217

البحث الثالث

في التي قبل الأخذ هذه الأمور منها ما هو عائد إلى أخذ الدواء ومنها ما هو عائد إلى نفس الدواء:

أما التي هي عائدة إلى أخذ الدواء فهي أن تكون أخذة له (205) بعد نضج ما يجب أن يراعي فيه النضج وقد عرفت الكلام في هذه المسألة (206)، وأن (207) يدخل الحمام قبل أخذه بيوم واحد لتتهيأ المواد للخروج وبترقيق الحمام لها وتفتيحه للمسام، وأن يتقدم ويهيئ فضلاته البرازية للخروج وإن كان هناك شيء منها (208). وأما التي عائدة إلى نفس الدواء فاعلم أن الدواء في غالب الحال على نوعين: مطبوخ وجوب. أما المطبوخ فيجب أن يراعي في استعماله أمور ثمانية: أحدها المدارات وهي أن تكون معتدلة فإن عدمها مضر من جهة تسكينها لحدة المادة المارة بآلات البول وكثرتها تجذب المواد إلى جهة المثانة، وذلك مما يوقف عمل الدواء؛ ثانيها أن يخلط به شيء خلو فإن عدمه مما تنفر الطبيعة عنه (209)، وذلك مما يوقف عمله فإن الطبيعة عند ذلك لم تعمل فيه العمل المخرج به التأثير من القوة إلى الفعل على ما ينبغي والإكثار منها مما يوقف عمله فإن الطبيعة تقوى به على الدواء فتقهر قوته؛ ثالثها أن (210) المزلق والقابض الكائنين فيه وهو أنه ينبغي أن تكون قوة المزلق أقوى من قوة القابض ليسبق عمله ويهيئ المواد للخروج ثم يفعل القابض فعله فيعتدل الإسهال، وإلا فمتى تساويا (211) قاوم أحدهما الآخر في فعله ولا أن تكون قوة القابض أقوى فيسبق ويقبض المجاري ويمنع المواد من الخروج (212)؛ ورابعها أن يكون فيه أدوية عطرية الرائحة، وذلك لتدفع سميته الأدوية المسهلة الحقيقية الضارة بالأعضاء الرئيسة؛ وخامسها طبخ مفرداتها وهو أن من مفردات المسهل ما يحتمل طبخا قويا كالأصول ومنها ما يجعل في وسط الطبخ كالهائجات فإن إسهالها بالصمغية التي فيها فمتى طبخت طبخا قويا تحللت بذلك، ومنها ما يجعل في ثلثي الطبخ كالبزور فإن قواها لطيفة فمتى طبخت أكثر من ذلك تحللت تلاشت، ومنها ما يجعل في آخر PageVW5P169B الطبخ كالأفتيمون فإنه متى طبخ أكثر من ذلك تحللت قوته، ومنها ما لا يحتمل الطبخ البتة كالعصارات والصموغ بل ينفع ويستعمل والاعتماد في هذا جميعه على التجربة؛ وسادسها وزن مفرداته في القلة والكثرة، وهذا القدر مأخوذ من أمور ثلاثة: أحدها قوة الدواء المسهل فإنها متى كانت قوية قلل مقداره لأن (213) قوته تغنى عن تكثير مقداره، ومتى كانت ضعيفة كثر مقداره، وذلك ليستدرك كثرة مقداره ما فاته من ضعف القوة، ومتى كانت معتدلة فمعتدل (214)، والمراد بقوي القوة هو الذي إذا أخذ منه المقدار اليسير (215) أثر تأثيرا ضعيفا؛ وثانيها منافعه وهو أنه متى كان كثير المنافع كثر منه (216)، ومتى كان قليلها قلل منه، ومتى كان معتدلا في ذلك فمعتدل؛ وثالثها ما يتركب من ذلك، وذلك معلوم مما ذكرنا؛ وسابعها وقت أخذه وهو أن يكون في زمان الربيع والخريف (217) وفي زمان الشتاء نصف النهار وفي زمان الصيف نصف الليل، وذلك لأن هذه الأوقات أعدل الفصول المذكورة والاعتدال مما يقوي القوة ويعضدها ويعينها على إخراج المادة المراد إخراجها؛ وثامنها يكون أخذه على الريق وهو أن يكون الغذاء قد انهضم هضومه كلها لأنه متى أخذ وفي المعدة بقايا من الغذاء تعذر نفوذ ما من شأنه أن ينفذ منه فيها بسبب اشتمالها على الغذاء وانسداد PageVW1P103A طرقها، وإن كان في الماساريقا منع انحدار ما جذبه الدواء وقاومه (218). وأما الحب فينبغي (219) أن يراعي فيه أمور أربعة: أحدها السحق وهو أن من الأدوية ما لا يحتمل السحق البتة كالمحمودة والصموغ فإن التجربة قد شهدت أنها متى سحقت بطلت قواها، ومنها ما إذا سحق أضر شاربه وأوقعه في سحج قوي كشحم الخضل فلذلك كان من الواجب أن يقرض تقريضا بالغا لمقراض عند استعماله، ومنها ما لا يحتمل سحقا بالغا إلى الغاية كالأصول وفروع النبات ومع هذا الواجب أن يكون (220) هذا السحق والنقع عند استعمالها لأنه متى فعل بها ذلك قبل استعمالها بمدة ضعفت قوتها وربما بطلت؛ وثانيها الحبل وهو أنه ينبغي أن يكون حبل الأدوية ليلة استعمالها (221) كما يفعله بعض جهال الأطباء وهو أن يحبل الأدوية ويحببها ويذخرها زمانا طويلا إلى وقت استعمالها وهو (222) خطأ لأن هذا الحب المذكور يحتاج في انحلاله ثم في خروج قوته إلى الفعل أن يثبت في المعدة زمانا طويلا وفي إثناء ذلك تفعل فيه المعدة وإذا فعلت فيه الفعل المذكور نقصت من قوته فينقص إسهاله؛ وثالثها مقدار جرمه. قال أبو سهل المسيحي: إن كان الغرض من استعمال الحب (223) تنقية المعدة والرأس فالواجب أن يكون كثير الحب (224) كثير الجرم، وإن كان الغرض منه تنقية المفاصل فالواجب أن يكون صغير الجرم، قال: وذلك ليصل الدواء إلى المفاصل بسرعة (225). وهذا القول منه مخالف لمذهبه على ما عرفت لأنه لا يرى بخروج الدواء عن المعدة البتة بل بنفوذ قوته. قال الشيخ الرئيس في ثالث (226) القانون عند ما تكلم في المعالجة الكلية لأمراض الدماغ. وأما المسهلات الرقيقة PageVW5P170A لتنقية الرأس فهي الشبيارات التي يتخذ منها حب كبار ليفعل الوزن القليل الفعل الكافي باللبث. وهذا القول من الشيخ موافق لما قاله أبو سهل. والحق عندي في هذه المسألة أنه إذا كان الغرض من أخذ الحب تنقية المفاصل والمواضع البعيدة فينبغي أن يكون الحب كبير الجرم، وذلك ليبطئ انحلاله وثباته في المعدة ويستمر نفوذ لطيفة على المذهب الحق وهو مذهبنا إلى جهة المادة ويتمكن بسبب ذلك من جذب ما هناك. وإن كان الغرض منه تنقية المعدة مما فيها وما حولها والدماغ فليكن ضعير الجرم، وذلك لأن الغرض يحصل بمدة مقامه في المعدة لقرب موضع المادة (227). ورابعها أمر المصلح. قال الأطباء: ينبغي أن يكون وزنه أقل من وزن المسهل لئلا تقوى به الطبيعة فتقهر قوة الدواء وتضعفه. وهذا الكلام يحتاج إلى تفصيل فإن المصلح على نوعين: مصطح بمعنى أنه دافع لنكاية الدواء بالعضو، ومصلح بمعنى أنه زائد في فعل الدواء. فما كان من القبيل الأول فالواجب أن يكون فيه الأمر كما قالوا كالكثير أو الأنيسون للمحمودة. ومما كان من القبيل الثاني فالواجب أن يكون مقداره كمقدار المسهل أو أكثر منه كالزنجبيل للتربد فإنه زائد في فعله وتأثيره وأمر المصلح يراعي في المطبوخ والحبوب (228).

البحث الرابع

في التي عند الأخذ: اعلم أن المسهل عند أخذه يحدث كربا وغشيا وقلقا فهذا القدر الحاصل من الدواء تارة يكون من جهة الدواء نفسه فإن من الأدوية المسهلة ما يكرب عند أخذه مثل السنا وزهر البنفسج، وتارة يكون لرطوبات كامنة في خمل المعدة فإذا ورد عليها المسهل حركها وثورها فتشعر الطبيعة بها وتتحرك لدفعها وقذفها كما كان من الكرب من القبيل الأول فالتدبير فيه أن يستعمل مع المسهل ما يصلح رائحته ويذهب بشاعته وما كان منه من القبيل الثاني فالطريق في إذهابه استعمال القيء قبل أخذه غير أنه لا يجب أن يكون بعيدا من أخذ الدواء لئلا ينصب إلى المعدة مادة أخرى ولا قريب العهد به لئلا تقذف المعدة الدواء بسبب اعتياد الحركة. وأما كيفية الفعلية عند أخذه فإن كان شاربه يخشى قذفه وهو عطشان فليشربه وهو بارد بالفعل حتى أنا في بعض الأوقات نبرده بالثلج أو بالجمد عند أخذه، وإن لم يخش شاربه ذلك واختار سرعة العمل فليشربه وهو جار باعتدال فإن الإفراط في ذلك يلذع الفم ويحوج صاحبه أن يشربه في مرات وفي ذلك إدراك طعمه مرارا، وذلك مما يحوجه غلى قذفه في وقته، ومع هذا جميعه يجب أن يتمضمض بما حار ليغسل الفم من آثاره وما بقي منه، ثم بعد ذلك يستعمل ما يقوي فم المعدة ويسكن الغشيان مثل أن يمض شيئا من السفرجل المز والرمان الحامض والريباس والتفاح المز ويشم طينا مدخنا مرشوشا عليه ما ورد وخل خمر. وأبلغ من هذا جميعه أن يتنقل بقطعة ثلج بعد شربه وأن يجعل منه شيئا على اللسان فإنه يخدره. وإن مضغ ورق الطرخون لم يدرك طعمه (229) على ما ينبغي. وأبلغ من ذلك ورق العناب فإنه يخدر حاسة الذوق. وأبلغ مما ذكرنا في تسكين الغشيان شد الأطراف شدا مؤلما فإنه يجذب المواد الموجبة له إلى جهة الألم ويشتغل الطبيعة عن إدراك كراهية الدواء وبشاعة رائحته. وأما الحب على الخصوص فمنهم من يكسيه عند أخذه قميصا من عسل قد طبخ حتى غلظ قوامه أو جلاب حتى صار كذلك. ومنهم من يسحق السكر حتى يصير كالهباء ثم يلوثه ويبتلعه. ومنهم من يجعله في جلاب ويبتلعه (230). ومنهم من يسلق ورق الخبازي إلى أن يقارب أن يتهرى ثم يلفه عليه ويبتلع. PageVW5P170B ومنهم من يلوثه بزبد طري ويبتلعه. وذكر الشيخ في الكليات وجها آخر وهو أن منهم من يلوثه بقير وطي ويبتلع (231). ثم بعد هذا إن كان الدواء قويا فالأولى لشاربه أن ينام بعد أخذه نومة يسيرة، وذلك لتتوفر القوى في الباطن وتعمل فيه عملا جيدا فيتعجل عمله (232) وتأثيره. وإن كان ضعيفا فالأولى لشاربه أن لا ينام عليه خوفا من ضعف قوته أو بطلانها بسبب توفر القوى في الباطن وفعلها فيه وهي على هذه الصورة.

البحث الخامس

في التي عند العمل: اعلم أن الدواء المسهل تارة يكون عمله عملا ضعيفا وتارة يكون قويا وتارة يكون متوسطا. وضعفه يكون لأحد أمور ثلاثة: أحدها لضعف الدواء في نفسه وفي مثل (233) هذا تدبيره بأمرين إما باستعمال مسهل آخر أو (234) بالقيء، PageVW1P103B والثاني أجود من الأول، قال أبو سهل المسيحي في الخامس وعشرين (235) من (236) كتابه: لا ينبغي أن يسقى في يوم واحد دوائين سواء عمل الأول أو لم يعمل فإنه عند اجتماع قوة والدوائين يفرط الإسهال ويخاف على عمل البدن التلف (237)، وإما لفجاجة المادة وعصيانها عن الخروج وفي مثل (238) هذا التدبير فيه أن يقيأ أحد الدوائين أو يترك استعمال الدواء الثاني إلى حين تنضج المادة، وإما لأن في المعاء أثفالا متحجرة بمنع ما من شأنه أن يحذبه الدواء إلى أسفل وتدبير هذا باستعمال ما يخرج تلك الأثفال بالحقن اللينة (239) وقوته تكون لأسباب ثلاثة إما لضعف العروق عن مسك ما فيها من الرطوبات والعروق وإن كانت مجاري فإن فيها قوة ماسكة تمسك الغذاء ريئت ما تجذب الأعضاء المجاورة لها ما هي محتاجة إليه وكيف لا يكون لها ذلك وفيها قوة هاضمة والهضم موقوف على الإمساك (240)؛ وثانيها لطافة المادة ورقة قوامها، فإنه متى كانت كذلك مستعدة للخروج والبروز؛ ثالثها أن يكون شارب الدواء درب البطن أي مستعدا (241) للإسهال وعند ذلك يجب على الطبيب (242) أن يحتال في قطعه وحيلته في ذلك إما بجذب المادة الخارجة بالإسهال إلى جهة أخرى وإما باستعمال ما يقوي القوة وإما باستعمال ما يقوي العضو القابل. أما الأول فقد ذكر (243) الأطباء فيه أمورا (244) خمسة. أحدها السد المؤلم وهو (245) أن يشد الأطراف من أعلاها إلى أسفلها. أما البدن فمن الإبط إلى الزند والرجلان من الأرنبة إلى الركبة، فإنه متى كان (246) فعل ذلك توقف الإسهال يجذب المادة على ما عرفت. ثانيها تعريق (247) البدن، فإنه يجذب المادة من الباطن إلى الظاهر وإخراجها بذلك تارة يكون (248) بإدخال شارب الدواء (249) الحمام وتارة يكون بأن يجعل داخل ثياب شارب الدواء ماء حار بحيث أنه يخرج رأسه إلى خارج خوفا من أن يستنشق هواء حار يؤذي قلبه (250). ثالثها أن (251) تدلك أطرافه دلكا مؤلما فإن ذلك يثير الحرارة ويجذب المواد إلى جهة الدلك. رابعها أن يعلق عليه المحجام إما بنار أو بغير نار والأول أقوى في الجذب، فإن ذلك مما يوقف الإسهال بالجذب (252). خامسها أن (253) يقيأ قيئا عنيفا فإنه يقطع الإسهال من جهة جذبه المواد إلى جهة الأعالي ومن جهة إخراجه للسبب الموجب للإسهال (254) والمقوي للقوة منه أغذية ومنه أشربة ومنه رياحين ومنه أدوية ومنه النوم. أما الأغذية فمثل السويق وأمراق الفراريج المحمضة بماء الرمان الحامض أو بماء الحصرم أو بماء السفرجل أو بقطر السماق أو السماق نفسه واللبن المخيض الذي قد نزع منه زبده غاية النزع وأطفئ (255) فيه حديد أو رضف فإن هذه جميعها تقبض إما عند كونها في المعدة فإنها تقبض المعدة وما يتصل بها من المجاري ويجمع أجزاء ذلك بعضه إلى بعض (256)، وذلك (257) مما يوقف فعل الدواء. وأما عند توليده دما فإنه لم يفارقه هذا القدر البتة فيفعل في العروق فعله في المعدة وأيضا بما في ذلك من الغذائية تقوى القوة فتقهر السبب الموجب للإسهال (258). وأما للأشربة فمثل الأشربة القابضة كشراب السفرجل والتفاح والريباس والأمير باريس والحماض والصندل وغير ذلك وفعل ذلك في قطع الإسهال عل ما ذكرنا. وأما الأراييح فجميع الأراييح الطيبة تقوي القوة، ومتى قويت تمكنت من دفع السبب الموجب للإسهال وقويت الماسكة على مسك الفضلات لكن بشرط أن لا يكون ذو الرائحة فيه إرخاء كدهن البنفسج ولا تغشية كدهن النوفر. وأما الأدوية فمنها ما يستعمل من خارج ومنها ما يستعمل من داخل والمستعملة من خارج منها ما يفعل ذلك بأضعافه لحس العضو الشاعر بانصباب المادة إليه (259)، وذلك بالمخدرات من (260) الأفلونيا وما يجري مجراها، فإنها متى مرخ بها سطح المعاء تبلد حسها وعند ذلك يقل انفعاله بما يرد إليها من المواد الحارة فلا ينتهض لدفعها أولا فأولا بل يتأخر إخراجها غير أنه يجب في مثل هذه الصورة أن يعتني بما يسكن حدوثها ويكسر عادتها لئلا تنكي المعاء وتؤذيها (261). ومنها ما يفعل ذلك بالقبض كالأضمدة المتخذة من الأدوية القابضة الموضوعة على المعدة والكبد والمعاء، ومع ذلك يجب أن تكسر حدة المادة كما ذكرنا. والمستعمل من داخل منه ما يفعل ذلك بخاصية فيه كالترياق الكبير PageVW5P171A فإن من خاصيته قطع الإسهال حتى أن الأطباء جعلوا هذا القدر من جملة ما يتميز به الخالص من غير الخالص. ومنه ما يفعل من جهة تقويته للحار الغريزي والقوى البدنية والأعضاء الرئيسة. ومنه ما يقطع الإسهال بتخديره وهذا يفعل ذلك بوجهين: أحدهما من جهة تغليظه لقوام المادة، ولا شك أن المادة متى صارت كذلك تعذر الخروج والبروز؛ وثانيهما من جهة إضعافه لحس العضو وتخديره له كما ذكرنا آنفا (262). ومنها ما يقطع الإسهال بقبضه وجمعه لأفواه المجاري والمنافذ كما يفعل برز الورد والريباس وغير ذلك من الأدوية القابضة. وأما النوم فقد عرفت كيفية قطعه للإسهال والمقوي للعضو القابل فمثل الحقن القابضة والمغرية وجميع ما ذكرنا في تدبير الإسهال المقصر والمفرط. وأما المعتدل فيجب أن يراعي فيه أمور عشرة: أحدها أن يعدل هواء المسكن PageVW1P104A وهو أن لا يكون معرقا فإنه يقطع الإسهال على ما عرفت ولا يكون باردا مكثفا للمسام فأنه يقوي الحرارة الغريزية والقوى الباطنة في الباطن، وذلك مما يوقف الدواء (263)؛ وثانيها أن (264) يتجنب الأمور النفسانية فإنها تشغل القوى البدنية عن دفع المادة لأنه قد عرف أن دفع المادة يتم بجذب الدواء المسهل وبالقوة المدبرة للبدن (265)؛ وثالثها أن (266) يسخن معدة شارب الدواء بذلك يسيرا ويوضع شيء مسخن عليها فإن ذلك مما يعين على جذب المواد إلى جهة الأحشاء ويحرك الدواء في المعدة (267)؛ ورابعها أن يمشي مشيا رقيقاس عند سكون الغشيان فإن ذلك مما يسخن المواد ويخرجها ويهيئها للخروج (268)، وأضا فإنه يحرك الدواء في المعدة فيختلف مواضعه ومواقعه وفي ذلك يحصل الشعور بفعل الدواء (269)؛ وخامسها أن (270) يجتنب الأراييح الطيبة فإن ذلك (271) مما يقوي القوة وعند ذلك يقهر الدواء؛ وسادسها أن (272) يتجنب النوم بعد عمل الدواء، فإنه مما (273) يقطع الإسهال على ما عرفت (274)؛ وسابعها أن (275) يتجنب الاغتسال بالماء البارد فإن ذلك مما يكتف عضل المعدة، وذلك مما يوقف الإسهال على ما عرفت غير أنه يجب مع ذلك أن يكسر حدة المادة ويسكن عادتها؛ وثامنها أن يتجرع بماء بارد قوي البرد عند ظهور العطش الشديد والجفاف القوي (276) فإن ذلك مما يوقف فعل الدواء بتسكينه السوء مزاج المشغل للطبيعة البدنية عن دفع المادة، وأيضا فإنه مما يغلظ قوام المادة ويسكن حركتها، وذلك مما يؤاتي به للخروج بالإسهال؛ وتاسعها أن يتجرع ماء حارا ظاهر الحرارة عند توقف عمل (277) الدواء، فإنه مما يحرك الدواء ويغير وضع أجزائه الملاقية لجرم المعدة فيحصل الشعور بذلك ويتجذب المواد، وإنما شرط ظهور الحرارة إلى الاعتدال لأن الفاتر يغثى والحار جدا محرق للفم وينبغي أن يغلي الماء الحار إلى حين ينقص ثلثه (278)؛ وعاشرها أن (279) يقلل من الكلام ومن الاشتغال بالحديث فإن الأول يحرك المواد ويوجب الغشيان، والثاني يشغل الطبيعة عن دفع المادة لا سيما متى كان الحديث عبثا من غير مصلحة.

البحث السادس

في التي بعد الغراغ: إذا انتهى فعل الدواء وحصل النقاء فيجب بعد ذلك أن يفعل أمور سبعة. أحدها أن يتقيأ صاحبه بماء حار مرات، وذلك لتنقي المعدة من بقايا الأدوية لا سيما متى كان المستعمل من الأدوية أجرامها، فإنه متى بقي فيها شيء من ذلك أفسد الغذاء المستعمل وأحاله إلى كيفية رديئة، وربما فعل بعد ذلك الإسهال. وثانيها أن يغسل أطرافه بعد الفراغ من ذلك بماء حار، وذلك لتنفتح مسامها ويخرج المادة المندفعة إليها، وإن حكت بحجر ناعم كان أجود، ويتمضمض بالماء المذكور مرات، وذلك ليخرج ما عساه أن تحتبس بين الأسنان مما يخرج بالقيء. وثالثها أن يعطى بعد الفراغ من القيء بساعتين بعض الأشربة المفرحة القابضة. أما التفريج فليقوية القلب وباقي (280) الأعضاء الرئيسة، وذلك لدفع ضرر السمية التي للأدوية بها وليزيد في الأرواح وتقوى القوى بذلك (281). وأما القبض فليقبض جوهر العضو ويقويه ويضاف إليها بزور مغرية كبزر القطونا والريحان، وذلك على قدر مزاج المادة الخارجة وشارب الدواء (282). ورابعها أن يكثر حوله من الأرايح الطيبة والأزهار المنورة، وذلك لتريح قواه في الباطن ويقوي عند المبدأ ليزول الضعف والإعياء الحاصلان لها باستعمال الأودوية. وخامسها أن يغذي بعد ذلك بأغذية لطيفة جيدة الكيموس. أما الأول فلأن القوى في هذا الوقت ضعيفة عاجزة عن هضم ما غلظ من الأغذية. وأما الثاني فليودع البدن مادة محمودة عوضا عن المادة الرديئة الخارجة، وينبغي أن تكون هذه الأغذية فيها قبض تليين. أما القبض فلتقوية الأحشاء. وأما التليين فلئلا يقوى القبض ويحبس ما عساه أن يبقى من المواد الخارجة بالإسهال، ولذلك اختار الأطباء أن يكون أمراق الفراريج في هذا اليوم البعض منها محمض بحب رمان مسلوق أو مدقوق محلا بسكر بياض أو بماء حصرم والبعض مسلوق. وسادسها أن يتجنب الاستكثار من شرب النبيذ يوم قطعه، وذلك خوفا من تسخينه وتفتيحه للسدد التي قصدنا تسديدها. وسابعها أن يدخل الحمام، وذلك ليتحلل ما عساه أن يندفع إلى سطح الجلد ويعجز الدواء عن جذبه. قال الشيخ الرئيس في كليات القانون (283) حيث تكلم في قوانين الإسهال وليكن الحمام ثاني يوم شرب الدواء. وقال أبو سهل: وينبغي أن يكون بعد قطعه بيوم أو يومين وهو الحق (284)، وذلك لتراجع القوى لشارب (285) الدواء بالأغذية والأشربة المفرحة غير أنه ينبغي مع ذلك (286) أن يسأل شارب الدواء بعد خروجه من الحمام هل حصل له التذاذ بدخوله إلى الحمام قلق وضجر وطلب الخروج منه. فإن PageVW5P171B كان الأول فاعلم أنه قد بقي في بدنه بقية تتلذذ الطبيعة بتحلها وعند ذلك الواجب أن تحترز في تدبيره أو يعطى بعد أيام دواء لطيفا يستفرغ تلك البقية. وإن كان الثاني فذلك دليل على نقاء البدن فإنه (287) ليس فيه فضلة محتاج إلى خروجها بل التحليل حاصل الرطوبات الغريزية (288).

20

Unknown page