230

البحث الثاني:

قال الفاضل جالينوس: أي أفرض أن إنسانا (375) حم في أول يوم من مرضه في الساعة الثالثة ثم سكنت عنه الحمى (376) في الساعة من ساعات ذلك اليوم أي ساعة كانت ثم ابتدأت به الحمى في اليوم الثاني من تلك الساعة التي ابتدأت فيها في اليوم الأول أعنى الساعة الثالثة ثم سكنت في أي وقت سكنت ثم ابتدأت في اليوم الرابع في الساعة الثالثة وليس وقت تركها واحدا لكنه مختلف. قال: أقول إن من كان مرضه كذلك فيجب ضرورة أن يطول مرضه أكثر مما يطول مدة مرض من كان ابتدأ نوائب حماه لا يكون في وقت واحد ثم ذكر علة هذا بعد هذا الكلام بأسطر وهو أن سبب ذلك ثبات العلة واستقرارها، ولا شك أن العلة الثابتة أعسر انفصالا من العلة الغير ثابتة، وذلك لأن الشيء المتمكن الثابت يحتاج إلى PageVW5P034B معالجة قوية حتى يقلع سببه، وذلك لا يقلع إلا في مدة طويلة وأدوية قوية ويكون تقدير قول أبقراط على هذا التأويل من كانت (377) لحماه نوائب ففي أي ساعة كان تركها له ثم إذا كان أخذها له في كل يوم في ساعة واحدة بعينها فبحرانه يكون عسرا وعني بعسر البحران عسر انفصال المرض. وهذا التأويل ليس هو مطابق لقول أبقراط، فإن أبقراط يقول: إذا كان أخذها له من غد (378) في تلك الساعة بعينها أي الساعة التي وقع فيها المفارقة.

البحث الثالث:

قال جالينوس: قال قوم إن أبقراط عنى بقوله هذا أن الحمى إذا ابتدأت في اليوم الأول من الساعة الثالثة ثم سكنت في الساعة الثانية عشر ثم ابتدأت نوبتها في اليوم الثاني في الساعة الثانية عشر وأنقل الكلام دائما حتى يكون ابتداء النوبة في كل يوم في وقت انقضاء النوبة في اليوم الذي قبله كان بحران ذلك المرض وانقضاؤه بعسر. قال: والقائلون بهذا القول لم يأتوا عليه بحجة ولا قدروا أن يأتوا على ذلك بتجربة تشهد بصحة قولهم. واعلم أن هذا المعنى ظاهر من قول أبقراط فإنه قال «من كان لحماه نوائب ففي أي ساعة كان تركها له إذا كان أخذها له من غد في تلك الساعة بعينها فبحرانه يكون عسرا» فقوله إذا كان أخذها له من غد في تلك الساعة بعينها (379) أي الساعة التي وقعت المفارقة فيها. وذلك لأن الضمير يعود إلى أقرب المفهومين، وأقرب المفهومين الساعة التي وقع فيها.

البحث الرابع

في إظهار الحق في ذلك: أما تأويل جالينوس فغير مطابق لقول أبقراط، ومع هذا فقوله فإن ذلك يدل على ثبات العلة PageVW5P035A واستقرارها، نقول له: لو كان الأمر على هذا لتساوى زمان الأخذ وزمان الترك لكن قوله تترك في أي زمان اتفق يدل على أن سببها قد خالطه سبب آخر أوجب زيادة زمان أخذها أو نقصانه فحفضها الزمان الأخذ لا يدل على التمكن ما لم يحصله الشرط الآخر. وأيضا فإن الاستقرار والثبات ليس هو رديئا مطلقا بل هو أجود من غير المستقر من وجه وأردأ من وجه آخر. أما وجه الجوده فإن المادة متى كانت كذلك أمنا انصبابها وميلانها إلى ما هو أشرف من محلها ولذلك صارت الأمراض الغير مهياجة أقل خطرا من المهياجة. وأما وجه الرداءة فمن جهة تمكنها في العضو وقهرها الطبيعة الخاصة التي اعتمادنا عليها في المداواة. وأما تأويل الأقدمين فهو وإن كان مطابقا في ظاهره لقول أبقراط غير أنهم لم يأتوا عليه بحجة ولا شبهة (380) وقول جالينوس زادا عليهم أنهم لم يأتوا على ذلك بتجربة تدل على ذلك، نقول: إن عنيت بذلك أنه لم يجرب بنفسه PageVW1P107A بتجربة تدل على ذلك فمسلم ولكن يحتمل أن يكون غيره من الأقدمين قد جرب ذلك فوجد الأمر فيه على ما ذكره أبقراط من النكد . والحق عندي أن مراده بهذا النوع من الحمى نوع الحميات المركبة يقال له المبادلة وهو أن تأتي نوبة الحمى الثانية من غد عند انقضاء النوبة الأولة. وهذا هو غرض أبقراط، فإن الحمى الثانية تأخذ في الساعة التي تركت فيها الأولى، وقد عرفت هذا النوع من التركيب في المقالة الأولى، فإن النوبة (381) اللاحقة تحصل عند انتهاء السابقة وصار بحران هذا النوع عسرا، وذلك لاشتفال الطبيعة بمقاومة العلة PageVW5P035B فإنها في مجاهدة دائما، ولا شك أن الطبيعة متى كان حالها كذلك لم يتمكن من دفع المادة المرضية في البحارين على ما ينبغي فيكون البحران عسرا. ومثل هذا البحران يكون فيه معاودة إن كانت القوة قوية وإلا آل الأمر على الهلاك.

31

[aphorism]

قال أبقراط: صاحب الإعياء في الحمى أكثر ما يخرج به الخراج في مفاصله وإلى جانب اللحيين. (382)

[commentary]

Unknown page