعتى * الفقرة (1076) * عن (1077) الأخرى * لأن كل فقرة مركبة من قطعتين تهندمت أحداهما على حفرة الأخرى (1078) . فإذا فارقت بتلك الأسباب واعترضت وضيقت الحلق يسمى عظم * الشجا (1079) ، وعلاجه علاج زوال الفقار. ولا شك أن عسر الازدراد مع اختناق النفس PageVW1P076B والحمى الشديدة علامة رديئة، وقد قيل أنه علامات الموت السريع. ومن كان به خناق وتغير لون مؤخرة * عنقه (1080) من حمرته المعتادة تغير إلى البياض والخضرة وعرق أبطه وأرنبته عرقا باردا فإنه يموت في يوم واحد. ومن علامات الرجاء والبرء أن تنتقل الحمرة والانتفاخ من الداخل إلى الخارج.
138
[aphorism]
* قال أبقراط (1081) : من غشيت أسنانه في الحمى لزوجات فحماه تكون قوية.
[commentary]
يعني اللزوجات التي تركب على الأسنان شبيها بخارات غليظة ترتفع من الفضلات التي يعمل فيها اشتعال حرارة الحمى كارتقاء بخارات مرقة القدر من حرارة النار. فمتى عملت الحرارة الغريبة في الرطوبات المشتعلة في مستوقد نار الحمى وتصاعدت منها البخارات الغليظة ولصقت على سطح اللسان PageVW0P011B والفم والأسنان وتحللت ما رق منها وبقيت عليها لزوجاتها، وما غلظ منها دلت على لهيب الحمى وشدتها. ومهما كانت اللزوجات أكثر كان دليل قوة الحمى أقوى ويستدل على الخلط الذي منه ترتفع تلك البخارات بألوان لزوجات الأسنان، أعني تكون بيضاء إن كانت بلغمية وصفراء إن كانت صفراوية وسوداء إن كانت سوداوية.
139
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1082) : ما كان من الأوجاع التي تعرض في البطن أعلى موضعا فهو أخف وما كان منها ليس * كذلك (1083) فهو أشد.
[commentary]
يعني ما كان من الأوجاع التي تكون أعلى موضعا * أي أقرب (1084) إلى الجلد وأميل إلى الظاهر ويرى أثره في * السطح (1085) الظاهر من البطن فهو يكون أخف وجعا PageVW1P077A وأسرع برءا لأنه يدرك بالحس ويحس بالبصر. وما * كان (1086) على هذه الصفة من الخراجات والأورام والدملات تكون أقبل علاجا وأسهل تداركا من التي كانت غائرة وفي عمق الجوف بحيث لا يدرك بالجس والحس واعلم أن جميع * الأحشاء (1087) الملفوفة في الغشاء منبت غشائها من أحد غشائي الصدر والبطن المستبطنين إما في الصدر كالحجاب والرية والأوردة والشريانات PageVW0P112A فمنبت أغشيتها من الغشاء المستبطن للأضلاع. وأما في الجوف من الأعضاء والعروق فمنبت أغشيتها من الصفاق المستبطن لعضل البطن. وإنما عنى بالأعلى والأسفل في العمق لا في الطول من البدن والحد بين الأعلى والأخفض هو هذا الصفاق، يعنى إذا كان الوجع في الأعضاء التي في داخل الصفاق، فهو أعسر برءا وأشد وجعا مما كان خارجا عنه.
140
[aphorism]
* قال أبقراط (1088) : برد الأطراف من الوجع الشديد فيما يلى المعدة رديء.
[commentary]
برد الأطراف قد يكون لتراجع الحرارة الغريزية إلى الانغمار والانطفاء بسبب كثرة المادة المستولية عليها سيما لو كانت باردة وملاقات ما يبرد بالفعل وشدة شد الأطراف، وإدامتها فإنها تبرد أيضا * لسد (1089) طريق الحرارة، وقد يكون لفرط الاستفراغ الذي وقعت في البدن وكثرة تحليل الحرارة الغريزية والروح وضعفه عن الانتشار إلى الأطراف ولأنه لقلته لا يصل الأطراف. ويعني برد الأطراف الذي يحدث PageVW1P077B عن الوجع الشديد في الجوف أو لورم عظيم في الأحشاء فترسل الطبيعة المدبرة الدم PageVW0P112B والحرارة الغريزية إلى الموضع الوجع ويجتمع في الأحشاء ليلا في عضو المأوف ودفع الأذى عنه فتخلو الأطراف عنها وتبرد. أو لأن في كل عضو قوة جاذبة والحرارة تعينه * على (1090) الجذب وذلك لأن الجذب على ثلاثة وجوه لأنه إما أن يكون بفعل القوة الجاذبة وإما باضطرار الخلاء وإما * بالحرارة (1091) . وأعني باضطرار الخلاء أن سطوح الأجسام متلازمة، فمتى انجذب جسم يلزم بانجذابه انجذاب الجسم الآخر لضرورة الملازمة. وأما الانجذاب بالحرارة يرجع أيضا إلى اضطرار الخلاء * فلأن (1092) شأن الحرارة تفريق المختلفات ثم تصعيد اللطيف منها فإذا تصعد جزء انجذب إلى مكانه جزء آخر لضرورة الخلاء، وإذا ثبت * أن (1093) الحرارة جذابة فالموضع الوجع المتسخن تحلل ما يصل إليه من الدم ويجذب مكانه الدم الآخر باضطرار الخلاء، فهكذا يجذب الدم من الأطراف إلى الجوف وتبرد الأطراف.
141
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1094) : وعن الوجع المزمن فيما يلي المعدة التقيح.
[commentary]
وجع المعدة * سببه (1095) إما سوء مزاجها المختلف ماديا أو غير مادي وإما PageVW0P113A اجتماع أخلاط رديئة مؤذية فيها وإما رياح ممددة وإما طعام * مؤذ (1096) للمعدة بالكمية أو الكيفية، فهذه كلها سبب * لوجع (1097) المعدة. وأما الوجع المزمن يدل في أكثر الأمر على أنه من * ورم (1098) يحدث فيها أو قروح من مادة بليدة غليظة لا تقبل النضج بسهولة وسرعة، ويحتاج PageVW1P078A * تقيحها (1099) إلى زمان طويل.
142
[aphorism]
* قال أبقراط (1100) : متى كان في الحمى التهاب * شديد (1101) في المعدة وخفقان الفؤاد فذلك علامة رديئة.
[commentary]
إن التهاب المعدة للمحموم يحدث من استيلاء الحرارة عليها وكثرة انصباب المرة الصفراء فيها، فتحدث الحرقة والالتهاب الشديد. وأما خفقان الفؤاد فقد يسمى باليونانية فم المعدة فؤادا لقربه بالقلب يكون بسبب مادة حادة صفراوية لذاعة انصبت إلى فم المعدة * وتحيزت (1102) في طبقاتها فتزاول القوة الدافعة دفعها وهي تعصى في الخروج والدفع عن المسام فيقع بينهما مدافعة وحركات اختلاجية. ولكن أظن أن مراده الخفقان القلبي لأن * ذكره (1103) الالتهاب المعدي شامل لفم المعدة ومذكور ضمنا لأنه يمكن * للقلب (1104) بمشاركة سخونته الشرايين وشدة حرارة البدن واشتعال الحرارة الغريبة فيه أن يعرض حرارة قوية * وخفقانا (1105) PageVW0P113B * قلبيا (1106) لدفع المؤذي، * ولذلك (1107) قال: علامة رديئة، لأن الألم وأذاه أعظم خطرا من اضطراب فم المعدة. وإن عنى به الأول يكون خطره من مداخلة المادة في طبقاته العسرة * الإخراج (1108) إذ لو كان في جوفها حدث الغثيان والقيء وسهل إخراجها.
143
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1109) : ذهاب الشهوة في المرض المزمن والبراز الصرف دليل رديء.
[commentary]
واعلم أن * شهوة (1110) الغذاء هو إحساس بالحاجة إليه، وإنها تتم بقوة جاذبة طبيعية وبقوة حساسة في فم المعدة. أما الجاذبة فبتحريكها الليف المطاول PageVW1P078B متقاضية لما تجذبه وامتصاصها ما يحضر من الرطوبات. وأما الحساسة فبإحساسها بهذا الانفعال وبلذع السوداء المنبهة للشهوة. فعدم الشهوة بعد تطاول المرض يدل على بطلان القوة الحساسة التي في فم المعدة أو الآفة التي عرضت للقوة الجاذبة الطبيعية، وقد يدل انعدامها على انعدامهما جميعا . وأما البراز الصرف، يعني بروز المرار * الأصفر أو الأسود (1111) أو الكراثي أو الزنجاري الذي لم يختلط بها شيء آخر بعد تطاول المرض يدل على انخزال القوة الماسكة. فإن خروج السوداء الصرف في الجملة رديء جدا برازا أو قيئا، فإن الخلط السواوي PageVW0P114A الصرف دليل على الهلاك وعلامة احتراق الأخلاط وفناء رطوبات البدن وانعدامها لأنه لو كانت في البدن رطوبة ما لخرج معها مبذرقا لها ولأن الطبيعة لما لم تقدر على إمساك هذه الأخلاط الغليظة التي أكثر أجزائها أرضية فكيف تحفظ الرطوبات مع ضعفها. وخروج البراز الأخضر الصرف يدل على قصور الحرارة الغريزية، فيكون ذهاب الشهوة والبراز الصرف بعد تطاول * مقاساة (1112) المرض * دليلا (1113) على سقوط القوة وخؤرها وانهزامها عند البحران واستيلاء المرض عليها وعجزها عن المقاومة.
144
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1114) : الدم الذي يتقيأ من غير حمى سليم سهل وينبغي أن يعالج صاحبه بالأشياء القابضة والدم الذي يتقيأ مع حمى رديء.
[commentary]
الدم الذي يخرج ثفلا يكون من آخر الفم والذي PageVW1P079A * يخرج تنخعا يكون من ناحية الحلق والذي (1115) يخرج تنحنحا * يكون (1116) من قصبة الرئة. وقد يخرج قيئا فيكون من المريء أو فم المعدة أو من المعدة والكبد، وقد يخرج سعالا فيكون من نواحي الصدر والرئة. وعلامة كونه من الصدر دون الرئة أن لا يكون معه زبد ويكون يسيرا لدقة عروق الصدر وليس معه من الخطر ما في الذي من الرئة. واعلم أن الحرارة المحيية هل آلة للقوى PageVW0P114B الطبيعة وأصل في وجود الحياة حارة رطبة والرطوبة الغريزية * مركب (1117) ومادة لها. فلا جرم يكون الدم الذي هو مادة هاتين حارا رطبا ويكون أشرف الأخلاط وحبسه وصيانته في البدن يكون طبيعيا وخروجه من أي جهة كان غير طبيعي. يعني أبقراط الحكيم الدم الذي يتقيأ من غير حمى دليل على انفتاح * عرق (1118) من عروق الأعضاء، فيكون سليما سهلا بخلاف الدم الذي يتقيأ مع حمى، فإنه يكون إما من انشقاق أو ورم، فينبغي أن يعالج صاحبه بالأشياء القابضة مثل تناول أقراص نفث الدم وقرص الكهربا مع رب السفرجل والتفاح. وإن كان مع ورم فلا بد من احتياجه أن ينضج، فيكون عسر البرء ذا أخطر. وقد يكون قيء الدم من انصباب الدم الرعافي إلى المعدة من جانب الحنك، فلا يكون معه خوف ويكون سليما سهلا.
145
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1119) : خروج الدم من فوق كيف كان هو علامة رديئة وخروجه من أسفل علامة جيدة إذا خرج منه شيء أسود.
[commentary]
خروج الدم من فوق بالقيء يكون PageVW1.P079B إما لانفجار وقد يكون من قروح وتآكل في المعدة أو قرحة أو انشقاق عرق وقد يكون من المريء أو المعدة، وعلامته PageVW0P115A أن يكون الوجع بين الكتفين وقد يكون قيء الدم من الكبد ويكون رديئا عسر البرء. وأما من الرئة وذلك لانخراق عرق من عروقها أو انشقاقها من أسباب خارجة كالضربة والسقطة أو الصياح الشديد أو انفتاح عروقها وانصداعها من شدة الامتلاء أو من تآكلها عن الأخلاط المريئة الحادة الحريفة المؤدية إلى السل. فخروجه إذا كيف كان رديء لأن التئام العرق المتصدع أو المنخرق عسر غير يسير * وكذلك (1120) خروجه من أسفل رديء إذا كان كثيرا كالقيام الكبدي إذا كان دمويا. ويسمى * الذوسنطاريا (1121) الكبدي وسببه امتلاؤها من الدم لاحتباس نزف معتاد أو قطع عضو أو تفرق اتصال يعرض للكبد ويكون معه الحمى والعطش واللهث. وقد يخرج الدم من أسفل بسبب السحج الحادث من خلط حاد ينزل إلى الأمعاء ويذهب بترصيصها ثم يخدشها ويعقرها ويفتح أفواه عروقها فيسيل الدم منها من أسفل. فهذه كلها رديئة غير محمودة. فأما خروجه من أسفل إذا خرج منه دم سوداوي قليلا قليلا على طريق التحلب فهو محمود لأنه يحل به الأمراض السوداوية ويبرأ العليل من الوسواس والمالنخوليا والبهق الأسود PageVW0P115B
146
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1122) : من قذف دما زبديا فقذفه إياه إنما هو من رئته.
[commentary]
الدم يصير زبديا PageVW1P080A إذا اختلط به الهواء مخالطة شديدة ويشتبك أحدهما بالآخر، وظهر من مداخلة * أجزاء (1123) الهواء في أجزاء الدم نفاخات كالحباب الصغير فوق الماء، ولما كانت * الرئة (1124) مروحة القلب ومهب الهواء النقي من خارج ومورد البخار الدخاني من داخل كما قال صاحب الكامل إن العضل التي فيما بين الأضلاع من شأنها أن تحدث انبساط الصدر، * فإذا انبسط الصدر (1125) وانبسطت لذلك الرئة فتبع ذلك دخول الهواء إلى الرئة. فعند ذلك يجذب القلب الهواء من الرئة، ثم تجذبه العروق * الضوارب (1126) من القلب، وإذا انقبضت العضلات التي فيما بين الأضلاع انقبض الصدر فينقبض القلب والعروق الضوارب فيخرج البخار الدخاني إلى الخارج والدم الغاذي للرئة قابل مستعد للزبد لأنه دم صفراوي خفيف متخلخل زبدي، فيشوب به الهواء من الرئة وعروقها ويتداخل بعضها بالبعض بالحركات الانبساطية والانقباضية مداخلة الهواء في أجزاء المحيض بالحركات المتواترة فيحدث لذلك في الدم الزبد. فقذفه زبديا دليل على أنه من الرئة. PageVW0P116A وأظن أنه لا يجب أن يكون الدم المنفوث من الرئة زبديا في كل الأحوال لأن الدم * الذي ينفث منها في انصداع العروق أو انشقاقها يخرج سريعا دفعة لا يجد فرصة الاشتباك بالهواء، فلا يكون زبديا. وأما الدم (1127) الذي ينفث منها بسبب قرحة فيها يخرج بتمهل والرئة أبدا مملوءة من الهواء، فلا يمكنه مع وجود المكث فيها أن يخرج وحده بلا اشتباك بالهواء، فيكون قذفه زبديا. فهما نرى الدم الزبدي لا يجب أن نحكم بأنه من الرئة لأنا نرى في ذات PageVW1P080B الجنب * قد ينفث العليل الدم الزبدي عند انفجار الورم ولكن يحدث السعال في ذات الجنب (1128) لتأذي الرئة بالمجاورة وترشح مادة المرض إليها * وانتشار (1129) الدم نحوها لمضامتها الغشاء المتورم وتخلخلها ودوام حركتها بالانبساط والانقباض، فلا تكون زبدية الدم المنفوث من الغشاء المستبطن للأضلاع بل يمكن أن تكون زبديته مكتبسة من الرئة.
147
[aphorism]
قال أبقراط رحمه * الله (1130) : حدوث الفواق وحمرة العينين بعد القيء دليل رديء.
[commentary]
واعلم أن العين عضو إلى حساس باصر مركب من الرطوبات والصفاقات التي سنذكرها عن قريب. * أما (1131) طبيعتها فحارة لكثرة ما يخالطها من العروق والشرايين PageVW0P116B ورطب لأن نشوءها من الدماغ. * أما (1132) منفعتها فهي أن تؤقي البدن من الآفات الواردة عليها من خارج وترشده إلى حيث تريد. وافهم أن قوة الباصرة ومادة الروح الباصرة تنفذ إلى العين من طريق * العصبتين (1133) المجوفتين ، وإذا انحدرت العصبة إلى الحجاج اتسع طرف كل واحد منهما اتساعا يحيط بالرطوبات التي في الحدقة التي أوسطها الجليدية، وهي رطوبة صافية كالبرد والجليدية مستديرة تفرطحها من قدامها وجعل وراءها رطوبة أخرى تأتيها من الدماغ لتغذوها، وهذه الرطوبة تشبه الزجاج الذائب وتسمى زجاجية، وقدامها رطوبة أخرى تشبه بياض البيض، وتسمى بيضية. ثم إن طرف العصبة يحتوي على الزجاجية والجليدية احتواء الشبكة على الصيد ، فلذلك مؤخرة تسمى شبكية وتنبث من طرفها الذي PageVW1P081A إلى قدام نسج عنكبوتي، وهذا صفاق رقيق لطيف حاجز بين الجليدية وبين البيضية. واعلم أن على الدماغ غشائين، أحدهما رقيق لين ومنفعته أن يغذي الدماغ بما فيه من الأوردة والشرايين، والآخر غليظ صلب يلي القحف ومنفعته أن يوقي الدماغ من العظم. فمن طرف هذا الغشاء الرقيق الذي يأتي الحجاج ينتسج عروقا كالمشيمة لأنه PageVW0P117A منفذ الغذاء بالحقيقة، ويسمي جزؤه المؤخر مشيميا. وما جاوز ذلك الحد إلى قدام فيثخن صفاقا إلى الغلظ ما هو * ذو (1134) لون اسمانجوني بين البياض والسواد * ليجمع (1135) نور البصر وليحول بين الرطوبات * وبين (1136) القرني الشديد الصلابة، ولا يتم احاطته من قدامه لئلا يمنع البصر بل يخلي قدامه فرجة وثقبة كما يبقى من العنب عند نزع ثفروقه عنه. وفي تلك البقية تقع الرؤية وإذا انسدت منعت الأبصار. وفي باطن هذه الطبقة العينية خمل ليكون لين الملمس. وأما * الطبقة (1137) الصلبة فإن منبتها وابتداءها من الغشاء الصلب ومنفعتها أن توقي العين من العظم الذي هي فيه، ويسمى مؤخرها طبقة صلبة ومقدمها يحيط بجميع الحدقة ويشف لئلا يمنع الإبصار، ويكون في لون القرن المرقق، ويسمي قرنية. وأما الطبقة الملتحمة فإنها جسم غضروفي غليظ صلب منبتها من الغشاء الصلب الذي فوق القحف ومنفعة هذه الطبقة أنها تربط العين وتشدها من خارج كما تربطها الصلبة PageVW1P081B من داخل، وهي ملتحمة بالقرنية، فلذلك سميت ملتحمة لما عرفت أن ما في العين من الرطوبات والطبقات كلها دماغية. فمتى أحمرت العين واستولت على طبقاتها الحمرة دلت على أن في الدماغ PageVW0P117B آفة ما وحدث فيه ورم حار من ارتقاء الخلط المراري وتصاعد الأبخرة الغليظة إليه. وأما الفواق بعد القيء يحدث من خلط * مؤذ (1138) للمعدة إذا كان المؤذي في جرمها ومحتبس بين طبقاتها لأنه لو كان في جوفها لحدث الغثيان، يعني الفواق الحادث بعد القيء مع حمرة العينين دليل على آفة الدماغ والمعدة وكلاهما رديء.
148
[aphorism]
قال أبقراط الحكيم: إذا حدث تشنج بعد استفراغ شيء أو قيء أو فواق فليس ذلك بدليل محمود.
[commentary]
يعني التشنج الذي يحدث بعد الاستفراغات وبعقب الإسهال أو القيء المفرطين يكون تشنجا يابسا عسر البرء ولا يبرأ إلا في الصبيان والشبان في النادر وفي زمان طويل لأن وجوده بعد الاستفراغ المفرط دليل على انعدام الرطوبات واستيلاء اليبس على الأعصاب فجفت وتشنجت. والفواق حركة مركبة من انقباض وانبساط يعرض في فم المعدة أو في جميع جرمها أو في المريء منها، فهذا الفواق بعد الاستفراغات أيضا علامة رديئة. ودليل يبس وجفاف شديد يعرض في جزء من أجزاء المعدة فتشنج وحدث الفواق اليابس. وتريد الطبيعة أن تحركه إلى الانبساط وهو لا يطاوع لصلابته فيقع * من (1139) المدافعة بين المادة PageVW1P082A والطبيعة PageVW0P118A تشنج انقباضي وتمدد انبساطي، فلا يكون التشنج والفواق اليابسين دليلا محمودا.
149
[aphorism]
* قال أبقراط (1140) : وعن ورم الكبد الفواق.
[commentary]
وقد يحدث الفواق بمشاركة الكبد لورم عظيم يحدث فيها أو لورم غير عظيم في مقعرها فتزاحم المعدة * وتضغطها (1141) ، ويحدث الفواق لاحساس المعدة ألما ما من الورم الذي في الكبد للمشاركة التي بين الكبد وفم المعدة بعصبة دقيقة تصل بينهما. ويمكن أن يحدث الفواق بسبب سوء المزاج الحار والسخونة الشديدة المؤذية للمعدة بمجاورة الكبد المتسخنة من عفونة الورم فتسخنها سخونة غير طبيعية.
150
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم رحمه الله (1142) : أكثر ما يكون السل في السنين التي بين ثماني عشرة وبين خمسة وثلاثين سنة.
[commentary]
واعلم أن سن الوقوف والشباب هو إلى نحو من خمس وثلاثين سنة وسن الانحطاط مع بقاء القوة هو سن المكتهلين وهو إلى نحو من ستين سنة وسن الانحطاط مع ظهور الضعف هو سن الشيوخ إلى آخر العمر. يعين أبقراط الحكيم أكثر وقوع السل PageVW0P118B بين حدين: أوله آخر سن الصبوية وأول الرهاق، وهو ثماني * عشرة (1143) سنة، وآخره منتهى سن الوقوف وهو إلى خمس وثلاثين سنة. فقال: أكثر ما يقع مرض السل في السنين التي بين هذين الحدين، لأنه في نهاية أسبوع الثاني من السنين تنقص بعض الرطوبة وتنهض الحرارة الغريزية وتقوى الشهوة وتصلب الأعضاء * ويبتدئ (1144) الغلام PageVW1P082B بالإدراك في هذا الوقت وتتولد فيه مادة الزرع. والجمهور يتعرفون بالإدراك * من (1145) الفراق بين الأرنبة لأن الرطوبة الغروية التي كانت هناك تنقص، ومن نتوء الحنجرة وغلظ الصوت * لأن الحرارة تنهض في ذلك الوقت بتوسيع الحنجرة فتنتؤ (1146) ويغلظ * الصوت (1147) . ومن تغير ريح الإبط، وهي من الفضلة العفنة التي * يستنفضها (1148) القلب لوجود النضج الصادر عن الحرارة الوافرة ومن الأبخرة * المولدة (1149) للشعر. وإنما يعترى السل للفتيان والشبان الذي في هذه السنين لأن شهوة الغذاء والهضم فيهم كثير ودماؤهم وافرة مائلة إلى الحدة والمرارة ولا تنصرف دماؤهم إلى النمو كانصرافها في الصبيان، فلكثرة الدم فيهم وامتلاء عروقهم وقوة حركاتهم العنيفة من الوثبة والصيحة الشديدة والسقطة والضربة. فربما ينهتك عرق من عروق رئتهم وصارت متقرحة متقيحة وحدث لصاحبها السل. PageVW0P119
151
[aphorism]
* قال أبقراط (1150) : من آلت به الحال في ذات الجنب إلى التقيح فإنه إن استنقى في أربعين يوما من اليوم الذي انفجرت فيه المدة فإن علته تنقضي، وإن لم يستنق في هذه المدة فإنه يقع في السل.
[commentary]
يعني إذا لم تنق ذات الجنب في أربعة عشر يوما وآل أمر العليل إلى التقيح فإنه يستنقى على الأمر الأكثر في أربعين يوما ويكون بذلك انقضاء مرضه، وإن لم يستنق في هذه المدة يؤول أمره إلى السل لأنه إما أن يستنقي بالنفث * المتدارك (1151) وآل أمره في أربعين يوما إلى الصلاح وإما أن يستنقي باندفاع المادة من طريق العرق العظيم الطالع من حدبة الكبد إلى PageVW1P083A المثانة ببول غليظ منتن ويكون سلوكه * أولا (1152) من الوريد إلى الكبد ثم إلى الكلية ثم إلى المثانة ويخرج بالإدرار، وقد تدفعها الطبيعة إلى الأمعاء والبراز. فقال: إن لم تستنق مادة ذات الجنب المتقيحة ولم تدفعها الطبيعة لضعفها أو لكثرة المادة وغلظها عفنت وصارت ذات كيفية رديئة وعفنت الرئة بالمجاورة وقرحتها بالعفونة والحدة وأحدثت السل.
152
[aphorism]
* قال أبقراط (1153) : PageVW0P119B من أصابه ذات الجنب ولم ينق في أربعة عشر يوما فإن حاله تؤول إلى التقيح.
[commentary]
وأعلم أن ذات الجنب هو ورم في الغشاء المستبطن للأضلاع والحجاب الحاجر إما في الجانب * الأيمن أو الأيسر (1154) ، وعلامته الحمى والوجع الناخس تحت الأضلاع والسعال وضيق النفس. وسببه إما دم صفراوي أو سوداوي أو بلغمي. * يعني (1155) من اعتراه ذات الجنب ولم ينق الورم بالنفث لانتساف المادة إلى الرئة لمصامتها الغشاء وتخلخلها وسخافتها في أربعة عشر يوما لأنه من الأمراض الحادة التي لا يتجاوز بحرانه الرابع عشر في الأكثر يؤول أمره إلى التقيح، والتقيح في كلام الأطباء يجيء على معنيين: تارة يستعملونه في ورم يجمع وينضج ويصير مرة وقيحا وتارة يستعملونه في أمراض الصدر. ويراد به امتلاء الفضاء الذي بين الصدر والرئة * من (1156) قيح انصب إليه واجتمع فيه من الجانبين أو جانب واحد. وأسباب هذه الامتلاء إما نزلة انحدرت إليه دفعة أو قروح في الرئة PageVW1P083B أو الغشاء المستبطن للأضلاع في ذات الجنب إذا انفجرت وسالت منها صديد وقيح إلى ذلك الفضاء.
153
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1157) : وعن نفث الدم نفث المدة. PageVW0P120A
[commentary]
إن السل هو قرحة في الرئة * وأسباب (1158) القرحة إما نزلة حادة لذاعة اكالة أو * معفنة (1159) تنزل إلى الرئة أو مادة من هذا الجنس تسيل من عضو آخر إلى الرئة أو تقدم ذات الجنب أو ذات الرئة كما سيجيء أو سبب من أسباب نفث الدم، وذلك لانشقاق عرق من عروق الرئة من أسباب خارجة أو داخلة. يعني يستتبع نفث الدم نفث المدة لأن الدم الذي ينفث من الرئة دم لطيف صفراوي سريع الاستحالة فتقرح الرئة بحدته ومراريته ويتورم موضع القرحة ويستحيل الدم المحتبس في الجزء الورم إلى المدة والقيح. فإذا انفجر الورم نفث العليل مكان الدم المدة، فيكون نفث الدم سببا لنفث المدة وعنه نفثها.
154
[aphorism]
* قال أبقراط (1160) : وعن المدة السل والسيلان وإذا احتبس البزاق مات صاحب العلة.
[commentary]
إن نفث المدة * من غير (1161) حرارة ربما كان من الرئة وربما كان من الصدر. * إما (1162) يعني هنا نفث المدة التي تحدث من قرحة الرئة ونفث الدم منها يؤول إلى السل * أو (1163) هو ذوبان البدن والحمى الدقيقة الدائمة الهادئة كحمى الدق بجميع علاماتها لحمى القلب وسخونته بمجاورة الرئة المأوفة وقصور فعلها عن استنشاق الهواء المروح للقلب. PageVW0P120B ويعني بالسيلان إما انتثار الشعر وإما الإسهال. PageVW1P084A وكلاهما يحدثان في أواخر السل لأن من الهزال المفرط والجفاف الغالب على المسلول يفقد الشعر الغذاء ولا يصل إلى منابتها بدل ما يتحلل منها فينتثر ويسقط. وأما الإسهال يحدث فيه بسبب ضعف القوة الهاضمة والماسكة في المعدة والأمعاء ولضعف كبده عن الجذب. وأما عسر النفث يكون إما من ضعف قوة العليل ودافعته أو لعدم نضج المادة إذا كان غليظا جدا أو رقيقا جدا أو يكون غليظا في الأكثر لغلبة اليبوسة.
155
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1164) : إذا حدث * عن ذات الجنب (1165) ذات الرئة فذلك دليل رديء.
[commentary]
ذات الرئة ورم * حار (1166) من مادة دموية أو صفراوية قد تقع ابتداء وقد يتبع حدوث نوازل إلى الرئة أو من خوانيق انحلت إلى الرئة أو من ذات جنب انتقل إلى ذات الرئة. * فردائة هذا يكون من جهة كمية المادة أو كيفيتها لأن حدوث ذات الرئة (1167) يكون من كثرة مادة ذات الجنب بحيث لا تقدر الطبيعة دفعها بالنفث ولم يقتدر على تنقيتها فرشحت إلى الرئة فأصابها ورم أو كانت المادة في ورم ذات الجنب خبيثة متعفنة حادة فعرضت عند انفجارها للرئة آفة ورم حار PageVW0P121A وبسبب سوء مزاج اعترتها بالمجاورة ونفوذ البخارات العفنة فيها لتخلخلها وسخافتها. فتكون الرداءة من جهة الجمع بين المرضين الصعبين، ولو سكنت سورة ذات الجنب وانكسرت حدتها عند انتقاله إلى ذات الرئة * يكون (1168) من جهة انتقال المادة من العضو الأخس PageVW1P084B إلى الأشرف لأنها مروحة القلب ولأن اجتماع المادة فيها يهلك بالخنق قبل أن ينتقل إلى عضو آخر ويتعفن فيها.
156
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1169) : وعن ذات الرئة السرسام.
[commentary]
السرسام هو ورم في أحد حجابي الدماغ، أي في الحجاب اللين أو الحجاب الصلب أو فيهما جميعا أو في الدماغ نفسه أو فيها جميعا. والورم هو غلظ وانتفاخ يحدث في العضو من فضل مادة تنفذ في فرجه وتمددها ليتحيز فيها فينسد منافس العضو ومنافذه. يعني يحدث عن ذات الرئة السرسام * لو (1170) كان ورم ذات الرئة من دم لطيف صفراوي فيتصاعد بحرارة الدم أبخرة مادة الورم الرديئة الكيفية الكثيرة الكمية وامتلاء تجاويف الدماغ وعرض * السرسام (1171) .
157
[aphorism]
* قال أبقراط (1172) : PageVW0P121B * النزلة (1173) التي تنحدر إلى الجوف الأعلى تتقيح في عشرين يوما.
[commentary]
يعني * لو (1174) انحدرت من الدماغ رطوبات غليظة وفضلات بلغمانية إلى الجوف الأعلى وهو فضاء داخل الصدر الذي يحوي الرئة تنضجها القوة الهاضمة والطبيعة المدبرة بالحرارة الغريزية التي هي آلة لها. ويسهل سبيلها إلى الاندفاع من العضو المحتبس فيه بدفع من الدافعة بترقيق قوامها إن كان المانع الغلظ وتغليظها إن كانت الرقة مانعة وتقطيعها إن كانت اللزوجة مانعة في عشرين يوما على * الأمر (1175) الأكثر ويستعد للنفث ودفع الطبيعة لها بسهولة.
158
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1176) : من أصابه ذبحة فتخلص منها فمال الفضل إلى رئته فإنه يموت في سبعة PageVW1P085A أيام، فإن جاوزها صار إلى * التقيح (1177) .
[commentary]
الذبحة ورم حار في العضلات من جانبي الحلقوم التي بها يكون البلع وفي العضلة الموضوعة على فم المريء * والحلقوم وفي بطانه المريء (1178) ، يعني لو صادف ورم الذبحة النضج وانصبت المادة إلى قصبة الرئة وملأتها عرض الاختناق وامتناع النفس ويموت العليل في سبعة أيام لأنه مرض في غاية الحدة PageVW0P122A لا تقدر الطبيعة المجاهدة به أكثر من هذا. وإن لم يختنق في سبعة أيام وجاوزها فقد دل على أن المادة كانت رقيقة أو يسيرة * استولت (1179) الطبيعة عليها ودفعتها على * أحد (1180) أقسام الرئة فينقى بالنفث ويبرأ لأنه لو كانت غليظة كثيرة منحلة عن ورم عظيم تقتل في الأكثر إلى السابع.
159
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم رحمه الله (1181) : إذا كان بانسان سل وكان ما يقذفه بالسعال من البزاق منكر الرائحة إذا ألقي على الجمر وكان شعر رأسه ينتثر فذلك من علامات الموت.
[commentary]
لما كان من علامات السل ظهور نفث المدة فتفرق بين المدة والخلط بالنتن عند الإحراق وبالرسوب في الماء، والنتن دليل على عفونة مادة القرحة و لا تلحق العفونة إلا بما فيه فضل رطوبة. فمتى كان نفث المسلول منكر الرائحة دلت على رطوبة قرحة ريته والرطوبة مانعة من الالتحام للقروح خصوصا في الرئة التي تصير إليها الرطوبات من فوق ومن تحت. فعفونة قرحة الرئة وفسادها مع وجود المانع من التحامها دليل على تلف المريض ولما كان تولد الشعر من انعقاد البخار الدخاني في المسام ودوام PageVW1P085B اتصال المدد إليه. PageVW0P122B * فانتثاره (1182) وتساقطه يكون إما لنقصان الغذاء وقلة البخار الجيد المنبت له مثل ما يعرض * للناقهين (1183) من الأمراض الحادة ولأصحاب الدق والسل من تساقطه بسبب هزال مفرط ويبس شديد، فينعدم البخار الدخاني الغاذي للشعر وتجف منابتها ويتناثر. فتعفن قرحة الرئة وتناثر الشعر يعرضان في آخر السل ومشارفة الهلاك، فيكون كل واحد منهما دليلا على الموت وسقوط القوة.
160
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1184) : من تساقط شعر رأسه من أصحاب السل ثم حدث له اختلاف فإنه يموت.
[commentary]
تساقط شعر الرأس يدل على فقدان الغذاء من البخار الدخاني الذي يصل إلى منابته بسبب كثرة تحليلات عرضت للبدن من مقاساة المرض وإفناء الحرارة الغريبة التي تشبث بالأعضاء الأصلية الرطوبات الغريزية. فمتى قرن * به (1185) الاختلاف واستفرغ ما بقي من خلط * رطب (1186) غريزي وغيره انطفت الحرارة المحيية لانعدام الرطوبة التي تتشبث بها فيموت العليل لأن عدم الرطوبة الغريزية * يستلزم عدم الحرارة الغريزية المحيية وعدم الحرارة (1187) يستلزم عدم الحياة.
161
[aphorism]
* قال أبقراط (1188) : PageVW0P123A إذا حدث بمن به السل اختلاف دل على الموت.
[commentary]
غرض أبقراط في تكرار هذا الفصل أن يعلمنا أن الاختلاف وحده في مرض السل كان في الوقوع على مشارفة الموت لأنه متى ضعفت المعدة وانتقصت شهوة الغذاء * ولم يتناول السلول من الغذاء (1189) إلا القليل ولم ينهضم هذا القليل كما ينبغي بسبب قلة الحرارة الغريزية وضعفت الكبد عن جذب PageVW1P086A عصارة الغذاء فعرض الاختلاف ولم تصل إلى البدن رطوبة لتخلف بدل ما تحلل واستفرغ من الرطوبات وتحلل الأرواح * وسقطت (1190) القوى فيلزم الموت.
162
[aphorism]
* قال أبقراط (1191) : من اعتراه ذات الجنب وذات الرئة فحدث * به (1192) اختلاف فذلك فيه دليل سوء.
[commentary]
مهما عظم الورم في ذات الجنب أو ذات الرئة حتى نالت الكبد بسبب مشاركة الغشاء المستبطن * أو (1193) الرئة آفة بحيث لم يقدر على جذب الغذاء * حدث (1194) الاختلاف أو لو انصبت وتحلبت مادة الورم المنفجر في ذات الجنب أو ذات الرئة إلى المعدة وأفسدتها * بعفونتها (1195) وحرارة مزاجها اعتراها سوء استمراء واختلاف. ولو * اختلط (1196) شيء منها بعصارة الغذاء عند عبورها إلى الكبد وأحدثت شدة تغلظها PageVW0P123B أو لزوجتها في الماساريقا فلم * ينفذ (1197) الغذاء إلى الكبد كما ينبغي بل ينفذ ما كان منه في غاية الرقة وينحدر الباقي إلى الأمعاء فحدث الاختلاف ولم يرد على البدن رزؤه وبدل ما يتحلل منه فعرض له الهزال وسقوط القوة ويكون فيه دليل سوء إن كان حدوثه * بسبب سوء حال الكبد أو المعدة مع وجود ذات الجنب أو ذات الرئة. ولكن إن عرض (1198) بسبب دفع الطبيعة مادة المرض والورم بعد إنضاجها وامتيازها عما يحتاج إليه البدن إلى طريق الأمعاء على سبيل البحران كان محمودا.
163
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1199) : من * كوي (1200) من المتقيحين فخرجت منه مدة نقية بيضاء فإنه يسلم وإن خرجت منه * مدة (1201) حمائية منتنة فإنه يهلك.
[commentary]
يريد بالمتقحيين أصحاب PageVW1P086B المدة في الصدر، وسببها ورم أو دبيلة جمعت ونضجت في الصدر ثم انفجرت * وامتلأت (1202) فضاء الصدر من المدة والقيح الذي يعصى في الخروج بالنفث لغلظها ولزوجتها وصلابة الحجاب المحيط بالرئة، أو لضعف قوة العليل فيسعل سعالا يابسا مع رجرجة المدة في الصدر. فإن لم يستفرغ بعد التلطيف والترقيق بالإدرار * أو (1203) الإسهال * يكوى (1204) الموضع الذي فيه الوجع والثفل والتمدد PageVW0P124A بمكاوي دقاق حتى تخرج المدة. فإن * خرجت (1205) المدة بيضاء فإنه يسلم لأنه يدل على عدم العفونة بسبب الحرارة الغريبة واستحالتها إلى لون غريب غير طبيعي، ودل على عمل الحرارة الغريزية فيها فانضجتها وشبهها بلون المني واللبن، ولهذا يكون نقيا، أي عدم الرائحة الكريهة. وإن * خرجت المدة حمائية، أي متغيرة في اللون كريهة في الرائحة غليظة في القوام، دلت (1206) على * عمل (1207) الحرارة النارية فيها واستحالتها إلى العفونة، فيهلك العليل لفساد المادة المفسدة، لآلات التنفس وأعضاء الصدر. فينفع الكي إن * كانت (1208) من قبيل الأول ولا طائل في كي النوع الثاني.
164
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1209) : أصحاب الجشاء الحامض لا يكاد يصيبهم ذات الجنب.
[commentary]
* واعلم أن ورم ذات الجنب (1210) لا * يكون (1211) في الأكثر إلا من دم مراري * لأن الغشاء المستبطن كثيف مندمج لا ينفذ فيه إلا الدم اللطيف المراري (1212) * يغوص (1213) فيه بحدته وحرارته، ولذلك تكون نوائب اشتداد حمياته غبا في الأكثر، ولأن الأبدان الباردة المزاج الغالب على معدتهم البلغم قلما يتولد فيهم الدم المراري، فلا يكاد أن يحدث بهم ذات الجنب. ويعني بأصحاب الجشاء الحامض * الباردي (1214) PageVW0P124B المزاج البلغماني PageVW1.P087A * في (1215) المعدة لأنهم لقصور حرارتهم الغريزية وفتورها في معدتهم بطول مكث الطعام فيها ويضعف هضمها في معدتهم فيتغير إلى الحموضة، فيحدث انتفاخ البطن والجشاء الحامض. فأما من كان حار المزاج يكون سبب جشائه الحامض ضعف هضمه من برودة المعدة، ويمكن أن يحدث له ذات الجنب. ولهذا قال: لا يكاد، ولم يحكم قطعا.
165
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1216) : من كانت المواضع التي فيما دون الشراسيف منه عالية وفيها قرقرة ثم حدث له وجع في أسفل ظهره، فإن بطنه يلين إلا إن ينبعث منه رياح كثيرة أو يبول بولا كثيرا، وذلك في الحميات.
[commentary]
إن العلو العارض فيما دون الشراسيف مع عدم الورم يكون إما لرياح محتقنة مع انتفاخ وتمدد بلا ثقل أو لرطوبات نافخة رديئة * الكيفية (1217) عاصية ثقيلة على القوة الهاضمة فترتكم هناك ولا تتحلل لغلظها وبرودتها. وأما من قبل ضعف الأمعاء وبرودتها يحدث القرقرة عند دفع الطبيعة لها وتحريكها إلى أسفل. فمهما عرض الوجع والمغص بسبب * تمديدها (1218) الأمعاء السفلاني مما * يلي (1219) الظهر كان دليلا على انحدار المادة بتليين البطن وخروج PageVW0P125A الرياح والرطوبات من أسفل. ويمكن أن يسكن الوجع بخروج رياح كثيرة وحدها بلا تليين كان المحتبس ريحا فقط. وربما دفعت الطبيعة الرطوبات إلى المثانة بالإدرار فيبول بولا كثيرا، ويحدث هذا في الحميات في أيام البحارين.
166
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1220) : ينبغي أن يتفقد PageVW1P087B من الأوجاع العارضة في الأضلاع * ومقدم (1221) الصدر وغير ذلك من سائر الأعضاء عظم * اختلافها (1222) .
[commentary]
ينبغي أن يكون المتفقد المستدل على الأوجاع الباطنة قد تقدم له العلم بالتشريح حتى يعرف جوهر كل عضو أنه هل هو لحمي * أو (1223) غير لحمي وكيف خلقته وفي أي جانب هو ليمكن له الحكم عند إحساس الوجع أو الورم أنه عليه أو على غيره. وينبغي أن يعلم أيضا إن الوجع مختلف بحسب الخلط الموجع، فإن الحادث من الدم وجع ضرباني لأنه إذا كان مجاور عضو * الوجع (1224) حساسا وكان بقربه شريان يحس بضربانه الموجع لأنه لما كان ذلك سليما لم يحس بحركة الشريان في غوره. * فإذا (1225) آلم صار ضربانه موجعا والحادث * (1226) من الصفراء لذاع محرق مع التهاب ومن البلغم ثقيل بليد ومن السوداء تكسري بسبب برودتها وتقبضها PageVW0P125B يحس العضو منه انكسارا في نفسه ومن الريح تمددي. وتختلف أيضا بحسب جوهر العضو، فإن الوجع الناخس الذي يمتد منبسطا خاص بالأغشية والوجع الذي يمتد كالوتر إلى الجانبين خاص بالعصب والعروق والوجع التكسري خاص بأغشية العظام والوجع الرخو خاص باللحم والوجع الضرباني خاص في الشرايين. ويحتاج في وجوده إلى ثلاثة أشياء: أحدها وجود الورم الحار، فإن الورم الرخو والصلب لايؤلمان، والثاني كون الورم في عضو حساس لأن العادم للحس لا * يحس (1227) بالضربان، والثالث أن يكون هناك عرق ضارب متصل بالعضو PageVW1P088A المتورم بحيث * يضغطه (1228) . وأما الوجع المسلي المذكور يدل على مادة كثيرة باردة ساكنة في عضو غليظ الجرم. فمن علم اختلاف هذه الأوجاع وقف على الموضع الوجع والخلط الموجع وينبغي أن يتفقد من الوجع اختلافها في المواضع أيضا ليكون المعالج مصيبا لأنه لو كان الموجع في اليمين فيدل مثلا على أنه في الكبد * ولو (1229) كان في * اليسار (1230) دل على أنه * في ناحية الطحال، وإن كان في اليمين وكان هلاليا دل على أنه (1231) في نفس الكبد، وإن كان متطاولا دل على أنه في العضلة، فيعالج العضو بعلاجه الخاص. وينبغي أن * تتفقد (1232) جهة ورم الكبد ووجعه، فإن كان في الجانب PageVW0P026A المحدب يستفرغ مادة الوجع بالإدرار. ولو كان في * المقعر (1233) يستفرغ بالإسهال. فقال الحكيم أبقراط ينبغي أن تتفقد في الأوجاع الباطنة اختلافات تعرضها بحسب العظم واللاعظم بحسب نفس * الوجع (1234) والعضو * الموجع (1235) من عظمهما أو صغرهما وحساسية العضو وغير حساسيته وشرفه وخسته وعظم مادة الوجع في الكيفية والكمية حتى سهل سلوك سبيل التدبير على المعالج بالنسبة إليها.
167
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1236) : من يصيبه * مرارا (1237) كثيرة غشي شديد من غير سبب ظاهر فإنه يموت فجأة.
[commentary]
الغشي هو تعطل جل القوى المحركة والحساسة لضعف القلب واجتماع الروح كله أو استفراغه وتحلله حتى لا يفضل على الموجود في المعدن. * إن (1238) أسباب الغشي كثيرة: أما يعني أبقراط الغشي الحادث من انسداد * مسلك (1239) الشريان * الوريدي (1240) وهو الذي يسلك فيه * الهواء من الرئة إلى القلب أو لانسداد مسلك الأبهر وهو الشريان الذي تسلك فيه (1241) الروح من القلب إلى جميع البدن. يعنى لو اتفق هذا الغشي PageVW1P088B * للأصحاء (1242) بسبب بخار دخاني غليظ * أو غيره (1243) حتى يسد مسلك الهواء من الخارج أو مسلك الروح الساري إلى جميع البدن وحصر كله في القلب حتى PageVW0P126B لم يصل إليه الهواء * المروح (1244) ولم تندفع منه * الأبخرة (1245) الدخانية اختنق ومات العليل فجأة. إن الأسباب المهيجة للغشي أربعة أجناس: أولها سقوط القوة الثاني الاستفراغ * والثالث (1246) * الألم (1247) والوجع الشديد والرابع آفة عرضت للقلب نفسه. فمداواة هذه الأربعة بحسبها أيضا أربعة: ففي سقوط القوة يجب الاحتيال بردها وفي الاستفراغ التلافي برد ما تحلل وفي الألم والوجع التدارك في تسكينه وفي النكاية الاحتيال في ازالتها. وأما لو حدث الغشي بلا سبب * ظاهر (1248) مرارا كثيرا دل على أن في تجاويف تلك الشرايين مادة مسددة لمسلك الروح أو الهواء. فمهما صارت * تلك (1249) السدة كاملة تامة مات العليل فجأة.
168
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1250) : الذين يختنقون ويصيرون إلى حد الغشي ولم يبلغوا إلى حد الموت فليس يفيق من ظهر في فيه زبد.
[commentary]
اعلم أن القلب مركب من لحم وليف وجسم صلب * وشكله (1251) صنوبري وأصله إلى الداخل في آخر العلياء وطرفه المحدد إلى تجويف الأسفل وله بطنان يمنى ويسرى. بطنه اليمنى لتلطيف الدم واليسرى لدخول الهواء، وفيه الحار الغريزي. وله أيضا بطن في PageVW0P127A الوسط يوصل الدم من اليمنى إلى اليسرى * ويولد (1252) الحرارة الغريزية وفي اليمنى له منفذان أحدهما يأتيه من PageVW1P089A العروق الأجوف لايصال الدم إليه والثاني ينفذ منه عند منبت الشرايين بقرب الأيسر منعطفا في * التجويف (1253) الأيمن إلى الرئة عرق قد خلق ذا غشائين كالشريانات، فلهذا سمي الوريد الشرياني، وأول ما ينبت من التجويف الأيسر شريانات أحدهما يأتي الرئة وينقسم فيها * لاستنشاق (1254) النسيم وايصال الدم الذي يغذو الرئة من القلب وهو ذو طبقة واحدة بخلاف الشرايين ولهذا يسمى الشريان الوريدي ليكون أطوع للانبساط وللانقباض. والآخر يسمى الأبهر، وهو الشريان الأعظم الذي تنتشر منه الروح إلى جميع البدن. وعلى هذه المنافذ آذان أربعة حتى لا يدخل إلى القلب شيء * بغتة (1255) ولا يخرج بغتة، وإنما يعرض الغشي للمخنوق وهو مرض قلبي بسبب احتباس الأبخرة الدخانية الخانقة الروح عند الخنق. وسبب الزبد تردد البخار المستحيلة إلى الدخانية لعدم استنشاق الهواء الصحيح من خارج وفقدان الترويح فتدفعها الطبيعة إلى سبيلها المعتاد فيتردد في منافذ الرئة ويختلط بالرطوبات التي في نواحي الرئة وتشتبك بها اشتباكا شديدا حالة ترقيها إلى الحلق تارة وانخفاضها PageVW0P127B لمنع المخانق عن خروجها. فإذا ارتقع المانع وظهر في فم المخنوق الزبد الكثير فلا يفيق ولا يكون مطمعا في حياته لدلالته على طول زمان عدم الترويح وانحلال PageVW1P091B * الروح (1256) المختنق في البخارات الدخانية وانطفاء الحرارة المحيية بسبب انغمارها فيها.
169
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1257) : من امتلأت كبده ماء ثم انفجر ذلك الماء إلى الغشاء الباطن امتلأ بطنه ماء ومات.
[commentary]
واعلم أن في مقعر كبد الجنين عرقا نافذا من سرته متصل بكبد حامله حتى يجذب الدم من كبد الأم إلى كبده ويستحيل إلى الغذاء الصالح لمزاجه، وذلك العرق يقطع من سرة الجنين بعد الولادة ويبقى ما كان منه في الباطن، فذلك العرق إما أن يجف ويصير كأنه خيط دقيق عندما يستغني عنه أو يتلاشى ويفنى أصلا، فمهما وقعت سدة * في (1258) محدب الكبد أو ورم * بلغماني (1259) وعرض لها سوء مزاج بارد صار الدم تولدها مائيا إن كانت الكبد باردة أو صديديا إن كانت حارة. وامتلأ الكبد ماء ثم انفجر ذلك الماء إلى الغشاء الباطن، أي فيما دون الثرب من البطن حتى أن الأمعاء تسبح فيما بين الماء أو يجتمع الماء بين PageVW0P128A الصفاق والثرب * وامتلأ (1260) بطن العليل ماء. وأما إن كان * الماء (1261) صديديا حادا فلا * يخلو (1262) من نوع تآكل ولذع فيما جمع فيه وفي عضو لاقاه، * فيزيد (1263) ضرره، وفي هذا الفضاء بعينه يجتمع الماء في * المستسقين (1264) . فأما امتلاء بطن العليل * من ما (1265) انفجر من * انفقاء (1266) نفاخات غشاء الكبد امتلاء مميتا مهلكا مستبعد.
170
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (1267) : من كانت في كبده مدة فكوي فخرجت منه مدة بيضاء نقية فإنه يسلم وذلك أن المدة منه في غشاء، وإن PageVW1P090A خرج منه شيء شبيه بثفل الزيت هلك.
[commentary]
يعني من كانت في كبده مدة فكوي وبط وخرجت منه المدة نقية، أي غير متعفنة بيضاء غير متغيرة اللون، دل على أن المدة كانت من نفاخات غشاء الكبد * فانفقأت (1268) وصارت مدة فيها ولم يؤثر في جوهر الرئة وكانت سليمة غير مأوفة. فأما إن خرجت المدة متعفنة غليظة شبيهة بثفل الزيت علم أن المدة كانت من انفجار ورم متقيح فيها أو من * انفقاء (1269) نفاخات * مكثت (1270) وعفنت فيها وأثرت بعفونتها وحدتها في جرم الكبد و أفسدتها بكيفيتها الكريهة فيهلك العليل لأنه يبطل فيها القوى الطبيعية ولم يتأت لها توليد الدم وتغذية البدن PageVW0P128B وربما سعت العفونة والنتن إلى القلب والدماغ قبل نقائها واندمالها.
171
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1271) : إذا كانت الكبد فيمن كان به يرقان صلبة فذلك دليل رديء.
[commentary]
اليرقان تغير من لون البدن فاحش إلى الصفرة أو * السواد (1272) لجريان الخلط الأصفر والأسود إلى الجلد وما يليه بلا عفونة إذا لو كان مع عفونة صحبته * حمى (1273) غب في الأصفر وحمى ربع في الأسود. فأسباب * اليرقان (1274) الأصفر كثيرة مثل أن يكون بحرانيا، وإما أن يكون من سوء مزاج حار يعرض * للكبد (1275) أو * للمرارة (1276) أو * لجميع (1277) البدن، وإما لضعف جرم المرارة عن الجذب أو لمانع عن دفعها. فهذه كلها أسلم بالنسبة إلى يرقان يحدث من ورم الكبد الذي يحكم أبقراط PageVW1P090B ugn رداءته، يعني من اعتراه يرقان واحس فيه صلابة في كبده * كان دليلا على أن في كبده (1278) ورم حار يولد بسبب سوء مزاجها الحار مرار كثير وينتشر في البدن ويكون معه الحمى، وإلا بسبب صلابته وانسداد المجرى الذي فيه يجذب المرارة الصفراء من الكبد ينتشر الدم الصفراوي في جميع البدن ويحدث اليرقان.
172
[aphorism]
* قال أبقراط (1279) : PageVW0P129A من كان به يرقان فليس يكاد يتولد فيه الرياح.
[commentary]
إذا لم يكن اليرقان بحرانيا أو من سدة في المجرى الذي يجذب المرارة الخلط الصفراوي من الكبد إلى نفسه أو من سدة في المجرى الذي فيه تدفع الصفراء إلى الأمعاء أو من ورم الكبد يمكن أن لا يتولد لصاحبه رياح لأن الريح يتولد في الأحشاء بسبب نقصان الحرارة ووفور الرطوبة فتضعف الطبيعة ولا تقدر على تحليلها وانضاجها فيفعل التبخر ويتولد الرياح. ويكون أحشاء صاحب اليرقان حارا يابسا لأنه مرض صفراوي واستولت * على مزاج العليل الحرارة واليبوسة (1280) .
173
[aphorism]
* قال أبقراط (1281) : إذا حدث بصاحب الاستسقاء سعال كان ذلك دليلا رديئا.
[commentary]
وأما الاستسقاء فهو مرض مادي سببه مادة غريبة باردة تتخلل الأعضاء فيربوها إما الظاهر من الأعضاء كلها وإما المواضع الخالية من النواحي التي فيها تدبير الغذاء، يعني لو اجتمع الماء في الأحشاء، أي فيما بين الصفاق والثرب عندما ينسد الجانب المحدب وانفتاح الثقب * النافذ (1282) من مقعر الكبد في وقت الاجتنان امتلأ جوف العليل ماء، ويسمى هذا الاستسقاء الزقي. فمتى بلغ PageVW0P129B الماء من PageVW1P091A * كثرته (1283) إلى * أن (1284) يضغط الحجاب وتضيق المنافس على الرئة * ويزاحمها في الانبساط فيجذب ضيق النفس والسعال. فيكون دليلا على ازدياد مادة (1285) المرض ونكايتها لآلات التنفس المؤدية آفتها إلى الاختناق والموت.
174
[aphorism]
* قال أبقراط (1286) : إذا حدث بصاحب الاستسقاء سعال فليس يرجى
[commentary]
إن السعال في الاستسقاء الزقي يدل على كثرة المائية وعظم الورم في محدب الكبد المزاحم للحجاب من قوة ضغطه المؤدي إلى ضيق النفس والسعال كما لو كان الورم في الجانب المقعر يحدث الفواق لضغطه ومزاحمته المعدة. وأما إذا كان الاستسقاء طبليا فتجتمع فيه الرياح الغليظة في المواضع التي يجتمع * فيها (1287) الماء في الزقي مع شيء من الرطوبة. وسبب الطبلي ضعف الحرارة الغريزية في المعدة والكبد مع سوء المزاج الحار واستيلاء الحرارة النارية في الكبد ولأن ضعف الحرارة الغريزية يوجب ضعف الهاضمة وضعف الهاضمة يؤدي إلى الاستسقاء الطبلي. مثال ضعف الحرارة الغريزية ضعف حرارة الشمس عند طلوعها، فإنها * بحرارتها (1288) الضعيفة تهيج من البحار والأنهار بخارات يحدث عنها الضباب PageVW0P130A فإذا ارتفعت وسخن الهواء تحللت البخارات * وزال (1289) الضباب، فإذا لم ينهضم الطعام في المعدة جيدا ثم رامت الكبد أن تهضمه * وكان (1290) غير مستعد لهضمها فتفعل فيه بالحرارة النارية فعلا غير طبيعي فيرتقي منه الأبخرة والرياح ويجتمع في الأحشاء وارتقت لكثرتها إلى الحجاب PageVW1P091B والرئة ومددت آلات التنفس، فلم تطاوع إلى الانقباض وإخراج البخارات الدخانية * فاحتبست (1291) واختلطت بتلك الأبخرة وارتبكت بعضها بالبعض، واستنشاق الهواء * من (1292) الخارج يزيدها غلظا وبردا ومن الغذاء المستحيل إلى الريح يصل إليها شيئا فشيئا فيمكن أن يقع من كثرتها وشدة تمددها أن * يقع (1293) تفرق * واتصال (1294) في عضو من الأعضاء الباطنة أو يختنق العليل بغتة ويهلك فجأة لانغمار الحرارة في الماء أو في * الأبخرة (1295) .
175
[aphorism]
* قال أبقراط (1296) : من البلغم الأبيض يكون الاستسقاء.
[commentary]
يعني يحدث الاستسقاء من غلبة البلغم على المعدة والكبد لأنه إذا بردت المعدة وفترت الحرارة الغريزية فيها بسبب استيلاء الرطوبة لم تقدر على هضم الطعام كما ينبغي وأرسلت الطبيعة عصارة الطعام الفج الغير المنهضم إلى الكبد ولم تقدر هي أيضا PageVW0P130B على أن تحيلها إلى الدم لغلبة البرودة وبلغمانية مزاجها وجذبت الأعضاء الدم الفج المائي البلغماني طمعا لإصلاحه ولا يمكن * لها (1297) أيضا أن تحيله إلى جواهرها فيبقى بين خلل اللحم الغذاء الفج البلغماني وحدث الاستسقاء اللحمي.
176
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (1298) : من كوي أو بط من المتقيحين أو المستسقين فخرج منه من المدة أو من الماء شيء كثير دفعة فإنه يهلك لا * محالة (1299) .
[commentary]
اعلم أن البط في المستسقين والكي في المتقيحين قلما ينجع إلا فيمن كان قوي البدن واحتمل العطش وتقليل الغذاء، وإذا بط فلا ينبغي أن يستفرغ * الماء (1300) دفعة واحدة فيستفرغ الروح وتسقط PageVW1P092A القوة بل قليلا قليلا. * وأما (1301) صفة البط أن يقوم العليل قياما مستويا إن اقتدر أو يجلس جلوسا مستويا ويغمر أضلاعه * ويدفع (1302) المائية إلى أسفل سرته ثم يبط أسفل السرة بقدر ثلاثة أصابع مضمومة، وينبغي أن * تنحى (1303) المراق من الصفاق * ثم (1304) يثقب الصفاق ثقبا صغيرا على أن يكون ثقب المراق أسفل من ثقب الصفاق ثم تدخل فيه أنبوبة نحاس ويؤخذ الماء بقدر ثم تخرج الأنبوبة حتى يحتبس الماء لاختلاف الثقبتين ويؤمر العليل PageVW0P131A أن ينام مستلقيا. ويعني بالمتقيحين أصحاب المدة في الصدر كما فهمته من قبل، أي لو أردت كي المتقيحين وبط المستقين فلا ينبغي أن تخرج منها شيئا كثيرا دفعة لئلا تسقط قوتهم * ويشارفوا (1305) الهلاك، ولا يختص هذا الحكم بالبط والكي فقط بل يجب أن * لا تستفرغ (1306) أي مادة كانت دفعة بل على التدريج قليلا قليلا ولأن الدم الذي يغذي البدن هو مادة الروح والحرارة الغريزية لما صار مائيا بلغمانيا في المستسقين والمتقيحين ولم يبق صالحا لتوليد الروح الذي هو مركب القوى ومتشبثها والحرارة الغريزية التي هي آله للقوى. فلو استفرغ دفعة استصحت الحرارة الغريزية واستتبع الروح، وكلاهما قليل فيعرض لهم الموت.
177
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1307) : ما يعرض من القروح في أبدان أصحاب الاستسقاء ليس يسهل برؤه.
[commentary]
إذا وقع قرحة ما في عضو جيد المزاج صلح بسهولة واندمل سرعة، ولو وقع في عضو رديء المزاج استعصى حينا ولم يندمل PageVW1P092A بسهولة ولا سيما في أبدان المستسقين وخصوصا في الاستسقاء اللحمي الذي يتزيل جميع * الأعضاء (1308) بسبب ضعف قوى الكبد وبرد مزاجها وبرودة المعدة التي لم تهضم الطعام PageVW0P131B جيدا فتصل عصارته الفجة إلى الكبد ولا تقدر * أن تحيلها إلى الدم وتجذبها الأعضاء ولا يمكن لها أيضا (1309) أن تحيلها إلى جواهرها فتبقى بين خلل اللحم ويتزيل البدن كله من الرطوبات الغير الصالحة للغذاء و من الدم الفج المائي. والقرحة تحتاج * في (1310) اندمالها إلى الدم المحمود الجيد القوام حتى يتعقد ويتشبه بالبدن، ولهذا تعالج القرحة بالأدوية المجففة الجذابة للدم وأبدان المستسقين رطبة عديمة الدم فلا تندمل بسرعة لنزارة الدم فيهم واستيلاء الرطوبة على أبدانهم.
178
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1311) : من كان به مغص وأوجاع حول السرة ووجع في القطن دائم لا ينحل بدواء * مسهل (1312) ولا بغيره، فإن أمره يؤول إلى الاستسقاء اليابس.
[commentary]
* المغص (1313) في اصطلاح الأطباء هو وجع في الأمعاء وسببه إما ريح محتقنة تمدد الأمعاء وعلاجه تحليل تلك الرياح بالبزور الكاسرة لها، وإما فضل حاد مراري ينصب إلى الأمعاء وعلاجه سقي البزور اللينة الباردة كبزر القطونا وبزر لسان الحمل. وأما سوء مزاج حار يعرض لها * وعلاجه تبديل المزاج. وأما من خلط غليظ بلغمي يرتبك في الأمعاء ولا يندفع (1314) وعلاجه استفراغ ذلك الخلط من فوق بالقيء PageVW0P132A ومن تحت بالمسهل والحقن. فإن لم تنجع هذه التدابير في المغص علمنا أن فيما بين لفائف الأمعاء وبين * الثرب (1315) * أو (1316) بين الثرب والصفاقات رطوبة محتبسة لا تتحلل بالحرارة الفاترة بل تؤثر فيها بالتبخير وتوليد الريح ولا يزال يتبخر الغذاء PageVW1P093A الوارد في هذه النواحي من سوء مزاجها الرطب واستيلاء الحرارة الغائرة عليها حتى يحدث الاستسقاء اليابس أي الطبلي لأن الوجع في القطن وما حول السرة دليل على مادة رطبة تبخرها الحرارة الضعيفة فينتفخ البطن ويتمدد.
179
[aphorism]
* قال أبقراط (1317) : إذا حدث بالمطحول اختلاف دم فهو محمود.
[commentary]
اعلم أنه إذا ضعف الطحال عن جذب السوداء من الكبد وتنقيته الدم منها حدث في البدن أمراض سوداوية، وإذا ضعف عن دفع ما يجب دفعه عن نفسه لزم أن يجمع فيه الخلط السوداوي ويعظم ويتورم. فيعني بالمطحول هو الذي له ورم في طحاله لأن الدم الوارد عليه سوداوي غليظ يكون سببا لازدياد ورمه، فإذا حدث به الاختلاف الدموي يكون دليلا محمودا لاستفراغ الدم الحامل للسوداء وانتقاص مادة الورم، ولهذا يؤمر في علاج ورم الطحال PageVW0P132B فصد الباسليق والأسيلم ويترك الأسيلم حتى يحتبس من ذات نفسه بخلاف ما لو كان الورم بلغميا رخوا يقال له يهيج الطحال فلا ينفعه اختلاف الدم.
180
[aphorism]
* قال أبقراط (1318) : إذا أصاب المطحول اختلاف دم * وطال (1319) به حدث به الاستسقاء أو زلق الأمعاء وهلك.
[commentary]
لا يختص هذا الحكم بالمطحول بل كل بدن حدث له نزف الدم من أي موضع كان وطال زمان النزف برد مزاج الكبد * وضعفت (1320) قواها فلا يمكنها ان يعمل في عصارة الغذاء عملا جيدا * ويستحيلها (1321) دما ودفعها الطبيعة فجة وجذبها الأعضاء وحدث PageVW1P093B الاستسقاء اللحمي. وأما زلق الأمعاء هو أن لا يلبث الطعام بل يزلق عنها سريعا، وأسبابها كثيرة: * أما (1322) ما يعني في هذا الفصل هو الذي يحدث من اختلاف الدم السوداوي في المطحول لأنه إذا ترشح الخلط السوداوي وتجلب إلى الأمعاء ولذعها * بالحدة (1323) والحرافة دفعت ما فيها غير منهضم فيعتري زلق الأمعاء. وإنما قال: هلك، لأن المطحول يكون * رديء (1324) الأخلاط ضعيف البدن فيزيد ضعفه من طول اختلاف الدم. فمهما عرض له زلق الأمعاء ولم يمكث فيه الغذاء ليغذوه ويصل إلى بدنه بدل ما يتحلل منه * سقط (1325) قوته دفعة وهلك. PageVW0P133A
181
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1326) : العلل التي تكون في الكلى والمثانة يعسر برؤها في المشايخ.
[commentary]
العلل التي تكون في الكلى والمثانة تحدث إما لسوء مزاجها وإما لورم أو قرحة أو حصاة أو جرب فيهما. فهذه كلها عسرة البرء فيهما لأنهما لا يسكنان عن فعلهما ويمر عليهما دائما الفضلة المائية الحادة اللذاعة لجربهما وقرحتهما المحركة المادة ورمهما المهيجة للوجع فيهما. والقرحة والجراحة تحتاج * في الاندمال (1327) إلى السكون والهدوء، ولا يزال يعبر فيهما * البول (1328) ويحركهما ويرطبهما، فيكون مانعا لبرئهما عنها وعسر علاجهما سيما في المشايخ لأن المثانة عصبانية باردة المزاج عديم * الدم (1329) في نفس الأمر والكلية أيضا باردة رطبة بالنسبة إلى اللحم لأنها تغذى من الدم المائي فتكون هما في المشايخ * الباردة (1330) المزاج أبرد فيعسر فيهم برء عللها لقلة دمائهم وضعف قوائهم وبرء جميع العلل * (1331) الباردة وغيرها فيهم عسر لضعف قواهم وقلة حرارتهم PageVW1P094A الغريزية.
182
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1332) : فصد العرق يحل * عسر (1333) البول ويجب أن تقطع العروق الداخلة.
[commentary]
واعلم أن المواد التي انصبت إلى العضو تجذب إلى الجهة المخالفة للجهة التي PageVW0P133B فيها الورم، أي إن كان * الورم في الجهة الأعلى يجذب إلى أسفل، وإن كان (1334) في الأسفل على العكس. وعلى هذا القياس يستعمل الإسهال في وجع العين والقيء في النقرس. وافهم أن القيفال يستفرغ الدم من الرقبة وما فوقها وشيئا قليلا مما دون الرقبة، ولا * يجاوز (1335) حد ناحية الكبد والشراسيف والأكحل * متوسط الحكم (1336) بين القيفال والباسليق لأنه يستفرغ من نواحي تنور البدن والباسليق يستفرغ الدم * من (1337) أسفل التنور وأما عروق الرجل * فمن (1338) ذلك عرق النسا ويفصد عند الجانب الوحشي من الكعب ومنفعته في عرق النسا عظيمة، ومن ذلك الصافن، وهو على الجانب الأنسي من الكعب يفصد لاسفراغ الدم من الأعضاء التي تحت الكبد ولجذب الدم وإمالته من النواحي العالية إلى الأسفل، ولذلك يدر الطمث بقوة. وأمر الحكيم أبقراط في عسر البول الذي سببه ورم دموي فصد العروق الداخلة، أي الأنسى من الركبة مثل الصافن، فإن خارجه عرق النسا بعد فصد الباسليق الذي خارجه القيفال لأن الباسليق داخلي * يأتي (1339) من الإبط * ففصده (1340) من قبل يمنع انصباب الدم إلى أسفل وفصد الصافن بعده ينزع الدم من العضو المتورم فيحل * عسر (1341) البول، ولو ابتدئ بفصد PageVW0P134A الصافن بلا فصد الباسليق جذب الدم من فوق إلى العضو المأوف وعظم الخطب.
183
[aphorism]
* قال أبقراط (1342) : تقطير البول و عسره يحلها PageVW1P094B شرب الشراب * والفصد (1343) ، وينبغي أن تقطع العروق الداخلة.
[commentary]
* اعلم أن (1344) تقطير البول سببه إما حدة البول * تحرق (1345) المجرى، فيكون استرساله مؤلما واجتماعه وثفله أيضا غير محتمل، فيكون له حالة بين الاسترسال والاحتباس، وهي التقطير لأن كل قليل منه لشدة إيذائه وحدته يستدعي النفض فتدفعه الدافعة، وإن * لم (1346) يكن بإرادة فينفعه الفصد إن كان الدم في البدن غالبا سيما من العروق الداخلة، وإن كان سببه برد مزاج المثانة وضعفها بحيث لا تقتدر على استمساك كل قليل يرد عليها فتتخلى عنه فينفعه شرب الشراب. وقد يحدث التقطير من أسباب العسر، فيكون عسر مع تقطير مثل أن يكون سببه ورم حار في الكلى * أو المثانة (1347) وإما لخلط حاد يحدث لذعا في مجرى البول ويعرض من هذا العسر مع التقطير إلا الأسر، وإما لضربه تقع في المثانة، فينفع لهذا التقطير والعسر الجاذبين من هذه الأسباب الفصد من العروق الداخلة يعني من الإبطي أو الباسليق ثم من الصافن. وإن كان العسر بسبب خلط لزج يلحج في مجرى البول فيحدث السدة أو لجمود الدم أو المدة PageVW0P134B في المثانة أو لريح نافخة ممددة لها، فشرب الشراب * يحله (1348) وينفعه.
184
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1349) : من كان فوق بوله عبب دل على أن علته في الكلى وأنذر منها بطول.
[commentary]
* واعلم أن (1350) العبب والزبد يحدث من الرطوبة ومن الريح * المنزرقة (1351) في الماء مع زرق البول. يعني بالعبب النفاخات الكبار التي تظهر على وجه البول. والزبد عبارة عن نفاخات صغار تحدث من اشتباك الريح مع الرطوبة. وكلاهما يدلان PageVW1P095A تارة بلونهما وتارة بمقدارهما في الكبر والصغر وتارة بسهولة * نفقتهما (1352) (انشقاقهما) وعسر تعفنهما وقلتهما * وكثرتهما. إما بلونهما كما يدل بياضهما في أكثر الأمر على الصرع، وصفرتهما وسوادهما على اليرقان. وإما بمقدارهما في الكبر والصغر فيدلان على كثرة المادة وغلظها، أعني الرطوبة والريح أو قلتهما (1353) . وأما دلالتهما بسهولة نفقتهما وعسر نفقتهما، فإنه يدل على لزوجة الرطوبة وغلظ الريح وغلظهما ولطافتهما. والعبب الذي هو انعقاد الرطوبة الممتدة حول الريح الغليظة لا يختص بمرض الكلية وحده بل قد يوجد في مواضع أخرى. لكن يعني العبب الباقية زمانا طويلا يدل على عللها دليلا رديئا لأنه يدل على المواد الغليظة اللزجة القابلة أن ينعقد ويتحجر فيها أو لأنها تحتاج في النضج إلى زمان طويل. PageVW0P135A
185
[aphorism]
* قال أبقراط (1354) : من رؤي فوق بوله دسم جملة * دل (1355) على أن في كلاه علة حادة.
[commentary]
قد يعرض * للكلية (1356) إن يهزل ويقل شحمها لسوء مزاج حار يذيب شحمها أو لكثرة الجماع والحركات العنيفة المسخنة المذيبة شحمها فيبول الرجل عند * ذوبانها (1357) بولا دسميا. وقد يبول الإنسان هذا البول من * ذوبان (1358) شحم في غير الكلى * لكن البول الذي يخرج دسمه جملة، أي دفعة كثيرا، دل على العلة في كلاه، وهي علة حادة تحل وتذيب شحمها بحدتها وحرارتها. وأما كونه كثيرا لكثرة الشحم في الكلى (1359) وخروجه دفعة لقربها من * الإحليل (1360) بخلاف * ذوبان (1361) العضو الآخر، فإنه يخرج الدسومة عندها قليلا قليلا، ويستدل على مبدأه من القلة والكثرة ومن المخالطة والمفارقة، فإنه إذا كان كثيرا متميزا فاحدس أنه من ناحية الكلى، وإن كان * مختلطا (1362) قليلا فمن عضو بعيد.
186
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1363) : من كان به علة في كلاه وعرضت له هذه الأعراض التي تقدم ذكرها وحدث له وجع في عضل صلبه، فإنه إن كان ذلك الوجع في المواضع الخارجة فتوقع خراجا يخرج به من خارج، وإن كان ذلك PageVW0P135B الوجع * في (1364) المواضع الداخلة، فأحرى أن تكون الدبيلة من داخل.
[commentary]
عضل الصلب منها ما يثنيه إلى خلف * ومنها (1365) ما يحنيه إلى قدام. * فالثانية (1366) PageVW1P095B إلى خلف هي المخصوصة بأن تسمى عضل الصدر، وهذه العضل إذا تمددت بالاعتدال نصب الصلب، وإن * أفرطت (1367) في التمدد * ثنته (1368) إلى خلف. وأما العضل الحانية فهي زوجان زوج * موضوع فوق وهي من العضل المحركة للرأس والعنق النافذة عن حنيتي المريء وزوج (1369) موضوع تحت هذا على الصلب من جانب الداخل يسمى المتن ينحدر إلى أسفل فينحني حنيا خافضا. يعني من كانت به علة في كلاه وانتقل على طريق البحران ودفع الطبيعة * إلى (1370) عضلات الصدر فعرض بها إما خراج أو ورم. فإن كان الوجع مائلا إلى السطح الظاهر من الصلب كان الورم والخراج على العضل الذي يثبته إلى خلف، وإن كان مائلا إلى الداخل * كان (1371) الخراج في العضل التي تحنيه إلى قدام، ويستدل على المأوفة بآفة في فعلها الخاص بها، * إن (1372) لم يقدر على ميله إلى خلف كانت العضل المأوفة * في ظاهر (1373) الصلب وخارجه. وإن لم يمكنه الانحناء إلى قدام كانت العضلة الداخلة في الصلب متورما مأوفا.
187
[aphorism]
قال أبقراط: PageVW0P136A من كان في بوله وهو غليظ قطع لحم صغار أو بمنزلة الشعر * فذلك (1374) يخرج من * كلاه (1375) .
[commentary]
* اعلم أن الثفل الكرسني هو أجزاء أحمر له ثخن وأقرب إلى الاستدارة، وعلى الأكثر يكون قطع لحم صحيحة انحلت إما من الكلى لحرارة فيها شديدة وإما من أعضاء أخرى لحمية، وذلك لأن الحرارة النارية تذيب ما كان من اللحم قريب العهد بالانعقاد، فيجف ويصلب ما كان منه قد استحكم انعقاده وجموده حتى يصير كأنه من الأشياء المقلية، وربما يكون هذا من أجزاء الكبد قد تفتتت منها بحرارة نارية فيها، وربما كانت قطع دم قد شوتها حرارة الحمى. أما الكائن من الكلية يكون أشد اتصالا لحميا، والآخران أشبه بما ليس بلحمي وأقبل للتفتيت، وإن كان مائلا إلى الصفرة فهو عن الكلية لا محالة لأن الذي من الكبد يضرب إلى القتمة وقد يشاركه في هذا أحيانا الذي عن الكلية، أي إن الكبد كدم جامد، فإذا عملت فيه الحرارة النارية مال إلى السواد، وهو القتمة والذي يكون عن الكلى، فهو أقل حمرة، فتكون حمرته ناصعة والحمرة الناصعة مائلة إلى الصفرة. فإذا قوي السبب، أعني الحرارة في الكلية، حتى يحرق، بلغ الأمر إلى القتمة فشاركه الكبدي في ذلك. وأما الثفل الشبيه بالشعر، سببه حرارة قوية تعمل في رطوبة غليظة بلغمية، وربما كان أبيض وربما كان أحمر، ويكون انعقاده في بربخي PageVW0P136B الكلى، فيجففها وينعقد على هيئة الشعر وطوله يوجد من شبر إلى شبرين بحسب طول العضو الذي ينعقد فيه، ويخرج في الأكثر مع بول غليظ. وقال الشيخ أبو علي: يكون انعقاده في الكلية، وقا ل أبن أبي صادق إن المنعقد في الكلية يكون على شكل الزيتون ولا يكون مستطيلا (1376) ، يعني مهما خرج مع البول قطع لحم * صغار (1377) مع عدم الحمى تكون تلك القطع من الكلى * لقرحة (1378) فيها أو سوء مزاج حار يفتت جزءا منها، أو بسبب خلط حار يقطعها، إذ لو كان من ذوبان عضو آخر لكان معه الحمى والالتهاب في البدن. * وكذلك (1379) خروج الثفل الشعري مع البول الغليظ يدل على أنه من الكلى لأنه ينعقد في تجويف * البربخين (1380) الجائيين PageVW1P096A من الكلى إلى المثانة من الرطوبة التي عملت فيها الحرارة، فيكون فتات اللحم دالا بلا شك على تآكل وقرحة في الكليتين لأنه ليس في * مجاري (1381) البول عضو لحمي غير الكليتين، وكذلك الشعري لأنه ليس * لانعقاد (1382) شكل * الشعر (1383) عضو غيرهما.
188
[aphorism]
قال أبقراط * الحكيم (1384) : من كان يرسب في بوله شيء شبيه بالرمل فالحصى يتولد في * مثانته (1385) .
[commentary]
تولد الرمل والحصاة إنما يكون * من (1386) الماء الغليظ * الكدر (1387) في الكلية والمثانة * الحارتين (1388) ، وسبب غلظ البول وكدورته هو كثرة الفضول، * وأبدان (1389) الصبيان أكثر فضولا PageVW0P137A لسوء تدبيرهم في المأكل، فبولهم يكون أغلظ وحرارتهم الغريزية أكثر كمية، ولهم سبب آخر، وهو أن فوهات مثانتهم ضيقة، فيتصفى الرقيق من البول ويبقى الغليظ، فينعقد رملا ثم حجرا. والسبب الكلي أنه إذا كانت المادة قليلة الغلظ واللزوجة وانعقد منها شيء بعد شيء وتدفعه القوة الدافعة أولا فأولا فيخرج الرمل. والحصاة * تكون (1390) إذا كانت المادة كثيرة شديدة الغلظ واللزوجة ولحجت في فضاء الكلية وارتبكت وانعقدت هناك وينضاف إليها شيء بعد شيء مثل ما يتولد في قدور الحمامات من الحجارة. * واعلم أن الرمل يدل دائما على حصاة ستتولد إما في الكلية أو المثانة، أو يدل على أنها قد انعقدت، ويدل أيضا على تفتتها إلا أنها متى كانت في الكلى كان الرمل أحمر ومتى كانت في المثانة كان الرمل إما ترابي اللون أو رمادي. ويقال في سبب ذلك أن أفواه العروق التي تتصفى بها المائية من الكبد إلى الكلى متى وقعت في الخلقة واسعة أو اتسعت لبعض الأسباب ثم كان الدم الذي يخرج منها غليظا لزجا أو كان رقيقا إلا أنه يخالطه مائية غليظة لزجة، فهذا الدم وحده أو مع الفضلة إذا حمي في فضاء الكلى انعقد رملا أحمر وإن كان الدم رقيقا ولم يخالطه مائية غليظة كان البول دمويا ولم ينعقد شيء. وإن ازدادت المادة التي يتولد منها الرمل غلظا PageVW0P137B في الكلى ولزوجة ولحجت في فضائها وأنضم شيء منها إلى شيء صارت حصاة. وأما الحصاة التي تتولد في المثانة سببه إذا كانت المادة المائية أكثر غلظا والمجرى النافذ من المثانة إلى القضيب أشد تعويجا وضيقا لم تتصف (1391) المائية عن المثانة وانضم شيء منها إلى شيء، وجفت بالحرارة صارت حصاة شبيها بما يتولد في حياض الحمامات ومجاري مياهها وصارت الحصاة تتولد في الصبيان على الحكم الأغلب في مثاناتهم لتوفر القوة الطبيعية الدافعة للمادة من كلاهم إلى * مثانتهم. (1392) يعني الحكيم أبقراط أنه من كان يرسب في بوله الرسوب الرملي فاعلم أنه سيتولد حصاة في مثانته، كما قال الشيخ أبو علي أن الرسوب الرملي يدل دائما على حصاة منعقدة أوعلى أنها في الانعقاد أو إلى الانحلال إلا أن الرمل حال انعقادها يكون يسيرا صغارا وفي الانحلال يكون كثيرا كبارا.
189
[aphorism]
قال أبقراط رحمه * الله (1393) : من خرج في بوله وهو غليظ * شيء (1394) بمنزلة النخالة فمثانته PageVW1P096B * جربة (1395) .
[commentary]
وأما النخالة أصغر أجزاء من الصفائحي، وتدل على انجراد * قد (1396) تخطى السطح الظاهر من الأعضاء الأصلية إلى عمقها. ويدل أيضا على جرب وتقشير في المثانة أو قرحة فيها. وعلامة الجرب والتقشر حكة في أصل القضيب، وعلامة القرحة حرقة البول ونتنه * وسبوق (1397) PageVW0P138A بول المدة. وأما إذا كانت أعضاء البول سليمة وحدث التهاب وحمى حادة وضعف من القوة وبول غير نضيج، دل على أن الافة في الأعضاء، وهذا الثفل النخالي شر من الصفائحي لأن الصفائحي يدل على انجراد * سطح (1398) الظاهر من العضو * والنخالي (1399) يدل على انجراد تعدى إلى العمق، يعني من كان في بوله وهو غليظ شيء بمنزلة النخالة، ويعني بالغليظ المعتدل القوام النضيج لأن الأعضاء الأخر سليمة وليس معه علامة القرحة في المثانة * على أن في مثانته (1400) جرب.
190
[aphorism]
قال أبقراط * الحكيم (1401) : من بال دما من غير سبب متقدم دل على أن عرقا في كلاه * انصدع (1402) .
[commentary]
بول الدم يكون إما لانفتاح * عرق (1403) في الكلى أو انشقاقه. فإن كان من الانفتاح يكون قليلا قليلا، وإن كان من الانشقاق يكون كثيرا غزيرا ويكون الدم في كلتا الحالتين نقيا عبيطا بلا وجع بخلاف ما لو كان خروج الدم بسبب قرحة المثانة، فإنه يكون مع حرقة البول نتنه وعسره، يعني من بال دما ولم يتقدمه سبب ظاهر، أي قرحة، بل كا ن خروج الدم بغتة، دل على أن عرقا في كلاه انصدع سواء كان بسبب خارج، أي بعقب ضربة أو سقطة على موضع الكلية أو بسبب PageVW0P138B داخل مثل امتلاء * عروقها (1404) من الدم امتلاء مفرطا حتى انصدع عرق منها.
191
[aphorism]
قال أبقراط: من كان يبول دما أو قيحا * فإن ذلك يدل على أن به قرحة في كلاه أو مثانته.
[commentary]
من كان يبول دما أو * قيحا (1405) PageVW1P097A دل خروج ذلك المدة والدم على قرحة في كلاه أو * مثانته (1406) . والفرق بينهما أن في قرحة الكلى يكون الوجع في القطن ووراء الخاصرة وتكون قرحة الكلية مع سلس البول والقشور فيها تكون حمراء، وتكون قرحة المثانة مع عسر والقشور فيها تكون بيضاء، وأحس الوجع في العانة، ويكون القيح والدم مختلطا بالبول عند قرحة * الكلية (1407) لبعد مسافة جريانهما مع البول وعند قرحة المثانة يكونان متميزين غير مختلطين بالبول لقرب مخرجهما.
192
[aphorism]
* قال أبقراط (1408) : من كان يبول دما أ وقيحا وقشورا وكان لبوله رائحة منكرة فذلك يدل على قرحة في * مثانته (1409) .
[commentary]
يعلمنا التفرقة بين قرحة الكلى وقرحة المثانة بقوله: من كان يبول دما أو قيحا وقشورا، مع نتن رائحة منكرة في بوله، فذلك يدل على أن القرحة في مثانته لا في كليته PageVW0P139A لأن الكلية * مجرى (1410) البول ولا يمكث فيها البول ريثما يكسب من عفونة قرحة نتنا. فأما المثانة فهي وعاء البول ويتوقف فيها زمانا طويلا، فيتكيف بكيفية القرحة العفنة وتؤثر رائحة القرحة به فيخرج مع رائحة منكرة. وكذلك البول * يغسل (1411) المدة والقيح من قروح الكلى ولا يمهلهما حتى يكسب العفونة منها، ولكن يطول مكثهما في المثانة فيتعفنان مع البول ويخرج بعفونة ونتن. وقد يتفق أن يكون البول المنتن من عفونة الأخلاط لكن قد يميز الحس بينه وبين الذي من القرحة. وإذا كان مع النتن الخاص بالقرحة * قشور (1412) دل على أن PageVW1P097B النتن ليس * بعفونة بل من القرحة التي في المثانة لأنه ليس (1413) من أعضاء البول * ما (1414) إذا تناثرت أجزاؤه كانت قشورا إلا جوهر المثانة، فإن من تناثر أجزائها تظهر القشور.
193
[aphorism]
قال أبقراط: من بال دما عبيطا وكان به تقطير البول وأصابه وجع في نواحي الشرج والعانة دل على أن فيما يلي مثانته * وجع (1415) .
[commentary]
اعلم أن بول الدم والقيح دلالة عامة على القرحة * إلا (1416) أنها قد تكون في إحدى آلات البول وقد تكون في غير آلات البول، وهي إما حدبة الكبد فإن أورامها PageVW0P139B الدموية تنفجر إلى ناحية الكلى لمجاورتها إياها كما تنفجر الأورام * من (1417) مقعرها إلى جانب الأمعاء. ولا يمتنع أيضا أن يصير الدم أو القيح من الورم المنفجر من الرئة إلى الكليتين، وذلك أنه كما يأتي الكلى شعبة من العرق الأجوف كذلك يأتيها شعبة منه، ويمكن أن تصير المادة من الرئة إلى الكلى بتوسط العرق المتشعب من الوتين. وقد يبول الانسان دما بسبب ضعف كبده أو لتفرق اتصال عرض لها. فقال من بال دما مع سلامة الأعضاء التي يمكن أن يتحلب منها إلى الكلية أو المثانة دم وكان معه تقطير البول ووجع الشرج الذي يلي قعر المثانة ووجع العانة التي * تلي (1418) عنق المثانة وفمها، علم أن فيما يلي مثانته من آلات البول آفة وعلة فيجيء الدم من أحد * أعضاء (1419) البول لا من غيرها. ويكون تقطير البول بسبب * الدم (1420) العبيط أو القيح المنعقد الذي يسد فم المثانة فيتبعه تقطير البول والوجع فيها.
194
[aphorism]
قال * أبقراط رحمه الله (1421) : من خرجت به بثرة في أحليله فإنها إذا * تقيحت (1422) وانفجرت انقضت * علته (1423) * (1424) .
[commentary]
يعني من * عرض له (1425) عسر البول * بسبب (1426) بثرات في مجرى بوله من الأحليل وكلما أراد أن يبول أوجعه PageVW1P098A فلم * يعصر (1427) * البائل (1428) مثانته بعضل البطن هربا من الألم PageVW0P140A أو كلما بلغ البول عند نزوله عن المثانة إلى هذه البثور * لذعها فترجعه الطبيعة هربا من الاذي، فيعرض عسر البول ما دام لم يتحلل هذه البثور (1429) فمهما نضجت وتقيحت وانفجرت البثور انقضت مرضه وانحل عسر البول وبرئ العليل.
195
[aphorism]
قال * أبقراط الحكيم (1430) : من أصابته حدبة من ربو أو سعال قبل أن ينبت الشعر فإنه * يهلك. (1431)
[commentary]
فإذا تورم العضل التي تلي الفقار من الداخل وهي العضل الحانية للصلب إلى قدام وهي من العضل المحركة للرأس والعنق بالزوج النافذ * عن (1432) جنبي المريء وطرفها الأسفل يتصل بخمس من الفقرات الصدرية العلياء وطرفها الأعلى يأتي الرأس والرقبة. فإذا حدث ورم في هذه العضلة * شغل (1433) فضاء الصدر ولم يبق * للحجاب (1434) والرية متسع ومتحرك طبيعي وقصرت عن حركاتها الانبساطية المروحة للقلب فيعرض للعليل التنفس المتواتر ليقضي وطره في الترويح بتواتر الاستنشاق ويتلافى بها ما نقص من الانبساط، وهذا هو الربو. ولو كان الورم حار دمويا وسخنت آلات التنفس وعرض للرئة سوء مزاج حار يجاوره الورم حدث الربو والسعال بسبب نقصان انبساط الرئة والحجاب PageVW0P139B القاصر عن الترويح وامتلاء الرئة والصدر عن البخارات الدخانية القلبية * والأبخرة (1435) المتصاعدة من الورم * عرض الربو والسعال، وقد يضغط الورم (1436) بعظمه وتمدده الفقرات وتزيلها عن مواضعها فتحدث الحدبة فيزداد ضيق صدره لانحناء * أضلاعه (1437) وانخفاض فقاره. فمتى شارف البلوغ ونما قلبه ورئته ولم يسعهما فضاء الصدر بسبب الحدبة عسر تنفسه. فقال بناء على هذا PageVW1P098B الحدبة الحادثة عقب الربو * والسعال قبل البلوغ وفي سن النمو مهلكة لما بيناه من ضيق الصدر (1438) .
196
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1439) : الأوجاع التي تنحدر من الظهر إلى المرفقين يحللها فصد * العرق (1440) .
[commentary]
واعلم أن اجتذاب المادة مع رعاية المسامتة في * الجهة (1441) الواحدة أبلغ، أعني إن كانت المادة في أحد الأعضاء الموضوعة في الجانب الأيمن كان الجذب والاستفراغ من عروق اليد أو الرجل التي في هذا الجانب أيضا كان أبلغ في نزع المادة لأن العروق وإن كانت كلها تنشأ من أصل واحد لكن صارت العروق التي في جانب واحد من البدن أكثر اشتراكا واتصلالا، ولذلك يستفرغ الدم الذي ينصب إلى الكبد بفصد عرق الباسليق من اليد اليمنى لأن هذا العرق متصل بالعرق الأجوف * مشارك (1442) PageVW0P141A له على محاذاة في طرف مستقيم لا اعوجاح له وفي علة الطحال يستفرغ من الباسليق اليسرى. فقد تبين أن الجذب والاستفراغ إذا كان من الجانب الذي فيه المادة بعد رعاية مخالفة الجهة ورعاية المسامتة كان أسرع اختطافا إذا كان من الجانب الآخر الغير المسامت. وأما الجذب في العضو المشارك، ينبغي أن يكون اشتراكهما في العروق * لأن (1443) العروق هي التي تحوي المادة، وفيها جريانها * ومنها (1444) انصبابها. فإذا اشترك العضوان في العروق أمكن أن يجتذب المادة من أحدهما إلى الآخر بسرعة. يعني أبقراط الأوجاع التي تنحدر من الظهر إلى المرفقين بطريق المشاركة في العروق التي * تجري (1445) فيها المواد الموجعة، فاستفراغ مادة الموجع من باطن المرفق PageVW1P099A أولى ليكون استفراغ المادة من الجهة التي هي إليها مائلة وأسرع اختطافا ونزعا رعاية المسامتة لأن وجع الظهر يحدث * من (1446) امتلاء العرق الكبير الموضوع على الصلب فيعتري الوجع في جميع الظهر وينحدر إلى المرفقين وينفعه فصد الباسليق.
197
[aphorism]
* قال أبقراط (1447) : إذا حدث الجشاء الحامض في العلة التي * يقال (1448) لها زلق الأمعاء بعد تطاولها ولم يكن قبل ذلك * فهي (1449) علامة محمودة.
[commentary]
PageVW0P141B زلق الأمعاء هو أن لا يلبث الطعام في الأمعاء بل يزلق عنها سريعا، وهو إما لبثور في سطحها الظاهر أو الداخل، وأما لرطوبات فيها تزلق الطعام عنها سريعا وإما لترهل الأمعاء وضعف قوتها الماسكة لما كان الطعام لا يلبث في المعاء بل يخرج على هيئته غير منهضم، فمتى عرض * للعليل (1450) بعد تطاول هذه العارضة الجشاء الحامض الذي لم يكن له قبل دل أن ظهر في المعدة والأمعاء نوع صلاح وستأول حال العليل إلى البرء لأن الجشاء الحامض الغير المعهود بعد تطاول المرض المعدي والمعوي دليل على مكث الطعام فيها ريثما يحمض وتغير طعمه بسبب تصرف القوة الهاضمة فيه وهدا دليل محمود.
198
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1451) : عند استطلاق البطن قد ينتفع باختلاف ألوان البراز إذا لم يكن تغير إلى أنواع منه رديئة.
[commentary]
خروج الأخلاط المتلونة المختلفة القوام عند الإسهال والقيء منتفع * منق (1452) للبدن إذا كانت من فضلات البدن ومن المواد المؤذية له. فأما إذا كانت من جواهر الأعضاء وكانت متغيرة PageVW1P099B إلى أنواع رديئة مثل صهروج الأمعاء وخراطاتها التي تخرج بالسحج وانجراد سطحها الباطن أو غساليا بسبب ضعف PageVW0P142A الكبد أو دمويا صرفا، ويسمى الذوسنطاريا أو شحميا دسما دالا على الذوبان، * فهذه (1453) كلها رديئة غير منتفع خروجها بل دالة على حالة غير طبيعية في البدن.
199
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1454) : الامتناع من الطعام في اختلاف الدم المزمن دليل رديء، وهو مع الحمى أردأ.
[commentary]
اعلم أن الدم حفظه واحب وخروجه عن * البدن (1455) غير طبيعي لأنه يغذي البدن ويخلف بدل ما يتحلل منه، وأن الحار الغريزي هو آلة للقوى يتولد منه، بل * هو (1456) مادة لها وللرطوبة الأصلية، وهو أشرف الأخلاط، والقوة الحيوانية التي تقوم به ذات الحيوان وتستفيد منه، الحياة تتولد من الدم الوارد على البطن الأيسر من القلب لأنه يتولد فيه منه جوهر لطيف بخاري يسري منه إلى الأعضاء ذات صورة * وكيفية (1457) تفيد * للبدن حياة (1458) ، وذلك الجوهر يسمى روحا، وتلك الصورة هي نفس القوة الحيوانية. وأما الكيفية فهي الحرارة المحيية الغريزية، فمهما اختلف الدم الكثير زمانا طويلا استفرغ الروح والحرارة الغريزية وضعفت قوى الأعضاء عن أفعالها كلها سيما الكبد وأفعالها الطبيعية لأنها معدن الدم وينبوع القوى الطبيعية. فالامتناع من الطعام في هذا الحال دليل * على (1459) بطلان القوة الشهواني التي تتم بقوة جاذبة طبيعية وبقوة حساسة في فم المعدة، وإنما تضعف القوى لنقصان الحرارة واستيلاء البرودة من كثرة اختلاف الدم. وكيفية الحرارة PageVW1P100A تعين القوى الطبيعية الأربعة لأن أفعال جميع القوى هي بالحركات إما في الجذب والدفع فذلك ظاهر وإما في الهضم لأنه يستكمل بتفريق أجزاء ما غلظ وكثف وجمعها مع ما رق ولطف وهذه التحريكات تتم بالحرارة والبرودة مخدرة مميتة تالفة عن جميع هذه الأفاعيل فيعرض سوء المزاج البارد لجميع أجزاء المعدة فتبرد الكبد وتسقط الشهوة والقوة الجاذبة الكبدي. * أو لاحتباس (1460) ما ينصب من السوداء إلى فم المعدة وعدم * دغدغتها (1461) لا يشتهي الطعام لأن الاختلاف الطويل دفع السوداء إلى الجهة الأخرة، أو لقلة تولدها في الكبد بسبب الضعف العارض لها. وإن عرض الاختلاف الدموي من الذوسنطاريا الكبدي أو المعوي حتى أسقط القوة الشهوانية * وحدث (1462) الامتناع من الطعام يكون دليلا رديئا، وإن كانت معه الحمى يكون أردأ * لأن (1463) الكبدي يكون مع الحمى والعطش * واللهث (1464) ، ولو كان معويا دلت حماه على ورم في الأمعاء أو قرحة فيها فيكون أردأ.
200
[aphorism]
قال * أبقراط (1465) : PageVW0P143A من كان به اختلاف دم وكان ما يختلف زبديا فقد يكون سبب اختلافه * شيئا (1466) ينحدر من رأسه.
[commentary]
إن الزبد نفاخات تحدث من اشتباك الريح مع الرطوبة وحدوثه يكون إما من الحرارة * والغليان (1467) أو من الحركة التي تقطع وتقسم * أجزاء (1468) * الرطوبة (1469) وتخلطها بأجزاء الريح. وإن الدم الذي يغذي الدماغ لطيف يرتقي بلطافته إلى الدماغ، ورطب أيضا لأن الدماغ يغتذي بدم رطب فيرد على هذا الدم الرطب اللطيف الهواء PageVW1P100B من خارج بالاستنشاق المتواتر فمهما دفعت الطبيعة ذلك الدم وانحدر مستصحبا بتلك الريح إلى أسفل فبتحريك الدافعة وبعد المسافة يختلط أحدهما بالأخر اختلاطا شديدا * يولد (1470) الزبد، ومن مداخلة جوهر الهواء خلال أجزاء الدم حدثت النفاخات المتصغرة لانقطاعهما وانقسامهما إلى أجزاء متصغرة في الانحدار من أعالى البدن إلى أسافله فيظهر الزبد.
201
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1471) : البراز الأسود الشبيه بالدم الآتي من تلقاء نفسه كان مع الحمى أو غير الحمى من أردأ العلامات، وكلما كانت الألوان في البراز أكثر كانت تلك علامة أردأ، وإذا كان ذلك مع شرب دواء كانت PageVW0P143B تلك العلامة أحمد، * وكلما (1472) كانت تلك الألوان أكثر كان ذلك * أبعد (1473) من الردائة.
[commentary]
يعني بروز عكر الدم الذي يشابه الدم في الاستفراغ من تلقاء نفسه، أي كما أن الدم لشرفه واحتياج البدن إليه وضنة الطبيعة بإخراجه * قد (1474) يخرج من تلقاء نفسه بالقيء والإسهال، فكذلك الخلط السوداوي لقلته في البدن وغلظه وأرضيته المانعة عن الخروج، إن خرج كالدم على طريق البراز من تلقاء نفسه كان دليلا رديئا. وإنما قال: الشبيه بالدم الآتي من تلقاء نفسه، لأنه يسود الدم عند انحداره في الأمعاء من الجهة البعيدة، مع أنا نرى كثيرا من الدم ينحدر من الأمعاء، وإنه أحمر. وإنما كان بروزه من تلقاء نفسه علامة رديئة لأنه يدل على كثرته في الكبد إما بسبب السدة الكائنة في المجرى الذي يجذب الطحال السوداء من الكبد وإما لضعف الطحال عن جذبه أو * دفعه (1475) PageVW1P101A وإما لشدة حرارة الكبد، فتحرق الدم فيكثر في البدن ويفسد فتقذفه الأعضاء من ردائته وعفونته * المؤذية (1476) . ويدل هذا على فساد حال البدن. وربما خرج من فرط ضعف قوة البدن وانخزال * قوة الطبيعة (1477) واختلال فعلها في ضبط أحوال البدن، وهكذا خروج الأخلاط المختلفة الألوان في غير * أوان (1478) البحران دليل على رداءة حال بدن الإنسان وكثرة الأخلاط الفاسدة PageVW0P144A المختلفة فيه وعجز الطبيعة عن إمساكها * ونضجها (1479) ، فيخرج ما رق منها ويبقى ما غلظ وكثف. فأما لو خرج الخلط الأسود وغيره من الأخلاط بعد استيلاء الطبيعة عليها ونضجها في أيام البحارين يكون محمودا، وكذلك إخراجها بشرب الدواء * بعد (1480) إنضاجها * دليل على نقاء البدن من الأخلاط (1481) المؤذية المختلفة، أو يكون قوله: البراز الأسود مبتدأ والآتي من تلقاء نفسه صفته، وقوله: فهو علامة رديئة خبره، يعني البراز الأسود الذي لا يطاوع المسهل ولا يخرج * إلا (1482) بعسر ودواء قوي، فلو خرج من تلقاء نفسه مثل الدم يكون لسوء حال في البدن، وكذلك خروج البراز * المختلفة (1483) اللون بخلاف ما لو * كان (1484) خروج هذه الأشياء الغليظة المختلفة الألوان بسبب شرب الدواء المسهل، يكون * حينئذ (1485) علامة محمودة ودليل خير.
202
[aphorism]
قال الحكيم * أبقراط (1486) : اختلاف الدم إذا كان ابتداؤه من المرة السوداء فتلك * علامة (1487) من علامات الموت.
[commentary]
* يعني (1488) اختلاف الدم الحادث بسبب السحج الذي عرض من المرة السوداء علامة رديئة لأن السوداء تخدش بحموضتها وحدتها الأمعاء وبانجرادها تذهب بترصيص الأمعاء ويعقرها ويفتح أفواه PageVW1P101B عروقها فيسيل الدم منها. وإنما قال: علامة رديئة PageVW0P144B لتعمقها وغوصها بحدتها في جرم الأمعاء. وربما أحدثت قرحة فيها وعلامة المغص الدائم وحموضة ريحها وغليان الأرض منها، وإن يكون معه كرب شديد، وربما أدى إلى الغشي، وعلاجه بعد قطع السبب وتنقية الطحال سقي البزور اللينة والاحتقان بالحقن المغرية وأكل الأغذية الدسمة والاجتناب من الأشياء الحامضة.
203
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1489) : أي مرض خرجت في ابتدائه المرة السوداء من أسفل أو من فوق فذلك منه علامة دالة على الموت.
[commentary]
خروج أي خلط كان من الأخلاط في ابتداء أي مرض كان من غير علامات النضج وامتياز الطبيعة اياها علامة رديئة. لأن مثل هذا الخروج لا يكون طبيعيا بل يكون لحالة غير طبيعية في البدن من كثرة المادة وعجز الطبيعة عن ضبطها وعدم استيلائها عليها سيما المرة السوداء الأرضية الغليظة التي لا تخرج إلا بعد خروج الأخلاط الأخر وإلا بدواء قوي وبذرقة سيالة كثيرة وبعد نضجها واستيلاء الطبيعة عليها. فلا جرم خروجها في ابتداء المرض من فوق أو من أسفل من تلقاء نفسه مستهجر غير * طبيعي (1490) لأنه يدل على احتراق شديد في البدن أو فناء PageVW0P145A رطوبات البدن. وفي الجملة إن الخلط السوداوي الصرف قاتل في أ كثر الأمر ودليل على الهلاك لأن خروجها يدل على غاية الاحتراق وفناء المواد والأخلاط الأخر ويدل على أن البدن قد خرج عن طبيعته خروجا كثيرا حتى لم يبق فيه من الرطوبات غير السوداء أو غلب هذا الخلط القليل PageVW1P102A النزر بالنسبة إلى سائر الاخلاط على البدن لفناء غيره * أو لكثرته (1491) الحاصلة من الاحتراق * الشديد (1492) في البدن، فخروجه في أول الأمر منذر بالموت مهلك ودليل على تغير شديد في البدن.
204
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1493) : من كان به اختلاف دم فخرج منه شيء شبيه بقطع اللحم فتلك علامة من علامات الموت.
[commentary]
* يعني (1494) لو ظهر في اختلاف الحادث من السحج شيء شبيه بقطع اللحم دل على أن الخلط الساحج جرد من المعاء ما فيها من الخراطات وعقر وخدش غشاءتها وتعدى بجرم الأمعاء * وأحدث (1495) فيها القرحة حتى ينحل وينقطع من جرمها شيء شبيه بقطع ا للحم. وأكثر ما يكون ذلك في الأمعاء الغلاظ لثخن جرمها واحتمالها ذلك. * وإنما (1496) يكون من علامات الموت لأن الأمعاء هي * من (1497) الأعضاء الأصلية المتكونة من المبنى PageVW0P145B فمتى انقطع وانحل جزء من جوهرها لم * يندمل (1498) اندمالا حقيقيا وثيقا، أو لأنها لما تعمق القرحة وغاصت في جرمها حتى ذهب بجزء منها عسر اندمال ما فقد منها أو لأنها * ممر (1499) الأثفال والأخلاط الحادة الحارة، فلا تجد القرحة نهزة الالتحام وفرصة الالتئام * التام (1500) ، بل يكون * مرور (1501) هذه الأشياء عليها، والأثفال فيها سببا لسعة قرحتها وعفونتها المؤدية إلى الهلاك والموت.
205
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1502) : من أنهكه مرض حاد أو مزمن أو إسقاط أو غير ذلك ثم خرجت منه مرة سوداء أو بمنزلة الدم الأسود فإنه يموت من غد ذلك اليوم.
[commentary]
خروج البراز الأسود السوداوي الصرف بعد مقاساة المرض الحاد أو * معاناة (1503) المرض المزمن أو بعد إسقاط الجنين وغير PageVW1P102B ذلك مما ينحل القوة ويضعف البدن وينهكه دليل على شرف الزوال لأن خروجه بعد المرض الحاد علامة احتراق شديد عرض للبدن وترمد الأخلاط فيه. وأما خروجه بعد المرض المزمن وطول الزمان دليل على تحليلات كثيرة في البدن وانعدام الرطوبات فيه واستيلاء اليبوسة عليه وانجماد الأخلاط وسوداويتها PageVW0P146A وبعد الإسقاط دليل على خروج الأخلاط على سبيل الطمث وإدراره، فيخرج الخلط الأسود عند فقدان غيره وبعد * استفراغ (1504) الرطوبات، وهذه كلها بعد هزال البدن وضعف قوته دليل على * خور (1505) الطبيعة وعجزها وبطلان القوة الماسكة حتى لا يتأتى لها إمساك المرة السوداء الغليظة، فكيف تقدر على إمساك غيرها. وإنما قال: يموت من غد ذلك اليوم، لأنه لما احترقت في المرض الحاد رطوبات البدن أو ترمدت وتحللت في المرض المزمن أو استفرغت في الإسقاط واستولت اليبوسة عليه انطفأ الحرارة الغريزية لعوز الرطوبة الأصلية. وأنا * شاهدت (1506) هذه الحالة بعد الإسقاط فوجدتها كما قال أبقراط الحكيم.
206
[aphorism]
قال * أبقراط (1507) : وعن البراز الصرف اختلاف الدم.
[commentary]
يعني خروج البراز الصرف من المرة الصفراء أو السوداء الخالص * الغير (1508) * المشوب (1509) في غيرها من الرطوبات يسحج الأمعاء ويفتح فوهات عروقها. ويكون سببا لاختلاف الدم. وعلامة السحج الصفراوي أن تنزل الصفراء مختلطة بالدم ويكون خروج الخراطة واللزوجات مع المغص. وعلامة السوداوي مخالطه السوداء PageVW1P103A بما يخرج وغليان الأرض منها مع وجع الأمعاء، PageVW0P146B وهكذا البلغم المالح البورقي يفعل ما تفعله * المرتان (1510) . وعلامته تقدم استفراغ ذلك البلغم وعدم * صنع (1511) البراز وخروج البلغم مع الخراطات والدم وعلاج جميعها بعد إزالة السبب المسحج البزور التي فيها غروية ولعاب والأغذية والأشربة * المناسبة (1512) .
207
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1513) : أصحاب الوسواس ا لسوداوي وأصحاب * السرسام (1514) إذا حدث بهم البواسير كان دليلا محمودا * فيهم (1515) .
[commentary]
أصحاب الوسواس السوداوي هم اللذين يعتريهم المالنخوليا، وهو تغير الظنون والفكر عن المجرى الطبيعي، وحدوثه يكون إما * لامتلاء (1516) البدن كله * من (1517) المرة السوداء وترقي بخاراتها إلى الدماغ. وإما * لامتلاء (1518) الدماغ وحده منها. وإما * لاجتماع (1519) خلط سوداوي في المعدة أو في المساريقا أو في الطحال فترتقي * منها (1520) البخارات السوداوية إلى الدماغ. وأصحاب السرسام وهم الذين يعتريهم ورم في الدماغ إما من الدم وإما من الصفراء وإما من البلغم وإما من السوداء. وقال بعض المتقدمين إن نفس الدماغ لا يتورم ولكن الورم في السرسام إنما يكون في سطح باطن الرأس لأن الورم * عبارة (1521) عن تمدد العضو وازدياده في الحجم والدماغ * لرخاوته (1522) PageVW0P147A وكثرة رطوبته لا يتمدد، وكذلك العضو اليابس مثل العظم، * فإنه (1523) لا يتورم * ليبوسته (1524) . قال أبقراط في موضع آخر السرسام قتال في جميع جنسه، ولكن يعني في هذا الفصل السرسام الحادث من السوداء، وعلامته الهذيان والتفزع والخوف وزوال العقل ويبس المناخر واللهوات، وتكون العين مفتوحة مبهوتة لتشنج أعصاب العين بسبب يبس المادة. يقول: إذا حدث PageVW1P103B بأصحاب المالنخوليا وأصحاب السرسام السوداوي البواسير كان دليلا محمودا لأن البواسير هي زيادة تنبت على أفواه عروق المقعدة من دم سوداوي غليظ. فإذا انفجر ورم البواسير وسال منها الدم السوداوي وتحلبت من أفواه عروق المقعدة كانت علامة جيدة فيهم * لاستفراغ (1525) مادة مرضهم وانحدارها من دماغهم إلى أسفل فينتفعون بذلك.
208
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (1526) : من عولج من بواسير مزمنة حتى يبرأ منها ثم لم يترك واحد منها فلا يؤمن عليه أن يحدث به استسقاء أو * سل (1527) .
[commentary]
يعني من كان به بواسير مزمنة يسيل منه على الدوام الدم السوداوي العكري واعتاد الطبيعة على توليدها في الكبد ودفعها إلى أسفل PageVW0P147B من عروق المقعدة، فلو اتفق علاجها وبرء منها العليل بالكلية فلا يؤمن عليه أن يحدث به الاستسقاء لأنه لما انسدت الطريقة * المعتادة (1528) في دفعها واجتمعت السوداء في الكبد وغمرت الحرارة الغريزية * وأطفأتها (1529) بكميتها وكيفيتها أحدثت في الكبد سوء مزاج بارد يعرض منه الاستسقاء اللحمي. ولهذا قيل ينبغي أن يجتنب المستسقي عن الفصد إلا الذي كان استسقاؤه بسبب * احتباس (1530) دم البواسير ودم الطمث. قال افطينوس كثرة الدم البارد تطفئ الحرارة الغريزية مثل كثرة الدهن الذي يطفي السراج وكثرة الحطب الرطب الذي يطفئ النار. وإن قويت الكبد ودفعتها من نفسها فجرت مع الدم إلى سائر الأعضاء وبلغ قسط منها إلى الرئة وامتلأت منها عروقها فربما انحرقت وانشقت بسبب غلظ الدم السوداوي ويبوستها ودقة عروق الرئة ورقتها PageVW1P104A أو انفتحت فم عرق منها لتخلخلها * وجوهرها (1531) السخيفة من حدة السوداء وحموضتها الغائصة الأكالة فيعرض نفث الدم ثم السل فلا جرم يجب أن يترك واحد من العروق الدامية المتحلبة عنها عكر دم حتى يستفرغ منه الدم السوداوي.
209
[aphorism]
* قال أبقراط (1532) : من حدث به من تقطير البول القولنج المعروف بأيلاوس وتفسيره PageVW0P148A * المستعاذ (1533) منه فإنه يموت في سبعة أيام إلا إن يحدث به حمى فيجري منه بول كثير.
[commentary]
القولنج مرض معوي مؤلم يتعسر معه خروج ما يخرج بالطبع وأيلاوس نوع منه، ولكن خصوصيه بالأمعاء الدقاق وأيلاوس معناه رب ارحم وهو شر أنواع القولنج، ومن أعراضه نتن جميع البدن، وقلما يتخلص منه العليل، يعني من كان به تقطير البول بسبب * البلاغم (1534) الزجاجية والرطوبات المجتمعة في نواحي الكلية والمثانة، ثم انصبت على سبيل الانتقال ودفع الطبيعة لها إلى جانب الأمعاء وازدادت هناك غلظا واختلطت بالأثفال، وأمسكتها عن الخروج حدث القولنج على سبيل الانتقال من علة إلى علة * أخرى (1535) . ويشتبه وجع القولنج بوجع الكلية وبالعكس أيضا لمقاربة بينهما في الموضع، وكثيرا ما ينتقل المرض إلى مرض آخر كما ينتقل القولنج إلى الفالج لأنه لو لم تقبل المادة النضج وحركتها الطبيعة للدفع فلا تندفع إلى منافذها الطبيعية لفجاجتها بل تنصب إلى شق من البدن ويحدث الفالج. وقد ينتقل أيضا إلى أوجاع المفاصل ووجع الظهر بحسب ضعف PageVW1P104B * العضو (1536) واستعداده * لقبول (1537) المادة. وقيل إنه كثيرا ما ينتقل إلى الاستسقاء بسبب سوء مزاج في الكبد، وقيل في القولنج أنه يتعدى من شخص إلى شخص ومن بلد إلى بلد، * فقد (1538) PageVW0P148B شوهد ذلك وأثبت في الكتب. وإنما حكم بأنه يموت في سبعة أيام لأنه من الأمراض الحادة التي لا تحتمل الطبيعة صعوبتها أكثر من هذا إلا أن تحدث به حمى في هذه الأيام ويذيب ويرق بحرارتها هذه المادة الغليظة ودفعتها الطبيعة إلى حيث أتت وخرجت بالإدرار خلص * العليل (1539) وبرأ منه.
210
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1540) : إذا حدث عن القولنج * المستعاذ (1541) منه قيء أو فواق واختلاط ذهن وتشنج فذلك دليل * رديء (1542) .
[commentary]
فلما تعذر دفع الفضلة إلى أسفل بسبب انسداد الطريق الطبيعي في ايلاوس ومكثت في الأمعاء أكثر من المعتاد وأصابتها العفونة والنتن فنهضت القوة الدافعة إلى نفض ما في الأمعاء من البراز من فوق كما تقذف الطبيعة الغذاء الفاسد من المعدة بالقيء مع عدم انسداد السبيل السفلاني سيما في هذا القولنج الذي ليس لها طريق الدفع إلا بالقيء من * فوق (1543) ، ولما قذفتها واندفعت المنقذفة المتعفنة حدث الفواق لإيذائها فم المعدة بالكيفية الكريهة وعرض من ترقي البخارات المستكرهة عند القيء إلى الدماغ اختلاط العقل وعرض التشنج الكائن بسبب * اللذع (1544) والأذى الحادث في فم المعدة فيرد على العصب أذى PageVW0P049A شديد ينقبض منه لأن العصب ينفر ويجتمع بسبب * الشيء (1545) المؤذي ليدفعه ومن هذا القبيل يتشنج من قاء خلطا زنجاريا نكأ * في (1546) فم المعدة نكاية مؤثرة في العصب الجائي إليه أو إلى الدماغ PageVW1P105A الذي هو منبت الأعصاب ومبادئها.
211
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1547) : من اعتراه وجع في الورك مزمن وكان وركه ينخلع فإن رجله كلها تضمر وتعوج إن لم * تكو (1548) .
[commentary]
وأول عظام الرجل الفخذ وهو أعظم عظم في البدن لأنه حامل لما فوقه، ناقل لما تحته وقبب طرفه العالي ليتهندم في حق الورك وهو محدب إلى الوحشي مقصع مقعر إلى الأنسي وخلف، * فإنه (1549) * لو وضع على الاستقامة وموازات الحق لمس أحد الفخذين بالآخر. فمهما (1550) اجتمع في حق الورك رطوبات مزلقة لا * زلقت (1551) عظم الفخذ عن حق * عظم (1552) الورك وانخلع مفصل الورك. وأقول إن في مفاصل الأعضاء الآلية كلها بلاغم ورطوبات تبل المفاصل والأعضاء الكثيرة الحركة لئلا يعرض لها الجفاف بسبب سخونة كثرة الحركات وبسبب * الاحتكاك (1553) . فمهما اجتمع في مفصل الورك البلاغم أكثر من المحتاج إليها وصارت قوامها * مختلفا (1554) في الحس وهو المخاطي حتى رطبت رباطات المفصل ترطيبا مسترخيا لها ووهن ضبطها المفصل PageVW0P149 * خرج (1555) زيادة عظم الفخذ من حفرة عظم الورك * المهندمة بسهولة، فلو لم يرجع إلى موضعه وعرج فربما تطلب الأفعال الطبيعية فيها لفساد مزاجها وتضمر، أي لو كان اعوجاجها وضمورها بسبب التواء رباطاتها وانطباق أجزاء العضو بعضها على البعض وانسداد منافذها التي يعبر فيها الغذاء إلى الرجل فلم يصل إليها بدل ما يتحلل وضمر وذبل إن لم يكو لأن الكي يحلل الرطوبات من المفصل ويجفف الرطوبات المبتلة بسخونتها ويشد استرخائها ويرجعها إلى مزاج صحي.
212
[aphorism]
قال أبقراط: من كان به وجع النسا وكان وركه ينخلع ثم يعود فإنه قد حدثت فيه رطوبة مخاطية.
[commentary]
اعلم أن عرق النسا عبارة عن وجع يبتدي من مفصل الورك وينزل من الجانب الوحشي على الفخذ وربما امتد إلى الركبة وإلى الكعب، وكلما طال مدته زاد نزوله وبحسب المادة على قلتها وكثرتها. وربما امتد إلى الأصابع وتهزل منه الرجل والفخذ ويحدث منه العرج، يعنى إذا طال زمان وجع النسا وآل أمره إلى انخلاع المفصل فاعلم أن سبب وجع النسا بلغمي لا دموي، واجتمعت في مفصل الورك رطوبات مخاطية تزلقه عن موضعه لعلة * ذكرناها (1556) في الفصل المقدم الذي يلي هذا الفصل PageVW0P150A فإن الرطوبات تسترخي رباطات المفصل وتوهنها فتخرج زيادة عظم الفخذ عن حفرة عظم * الورك (1557) المركبة فيها بسهولة ثم يعود إلى حفرته بحركة يسيرة.
213
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1558) : الخصيان لا يعرض لهم النقرس ولا الصلع.
[commentary]
قال جالينوس وجع المفاصل وعرق النسا والنقرس من جنس واحد ،ويسمى بأسماء مختلفة لاختلاف مواضعها. إن وجع المفاصل هو وجع بسبب ورم حادث في مفاصل الأعضاء * والورم (1559) الحادث في مفصل الكعب وفيما دونها من الأصابع سيما الابهام يسمى النقرس، وسببه ضعف المفاصل وقبولها المواد المنصبة إليها، وتلك المواد إما دموي أو صفراوي PageVW1P105B أو بلغم أو * سوداء (1560) مختلط بهما الصفراء المبدرقة لهما لتنفذهما في المسالك الضيقة. ولذلك قيل لا يحدث النقرس للصبيان والخصيان والنسوان لقلة الصفراء فيهم. قال الحكيم أبقراط في مقالاته لا تنقرس إمرأة إلا بعد انقطاع طمثها ولا ينقرس غلام حدث قبل الاحتلام، وقال الخصيان * لا (1561) يصيبهم النقرس ولا يصلعون. وأما فحوى كلامه في هذا الفصل * إن (1562) الخصيان دماؤهم عذبة غير مرارية PageVW0P150B وفضلاتهم غير حادة ومفاصل أقدامهم مأمونة من التضعيف في الحركات الجماعية، فلا يعرض لهم النقرس ولا الصلع، * لأن (1563) سبب تولد الشعر انعقاد البخار الدخاني في المسام ودوام اتصال المدد إليه، فيكون سبب الصلع قلة البخار الدخاني وانسداد مسام جلدة الرأس واستيلاء اليبس عليها والرطوبة غالبة على أبدان الخصيان لترفه أحوالهم وعدم حركاتهم العنيفة المضعفة للأقدام عند الجماع، وبسبب استحفاظ * المني (1564) الحار الرطب فيهم وقلة تحليل الرطوبات الغريزية منهم، فيكون * حرارتهم (1565) الغريزية وافية في تصعيد البخار الدخاني * الذي يغذو شعرهم، فلا يصلعون لما فهمت أن الشعر مادته هي البخار الدخاني الحار (1566) اليابس والفاعل له الحرارة الطبيعية. فاعلم كيفية * كونه (1567) وهي أن البخار الذي يخرج عن البدن إن صادف البدن رطبا مفرطا في رطوبته ثقب البدن * وخرج (1568) والتأم الثقب من ساعته مثل السمك الذي يخرق الماء وينفذ * فيه (1569) ويعود الماء إلى اتصاله وإن * صادفه (1570) مفرطا في اليبوسة ثقب أيضا الجلد ونفذ فيه وبقي الثقب بحاله لا يلتحم وصار منفذ البخارات الخارجة، ولو صادف البدن معتدلا بين الحالتين ثقب البخار الجلد وارتبك ولحج في المسام وعملت فيه الحرارة الغريزية PageVW1P106A وتوقده PageVW0P151A وتحرقه، ثم لا يزال * يلحقه (1571) بخار آخر يدفعه أولا فأولا إلى خارج * من (1572) غير أن ينقطع وينقلع أصله فيبقى بعضه مركوزا منزله أصل النبات وبعضه يطلع إلى الخارج من غير أن ينقلع أصله، ومنزلته منزلة قصب النبات وهو الشعر.
214
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1573) : المرأة لا يصيبها النقرس إلا إن ينقطع طمثها:
[commentary]
ولما كان مزاج النسوان * مائلا (1574) إلى * البرودة (1575) والرطوبة وفضلات * أبدانهن (1576) غير حادة * ودماؤهن (1577) عذبة غير مرارية ولا ينال مفاصل * أقدامهن (1578) تعب مضعف لها في الجماع فلا يعرض * لهن (1579) النقرس إلا إن ينقطع * طمثهن (1580) ولم تنق * أبدانهن (1581) به وحدث بسبب احتباس الدم الطمثي فيهن حرارة في * أكبادهن (1582) وغلبت المرارية والحدة في أخلاطهن فصرن قابلا لمرض النقرس.
215
[aphorism]
قال أبقراط رحمه الله: الغلام لا يصيبه ا لنقرس قبل أن يبتدي في المباضعة.
[commentary]
يعني لا يصيب النقرس الغلام قبل أن يبتدي في الجماع ووقت ابتداء جماعه عند انتهاء النمو وابتداء سن الوقوف لأنه ما دام في النمو ينصرف دمه PageVW0P151B إلى النشوء والنماء وإلى بدل ما يتحلل. ولا * يفضل (1583) في بدنه شيء من الدم حتى تصرفه الطبيعة إلى مادة الزرع، فلا يحتاج إلى الجماع، فيكون مزاج الغلام في تلك الحالة * مائلا (1584) إلى الرطوبة ورطوباتهم الأصلية التي * هي (1585) متشبثة لحرارتهم كثيرة وحرارتهم مغمورة منفشة فيها، ودماؤهم عذبة منكسرة السورة * وأخلاطهم (1586) فاترة غير مرارية، فلا يكون سببا لحدوث النقرس. فمهما وقف نشوؤهم ونماؤهم وتولى دمهم من النشوء وجمع في بدنهم وظهر حدة كيفية حرارتهم * الغريزية (1587) ومال PageVW1P106B مزاجهم إلى الحرارة واليبس وصار دمهم مراريا حادا حارا واجتمعت النطفة في أوعية منهم، واشتغلوا في أمر الجماع وإتعاب قدمهم وإضعاف مفاصلهم فصار منقرسا لأن الجماع أقوى أسباب النقرس.
216
[aphorism]
قال أبقراط * الحكيم (1588) : ما كان من الأورام من طريق النقرس وكان معه ورم حار، فإن ورمه يسكن في أربعين * يوما (1589) .
[commentary]
وإنما يوجع ورم النقرس لأن المفاصل سيما مفصل الإبهام ضيقة فلا * تسع (1590) المواد فيوجع لشدة تمديد المادة المفصل ولأن المفاصل * ذات (1591) أعصاب وأوتار تتألم لقوة حسها ولا تتحلل عنها المواد بسهولة لصلابة المفاصل ولما يحويها PageVW0P152A من * الرباطات (1592) . ومادة ورم النقرس ووجع المفاصل لا تجمع ولا تنضج كسائر الأورام لأنها في أعضاء غير لحمية واللحم لحرارته ورخاوته تنفذ في أجزائه مادة الورم وتنضجه الحرارة الطبيعية فتجمع مدة بخلاف الأعضاء العصبانية الصلبة العديمة الدم والحرارة. فإن مادة الورم يكسب منها ومن الأوتار * والرباطات (1593) التي على المفاصل برودة وغلظة، فيعسر تحليلها فيها. وأما بحسب السخونة التي جلبتها الوجع المسخن وبسبب حسن تدبير العليل يتحلل في أربعين يوما، ولو كانت لطيفة في أقل.
217
[aphorism]
قال أبقراط: علل النقرس تتحرك في الربيع والخريف على الأمر * الأكثر (1594) .
[commentary]
اعلم أن الهواء البارد الشتوي يجمد الأخلاط ويغلظ الفضلات ويمنعها من السيلان ويحبسها، * والهواء (1595) الحار يحلل الأخلاط ويخرجها من المسام بطريق البخار والعرق. فمتى صادف الخريف بدنا غير PageVW1P107A نقي من الأخلاط التي رققتها حرارة الصيف حبسها وحصرها في البدن ببرودته ومنعها من التحلل، وأمالها إلى تجاويف الأعضاء المعودة وإلى فضاء * المفاصل (1596) الضعيفة بالحصر والعصر وحرارة * الربيع الفضلات المتجمدة في الشتاء، وتسيل الأخلاط (1597) الغليظة، فتكثر PageVW0P152B إنصبابها إلى المواضع القابلة لها بحسب ضعفها واعتياد الطبيعة دفع الفضلات إليها، فلا جرم يتحرك مرض النقرس في الربيع والخريف على الأمر الأكثر.
218
[aphorism]
قال أبقراط * رحمه الله (1598) : الأورام التي تكون في المفاصل والأوجاع التي تكون من غير قرحة وأوجاع أصحاب النقرس وأصحاب الفسخ الحادث في المواضع العصبية وأكثر ما أشبه بهذه، فإنه إذا صب عليها * ماء (1599) بارد كثير سكنها وأضمرها وسكن الوجع بإحداثه الخدر والخدر اليسير أيضا مسكن * للوجع (1600) .
[commentary]
إذا كانت الأوجاع * والأورام من سوء مزاج حار ساذج إذا صب عليها ماء بارد كثير سكن الوجع (1601) بتبديله سوء المزاج، وإذا كانت من مادة حارة فصب الماء البارد عليها يعدل كيفيتها ويطفي حدتها ولذعها، * فيسكن (1602) الوجع، ولكونها في المفاصل والمواضع * العصبانية (1603) الحساسة للوجع فبرودة الماء تصلبها وتكثفها، فلا تقدر القوة الحساسة لتنفذ فيها تمام النفوذ، فلا تدرك الوجع بسبب تخديرها. وإنما يضمرها الماء البارد بالعرض لأنه يكثف الجلد ويسد المسام فتحتقن البخارات الحارة * وتعمل (1604) في * مادة (1605) الورم ويحللها فيضمر وينقص حجمها، أو الماء البارد PageVW0P153A الذي يصب عليها يمنع * الأبخرة (1606) ا لتي تمدد الورم وتنفخه ويضمر حجم الورم به. وأما الفسوخ الحادثة PageVW1P107B في المواضع العصبانية الحساسة للوجع إذا لم يكن معها قرحة ينفعها الماء البارد لأنها تحدث من مرة * حارة (1607) والبرودة تعدلها بالمضادة وتكسر سورة كيفيتها وتغلظها * وتبلدها (1608) ، إذ لو كانت معها قرحة غاصت كيفية البرودة فيها ويزيد وجعها بالغوص واللذع.
219
[aphorism]
* قال أبقراط: المرأة لا تكون ذات يمينين.
[commentary]
اعلم أن الحرارة الغريزية هي آلة للقوى وكلما كانت الحرارة الغريزية في البدن أوفر كانت أفعاله أقوى وأشد أما ترى في الأطفال * الذين (1609) حرارتهم فائرة مغمورة في الرطوبات، فحركاتهم تكون ضعيفة لا يقدرون على التخطي والمشي . والشبان * الذين (1610) حرارتهم الطبيعية كثيرة شديدة الكيفية تكون حركاتهم قوية. وقيل أن الحركة تنزل من الحرارة منزلة الكون من الوجود الكائن. وهكذا في أي عضو كانت الحرارة فيه أكثر، فهو أقوى أفعالا من الذي دونه في الحرارة. فلما كان جانب اليمين أحر من اليسار كانت أعضاء ذات اليمين أقوى أفعالا لأن الدم الذي هو مادة PageVW0P153B للحرارة الغريزية والأرواح والنطفة، ويسخن البدن والأحشاء ويعين القوى على أفعالها يتولد في الكبد المتحيزة في جانب اليمين. ولا شك أن الرجل أكثر حرارة وأقوى أفعالا وأحمل لمزاولة الحركات البدنية من المرأة، ولا يوجد الرجل الذي يكون أعسر يسرا إلا قليلا، ومن كان هو في غاية كثرة الحرارة الغريزية. فأما المرأة الناقصة الحرارة التي رياضتها أقل وعروقها مضغوطة باللحم والشحم والفضول البلغمية والفضاء الذي تتحرك فيه عروقها أضيق مما للرجل وأعضاؤها ضعيفة في الحركات والأفعال ولا تقدر أن تعمل باليد اليمنى مقدار ما يعمل الرجل باليسرى، كيف يمكن أن تكون ذات يمنيين، أي أعسر يسر.
220
[aphorism]
قال أبقراط رحمه * الله: (1611) إذا حملت المرأة وهي من * الهزال (1612) * على حال (1613) خارجة عن الطبيعة فإنها تسقط قبل أن تسمن.
[commentary]
يعني إذا حملت المرأة في حال الهزال المفرط * الخارج (1614) عن الطبيعة بحسب مرض * قد (1615) سبقته فإنها تسقط جنينها قبل حصول سمنها وعود سحنتها الطبيعية لأن الدم العادي * الذي (1616) يتولد في كبدها * تجذبه (1617) الأعضاء المحتاجة إليه وتصرفه الطبيعة إذا بدل ما * تحلل (1618) منها في المرض السابق فلا يفضل من الدم بعد تغذي PageVW0P154A البدن به شيء يكفي الجنين في تغذيته ولا يتولد الدم فيه بحيث يفي لمصرفين فيفقد الجنين الغذاء فيضعف أو يهلك ويسقط قبل أن تسمن الحامل لأن الطبيعة تصرف بعض الغذاء إلى بدل ما يتحلل منه كل يوم وترسل البعض إلى أقطار البدن ليملأ ما نقص منه في المرض فلا يبقي شيء ينفقه على الجنين.
221
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1619) : إذا كانت المرأة على حال خارجة من الطبيعة في السمن فلم تحبل، فإن الغشاء الباطن من غشائي البطن الذي يسمى الثرب يزحم فم الرحم منها و ليست تحبل دون أن تهزل.
[commentary]
أعلم أن الثرب مؤلف من طبقتين رقيقتين * صفيقتين (1620) غشائيتين مطبقة أحداهما على الأخرى. وفيما بين * الطبقتين (1621) شحم كثير، وهو طاق فوق * الأمعاء (1622) PageVW1P108A شكله شبيه بالكيس ومنشأه من فم المعدة ومنتهاه عند العانة وعنق الرحم، فإذا * أفرطت (1623) المرأة في السمن وكثر شحمها يقع الثرب على الرحم ويضغطه ويضيق فضاءه فلا تحبل. وإن حبلت أسقطت عند كبر الجنين * لضيق (1624) المكان أو لضيق فم الرحم وعنقه بثقله وغمره له، فلا تصل النطفة عند دفقها إلى فضاء * المحبل (1625) * ويضغط (1626) أيضا مجاري مني المرأة ودم الطمث عن الانصباب PageVW0P154B أو يكون * أحبال (1627) بطنها وعظم حوالي ثنتها فوق المقدار وضخامة فخذيها مانعة للاحليل حتى يصل إلى موضع يمكن أن يبلغ * المني (1628) منه إلى فضاء الرحم وإلى موضع الكون، فينبغي أن يشتغل في تهزيلها بكل ما يجفف البدن من الإسهال والإدرار * وغيرهما (1629) .
222
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1630) : متى كان رحم المرأة باردا متكاثفا لم تحبل، ومتى كان أيضا رطبا جدا فلا تحبل لأن رطوبته تغمر المني وتخمده وتطفيه. ومتى كان أيضا أجف مما ينبغي أو كان حارا محرقا لم تحبل لأن المني يعدم * الغذاء (1631) فيفسد. ومتى كان مزاج الرحم معتدلا بين الحالين كانت المرأة كثير الولد.
[commentary]
اعلم أن * آلات التناسل (1632) في الذكور والإناث متساويتان في خلقتها حتى لو توهمت أن آلات * التناسل (1633) داخل في الصفاق ثم إنها بعد * الولادة (1634) * تبرز (1635) إلى الخارج بحسب ما يبرز الأسنان وكما تنفتح العين بعد تغميضها في الجرى * كان المولود ذكرا، وإن بقيت داخلة في الصفاق وكمل هناك (1636) كان المولود أنثى، وأيضا لو توهمت بعد وجود هذه الآلات على الكمال أن * أعضاء (1637) الأنثى برزت خارجة وأعضاء الذكور صارت معكوسة إلى داخل وجدت أحداهما تشبه هي بعينها PageVW0P155A الأخرى، فافرض آلات الذكور كمنت داخله فإنك تجد وضعها PageVW1P108B داخل الصفاق فيما بين المعاء المستقيم والمثانة، ووجدت الصفن وهو الكيس الناشئ من الصفاق المحيط بالبيضتين في موضع الرحم والبيضتين موضوعتين عن جنبتيه من خارج، ووجدت الإحليل في موضع عنق الرحم والقلفة مكان القبل. وإن فرضت أن آلات الإناث انقلبت بطنا لظهر ووجدتها وقد برزت من الغشاء المسمى فاراطنين ووجدت الرحم بدل كيس الخصيتين داخلتين منه وعنق الرحم * الموضوع (1638) داخل العجان مكان الإحليل، وفي الجملة * ليس (1639) تجد شيئا من آلات التناسل في الرجال إلا وتجد في النساء مثله، وليس بينهما خلاف فيما سوى في * الموضع (1640) ، وإن المني متولد من الدم والدم متولد من الغذاء والغذاء إما حيوان وإما نبات، والحيوان حال بدنه كحال * بدن (1641) الإنسان، فإذن كلها من النبات، * فظاهر (1642) أن النبات مركب من الأركان الأربعة لأنه ينبت من الأرض والماء والأرض والماء إذا اختلطا وتركبا فلا بد من حرارة ناضجة طابخة لذلك المركب لأنه إذا ألقينا البدن في تراب وماء بحيث لا يصل إليه الهواء وحرارة الشمس يفسد ولا ينبت * كذلك (1643) PageVW0P155B يفسد ولا ينبت البدن المركب بل المني لو كان أحد الأركان جاوز الأخرى أو غلبها في * الكمية أو الكيفية (1644) ، ولم تكن كلها في حد التعادل فلا جرم ينبغي أن يكون الرحم الذي هو منبت نطفه الزرعية معتدلا ليحفظ اعتدالها الذي حصل لها من الدم المتولد من النبات المتولد * من (1645) الأركان المتوازنة المتعادلة ليكون سببا للكون لا للفساد * الكائن (1646) PageVW1P109A من غلبة برد مكثف يضم أفواه العروق التي يصير فيها المني ودم الطمث إلى الرحم. وإذا صادف المني برده وخمده بل البرودة ترقق المني وتفسد قوامه لانهزام الأرواح والحرارة الغريزية التي * تحصل (1647) له بسببها الخثورة والغلظ أو من حرارة تحرق المني وتستحيله إلى مزاج رديء غير قابل للكون. وأما من يبوسة تجفف المني وتذهب برطوبته الأصلية التي بها يقبل التمديد في تصوير الجنين واتصال أجزاء العضو بعضها بالبعض ومن استيلاء رطوبة تضعف القوة الماسكة * وتزلق (1648) المني من الرحم أو تغمرها وتطفئ الحرارة الغريزية فيها أو استرخت نقر الرحم منها حتى يزلق * المني (1649) .
223
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1650) : إذا كان طمث المرأة متغير اللون ولم يكن مجيئه في وقته PageVW0P156A دائما دل ذلك على أن بدنها يحتاج إلى تنقية.
[commentary]
يعني إذا كان طمث المرأة متغير اللون لا يأتي على حال واحدة ولا وقت واحد فتلك علامة أنها تحتاج إلى تنقية لأن الأخلاط الرديئة امتزجت بدمها وغيرته بحسب اللون والقوام. فإن كان دمها مراريا رقيقا حادا تقدم إدرار طمثها وإن كان سوداويا غليظا تأخر تحلبها. وقد يكون سبب تقدم الطمث عن الوقت PageVW1P109B * المعتاد (1651) مائية الدم وسبب تأخره خلط غليظ بلغماني * يختلطه (1652) ويمنعه من السيلان في الوقت المعهود. فينبغي أن يستفرغ الخلط * المغير (1653) المانع عن انحداره في أوانه. وعلامة كل واحد منها أن تحمل المرأة بالليل قطنة ثم تنظر إليها بعد جفافها فيظهر عليها لون الخلط الغالب، وربما بقي عليها ذلك اللون بعد غسلها بالماء فيستفرغ ذلك الخلط الغالب.
224
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1654) : إذا لم يخرج طمث المرأة في أوقاتها ولم تحدث بها قشعريرة ولا حمى لكن عرض لها كرب وغثي وخبث نفس فاعلم أنها قد علقت.
[commentary]
متى احتبس طمث المرأة بسبب غلظ الدم أو كثرة ما يخالطه من الأخلاط الغليظة. PageVW0P155B وإما لانسداد أفواه العروق من حر مجفف أو برد مقبض أو من ورم في الرحم فيعرضها اقشعرار وحمى بسبب اجتماع الفضلات الرديئة والأخلاط والمؤذية التي تدفعها الطبيعة بإدرار الطمث، وقد يكون حدوث الاقشعرار بسبب البخارات الحادة أو الحادة التي * تنتشر (1655) في البدن من الأخلاط المحتبسة، فيقشعر الإنسان وينتفض عند حركتها ولذعها ومرورها على العضلات والأعضاء والعصبانية كما يقشعر الانسان عند صب الماء الحار عليه. ويعرض الحمى لو عفنت من هذه الأخلاط في بعض نواحي البدن أو * هو ورم (1656) كان سببا للاحتباس. فأما لو لم تكن الحمى والاقشعرار ولكن عرض للمرأة الغثيان والكرب وخبث النفس فاعلم أنها قد علقت لأنه لما احتبس دم الطمث ولم يكن الجنين بحيث يجذب كله للتغذي ولا تصرف الطبيعة الطمث إلى تغذية الجنين لعدم احتياجه PageVW1P110A إليه بل يشتغل في الشهر الأول في تخطيط * أعضائه (1657) وتشكيلاته * وتكميل (1658) صورته فتجتمع الفضلات الرديئة في معدة الحاملة فيعرض لها الغثيان والكرب من ترقي بخاراتها الكريهة إلى القلب. وخبث النفس من تصاعد كيفياتها المشوشة للدماغ فمهما PageVW0P156A كبر الجنين وقدر على اجتذاب الطمث وارسلته الطبيعة إلى المشيمة لم تبق هذه * الأعراض. (1659)
225
[aphorism]
قال أبقراط: إن فم الرحم من المرأة الحامل يكون منضما.
[commentary]
وقيل أن الرحم * حيوان (1660) مشتاق إلى المني فمهما وقع فيه جوهر نطفة المني ينضم فمه انضمام فم الصدف على الدرة واشتمل عليه من جميع الجوانب اشتمال المعدة على الطعام اللذيذ من جميع الجهات. فإن لم يكن الرحم مبدأ الجنين * لكنه (1661) مكان تولده وفيه تربي القوى الطبيعية المني وتصوره بإذن خالقه فمهما صادف المني اشتمل عليه وانضم فمه انضماما تاما خصوصا الجانب الذي وقعت فيه النطفة ويدخل الاحليل في المباضعة حال الاشتمال والانضمام * في (1662) عنق الرحم. ولو فتح الانضمام بحيث أفسد * اشتماله (1663) أسقط الجنين.
226
[aphorism]
* قال أبقراط (1664) : إذا كان فم الرحم صلبا فيجب ضرورة أن يكون منضما.
[commentary]
لو احتبس طمث المرأة عند انضمام فم الرحم وأدخلت القابلة أصبعها ولمست فم الرحم فوجدته مع انضمامه صلبا، فلا يلزم أن يكون اشتمال الرحم على الزرع PageVW0P156B وانضمامه بسبب الاشتمال على * الجنين (1665) PageVW1P110B بل يحتمل أن يكون انضمامه بسبب صلابة من ورم حار مجفف أو ورم صلب أو برد مكثف يجمع أجزاء فم الرحم، فينضم بسبب الصلابة. فأما إن كان انضمامه مع عدم الصلابة يكون انضمامه بسبب اشتماله على النطفة. فمتى كان انضماما من غير صلابة * فإنه ووجود الاشتمال على الزرع يتلازمان طردا وعكسا بخلاف ما لو كان مع الصلابة (1666) فإنه يحتمل أن يكون مع الحبل وأن لا يكون معه.
227
[aphorism]
قال أبقراط الحكيم: إذا كانت المرأة لا تحبل فاردت أن تعلم هل تحبل أم لا، * فغطها (1667) بثياب ثم بخر تحتها، فإن رأيت أن رائحة البخور ينفذ * في (1668) بدنها حتى تصل إلى منخريها وفمها، فاعلم أنه ليس سبب تعذر * الحمل (1669) من قبلها.
[commentary]
اعلم أن برودة الرحم مانع من الانتاج كما تمنع برودة الشتاء عن الإنبات. ولو كان رطبا برطوبات فضلية فإنها تغمر المني وتفسده كما تفسد * البذر (1670) الأرض النزة الرطبة. ولو كان حارا يحرق المني ويفسده، وإن كان يابسا أجف مما ينبغي تكون المرأة عقيما لأن الرحم ينشف رطوبة النطفة * ويفسدها (1671) . ولو كان في هذه كلها معتدلا كان قابلا للحبل ولم يكن سبب تعذر الحمل من قبل المرأة. يعلمنا دستورا PageVW0P158A أن نعرف أن العقم من جهة المرأة أو من قبل الرجل * فاعلم (1672) أن الاراييح تنقسم إلى جنسين: جنس يشاكل الروح الذي في بطون الدماغ، * وهي الروائح الطبيعية، وجنس مخالف للروح الذي في بطون الدماغ (1673) وهي الروائح الكريهة المنتنة. ويقولون إن الشمومات * الطيبة (1674) ، والروائح * العبقة (1675) تغذو القوى، وليست القوى أجساما نامية فتغتذي، لكن يريدون أنها تقويها لأن البخار الحار الرطب الرائحة يزيد في الحرارة الغريزية التي هي آلة للقوى في إفعالها وتغذي الروح الذي هو PageVW1P111A مركب لها. فبالحري إذا * قوي (1676) أن تقوى القوى على أفعالها. ويدل على صدق قولهم انتعاش الخائر القوة والمغشي عليه بالرائحة الطيبة ولما كانت الرائحة تحتاج في وجودها إلى شيئين: أحدهما يقوم مقام الفاعل وهو الحرارة المسعطة للبخار، * والآخر (1677) يقوم * مقام (1678) المنفعل، وهو الجوهر اللطيف الذي يجيء إلى التبخير. فمتى تبخر الرحم بالقمع على الأدوية والأفاويه الحارة اللطيفة الرائحة واشتملت المرأة وغطت بالثياب حتى لم يجد البخار منفذ إلى خارج أنبوب القمع وترتقي الابخرة من الداخل وتصل إلى منخريها وأحست بالبخار الصاعد من أنبوبة القمع إلى الرحم بحاسة الشم فلم تكن تقدر الحمل من قبلها. ودل PageVW0P157B على اعتدال رحمها لأنه لو كان رحمها * باردا (1679) استحال البخار الحار اللطيف إلى البرودة وغلظ القوام، فلا يقدر على الصعود ويمنعه الغلظ عن النفوذ في مسالك المشام. وإن كان * حارا (1680) صار البخار اللطيف فيه محترقا متلاشيا على سبيل التحليل، وإن كان رطبا صار البخار فيه مائيا ثقيلا كثيفا، ويحتاج البخار أن يكون في قوامه معتدلا حتى يلج مداخل المشام. وإن كان يابسا انتشف فيه رطوبات البخار واستحال دخانيا عديم الرائحة فلا ترتفع رائحة البخور ولا تدرك. أو لتلزز منافذ الرحم وتصلبها الحاصلة من اليبس لم يتأت للبخار الصعود إلى المسام أو المنخرين فمهما ارتقت الابخرة واحست بطيبها، علم أن رحمها معتدل نقي وكان سبب العقم من الرجل لا من المرأة لأنه قد يكون مني الرجل حارا * محترقا (1681) أو باردا متجمدا PageVW1P111B أو رطبا * سيالا (1682) لا يمكث في نقر الرحم بل ينزلق وينحدر، أو يابسا جافا * لا ينبسط (1683) في الرحم كما ينبغي.
228
[aphorism]
* قال أبقراط (1684) : إذا أردت أن تعلم هل المرأة * حامل (1685) أم لا، فاسقها ماء العسل إذا أرادت النوم، فإن أصابها مغص في بطنها فهي حامل، وإن لم يصبها مغص فليست بحامل. PageVW0P159A
[commentary]
إن ماء العسل تولد الريح والنفخ في الأمعاء بسبب حرارة مزاجه الذي يظهر بالفعل فيها ويتشبث بالرطوبات المائية المشوبة به، فتحس الحبلى بالمغص لأنه لما اشتمل الرحم على المني وانضم إليه جذب الأعضاء المحاذية القريبة منه إلى نفسه سيما رباطات عضلات المراق، فتنجذب عضلات * المراق (1686) إلى الرحم، فلما سقيت ماء العسل وتولد في معائها الريح ضغطها * عضلات (1687) المراق من قدام ويزاحمها الرحم من خلف فيعسر خروج الريح منها ويحدث المغص. وينبغي أن يكون هذا التدبير بعد أكل * طعام (1688) معتاد على مقدار معهود وعند النوم لأنه وقت السكون وغوص الحرارة الغريزية إلى الداخل. وإنما استدل من المغص * الحادث (1689) من الرياح المتولدة من ماء العسل على الحبل لأن الأغذية النافحة لرداءة كيفيتها * أو كثرة كميتها (1690) تحدث المغص في الحبلى وغيرها لأنها عاصية ثقيلة على القوة الهاضمة. فأما بخارات ماء العسل خفيف لطيف يتحلل في غير الحبلى ويعين الأمعاء على انفشاشها حرارة مزاج العسل فيها، * فمتى (1691) لم يتحلل وحدث المغص دل على تغير وضع الأمعاء والأحشاء بسبب انضمام * الرحم (1692) وانجذابها إليه، فيعسر خروجها، ويحدث المغص. وإنما اختار هذا الامتحان PageVW0P159B في هذا الوقت لأن الحرارة الغريزية * في وقت النوم تميل إلى الداخل فهضم الطعام وتحلل الرياح فمهما (1693) * لم (1694) يتحلل ولم PageVW1P112A يخرج في هذا الوقت علم أن المانع من اشتمال الرحم ومزاحمته الأمعاء من انضمام بعضها وانضغاط البعض.
229
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1695) : إذا كانت المرأة حاملا واعتراها بعض الأمراض الحادة فذلك من علامات الموت.
[commentary]
المرض الحاد هو الذي له مع سرعة انقضائه عظم، فإن كان المرض الحاد مع حمى عرض الخطر للحبلى من وجهين: أحدهما اشتداد احتياجها إلى استنشاق الهواء بسبب مشاركة الولد في النسيم المستنشق، فكأنها تستنشق لحاجبين ولنفسين، ولأن الجنين يأخذ الهواء والحياة من الحامل بشرايين تنشا من شرايين الرحم، ثم تجتمع كلها في شريان واحد ينفذ في سرة الجنين * صائرا إلى الأبهر (1696) الناشئ من القلب المتكئ على فقار الصلب الحامل للأرواح إليه، فصارت محتاجة إلى المستنشق لنفسه وللولد، ولذلك يكون نبضها أعظم وأسرع وأشد تواترا في * الحالة (1697) التي تكون محموما لكونها أشد احتياجا إلى الترويح، فلا يفي النسيم لترويح قلبها، فكيف تروح الجنين؟ وربما اختنق الجنين من سخونة البخارات الدخانية ومات PageVW0P160A وعظم الخطب عند الإسقاط. والآخر أن المحموم تضعف معدته وتسقط شهوته والحاملة تحتاج من الغذاء إلى بدل ما يتحلل منها ومن الجنين وإلى نشوء الجنين والغذاء القليل في حاله الحمى لا يفي * بهذه (1698) الحاجات، وربما انقطع عنه الحمى ومات. وأما إن كان من غير حمى كالسكتة والكزاز والصرع والتمدد في الرقبة فإن اختنق عند وقوعه فيها وبعسر نفسها، فلا يؤمن PageVW1P112B أن يهلك الجنين من صعوبة هذه الأمراض.
230
[aphorism]
* قال أبقراط (1699) : إذا حدث للمرأة الحبلى الورم الذي يدعى الحمرة في رحمها فذلك من علامات الموت.
[commentary]
الحمرة هي الورم الصفراوي الملتهب، ويكون مع شدة * الحرقة (1700) والالتهاب، فهذه العلة في الرحم من الأمراض الحادة التي تهلك الحاملة والخالصة منه وهي الصفراوي المحض تدق وتسعى فربما سرت عاديتها واشتعالها والتهابها إلى الجنين، وهلك الجنين من السخونة وهلكت الحاملة حالة إسقاطها من الرحم * المأوفة (1701) الضعيفة عند * خروجه (1702) من الرحم المتورم المعلول.
231
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1703) : المرأة الحامل إذا ألح عليها استطلاق البطن لم يؤمن عليها أن تسقط. PageVW0P160B
[commentary]
إنما تسقط إذا طال استطلاق البطن لأنه لا يلبث الطعام في المعدة والأمعاء * ريثما (1704) تنجذب العصارة إلى الكبد لكي يصير غذاء للبدن والجنين أو * لا (1705) يفضل من العصارة النزرة ليصرفها إلى الجنين، فيفقد غذاءه وضعف وسقط أو يسقط لشدة استطلاق البطن وقوة عصر عضلات المراق الأحشاء إلى أسفل وكثرة اهتمام قوة الدافعة لما في الجوف من الفضلات وضعف قوة الماسكة.
232
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1706) : إذا حدث بالحامل زحير كان سببا لأن تسقط.
[commentary]
الزحير هو حركة من المعاء المستقيم يدعو إلى البراز اضطرارا ولا يخرج منه إلا شيء يسير من رطوبة مخاطية يخالطها دم ناصع، وسببه إما رطوبة مالحة لذاعة تسيل إلى المعاء المستقيم فتلذعه ويدعو الانسان إلى البراز وإما مرة صفراوية حادة تفعل مثل ذلك وإما ورم حار يعرض للمعاء المستقيم فيخيل للعليل أن في PageVW1P113B أمعائه ثفلا محتبسا فيدعوه ذلك إلى البراز، يعني متى عرض بالحامل بسبب التزحر القيام المتواتر وتحرك المعاء المستقيم إلى أسفل ليدفع عن نفسه الأذى يحرك معه الرحم بالمجاورة حركة مؤذية PageVW0P161A للجنين حتى انفعل وسقط أو من شدة التزحر وقوة العليل إلى أسفل وعصر عضلات البطن الأحشاء أسقطت الحبلى جنينها.
233
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1707) : المرأة الحامل إذا فصدت اسقطت، وخاصة إذا كان طفلها قد عظم.
[commentary]
يعني لو فصدت الحاملة أسقطت سيما من عظم جنينها لأن الجنين يغتذي من دمها فمتى كان دمها على قدر الكفاية وانتقص عند الفصد فلم يجد الجنين الغذاء ضعف وسقط، خاصة لو كان الجنين عظيما وأكثر احتياجا إلى الغذاء. فأما لو كانت الحاملة * لحمانية (1708) كثيرة الدم وفصدت بحيث * لم تتنقص من الدم رزء الجنين (1709) ولم تنتقص من الدم حصته الغاذية له لم تسقط.
234
[aphorism]
* قال أبقراط (1710) : * متى (1711) كانت المرأة حاملا وبدنها معتدلا وتسقط في الشهر الثانث والثالث من غير سبب بين فنقر الرحم منها مملوؤة مخاطا ولا يتقدر على ضبط الطفل لثقله لكنه ينهتك منها.
[commentary]
واعلم أن سبب الإسقاط انفعال الجنين وضعف يفسد قواه بحيث لا يرجى صلاحه ويفسد جوهره فيدفعه الرحم دفع المعدة الغذاء الفاسد فيها. فأما PageVW0P161B لو لم يعرض * للحاملة (1712) سبب مضعف للجنين من قلة الغذاء والخوف والفزع والصرع واستطلاق البطن والفصد وغير ذلك من الأسباب المهلكة له مثل فقدان الغذاء والمرض الحاد أو السقطة والضربة المؤلمة وأسقطت بلا سبب وكانت * معتدلة (1713) اللحم بين السمن المفرط PageVW1P113B والهزال المفرط علم أن في نقرات رحمها رطوبات مخاطية مزلقة. فمتى كبر الجنين وكمل في الشهر الثاني والثالث وحصل له الرزانة والثقل انزلق وخرج أو ابتلت فوهات عروق الرحم * واسترخت وضعفت ماسكة الرحم (1714) ، وانملص الجنين منه بسهولة وسقط.
235
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1715) : إذا عرضت الحمى لإمرأة حامل وسخنت سخونة قوية من غير سبب ظاهر فإن ولادتها تكون بعسر وخطر أو تسقط فتكون على خطر.
[commentary]
إذا احتبس طمث المرأة عند الحمل واجتمع فيها الفضلات الرديئة التي تستفرغ منها في كل شهر وتعفنت وأحدثت الحمى الشديدة من غير سبب ظاهر من ورم أو دبيلة أو خراج فإن تعدت حرارة الحمى إلى الجنين وانفعل من اشتعال حرارة الحمى فتسقط * وتكون (1716) على خطر لصعوبة الطلق في حالة الحمى * المضعفة (1717) . ولو PageVW0P162A * انقطعت (1718) عنها الحمى بالتدابير الموافقة وبقيت المواد المحرقة الفاسدة فيها لعدم إمكان تنقية بدنها بالفصد والاستفراغ * بالمسهل (1719) فبقي الحامل والمحمول ضعيفا واغتذى الجنين بالدم الرديء الغير النقي. * فتعسر (1720) الولادة في وقته لأن سهولة الولاد تحتاج إلى قوة الحامل لتدفع الجنين من الرحم وإلى قوة الجنين ليتحرك إلى الخروج طلبا للغذاء والهواء الذي يصلح له ويكفيه عند عظمه الذي يحتاج فيه بما لا يحتاج من قبل في حالة صغره.
236
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1721) : إذا كانت المرأة حبلى بذكر كان لونها حسنا وإن كانت حبلى بأنثى كان لونها حائلا.
[commentary]
ولا شك أن النطفة التي يتكون منها الذكور تكون أحر من النطفة التي PageVW1P114A تتكون منها الإناث، فيكون الدم الغاذي لهم بعد الكون ملائما موافقا بحسب مزاجهم، فالقوة الإلهية المدبرة في البدن تحيل الدم في الحامل بالذكور إلى مزاج صالح لاغتذائه في الحرارة والقوام وتنقيه من الفضلات الغير الملائمة مع أن الزيادة في الحرارة الطبيعية سبب لتنضج الأخلاط وتنقية البدن منها، فيكون الدم * الذي (1722) يغتذيه الذكور أسخن وأنقى من الدم الذي تغتذي * منه (1723) الإناث لاهتمام الطبيعة في شأنه PageVW0P162B ولا شك أن الدم هو الذي يعطي البدن قوة والبشرة رونقا ونضارة، فتكون الحامل * بالذكر (1724) بحسب اغتذائه من هذا الدم النقي أحسن حالا ولونا وبشرة * ولونها (1725) أحسن من الحامل بالإناث * المغتذية (1726) من الدم البارد بالنسبة إلى الأول، فيكون لون الحامل بالإناث حائلا متغيرا ويحتمل أن تهيج القوة المدبرة للحامل بالذكر على اشتهاء الأغذية الجيدة الكيموس، فيكون سببا لحسن لونها وجمالها.
237
[aphorism]
قال أبقراط: ما كان من * الأطفال ذكرا (1727) فأحرى أن يكون تولده في الجانب الأيمن، وما كان أنثى ففي الأيسر.
[commentary]
إن الجنين يتكون من مني الذكر كما يتكون الجبن عن الأنفحة ويتكون من مني الأنثى كما يتكون الجبن عن اللبن كما عرفته. ونقول في سبب الذكورة والأنوثة أن في مني الذكر * مبدءا (1728) * تصويريا (1729) وفي مني الأنثى * مبدءا (1730) * تصوريا (1731) فإن القوة المصورة التي في مني الذكر تزرع في التصوير شبه ما انفصل عنه، والقوة المتصورة التي في مني الأنثى تزرع في قبول PageVW1P114B الصورة إلى أن تقبلها شبيها بما انفصلت عنه. فحيث ما كانت الغلبة لقوة أحد المنيين * كان (1732) الولد شبيها بما انفصلت عنه مادة الزرع. وزعم قوم أن سبب الإذكار هو مني الرجل * وحرارته (1733) وغزارته ودرور المني من اليمين، فإنه أسخن وأثخن قواما PageVW0P163A ويأخذ من الكلية اليمنى لأنه أقرب * إلى (1734) الكبد، * وكذلك (1735) إذا وقع المني في يمنى الرحم. وزعم بعضهم أن جري مني الرجل من يمينه إلى يمين الرحم أذكر * ومن (1736) اليسار إلى اليسار آنث. وقيل أن الذكور والإناث متساويان في هذه * الالآت (1737) * حتى لو توهمت أن أعضاء التناسل وحدها أرسام فقط في داخل الصفاق، ثم إنها في وقت الولاد تبرز من الصفاق إلى الخارج حسب ما يبرز للجنين من الرحم، فكان المولود ذكرا، أو إن بقيت داخل الصفاق وكملت هناك كان المولود أنثى إلا أنها في الإناث لأنها تقع داخله أعظم مما في الذكور بكثير والبيضتان في الذكور أعظم منهما في الإناث بكثير. فإن آلة الطبيعة في أفعالها هي الحرارة الغريزية، فحيث ما يكون الحار أكثر وأقوى كان فعل الطبيعة أتم وأكمل، وحيثما يكون الحار أقل كان فعل الطبيعة أنقص وأبعد عن الكمال. وتوفر الحار الغريزي يجعل الأعضاء تامة الخلقة بارزة ظاهرة كما يفعلها الضعيفة من الحرارة ناقصة كامنة ومعلوم أن الأيمن من البدن كله أسخن من الأيسر لا في أعضاء التناسل فقط لأنه جانب الكبد الذي هو معدل الدم ولتوفر الحرارة في الجانب الأيمن كانت أفعال أعضاء الأيمن في مزاولة الحركات PageVW0P163B وحمل الأثقال أقوى وأشد (1738) . يعني الحكيم أبقراط الذكور أحر وأيبس مزاجا بالنسبة إلى الإناث، والجانب الأيمن من الرحم أحر وأسخن من أيسره لقربه من الكبد، فيكون تولد الذكور في الجانب * الأيمن (1739) من الرحم أحرى وأجدر، وتولد الإناث البارد الرطب بالنسبة إلى الذكور في الجانب الأيسر منه أولى. وقيل لو سبقت * البيضة (1740) اليمنى في العظم والانتفاح على اليسرى * وقت نبات الشعر في العانة كان صاحبها مذكار، أو إن سبقت اليسرى (1741) كان مئناثا على قياس توفر الحرارة في اليمين.
238
[aphorism]
* قال أبقراط (1742) :إذا جرى اللبن من ثدي الحبلى دل ذلك على ضعف من طفلها، ومتى كان الثديان مكتنزين دل على أن الطفل أصح.
[commentary]
إن * للثديين (1743) * اشتراكا (1744) بالرحم في الأوردة * الوارد (1745) منها الدم إلى الرحم، فمتى احتبس دم الطمث في الحامل ليحظى به الجنين فما يصير منه إلى الثديين يستحيل فيهما إلى اللبن فمهما جرى اللبن من ثدي الحبلى في وقت يغتذي فيه الجنين دل على ضعف الطفل وقلة تغذيه بالدم إلا إن تكون الحاملة كثيرة الدم جدا حتى يفضل من تغذي الجنين ويزيد من عروق الثديين غرازة فتجري PageVW1P115A منهما. PageVW0P164A فأما إن كان الثديان مكتنزين ولم يخرج منهما اللبن دل على صحة الجنين وأخذ رزئه من الدم والتغذي منه بقدر احتياجه وكسب قوته.
239
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1746) : إذا كان حال المرأة يؤول * إلى (1747) أن تسقط فإن ثدييها يضمران، وإن كان الأمر على خلاف ذلك، أعني إن كان ثدييها صلبين، فإنه يصيبها وجع في الثديين أو في الوركين أو في العينين أو في الركبتين * ولا (1748) تسقط.
[commentary]
متى عرض للمرأة الحاملة مرض حاد بحيث سرت نكاية المرض إلى الجنين ونالته آفة من مرض أمه حتى ضعف وتهيأ للسقوط. * فكان (1749) ضمور ثدي الحاملة في ذلك المرض علامة * على (1750) أن حالها يؤول إلى أن تسقط لأنه متى يفسد جوهر الجنين تتوجه الطبيعة إلى تفتيح فوهات عروق الرحم وإخراج الجنين الفاسد منه واستصحبت الدم وأرسلته إلى ناحية الرحم فيضمر الثديان لفصدان الدم فيها. ولو حدث بها إسهال طويل أو نزف دم كثير يقل الدم في العروق المشتركة بين الرحم والثديين فيضمر الثدي ويدل على الإسقاط لفقدان الجنين الغذاء وانفعاله وضعفه. فأما إن كانت الحاملة غزيرة الدم PageVW0P164B وبلغ اكتناز ثدييها إلى حد الصلابة فإنه يصيبها وجع في الثديين من شدة التمدد، وإن ارتقت منهما الأبخرة الحارة أو الدم اللطيف الحار إلى العينين حدث وجع العين، وإن انصب منهما الدم إلى مفصل الوركين أو الركبتين حدث فيهما الوجع ولم تسقط لسلامة الجنين.
240
[aphorism]
* قال أبقراط (1751) : إذا كانت المرأة حاملا فضمر ثدياها بغتة أسقطت.
[commentary]
لو أصاب PageVW1P115B الحامل خوف شديد أو صيحة قوية أو حزن مفرط وضمر ثدياها بغتة كان دليلا على إسقاطها لأنه يدل على انفعال الحامل انفعالا مؤذيا إلى الجنين مؤذيا له أذى شديدا فأرسل الطبيعة الدم إلى ناحية الرحم وتوجهت إليه طمعا لإصلاحه حال للجنين وتلافي ألمه فصادفت الطبيعة الجنين * ساقط القوة ضعيفا مسترخيا فاهتم إلى الطلق وإخراج الجنين (1752) الغير المرجو فدفعت الدم دفعة إلى الرحم ليكون مبذرقا للجنين والمشيمة منقيا للرحم من الردائة فينصرف الدم من الثديين ويقل فيهما فضمرا وانتقصا من اكتنازهما لأن عروق الرحم متصلة PageVW0P165A بعروقهما في موضع المراق والطبيعة تدخر قسطا من الدم وقت الحبل بعد الشهر الثالث في عروق الثديين مادة للبن ليكون للجنين غذاء معدا بعد الخروج. وضمور الثديين علامة على خلاء عروق الثديين وإسقاطه.
241
[aphorism]
* قال أبقراط (1753) : إذا كانت المرأة حاملا فضمر أحد ثديها وكان حملها تواما فإنها تسقط أحد طفليها، فإن كان الضامر هو الثدي الأيمن أسقطت الذكر، وإن كان الأيسر أسقطت الأنثى.
[commentary]
اعلم أن جميع نوع الناس يتقسم إلى صنفين: أحدهما الذي يكون أقوى حارا غريزيا * وأوفر (1754) قوة فيظهر فيه الإحليل إلى الخارج ليكون مستعدا للمباضعة والجماع وقذف المني دفعا إلى الرحم ويكون خصاهم * عظيمة (1755) خارجة حارة صالحة لأن تولد المني الكثير الغليظ الحار في غاية النضج لكي يفي بأن يكون مبدأ * توليد (1756) الانسان وإبقاء نوعه، والآخر الذي يكون ناقص الحرارة الغريزية لينفع بذلك من وجهين: أحدهما ليكون آلة تناسله في الداخل من البطن فتصير صالحة لقبول PageVW1P116A المني وإمساكه وحفظه في * حصن (1757) خفي PageVW0P165B وتغذيته ونشؤه حتى يصير انسانا. وقيل جري مني الرجل من يمينه إلى يمين الرحم أذكر ومن اليسار إلى يساره آنث، وإن جرى من اليمين إلى يسار الرحم كان ذكرا مؤنثا وإن كان على العكس كانت أنثى مذكرة. ودم الحبلى بذكر أسخن كثيرا من * دم (1758) الحبلى بأنثى، وتولد الذكر في الجانب الأيمن أجدر وأحرى والأنثى في الأيسر لأنه أبرد. فإذا كانت المرأة حاملة بتوأمين الذين أحدهما ذكر والأخرى أنثى * فضمور (1759) أحد الثديين ينبئ بإسقاط من يقابله ويحاذيه. فإن كان الضامر هو الثدي الأيمن أسقطت الذكر من الأيمن وإن كان أيسر أسقطت الأنثى * من الأيسر (1760) .
[commentary]
vacat L6
[commentary]
إذا كانت بالمرأة علة الارحام أو عسر ولادها فأصابها عطاس فذلك محمود.
[commentary]
يعني لو احتبس طمث المرأة بسبب الأخلاط الغليظة اللزجة اللحجة على فوهات عروق الرحم أو عرض لها اختناق الرحم بسبب كثرة المني وتراكمه واجتماعه في الرحم * فيغمر الحرارة الغريزية ويطفئها ويستحيل إلى كيفية سمية فيتقلص ويتشنج الرحم (1761) منه ويرتفع منه بخار رديء سمي ويصل إلى القلب والدماغ فتحدث هذه العلة، أو بسبب احتباس دم الطمث PageVW0P166A إذا طال به الزمان وكثر في الرحم فيعرض منه ما يعرض من المني. فالعطاس ينفع هذه العلل بسبب هزه وتحريكه الرحم لأنه ينفض * ما (1762) لصق به ويقلع ما لزق بالعنف والحركة إلى أسفل بالقوة ويعين على إخراج الجنين.
242
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1763) : إذا اردت أن تسقط المشيمة فادخل في الأنف دواء معطسا وامسك المنخرين.
[commentary]
المشيمة شيء لحمي داخل الرحم يرد دم الطمث المحتبس الغاذي للجنين أولا إليها ويغتذي PageVW1P116B منه ما لم يكن صالحا لاغتذاء الجنين * وينقيه (1764) ويصفيه ثم ترسل الطبيعة الصافي منه إلى * كبد (1765) الجنين ليغذيه، يعني متى تولد الجنين * ولم (1766) تخرج المشيمة معها وأردت إخراجها وإسقاطها من الرحم فأدخل في أنف الحاملة دواء معطسا نحو الكندش وغيره ليهيج العطاس المعين على دفعها وإخراجها لأن العطاس يحتاج إلى استنشاق هواء كثير من الخارج حتى يملأ الصدر والحجاب والرئة منه * عند (1767) الانبساط وتتمدد آلات التنفس، ويحتاج عند الانقباض وإخراج الهواء دفعة إلى حركة عنيفة إلى أسفل بالعصر وضغط الرئة والحجاب وآلات PageVW0P166B التنفس والأحشاء جميعها ويدفع الرحم إلى أسفل دفعا عنيفا قويا فتخرج المشيمة، وينبغي أن يمسك المنخرين لئلا يخرج الهواء منهما إلى الخارج فعند حصر النفس ومنعه من الخروج إلى الخارج تدفع الحركة الانقباضية الهواء الكثير إلى الباطن وتدفع بمعونته المشيمة إلى الخارج عند حركتها إلى تحت.
243
[aphorism]
قال * أبقراط (1768) : إذا انقطع الطمث فالرعاف محمود.
[commentary]
إن من * أسباب (1769) احتباس الطمث قلة الدم من الرعاف الكثير وسيلان دم البواسير لاتجاه الدم إلى غير جهة الرحم، يعني لو احتبس الدم الفضلي الذي تدفعه الطبيعة بالطمث في أوانه ليكون سببا لنقاء الرحم وصحة البدن. وعرض * لصاحبته (1770) الرعاف يكون ذلك دليلا محمودا لأنه يمنع امتلاء البدن من الدم الفضلي واحتباسه وجمعه في الرحم المؤدي إلى الورم أو لفساد آخر.
244
[aphorism]
* قال أبقراط (1771) : إذا كانت المرأة ليست بحامل ولم تكن ولدت ثم كان لها لبن فطمثها قد ارتفع.
[commentary]
إن اللبن دم متين يستحيل بعض PageVW1P117A الاستحالة في الشهر الثامن والتاسع في بدن * الحبالى (1772) ، والتي ولدت ونزل قليلا عن * مشابهة (1773) مزاج الأم إلى مزاج PageVW0P167A الولد فخلع صورة الدم وصار * أرطب (1774) وأرق وأقل حرارة ليكون أشد مناسبة بمزاجه وأسرع استحالة * بحرارته (1775) إلى الدم الذي يناسب أعضاءه في الرقة واللطافة. وإنما يحيل الثديان الدم إلى جوهر اللبن متى امتلات العروق المشركة بينهما وبين الرحم ولا تمتليء هذه العروق في غير الحبلى. وفي التي لم تكن ولدت إلا عند انقطاع الطمث وتراجع الدم وانصرافه إلى الثديين، فظهور اللبن فيها دليل على انقطاع الطمث.
245
[aphorism]
* قال أبقراط (1776) : إذا كان الطمث أكثر مما ينبغي عرض من ذلك أمراض، وإذا لم ينحدر الطمث حدث من ذلك أمراض من قبل الرحم.
[commentary]
كثرة الطمث إما أن تكون لرقة الدم وحدته يفتح أفواه العروق * وقد يكون لغلبة الرطوبة على الدم المرخية لماسكة أفواه العروق (1777) أو لغلبة المادة السوداوية الحادة المفتحة لأفواه العروق. وقد يكون لقروح الرحم وقد يحدث بعقب * عسر (1778) الولادة واحتباس الطمث يكون إما لغلظ الدم وبرده وكثرة ما يخالطه من الأخلاط الغليظة وإما لشدة انقباض أفواه عروق الرحم PageVW0P167B من حر مجفف مقبض له ويبس مكثف. وأما من ورم في الرحم فإذا كان الطمث أزيد مما ينبغي وأكثر عرض من ذلك الأمراض الحادثة من كثرة الاستفراغ الذي يحدث اليبوسة والبرودة والهزال وسقوط القوة وضعف القوى النفسانية والطبيعية، فتعرض هذه من سبب كثرة استفراغ دم الطمث * لا (1779) من قبل الرحم ويعرض من سبب PageVW1P117B احتباس الطمث * الأمراض (1780) الامتلائية مثل * الحمى (1781) العفنة الامتلائية وانفتاح عروق المقعدة والأورام والبثور وغيرها. وتعرض للبدن أيضا في احتباس الطمث من قبل الرحم أمراض أخر كما يعرض فيه من الاحتباس الورم في الرحم ومن الورم الحمى في البدن أو يحدث من الاحتباس اختناق الرحم الذي يحدث منه الخفقان القلبي والغشي والسبات وظلمة البصر ودوار وطنين، ولا شك أن هذه كلها من قبل الرحم.
246
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1782) : إذا كانت الحامل يجري طمثها في أوقاتها فلا يمكن أن يكون طفلها صحيحا.
[commentary]
يعني إذا كانت الحامل يجري طمثها في أوانه المعتاد عند كل شهر ولم يتنقص عن مقداره المعهود قدرا يغتذيه كان دليلا على * أن (1783) طفلها غير صحيح بل ضعيف PageVW0P168A لا يقدر على جذب الدم ليغتذي به * فيخرج (1784) دم الطمث على أدوار ومقدار معتاد. وقد تعرض هذه الحالة من ضعف الرحم * وانفتاق (1785) عرق من عروقه أو انفتاح فم عرق منها بسبب خلط حاد. ولكن لا يلزم من هذه أن يحفظ الدور في أيامه المعهودة. فأما * قد (1786) يتفق أن تكون الحبلى غريز الدم بحيث يفضل الدم من اغتذاء الجنين فتدفعه * الطبيعة في وقته المعتاد لتنقية البدن والرحم ولئلا تجمع (1787) وتفسد وتؤذي الطفل بكيفيته الفاسدة فلم يكن دليلا على عدم صحته.
247
[aphorism]
* قال أبقراط (1788) : إذا اردت أن تحبس طمث المرأة فألق عند كل واحد من ثدييها محجمة من أعظم ما يكون.
[commentary]
واعلم أن العروق هي التي * تحوي (1789) الدم والمواد وفيها جريانها وانصبابها، فإذا اشترك العضوان في العروق أمكن أن تجتذب المادة من أحدهما إلى الآخر PageVW1P118B بسهولة، ولذلك يستفرغ الدم الذي ينصب إلى الكبد بفصد عرق الباسليق من اليد اليمنى لأن هذه العرق متصل بالعرق الأجوف مشارك على محاذاة في طريق مستقيم، وفي علة الطحال يجتذب الدم بفصد الباسليق اليسرى وفي هذا الجذب نوع مخالفة في الجهة، وذلك كما أن جهة اليمين PageVW0P168B مخالفة لجهة اليسار وجهة الفوق * مخالفة (1790) لجهة الأسفل، * كذلك (1791) القدام مخالف لجهة الخلف * ولذلك (1792) يجذب مادة العين بمحجمة تنصب على القفا وتجذب المادة المنصبة إلى ناحية القفا بفصد عرق الجهة. ويوجد هذا الاشتراك بين الثديين والرحم، وذلك أنه نزلت من الشرايين والعروق التي جعلت تصعد إلى الرأس إذا قاربت الترقوة شعبتان من كل واحد منهما إلى الثديين ثم جعلت أطرافها تتصل وتلتحم بأطراف العروق والشرايين التي أخذت تصعد من الرحم إلى المراق، يعني * إذا (1793) تجاوز طمث المرأة عن حدة وأردت حبسه، فألق عند كل واحد من ثدييها عند المراق محجمة عظيمة لتجذب الدم والمادة التي توجهت إلى الرحم بالعنف إلى خلاف جهة الرحم وهو الفوق بالعروق المشتركة بين الثديين والرحم لينقطع الطمث ولئلا يؤدي إلى الخواء واليبس والضعف.
248
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1794) : إذا انعقد اللبن للمرأة في ثدييها دل ذلك من حالها على جنون.
[commentary]
قد يحدث في الثديين أنواع الأورام مثل ما يعرض في سائر الأعضاء، وقد يتجبن اللبن فيهما لحرارة مجففة أو لبرودة مجمدة، PageVW1P118B وعلامته الانتفاخ والصلابة PageVW0P169A والوجع وحمرة اللون فيهما لأنه لو وردت إلى الثديين الدم الحار المفرط في الحرارة بحيث لم تقدر القوة المغيرة التي فيهما أن تحيله لبنا يغلي فيهما وينعقد ويرتفع منهما البخار الحار المتعفن إلى الدماغ فيحدث للمرأة حالة شبيهة بالجنون من السهر والخيالات الفاسدة، وإن احترق فيهما وصار سوداويا وتصاعد منهما البخارات السوداوية إلى الدماغ حدث بها المالنخوليا وتغير الظنون، وإن جمد اللبن فيهما بسبب برودة غالبة فيه أو في الثديين وانغمر الحار الغريزي فيهما واختنق المادة المنجمدة فيهما ولم تصل إليها الحرارة * وازدادت (1795) فيها البرودة حتى صارت باردة بالفعل وظهرت فيها كيفية سمية وارتقت هذه الكيفية السمية إلى الدماغ عرض * لصاحبته (1796) الجنون.
249
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1797) : متى تقيح الرحم حيث يستبطن الورك وجب ضرورة أن يحتاج إلى الفتل.
[commentary]
* فاعلم (1798) أن خروج ما يخرج * من (1799) الرحم إن كان شيئا كثيرا دل على خراج * انفجر (1800) ، وإن كان دما منتن الرائحة دل على التآكل، وإن كان قيحا كثيرا شبيها * بالدردي دل على انفجار دبيلة أو خراج فيه، فيحقن بدهن الورد ودهن (1801) PageVW0P169B البنفسج وماء * السكر (1802) حتى ينقي القيح والمدة ويغسل الرحم ويسكن اللذع، يعني * متى (1803) تقيح من الرحم الموضع الذي * فيه (1804) يستبطن الورك كانت القرحة بعيدة لا تصل إليها المراهم فعلاجها أن تلطخ الفتل الطوال بمرهم الباسليقون مع دهن الورد ويتحمل لتصل إليها ويلحمها ويلتئم تفرق اتصالها.
250
[aphorism]
قال أبقراط الحكيم: التكميد بالأفاويه يجلب الدم الذي يجيء من النساء وقد كان سينتفع به في مواضع كثيرة إلا أنه يحدث في الرأس ثقلا.
[commentary]
يعني متى احتبس الطمث PageVW1P119A بسبب برد مكثف لفم الرحم ومن كثرة أخلاط غليظة أو من غلظ الدم أو من لحوج البلاغم والمواد الباردة الغليظة على فوهات * عروق (1805) الرحم أو من سدة فيها منها، فينبغي أن يكمد بالأفاويه مثل السنبل والدار صيني والسليخة وحب البلسان وعوده وجوزبوا والهيل والقسط ونحو ذلك بعد أن تدق جميعها جريشا ويلقى منها على الجمر * ويكب (1806) عليها القمع وتوضع انبوبة على فم * الرحم (1807) فيصعد بخارها إلى الرحم فتسخنه بحرارتها وتفتح فوهات عروقه بحدتها وتقطع لزوجات الأخلاط المانعة PageVW0P170A من الادرار وتلطف غلظها فيجلب الدم من الرحم ويدر الطمث. وينفع بخار هذه الأفاويه كثيرا من الأمراض الباردة إلا أنه يحدث في الرأس ثقلا.
251
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (1808) : من حدث به قرحة وأصابه بسببها انتفاخ فليس يكاد أن يصيبه تشنج ولا جنون، وإن غاب الانفتاخ دفعة وكانت القرحة من خلف عرض له تشنج أو تمدد وإن كانت القرحة من قدام عرض له جنون أو وجع حاد في الجنب أوتقيح واختلاف دم إن كان ذلك الانتفاخ * أحمر (1809) .
[commentary]
واعلم أن * في (1810) فقرات الظهر * ثقبا (1811) في وسطها ينفذ النخاع ولها غير الثقبة المبسوطة ثقب أخرى بسبب ما يخرج منها العصب النابت من النخاع وللفقرات زوائد أخرى: الشاخصة إلى فوق والشاخصة إلى أسفل * لا لأجل (1812) أن ينتظم منها * الاتصال (1813) بينهما لكن * للوقاية (1814) والجنة والمقاومة لما يصاك بها ولأن ينتسج عليها رباطات، وإما وقايتها لما أدخل * منها (1815) في طول البدن من العصب والعضل وقد يجري عليها PageVW1P119B رباطات وعصب تجري عليها رطوبات تملس PageVW0P170B وتسلس لئلا يؤذي الزوائد بالمماسة وليكون مطاوعا * في الانثناء (1816) والانحناء * وعليها (1817) عضلات متركبة من الأعصاب والأوتار للانثناء إلى خلف * وللانحناء (1818) إلى قدام. والأعصاب مبدأها هو الدماغ ومنتهى تفرقها هو الجلد، وكون الدماغ مبدأ للعصب على وجهين: فإنه مبدأ لبعض العصب بذاته ومبدأ * لبعضه (1819) بواسطة النخاع الذي هو كالخليفة عنه في جميع البدن والأعصاب المنبعثة من الدماغ نفسه لا يستفيد منها الحس والحركة * إلا أعضاء (1820) الوجه والرأس. وأما سائر الأعضاء فإنها تستفيد الحس والحركة من أعصاب النخاع. يعني أبقراط من حدث به قرحة وأصابه بسبب القرحة انتفاخ ورمي وكانت القرحة في الظهر لم يعرضه تشنج، وإن كانت من قدام لم يعرض له جنون لأن الانتفاخ في القرحة دليل على اندفاع المادة من الباطن * إلى ظاهر البدن (1821) . * فأما إن (1822) غاب الانتفاخ دفعة وكانت القرحة والانتفاخ الورمي من خلف عرض للعليل تشنج أو تمدد لأنهما من الأمراض * العصبية (1823) وتكثر الأعصاب والرباطات على الظهر والخلف ولقربها بالنخاع، فمتى دفعت الطبيعة مادة الورم إلى PageVW0P171A الداخل وتحيزت في الأعصاب والعضلات حدث * هذين المرضين (1824) . وإن كانت القرحة من قدام وغاب الانتفاخ دفعة بسبب دفع الطبيعة المادة وارتقت * المادة (1825) في طول البدن إلى فوق ونالت الدماغ أحدثت اختلاط العقل والجنون. وإن غاصت إلى العمق وصندوق الصدر وسرت إلى الغشاء المستبطن للأضلاع أحدثت PageVW1P012A ذات الجنب * أو جمعت (1826) وتقيحت قرحة الورم المنتفخة وغابت إلى الباطن وانحدرت إلى أسفل وإلى الأمعاء، * وكان (1827) الورم دمويا أحمر اللون أحدثت اختلاف الدم وسيلانه.
252
[aphorism]
* قال أبقراط (1828) : الرخوة محمودة والنية مذمومة.
[commentary]
واعلم أن الورم هو غلظ وانتفاخ في العضو من فضل مادة تمدده وتملؤه، فإذا تحيز الفضل في العضو لا * يخلو (1829) إما أن يغلب الفضل العضو أو يغلب * العضو (1830) الفضل. فإن كان الغالب العضو وكان الفضل رقيقا لطيفا فرقه ودفعه من المسام بطريق التحليل والتبخير، وإن كان غليظا وكان مما يمكن نضجه وإحالته إلى الدم فعل وإن كان * دما (1831) فيه حدة وحرافة عدله ورده إلى حالته الطبيعية. وكل ذلك يسمى تحلل الأورام، وهو أحمد * وجوهه. وبعد ذلك في الصلاح PageVW0P171B أن ينضج (1832) والنضج * يلحقه (1833) بالضرورة أمران: أحدهما تولد المدة وجمعها والآخر أن يصلب لأنه إن لم يتقيح ولم ينضج * وكان (1834) الورم حارا تحلل ما رق ولطف من المادة وبقي ما غلظ منها أو تصلب وتغلظ من كثرة استعمال * الضمادات (1835) الباردة والأطلية الرادعة، وهذا أردأ. يعني أبقراط الأورام الرخوة أي التي * صادفت (1836) النضج محمودة والنية الصلبة مذمومة.
253
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1837) : ما كان من القروح ينتثر ويتساقط ما حوله من الشعر فهو خبيث.
[commentary]
إن القروح العسرة الاندمال وهي ما كان في غاية الفساد والبعد عن الاندمال، فعسر برئها يكون إما لقلة الدم أو لرداءته التي تأتيه حتى إن ما يأتي القرحة من الدم لا يستحيل لحما بل يستحيل وضرا، وإما لأن القرحة عفنة PageVW1P120B خبيثة تفسد * قسطا (1838) من الدم الوارد إليها ويتكيف بكيفيته الخبيثة. فأما تناثر الشعر وتساقطه مما حولها دليل على حدة المادة وغاية ردائتها ولحصول المواد الخبيثة تحت الجلد المؤدية إلى الآكلة، فعلاجه الفصد وتعديل الغذاء والتضميد بأطراف الهندباء.
254
[aphorism]
* قال أبقراط (1839) : إذا مضى * بالقرحة (1840) حول أو مدة أطول من ذلك وجب ضرورة PageVW0P172A أن يتبين منها عظم، وإن يكون موضع الأثر بعد اندمالها غائرا.
[commentary]
الجراحة هي تفرق اتصال يعرض في اللحم، وإذا مد * وقاح (1841) يفرق الاتصال عن الجراحات، والخراجات المنفجرة وعن البثور يسمى * قرحة (1842) والغرض في مداواة القروح إن لم يكن معها * موانع (1843) أخرى من الاندمال تنقيتها عن الصديد وجلاؤها عن الوسخ اللذين يتولدان في القرحة من الغذاء * الرديء (1844) لضعف العضو عن هضمه ودفع فضلاته فيتغير رقيقه صديدا وغليظه وسخا. وإن كان معها مانع من الاندمال لسوء مزاج ذلك العضو الذي فيه القرحة أو سوء مزاج موضع القرحة، فيكون لحمها * رهلا (1845) * رديئا (1846) * فاسدا (1847) بعد الدم الوارد إليه لا تندمل القرحة ما لم يبرأ العضو من فساد مزاجه في الأول، وفي الثاني لا تندمل إلا إن يفنى ذلك اللحم بالدواء الحاد والمرهم الأكال حتى بلغ إلى اللحم الصحيح، ثم يدمل. وإما أن تتحلب ويسيل إليها مواد وفضول رديئة من البدن وتسمى القرحة الوضرة لكثرة سيلان الرطوبة منها، وعلاجها أن ينقى البدن أولا ويلطف الغذاء، ثم يعالج ويكون من انسداد سبيل مفرغة الطبيعة للعضو، فيدفع فضلاته إلى PageVW1P121B جهة أخرى PageVW0P172B كانسداد مجرى المنخرين من تجلب فضلات الدماغ إلى الخارج، فتدفعها الطبيعة إلى خلف الأذنين أو الرقبة، فيتورم ويتقرح ولا تندمل القرحة ما لم ينفتح المجري الطبيعي، ثم يعالج، والناصور من جملة * قروح (1848) العسرة الاندمال لأن فيه مانعا أيضا من العلاج، وهو فساد العظم، والفرق بين الناصور وغيره أن القرحة في غير الناصور لا تندمل ولا تبرأ حولا أو مدة أطول من ذلك ما لم يدفع عنها المانع بخلاف الناصور، فإنه ربما تندمل فيه القرحة مع وجود المانع مرات لصحة لحمه الغير الفاسد لكن لا يلصق من تحته بالعظم الفاسد إلصاقا طبيعيا، فينجلب وينفصل من العظم * المأوف (1849) صديد رقيق ويجمع قليلا قليلا حتى يرم الموضع ويتقيح ويتقور حتى يظهر العظم فيه بخلاف غيره من القروح، فإنها لا يبرأ ولا ينبت اللحم فيها ما لم يدفع المانع وتبرأ القرحة الناصورية بقلع العظم الفاسد بعمل اليد * أو بخروجه (1850) من تلقاء نفسه، ودفع الطبيعة له. فيبقى في موضع القرحة غور بعد الاندمال بحسب الجزء الفائت من العظم، وإن لم يفسد العظم كله بل فسد سطحه الظاهر فربما اندمل بعد حك ما فسد منه.
255
[aphorism]
* قال أبقراط (1851) : PageVW0P173A في وقت تولد المدة يعرض الوجع والحمى أكثر مما يعرضان بعد تولدها.
[commentary]
متى انصبت مادة ما إلى عضو من الأعضاء ولم تكن المادة صالحة لأن تحيلها الطبيعة إلى خلط طبيعي، ولم تقدر أيضا على تحليلها فتنهض إلى نزعها من العروق الضيقة وجمعها إلى فضاء لتنضجها فيه بتقطيع ما كان لزجا منه وترقيق ما غلظ وتسهل سبيلها على القوة الدافعة PageVW1P121B بتوسيع طريق دفعة. فيحدث الوجع في هذه الحالة لأن الطبيعة توسع وتمدد موضع الجمع للمادة وتتصرف فيه بتفريق الاتصال بين أجزائه وتوسيع مجاريه وتعمل في المادة بتفريق ما غلظ وكثف وجمعها مع ما رق ولطف. تفعل هذه كلها بآلتها وهي الحرارة الغريزية، وعند تقيحها وعفونتها تحدث فيها الحرارة الغريبة في عضو الوجع فتسري السخونة النارية بطريق الشرايين إلى القلب فتحدث الحمى.
256
[aphorism]
* قال أبقراط (1852) : إذا انصب دم إلى فضاء على خلاف الأمر الطبيعي فلا بد من أن يتقيح.
[commentary]
قوله: إلى فضاء على خلاف الأمر الطبيعي، يكون احترازا من انصبابه إلى فضاء طبيعي كخروجه من العروق وانصبابه على سطح الأعضاء PageVW0P173B وتجاويفها كندى الطل لأن جوهر العضو كما بينه الحكيم يعيد في في طبيعتها من طبيعة الدم فيستحيل في فرج الأعضاء المتشابهة الأجزاء إلى جوهر شبيه بندى الطل، ثم يستحيل إلى جوهر الأعضاء، أو يكون احترازا من انصبابه الطبيعي كانصبابه إلى الثديين اللذين يحيلانه إلى جوهر اللبن أو الأنثيين واللحوم الغددية التي تحيله إلى المني والوذي، يعني متى خرج الدم من العروق وانصب إلى عضو انصبابا غير طبيعي فإنه يفرق ويمزق اتصال أجزاء العضو ليحصل له المكان، وتحيز فيه فانسدت منافس العضو لغلظه أو لزوجته أو كثرته، فعرض له إن يعدم الترويح. وإذا لم يتروح عرض لها إن تتعفن وتتقيح أو لما انسدت منافس العضو واحتقنت الحرارة الغريزية وعجزت عن هضم ما * انصب (1853) فيه ولم تقدر الطبيعة على إصلاحه فلا بد أن يتعفن وحدث من حرارته العفنية تقيحه في ذلك العضو. فإن PageVW1P122A الحرارة الغريزية هي التي تحمي الرطوبات من العفونة لأن الحرارة الغريزية لو كانت قوية تمكنت الطبيعة بتوسطها من التصرف في الرطوبات على سبيل النضج والهضم وحفظها على الصحة. وأما إن كانت ضعيفة خلت الطبيعة عنها PageVW0P174A لضعف الآلة المتوسطة بينها وبين الرطوبات، فصادفتها الحرارة الغريبة واستولت عليها وحركتها حركة غير طبيعية فحدثت فيها العفونة.
257
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1854) : إذا كان موضع من البدن قد تقيح وليس يتبين تقيحه فإنما لا يتبين من قبل * غلظ (1855) المدة أو الموضع.
[commentary]
يعنى إنما لا يتبين تقيح الموضع المتقيح إما لغلظ المدة المتولدة من المادة البلغمانية الغليظة لأنه مهما كانت المدة غليظة ثقيلة * لطئة (1856) * ولها (1857) قوام قريب باللحم، ولم يكن بها حرارة وحدة مائلة إلى الجلد وسطح البدن، فلم يكن تقيحه معلوما بالحس أو لم يحس تقيحه لغلظ جلد العضو وصلابة لحمه حتى لا يقاوم غمر الأصبع صلابة جلده حتى يصل احساسه إلى القيح.
258
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1858) : انتقال الورم الذي يدعى الحمرة من خارج إلى داخل ليس بمحمود، فأما انتقاله من داخل إلى خارج * فمحمود (1859) .
[commentary]
يعني متى استولت الطبيعة على مواد الأمراض والأورام كالدبيلات PageVW0P174B والخراجات والفلغموني والحمرة والجدري والحصبة، ودفعها من الأعضاء الشريفة إلى الخسيسة، ومن الأعضاء الباطنة إلى السطح * الظاهر (1860) من البدن، فتأمن * منها (1861) الأعضاء الشريفة الباطنة. وتدل على قوة الطبيعة ودفع المواد وتنقية الباطن منها. ومهما كان على خلاف هذا، أي انتقالها من * الظاهر (1862) إلى الباطن، يكون علامة PageVW1P122B رديئة غير محمود لأنه يدل * على عجز الطبيعة عن تحليلها ودفعها إلى جهة أسلم، فانتقل المادة (1863) إلى جهة مخوف لتوقع سراية الآفة إلى الأعضاء الرئيسة الشريفة. ونحن نستأثر وقوع الضرر بالعضو الخسيس حيث * ينفع (1864) العضو الرئيس حتى أنا لنجتهد في جذب المادة إلى العضو الخسيس بالمحاجم.
259
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1865) : إذا حدث * في المثانة (1866) خرق أو في الدماغ أو في القلب أو في الكلى أو في الأمعاء الدقاق * أو في المعدة (1867) أو في الكبد، فذلك قتال.
[commentary]
* واعلم أن من الأعضاء ما يتكون من المني وهي المتشابهة الأجزاء أعني خلا اللحم والشحم، ومنها ما يتكون عن الدم كالشحم واللحم، فإن ما خلاهما يتكون عن المنيين مني الذكر ومني الأنثى، فما كان من الأعضاء متخلقا من المنيين، فإنه PageVW0P175A إذا انفصل لم ينجبر ولم يتصل بالاتصال الحقيقي إلا بعضه في قليل من الأحوال وفي سن الصبوية. (1868) * وأما (1869) إذا حدث في المثانة خرق غائص يصل إلى جوفها كان مهلكا لعدم قابليتها الاندمال لأنها عصبانية * عديمة (1870) اللحم قليل الدم ولا بد للالتحام من الدم لينعقد اللحم في شفتي الخرق ويلتئم أحدهما بالآخر * ويلتصقا (1871) . وإن جذب * الغذاء (1872) والإلصاق والتشبيه * من (1873) الأفعال الطبيعية * وإنها (1874) ضعفت في العضو الذي حدث * فيه (1875) الخرق بسبب تفرق الاتصال حتى ان الخدش في العضو يحدث أثر البياض في * ظاهر (1876) الجلد بسبب الضعف * في قوته المغيرة. ويمنع أيضا الالتئام فيها البول الحار المالح بالفعل والحاد بالقوة وبسبب جريانه عليها على الدوام. وربما كان امتلاؤها من البول وتمددها يفرق بين شفتي الخرق، وكان مانعا من الالتئام بينهما (1877) . واعلم أن الدماغ مبدأ للأفعال النفسانية ومعدن الحس والحركة، فمهما وقع به خرق نافذ من الغشاء الصلب والرقيق ونال الدماغ بحيث ينفش منه الحرارة الغريزية ويبرد الدماغ وينعدم من البدن الحس والحركة، فلا بد أن يكون قتالا، وإن القلب أصل ومعدن * للحرارة (1878) الغريزية والقوة الحيوانية التي PageVW0P175B بها يكون الحيوان حيوانا ومنه * تنبعث (1879) الروح والحرارة المحيية إلى سائر البدن وهو منبع ومولد لجوهر لطيف هوائي يسمى الروح، وهذا الروح حامل للقوى إلى الأعضاء. فاذن كان القلب أشرف الأعضاء كلها فلا يحتمل نكاية الخرق، فربما انتشر الروح الحيواني والحرارة المحيية منه بسبب الخرق ومات المجروح في ساعته. ويمنع أيضا من التحام PageVW1P123A خرقه * حركاته (1880) الانبساطية والانقباضية. وإذا حدث في الكلى خرق نافذ إلى أحد بطنيه يكون قتالا لأن الكلية تغتذي من الدم المشوب بالمائية وتجري فيها المائية دائما إلى المثانة والالتحام والالتئام يحتاجان إلى استمساك ويبوسة ما * وإلى (1881) دم فيه نوع متانة. وربما نفذ من خرقه شيء من البول الحاد اللذاع إلى الجوف وازداد آفة في البدن أو لأنها مشتغلة دائما بجذب المائية من الكبد ودفعها إلى المثانة، فتكون حركتها أيضا مانعة من انضمام شفتي الخرق واتصالهما. وأما الأمعاء الدقاق كاثنى عشر والصائم يشتغل أيضا بجذب الكيلوس ودفعه إلى الكبد بطريق الماساريقا ودفع الثفل إلى أسفل، فتمنعها حركات الجذب والدفع من الالتحام، أو لأنها رقيقة قليلة الدم واللحم، * فيعسر (1882) فيها الالتحام، أو لأن الأثفال تمددها PageVW0P176A ورطوبة العصارة ترخيها فتمنع ضم شفتي الخرق الحادث فيها. وأما المعاء الغليظ فقد يندمل ويؤثر فيه العلاج لأنه لحم غليظ تنجح فيه الأدوية ويمنع أيضا الاندمال في الأمعاء من الخرق حركاتها، ولذلك خلقت ذات طبقتين ليكون لكل واحد من الجذب والدفع فيه بحركة قوية * آلة بانفرادها، وإنما تكون الأعضاء الآلية في الباطن ذات طبقتين لأنه إذا كان العضو يحتاج أن يكون كل واحد من الجذب والدفع فيه بحركة قوية (1883) وجب أن لا تكون آلة * الجذب (1884) مختلطة بآلة الدفع بل يجب أن يجعل لكل واحد من الفعلين آلة على حدة كالمعدة فإنها مؤلفة من طبقتين داخلتهما طويلة الليف للجذب وخارجتهما مستعرضة الليف للدفع أو لأن الفعلان إنما يتم بمزاجين مختلفين * فحينئذ (1885) يكون التفريق بينهما واجبا مثل المعدة، PageVW1P123B فإنها يجب أن تكون حساسة، وذلك إنما يكون بعضو غشائي، وأن تكون * هاضمة (1886) ، وذلك إنما يكون بعضو لحماني. فأفرد لكل من الأمرين طبقة، طبقة عصبية للحس وطبقه لحمية للهضم وجعلت الطبقة الداخلة * عصبانية (1887) والخارجة لحمانية لأن * الهاضم (1888) يجوز أن تصل المهضوم بالقوة دون الملاقاة والحاس لا يجوز أن لا يلاقي المحسوس. فمهما وقع الجراحة من PageVW0P176B الخرق على وسطها اللحماني يمكن أن يبرأ ويلتحم. فأما إن كان الخرق نافذا من طبقتها العصبانية إلى فضائها عسر التحامها واندمالها لأنه ربما يخرج منها الطعام ويسيل منها المشروب ولا تقدر على اشتمال الغذاء وهضمه ولأنها مورد الأغذية والأشربة المختلفة المانعة من الالتحام. وأما الكبد فإن لها عروقا في مقعرها يسمى باب الكبد يجذب الكيلوس من الماساريقا * ويرسل (1889) إلى داخل الكبد في أجزاء وفروع للباب داخلة متصغرة متضائلة كالشعر ملاقية * الفوهات (1890) لفوهات أجزاء أصول العرق الطالع * من (1891) حدبة الكبد، فإذا تفرق في ليف هذه العروق صار كأن الكبد بكليتها ملاقية لكلية هذا الكيلوس وينطبخ فيها ويصير دما وروحا طبيعيا، فمتى وقع فيها خرق عرض نزف الدم والقيام الكبدي المهلك قبل أن يندمل، وربما يلتئم لو وقع الخرق في زوائدها * أو (1892) * المواضع (1893) العديمة العروق منا.
260
[aphorism]
* قال أبقراط (1894) : من انقطع منه عظم أو غضروف أو عصبة أو الموضع الرقيق من * اللحي (1895) أو القلفة لم ينبت ولم يلتحم. PageVW0P177A
[commentary]
* ولما عرفت أن ما ينخلق من المني الأعضاء وهي غير اللحم والشحم، وتسمى المتشابهة الأجزاء، لا تنجبر انجبارا حقيقيا ولا يرد عليها بدل ما صدر منها بعينه مثل العظم وشعب صغيرة من الأوردة. وما كان منخلقا من الدم، فإنه ينبت ويتصل بمثله كاللحم، وما كان متولدا عن دم فيه قوة المني، فما كان قريب العهد بالمني إن فات منه جزء يمكن أن ينبت مرة أخرى مثل السن في سن الصبا. وقد قال بعض الأطباء في ذلك وجها أخر، وهو أن ما كان من الأعضاء جوهره قريبا من جوهر الدم حتى أن الطبيعة لا تعجز عن توليده يقدر على رد بدله كاللحم والشحم وما كان جوهره بعيدا من جوهر الدم، حتى انها تحتاج في تكونه إلى احالات كثير للدم، فإنه لا يقوى على رد البدن لما قد نالها من العجز والضعف عند العارض المفسد للعضو كالجراحة وغيرها، فلدلك لا يعود العصب والعظم والعروق وما كان بين بين أي لم يكن بعيدا ولا قريبا، فيمكن أن يعود في سن النمو والصبوية لرخاوة أبدانهم ولأن القوى الطبيعية فيهم أقوى لقرب العهد لهم بالمني، وقد تقوى الطبيعة في أبدان المستكملين في النادر على رد بعض الأعضاء، كما قال بعض الأطباء أنه عرف (1896) شيخا لم يبلغ PageVW0P177B المائة ويأكل الطعام بأضراسه التي نبتت له في المرة الثالثة. يقول الحكيم أبقراط: متى ذهب جزء من هذه الأعضاء لا ينبت بدله الجزء الآخر ولا يعود مثله لأن هذه الأعضاء التي ترسمها القوة المصورة الطابعة من المنيين في الرحم، وفصل القوة المولدة الثانية القوى التي في المني فتمزجها تمزيجات بحسب عضو عضو، فخص للعصب مزاجا خاصا، وللشريان مزاجا خاصا، وذلك من مني متشابه الأجزاء أو القوة المولدة الثانية كانت موجودة في المني عند انتقاله إلى الرحم، ومتى كانت هذه الأعضاء متكونة من المني ولم يجد الطبيعة بعد انعدام جزء منها مادة تخلف لها بدل، فلم ينبت ولم يلتحم بخلاف اللحم والشحم فإنهما متولدان من الدم وتجد الطبيعة بدل ما انقطع عنهما. أو نقول أن هذه الأعضاء المذكورة هي من الأعضاء الأصلية التي تولدت من المني. إذا كان الإنسان في سن النشوء ينصرف من دمه ما كان قريبا بمزاج المني إلى نشوء الأعضاء الأصلية، ولذلك ينبت الجزء الفائت منها في هذا السن. فإذا بلغ سن الوقوف وتغير مزاج الإنسان من مزاجه الذي كان في سن النشوء استحال المني فيه ايضا إلى مزاج آخر وصرفته الطبيعة المدبرة إلى الزرع لإبقاء النوع. فلم تجد مادة PageVW0P178A لتخلف من الجزء الذاهب عنها سيما العظم الغضروف والعصب، فإنها صلبة مندمجة لا يتأتى للمني اللزج الغليظ إن ينفذ فيها وصار بدلا مما ذهب منها الجزء المتولد من * المني. (1897) ويعني * باللحى (1898) الجلد فإنه لو فات منه جزء بسبب جراحة أو قطع لا ينبت عليه عوض ما فات منه، ولكن يتصلب السطح PageVW1P124A الظاهر من اللحم فيشبه الجلد بخلاف الموضع الرقيق من اللحى، فإنه يتصلب موضع الجرح منه ولا يشبه الجلد ظاهرا أو لم يكن منه حقيقة. ولا تلتحم القلفة ولا تنبت لبعد شفتيها ولاستعمال المجففات * فيها (1899) .
261
[aphorism]
قال أبقراط: إذا عرض في طرف الدبر أو في الرحم ورم تبع ذلك تقطير البول وكذلك إذا تقيحت الكلى وإذا حدث في الكبد ورم تبع ذلك فواق.
[commentary]
يعني متى عرض في طرف * الدبر (1900) الذي هو منتهى المعاء المستقيم ورم وكان الورم عظيما حتى يضغط رقبة المثانة وانسد مجرى البول حدث الاحتباس والاسر، وإن كان صغيرا يحدث تقطير البول بسبب مزاحمة الورم مجرى البول أو بسبب سوء مزاج حدث فيه بمجاورة الورم، وكذلك من ورم الرحم يحدث إما * التقطير (1901) أو العسر بحسب * كمية (1902) الورم وكيفيته ويحدث التقطير بسبب * حدة (1903) PageVW0P178B الدم أو خلط حاد ينجلب إلى المثانة من العضو الآخر، فتحدث الحدة * تقطيرا (1904) لأنها تحرق المجرى، فيكون استرسال البول مؤلما واجتماعه وثقله أيضا يكون غير محتمل فيعرض له حال بين الاسترسال والاحتباس وهي * التقطير (1905) ، فمتى * تقيحت (1906) الكلية بسبب قروح أو بثور وانحدرت منها المدة الحادة الحارة إلى المثانة فيحدث التقطر عند جريانه إلى الإحليل. وإذا كان في الكبد ورم عظيم وكان في جانبها المحدب يورث السعال * لإيذائه (1907) الرية، ولو * كان (1908) في * الجانب (1909) المقعر يؤذي المعدة ويزاحمها * ويضغطها (1910) حدث الفواق، أو كان الورم حارا * فتولد (1911) في الكبد من * الحرارة (1912) النارية سخونة شديدة وفضلة مرية تنصب إلى فم المعدة * فتلذعه (1913) PageVW1P124B بحدتها وتؤذيه بحرارتها عرض الفواق.
262
[aphorism]
قال أبقراط رحمه الله: إذا * بدأ (1914) الثرب فهو لا محالة يعفن.
[commentary]
إن الثرب غشاء * شحماني (1915) منبسط على المعدة والأمعاء، فمتى وقع خرق في البطن بسبب جراحة أو قطع بحيث خرج الثرب من الباطن وبدا في الظاهر ومكث في الخارج عن * موضعه (1916) زمانا طويلا حتى نالته صدمة الهواء وانطفأت الحرارة PageVW0P179A الغريزية التي كانت في نفسه وبرد وجمد فمتى رد إلى موضعه * الذي في الداخل من الجوف وصادفه (1917) حرارة الأحشاء فلا بد أن يتعفن وصار قيحا ومدة في الباطن، فينبغي أن يرد سريعا قبل أن يبرد وإلا قطع ما ظهر منه.
263
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (1918) : إذا حدث بإنسان سرطان خفي * فالأصلح (1919) أن لا يعالج فإنه إن عولج هلك وإن لم يعالج بقي زمانا طويلا.
[commentary]
إن السرطان ورم متزيد مؤذ له أصول ناشبة في الأعضاء يكون تولده من السوداء الاحتراقي * عن (1920) مادة صفراوية أو فيها مادة صفراوية احترقت معها ليس عن العكري الصرف، وعلامته أن يبتدي ورم مثل اللوزة أو أصغر، ثم يتزايد على الأيام مع صلابة شديدة وكمودة في اللون واستدارة في الشكل، وإذا أخذ يكبر يظهر عليه عروق حمر وخضر * شبيهة (1921) بأرجل السرطان ويكون له أصل واغل في الجسم وهو داء عياء لامطمع في برءه بالكلية، وإنما المقصود في معالجته أحد أعراض ثلاثة: أولها منعه أن يزيد، والآخر حفظه من أن لا يتقرح، والثالث مداواة المتقرح منه حتى تندمل قرحته. PageVW0P179B يعني الحكيم أبقراط إذا حدث بإنسان سرطان غير ظاهر في سطح البدن ظهورا بينا أو كان ظاهرا لكن لم يكن متقرحا PageVW1P125A فينبغي أن لا يعالج طمعا في برءه واستئصاله بالقطع لأن عروقه وأصوله واغلة غائصة في البدن، فعند قطعها لا يؤمن من نزف كثير مهلك لأنه لا يمكن قلع أصوله المتعمقة، ولو قطع وكوي يتولد من مادته سرطان آخر، فيجب أن لا يهتم الإنسان في قطعه طلبا لبرئها، فإنه ذو خطر وإن ترك يمكن أن يعيش طول حياته وهو به.
264
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1922) : إذا كان في * العظم (1923) علة وكان لون اللحم عنها كمدا فذلك دليل رديء.
[commentary]
إذا صادف العظم العفونة والفساد فإن اللحم الذي يلتحم فوقه يكون كمد اللون لأن الصديد المتعفن الذي يترشح من العظم يشوب بالدم ويعفنه وينعقد منه اللحم الكمد ثم يتقيح بالمدة المتعفنة، فلو لم يكن اللحم أسودا أو كمدا ولم يكن لقيحه وصديده * نتن (1924) يكون الفساد والعفونة في العظم يسيرا.
265
[aphorism]
* قال أبقراط (1925) : ومن الفساد خروج العظم.
[commentary]
واعلم أن بين الأعضاء البسيطة فرجا كثيرة ولكنها غائبة عن الحس في الأعضاء PageVW0P180A اللينة لانطباق بعضها على البعض، ثم إنه متى انصب خلط إلى شيء من العروق ملأت أولا العروق العظام التي في العضو ثم يسري إلى العروق الصغار ثم إن كانت الفضل أكثر من ذلك انفجرت أفواه العروق وسالت منها إلى التجاويف التي في جرم الأعضاء ويتورم العضو المنصب فيه، فإن كانت الفضلة رديئة حادة الكيفية وتعفنت واثرت في العضو وتعمق في تأثيره حتى سعت حدته وسرت عفونته إلى PageVW1P125B العظم بحيث أفسدته وغيرته عن حاله صار الورم ناسوريا خبيثا لا يرجى برؤه إلا عند قلع ذلك العظم الفاسد وإخراجه وإن خرج من عند نفسه بلا عمل اليد دل على غاية الفساد وحدة المادة المؤثرة الأكالة حتى استاصل العظم وقطعه بعون الطبيعة.
266
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1926) : وعن انكشاف العظم الورم الذي يدعى الحمرة.
[commentary]
الورم هو ان تنصب مادة إلى عضوها انصبابا يمتليء الأوعية الكبار ثم يتأدى إلى الأوعية الصغار ثم يخرج إلى فرج الأعضاء ويتورم. وأمر الأورام يأول إلى أحد ثلاثة أشياء: إما إلى التحلل، وعلامة ذلك أن يقل الورم PageVW0P180B وتخفف أعراضه شيئا فشيئا إلى أن يزول بالكلية، وإما إلى التقيح والجمع ويصير * حينئذ (1927) خراجا، وآية * ذلك (1928) أن يدوم الضربان وتشتد الحمى والوجع أكثر مما كان قبل ذلك بسبب الاشتغال الذي يحدث في المادة المائلة إلى النضج، وإما يؤول إلى الصلابة بأن يتحلل لطيفها ورقيقها وبقية ما غلظ منها، فإما متى يتورم العضو من مادة حادة وصار قرحة خبيثة وجراحة فاسدة أكالة حتى انكشف العظم من لحمه فحدث فيه وجع شديد والوجع الشديد يهيج الحرارة والسخونة في العضو الوجع والحرارة جذابة للخلط الخفيف الصفراوي. فلو تورم العضو المجروح المكشوف لحمه بالورم الذي يقال له الحمرة فيعظم الخطب لاجتماع مرضين ولانصباب المادة الحادة الصفراوية إلى العضو المأوف والعظم المكشوف فيعسر اندمال القرحة ويعرض للعظم الفساد والعفونة.
267
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1929) : وعن الورم الذي يدعى الحمرة العفونة والتقيح.
[commentary]
يعني المادة PageVW1P126A التي تحدث الحمرة وهي مراري رديء حاد في غاية السخونة والحرارة لو انصبت إلى اللحم المتقرح المنكشف عظمه فلا بد أن يحدث فيه عفونة PageVW0P181A وفساد في العظم وصار لحمه متقيحا فيكون برؤه متعسرا.
268
[aphorism]
* قال أبقراط: وعن الضربان الشديد في القروح انفجار الدم (1930) .
[commentary]
سبب الوجع الضرباني ورم حار غير بارد إذ البارد يكون صلبا أو لينا، وإنه لا * يوجع (1931) إلا أن يستحيل إلى الحرارة بسبب تعفنه، وإنما يحدث * الوجع (1932) الضرباني من * الورم (1933) إذا كان العضو المجاور له حساسا وكان بقربه شريان يضرب دائما لكنه * لما كان (1934) ذلك سليما لم يحس بحركة الشريان. فإذا ألم وورم صار ضربانه محسوسا موجعا. يعني أبقراط إذا حدث في العضو المتقرح ورم حار وسخن الشريان الذي يجاوره واحتاج إلى زيادة الهواء * لترويح (1935) الروح الذي فيه أحس صاحبه بالضربان الشديد بسبب ازدياد حركة * الشريان (1936) في الانبساط والانقباض أو لأن الورم يضيق موضع الشريان في انبساطه لضغط الورم وتمدده إياه وتحرك الشريان بقوة ليقضي وطره فينفجر الدم من اللحم المتقرح الضعيف المأوف بسبب شدة حركة الشريان وحدة المادة * المفتح (1937) لأفواه العروق ودفع الطبيعة PageVW0P181B الخلط المؤذي من العضو المتألم بمصاحبة الدم المستفرغ.
269
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1938) : وعن قطع * العظم (1939) اختلاط الذهن إن نال الموضع الخالي.
[commentary]
يعني إذا عرض قطع في القحف وصادف * القطع (1940) ونفذ الموضع الخالي أي * الموضع الذي فيه الدماغ وغشاءاه (1941) فتألم الدماغ وانفعل * الروح (1942) النفساني وتغيرت قواه الطبيعية حدثت اختلاط الذهن أي تشوشت القوى المدركة الباطنة بسبب PageVW1P126B تحرك الأرواح التي في الدماغ حركة غير طبيعية.
270
[aphorism]
* قال أبقراط (1943) : البثور العراض لا يكون معها حكة.
[commentary]
اعلم أن البثور التي مادتها حادة حارة تكون * نائية (1944) * مائلة (1945) إلى الجلد وإلى السطح الظاهر من البدن لأنها لحرارتها وحدتها تنفذ من فوهات العروق وتروم أن تنفذ وتخرج من مسام الأعضاء وفرجها ولإيذائها * ولإيلامها (1946) البدن تهتم الطبيعة بدفعها إلى الخارج بخلاف البثور التي مادتها باردة بليدة، فإنها لغلظها وثقلها تميل إلى عمق العضو وتذهب * في (1947) العرض وتلطأ في قعره ولا يؤذى العضو بكيفيتها فتتركها الطبيعة ولا PageVW0P182A تهتم بدفعها إلى الخارج ولهذا لا يكون معها حكة لأن الحكة تحصل من لذع البخارات الحادة * للمسام (1948) وليس للبثور العراض بخارات حادة.
271
[aphorism]
* قال أبقراط (1949) : إذا انفجر خراج إلى * داخل حدث عن (1950) ذلك سقوط القوة وقيء وذبول نفس وغشي.
[commentary]
إن الورم يسمي ورما * ما (1951) دام يرجى رجوعه أو تحلله. فأما إذا لم يتحلل يسمى دبيلة وإذا جمع ونضج يسمي خراجا، يعني لو انفجر الخراج إلى داخل البدن وجوفه واستفرغ منه شيء كثير * حدث (1952) عن ذلك سقوط القوة لاستصحاب مادة الخراج الأرواح واستتباعها عند الاستفراغ. وعلامة انفجاره في المعدة أن يعرض غثيان واختلاف المدة والدم أو قيؤهما، وإنما يعرض ذبول النفس لشدة انفعال الأعضاء من القيح والمدة المنفجرة إليها ولهذا يحدث للعليل عند الانفجار قشعريرة ونافض عند دفع الأعضاء أذى المادة المتقيحة عن نفسها. وأما الغشي يعرض من سقوط القوة من انحلال الروح الحيواني عند استفراغ مادة الخراج. PageVW1P127A
272
[aphorism]
* قال أبقراط (1953) : إذا حدث خراجات عظيمة خبيثة ثم لم يظهر معها ورم فالبلية عظيمة. PageVW0P182B واعلم أنه قد يحدث من الدبيلات ما يعرف بالدبيلة المنكوسة يجمع فيه ما يجمع في العمق غائرا بعيدا من الجلد وهي في الأكثر قاتلة ولا ينضج وإذا بطت لم يخرج منها غير الدم اليسير إلا إذا وصل البط إلى العظم ظهرت مدة مختلفة الأجزاء، يعنى مهما بط ظاهرها وحدثت فيه جراحة عظيمة ولم يخرج منه شيء ولم يظهر معها ورم وانتفاخ في * الظاهر (1954) كان دليلا على الدبيلة المنكوسة، فكانت البلية عظيمة، إذ لو كانت في موضع من الأعضاء جراحة عظيمة ولم يظهر معها ورم من انصباب المادة إليها عند شدة الوجع فيها كان دليلا على قلة الدم وقلة الحرارة الغريزية في البدن بسبب نزف كثير عرض منه وخور الطبيعة وتقاعدها عن تلافي الجراحة وإرسال الدم إليها طمعا لإصلاحها، فيكون البدن في هذه الحالة عديم الدم والروح والحرارة الغريزية ودل على ضعف الطبيعة وعدم اهتمامها إلى التلافي.
273
[aphorism]
* قال أبقراط (1955) : الخراج الذي يحدث في حمى لا ينحل في أوقات البحرانات الأول ينذر من المرض بطول.
[commentary]
إن المواد التي تتولد منها الحميات لو كانت لطيفة خفيفة تدفعها PageVW0P183A الطبيعة في أيام البحارين بالعرق أو بالرعاف أو باستطلاق البطن والإدرار وغيرها، وإن كانت بليدة غليظة فقد يدفعها بطريق الانتقال من العضو الأقوى إلى الأضعف، يعني أبقراط الحكيم الخراج الذي يحدث في حمى ولا تنحل PageVW1P127B الحمى عند حدوثه في أيام البحرانات الأول مثل السابع والتاسع والرابع عشر دليل على كثرة المادة في البدن لأن الطبيعة لما دفعت بعضها بطريق الخراج ولم تنحل به الحمى دل على بقايا الفضلات الأخرى المولدة للحمى وينذر بطول المرض لكثرتها وغلظها الدالة عليها الخراج.
274
[aphorism]
* قال أبقراط (1956) : من أصابته حمى طويلة فإنه تعرض له إما خراجات وإما كلال في مفاصله.
[commentary]
إنما تطول الحمى وغيرها من الأمراض لغلظ موادها وبرودتها وهذه * أخلاط (1957) بليدة غير حادة ولا مؤلمة مؤذية للبدن، * فلا (1958) تهتم الطبيعة بدفعها ومنع * أذاها (1959) من البدن * فتتأخر (1960) أيام بحارينها فيطول المرض بخلاف ما لو كانت موادها لطيفة حارة مؤذية تتشمر في أول * الأمر (1961) وتنهض بدفعها من البدن فيكون المرض سريع الانقضاء وقد تدفع الطبيعة المواد PageVW0P183B الغليظة دفعا انتقاليا مثل أن تدفعها إلى عضو قابل لتحيزها كالمفاصل المتسخنة بالحركات البدنية الجذابة بسخونتها المواد إلى أنفسها فتحدث فيها الخراجات إن جمع وإن تحلبت إلى فضاء المفاصل ولم تجمع أحدثت الكلال فيها.
275
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (1962) : من أصابه خراج أو كلال في المفاصل بعد الحمى فإنه يتناول من الطعام أكثر مما يحتمل.
[commentary]
يعني من أصابه بعد مقاساة الحميات أو غيرها من الأمراض خراج أو كلال في مفاصله فإنه يدل على أن الناقه يتناول من الطعام أكثر من احتمال طبيعته كما هو عادة بعض الناقهين انهم يشتهون ويحملون على * أنفسهم (1963) غذاءا كثيرا مع ضعف قواهم سيما الطبيعية PageVW1P128A منها وقلة حرارتهم الغريزية التي هي آلة لها في أفعالها، فتتولد في بعضهم مادة غليظة غير نضيجة من سوء استمرائهم ورداءة هضمهم فتدفعها الطبيعة إلى مفاصلها الضعيفة القابلة لها بالحرارة الغريبة الجذابة لها فيتولد إما خراج ان انصبت إلى أجزائها اللحمانية أو كلال لو تحلبت إلى فضائها وأجزائها العصبانية PageVW0P184A
276
[aphorism]
* قال أبقراط (1964) : من انسل من مرض وكل منه موضع من بدنه حدث به في ذلك الموضع خراج.
[commentary]
الكلال أعياء يلحق القوة المحركة للبدن من دفعها الثقيل إلى فوق وحطها الخفيف إلى أسفل بسبب أن آلات الحركة تسخن وتتجلب إليها الفضول. فإذا لم يكن الكلال بسبب الحركة فيكون لفضلة تثقل القوة حتى ينالها منها ما ينالها بعد كثرة الحركة، يعني من خرج من مرضه ولم ينق بدنه عند البحران من مادة مرضه نقائا تاما وكل منه موضع من بدنه كان دليلا على أن حدث فيه من معاناة شدة المرض ودفع أذى المادة عن نفسه ضعف ويتجلب إليه من بقايا المادة فضلة رديئة غير طبيعية فتحيزت فيه وحدث في ذلك الموضع خراج.
277
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1965) : وإن كان أيضا قد تقدم فتعب عضو من الأعضاء من قبل أن يمرض صاحبه ففي ذلك العضو يتمكن المرض.
[commentary]
ومهما أصاب التعب لعضو من أعضاء البدن * بسبب من الأسباب في حال الصحة وانحرف مزاجه (1966) بسبب الكلال المفرط الحاصل له من التعب قبل PageVW0P184B المرض، فمتى مرض صاحبه ودفعت الطبيعة مادة المرض في وقت البحران إلى ذلك العضو لضعفه فتتمكن فيه مادة المرض ويحدث الخراج لأن التعب * السابق (1967) أضعفه ووسع مجاريه بسبب سوء المزاج العارض فيه من شدة التعب فصار قابلا لانصباب الفضلات إليه في وقت * دفع الطبيعة (1968) لها وتنقية البدن منها.
278
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1969) : صاحب الإعياء في الحمى أكثر ما يخرج به الخراج * في (1970) مفاصله وإلى جانب اللحيين.
[commentary]
* يعني (1971) لو أحس صاحب الحمى في حماه بأعياء وكلال في مفاصله فيكون بحرانه انتقاليا لأن الإعياء في البدن من غير سبب ظاهر دليل على ميل المادة إلى المفاصل ودفع الطبيعة لها إليها لأن شأن الطبيعة أن تدفع * الخلط (1972) الرقيق * الحار (1973) بالاستفراغ المحسوس والغليظ البارد من العضو الشريف إلى الخسيس ومن القوي إلى الضعيف، فمتى * وجدت (1974) المفاصل ضعيفة سخيفة دفعتها إليها إن كان لها إليها سبيل وفي موضع منها، وإن كانت المادة في الرأس دفعتها إلى جانب اللحيين لسخافتهما ورقة جلدهما وتهلهل نسج لحمهما. وهذه الثلاثة الفصول مشتملة على معنى واحد لأن إدراك الكلال في العضو PageVW0P185A والإعياء في الفصل الأول يكون بعد المرض وفي الثاني إحساسه * سابق (1975) من المرض وقبل الوقوع فيه وفي الفصل الثالث يكون إدراك الكلال في حالة الحمى. وتكون * هذه (1976) الفصول الثلاثة على تقدير * فصل (1977) واحد، أي من أدرك قبل وقوعه في الحمى أو في حالة كونه محموما أو بعد خروجه وانسلاله من الحمى كلالا وإعياءا في أعضائه ومفاصله * حدث (1978) فيها خراج كأنه * تنبيه (1979) للمريض ان يحترز من إتعاب عضو من أعضائه إتعابا مفرطا وفي حالة المرض وبعده لا تزاحم مفاصل لحيته بكثرة الكلال لئلا تصادفها الطبيعة عند دفعها الفضلات ضعيفة مستعدة لقبول PageVW1P129A الفضلات فتدفعها إليها فيحدث فيها الخراج.
279
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1980) : من كانت به حمى ليست * بالضعيفة (1981) جدا وكان يبقي بدنه على حاله لا ينقص شيئا أو يذوب * بأكثر (1982) مما ينبغي رديء لأن الأول ينذر بطول من المرض والآخر يدل على ضعف من القوة.
[commentary]
من كانت به حمى ضعيفة جدا وكان بلغمانيا بارد المزاج أو من الشيوخ وفي الوقت والبلد الباردين لم يدل عدم نقصان بدنه وعدم هزاله PageVW0P185B على الرداءة. فأما * من (1983) لم ينقص ولم يهزل بدنه مع وجود شدة حرارة الحمى المقتضية * التحليل (1984) من البدن فإنه دليل رديء * ومنذر (1985) بطول المرض لأن الأسباب التي تعين على طول الحمى ثلاثة: أحدها طبيعة الخلط الذي تعفن في الكم والكيف والقوام، * والآخر (1986) قوة المحموم في التوفر والضعف، والثالث سحنة المحموم في السخافة والتلزز، فمهما كانت الفضل كثيرة باردة غليظة لزجة والقوة الدافعة ضعيفة والسحنة مندمجة متلززة * حدثت (1987) الحمى أطول مما يكون. ومتى * انهزل (1988) المحموم بأكثر مما تقتضي شدة حماه ولم يكن لطيف البدن واللحم كالصبى ولا في صميم الحر ولم يعرض له استفراغ محسوس كثير أو غير محسوس كالهم والحزن والسهر الطويل وعدم الغذاء، فلا يدل على الرداءة فقط لكنه دل على قصر المرض والتلف لأنه لو نقص بدنه وذبل كثيرا مع عدم هذه الأشياء ومع وجود قوة الحمى وشدتها دل على ضعف قوة العليل وعجز قوته الماسكة ورقة كيموساته وتخلخل بدنه فيؤول أمره على سقوط القوة قبل وصوله منتهى المرض. PageVW1P129B
280
[aphorism]
* قال أبقراط (1989) : أي موضع من البدن كان باردا أو حارا ففيه المرض. PageVW0P186A
[commentary]
يعني أي موضع من البدن كانت فيه حرارة وسخونة أزيد من طبيعته أو أبرد مما ينبغي له دل على سوء مزاج عرض له بسبب انحرافه عن مزاجه الطبيعي * أو دل على (1990) انصباب خلط غير طبيعي فيه، فتكيف ذلك العضو بكيفية الخلط المجاور له، أي سخونة * ملمس (1991) العضو تدل على سوء مزاج حار * حدث (1992) فيه مع مادة أو غير مادة وبرودة ملمسه أيضا تدل على برودة مزاجه ساذجا أو مع مادة.
281
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (1993) : وإذا كان تحدث في البدن * كله (1994) تغايير وكان البدن يبرد مرة ويسخن أخرى أو يتلون بلون ما ثم بغيره * دل (1995) ذلك على طول من المرض.
[commentary]
يعني لو تغير بدن العليل بحالات مختلفة ويبرد مرة ويسخن أخرى ثم تتلون سحنته * وبشرته (1996) بألوان مختلفة وكيفيات متغيرة دل كل واحد منها بكيفيته ولونه على نوع خلط ما في البدن ودل على طول المرض لأن هذه الحالات تدل على أن في بدن العليل فضلات مختلفة ومرضه مركب من المواد المختلفة في النوع، فتحتاج الطبيعة إلى مدة طويلة حتى * تميز (1997) كل واحد منها من غيره وتنضجه بإنضاجه الخاص به وتدفع كلا * منها (1998) في وقته وأوان * بحرانه (1999) المخصوص به فيطول المرض PageVW0P186B .
282
[aphorism]
* قال أبقراط (2000) : إذا كانت الحمى غير مفارقة ثم كانت تشتد غبا فهي أعظم خطرا، وإذا كانت الحمى تفارق على أي وجه كان * فهي (2001) تدل على أنه لا خطر فيها.
[commentary]
واعلم أن دوام الحمى إنما يكون إذا كانت العفونة * الحادثة (2002) في الخلط داخل العروق، وأما لو عفنت المادة خارج العروق تكون الحمى ذات فترات PageVW1P130A كالغب، وهي الحمى الصفراوية التي تعفن مادتها خارج العروق، وهي حادة وليس صاحبها على خطر منها. أما حدتها فلأن المادة المحدثة لها قليلة لطيفة حارة يابسة وعلى طبيعة النار. وأما عدم الخطر منها، لقلتها وسهولة نضجها وسرعة استفراغها وقصر نوبة أخذها، وتدع الطبيعة من غير أن تضعفها، ولأنها إذا تعبت الطبيعة في اليوم الواحد أراحتها في اليوم الآخر، ولأن مادتها خفيفة غير ثقيلة على القوة. وأما حمى الربع فمزمنة، وصاحبها منها في أمن. أما إزمانها لغلظ المرة السوداوي وبرودتها، ولذلك تحتاج الطبيعة في نضجها إلى مدة طويلة. وأما الأمن منها فلطول المدة بين نوائبها، وذلك أنها إذا أتعبت الطبيعة في يوم واحد * استراحت (2003) بفتورها في يومين أو أكثر. وأما المواظبة فمزمنة، وصاحبها منها على خطر. أما زمانتها فلأن الخلط PageVW0P187A الفاعل لها كثير غليظ لزج بارد عسر النضج والتحلل. وأما خطرها * فلأنها (2004) تكل الطبيعة وتتعبها في كل يوم ولا تدعها تستريح ولو يوما تاما ويمتنع * صاحبها (2005) من الطعام. والسبب الكلي في سلامة هذه الحميات وخطرها هو طول الفترة وقصرها فيها، أي أطولها فترة أبعدها من الخطر وبالضد. ولذلك صار الأخطر هو المطبقة اللازمة ثم النائبة البلغمانية، ثم الغب الصفراوية، ثم الربع السوداوية. يعني الحكيم أبقراط: إذا كانت الحمى غير مفارقة تكون * ذات (2006) خطر، ولو كانت الغير المفارقة تشتد غبا، أي لو تركب الحمى الغير المفارقة بالغبية المفارقة وأشتد غبا تكون أعظم خطرا من الغير المفارقة PageVW1P130B وحدها، وإذا كانت تفارق الحمى على * أي (2007) وجه كان فهو أقل خطرا وأسهل غائلة لاستراحة الطبيعة * وانتعاشها (2008) في وقت مفارقتها.
283
[aphorism]
* قال أبقراط (2009) : إذا كان يعرض نافض في حمى غير مفارقة لمن قد ضعف فتلك من علامات الموت.
[commentary]
* واعلم (2010) أن النافض هو أحد لوازم الحميات * العفنية (2011) وهو مركب من شيئين: أحدهما الحركة * الارتعادية (2012) والآخر البرد، وهذه الحركة حادثة من فعل الطبيعة لا من الطبيعة، وذلك أن الذي تحرك العضو بهذه الحركة هو أمر مرضي خارج عن الطبيعة لأن الطبيعة PageVW0P187B تدفع الفضل المؤذية من بواطن الأعضاء إلى ظواهرها، فتمر على الأعضاء * الحساسة (2013) فتدفعها عن نفسها بنفضها وتحريكها. وأما البرد المحسوس في هذه الحالة يعرض من انعطاف الحرارة الغريزية والدم إلى الداخل هربا من الأمر المؤذي الذي يرد على البدن، وقد يكون هذا الأمر المؤذي حارا كالحال في نافض الغب، وقد يكون باردا * كما في نافض النائبة والربع. فليس من عجب أن يكون الخلط غير مؤذ (2014) وإن كان * رديئا (2015) فمتى تحرك أحس البدن منه أذى شديدا، فإنا نجد القذى لا * يؤذي (2016) العين ما دامت ساكنة، فإذا تحركت العين وحركت القذى أحدث وجعا شديدا فيها، وإذا علمت أن النافض هو حركة من القوة الدافعة عندما يتأذى اللحم الحساس والعضل والأعضاء الحساسة لدفع المؤذي ونفضه عنها، فلتعلم أن أصنافه أربعة: نافض تتبعه الحمى ونافض لا تتبعه الحمى ونافض تنقضي به الحمى ونافض يتبعه الموت. والنافض * الذي تتبعه (2017) الحمى هو نافض الغب والربع والنائبة، وذلك أن الحمى التي لها فترات إذا استولت العفونة على موادها تشمرت PageVW1P131A الطبيعة في دفعها، فإذا مرت بالأعضاء الحساسة تحركت لتنفضها عن نفسها، فمتى تجاوز عنها والتهبت في مستوفدها حدثت الحمى. وأما النافض الذي تنقضي به الحمى * فيوجد (2018) في منتهى الحميات المحرقة PageVW0P188A وذلك أن المرة المحتبسة في العروق تستفرغها الطبيعة في منتهى الحميات وتنفذها في اللحم والعضل، ولذلك قد * يعرق (2019) من يصيبه هذا النافض وينذر أيضا في الأكثر بالبحران الذي سيأتي بعده فيكون كواحد من الأعراض الباحورية المنذرة بالبحران كالخفقان والصداع والدوار والقلق وسائر الاضطرابات الذي يجده العليل في منتهى * المرض (2020) * قبيل (2021) البحران. وأما النافض الذي يؤدي إلى الموت فهو ما يعنيه أبقراط لأن النافض الذي يعرض في حمى غير مفارقة لمن قد ضعف مهلك لأنه عنى بقوله يعرض أنه يعاود مرارا والنافض إذا عرض مرارا ولم تنقلع الحمى، والقوة قوية لم يكن محمودا، فكيف إذا كانت ضعيفة والطبيعة مغلوبة لأنه إن تبعه استفراغ من غير اقلاع الحمى تنحلت القوى برعدة النافض وزعزعتها للبدن أولا ثم بما يعرض من الاستفراغ ثانيا. وإن لم يتبعه استفراغ فهو أولى بالهلاك لأن النافض يقاوم القوة وتضعفها وعدم الاستفراغ دليل على غاية عجز القوة والطبيعة إذ من عادتها أن تدفع الفضل المؤذي بعد النافض.
284
[aphorism]
* قال أبقراط (2022) : PageVW0P188B إذا كان في الحمى التي لا تفارق ظاهر البدن باردا وباطنه يحترق ويصاحب ذلك عطش فتلك من علامات الموت.
[commentary]
وهذا النوع من الحمى * التي (2023) يبطن PageVW1P131B فيها الحر ويظهر البرد * يقال (2024) لها ليفوريا، وإذا كانت قوية ومعها عطش شديد وعظم التنفس والكرب دل على أذى في الباطن أو ورم موجع فيه، وإن الطبيعة والحرارة الغريزية غائصة إليه لتتدارك المؤذي ودفع * الموجع (2025) فيخلو الظاهر من الحر، كما * قال (2026) جالينوس أنه مهما احترق باطن العليل من الحرارة مع * كون (2027) ظاهره باردا دلت على أن في أحشائه * ورما حارا (2028) فينجذب الدم إليه وترجع الحرارة إلى الباطن لأنها آلة للقوى في أفعالها وتعمقت الطبيعة إليه طمعا لإصلاح الورم الموجع، وهذا الاحتراق الشديد في الباطن مع الوجع المؤذي فيه تحلل القوى ويضعف الطبيعة ولا يمهلها حتى تنضج المادة الموجعة بل يسقط قوتها.
285
[aphorism]
* قال أبقراط (2029) : برد الأطراف في الأمراض الحادة * دليل رديء
[commentary]
برد الأطراف في الأمراض * الحادة (2030) دليل على تحليل الأرواح والحرارة الغريزية من شدة مقاساة المرض الحاد وتراجعها إلى مباديها ولضعفها عن الانبساط PageVW0P189A والانتشار يميل إلى الباطن ويفارق من الأطراف وهي * الكفان والقدمان والأنف والأذنان (2031) . وتحدث هذه الحالة للعليل عند سقوط القوة ومشارفة الانطفاء للحرارة الغريزية، وقد تحدث من ورم * في (2032) الأحشاء أو الدماغ، فترسل الطبيعة الدم والحرارة إلى العضو المأوف طلبا لإصلاحه ولأنه مهما عرض ورم حار في عضو من الأعضاء واشتعل فيه * الحرارة (2033) النارية جذب الدم إلى نفسه بواسطة الحرارة الغريبة لأن شأن الحرارة الجذب لما يصلح أن يكون وقودا لها كما * تجذب (2034) حرارة اشتعال الفتيلة الدهن لتتشبب به. فمتى جذب الورم الدم من الأطراف صارت * أبرد (2035) PageVW1P132A * مما (2036) ينبغي ودلت على ورم الأحشاء وهو رديء، خصوصا في الأمراض الحادة، ولهذا كان استواء الحرارة في بدن المحموم دليلا على سلامة أحشائه من الورم والألم وغيرهما من الآفات.
286
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (2037) : من كان يصيبه في حماه نافض في كل يوم فحماه تنقضي في كل يوم.
[commentary]
الحمى التي تنقضي كل يوم هي الحمى النائبة وتسمى المواظبة، وهذه تحدث من عفونة البلغم خارج العروق، وعلامته أن يبتدي بنافض صادق البرد لأن PageVW0P189B البلغم بارد بالطبع ويعرض قشعريرة ذات برد شديد شبيهة ببرودة الثلج ويتسارع البرد إلى الظهر لمكان النخاع ومنابت الأعصاب ومن هناك إلى الأطراف لبعدها من مستوقد الحار الغريزي وتطول مدة لبث البرد، ثم تلتهب الحمى لغلظ البلغم ولزوجته وبرده حتى أنه ربما يسخن البدن ويحم، ثم يعاوده البرد والنافض، ثم يسخن أيضا من الرأس مرات حتى تظهر السخونة وتستولي على جميع البدن، وربما يظهر في هذه الحمى حر شديد، وفي الآخر * يقل (2038) ذلك لأن العفونة تسبق أولا إلى الأحلى والأملح والأرق ثم إلى الأبرد * والأغلظ (2039) فينتفض عنده المحموم * ثم (2040) يشتعل جميع البدن لأنها إذا عفنت طائفة من الأخلاط في مدة النوبة واستولت الحرارة النارية فيها، تتأدى تلك الحرارة والسخونة إلى الروح وجرم القلب ثم إلى سائر الأعضاء، وإذا افنت الحرارة رطوبة الخلط المتعفن وأخرجتها من البدن لأنها غير محتبسة في العروق بقيت رماديتها التي ليست مطية للحمى فتبطل الحمى إلى أن PageVW1P132B يجتمع مرة أخرى إلى موضع العفونة ويتعفن * بالحرارة (2041) التي بقيت من العفونة الأولى في اليوم الثاني فيعرض ما عرض له في اليوم السابق من النافض والحمى، وهكذا في اليوم الثالث إلى أن ينقضي حماه بالكلية PageVW0P190A فكان قوله حقا بأنه من كان يصيبه في حماه نافض في كل يوم * فحماه (2042) تنقضي كل يوم.
287
[aphorism]
* قال أبقراط (2043) : إذا أحدثت في حمى غير مفارقة ردائة في التنفس واختلاط في العقل فذلك من علامات الموت.
[commentary]
يعني إذا حدثت في الحمى المطبقة الحادة ردائة في التنفس بسبب ارتقاء البخارات الدخانية من البدن والقلب إلى الرئة والصدر والحجاب وامتلائها من الأبخرة الغليظة يكون * التنفس (2044) عظيما سريعا أو عرض لها بسبب البخارات الحارة يبس وسوء مزاج حار، فيكون النفس سريعا متواترا ولا تطاوع الرئة * والحجاب إلى (2045) * الانبساط (2046) الطبيعي ولا تقدر على ترويح القلب فترتقي * الأبخرة (2047) الدخانية إلى الدماغ وغلبت عليه الحرارة واليبوسة فحدث اختلاط العقل. وإذا تراكمت البخارات الغليظة فيه وارتقت إليه من مادة الحمى شيء وتورم الدماغ عرض السرسام وآفة في القوى النفسانية، فكان علامة الموت لأن أسباب رداءة * التنفس (2048) كثير، لكنه لو اقترن بها اختلاط العقل * يكون (2049) لورم في الحجاب وآلات التنفس، فلو تصاعدت PageVW0P190B من مادة الورم أو بخاراته الكثيفة إلى الدماغ وتراكمت وتحيزت فيه حدث اختلاط العقل المؤدي إلى السرسام المؤدي إلى التلف والهلاك.
288
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (2050) : متى التوت في الحمى الغير المفارقة الشفة أو العين أو الجانب أو الأنف أو لم * ير (2051) المريض أو لم يسمع أي هذه كان وقد ضعف البدن فالموت منه قريب.
[commentary]
وإنما يعرض PageVW1P133A الالتواء في هذه الأعضاء في الحمى الحارة الغير المفارقة بسبب الحرارة واليبوسة على الدماغ أو في منابت * الأعصاب (2052) منه أو في الأعصاب الحاسة إليها بسبب قوة حرارة الحمى وتصاعد البخارات الحارة إليها فتتشنج الأعصاب وتجذب هذه الأعضاء إلى المبادي فتلتوى وتتشنج، ومتى اقترن بالتوائها قدر إدراك السمع والبصر مع وجود ضعف المحموم دل على تحليل الروح النفساني وانهزام قواها وبطلان أفعالها، فلا بد أن * لا (2053) يتأخر الموت عند هذه الحالة. * وقد يحدث (2054) الالتواء في هذه الأعضاء بسبب ورم عظيم في الدماغ * وتمدد (2055) فيه * فتلتوي (2056) الأعصاب الآتية إليها نحو الدماغ التواء تشنجيا PageVW0P191A فتتشنج الشفة وتنقلب الحدقة ويلتوي الأنف، فتكون * علامة (2057) * قرب (2058) الموت.
289
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (2059) : في الحمى التي لا تفارق النخاعة الكمدة والشبيهة بالدم والمنتنة * والتي (2060) * هي (2061) من جنس المرار كلها رديئة. فإن انتفضت انتفاضا جيدا فهو محمود. * وكذلك (2062) * الحال في البراز والبول، فإن خرج ما لا ينتفع (2063) به من أحد هذه المواضع فذلك رديء.
[commentary]
واعلم أن كل شيء رديء يخرج من البدن كالبزاق والمخاط الغليظ الكدر المحترق الصعب الخروج المؤذي المضيق للنفس والعرق المنتن الكريه الرائحة الحمأة والبول والبراز * الأسودين (2064) * المخدرين للعضو الذي يجريان فيه (2065) فهذه كلها دليل على * رداءة (2066) حال البدن وسوء مزاجه بسبب الفضلات الرديئة والأخلاط المتعفنة الغير النضيجة فيه. وأما البزاق والمخاط المعتدل القوام الغير المشوب بهما شيء غريب ولم يكن فيهما رائحة كريهة PageVW1P133B ولا حرارة محرقة والعرق الشايع العديم الرائحة الغير الحارة، * وكذلك (2067) البراز النضيج المعتدل القوام القليل الرائحة الذي لا لذع فيه تدل هذه كلها على استيلاء الطبيعة على الفضلات PageVW0P191B وإصلاحها وإنضاجها ودفعها على الوجه * الأحسن (2068) ودل على أن ليس في البدن من الأخلاط الفاسدة الآتية من النضج * والصلاح (2069) . يعني أبقراط الحكيم خروج النخاعة الكمدة أو الشبيهة بالدم والتي من جنس المرار في الحمى المطبقة كلها رديئة، وكذلك البول والبراز الرديئين الغير * النضيجين (2070) لأنها تدل على الأخلاط الرديئة وعدم استيلاء الطبيعة عليها * بل يدل على عجز الطبيعة (2071) وضعفها بحيث لم تقدر على التصرف فيها ولكن لو خرجت من هذه المواضع خروجا طبيعيا وكانت من جنس مادة الحمى كان دليلا محمودا لأن استفراغها ينقي البدن ويبرئه.
290
[aphorism]
* قال أبقراط (2072) : من عرض له في حمى * محرقة (2073) سعال كثير يابس ثم كان تهييجه له يسيرا فإنه لا يكاد يعطش.
[commentary]
اعلم أن الرئة قد يجتمع فيها فضل كثير من الرطوبات عما يتصاعد إليها من بخارات * رطبة (2074) وما ينحدر إليها من الدماغ الرطب في النزلات فهي * مبتلة (2075) دائما بالرطوبات الفضلية، فمتى عرض سعال كثير يابس ولم يكن معه نفث فربما لم يعطش المحموم بالحمى المحرقة المعطشة لأن حركات الرئة من السعال تهيج الرطوبات PageVW0P192A التي حواليها فيكون بدلا من الماء المشروب، وربما انحدرت من تحريكات السعال وتجلبت إلى فم المعدة، ويمكن أن يكون السعال في الحمى المحرقة من الرطوبات المنصبة إلى الرئة من الدماغ أو من المواضع الأخرى، فيتجلب بعضها * بحركات (2076) السعال PageVW1P134A إلى المعدة ويطفئ لهيبها ويسكن العطش.
291
[aphorism]
* قال أبقراط (2077) : كل حمى يكون مع الورم الرخو الذي في الحالبين وغيره مما يشبهه فهي رديئة إلا أن تكون حمى يوم.
[commentary]
يعني كل حمى تكون مع الورم الرخو الذي في الحالبين وغيره مما أشبهه فهي رديئة لأن أكثر الطواعين تحدث في هذه المواضع وحمياتها خبيثة رديئة مهلكة وهي بثور كبيرة، أو ورم يخرج مع تلهب شديد مؤذ وحدوثها يكون من مادة سمية تسعى كيفيتها الرديئة إلى القلب من طريق الشرايين وهي في الأكثر قتالة. وأكثر ما يحدث في الأعضاء الضعيفة الرخوة وحمياتها مؤلمة مع تلهب شديد، ولا يفصد فيها كما لا يفصد الملسوع لئلا تتنشر السمية في جميع البدن. وإنما قال: وغيره، ليشمل كلامه الطواعين التي تتولد في الأبطين وخلف الأذنين واللحيين، وإنما قال: إلا أن يكون حمى يوم، لتخرج البثور التي تحدث في هذه المواضع، وليست من الطواعين لأنها تحدث البثور PageVW0P192B والأورام في هذه المغابن لدفع الأعضاء الرئيسة فضلاتها إليها فتقبلها اللحوم الرخوة الغددية التي فيها لضعفها وسخافتها كاللحيين فإنه مفرغة الدماغ والأبطين، فإنهما مفرغة فضلات القلب والحالبين، فإنهما مفرغة لفضول الكبد، وربما جلبها قروح وأورام أخرى على الأطراف تجري إليها المواد * فتسلك (2078) في طريقها تلك اللحوم فتتشبث بها * وتعفن (2079) فيها لعدمها الترويح، فإذا انتهت PageVW1P134B حرارة * العفونة (2080) إلى القلب وسخنت الروح من غير أن يسعى إليه بخار العفونة تولدت حمى يوم.
292
[aphorism]
قال أبقراط: الغب أطول ما تكون تنقضي في سبعة أدوار
[commentary]
الغب هي الحمى الصفراوية التي مادتها تعفن خارج العروق، وتسمى غبا لأنها تحدث وتأوب يوما ويوما * لا (2081) ويستدل عليها بارتعاد معه برد يسير في الأطراف ثم ينقلب سريعا إلى نافض قوي صادق اللذع شبيه بغرز الابر، وذلك أن الفاعل للغب الخالصة هو المرار الأحمر والأصفر، وهما لطيفان حاران وتزداد فيهما الحرارة الغريبة التي تتولد من العفونة، فلما انبعثت من العروق إلى الخارج ولذعت الأعضاء الحساسة هرب الحار الغريزي PageVW0P193A إلى الأصل والمبدأ شبيها بما يعرض من الماء الحار جدا إذا صب على البدن ويغور مع الدم الحار الغريزي إلى الداخل * فيبرد (2082) ظاهر البدن وتعرضه القشعريرة والارتعاد واللذع إلا أن مدة النافض لا يطول في هذه الحمى للطافة المادة وسخونتها * فتبادر (2083) إلى الحرارة وتسرع انتهاء النوبة وأكثر ما ينقضي نوبة هذه الحمى في أربع ساعات إلى ثمان. ولو زادت لم تمتد أكثر من اثنى عشر ساعة للطافة المرة ولا تدور هذه الحمى أكثر من أربع دورات، ولم تتجاوز سبعة أدوار وما جاوزت ذلك لم يكن غبا بسيطا، وتنقضي نوبته بالعرق * للطافة (2084) مادتها.
293
[aphorism]
* قال الحكيم أبقراط (2085) : الربع الصيفية في أكثر الأمر تكون قصيرة والخريفية طويلة، ولا سيما متى اتصلت بالشتاء.
[commentary]
حمى الربع هي الحمى الصفراوية PageVW1P135A التي تعفن مادتها خارج العروق، وتسمى الربع لأنها تنوب يوما وتفتر يومين، فينتهي مبدأ النوبة الثانية إلى اليوم الرابع. وإنما يستدل على أن الحمى ربع إنها تبتدي ببرد ونافض شديد تصطك معها الأسنان ويتوهم أن شيئا ثقيلا يرض العظام، وذلك لأن المادة الفاعلة لها غليظة جدا، ولهذا قالوا أن النافض الذي مع ثقل ووجع في العظام PageVW0P193B * كاف (2086) في الدلالة على أن الحمى ربع، وإنها تبتدي * ببرد (2087) ونافض شديد تصطك معه الأسنان. وأن المرة السوداء ليست أعسر تحللا من البلغم لعدم اللزوجة فيها غير أنها أبطى نضجا لأرضيتها، ولذلك * صارت (2088) أبطأ تحللا من البلغم فتزيد نوبتها على نوبته حتى * يستوي (2089) في * أربع (2090) وعشرين ساعة، وصارت مدة تركها * ضعف (2091) مدة أخذها، وليس لانقضائها حد محدود. وقيل طول مدة هذه الحمى إن لم يخطأ في تدبيرها سنة واحدة لو لم يجر العلاج كما ينبغي، فربما امتدت إلى إثنتي * عشرة (2092) سنة وإذا طالت المدة انتقلت في الأكثر * إلى (2093) الاستسقاء. فجعل أبقراط الحكيم أبطأ الأمراض مثالا في سرعة انقضائه في الصيف ليكون دستورا لغيره لأن حرارة الصيف تلطف المادة الغليظة الكثيفة وترققها وتنشرها في سائر البدن وتحلل ما رق منها وتخلخل المسام لتخرجها الطبيعة في أوان البحران. فتكون الربع الصيفية في الأكثر قصيرة بالنسبة إلى الربع الخريفية لأن هواء الخريف وفصله بارد يابس PageVW1P135B معين لمادة الربع مولدة لها، فتطول مدتها فيه سيما * الشتاء (2094) الذي تجمد فيه الأخلاط وتنسد المسام فيطول المرض فيه بالنسبة إلى الصيف.
294
[aphorism]
* قال أبقراط (2095) : PageVW0P194A من أصابته حمى ليست من مرار * فصب (2096) على رأسه ماء حار كثير انقضت بذلك حماه.
[commentary]
واعلم أن * أجناس (2097) الحميات بحسب ما توجد موضوعاتها في التقسيم ثلاثة لأن البدن مركب من ثلاثة أجناس: أحدها جوامد، وهي الأعضاء، والثانية السوائل، وهي الأخلاط، والثالثة أبخرة هوائية، وهي الأرواح. ويوجد لثلاثتها مبدأ واحد، وهو القلب، فإن القلب نفسه مبدأ * لأعضاء (2098) البدن، وهو أول عضو يتحرك من الحيوان وآخر عضو منه يسكن، * وكذلك (2099) هو أيضا أول عضو من الجنين * يكمل (2100) خلقه، والروح الذي فيه مبدأ للأرواح كلها والقوة التي فيه مبدأ للقوة المولدة للأخلاط بحسب الرأي الحق. فمتى اكتسب القلب سخونة نارية سخنت منه الأعضاء والأرواح والأخلاط، وإن سخنت الأخلاط أولا ثم تتأدى تلك السخونة منها إلى الأرواح والأعضاء كانت * الحمى (2101) عفينة، وإن كان الروح الذي فيه سخن أولا وتتأدى تلك السخونة منه إلى جرم القلب وإلى ما فيه من الأخلاط ثم إلى الأعضاء * كانت تلك حمى يوم، ولما كانت الأرواح ألطف الثلاثة (2102) كانت أسرع قبولا للحرارة النارية. وأسرع الثلاثة تركا لها، ولذلك صار البدن يحم حمى يوم من أدنى سبب يهيج الحرارة ويسخن الروح، ثم لا يمتد أكثر من يوم واحد حتى يفارقها، ولذلك سمي PageVW0P194B هذا الجنس من الحمى اقيماروس وهو اسم حيوان يخلق PageVW1P136A ويعيش ويموت * في يوم (2103) واحد، وصارت حمى يوم لا عوده لها لأنها ليست من خلط * حتى (2104) نالته العفونة ولا يحتاج إلى نضج واستفراغ. يعني الحكيم أبقراط من أصابته حمى يوم واستحم بعد * انقطاع (2105) الحمى ودون انحطاطه وصب على رأسه ماء حار * كثير (2106) انقضت بقية حماه وتحللت * الأبخرة المحتقنة بين اللحم والجلد وتنفتح المسام وتلين فيسهل على (2107) الأبخرة الحارة الدخانية النفوذ منها وتتصاعد منها الحرارة النارية وتتلاشى وانتعشت الحرارة الغريزية واستقام مزاج البدن. وأما قوله ليست من مرار احتراز من الحمى التي من المرة المتعفنة فإن انصباب الماء الحار فيها غير ملائم لأن الماء الحار والاستحمام يزيد فيها التعفين والحرارة الغريبة فلا جرم الاستحمام وصب الماء الحار يستعمل ويوافق لحمى الروح الذي لا يحتاج إلى النضج والاستفراغ، فخصص هذا الحكم بها دون غيرها.
295
[aphorism]
* قال أبقراط (2108) : من كانت به حمى وكان يرسب في بوله ثفل شبيه بالسويق الجريش، فذلك يدل على أن مرضه يطول.
[commentary]
إن الرسوب الشبيه بالسويق الجريش * يقال (2109) له الدشيشي، والدشيشي هو جلال PageVW0P195A السويق، ومثل هذا الثفل يدل على غلبة الحرارة في الكبد حتى يميز الدم فيجمد بعضه بالاحتراق وإما على بلغم قد احرقته وجففته حرارة الحمى، وإما على انحلال اللحم وتفتته إلى قطع مختلفة، وإما على انحلال وتفتت قد صار إلى عمق الأعضاء الأصلية، ويكون * لونه (2110) أبيض، ودليل على التلف والهلاك، ويكون مع هذه كلها الالتهاب والحمى الحادة وعدم دلائل النضج في البول وطول المرض لأن الطبيعة PageVW1P136B في نضج هذه الفضلات وتمييزها تحتاج إلى زمان طويل والفرق بين أجزاء اللحمية والدموية * المشتركة كلها في الحمى. وإن اللحمية أشد اتصالا وأعسر تفتتا والدموية (2111) أسهل تفتتا والأجزاء البلغمية المحترقة أجزاء متفرقة رمادية تشبه السويق * في (2112) عظمها وتنعقد حسب ما تنعقد الأجزاء الغليظة من مياه الحمامات على قدورها ومجاري مياها وأسافل حياضها، والذي من الكبد يضرب إلى القمة، وقد يشاركه في هذا أحيانا الذي عن الكلية. وإن كانت سوداء، فهي من انحلال الطحال. وإن كانت بيضاء فهي من انجراد الأعضاء الأصلية * وقيل هذا أردأ من جميعها (2113) .
296
[aphorism]
قال أبقراط: نفس البكاء في الأمراض الحادة التي معها حمى دليل رديء. PageVW0P195B
[commentary]
يريد بنفس البكاء استنشاق الهواء وإخراجه الذي يحصل للإنسان في دفعه واحدة ان يكون مرتين بحيث ينقطع وسط النفس عند انبساط الرئة لدخول * الهواء (2114) وعند الانقباض لخروجه، كالتي تعرض دون البكاء الشديد، خصوصا للصبيان، ولأن المغموم يشتغل * بشيء (2115) عرض له من الحزن والهم ويهتم بالجرع والبكاء ويذهل عن استنشاق الهواء وانبساط آلات التنفس بمقدار يريح قلبه بسبب أمر عارض مغافص تنصرف إليه النفس والطبيعة دفعة، فيسخن قلبه ويحمى. فلما تتنبه وتتوجه إلى الترويح بالانبساط والانقباض لا يدعه التهاب قلبه حتى يبسط الصدر على مقداره الطبيعي، فتقطع الطبيعة والقوة المدبرة الإلهية وسط الانبساط لتخرج الأبخرة الدخانية، ثم تتميه وتقطع وسط الانقباض PageVW1P137A طلبا لاستنشاق * الهواء (2116) ثم * تتمه فيصير الانبساط الواحد انبساطين والانقباض الواحد أيضا انقباضين. وسبب حدوث نفس البكاء في الأمراض الحادة إما ضعف قوة العليل وعجز طبيعتها، وإما صلابة آلات التنفس بسبب حرارة الحمى وتجفيفها لها، وإما شدة اشتغال القلب وفرط احتياجه إلى الترويح لأن القوة الضعيفة لما لم يتأت لها أن تروح PageVW0P196A القلب بالانبساط التام ... ثم يتم الانبساط لتقضي وطرها ثانيا، فيقوم الانبساطان (2117) مقام انبساط واحد وكذلك الانقباض. يشبه هذا حال المحتاج إلى حمل شيء ثقيل، فإنه إن * يقو (2118) على حمله حملة فعل وإلا قسمه بنصفين. وأما ان يكون سببه صلابة الآلة لأنه لا يطاوع لما تكلفه القوة المدبرة من الانبساط دفعة واحدة تنبسط دفعتين لتتدارك ما فات من الانبساط العظيم، وأما كون * اشتغال (2119) * (2120) * القلب (2121) لنفس البكاء هو شدة حاجته إلى الترويح * جدا (2122) ، فتهيج الطبيعة القوة الحيوانية لتقطع الانبساط ودفعت الأبخرة الدخانية بإحداث الانقباض وتقطع الانقباض للاستنشاق فيحدث نفس البكاء.
297
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (2123) : التشنج والأوجاع العارضة في الأحشاء في الحميات الحادة علامة رديئة.
[commentary]
إن الحمى الحادة الشديدة الحرارة تسخن الأحشاء وتجففها فيعرض لها بسبب الصلابة وسوء مزاجها وجع شديد وتمدد شبيه بالتشنج اليابس، وهذه علامة رديئة لأنه ربما * سقت (2124) هذه الكيفية الحارة اليابسة إلى الدماغ وحدث اختلاط العقل، وإن سرت * إلى (2125) القلب عرض له الخفقان، وإن وصلت اليبوسة والحرارة الرئة PageVW0P196B عرض للعليل الربو وضيق النفس ليبوستها وصلابتها واجتماعها * إلى (2126) نفسها فلا يطاوع الانبساط والانقباض بسهولة. وربما عرض له سعال يابس، وإن صارت إلى الكبد من التهاب الأحشاء وسخونتها جذبت الكيلوسات الفجة بحرارتها الجذابة، فيحدث فيها السدد، فيكون التشنج والأوجاع في الأحشاء في الحمى * علامة (2127) رديئة.
298
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (2128) : إن النافض أكثر ما يبتدئ في النساء من أسفل الصلب ثم يتراقى من الظهر إلى الرأس، وهذا أيضا في الرجال يبتدئ من خلف أكثر مما يبتدئ من قدام مثل ما قد يبتدئ من الساعدين والفخذين والجلد أيضا في مقدم البدن * متخلخل (2129) ، ويدل على ذلك الشعر.
[commentary]
اعلم أن النافض هو حركة ارتعادية للعضو، وهذه الحركة حادثة PageVW1P137B من فعل الطبيعة لا من الطبيعة نفسها، وذلك لما انتهضت الطبيعة إلى الحركة الدفعية للشيء المؤذي للبدن ينتفض ويرتعد العضو بالحركة الارتعادية من ذلك الشيء المندفع المؤذي الذي يرد على البدن، وقد يكون هذا الأمرض المؤذي حارا كمادة نافض الغب، وقد يكون باردا كمادة نافض النائبة. وسبب * النافض (2130) PageVW0P197A في الغب حدة المرة الصفراء وقوة * الدافعة (2131) التي في العضل * فينتفض (2132) العليل عند حركتها ومرورها اللذاع على الأعصاب والعضلات كما ينتفض من صب الماء الحار ويكون نافض الغب قويا مع غرزان شبيه بغرزان * الإبر (2133) ونافض النائبة نافض خالص بسبب إحساس البرد المؤذي الشبيه ببرد الثلج في الأطراف. يعني أبقراط في هذا الفضل نافض النائبة * لا (2134) النافض مطلقا لأن الحمى النائبة تبتدئ بقشعريرة، والقشعريرة نفضة مع برد، ثم يكون بردا صادقا في الظهر والأطراف لغوص الحرارة الغريزية في الباطن وانهزامها من البرد العارض للأعضاء الحساسة من البلغم البارد بالطبع. وإنما تحس برودة مادة النافض على الأكثر في النساء من أسفل الصلب بمحاذاة الرحم العصباني البارد المزاج وتتراقى إلى فوق ثم تنتشر إلى الأطراف. ويبتدئ في الرجال أيضا من خلف * مكان (2135) النخاع ومنابت الأعصاب العديمة الحرارة القليلة اللحم * والدم (2136) فتتسارع كيفية البرودة إليها وكثرة الشعر وغلظه في قدام البدن دليل على حرارته وكثرة دمه وقلة الشعر ورقته في الظهر وخلف البدن يدل * على قلة (2137) الحرارة، PageVW1P138A * وبرودته (2138) بالنسبة إلى قدام لأن الشعر ينعقد من البخار الدخاني الذي يخرج PageVW0P197B من مسام العضو المتخلخل القابل لنبات الشعر. فحيثما كان الشعر فيه أكثر دل على أن الحرارة والدم والبخار الدخاني فيه أكثر و * في (2139) أي موضع يكون الشعر فيه أقل يكون أقل حرارة، فتتسارع إليه البرودة ويتبدئ منه النافض.
299
[aphorism]
* قال أبقراط (2140) : العرق البارد إذا كان مع حمى حادة دل على الموت وإذا كان مع حمى هادئة دل على طول المرض.
[commentary]
واعلم أن من الحميات التي يحدث معها العرق هي حمى الروح التي تبتدي بغير نافض وتقلع بعرق، ولكن * لا يقال (2141) لها حمى حادة، والحميات المطبقة * حادة (2142) أو غير حادة لا يكون معها عرق لأن مادتها تعفن داخل العروق، وسبب دوامها هو امتناع الخلط العفن من الاستفراغ بالعرق أو بغيره من الاستفراغات لكونه محصورا في أوعية * مكتنزة (2143) الجرم، فيبقى * إلى (2144) انقضاء أمر العفونة وإلى يوم البحران كالحمى اللثقة التي مادتها تعفن داخل العروق، فلا يكون فيها العرق إلا عند المفارقة الكلية، وليست هي أيضا من الحميات الحادة. وأما الحميات التي تعفن مادتها خارج العروق أربعة بحسب الأخلاط الأربعة، وصار لا يعفن الدم خارج العروق إلا في الأورام، فإذا عفن الدم خارج العروق في العضو الوارم PageVW0P198A اشتعلت فيه الحرارة النارية وسرت إلى القلب بسبب ما يجاوره من الشرايين فيحم. ولا يقال لهذه الحمى ولا للحميين الحادثتين من عفونة البلغم والسوداء خارج العروق PageVW1P138B حمى حادة، فتكون الحمى الحادة التي تحدث مع * العرق (2145) وتتقلع به * هي الحمى (2146) الصفراوية، ولكن ما التفت أبو الصادق إلى هذه المعاني ليبين * أنه (2147) كيف يمكن العرق البارد مع الحمى الحادة. وقال: إنما يدل العرق البارد مع الحمى الحادة على الموت لأنه دليل على الرطوبات الكثيرة الباردة التي غلبت على البدن حتى لا تقوى الحرارة الغريزية ولا الحرارة النارية على تسخينها لشدة برد الرطوبات، * فالحمى (2148) الحادة تنحل القوة وتسقطها قبل أن تنضج الرطوبات الباردة. فأقول، كيف يمكن غلبة الرطوبات الكثيرة الشديدة البرد على المزاج الصفراوي والبدن الذي عفنت فيه المرة المحدثة للحمى الحادة حتى عرض العرق البارد. وافهم أنه يمكن حدوث هذه الحالة لو كانت مادة الحمى مركبة كشطر الغب والغب الغير الخالصة فترقق الحرارة النارية وسخونة الحمى الحادة لبلاغم الغليظة الزجاجية الشديدة البرد ولم تقدر الحرارة الغريزية على تسخينها عند ضعفها وقربها من الانطفاء من نكاية الحمى الحادة ولا تمهل الطبيعة شدة الحمى الحادة حتى تنضجها PageVW0P198B * فتكل (2149) وتضعف عن تصرفاتها فيها وتجوزه بتركها حتى تستفرغ بعرق بارد * بخلاف (2150) ما لو كانت الحمى هادئة ساكنة كانت الطبيعة في نضج الفضلات الباردة * وتسخينها (2151) محتاجه إلى طول الزمان مع بقاء قوتها وأمنها من الحمى الفاترة.
300
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (2152) : العرق الكثير الذي يخرج دائما PageVW1P139A حارا كان أو باردا * فالبارد منه يدل (2153) * على أنه ينبغي أن يخرج من البدن رطوبة إما في القوى فمن فوق وإما في الضعيف فمن أسفل.
[commentary]
العرق الكثير الذي يخرج دائما حارا كان أو باردا * يدل (2154) على امتلاء البدن من الكيموسات والفضلات الغير المحتاجة إليها البدن، فتروم الطبيعة دفعها وتنقية البدن عنها أو كانت في البدن أخلاط رديئة مؤذية، فتدفع الطبيعة ما رق ولطف منها من المسام بطريق العرق، فينبغي أن تخرج من تلك المواد وتنقص بالقيء والإسهال لكيلا تجمع وتحدث مرضا ما امتلائيا. ولئلا ينصب شيء منها إلى عضو شريف. لكن * أبعد (2155) الناس استحقاقا لأن يقيئه الطبيب وكل ضيقي الصدر ضعيفي النفس دقيقي الرقاب والضعاف المعدة. فإن هؤلاء لا يليق بهم القيء بل يستعمل فيهم الإسهال وأبعد غايات القيء. أما على سبيل التنقية الأولى PageVW0P199A فالمعدة وحدها حتى دون الأمعاء فأما على سبيل التنقية الثانية * فمن (2156) سائر البدن * والرأس (2157) . واعلم أن الإسهال يجذب من فوق ويقلع من تحت والقيء يفعل بالعكس.
301
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (2158) : العرق الكثير * الذي (2159) يجري دائما حارا كان أو باردا * فالبارد منه (2160) يدل على أن المرض أعظم والحار منه يدل على أن المرض أخف.
[commentary]
يعني * العرق (2161) الذي يجري دائما في غير أوقات البحارين حارا كان أو باردا يدل على أن البدن غير نقي وفيه فضلات وكيموسات مؤذية للبدن، فتدفع بعضها الطبيعة والقوة الدافعة. أما إن كان العرق باردا كان منتهى المرض بعيدا ومدة مقاساة المرض طويلا لاحتياج الطبيعة في إنضاج الفضلات إلى تمهل وزمان طويل بخلاف ما لو كان العرق حارا، فإنه يدل على أن منتهى المرض PageVW1P139B قريب وزمان المرض قصير لدلالة العرق الحار على استيلاء الطبيعة عليها وتهيئتها بالحرارة الغريزية التي هي آلة لها للدفع في يوم البحران، فطول المرض أعظم وقصره أخف.
302
[aphorism]
* قال أبقراط (2162) : إذا كان بإنسان حمى فأصابه عرق ولم تقلع عنه الحمى فتلك علامة رديئة. PageVW0P199B
[commentary]
اعلم أن العرق مهما كان كثيرا * فالحمى (2163) تنقلع بعقبه وإن * كان (2164) يسيرا * الحمى (2165) تطول * ولا (2166) تنقلع. ومتى لم تنقلع الحمى بعد العرق الوافر، اعلم أن في بدن المحموم رطوبات وفضلات رطبة أكثر مما دفعتها الطبيعة على طريق العرق وتحتاج في نضجها إلى زمان طويل، فيتأخر منتهى المرض وتطول مدته لأن المادة البلغمانية الرطبة الباردة بليدة عسرة القبول للنضج بسرعة لأنها تغمر الحرارة الغريزية بكميتها وكيفيتها الباردة * وتكل (2167) حرارتها فلا تقدر الطبيعة على إنضاجها وتسخينها بسهولة بل تتمهل.
303
[aphorism]
قال * أبقراط (2168) : إذا حدث بعد العرق اقشعرار فليس ذلك بدليل محمود.
[commentary]
القشعريرة رعدة مع بردها، فمتى عرض القشعريرة بعد العرق دلت على فضلات فجة باردة ونية لذاعة واستيلائها على الطبيعة وغلبتها في البدن بحيث لم تقدر القوة المدبرة على إنضاجها لردائة كيفيتها وكثرة كميتها، فقصدت أن تدفعها ضرورة قبل مصادفتها * النضج (2169) * لتخلص (2170) البدن من إيذائها، فدفعت بعضها بالعرق ولم تقدر على تمام نفضها وتنقية البدن منها، فحدث القشعريرة الدالة على عدم استفراغ الخلط المؤذي بتمامه عن البدن، * وعلى (2171) رداءة PageVW1P140A الخلط المندفع الفج الدال على ضعف الطبيعة عن إمساكه حتى ينضج ويستبعد إلى يوم البحران PageVW0P200A لأها لو دفعته على سبيل الاستيلاء وتعقب النضج عرض للعليل خفة وراحة في البدن بسبب دفع المؤذي والخلط الرديء ولم يحس بقشعريرة ولذع. وإنما لا يقشعر البدن من الكيموسات الرديئة قبل العرق لأن الفضلة متى كانت ساكنة لا يؤلم ولم ينفعل عنها البدن، فمتى تحركت ومرت على الأعضاء الحساسة الغير المألوفة بها أدركت إيذائها واقشعرت منها كما ان الإنسان مهما انغمس في الماء ووقف ساعة لم ينفعل من كيفية الماء، وإذا حركه على نفسه اقشعر عن إحساح برودته.
304
[aphorism]
قال * أبقراط (2172) : وحيث كان العرق من البدن فهو يدل على أن المرض في ذلك الموضع.
[commentary]
وإذا عرفت أن العرق يحدث لفضل خلط في البدن فمتى عرق عضو من الأعضاء دل على أن فيه فضلة تتولد منها بخارات * رديئة (2173) مائية كثيفة وتتراكم في العضو ويخرج باستحالتها ماء بالعرق وما استحال منها إلى الهوائية يخرج من المسام ويتلاشى بالاستفراغ الخفي والتخليل الغير المحسوس، فمهما ظهر العرق في العضو من الأعضاء * علم (2174) أن فيه * خلطا مؤذيا (2175) تدفعه الطبيعة بالعرق كما لو كان * العرق (2176) في جميع البدن دل على امتلائه من فضل خلط وفضلات مؤذية تدفعها القوة الدافعة.
305
[aphorism]
قال * أبقراط (2177) : من كان جلده متمددا قحلا صلبا فإنه يموت من غير عرق ومن * كان (2178) جلده رخوا متخلخلا فإنه يموت مع عرق. PageVW0P200B
[commentary]
يعني من كان جلده يابسا عديم الرطوبة فإنه يموت * في منتهى مرضه من غير عرق لعدم الرطوبة الفضلية في أعضائه ومن كان جلده رخوا متخلخلا أي رطبا ذا نداوة يموت (2179) بعرق PageVW1P140B لأن الأعضاء إذا تشنجت * وانضمت (2180) بعضها بعضا وانعصرت ينزرق ما فيها من الرطوبات، * وهذه (2181) أحد أسباب خروج المني في وقت الجماع، فإن الآلة إذا توترت جذبت أوعية المني وعصرتها فينزرق ما فيها، * وكذلك المني ينزرق من الذي ينزع إذا فارقه الروح لأن هذه المجاري تجف وتنقبض وينزرق ما فيها (2182) ولأن البدن الممتلئ الرطب يتراكم تحت مسام جلده البخارات الكثيرة الحارة من هول الموت وشدة النزع، فعند انطفاء الحرارة الغريزية واستيلاء البرودة على بدن المشارف للتلف * يجمد (2183) ما كان كثيفا منها ويبرز ما لطف منها بالعرق كما يعرق من سخن مزاجه عند شرب الماء البارد، * وذلك أن البخارات الحارة يمتنع خروجها من المسام لكثرتها وازدحامها فشرب الماء البارد (2184) يغلظ ويسكن بعضها فيسهل الخروج عن باقيها، وهذه الحالة تعرض للمسافرين في القيظ. وقيل أن القوة الدافعة تقوي بعض * (2185) القوة بشرب الماء البارد لاعتدال المزاج الحار PageVW0P101A وقيل إنه يعرق لسقوط * قوته (2186) الماسكة التي تمسك الرطوبات قبل نزعه وقوته.
306
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (2187) : من كان بوله غليظا شبيها * بالعبيط (2188) يسيرا وليس بدنه ينقي من الحمى فإنه إذا بال بولا كثيرا رقيقا انتفع به وأكثر من يبول هذا البول من كان يرسب في بوله منذ أول مرضه أو بعده بقليل سريعا * ثفل (2189) .
[commentary]
يعني من كان بوله * في (2190) القوام غليظا شبيها * بالعبيط (2191) أي بالدم الجامد وكان يسيرا أي قليلا * في (2192) المقدار وكان * محموما (2193) ثم بال بولا كثيرا رقيقا انتفع به، يعني من كانت به حمى وبال بولا غليظا يسيرا دل على أن مادة مرضه * غليظة (2194) ولهذا يرسب في بوله منذ أول الأمر ثفل لا لنضجه ولكن لثقله وغلظه وفجاجته لأن الثفل الحاصل بعد النضج لا يكون بعد تزيد المرض PageVW1P141A وإلى * المنتهى (2195) ، فمن بال بعد ذلك بولا كثيرا رقيقا كان نافعا ودليلا على النضج، * وذلك (2196) أن المادة الرقيقة الفجة إذا * أخذت (2197) في النضج تثخن * كذلك (2198) الغليظ يأخذ في الرقة متى صار إلى النضج. والذي يبول ثخينا ثم بعد ذلك يصفو * ويرق (2199) يدل على أن الحرارة النارية التي في الحمى قد سكنت عن التثوير والأجزاء المغلظة PageVW0P101B للبول قد أخذت تتميز وإنما يكون يسيرا عند غلظه لعسر نفوذه في مجارى الكلية ولما رق بعد ذلك يسهل خروجه من مجاري البول فيكثر، وقيل إنما كانت الرقة والغلظ جميعا يدلان على عدم النضج * لأن النضج (2200) يتبعه اعتدال القوام، فالغليظ * نضجه (2201) ان يسلك إلى الرقة طريق الاعتدال من القوام، وهذا الذي عناه بالرقيق، * أي رقيق (2202) بالقياس إلى الأول، وبحسب ما كان كما يكون الرقيق نضجه إن * ينطبخ (2203) إلى الثخونة حتى يصير إلى الاعتدال، ولما كان البول الغيظ جدا في أكثر الأحوال يدل على عدم النضج وفي أقلها على نضج الأخلاط الغليظة القوام، ويكون في منتهى الأمراض. فكونه غليظا في مبادئ الحمى ورسوبه يدل على أن في البدن * أخلاطا (2204) غليظة كثيرة لا تطاوع الخروج، فيكون يسيرا لغلطها، فمتى أنضجتها الطبيعة * ورققتها (2205) خرجت بسهولة وكثرة وينفع المحموم لأنه ينقي بدنه باستفراغ المواد الغليظة المحدثة للحمى عند إدرارها.
307
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (2206) : من * بال (2207) بولا منثورا شبيها ببول الدواب ففيه صداع حاضر أو سيحدث به.
[commentary]
واعلم أن * البول (2208) الثخين الخاثر يكون من أخلاط نية فجة في العروق مع حرارة تعمل فيها PageVW0P102A وتثيرها PageVW1P141B فيخرج مع البول وعلى الأكثر يكون بلغما جافا والحرارة التي يعمل فيها على الأكثر حرارة غريبة، فتحدث فيه تثورا وقد يلحق البول المنثور لكثرة تثوره ببول الدواب، وذلك إذا كانت الفضلة أكثر فجاجة والريح التي * تتولد (2209) فيها تكون أغلظ. ولهذا حكم الحكيم أبقراط بأن من بال مثل هذا البول ففيه صداع حاضر أو سيحدث، ذلك أن المادة التي تصدع ريح غليظة مع حرارة قوية فيها فيسرع صعودها إلى الرأس فيحدث الصداع. وربما كانت البخارات شديدة الحرارة، * فأسخنت (2210) الدماغ فحدث الصداع واختلاط العقل. وربما كانت الحرارة التي تعمل في المادة طبيعية تطلب النضج فتثور حسب ما تفعله في العصارات من التثور عند الانطباخ ونيل القوام، وهذا البول يكون منصبغا ويوجد في منتهى الحميات العفينة. وقال الشيخ أبو علي: البول الذي يشبه * أبوال (2211) الحمير وأبوال الدواب * وكأنه (2212) ملخلخ يدل على فساد أخلاط البدن، وأكثره على خام * عملت (2213) فيه حرارة فتهيج ريحا غليظة، ولذلك قد يدل على الصداع الكائن أو * المطل (2214) ، وقد يدل إذا دام على ليثرغس. ويعني بقوله ملخلخ، أي مضروب، كما قال في الصداع التابع للحميات أنه ينبغي أن يغرق الرأس بزيت الانفاق متحذا به دهن الورد المعتاد ملخلخا بالخل، أي مضروبا. PageVW0P102B
308
[aphorism]
* قال أبقراط (2215) : وإذا كان البول ذا * مشف (2216) أبيض * فهو (2217) رديء وخاصة في أصحاب الحمى التي مع ورم الدماغ.
[commentary]
قوله ذا مشف * أبيض (2218) أي رقيق أبيض والأبيض الرقيق هو الذي يخرج الماء بهيئته ويدل في الاصحاب على عدم النضج، وذلك * أن (2219) المائية إذا نضجت في الكبد PageVW1P142A مع الأخلاط انصبغت بلون ما * واستفادت (2220) من الأخلاط صبغا وقواما فعدم الانصباغ * مع الرقة (2221) دليل على الفجاجة وقد يكون مع السهر ومن طول اليقظة لأن السهر يمنع من الهضم لأنه يمنع الحرارة من الغوص ولأنه يحلل الحرارة الغريزية ويكون * سبب (2222) ضعف قوة الهاضمة في الكبد لبرده كالحال في المشايخ ولمن ضعفت كبده بسبب ما. وأما في المرض فيدل تارة هذا البول أن المائية لا تلبث في الكبد ريثما تنضج لأن الكلى قد سخنت فينجذب الماء * كلما (2223) شرب فوق ما يحتمله فيثقل * عليها (2224) فتدفعه إلى المثانة فيخرج الماء بهيئته كما في ديابيطس ويدل تارة على سوء مزاج بارد في الكبد وأما في الأمراض الحادة فيدل على أن الصفراء قد مالت عن آلات * البول (2225) إلى عضو آخر فإن كان في موضع من البدن ورم دل على ميلها هناك ويميل في أكثر الأمر إلى * أعالي (2226) البدن للطافتها وخفتها PageVW0P203A ولذلك ينذر هذا البول بالسرسام إذا لم يكن وبالهلاك إذا كان.
309
[aphorism]
* قال أبقراط (2227) : من * كان (2228) بال من * الليل (2229) بولا كثيرا دل على أن برازه يقل.
[commentary]
يعني من بال بولا كثيرا وتوجهت الرطوبات الفضلية الى محدب الكبد واستفرغت المائية بالإدرار من الكلية والمثانة بقيت الأثقال في الجوف يابسا قليلا بالنسبة إليها لوكانت مختلطة بالرطوبات وفي بعض النسخ مقيد مخصوص هذا الحكم بالليل ولو * كان (2230) هذا حكما كليا * ولكن (2231) لما كانت الحرارة الغريزية تغوص في الليل وعند النوم الى الباطن PageVW1P142B للنضج والهضم وتهتم الطبيعة * باصلاح أحوال (2232) البدن عند فراغها عن استعمال الحواس فتميز المائية الغير المحتاجة اليها في هذا الوقت أولى وأجدر.
310
[aphorism]
قال * أبقراط (2233) : من كان بوله متشتتا فذلك * يدل على أن في بدنه اضطرابا قويا.
[commentary]
البول المتشتت هو أن * تكون (2234) أجزاؤه المختلفة المتفرقة غير راسبة فيه بل مختلطة في أجزائه المائية وسبب * تشتت (2235) الثفل هو عجز الطبيعة عن أن تستولي على جميع أجزائه وأن تعمل فيه عملا واحدا بالسوية * لأن (2236) الحرارة الغريزية توجد مشوبة بالحرارة الغريبة فهي لا تقدر أن تفعل فيما تفعله فيه بالسواء فلو امتازت هذه الأجزاء ورسبت PageVW0P203B يكون نخالياوأما النخالي فقد يكون من جرب المثانة وقد يكون من ذوبان الأعضاء والفرق بينهما أنه إذا كان مع حكة في أصل القضيب ونتن فهو من المثانة وأما إذا كان مع التهاب وحمى وضعف قوة يكون مع ذوبان. والاضطراب القوي يحدث من مجاهدة الطبيعة بالمرض وعند معاندة مادته لها إذ لو كانت الطبيعة مستولية على مادة المرض لكان البول ذا قوام مستو وأثفاله * راسبة (2237) * متميزة (2238) فتشتت البول واختلاط أجزائه المختلفة دليل على عجزها فيكون دليلا على حالة رديئة واضطراب قوي في البدن * وربما (2239) لم يكن بالطبيعة ضعف ولا عجز إلا أن المادة تستعصي عليها بسبب غلظها ورداءتها فيقع بينهما مكادحة ومدافعة فيعرض الاضطراب.
311
[aphorism]
قال أبقراط * الحكيم (2240) : إذا كان الغالب على الثفل * الذي (2241) في البول المرار وكان أعلاه رقيقا دل على أن المرض حاد.
[commentary]
واعلم أن الثفل الأصفر المراري يدل على * أن (2242) الحرارة النارية وحدة المادة * الآخذة (2243) إلى التعفن PageVW1P143A والفساد * ودل (2244) على أن المرض حاد بمقدار صورته ويكون شره وأردأه الصادق الصفرة ولو كان الرسوب الأصفر مع البول الأبيض خيف منه الخطب الشديد PageVW0P204A * لأنه يدل (2245) على غلبة * المرار (2246) والحرارة النارية مع انخزال الحرارة الغريزية وقوله * وكان (2247) أعلاه رقيقا أي في الشكل لأن رقته في القوام تدل على عدم النضج الدال على طول المرض فلا يكون حادا واعلم أن الثفل الراسب والمتعلق والطافي إذا ظهر بعد أن لم يكن دل على أن الطبيعة قد أخذت في الانضاج سيما إذا كان الثفل جيدا في الشكل وهو أن يكون سلسا مائل الأهداب إلى أسفل فإن في * مثل (2248) هذا كثيرا ما ينقضي المرض بسرعة وإن كان مائل الأهداب إلى فوق دل على طول المرض لأنه يدل على الرياح والأول يدل على انفشاشها لأن الثفل المحمود يترسب ويميل إلى أسفل لعدم الريح ووجود النضج فيه وإن المتعلق والطافي يوجدان * لريح (2249) ترفعهما إلى فوق ولعدم كمال النضج.
312
[aphorism]
* قال أبقراط (2250) : النوم والأرق إذا جاوز كل واحد منهما المقدار القصد فتلك علامة رديئة.
[commentary]
واعلم أن السبب المادي للنوم الطبيعي رطوبة الدماغ باعتدال وذلك أن الأبخرة الرطبة التي ترتفع من الأغذية إلى الدماغ تملأ تجويفه وترخي جواهر الأعصاب وتخالط الروح النفساني فتمنعه من الانبعاث PageVW0P204B إلى آلات الحس والحركة لغلظها فيعرض الكرى فالنوم الطبيعي يقوي القوى الطبيعية كلها بحقن الحرارة الغريزية ويكثر جوهر الروح لمنعه من التحلل ويزيل أصناف الإعياء وينفض الفضول من البدن PageVW1P143B بالبول والبراز والرمض والمخاط لما علمت أن النوم الطبيعي يكون من رطوبة الدماغ المعتدلة فتكون اليقظة من يبوسته بالاعتدال فإذا جاوز كل واحد منهما المقدار القصد إلى * الوسط (2251) والاعتدال كان علامة ردية أي دليلا على غلبة الرطوبة في الدماغ عند النوم المفرط وعلى استيلاء اليبوسة فيه عند اليقظة المجاوزة عن حد الاعتدال لأن الأول * يرخي (2252) القوى النفسانية بترطيبه مسالك الروح النفساني وإرخائه إياها ويورث الأمراض الرطوبية والنوازل ويرخي الأعصاب ويورث الكسل والبلادة والثاني وهو الأرق والسهر يفسد مزاج الدماغ إلى ضرب من اليبوسة ويضعفه ويحدث اختلاط العقل ويحلل الروح والحرارة الغريزية ويولد الأمراض الحادة بسبب إحراقه للأخلاط وتحليله الرطوبات واعلم أن اليقظة للروح بمنزلة الرياضة للبدن لأن اليقظة هي استعمال النفس للحواس والروح الحيوانية * في الحركات (2253) الاختيارية والروح النفساني في حفظ PageVW0P205A نظام الحركات فيتحلل جوهر البخار بسبب هذه الأفعال والحركات فإذا كثر النوم وطال لم يتحلل البخار عن الروح واحتبس فيه بكدر وسخن وعرض الحمى.
313
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كان النوم في مرض من الأمراض يحدث وجعا فذلك من علامات الموت ، وإذا كان النوم ينفع فليس ذلك من علامات الموت
[commentary]
اعلم أن النوم هو ترك النفس استعمال الحواس طلبا * للإجمام (2254) وأن القوة الإلهية المدبرة بتقدير من له * الخلق والأمر تبرز الحرارة الغريزية التي هي آلة (2255) للقوى في أفعالها إلى الظاهر في حال اليقظة لتجود بذلك للنفس الحيوانية تصرفاتها PageVW1P144A الخاصة من استعمال آلات الحواس والحركات فإذا كلت هذه الآلات وتعبت تركت النفس استعمالها وتعيد الحرارة المحيية راجعة إلى عمق البدن فتستعملها في جذب الملائم وهضمه وتوزيعه على الأعضاء وإحالته إلى مزاجها وفي نضج الفضول ودفعها وتتوجه الطبيعة بالكلية إلى قمع مادة المرض وإصلاحها فمتى عرض للعليل بعد انتباهه من النوم خفة وراحة دلت على استيلاء الطبيعة على مادة المرض وأمن * من (2256) الهلاك وإن أحس بوجع وضرر فيه بعده دل على خور الطبيعة وعجزها فيكون دليلا رديئا. PageVW0P205B أقول هذا الحكم مخصوص في أيام البحارين وأوقات المكادحة الكلية بينهما.
314
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (2257) : متى سكن النوم اختلاط الذهن فتلك علامة صالحة
[commentary]
إن النوم يقوي القوة الطبيعية في أفعالها، * ويريح (2258) القوة النفسانية، ويكثر جوهر الأرواح ويمنعها من التحلل ويتدارك الضعف الكائن عن أصناف التحلل ويتلافى ضرر السهر في الدماغ * ولذلك قيل أن جالينوس كان يقول إني الآن على النوم حريص أي أني اليوم شيخ ينفعني ترطيب النوم فأرغب إليه (2259) . يعني أبقراط متى سكن النوم سورة اختلاط العقل * ودفعه (2260) دل على أن ما كانت في * دماغ (2261) العليل من سوء المزاج الحاد وغلبة اليبوسة وتحليل القوى النفسانية استحال إلى الاعتدال بسبب تبريد النوم وترطيبه وتكثيره جوهر الدماغ والروح يمنع التحليل وإجمام قواه فيكون * علامة (2262) جيدة.
315
[aphorism]
* قال أبقراط (2263) : * التفزع (2264) والتشنج العارضان في الحمى في وقت النوم من * العلامات (2265) الردية
[commentary]
التفزع في الحمى يكون من شدة PageVW1P144B التهاب النارية المحرقة لبعض الأخلاط اللطيفة وارتقاء بخاراتها السوداوية إلى الدماغ فيحدث * التفزع والتشنج يحدث (2266) فيها PageVW0P206A من فرط تحليل حرارة الحمى وتسخينها وتجفيفها الأعصاب فتتصلب وتتشنج وإنما قال في النوم مع أن النوم مرطب وفيه تكون الطبيعة على أقوى حال لدفع المرض فحدوثهما مع وجود النوم يدل على قوة سبب المرض وحدة مادته فيكون من العلامات الردية أو يعرض التفزع من تجلب خلط * مؤذ (2267) سوداوي * محترق (2268) من حرارة الحمى إلى فم المعدة فتتصاعد بخاراتها الكثيفة الموحشة * إلى (2269) الدماغ عند النوم فيعرض التفزع وما تحيز منه في فم المعدة واكتسب فيه كيفية مؤذية لذاعة ينفر عنه العصب أو يبوسة مجتمعة له حدث التشنج ومن * هذا القبيل (2270) تشنج. من قاء خلطا زنجاريا أو من كان قوي حس فم المعدة إذا اندفع إليه المرار يعني في النوم الذي تكون الطبيعة على أقوى حال فيه إذا لم يقدر على دفع المادة وعرض له التفزع والتشنج كان دليلا على عدم اقتداره في غير هذا الوقت.
316
[aphorism]
* قال أبقراط (2271) : من دعته شهوته إلى الشرب بالليل وكان عطشه * شديدا (2272) فإنه إن نام بعد ذلك فذلك محمود
[commentary]
العطش الصادق هو الذي ينضج الغذاء الغليظ في المعدة وينفذ في المسالك الضيقة الليفية التي للماساريقا إلى الكبد وقد يحدث من احتياج البدن PageVW0P206B إلى الرطوبة عند انحرافه وميله إلى اليبوسة فينبغي أن لا ينام على مثل هذا العطش بل يشرب ماء حتى يروى فأما ما يعنيه أبقراط هو العطش الكاذب الذي يحدث من اجتماع خلط مالح غليظ في المعدة أو خلط يابس شديد الغلظ فيستدعي الماء ليستنقع PageVW1P145A * فيه (2273) فلما شرب الماء اختلط به بعضه وغلظ وبرد فلم يلطف ولم ينفد إلى الكبد وذلك الخلط أيضا يستدعي الماء فيدوم العطش فكأنه قال لا ينبغي أن يشرب الماء بالشهوة ويصبر على العطش والزم على نفسه النوم ليزول عطشه لأن حرارة الأحشاء تقوى وتشتد عند ذلك وتوجهت إلى تذويب ذلك الخلط وتلطيفه وتروية الأعضاء به فيسكن عطشه. قوله فإن نام بعد ذلك إلى أن اقتدر على الصبر وعرض له النوم مع وجود شدة العطش دل على أنه كان كاذبا وكان نوما محمودا ولو لم ينم وشرب ماء باردا بالعطش الكاذب في ذلك الوقت لكان ضرره عظيما ولو كان عطشه صادقا لم يمكن له الصبر عليه والنوم فيه وإن الزمهما على نفسه بل ينبغي أن لا يتقاعد عن التروية وأن لا ينام عطشانا بالعطش الصادق فإنه يضره ويحلل رطوباته التي يحتاج إليها البدن.
317
[aphorism]
قال * أبقراط (2274) : PageVW0P207A العرق الكثير الذي في النوم من غير سبب بين يدل على أن صاحبه يحمل على بدنه أكثر مما يحتمل فإن كان ذلك وهو لا ينال من الطعام فاعلم أن بدنه يحتاج إلى الاستفراغ
[commentary]
ويحدث العرق الكثيرفي النوم من اندفاع فضلات البدن عن المسام عند غوص الحرارة الغريزية وترقيق الطبيعة ما كان غليظا منها فالعرق الكثير في النوم يكون إما لامتلاء البدن من المطعوم الوقتي وإما * لامتلاء (2275) متقادم إن لم يكن له سبب ظاهر كحرارة الهواء وكثرة الدثار. يعني كان دليلا عل أنه يتناول من الطعام أكثر مما يتحمله فيفضل عن هضم الطبيعة وتوزيعه PageVW1P145B على البدن فيندفع على سبيل العرق. ولو عرق في النوم ولم يتناول غذاء كثيرا دل على امتلائه * الحاصل (2276) له في الأزمنة الماضية فيحتاج في هذا إلى الاستفراغ كما يحتاج في الأول إلى تقليل الغذاء وإنما قيده بالكثرة لأن القليل منه * قد (2277) يحدث من سعة المسام وضعف قوة الماسكة وإنما خصصه بالنوم لأن النوم أكثر تعريقا من اليقظة لأن تعريقه على سبيل الاستيلاء وتعريق اليقظة يكون على سبيل التحليل فاستفراغ الاستيلاء يكون محسوسا كثيرا وبالتحليل يكون مخفيا قليلا.
318
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (2278) : إن جميع الأشياء في أول الأمر وآخره أضعف وفي منتهاه أقوى
[commentary]
PageVW0P207B إن وقت الابتداء هو الزمان الذي يظهر فيه المرض ويكون كالمتشابه في أحواله لا يستبان فيه تزيده. * والانتهاء (2279) هو الزمان الذي يقف فيه * المرض ويبلغ فيه (2280) ازدياده الانتهاء. وآخره * هو الزمان الذي أخذ (2281) يظهر فيه انتقاصه وكلما أمعن * كان (2282) الانتقاص * أظهر (2283) فإن جميع الأشياء التي تنسب إلى المرض في أول كونه كالأسباب والاعلام المقومة لنوع المرض والأعراض التابعة للمرض الدالة عليه دلالة على نفس المرض كاختلاف النبض * في (2284) السرعة فإنه يدل على نفس الحمى، وإما على موضع المرض كالنبض المتساوي فإنه يدل على أن الورم في الغشاء والحجاب والاستدلال من الأفعال لأنه إذا لم يجر الفعل على ما ينبغي ولم يكن طبيعيا دل على أن القوة أصابتها آفة وآفة القوة تتبع مرضا في العضو * الذي (2285) القوة فيه فهذه كلها في أول المرض تكون * ضعيفة (2286) لأنه في أول الأمر لم يستكمل نوع المرض لتستبين قوة هذه الأشياء وفي آخر المرض تأخذ في الانحطاط والنقصان PageVW1P146A فتكون هذه كلها ضعيفة وأما في المنتهى الذي يستكمل فيه المرض يتبين في هذه الأشياء قوة زائدة من الحالتين.
319
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (2287) : إن من يأتيه البحران قد يصعب مرضه في الليلة التي من قبل نوبة الحمى التي يأتي * فيها (2288) البحران ثم في الليلة التي بعدها يكون أخف على الأمر الأكثر
[commentary]
PageVW0P208A إن البحران تغير عظيم يعرض للمريض دفعة لأنه يوم مجاهدة الطبيعة لمادة المرض مجاهدة قوية وفي هذا الوقت تميز الطبيعة الخلط الرديء المؤذي من غيره فإن استولت في هذا الوقت على المرض وقهرته فقد نجى المريض وإن عجزت وغلب المرض عليها هلك فلا بد أن يقلق المريض ويضطرب في * هذا (2289) الأوان من شدة منازعتهما ويصعب عليه المرض في الليلة * المتقدمة (2290) على نوبة الحمى التي يأتي في تلك النوبة البحران ثم في الليلة التي بعد ذلك النوبة تكون صعوبته أخف في الأمر الأكثر إن مضى عليها بحران محمود * تام (2291) وإنما قيل صعوبة المرض في الليل لأنه لو اتفق في الليل يكون أصعب من الواقع في النهار لأن الطبيعة تمتنع فيه عن جميع أفعالها وتستقيل بالكلية على السكون والاستراحة وعلى انضاج المادة ودفعها فتستبين في الليل صعوبة البحران * أو (2292) لأن المواد في الليل تميل إلى الغلظ فتهيأتها للدفع تكون أصعب على الطبيعة فيه من النهار
320
[aphorism]
* قال أبقراط (2293) : إن البحران يأتي في الأمراض الحادة في أربعة عشرة يوما
[commentary]
المرض الحاد هو الذي لا تلبث فيه الطبيعة من المجاهدة والمدافعة من أول المرض إلى آخره ولا تستريح عن مقاساته PageVW1P146B ومعاندته إلى يوم البحران إن كانت المادة في الغاية القصوى من اللطافة والحدة يقع البحران في الثالث أو الرابع أو الخامس وإن لم PageVW0P208B تكن في الغاية القصوى يكون بحرانه في السابع أو التاسع أو الرابع عشر وبعده في العشرين بحسب قوة الطبيعة وحدة المرض وبعد العشرين تنقص قوة المرض والبحارين بالتدريج إلى الأربعين وإنما خصص البحران في الأمراض الحادة بالرابع عشر لأنه أكثر وقوعا ولا تحتمل الطبيعة في الأغلب مقاساة المرض الحاد أكثر من هذه الأيام
321
[aphorism]
* قال أبقراط (2294) : الرابع منذربالسابع وأول الأسبوع الثاني * اليوم (2295) الثامن والمنذر * للحادي (2296) عشر لأنه الرابع من الأسبوع الثاني واليوم السابع عشر يوم إنذار لأنه اليوم الرابع من الرابع عشر واليوم السابع من الحادي عشر.
[commentary]
واعلم أن الأرابيع هي منذرات بالأسابيع أي من يأتيه البحران في السابع فإنه يظهر في بوله أو عرقه أو نبضه علامة النضج ودليل استيلاء الطبيعة على المادة في اليوم الرابع. مثال ذلك أنا لو وجدنا في اليوم الرابع بدن العليل نديا مع غرزان ورعدة * ما (2297) ويكون النبض عظيما * شاهقا (2298) أنذر أن الطبيعة قوية ونهضت وشمرت لتمييز الخلط الرديء وتهيئته للاندفاع في اليوم السابع على سبيل العرق. أو * لو (2299) اختلجت الشفة في * اليوم (2300) الرابع أنذرت بالقيء البحراني في السابع لأن الطبقة الداخلة من المعدة والغشاء الذي يغشى سطح الفم واحد فمتى دفعت الطبيعة مادة المرض إلى المعدة وتجمعها PageVW0P209A للدفع إلى فوق فتنتفض PageVW1P147A المعدة من تلك المادة المؤذية فتختلج الشفة كالجسم الرطب الذي إذا تحرك أحد طرفيه يتحرك الطرف الآخر ومهما ظهر في البول الرقيق قوام ما ورسوب * يستوي (2301) في اليوم الرابع أنذر أن سيجيء البحران في السابع ولو ظهر أمام العين خيالات حمر وحكة ولذع في المنخرين في * اليوم (2302) الرابع ينذر بالبحران في السابع بالرعاف الكثير وإذا وجد العليل مغصا في معائه وقراقر فيها أنذر على استطلاق البطن في يوم البحران فالرابع منذر بالسابع لأنه نصف الأسبوع الأول والبحارين تظهر في الأسابيع وأنصافها التي هي الأرابيع منذرات بها فيكون الرابع * منذرا (2303) بالسابع والحادي عشر * منذرا (2304) بالرابع عشر لأن الحادي عشر * هو (2305) اليوم الرابع من الثامن * الذي هو (2306) أول الأسبوع الثاني فيكون منذرا بسابعه. واليوم السابع عشر منذر بالعشرين لأنه الرابع من اليوم الرابع عشر الذي هو أول الأسبوع الثالث من جعله الأسبوع الثاني منفصلا عن الأسبوع الأول والثالث متصلا بالثاني لأنه جعل انقضاء الأسبوع الأول اليوم السابع وابتداء الأسبوع الثاني * في (2307) اليوم الثامن وجعل انقضاء الأسبوع الثاني وابتداء الثالث اليوم الرابع PageVW0P209B عشر فقال لأنه اليوم الرابع من اليوم الرابع عشر والسابع عشر من اليوم الحادي عشر الذي ينذر بالأسبوع الثاني وفائدة الإنذار * هو (2308) أن يعلم الطبيب جهة ميل المادة فيتبعه ولا يخالفه في التدبير والاستفراغ PageVW1P147B منها.
322
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم رحمه الله (2309) : العرق يجهد في المحموم إذا ابتدأ في اليوم الثالث أو في الخامس * أو في السابع (2310) أو في التاسع أوفي الحادي عشر أو في الرابع عشر أو في السابع عشر أو في العشرين أو في الرابع * والعشرين أو في السابع والعشرين أو في الثلاثين (2311) أو في الرابع والثلاثين أو في السابع والثلاثين فإن * العرق (2312) الذي يكون في هذه الأيام يكون به بحران الأمراض وأما العرق الذي لا يكون في هذه الأيام فهو يدل على آفة وطول * من (2313) المرض
[commentary]
واعلم أن الاستفراغات البحرانية من العرق وغيره تجهد في هذه الأيام لكن ينبهنا على أن المواد التي يمكن أن تدفعها الطبيعة على طريق العرق لا تتجاوز الثلاثين بحسب غلظها ولطافتها فما كان منها * أرق (2314) * وألطف (2315) يكون بحرانه أقرب وأسرع ويعلمنا أيام البحارين وأن المواد التي تدخل في طور الحدة واللطافة PageVW0P210A يأتي بحرانها في الأفراد الأكثر كما أن كما أن المواد البليدة الباردة يأتي بحرانها في * أكثر (2316) الأمر في الأزواج وتتجاوز الأربعين وإنما اقتصر على التاسع والثلاثين. * والأربعون (2317) هو أول يوم من أيام الأمراض المزمنة التي لا يكون بحرانها بالعرق * فالعرق (2318) الذي لا يكون في هذه الأيام لا يكون بحرانيا ويدل على آفة في البدن مثل ضعف الماسكة أو اتساع المسام أو عجز الطبيعة عن امساك المادة ودفعها في يوم البحران ويكون لامتلاء مفرط في البدن من الفضلات الغير المحتاجة إليها.
323
[aphorism]
* قال أبقراط (2319) : من أصابه في الحمى في اليوم السادس من مرضه نافض فإن بحرانه يكون نكدا
[commentary]
يعني بقوله فإن بحرانه يكون نكدا النافض الذي PageVW1P148A تنقضي به الحمى ويوجد في منتهى الحميات المحرقة لأن المرة المحتبسة في العروق تستفرغها الطبيعة وتنفذها في اللحم والعضل فيعرض * للعليل (2320) رعدة وقشعريرة وربما أنذر هذا النافض بالبحران فيكون كواحد من الأعراض الباحورية المنذرة كالخفقان والصداع والدوار والقلق وسائر الاضطرابات التي يجدها العليل * من قبل (2321) البحران المنذر به فإن هذا النافض ليس بمحمود في اليوم السادس لأنه ليس من أيام البحارين ولا من المنذرات ولو وقع PageVW0P210B فيه بحران يكون ذا أعراض معينة وحالات هائلة ولا يكون على سبيل دفع الطبيعة بعد استيلائها ولم ينق البدن نقاء تاما وربما عادت الحمى ثانيا من بقايا مادتها فيكون نكدا.
324
[aphorism]
* قال أبقراط (2322) : من كانت لحماه نوائب ففي أي ساعة كان تركها * له (2323) إذا كان أخذها له من غد في تلك الساعة بعينها فبحرانه يكون عسرا
[commentary]
فإذا كان الخلط الذي يعفن ويولد الحمى على وتيرة واحدة في النوع والمقدار والقوام والانصباب إلى العضو الذي يصير إليه وبقي عفن ذلك العضو بحاله وبقي تدبير المريض بحاله وبقيت قوته على حالها فتحفظ الحمى أدوارها المضافة إلى ذلك الخلط وتلزم أدوارها النظام ولا تقدر الطبيعة أن تغيرها وتتصرف في مادتها. يعني من كانت لحماه نوائب وكانت نوبة تركه في أي ساعة كانت فلو كانت نوبة أخذها في كل يوم ساعة * واحدة (2324) ووقتا معينا يكون بحرانها عسرا أي إذا كان ابتداء نوبة الحمى في كل يوم وأخذها في نوائبها في جميع أيامها PageVW1P148B وقت واحد دل على أن سبب الحمى والخلط الفاعل لها متمكن راسخ يحفظ دورها ويستلزم نوائب أخذها في ساعة واحدة. أو لغلظه وكثافته لا يطاوع القوة المدبرة ولكن تحدث الحمى على مقتضى طبعه فبحرانه يكون عسرا، أي نضج الخلط الذي هذا شأنه عسر ودفعه على الطبيعة شاق.
325
[aphorism]
* قال أبقراط (2325) : إذا لم يكن إقلاع الحمى في يوم من أيام الأفراد فمن عادتها أن * تعاوده (2326)
[commentary]
كأنه يعني الحمى التي تنقلع ثم تعاود لا توجد في أكثر الأحوال إلا في البحارين التي تأتي في الأزواج لأن الطبيعة في الأكثر تميز الخلط الرديء * وتدفعه (2327) في أيام الأفراد دفعا بحرانيا ثم لا يعاود للحمى على أنا قد وجدنا انقلاع الحمى في بحارين يقع في الأزواج مع عدم معاودتها كالرابع عشر والعشرين والرابع والعشرين والأربعين فإن الحمى لا تعاود بعد انقلاعها فيها إلا * من (2328) سوء تدبير العليل لا من بقايا الفضل فكأنه خصص هذا الحكم ببعض الأزواج دون البعض.
PageVW0P211A
326
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (2329) : وأكثر ما يعرض للصبيان من الأمراض يأتي في بعضه البحران في أربعين يوما وفي بعضه في سبعة أشهر وفي بعضه في سبع سنين وفي بعضه إذا شارفوا نبات الشعر في العانة، فأما ما يبقى من الأمراض فلا ينحل في وقت الإنبات أو * في الإناث (2330) في وقت ما يجري منهن الطمث فإنه يطول.
[commentary]
واعلم أن * للأمراض (2331) بحسب لطافة مادتها وحدتها وبحسب غلظها وبلادتها مراتب في سرعة انقضائها وبطئها فمنها ما * يقال (2332) لها مرض حاد في الغاية PageVW0P211B القصوى ويأتي بحرانه في اليوم الثالث أو الخامس من الأسبوع الأول * أو (2333) في الرابع PageVW1P149A عشر وهو آخر أسبوع الثاني بحسب شدة حدته * ونقصان حدته (2334) إلى أن يبلغ العشرين وبعده تنقص قوة الحدة ويقال له مرض حاد لكن لا في الغاية القصوى وهو الذي يجاوز بحرانه من الأسبوع الثالث إلى التاسع والثلاثين فإنه آخر يوم من الأمراض الحادة. * والأربعون (2335) هو أول يوم من الأمراض المزمنة التي قد تأتي بحارينها في الأسابيع الشهورية فإن تجاوزها ففي الأسابيع السنوية ولهذا قال وفي بعضه إذا شارفوا نبات الشعر في العانة يعني لو تجاوز من مرضه سبع سنين يأتي بحرانه في تمام الأسبوع الثاني من سنته وهو في أربعة عشر سنة * التي (2336) يبتدي فيه نبات الشعر في العانة لما كانت حرارة الصبيان مغمورة في الرطوبة تعرض لهم الأمراض المزمنة فقال يأتي بحران بعض أمراض الصبيان في أربعين يوما وما جاوز هذه الأيام يقع في الأسابيع الشهورية وإن تجاوز من هذه ففي الأسابيع السنوية كما يعرض في * سبع (2337) سنين أو في أربعة عشر سنة لأنه وقت البلوغ وأوان قوة الطبيعة في أفعالها فإن لم تقدر الطبيعة في الذكور أن تدفع * مادة (2338) المرض في هذا الوقت عند دفق المني * ودفع (2339) فضلة الزرع وفي الإناث بإدرار الطمث PageVW0P212A يطول المرض لأن مدة سن الصبي أربعة أسابيع ويحصل له في انتهاء كل أسبوع منها تغير آخر حتى يبلغ كماله أما عند مضي * الأسبوع (2340) الأول تصلب أعضاؤه بعض الصلابة وتقوى أفعاله قوة ما وتتبدل PageVW1P149B أسنانه الضعيفة الواهية بأقوى منها وتقوى شهوتهم وتكثر رطوباتهم الفضلية وتنغمر حرارتهم بها وأما في نهاية الأسبوع الثاني تنقص منه بعض الرطوبة وتقوى جميع القوى الطبيعية وتقوى الأعضاء وتصلب ويبتدئ بالإدراك في هذا الوقت ويتولد فيه المني والجمهور يعرفون الإدراك من تفرق شقي الأرنبة لأن الرطوبة الغروية تنقص هناك ومن نتوء الحنجرة وغلظ الصوت والاحتلام لوجود الأبخرة المولدة للشعر في هذا الوقت وتهييج مادة الزرع يعني إن لم تدفع القوة الدافعة والقوة المدبرة مادة المرض في هذا الوقت فلا بد أن يطول المرض وأما في الأسبوع الثالث يدخل في حد الكمال وتمام الجمال وينبت له شعر اللحية التي * بها (2341) يخرج عن هيئة الصبوية وشبه النساء ويبتدي فيه وجود الأبهة والوقار وأما في نهاية الأسبوع الرابع يستوفي الكمال في النماء فيقف ويبلغ منتهاه.
327
[aphorism]
* قال أبقراط رحمه الله (2342) : إذا عرض اليرقان في الحمى قبل اليوم السابع فهو علامة رديئة
[commentary]
PageVW0P212B * اليرقان (2343) يكون البدن مائلا * (2344) إلى * الصفرة (2345) لجريان الخلط الأصفر إلى الجلد وما يليه وحدوثه يكون من سوء مزاج حار يعرض للكبد وإما من سوء مزاج حار يحدث في * المرارة (2346) وإما من حرارة جميع البدن وإما من ورم في الكبد أو المرارة وإما لسدة في المجرى الذي فيه تجذب المرارة المرة أو في المجرى الذي فيه تدفع المرار إلى الأمعاء وأما من قبل دفع الطبيعة على جهة البحران وهذا الذي عناه وعلامته تقدم حميات صفراوية وأن تكون في يوم باحوري فإن كان قبل السابع فهو علامة رديئة لأن البحارين التي تجيء قبل السابع PageVW1P150A لا تكون تامة محمودة ولا على سبيل الاستيلاء بل تكون لضرورة وعجز. وجالينوس يرى حدوثه قبل السابع لورم الكبد.
328
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (2347) : متى عرض اليرقان في الحمى في * اليوم (2348) السابع أو * في (2349) التاسع أو في الرابع عشر فذلك محمود إلا أن يكون * الجانب (2350) الأيمن مما دون الشراسيف صلبا فإن كان * كذلك (2351) فليس أمره بمحمود
[commentary]
يعني متى عرض اليرقان في الحمى في هذه الأيام يكون على سبيل غلبة الطبيعة ودفعها المادة الصفراوية دفعا بحرانيا بعد الانضاج فإن النضج الذي نريده هنا PageVW0P213A هو تغير مادة المرض عن ردائة كيفيتها إلى حال تستعد بها أن تندفع من البدن لاستيلاء الطبيعة عليها بدفع بعض الفضل إلى المفاضل وإلى * المواضع (2352) الضعيفة السخيفة بالبحران الانتقالي فإن ذلك محمود إلا أن يكون الجانب الأيمن مما دون الشراسيف صلبا فإنه يكون من ورم الكبد وسدة فيها فينسد جانب المرارة ولا تنجلب الصفراء إلى وعائها فتنتشر مع الدم في جميع البدن فيحدث اليرقان فيكون دليلا رديئا لأنه يكون اليرقان مع ورم الكبد والحمى.
329
[aphorism]
* قال أبقراط (2353) : من يأتيه البحران في السابع فإنه يظهر في بوله في الرابع غمامة حمراء وسائر العلامات يكون على هذا القياس.
[commentary]
* واعلم أن الثفل المحمود يكون إما طافيا ويسمى غماميا وإما متعلقا وهو الواقف في الوسط وإما راسبا في الأسفل واختلاف موضعه يدل على اختلاف مقادير الخير والشر. والمحمود من الرسوب هو الأبيض الأملس المستوي الأجزاء وإذا كان راسبا دل على الخير التام لدلالته على كمال النضج، والمتعلق منه يدل على الخير في الوسط لدلالته على نضج وسط، والغمامي يدل على خير يسير لدلالته على ابتداء النضج واستعداد الخفي. وأما الثفل المذموم كالأسود الراسب في الحميات لدلالته على كمال الانطفاء PageVW0P213B ؟؟؟ المتعلق منه ؟؟؟ ؟؟؟ ؟؟؟ لدلالته على الانطفاء والاحتراق المتوسط، والطافي منه يدل على مبدأ ؟؟؟ ؟؟؟ على الانطفاء والاحتراق مبتدء ولم يتوغل فيه. والثفل المحمود إنما يرسب لعدم الريح وكمال النضج، والمتعلق والطافي يوجدان لريح تدفعهما أو حرارة مصعدة (2354) ولما عرفت أن الأرابيع منذرات بالأسابيع فمتى ظهرت في اليوم الرابع علامة نضج ما دل على البحران في السابع. وإنما * جعل (2355) الغمامة الحمراء دالة على النضج ومنذرة بالبحران، PageVW1P150B والبيضاء أولى بذلك لأن الغمامة البيضاء قد تدل على انقضاء المرض في النحفاء وتنقضي أمراضهم بلا رسوب وتكتفي بغمامة بيضاء أو متعلقة فلا يكون ظهورها دليلا قطعيا أو لأن الغمامة الحمراء نادرة في دلالتها فأرشدنا إليها.
330
[aphorism]
* قال أبقراط (2356) : من يتوقع أن يخرج به خراج في شيء من مفاصله فقد يتخلص من ذلك الخراج ببول كثير غليظ أبيض يبوله كما يبتدئ في الرابع في بعض من به حمى معها إعياء، فإن رعف كان انقضاء مرضه مع ذلك سريعا جدا.
[commentary]
البول الأبيض الغليظ يدل على غلبة الرطوبة وفجاجة الأخلاط والبلاغم وإنما يتوقع الخراج في الأمراض المزمنة والمواد البليدة الكثيفة حتى لا تقدر القوة المدبرة على أن تخرجها من البدن فتدفعها إلى المفاصل الضعيفة بالبحران الانتقالي * بطريق (2357) PageVW0P214A الخراج فأما متى انفتحت السدد قبل حدوث الخراج ودفعت الطبيعة الفضلات المتوجهة إلى المفاصل نحو الكليتين والمثانة بالإدرار الكثير والبول الغليظ الأبيض فقد أمن العليل من توقع الخراج. كما يبتدئ في بعضه من حمى شديدة قوية الحرارة التي تحلل الفضلات وترققها فتنجلب إلى المفاصل فيحس العليل بالإعياء فيها في اليوم الرابع المنذر فمهما حدث * به (2358) رعاف في هذا الحال سلم من توقع الورم الحاد في مفاصله لاندفاع المادة الحارة بالرعاف وانقضى مرضه سريعا لأن الدم * حامل (2359) للأخلاط * فتندفع (2360) الفضلة المؤذية باستفراغه لكن استفراغه غير طبيعي تهتم الطبيعة بدفع الفضلة عند * استصحابه (2361) بسرعة لتمسك الدم PageVW1P151A وتحبسه بخلاف البول * فإن استفراغه طبيعيا يطول من دفعها باستصحابه بنسبة الدم وإنما جمع بين البول (2362) الأبيض الغليظ الدال على الرطوبة والبلغم والرعاف الحادث من المواد الحارة المتصاعدة في مرض واحد تشبيها لدفع المواد الغليظة التي يتوقع منها الخراج بالبول يدفع المادة الحارة التي يتوقع منها الورم الحار بالرعاف.
331
[aphorism]
* قال أبقراط (2363) : الأبدان التي يأتيها أو قد أتاها بحران على الكمال لا ينبغي أن تحرك * ولا يحدث فيها حدث (2364) لا بدواء مسهل ولا بغيره من التهييج لكن تترك.
[commentary]
PageVW0P214B يعني لو ينصب على العليل بحران تام ونقي به بدنه أو أحس الطبيب بأن سيجيء البحران عند علامات النضج ينبغي أن لا يحرك بدواء مسهل أو مقيء أو مدر لكن * يترك (2365) فإن الطبيعة تنضج المادة وتسهل سبيلها إلى الاندفاع والدواء المستفرغ يجذبها بقسر وقهر فأما متى لم يتقدمه بحران * تام (2366) وهو إن كان انتقاليا ولم يكن باستفراغ محسوس من مادة المرض بعد النضج ومن جهة التي تدفعها الطبيعة إليها وفي أيام البحارين أو لم * يكن (2367) منذرا بأن سيجيء مثل هذا البحران وكان العليل قويا فلا بأس أن يستعمل الدواء المستفرغ للأخلاط المؤذية.
332
[aphorism]
* قال أبقراط الحكيم (2368) : إنما تدل على نوائب المرض ومرتبته الأمراض أنفسها وأوقات السنة وتزيد الأدوار بعضها على بعض نائبة كانت في * كل (2369) يوم أو يوما * ويوما لا أو (2370) في أكثر من ذلك * من (2371) الزمان والأشياء التي تظهر من بعد. ومثال ذلك ما يظهر في أصحاب ذات الجنب فإنه إن ظهر النفث بدئيا منذ أول المرض كان المرض قصيرا، وإن تأخر ظهوره كان المرض طويلا، والبول والبراز والعرق إذا ظهرت بعد تدلنا على جودة PageVW1P151B بحران المرض ورداءته وطول المرض وقصره.
[commentary]
PageVW0P215A إنما يدل على نوائب المرض ومرتبته الأمراض أنفسها كالترياق الأصفر الذي كان مع العفونة أو مع ورم المرارة فإنه يدل على كون * نوائب حماه غبا وكان ؟؟؟ الأسود الذي يحدث مع العفونة أو لورم في الطحال فإن (2372) نوائب حماه تشتد ربعا. وأما قول الشارح أبو الصادق في السرسام وذات الجنب بأن حمياتها تنوب غبا وفي السل بأن حماه * نائبة (2373) تساهل عظيم لأن الحمى في جميعها لازمة دائمة غير مفارقة. وإنما يدل على الحمى النائبة كل يوم النافض الصادق البرد ومن الأمراض التي تدل بنفسها على مرتبتها هو السل والدق فإنهما يدلان على طول مدة المرض وبعد المنتهى، والحمى المحرقة الحادة والغب الخالصة تدلان على قصر مدتهما وسرعة انقضائهما وإنما يستدل بنوع الحمى على أحوالها بأنها قصيرة أو متطاولة بأنه إن كانت الحمى تدور بنوائب فالغب قريب المنتهى، والمواظبة بعيدة، والربع أبعد منتهى بحسب أرضية مادته. وأما من الحميات الدائمة فالمحرقة قريبة المنتهى، والمواظبة المركبة بالغب بعيدة المنتهى. وأما الأشياء التي يستدل بها على قرب منتهى المرض وبعده كالصيف وسن الشباب والبلد الحار والتدبير الحار والصناعات المسخنة كالحدادين والخبازين فإنها سبب لقرب المنتهى. وفي وقت الشتاء وسن الشيخوخة والبلد البارد PageVW0P215B وفي الصناعات المبردة كالملاحة وصيد السمك في اعتياد التدبير البارد يتأخر المنتهى * وكلما (2374) كان تزيد نوائب الحمى بعضها على البعض أعظم كان منتهى المرض أقرب لأنه يدل على أن الحمى أسرع حركة إلى المنتهى PageVW1P152A وتزيد نوائب الحمى على أحد ثلاثة أضرب أحدها الامتداد أي إذا كانت النوبة الثانية * أطول امتدادا من الأولى والآخر الاشتداد وذلك إذا كانت حرارة الحمى في النوبة الثانية (2375) أقوى مما كانت في النوبة السابقة والثالث التقدم وذلك إذا كانت النوبة الثانية يتقدم مبدأها على النوبة الماضية وعلامات النضج والإنذار تدل أيضا على القرب والبعد ويستدل أيضا بتقدم ظهور النفث وتأخره في ذات الجنب فإنه إن ظهر النفث في * الرابع من (2376) الأسبوع الأول يستنقي في السابع وإن تأخر يستنقي في التاسع ولا يتجاوز الحادي * عشر (2377) * وكذلك (2378) البول إذا تقدم ظهور علامات النضج فيه دل على سرعة انقضاء المرض وكالبول إذا رجع إلى لونه وقوامه * الذين (2379) كانا له في حال الصحة وحصول الرسوب المستوي المتميز منه ومتى ظهر العرق في الأيام التي عرفتها من قبل ولم يكن باردا * منتنا (2380) دل * على (2381) قرب المنتهى وإلا على البعد منه * وكذلك (2382) البراز النضيج المعتدل القوام المتشابه الأجزاء وكان سهل الخروج بلا لذع ورائحة كريهة فهذه كلها تدل على أن ليس في البدن مادة غريبة عاصية على الطبيعة وتدل على جودة البحران وقربه PageVW0P216A ولو كانت هذه الأشياء بخلاف هذه الحالات كانت دليلا على رداءة البحران وطوله.
333
[aphorism]
* قال أبقراط (2383) : البقايا التي تبقى من الأمراض بعد البحران من عادتها أن تجلب عودة من المرض.
[commentary]
يعني لو لم يستنق البدن في البحران نقاء تاما وبقيت فيه من مادة المرض فبعد ما انتعش المريض لو لم يحتط في التدبير وترك الاحتماء والتحرز عن تناول الأغذية المختلفة * واشتغلت (2384) الطبيعة PageVW1P152B في هضم الغذاء وغفلت عن إصلاح المادة الباقية وعن دفعها بعض ذلك الخلط الرديء، عاد المرض أصعب مما كان قبل لأن الطبيعة في الأول تكون قوية والقوة وافرة وفي الثاني تكون ضعيفة يغلب المرض عليها بخلاف ما لو كانت الفضلية الباقية قليلة * غير كثيرة (2385) الرداءة تنصرف * فيها (2386) الطبيعة * وتصلحها (2387) فلم يعد المرض.
334
[aphorism]
* قال أبقراط (2388) : البدن الذي ليس بالنقي كلما غذوته زدته شرا
[commentary]
البدن الغير النقي هو الذي فيه خلط رديء كثير لا يقدر الغذاء الجيد الوارد عليه أن يغمره ويصلحه لرداءة كميته أو كثرة كميته كما أن أكثر الأصحاء لا * يخلو (2389) بدنهم من الخلط لكنه يكون مغمورا في الأخلاط الصالحة الغذائية فيشوب بها ويستحيل PageVW0P216B إليها بتدبير الطبيعة أو يبقى مغمورا مقهورا إلى أن يكثر ويغلب. يقول أبقراط لو كانت في البدن مادة رديئة ينبغي أن ينقى * منها (2390) لأنه لو غذي وورد الغذاء على تلك المادة الفاسدة استحال إليها وتكيف بكيفيتها فتزداد رداءة البدن وشره.
335
[aphorism]
* قال أبقراط (2391) : التدبير البالغ في اللطافة عسر رديء مذموم في جميع الأمراض المزمنة لا محالة، والتدبير الذي يبلغ فيه * الغاية (2392) القصوى من اللطافة في الأمراض الحادة إذا لم يحتمله المريض عسر مذموم
[commentary]
لما كان كل واحد * من المرض الحاد والتدبير اللطيف على عدة مراتب يجب أن نقابل لكل واحد (2393) من المرض الحاد بما يناسبه من التدبير اللطيف فالمرض الحاد في الغاية القصوى وهو الذي لا يتجاوز بحرانه الرابع يدبر بالتدبير اللطيف في الغاية القصوى وهو ترك الغذاء أصلا، والحاد في الغاية لا في القصوى وهو الذي لا يتجاوز بحرانه PageVW1P153A السابع يدبر بالتدبير اللطيف في الغاية لا في القصوى فهو إن يسقى ماء الشعير والجلاب ونحوه إذا احتاج المريض إليه وأما الحاد جدا وهو الذي لا يتجاوز الرابع عشر يدبر بالتدبير اللطيف جدا وهو الاحساء والمزورات. وأما المرض الحاد * مطلقا (2394) وهو الذي يمتد إلى الأربعين يدبر * بالتدبير (2395) اللطيف مطلقا قال الحكيم PageVW0P217A أبقراط التدبير البالغ في اللطافة مذموم في جميع الأمراض المزمنة لأنه يطول ويسقط قوة المريض بهذا التدبير قبل أن يبلغ البحران فينبغي أن يدبر بالتدبير اللطيف أو أغلظ منه لتبقى قوته عند يوم البحران ولما كان الغذاء لا يدفع المرض ولكن يحفظ القوة * فالتدبير (2396) الذي تبلغ فيه الغاية القصوى من اللطافة في الأمراض الحادة إذا لم يحتمله المريض عسر مذموم لأن هذا التدبير يستعمل في المرض الحاد الذي في الغاية القصوى من الحدة فاستعماله فيما هو أطول مدة رديء مذموم * مسقط (2397) * للقوة (2398) قبل مجيء منتهى المرض كالتمدد والتشنج اليابسين فإنهما مرضان حادان ولا يستعمل فيهما التدبير اللطيف لعدم احتمالهما فكيف يستعمل التدبير البالغ في اللطافة من الغاية القصوى فيهما.
336
[aphorism]
* قال أبقراط (2399) : أجود التدبير في الأمراض التي في الغاية القصوى التدبير الذي في الغاية القصوى.
[commentary]
يعني يجب أن يستعمل التدبير الذي في الغاية القصوى من اللطافة إن * استعمل (2400) في الأمراض التي في الغاية القصوى من الحدة لأن بحرانه يظهر في الرابع والخامس وتبقى * قوة (2401) المريض مع هذا التدبير فلا يستعمل أغلظ من هذا PageVW1P153B لئلا تشتغل الطبيعة PageVW0P217B بالطعام وتذهل عن دفع المادة فيتأخر المنتهى ويطول المرض فكأنه يبين في هذا الفصل فزاده من الفصل الذي يليه مقدما بأنه التدبير الذييبلغ فيه الغاية القصوى من اللطافة في الأمراض الحادة رديء مذموم لكن أجود استعماله يكون في الأمراض التي في الغاية القصوى من الحدة.
337
[aphorism]
* قال أبقراط (2402) : وإذا كان المرض حادا جدا فإن الأوجاع التي في * الغاية (2403) القصوى تأتي فيه بديئا ويجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير الذي في الغاية القصوى من اللطافة وإذا لم يكن * كذلك (2404) لكن كان يحتمل من التدبير ما هو أغلظ من ذلك فينبغي أن يكون الانحطاط على حسب لين المرض ونقصانه عن * الغاية (2405) القصوى فإذا بلغ المرض منتهاه فعند ذلك يجب ضرورة أن يستعمل التدبير الذي هو في الغاية القصوى من اللطافة
[commentary]
اعلم أن لأكثر الأمراض أربعة أوقات: وقت الابتداء ووقت التزيد ووقت الانتهاء ووقت الانحطاط وما خرج من هذه فهو من أوقات الصحة وليس يعني بوقت الابتداء والانتهاء * الطرفين اللذين (2406) لا يستبان فيهما حال المرض بل لكل واحد منهما زمان محسوس يكون له حكم مخصوص. فوقت الابتداء هو الزمان الذي يظهر فيه PageVW0P218A المرض ويكون كالمتشابه في أحواله لا يستبان تزيده إي المرض في ابتداءه يأخذ في التزيد لكن تزيده في المبتدأ يكون غير محسوس. والتزيد هو الوقت الذي يستبان فيه اشتداده في كل وقت * بعد وقت (2407) ، ووقت الانتهاء * هو (2408) الوقت الذي * يقف (2409) فيه المرض في جميع أجزائه من الشدة PageVW1P154B وقوة الحدة وعوارضه وعلاماته تكون على حالة واحدة وأما وقت الانحطاط هو الزمان الذي يظهر فيه انتقاصه وهذه الأوقات قد تكون بحسب المرض من أوله إلى آخره وتسمى أوقاتا كلية وقد تكون بحسب كل نوبة وتسمى أوقاتا جزئية. ويعني أبقراط الحكيم الأوقات الكلية دون الجزئية وقال إذا كان المرض حادا جدا في الغاية القصوى * من الحدة يظهر بحرانه في الأيام الأول فالوجع والعوارض التي في الغاية القصوى (2410) من الشدة والقوة وغاية تزيد المرض تأتي فيه بدئيا أي في الأيام الأول لأنها تظهر عند المنتهى * ومنتهى المرض الحاد جدا يأتي في الأيام الأول (2411) فتظهر هذه عندها فيجب ضرورة أن يستعمل فيه التدبير الذي هو في الغاية القصوى من اللطافة * فأما (2412) إذا لم يكن المرض في * الغاية (2413) القصوى من الحدة ويكون * أبعد منتهى وأطول مدة (2414) وألين حدة فيتأخر منتهاه عن الأيام الأول فيكون * تدبيره (2415) أغلظ من الغاية في اللطافة وينبغي أن يكون الانحطاط على حسب لين المرض ونقصانه عن الغاية PageVW0P218B في اللطافة وينبغي أن يكون الطبيب مراعيا مرتبة التدبير في اللطافة * والغلظ (2416) عند مرتبة الحمى في الحدة والفترة فمهما كان خلط الحمى في الحدة إلى اللين أكثر فاستعمال التدبير في الغلظ يكون أكثر ولكن يستعمل في جميع منتهى الأمراض إذا بلغت * منتهاها (2417) ويرجى لها الانحطاط * التدبير (2418) الذي هو في الغاية القصوى من اللطافة لتشتغل الطبيعة بمقاومة المرض فكأنه يستدل على المرض الحاد الذي في الغاية القصوى بعظم العوارض وشدة الألم الذي لا يوجد إلا في زمن المنتهى إذا أتت فيه بدءا PageVW1P154B وفي الأيام الأول.
338
[aphorism]
* قال أبقراط (2419) : والذين يأتي منتهى مرضهم بدءا فيجب أن يدبروا بالتدبير اللطيف بدءا، والذين يتأخر منتهى مرضهم فينبغي أن يجعل تدبيرهم في ابتداء مرضهم أغلظ ثم ينقص من غلظه قليلا * قليلا (2420) كلما قرب منتهى المرض وفي وقت منتهاه بمقدار ما تبقى قوة المريض عليه. وينبغي أن يمنع من الغذاء في وقت * منتهى (2421) المرض فإن الزيادة فيه * مضرة (2422) .
[commentary]
إذا كان المرض حادا جدا وهو أن يكون مع عظمه سريع الحركة إلى المنتهى فيدبر في مبدأه * بالتدبير (2423) اللطيف. وابتداء المرض هو حين يحس بضرر الفعل. لما كانت الأمراض الحادة يأتي منتهاها في الأيام الأول صارت القوة تبقى مع التدبير اللطيف إلى وقت PageVW0P224A المنتهى ولذلك ينبغي ألا يشتغل الغذاء إذ الغذاء يحتاج إليه لبقاء القوة لا لدفع المرض وأما الأمراض المزمنة وهي التي لها مع عظم المرض بلادة حركة إلى المنتهى فيه فيدبر في مبدأها بالتدبير الذي هو أغلظ * لأن (2424) * المنتهى تتباعد في مثل هذه الأمراض فلو لم يدبر المريض بالتدبير الذي هو أغلظ (2425) سقطت قوتها إلى المنتهى ثم لا تزال تنقص من غلظ التدبير قليلا قليلا بحسب ما أخذ المريض يتحرك إلى المنتهى حتى إذا كان وقت المنتهى يلطف التدبير ليفرغ القوة المدبرة المقاومة للمرض فإذا أخذ المريض يضمحل والقوة تتراجع وهو وقت الانحطاط فينتقص من لطافته ويزاد في غلظه وذلك هو مبدأ التدبير المنعش الذي يدبر به الناقهون * فأما (2426) متى استعملل التدبير بخلاف هذا القانون مثل التدبير الغليظ في ابتداء المرض الحاد جدا انغمرت الحرارة الغريزية برطوبات الطعام وفترت سورتها وازدادت مادة المرض * ولو اقبلت القوة المدبرة إلى الهضم ولم تشتغل بنضج مادة المرض (2427) ودفعها فيتأخر المنتهى ويطول المرض. ولو PageVW1P155A استعمل التدبير اللطيف في المرض الذي يتأخر منتهاه فيحدث في القوة ضعفا وصارت مادة المرض حادة لذاعة في الابتداء وقبل المنتهى.
PageVW0P224B
339
[aphorism]
* قال أبقراط (2428) : وينبغي أن تزن قوة المريض فتعلم أن تثبت إلى وقت منتهى المرض أم تخور قبل أن تسكن عاديته.
[commentary]
ومن الواجب على الطبيب مراعاة قوة المريض فلأن عليها مدار أمر العلاج وذلك أنها * التي (2429) تقاوم المرض وسائر تدابير الطبيعة تكون معينا لها على فعلها. وقال القدماء أن قوة المريض بمنزلة الجمل والمرض بمنزلة الثقل الذي يحمله الجمل ومدة المرض بمنزلة المسافة التي يريد أن يسلكها الجمل فكما أن الجمل قد يكون قويا إلا أن المسافة بعيدة لا يقدر أن يبلغ حمله إليها * كذلك (2430) قوة المريض قد تكون متوفرة إلا أن زمان المرض يكون * طويلا والمرض (2431) عظيم تخور معه القوة قبل درك المنتهى. وقد يكون الحمل الذي يحمله الجمل يسيرا والمسافة قصيرة إلا أن بالقوة * من (2432) العجز والضعف بحيث لا يستقل به حتى يصل إلى المنزل * كذلك (2433) المرض قد يكون غير عظيم وزمان المرض غير طويل إلا أن قوة المريض ضعيفة تعجز عن مقاومة المرض وتصور عكس هذا أن الحمل الذي يحمله الجمل قد يكون ثقيلا والمسافة بعيدة بحيث لا تفي القوة الوافرة التي في الجمل أن يبلغ المنزل بحمله * الثقيل (2434) * كذلك (2435) حال المرض فافهم على قياس ذلك وقيل أيضا أن قوة المريض * بمنزلة الزاد للمسافر PageVW0P225A والمرض بمنزلة ؟؟؟ ؟؟؟ (2436) بصحة الذهن وجودة النبض والهشاشة للطعام والاستقلال بالمرض ومدة المرض * يعلم (2437) بأن يوقف على نفس المرض بأنه حاد PageVW1P155B * أو (2438) مزمن وإنما يوقف على ذلك من نفس المرض ومن سببه الفاعل في الكم والكيف والقوام ومن نوائبه ومن بنية البدن في التلزز والسخافة ومن وقت السنة وإذا عرفت هذا فينبغي أن تزن قوة المريض بالنسبة إلى قوة المرض وإلى منتهاه وهل تثبت إلى وقت المنتهى أم تخور قبل أن تسكن عاديته أي إذا كانت القوة من التوفر بحيث تحتمل صعوبة المرض وتثبت إلى المنتهى فاحكم على برء المرض وسلامة العليل فأما إن كانت قوة المريض متوفرة إلا أن مدة المرض طويلة لا يقدر أن يثبت إلى المنتهى أو كانت المدة قصيرة لكن لا يقتدر على مقاومة عظم المرض أو كان منتهى المرض * قريبا (2439) غير بعيد ومدته قصيرة مع سهولة المرض إلا أن القوة ضعيفة لا تثبت فيهلك.
340
[aphorism]
قال أبقراط: في التدبير اللطيف قد يخطئ المرضى على أنفسهم خطأ يعظم ضرره عليهم، وذلك أن جميع ما يكون منه أعظم مما يكون منه في الغذاء الذي له غلظ * يسير (2440) ومن قبل هذا صار PageVW0P225B * التدبير (2441) البالغ في اللطافة في الأصحاء أيضا خطرا لأن احتمالهم لما يعرض من خطأهم أقل ولذلك صار التدبير البالغ في اللطافة في أكثر الحالات أعظم * خطرا (2442) من التدبير الذي هو أغلظ * قليلا (2443) .
[commentary]
لما عرفت أن القوة متى كانت قوية فاستعمال التدبير الذي هو ألطف أحرى ولو كانت ضعيفة فاستعمال التدبير الذي هو أغلظ أولى ولو كانت متوسطة فالتدبير المتوسط أوفق وقد يخطئ المرضى على أنفسهم في هذا * القانون (2444) خطأ يعظم ضرره PageVW1P156A * عليهم (2445) * أي (2446) خطأهم في استعمال التدبير اللطيف أعظم ضررا من خطأهم في استعمال التدبير الذي هو أغلظ قليلا، لأن الخطأ في هذا يؤدي إلى تأخر المنتهى مع بقاء القوة، والخطأ في ذلك يؤدي إلى سقوط القوة وضعفها المؤدي إلى التلف. وهكذا أيضا الخطأ في التدبير اللطيف للأصحاء أعظم ضررا من الخطأ فيهم إلى الغلظ لأن التدبير اللطيف فيهم لا يخلف بدل ما يتحلل منهم على ما ينبغي ويبرز المواد * التي (2447) تغمرها رطوبة الغذاء ويظهر في الحرارة * الحادة (2448) والنارية وتحللت الرطوبات المحتاجة إليها فلا جرم يكون الخطأ في التدبير اللطيف للأصحاء والمرضى أشد وأعظم ضررا PageVW0P223A من الخطأ إلى الغلظ قليلا ولذلك صار التدبير البالغ في اللطافة في أكثر الحالات أعظم خطرا من التدبير الذي هو أغلظ أي لما كان الميل إلى التدبير اللطيف * مضرا (2449) في الأصحاء والمرضى * فالميل (2450) إلى البالغ في اللطافة بطريق الأولى يكون مضرا.
341
[aphorism]
قال أبقراط: إذا كانت نوائب الحمى لازمة الأدوار فلا ينبغي في أوقاتها أن يعطى المريض شيئا أو أن يضطر إلي شيء لكن ينبغي أن ينقص من الزيادات من قبل أوقات * الانفصال (2451) .
[commentary]
يعني إذا كانت أوقات نوائب الحمى وساعات أدوارها معلومة فلا ينبغي عند ابتداء * أنوابها (2452) أن يعطى العليل شيئا من الغذاء لئلا يكون ذلك الغذاء ثقلا على القوة وكلا على البدن لأنه يحتاج في مثل هذه الأوقات إلى تنقيص الفضلات بالقيء طلبا لسرعة انقضاء النوبة وخفة صعوبتها وإذا * غذي (2453) في تلك الحالة يصير الغذاء على الحرارة النارية PageVW1P156B كالوقود على النار فيشتد التهاب الحمى وتتضاعف حرارتها وزادت المادة المناهضة للقوة وتصير الحمى * الواحدة حمتين (2454) . أما كلمة "أو" في قوله "أو أن يضطر إلى شيء" استعملت بمعنى الواو لأنها في معنى العطفية فكأنه * قال (2455) * لا (2456) يغذى العليل * عند (2457) ابتداء نوبة حماه وإن اضطر إلى شيء من الغذاء واحتاج إليه، ويستقيم هذا المعنى * أن لو كانت الهمزة في أن PageVW0P223B ؟؟؟ ؟؟؟ مفتوحة ؟؟؟ ينوب مناب إلا فيكون تقديره إلا أن يضطر ويحتاج إلى الغذاء (2458) كما في حمى الغشية التي أن لم يغذ فيها تسقط القوة للمحموم ويعرض له من الغشي ما لا يوثق أن تكون منه إفاقة بعد فيغذى ويستعمل الإيجاز بالغذاء عند حدوث الغشي وقوله و * ينبغي أن (2459) ينقص من * الزيادات (2460) أي الفضلات المحدثة للحمى من قبل أوقات الانفصال * أي الانفصال (2461) الكلي الذي يحصل بالبحران في * منتهى (2462) المرض لأن تنقيص المادة قبل البحران يكون سببا لغلبة الطبيعة واستيلائها على المادة الغير المطاوعة لها بسبب كثرتها * ورداءتها (2463) .
342
[aphorism]
قال أبقراط: وإذا كان للحمى أدوار فامنع من الغذاء أيضا في أوقات * نوائبها (2464) .
[commentary]
واعلم أن الأوقات الجزئية هي التي توجد لنوبة نوبة من المرض فإنه يوجد لكل نوبة من النوائب ابتداء وتزيد ومنتهى وانحطاطومعرفتها جد * نافعة (2465) في حيلة البرء يعني إذا كانت * للحمى (2466) أدوار فامنع من الغذاء في أوقات نوائبها فإن الزيادة فيه مضرة. وقال إذا كانت الحمى لازمة * الأدوار (2467) فلا ينبغي في أوقات نوائبها أن تعطي المريض شيئا وذلك أن كل واحد من الغذاء وحرارة نارية الحمى تغمر الحار الغريزي فإذا غذي في ذلك الوقت ضاعف الحمى وازداد انغمارها ولأن الغذاء ورطوباته PageVW1P219A في أول ما يرد على البدن يستولي عليها صنع الحطب الذي يوضع على النار ثم الحرارة الغريزية تعمل فيها ثابتا وتشتعل من عملها PageVW1P157A وتلتهب الحرارة النارية وتشتد الحمى.
343
[aphorism]
قال أبقراط: وينبغي أن يعطى بعض المرضى غذاءهم في مرة واحدة وبعضهم في مرتين ويجعل ما يعطونه منه أكثر أو أقل وبعضهم قليلا قليلا وينبغي * أيضا (2468) أن يعطى الوقت الحاضر من أوقات السنة حظه من هذا والعادة * والسن (2469) .
[commentary]
متى كان بدن المريض ممتلئا غير محتاج إلى الغذاء وقوته ضعيفة والوقت فصل الصيف وكان المريض شيخا * معتاده (2470) الغذاء القليل فليغذ قليلا مرة واحدة. أما تقليله لعدم احتياج بدنه وضعف قوته في الهضم الكثير من الغذاء ونقصان استمرائه في فصل الصيف لأن الحرارة الغريزية التي هي آلة للقوى الطبيعية في أفعالها تميل إلى السطح الظاهر من البدن وتتحلل بحرارة الصيف ولبرودة مزاج الشيخ ويبوسته لا يتحلل منه الشيء الكثير حتى يحتاج إلى كثير منبدل ما يتحلل منه سيما عند عدم اعتياده بالكثير وقد يغذى في هذه الحالة بالشيء الذي يكون جوهره * قليلا (2471) سريع الاستحالة إلى الهضم قليل الغذاء. ومتى كان البدن متحلحلا محتاجا إلى الغذاء وقوته قوية والوقت وقت الربيع وفي سن PageVW0P219B النمو فليغذ العليل كثيرا في مرات كثيرة وربما يغذى بالشيء الكثير الغذاء ومتى كانت القوة قوية مع عدم احتياج البدن والسن سن الوقوف الغير المحتاج غلى الغذاء الكثير لأجل النشوء والوقت وقت الشتاء العديم التحليل فليغذ * قليلا (2472) مرات قليلة ومتى كانت القوة ضعيفة مع * احتياج (2473) البدن فليغذ * قليلا (2474) لضعف القوة وفي * مرات (2475) * كثيرة (2476) لاحتياج البدن وينبغي PageVW1P157B أن تراعى العادة في ذلك مراعاة شديدة فإن من اعتاد تناول الغذاء مرتين ولو جعلته مرة ضعفت ووهنت قوته بل يجب إن كان معه ضعف هضم أن يتناول مرتين وتقلل كل مرة. ومن اعتاد مرة واحدة * وثني (2477) عرض له كسل واسترخاء وجشاء حامض ولين بطن لإيراده على المعدة ما لم * تألفه (2478) ويمكن أن يراد بالوقت الحاضر ما قلنا أنه يطعم في الصيف الغذاء باردا بالفعل وفي الشتاء حارا بالفعل ليقاوم الغذاء الهواء بالمضادة.
344
[aphorism]
قال * أبقراط (2479) : الأغذية الرطبة توافق جميع المحمومين لا سيما الصبيان * وغيرهم (2480) ممن قد اعتاد أن يغتذي بالأغذية * الرطبة (2481) .
[commentary]
يعني الأغذية الرطبة توافق جميع المحمومين الذين لم تكن حماهم من الرطوبة الزائدة على بدنهم وتعفنها فيهم فإن لمثل هؤلاء يوافق التجفيف والاستفراغ لا PageVW0P220A الترطيب وإنما يوافق الأغذية الرطبة للمحمومين والمحرورين للمضادة لا سيما الصبيان المحمومين فإنها توافقهم بسبب مشابهة أمزجتهم الأصلية ومضادة ما عرض لهم من الحمى الحار اليابس وتوافق أيضا لمن قد اعتاد بالأغذية الرطبة محموما كان أو غير محموم لمشاكلتها إياه * في (2482) مزاجه الكسبي وملائمة الشيء المألوف * له (2483) لأن حفظ الصحة يكون بالأشياء المشاكلة وردها يكون بالأشياء المضادة.
345
[aphorism]
قال أبقراط: الناقه من المرض إذا كان ينال من الغذاء وليس يقوى فذلك يدل على أنه يحمل على بدنه * من الغذاء (2484) أكثر مما يحتمل، وإذا كان ذلك وهو لا ينال منه دل على أن بدنه يحتاج إلى * استفراغ (2485) .
[commentary]
اعلم أن الناقهين أصحاء إلا أن صحتهم PageVW1P158A ليست قوية لأن قواهم قد انحلت لمقاساة الشدائد من أمراضهم وضعف حرارتهم الغريزية ولجفاف أعضائهم الأصلية وقلة الدم فيهم مع حاجتهم إلى التوفر من القوة والحرارة والرطوبة والدم * فلذلك (2486) يحتاجون إلى ضرب آخر من التدبير الصحي فيستعمل فيهم التدبير الذي يحفظ صحتهم * والتدبير (2487) الذي يزيد في بدنهم وينعش قوتهم وهذا التدبير يسمى التقدم بالحفظ فمهما تناول الناقه الغذاء ولم ينتعش ولم يقو ولم يزد PageVW0P220B بدنه دل على أنه يحمل على بدنه أكثر مما تحتمله الطبيعة ولا تقدر القوة المدبرة على هضمه وتوزيعه على الأعضاء فينبغي أن يحترز ويلطف الغذاء ويقلله. إذا لم يشته الناقه الغذاء ولم يتناول دل على أن في بدنه فضلات رديئة ولم تنق بالبحران نقاء تاما فأقبلت الطبيعة إليها * لتصلحها (2488) أو تدفعها فلا تلتفت إلى الغذاء فينبغي أن تعان القوة المدبرة في البدن المحتاج إلى الاستفراغ بالمستفرغ بعد تقوية الناقه واحتماله الاستفراغ أو بتلطيف التدبير وتعديل الغذاء.
346
[aphorism]
* قال أبقراط (2489) : الأبدان التي تهزل في زمان طويل فينبغي أن تكون إعادتها بالتغذية إلى * الخصب (2490) بتمهل، والأبدان التي ضمرت في زمان يسير ففي زمان يسير.
[commentary]
يجب أن تفرق بين ضعف القوة وهزال البدن على طريق الذهاب والاضمحلال شيئا فشيئا في مدة طويلة وبين ضعفها وهزاله على طريق الانحلال دفعة فقد يغذى في الأول * بالشيء (2491) الذي الجوهر الكثير منه يغذو * يسيرا (2492) ويغذى في الثاني * بالشيء (2493) الذي الجوهر اليسير * منه (2494) يغذو كثيرا وإلى هذا أشار أبقراط في هذا الفصل وذلك أن القوة PageVW1P158B التي تنحل في زمان طويل فإن انحلالها يكون تابعا لانحلال * جواهر (2495) الأعضاء وذوبان رطوبات الغريزية فيحتاج عودها وكسب خصبها PageVW0P221A إلى زمان طويل وأما انحلالها دفعة وفي زمان يسير يكون كل واحد من جوهر الأعضاء والرطوبات الغريزية باقية بحالها فتعود إلى خصبها الأصلي في زمان يسير كالهزال الذي يتبع الإسهال والاستفراغ وعقب المسهل.
347
[aphorism]
* قال أبقراط (2496) : إذا كان الناقه يحظى من الطعام ولا يتزيد بدنه شيئا فذلك رديء.
[commentary]
إذا تناول الناقه الغذاء ولا يتزيد بدنه دل على قصور قوته الهاضمة التي في عروقه وأعضائه حتى لا يقدر أن يستحيل الدم إلى * جواهر (2497) الأعضاء أو تكون من ضعف * قوتها (2498) الجاذبة بحيث لا تقتدر أن تجذب رزء البدن من الدم الآتي إليها حتى تنصرف فيه القوة المغيرة الثانية لتتشبه بالبدن.
348
[aphorism]
* قال أبقراط (2499) : إن في أكثر الحالات جميع من حاله رديئة ويحظى من الطعام في أول الأمر ولا يتزيد بدنه شيئا فإنه بآخره يؤول بآخره إلى أن لا يحظى من الطعام، فأما من يمتنع عليه في أول أمره النيل من الطعام امتناعا شديدا ثم يحظى منه بآخره فحاله * تكون (2500) أجود.
[commentary]
"إن في أكثر الحالات جميع من حاله رديئة" يعني الناقه الرديء الحال بحسب ضعف قواه وانهزال بدنه وحاله المتوسطة بين الصحة والسقم قال إذا تناول الناقه الغذاء في أول الأمر ولم يتزيد بدنه دل على أنه يتناول أكثر من مقدار قوته PageVW0P221B الغاذية ويغتذي زايد من رزء بدنه الضعيف فإنه يؤول حاله آخر الأمر إلى أن يشتهي لأنه لما عجزت القوى الطبيعية عن هضم الغذاء وضعفت عن توزيعه على الأعضاء * فجمعت (2501) PageVW1P159A في البدن الفضلات وصارت كلا على القوى وثقلا على الطبيعة واجتمعت أيضا في المعدة أخلاط رديئة * أبطلت (2502) القوة الشهوانية فلم يشته الناقه الغذاء وامتنع منه فيؤدي إلى سقوط القوة بخلاف من كان حاله * رديئة (2503) * ولم (2504) يشته الطعام في * أول (2505) الأمر ولم يتناول الغذاء ابتداء فتتوجه القوة المدبرة إلى إصلاح فضلات البدن وصرفه إليه إن أمكن إصلاحها واستحالتها إلى * الغذاء (2506) ودفعها بعد النضج فيكون أجود من الأول.
349
[aphorism]
* قال أبقراط (2507) : من كانت به حمى ثم انفجر منه دم كثير من أي موضع كان انفجاره فإنه عندما ينقه فيغذى يلين بطنه بأكثر من المقدار.
[commentary]
سواء كان محموما أو غير محموم إذا خرج منه دم كثير بالفصد أو بالنزف من أي موضع كان تضعف القوى الطبيعية والحرارة الغريزية لأن الدم مادة الأرواح الحاملة للقوى * ومنشأ (2508) للحرارة الغريزية التي هي آلة لها في أفعالها فمتى انفجر الدم الكثير تضعف القوى والحرارة الطبيعية عن هضم الغذاء وتقصر القوى * الكبدية (2509) عن PageVW0P222A جذب الكيلوس وتوليد الدم وتوزيعه على التذريع على الأعضاء * فإنه (2510) عندما ينقه ويأخذ في التغذي ولو لم يقدر كبده على جذب عصارة الغذاء كما ينبغي انحدر على سبيل الأمعاء فتلين بطنه بأكثر من المقدار لأن إمساكه موقوف على إصلاح حال الكبد وتقويتها فلو لم يقووا زمن الاطلاق للناقه الضعيف القوى فلا بد أن تسقط القوة ولو كان خروج الدم كثيرا جدا حدث الاستسقاء.
350
[aphorism]
* قال أبقراط (2511) : اللبن لأصحاب الصداع رديء PageVW1P159B وهو أيضا للمحمومين ولمن كانت المواضع التي دون الشراسيف منه مشرفة وفيها قراقر ولمن به عطش ولمن الغالب على برازه المرار ولمن هو في حمى حادة ولمن اختلف دما كثيرا رديء، وينفع أصحاب السل إذا لم تكن بهم حمى شديدة جدا ولأصحاب الحمى الطويلة الضعيفة إذا لم يكن معها شيء مما قدمنا وصفه وكانت أبدانهم تذوب على غير ما توجبه العلة.
[commentary]
اعلم أن اللبن دم متين قوي استحال بعض الاستحالة وخلع صورة الدموية واكتسى صورة اللبنية وصار أرطب منه وأرق وأقل حرارة وأسرع استحالة PageVW0P222B إلى الدم * الذي هو (2512) ألطف من الأول فإذا قيس اللبن إلى مزاج المستكملين يكون أبرد وأرطب من المعتدل إلا أنهم إذا شربوه وكانوا أصحاء أقوياء فاستولت عليه الحرارة وردته إلى الدم المعتدل سرعة فاغتذوا به غذاء حسنا وأما * أصحاب (2513) الأمزجة الباردة والمبلغمون لا يقدرون على إحالته إلى الدم التام النضيج فيزيد في برودتهم ورطوبتهم وأما أصحاب الأمزجة الحارة اليابسة فينتفعون به غاية الانتفاع لأنه مع ما يغذوهم يبلغ فيهم مبلغ الدواء النافع لهم إذا لم يكن في معدتهم صفراء. وكل لبن فهو مركب من جواهر مختلفة فيها قوى متضادة لأنه مركب من المائية والجبنية والدسم، فالمائية التي فيه ملطفة * للأخلاط (2514) الغليظة مطلقة للبطن لحدة فيها * وبورقته (2515) مستفادة من الدم الأول والجبنية مولدة للخلط الغليظ والسدد في الكبد والحجارة في الكلى والمثانة عاقلة للبطن بغلظها وبرودتها والدسمية الزبدية PageVW1P160A قريبة من الاعتدال مائلة * إلى (2516) الحرارة والرطوبة * لاختلاف (2517) جوهرها وتضاد قواه لا تستمرئ استمراء * سويا (2518) وتولد نفخا ويرتقي من أجزائه * للجبنية (2519) بخارات غليظة ويحدث الصداع فيكون رديئا لأصحاب الصداع ولم يكن موافقا للمحمومين لأنه لطيف سريع الاستحالة فيحيله حرارة نارية الحمى إلى المرار فيلتهب فيزيد الحمى فيهم. ولا يوافق لأضحاب النفخة التي تحدث بسبب برودة المعدة وضعف حرارتها الغريزية لأن اللبن في مثل هذه المعدة لا ينهضم ولا تقدر الحرارة الغريزية على استحالته ونضجه فيفعل فعلا ضعيفا يتولد منه البخار فيمد فيها * مكان (2520) الشراسيف ويزيد النفخة والقراقر. ولا يلائم لمن به عطش من حرارة المعدة ويبوستها فيحيله إلى المرارية والدخانية المسخنة لها وازداد العطش. ويضر أيضا لمن الغالب * على (2521) برازه المرار ولمن هو في حمى حادة ولمن اختلف دما لأن اللبن يستحيل في مثل * هذه (2522) الأبدان إلى الصفراء التي احترق أجزاؤها اللطيفة ويصير سوداء حادة تحدث سحجا في الأمعاء ويزيد اختلاف الدم. وينفع أصحاب السل إذا لم يكن معهم حمى شديدة جدا لئلا تحيله الحمى الشديدة إلى المرارية وينفع قرحة رئتهم بالمائية التي فيه جلاء عن الوسخ والدموسة التي فيه بين جوهر الرئة وأجزائها بالترطيب لئلا يعرض من حركتها والانبساط والانقباض نكاية لقرحتها وينفع لأصحاب الحمى الطويلة الضعيفة أي أصحاب الدق لأن السل والدق وعلاجهما متحد في النوع ولما كان يتولد من اللبن دم جيد وغذاء كثير محمود ويسرع استحالته إلى جوهر البدن PageVW1P160B فلكثرة غذائيته وسرعته لشبهه به يخلف به بالسهولة لما يتحلل من أصحاب الحمى الضعيفة أكثر * مما (2523) توجبه حرارة حماهم والدليل على كثرة غذائيته بدن الأطفال الكثيرة التحليل لنعومة أبدانهم ولطافة أعضائهم فتزيد تغذيته لهم من بدل ما يتحلل منهم ويفضل فيهم ليكون سببا لنشوءهم ومادة لنماءهم.
351
[aphorism]
* قال أبقراط (2524) : القلق والتثاوب والقشعريرة يبرئها شرب الشراب إذا مزج واحد سواء بواحد سواء.
[commentary]
إن الشراب الأبيض الرقيق يوافق المحرورين بل ربما يرطب * فيخفف (2525) الصداع الكائن من التهاب المعدة. والشراب يبطل ينفع المحرورين بإدرار المرة والمرطوبين بإنضاج الرطوبة وتنفذ الغذاء في جميع البدن وهو يقطع البلغم ويحلله ويخرج الصفراء في البول وغيره فيزلق السوداء فتخرج بسهولة وتقع عاديتها بالمضادة وتحل كل منعقدة فمهما اجتمع واحتبس في المعدة خلط * مؤذ (2526) لذاع رديء الكيفية بحيث يحدث القلق والتململ فشرب الشراب الممزوج فيحله ويهضمه إن كان يسيرا ومحتبسا في جرمها ويعدل كيفيته وينضجه أو بحركة إلى الاستفراغ إن كان مصبوبا في جوفها * وكذلك (2527) يحلل ويدفع البخار المحتبس في عضلات الفكين الحادث منه التشارب كما يدفع ويستفرغ بالعرق وتحليل الفضلات الرديئة المحتبسة بين اللحم والجلد الحادثة من كيفيتها اللذاعة القشعريرة وإنما لو ظهرت مدة بسبب العوارض * النفسانية (2528) ومن الكلالة والملاءمة والوحدة والوحشة واستدامة الفكرة وتغوص الحرارة الطبيعية إلى الباطن وتميل PageVW1P161A الأرواح إلى مبادئها فمتى شرب ممزوجا أقداحا متواترة إن؟؟؟ الحرارة الغريزية وانتشرت في البدن وتهيج الأرواح إلى البروز وأحدث الفرح والنشاط ودفع الضجر والقلق وانتعش البدن بالمسرة والبهجة وزال انكساره وتثاؤبه.
352
[aphorism]
* قال أبقراط (2529) : لأن يملأ البدن من الشراب * أسهل (2530) من أن يملأ من الطعام
[commentary]
اعلم أن الجمهور * قالوا أن (2531) كل ما يشرب شرابا وهو الذي إذا طبخ بلا شيء صار كله بخارا ولم ينعقد منه شيء كالماء الصرف والشراب الرقيق الذي لا يبقى منه شيء ولم يرسب منه ثفل. فأما ما يبقى وينعقد منه شيء بعد الطبخ فهو إلى طبيعة الطعام أقرب من إلى طبيعة الشراب وفي الجملة للشراب ثلاثة مراتب أحدها أن لا يغذو بل يصير مركبا للغذاء وبذرقانه إلى المسالك الضيقة ويصلح قوام الأغذية الغليظة كالماء. وإنما لا يغذو الماء لأن الغذاء هو يخلف على البدن بدل ما نقص منه والذي ينقص منه جوهر مركب من الأركان الأربعة فالذي يخلف مكانه يحتاج أن يكون بهذه الصفة، والماء عنصر بسيط لا يصير بدلا مما هو مركب من البسائط الأربعة. والمرتبة الثانية للشراب هو أن يفيد التقيد حسب ما يفعله الماء ويغذي مع ذلك لكونه مركبا تركيبا مناسبا للبدن كالخمر فإن الخمر للطافة جوهرها وسرعة استحالتها إلى الدم صارت أسرع الأشياء تغذية ثم يصير مبذرقا للغذاء ويستصحب معها إلى العروق بالحد من نواحي المعدة والكبد. والمرتبة الثالثة أن يفعل كلا الفعلين أعني التغذية والتقييد ويبلغ مبلغ PageVW1P161B الدواء كبعض الربوب فالشراب الغير النضج المعتدل القوام يفعل كلا الفعلين مع * أنه (2532) يستعمل للتداوي * به (2533) في الحالات المختلفة للبدن بحسب لونه وقوامه وحداثته وكونه عتيقا صرفا أو ممزوجا فنب؟؟؟ أنه يفعل فعل الماء والغذاء والدواء المنحصرة بهذه الثلاثة قوام البدن وحفظ صحة واسترداد ما لو كانت زائلة فقال من احتاج بدنه إلى الغذاء بحسب الخواء والخلاء فالشراب المعتدل القوام المايل إلى الغلظ والحلاوة أسرع وأسهل فعلا في تسميه وتحصيله الخصب والامتلاء فيه من الطعام للطافة جوهره وسرعة نفوذه وكثرة الغذائية فيه.
353
[aphorism]
* قال أبقراط (2534) : * سقي (2535) الشراب يشفي الجوع
[commentary]
ولو عنى بالجوع الجوع المعدي والشهوة الصادقة إلى الطعام وأنها تتم بقوة جاذبة طبيعية وبقوة حساسة في فم المعدة أما الجاذبة به فتحريكها الليف المطاول متقاضية لما تجذبه وامتصاصها ما يحضره من الرطوبات، وأما الحساسة فبإحساسها بهذا الانفعال وتلذع السوداء المنهية للشهوة المذكورة فكأنه لم ينفعه بل يضره الأمر الأكثر. ولكن لو عنى به الجوع الكاذب المعدي الذي يقال الشهوة الكلية التي سببها إما لسوء مزاج بارد مكثف يعرض لفم المعدة وإما من كثرة انصباب السوداء إليه. الجوع البقري الذي يسمى بوليموس وهو جوع الأعضاء مع شبع المعدة فتكون الأعضاء جالبة جدا مفتقرة إلى الغذاء والمعدة عائقة له وسببه استيلاء سوء المزاج البارد على فم المعدة قاتل لقوة الحس وقوة الجذب مع نقصان الغذاء وقوم PageVW1P162A الأعضاء إليه وقد يحدث من البلغم الزجاجي * الثقل (2536) البارد لأنه يثقل على فم المعدة ويرخيها ويفسد مزاجها ويضعف قوتها الجاذبة ويميت الشهوة فيقطع مدد الغذاء مع شدة احتياج البدن إليها. والشراب المعتدل القوام يشفي لكلا الأمرين بإصلاحه سوء المزاج وتعديله ونضج الخلط الذي في فم المعدة ودفعه منه.
354
[aphorism]
* قال أبقراط (2537) : الماء الذي يسخن ويبرد سريعا فهو أخف المياه.
[commentary]
اعلم أن الماء ركن من الأركان لأنه ينفذ الغذاء ويصلح قوامه. أما المياه مختلفة لا في الجوهر المائية لكن بحسب ما يخالطها وبحسب الكيفيات التي تغلب عليها. واعلم أن المياه التي تكون طينية المسيل خير من التي تجري على الأحجار لأن الطين ينقي الماء ويأخذ منه الممزوجات الغريبة يزرقه ويلطفه ولكن يجب أن يكون طين مسيلها حرا ويأخذ إلى الشمس في جريانه فيجري إلى المشرق ثم إلى ما يتوجه إلى الشمال وقيل إلى المتوجه إلى المغرب والجنوب رديء. والذي ينحدر من المواضع العالية مع سائر الفضائل أفضل وما كان بهذه الصفة كان عذبا خفيف الوزن سريع القبول، البرودة والسخونة في تخلخله ولطافته باردا في الشتاء حارا في الصيف ويكون سريع الانحدار من الشراسيف سريع يهري؟؟؟ فيه وطبخ ما طبخ فيه. واعلم أن الوزن من الدستورات المنجحة في في تعريف حال الماء فإن الأخف منه ألطف وأسرع قبولا للسخونة والبرودة وقد يعرف الوزن بالمكيال وقد يعرف بأن تبل خرقتان بماءين PageVW1P162B مختلفين أو قطنتان متساويتان في الوزن ثم يجففان بالغا ثم يوزنان فالماء الذي قطنه أخف يكون ألطف وأفضل وأسرع قبولا للسخونة والبرودة لتخلخله ولطافة جوهره لأن الشيء المتخلخل الجوهر يكون في خلل أجزاءه هوائية فقوة الشي البارد أو المسخن يغوص فيه بسرعة ويحيله إلى كيفيته وقد يكون أخف في الزرق وعلى المعدة وما كان في الوزن أخف فهو * ألطف (2538) وأسرع إجابة للسخونة والبرودة وكا كان أسرع إجابة لهما فهو أخف ويحكم على هذا الدستور طردا أو عكسا.
355
[aphorism]
* قال أبقراط (2539) : إن الأشياء الباردة مثل الجمد والثلج ضارة * للصدر (2540) مهيجة للسعال جالبة لانفجار الدم والنزل.
[commentary]
إن الأشياء * الباردة (2541) بالفعل تضر الأعضاء العصبانية العديمة الدم وتكثر سيلان المواد في الرأس وتهيج علل الصدر والسعال سيما الأشياء الباردة جدا مثل الجمد والثلج فإنها تقتله بطيئة الانحدار بصلب وتكشف آلات التنفس وتحسس وبجميع آلات الصدر العصبانية وتصير بقصبة الرئة وجوهرها المتخلخل بالبرودة فتحدث السعال وتجلب النوازل لأن كيفيتها الباردة تسرع إلى الدماغ وتسد مسامه فلما ترتقي بخاراتها الغليظة الكثيفة إليه وتزداد وهناك غلظ ولم يتأت لها النفوذ ولم تنحل تستحيل إلى المائية وتنزل إلى الرئة وتهيج السعال. وإنما تجلب انفجار الدم لأن الشيء البارد جدا قد يكون سببا لامتحان العضو بجمعه منها فشيته؟؟؟ وحصره الحار فيه حتى لا يمكن للأبخرة الدخانية النفوذ فيها وعند انفعال العضو من البرد الشديد PageVW1P163A ترسل الطبيعة الدم إليه لتصلحه فمهما يسخن العضو واجتمع فيه الدم وكان قابلا لانفجار الدم لسخافته أو لآفة فيه عرض له الانفجار وسيلان الدم.
356
[aphorism]
* قال أبقراط (2542) : كل موضع قد برد فينبغي أن يسخن إلا أن يخاف عليه انفجار الدم منه.
[commentary]
ولو برد موضع من الأعضاء من أسباب خلطية أو مزاجية أو من أسباب خارجة فلا بد أن يسخن ذلك الموضع لتكون معالجته بالضد ويؤول إلى مزاجه الصحي فأما تسخين ذلك الموضع المعين بلا تسخين غيره عسر، فلا جرم ينبغي أن يكون من الخارج بالكمادات والنطولات والضمادات وغيرها إلا أن يخاف عليه انفجار الدم لأنه اذا استعمل الدواء الحار من الخارج سخن العضو وأحدث له في أول الأمر حمرة ثم نقرسي؟؟؟ فينبغي أن يحترز من المبالغة في التسخين للعضو المستعد لانفجار الدم حتى لا يؤول إلى إلى ما هو أعظم خطرا وهو نزف الدم.
357
[aphorism]
* قال أبقراط (2543) : الحار يضر من أكثر استعماله هذه المضار يؤنث اللحم ويفتح العصب ويخدر الذهن ويجلب * سيلان (2544) الدم والغشي ويلحق أصحاب ذلك الموت.
[commentary]
إن المواد الحار يحلان رطوبات البدن ويسيلانه فتسترخي المفاصل والأعضاء ويتحلل منهما جوهر الروح وهو * البخار (2545) اللطيف العذب وتسقط القوى لتحليل حاملها * وكذلك (2546) يوثبان اللحم لتذويب رطوباته ويرخيان الأعصاب بتسليمهما الرطوبات إليها وتفتح اندماجها وتضعف حركاتها المحتاجة إلى الصلابة ويخدر الذهن لأنهما على الجوهر الحار في البدن الرطب تصاعدت منه الأبخرة الرطبة إلى الدماغ واستوحت مجاري PageVW1P163B الأعصاب ومنافذها التي فيه واختلطت بالأرواح البخارات الكدرة فضعفت القوى المدركة لضعف حاملها، وتجلب سيلان الدم لأن الحار محرك الدم فيهيج له إلى الخارج فيعرض سيلان الدم من العضو السخيف المتهلهل النسيج المستعد للنزف بسبب جراحة أو * قرحة (2547) وإذا تمادى النزف والسيلان عرض الغشي المؤدي * للموت (2548) .
358
[aphorism]
* قال أبقراط (2549) : فأما البارد يحدث التشنج والتمدد والاسوداد والنافض الذي يكون معه الحمى
[commentary]
يعني * البارد (2550) من الهواء والماء يغلظ الأخلاط ويكثف المسام فيمنع التحليل ويصلب الأعصاب فتتمدد لصلابتها وغلظها إلى التعرض فيقصر من الطول فيعرض التشنج والتمدد. وأما حدوث الاسوداد في العضو الذي أصابه البرد الشديد يكون من توجه الحرارة والدم والبخارات الحادة إليه طلبا لنكاية البرد أن تزيلها وطمعا في إصلاحها فتحتقن الأبخرة فيه * لاستحصاف (2551) جلده فتحرق العضو وتميته وتعفن هي وتعفنه لانسداد منافس العضو وفقدان ترويحها فيعود العضو ويتغير عن لونه. وأما النافض مع الحمى بسبب البرد الشديد يكون لانتفاض الأعضاء والأعصاب وارتعادها عن أذى البرد الذي يجمع الأبخرة الحادة في البدن ويمنعها من الانتشار والانتعاش ويجمعها فيه بسبب ما يحدث فيه من تكاثف المسام وضيقها فهذه الأبخرة لو كانت عذبة رطبة لم تولد الحمى ما لم يعفن فتحدث الجمى العفنية، وإن كانت دخانية أسخنت الأرواح بمجاورتها ومخالطتها وعرضت الحمى.
359
[aphorism]
* قال أبقراط (2552) : الحار مقيح لكن ليس في كل قرحة وذلك من أعظم العلامات دلالة على الثقة والأمن، ويلين الجلد ويرققه ويسكن الوجع ويكسر عادية النافض والتشنج والتمدد ويحل الثقل العارض PageVW1P164A في الرأس، وهو من أوفق الأشياء لكسر العظام وخاصة للمعرى منها ومن العظام خاصة لعظام الرأس، ولكل ما * أماته (2553) البرد أو أقرحه وللقروح التي تسعى أو تتآكل وللمقعدة والفرج والرحم والمثانة فالحار لأصحاب هذه العلل * شاف (2554) نافع والبارد ضار قاتل.
[commentary]
الحار المقيح أي الحار المائل إلى الاعتدال الشبيه بحرارة البدن لأن الأشياء الحارة الزايدة على حرارة البدن تحرق المادة وتغلظها والفاتر النافض منه لا يقدر على الانضاج. لا يحصل النضج إلا من الأشياء الشبيهة بالحرارة الغريزية في حرارتها ولكن ليس في كل قرحة وورم كالحمرة والجمرة والنار الفارسي فإنها ورم صفراوي حار يابس لا يجمع ولا يحتاج مادتها اليابسة إلى الضماد والنضج وكالأورام السرطانية فإن * عاديتها (2555) يابسة أرضية لا تنضج ولا تجمع كسائر القروح. ولا تستعمل أيضا المنضجات في الطواعين والأورام الخبيثة والآكلة فلا جرم يكون الحار مقيحا لكن ليس في كل قرحة. وكل ورم يؤول أمره إلى النضج والتقيح كان * دليل (2556) سلامة * وافيا (2557) من فساده فكما أن الشيء البارد يصلب الجلد ويخشنه فالحار بضده يلينه ويرققه لأنه يحل ويرخي. وإنما يسكن الوجع لأنه إن كان من سوء مزاج حار مفرط كان الحار المعتدل في الحرارة بالنسبة إليه * باردا (2558) فيعدله ويحلل مادته وإن كان من سوء مزاج بارد استرجعه إلى الاعتدال وأعان الحرارة الغريزية على نضج المادة الباردة وتحليلها ويكسر سورة البرودة التي ينتفض * منها (2559) البدن لدفع أذاها سواء كان من داخل أو خارج، وتنتشر الحرارة الغريزية بمصاحبته ومعونته PageVW1P164B فيدفع بسبب النافض والتشنج والتمدد من الأمراض العصبانية القليلة الدم والحرارة فمتى جلبت ودفعت مادتها وسخن جرمها ومتى اختفت في الدماغ البخارات الغليظة الكثيفة وارتقت الحرارة المعتدلة من الشمومات والرطوبات والسعوطات وغيره نهضت الحرارة الغريزية الدماغية بمعونة تلك الحرارة إلى تحليل البخارات ودفعها فتزيل الثقل العارض في الرأس وكيفيته الحارة المعتدلة تنفع العظام خصوصا العظام المعرى من اللحم كعظام الرأس العديمة الدم واللحم لأنها باردة المزاج فتعدلها الحرارة. وإنما قال خاصة لعظام الرأس لأنها باردة في مزاجها * قليل (2560) لحمها مع أنها محيطة على الدماغ البارد الرطب فيكون أنفع لها من غيرها وينفع أيضا للأعضاء العصبانية الباردة المزاج ويحدث فيه سوء مزاج بارد مكثف لعومات؟؟؟ عروقه مغلظ لدم الطمث فيكون سببا لاحتباسه. ولو * انتقلت (2561) الكيفية الباردة من الإحليل إلى المثانة العصبية الباردة المزاج وغلبت عليها فربما أحدثت فيها عسر البول وهو أن يخرج بلا إرادة بسبب سوء المزاج البارد * الذي (2562) عرض عليها وأضعفها، وقد يحدث منه تقطير البول لضعف جرم المثانة وبرد مزاجها، وربما أحدثت * احتباس (2563) البول لضعف حس المثانة المخدرة لها البرودة فلا تحس بلذع البول ومتى أصاب المقعدة برد شديد فتسكن هي وتمدد الأمعاء فيؤدي إلى * التزحر (2564) وهي حركة من المعاء المستقيم يدعو إلى البراز اضطرارا. وإن تصاعدت الكيفية الباردة إلى الأمعاء حدثت PageVW1P165A القراقر والنفخة بسبب برد مزاجها. وتنفع أيضا كيفية الحرارة الغير المفرطة لكل موضع أصابه برد وسد منافس الحرارة واحتقنت فيه فيصلحها وتنتشر الحرارة المحتبسة في العضو. ويعني بما أقرحه البرد تفرق اتصال يعرض في الجلد بسبب استيلاء اليبوسة والبرودة كما تعرض الفتوح والشقاق في الأطراف القليلة الحرارة في زمن الشتاء. وتنفع أيضا الحرارة المعتدلة القروح التي تسعى مثل الحصف وهي بثور شوكية كالذرة تنفرش في ظاهر الجلد * وسببها (2565) رطوبات رقيقة حارة كأنها أثفال العروق المستعيقة على الرشح إذا احتقنت وامتنعت عن الخروج عند انسداد المسام بالبرد فبثرت على سطح الجلد كبنات الليل وهن بثور تعرض في البرد * والليل (2566) وسببها احتباس ما يجب أن يتحلل * لحصافة (2567) الجلد وضيق المسام من صدمة الهواء البارد. وإنما قال يسعى لأن الحصف تسعى وتزيد في كل يوم في الأعضاء الكثيرة العرق القليلة الاغتسال إذا صادفها الهواء البارد وإذا انتشرت البخارات عند هضم الطعام في الليل * وازدادت (2568) المسام ضيقا لبرد الهواء وغور الحرارة تسعى وتزيد بثور بنات الليل ومثل ما يعرض في الفلغموني العظيم الحجم إذا بلغ من عظمه أن يسد مسالك الروح فصب الماء المعتدل في الحرارة والبرودة يفتح المسام ويحل ويذيب الخلط السمي حتى تتصاعد منه الأبخرة المؤذية ويصلح الروحي ويعدله * ويجذبه (2569) إلى العضو وينقي العضو من الأوساخ المانعة من الخروج من الأبخرة ولذلك لا تستعمل الأدوية الباردة في الطواعين لئلا يردع مادتها السمية إلى الداخل بل يشترط؟؟؟ ويغسل بالماء الحار ليجذها إلى الخارج ويحلل ما لطف منها
PageVW1P165B
360
[aphorism]
* قال أبقراط (2570) : فأما البارد فإنما ينبغي أن تستعمله في هذه المواضع أعني في المواضع * التي (2571) يجري منها الدم أو هو مزمع بأن يجري منها وليس ينبغي أن يستعمل في نفس * الموضع (2572) الذي يجري منه الدم لكن حوله من حيث يجيء. * وفي ما (2573) كان من الأورام الحارة والتكلع مائلا إلى الحمرة ولون الدم الطري لأنه إن استعمل * في ما (2574) قد عتق فيه الدم سوده. وفي الورم الذي يسمى الحمرة إذا لم يكن معه قرحة فهو يضره.
[commentary]
يعني ينبغي أن يستعمل الأشياء الباردة بالقوة أو بالفعل في * ما (2575) حول الموضع الذي يجري منه الدم الغليظ ويكقف ويمسك سيل الدم ويحبسه لأن الشيء البارد والأورام الحارة يسكن وجعها بتبديل المزاج ويضيق مجاري الأخلاط ومسالكها ويغلظ المواد المتوجهة إلى العضو الورم فروعها من الانصباب كما تطلى الجبهة بالأشياء الباردة عند الرعاف ويصب الماء البارد على الرأس طلبا لإمساكه * كذلك (2576) يبرد حوالي القرحة المتفجرة منها الدم أو المزمعة بأن يجري * منها (2577) لا نفس القرحة لئلا يعوض الكيفية الباردة فيها ويحدث الوجع المسخن الجالب للدم كما يجب أن يطلى حوالي الطواعين لا * نفسها (2578) بالأطلية الباردة جدا لئلا ترجع المادة السمية منها وتنتشر في البدن وهذا المعني * فيه (2579) الفصد ويستعمل * في ما (2580) كان من الأورام الحارة والتلكع أي المتغير إلى الحمرة والسوداء ولون الدم الطري فإذا استعمل فيه * البارد (2581) نفعه على سبيل المدادة بالضد وتبديل مزاجه وسكن وجعه ومنع * الخلط (2582) المتوجه إليه. وأما إن استعمل في ما قد عتق فيه الدم وحد فيه فالتبريد يزيد تجميده وتغليظه وسدن؟؟؟ من الحرارة فيه فأحرقه PageVW1P166A وسوده. وتنفع أيضا المبردات في الحمرة الحادثة من الدم الصفراوي لتطفئ آلتها وتكسر عاديتها الحارة بيكفيتها الباردة.
361
[aphorism]
* قال أبقراط (2583) : البارد * ضار (2584) للعظام والأسنان والعصب والدماغ والنخاع، وأما الحار فموافق نافع لها.
[commentary]
واعلم أن جميع الأشياء الباردة ضارة بهذه الأعصاب لأنها باردة في مزاجها الغريزي بمقدار معين * وصحتها (2585) مستحفظة بذلك المقدار لأن الخالق أعطى كل عضو من المزاج ما هو أليق به وأصلح لأفعاله فمتى انحرف عن ذلك المزاج إلى الإفراط والتفريط لم يبق على * حالته (2586) الصحية وعرض * له (2587) سوء المزاج فملاقاة الشياء الباردة إلى هذه الأعضاء إلى الجانب الإفراط فيضرها ويفسد جوهرها بحسب إفساد مزاجها. وأما الحار فهو موافق نافع. يرد على هذا الحكم تشبيهه بأنه معلوم أن حفظ الصحة بالأشياء المشاكلة وردها بالأشياء المضادة فكيف يمكن حفظ هذه الأعضاء الباردة العديمة الدم بالحار المخالف لمزاجها الأصلي مع نيلها الضرر من الأشياء الباردة المشاكلة لمزاجها.
362
[aphorism]
* قال أبقراط (2588) : البارد لذاع للقروح ويصلب الجلد ويحدث من الوجع ما لا يكون له تقيح ويسود اللون ويحدث النافض الذي يكون معه حمى والتشنج والتمدد.
[commentary]
واعلم أن اللذع لا يحصل إلا من قوة الفاعل في لطافته أو قابلية المنفعل في تخلخله، وإن لم * توجد (2589) في الفاعل زيادة قوة وفي المنفعل قابلية لم يحصل اللذع كالماء الذي يصلب الجلد ويسد مسامه عند صبه عليه فلم يتأت له أن يغوص فيه ويلذعه بكيفيته الباردة بخلاف الماء الحار فإنه وإن كان غليظا يفتح المسام PageVW1P166B الجلد ويلينه فيصير قابلا لغوصه ولذعه بالكيفية الحارة. ولهذا قال البارد لذاع لا على الإطلاق ولكن للقروح لأن موضع القرحة يكون منسلخا عن جلده متخلخلا بحسب تفرق اتصاله فيقتدر الماء البارد على الغوص فيه واللذع * لها (2590) لقابلية المحل لا لقوة الفاعل وإنما يعوض الفاعل لقوته في اللطافة كالهواء البارد لأنه ألطف كثيرا من الماء فيقدر أن ينفذ من المسام إلى عمق البدن ويلذعه بكيفيته كما يحس في حال صدمة الهواء البارد وغرزانه في البدن كغرزان الإبر. * فاعلم (2591) أن البدن كلما كان ألطف جوهرا يكون نفوذه ولذعه أبين وكلما كان أغلظ جوهرا يكون لذعه أشد لتمكنه؟؟؟ من العجز؟؟؟ فيما يلقي البدن حتى يعوض ويلذع. قوله ويصلب الجلد لأنه يمنع التحليل ويجمع أجزاء البدن ويحدث الوجع * في ما (2592) لا يكون معه نضج لشدة جمعه لأجزاء البدن فيحدث في الجلد خشونة ويبس وفسوخ موجع وأما النافض والحمى والتشنج والتمدد فقد عرفته من قبل.
363
[aphorism]
* قال أبقراط (2593) : من كان به صداع أو وجع شديد في رأسه فانحدر من منخريه أو من أذنيه قيح أو دم أو ماء فإن مرضه ينحل بذلك.
[commentary]
متى لم يكن الوجع في الراس من سوء مزاج ساذج أو بخارات محتقنة فيه أو من خلط مراري يكون من ورم أو امتلاء دموي أو رطوبات فضلية وصادفت نضجا انحدرت على هذه المواضع. وإنما يراد بالنضج تغير مادة المرض عن رداءة طبيعتها إلى حال يستعد بها لأن تخرج من الطبيعة عليها فإذا انحدر من الحنك والأذن والأنف شيء ينضج من المواد الموجعة للدماغ بسهولة PageVW1P167A دل على نضج المادة ودفع الطبيعة لها وانحل مرضه بذلك المندفع.
364
[aphorism]
* قال أبقراط (2594) : من حدث به جنون فوقع له اتساع العروق التي تعرف * بالدوالي (2595) والبواسير انحل عنه جنونه.
[commentary]
الجنون يحدث من مادة سوداوية غالبة على الدماغ فإن كانت المرة السوداوية من حرافة الدم فيكون مع اختلاط الذهن ضحك وفرح. وإن كان حدوثه من حرافة السوداء الطبيعي يكون المجنون كثير الاضطراب وكثير الغضب الاشراف إلى الأحسن أي من الدماغ إلى الساق والمقعدة فينتقل المرض الدماغي إلى البواسير والدوالي اللذين هما أقل خطرا من سائر الأعضاء لأن اتساع عروق الساق والقدم لكثرة ما يتنزل إليها من الدم السوداوي وعلامة * ظهوره (2596) عروق غلاظ خضر ملتفة على الساق كما يعرض للمشاة والفوج والحالين والقائمين بين أيدي الملوك. وأما البواسير هي زيادة تنبت على أفواه العروق التي في * المقعدة (2597) من دم سوداوي غليظ خارج الشرج أو داخله.
365
[aphorism]
* قال أبقراط (2598) : الصلع لا يعرض لهم من العروق والتي تعرف بالدوالي كثير شيء ومن حدث به من الصلع الدوالي عاد شعر رأسه.
[commentary]
الصلع جمع أصلع كالحمر في جمع أحمر ويكون فيه طبيعيا وغير طبيعي فالصلع الطبيعي هو الذي يحدث بعد الكبر فإنه يعرض لنقصان مادة الشعر في تلك البقعة واستيلاء الجفاف المسدد لمنافذها فيصير كالحرف الغير القابل للنبات. وأما الصلع الغير الطبيعي وهو الذي عناه يحدث لنقصان PageVW1P167B الغذاء وقلة البخار الجيد المنبت للشعر وإما لتخلخل الجلد واتساع المسام وإما لانسدادها. ويحدث أيضا لحصول المواد الخبيثة الغليظة السوداوية تحت الجلد فتنسد المسام وتمنع البخار عن النفوذ لانعقاد الشعر. هذا الذي يعنيه الحكيم أبقراط أي لا يعرض للصلع من الدوالي كثير شيء بل قد يعرض لهم شيء قليل بسبب ميل المادة المحترقة السوداوية إلى رؤوسهم. ولو حدثت بهم الدوالي كثير شيء دل على انحدار المادة المحترقة الممانعة لنبات شعرهم إلى الأسافل، أعاد شعر رأسهم لعدم المانع وجودة المادة.
366
[aphorism]
* قال أبقراط (2599) : إذا اعتراه تشنج أو تمدد ثم أصابته حمى انحل بها ما يمرضه
[commentary]
هذا غني عن الشرح ...
PARATEXT|
قد تمت الكتاب بعون الله الملك
الوهاب في يوم جمعة
قد نسخت هذا الكتاب سنة ١٢٥٠ في دار الخلافة الطهران وأنا ابن عبد الله
Unknown page