قال أبقراط: البراز الأسود الشبيه بالدم الآتي من تلقاء نفسه إن كان مع حمى أو من غير حمى فهو من أردأ العلامات، وكلما كانت الألوان في البراز أردأ كانت تلك علامة أردأ، فإن كان ذلك مع شرب دواء كانت تلك علامة أحمد، وكلما كانت تلك الألوان في البراز أكثر كان ذلك أبعد من الرداءة.
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث خمسة (295).
البحث الأول
في الصلة: وذلك من وجهين: أحدهما أنه لما ذكر جهة الاستفراغ أي إخراج المادة من الجهة التي هي إليها أميل أجود من إخراجها من ضد تلك الجهة، قال هاهنا هذا القدر لا يصح إلا في الاستفراغات الجيدة. فإن الرديئة رديئة سواء كان خروج (296) المادة من جهة ميلها أو من الجهة المضادة الثاني أن يقال إنه لما ذكر الاستفراغات الجيدة أعقبها بذكر الرديئة.
البحث الثاني:
سواد البراز يكون لخمسة أسباب: إما لاستيلاء برد مجمد، فإن البرد متى استولى على الدم أو على السوداء أفاد ذلك سواد لون وأزال عنه الأشراف المستفاد من الحرارة؛ وإما لاستيلاء حر محرق بحيث أنه ينشف رقيقة ويفيده غليظا وسوادا؛ وإما لاستيلاء الطبيعة على نضج المادة السوداوية ثم إخراجها؛ وإما لاستعمال دواء يخرجها فيخالط البراز ويفيده لونا أسود؛ وإما لاستعمال صابغ يصبغ البراز يفيده لونا أسود (297) كالمري والخيار شنير، وقد عرفت الفرق بين الجمودي والاحتراقي. ومراد أبقراط هاهنا بالأسود الاحتراقي لا الجمودي، فإن الجمودي لونه كمد ليس هو شبيها بالدم فإن الدم لونه مشرق. والطبيعي يعقبه خفة وراحة فلا يكون رديئا. والصناعي لا يكون من تلقاء نفسه. والكائن الصابغ يكون من تلقاء نفسه غير أنه لا يعقبه شر ويكون خروجه على العادة في حال الصحة في مقداره وقوامه وأيضا يعرف بسببه (298) فظهر مما ذكرنا. مراده بذلك الاحتراقي فقط، فإنه لما قال الأسود فهم منه الجمودي والاحتراقي فإن الطبيعي لونه مائل إلى الحمرة، ثم لما قال الشبيه بالدم اي في الإشراق فهم منه (299) الاحتراقي لأن الجمودي كمد، ثم لما قال الآتي من تلقاء نفسه فهم منه (300) أنه غير الصناعي، ثم لما قال رديء فهم منه أنه غير الطبيعي الكائن للصبغ.
البحث الثالث
في كيفية خروج الاحتراقي من تلقاء نفسه: وذلك إما أن يقال إنه لغلظه يثقل الأعضاء ثم أنها لا تمسكه لتضررها به فيخرج بنفسه أو نقول إنه يؤذي الطبيعة وينكيها بحدته فيتحرك لدفعه فهذا وجه خروج (301) الخلط المذكور من تلقاء نفسه. فإن قيل هاهنا نظر من وجهين: أحدهما قوله خروج الشبيه بالدم الآتي من تلقاء نفسه كان يغني عن هذا جميعه البراز الأسود الاحتراقي فلم لا ذكر هذا دون الأول؟، وثانيهما أنه قال أولا إن استفراغ البدن من النوع الذي ينبغي أن ينقي منه البدن نفع ذلك وسهل احتماله، والجواب عن الأول أن كون ذلك عن الاحتراقي أو عن غيره أمر خفي عند الجمهور، وإن كان معروفا عند الخواص وكونه شبيها بالدم أمر ظاهر لكل احد وتعريف الخفي بالظاهر واجب فلذلك ذكر الأمر الظاهر وترك الأمر الخفي. والجواب عن الثاني نقول: لا شك أن خروج هذا الاحتراقي أنفع من بقائه فيه غير أنه لدلالته على سببه الذي هو الأمر المحرق رديء فرداءته ليس لكونه استفراغا (302) نوعيا بل لكونه دليلا على وجود سببه.
البحث الرابع:
Unknown page