180

لقائل أن يقول: كان يجب على * الإمام (1199) أبقراط أن يقدم ذكر الأمراض الدموية على ما عداها مما يحدث في الربيع لأن مناسبة الدم له أشد من مناسبة باقي * الأخلاط (1200) وهو قد فعل بخلاف ذلك * فإنه (1201) ذكر أولا الأمراض السوداوية ثم البلغمية ثم باقي الأمراض، فنقول لأن الربيع إتيانها بعد الشتاء، فالشتاء إن كان قوي البرد ولد السوداء الجمودية. وأيضا فإن في غالب الحال الأغذية المستعملة في زمان الشتاء غليظة الجوهر والأغذية التي حالها كذلك الغالب عليها من * المواد (1202) المواد السوداوية. * فإن (1203) كان البرد ضعيفا، ولد المواد البلغمية. فلأجل هذا ذكر الأمراض السوداوية PageVW5P157A ثم البلغمية لأن في غالب الأحوال يكون الشتاء قوي البرد.

البحث الخامس:

قد عرفت أن المواد البدنية التي يصادفها الربيع في الأبدان قد تبلغ من الكثرة إلى أن القوى لا * تقوى (1204) على دفعها * أو (1205) تكون القوى البدنية ضعيفة في الأصل. وإن كانت المواد قليلة بالنسبة إلى * الاعتدال (1206) ففي مثل هاتين الصورتين إن كانت الأعضاء الشريفة * فيهما (1207) ضعيفة قبلت تلك * المواد (1208) من قبول غيرها لها فأحدثت فيها أمراضا مناسبة لها. وإن لم يكن فيها قبول لها، دفعتها القوى التي فيها أو مالت هي بنفسها إلى ما هو أقبل لها من الأعضاء، وتلك هي المفاصل. فإنها لدوام حركتها وسعة تجويفها وكون أكثرها متسفلا أقبل لها من غيرها. وإن كانت القوى البدنية أقوى من ذلك وفي المواد قبول للدفع، اندفعت إلى ظاهر البدن وأحدثت في سطح الجلد أمراضا، فالوسواس السوداوي والجنون والصرع والسكتة من القبيل الأول، وبعده * الذبحة (1209) والزكام والسعال وأوجاع المفاصل من القبيل الثاني، والعلة التي * يتقشر (1210) فيها الجلد والقوابي والبهق والبثور والخراجات من القبيل الثالث. وقدم ذكر أمراض الدماغ على ما عداها لشرف محلها، ثم ذكر بعدها ما محلها دون ذلك في الشرف، وأخر ذكر أمراض المفاصل لخستها لأن مفاصل البدن أخس أعضائه لأن خدمتها مستمرة ولأنها أقبل الأعضاء لانصباب المواد لما ذكرنا، وجعل باقي الأعضاء متوسطة لتوسط * محلها (1211) فيما بين ذلك.

البحث السادس

في رسوم الأمراض المذكورة في هذا الفصل: أما الوسواس والجنون والصرع والسكتة فقد ذكرنا ذلك جميعه فيما تقدم. وأما انبعاث الدم فتارة يفهم منه خروجه من الفم وتارة يفهم منه * خروجه (1212) من أفواه العروق وتارة يفهم منه خروجه بالرعاف. وسبب هذا جميعه غليان الدم وزيادة كميته. فمتى لم يبادر إخراجه بالفصد، مال إلى بعض الجهات المذكورة، غير أنه متى خرج من الفم قد يكون خروجه منه نفسه وقد يكون خروجه من الدماغ وقد يكون خروجه من الحنجرة وقد يكون خروجه من القصبة وقد يكون خروجه من نفس الرئة وقد يكون خروجه من الصدر وقد يكون خروجه من المريء وقد يكون خروجه من المعدة. فإن كان * خروجه (1213) من الفم * كان (1214) بالتبصيق، وإن كان من الحنجرة * كان (1215) بالتنخيج، وإن كان من قصبة * الرئة (1216) * كان (1217) بالسعال اليسير، وإن كان من نفس الرئة كان الدم الخارج زبديا، وإن كان من الصدر كان الدم غليظ القوام وبسعال قوي، وإن كان من المريء كان وجع * معه (1218) بين الكتفين، وإن كان من المعدة كان خروجه بالقيء. وأما خروجه من أفواه العروق PageVW1P090A فهو عند كونه غليظا محترقا أو غير محترق، فإنه بسبب ذلك يهبط إلى أسفل ويخرج من أطراف العروق المذكورة ويكون خروجه PageVW5P157B عند * التزحير (1219) لإخراج النجو بسبب قوة الدفع لذلك ولا سيما متى كان ذلك شديدا ولذلك صار توفق الطبع مزيدا في ذلك لكونه يحتاج في إخراجه إلى تزحر شديد ولينه بخلاف ذلك. ويخص خروجه أمران: أحدهما مجيئه بعد مجيء الطبع لأن التزحر يخرجه غير أن الطبع إذا كان في * طرف (1220) المعاء * زاحم (1221) أطراف العروق المذكورة ومنع ما من شأنه أن يخرج منها؛ وثانيهما مجيؤه وثبا، وذلك لقوة خروجه، وهذا الدم متى قطع أعقبه بواسير لأن الدم الخارج متى لم يجد منفذا يخرج منه ورم أطراف العروق وحصل منه زيادات تسمى بواسير، ولذلك لم يجب أن يقطع إلا أن يفرط خروجه، فإن في مثل هذا الوقت يخاف منه أن يحدث استسقاء لأنه يضعف الكبد والقوى التي فيها. وأما خروجه بالرعاف فهو عند كون المادة لطيفة، وذلك لأن الدم المذكور لا يخلو إما أن يكون عند خروجه لطيفا وإما أن يكون غليظا وإما أن يكون معتدلا. فإن كان الأول خرج بالرعاف، فإن كان الثاني خرج * بأفواه (1222) العروق. وإن كان معتدلا خرج من الفم على ما فصلناه، فالرعاف منه بحراني، ومنه غير بحراني. وأجود البحراني ما كان خروجه باعتدال حتى لا يجحف بالقوة. وقد عرفت المنذرات حيث شرحنا * قوله (1223) الرابع منذر بالسابع والغير بحراني على نوعين، منه قطرات ومه خافر، وكل واحد منهما على نوعين، منه شرياني ومنه وريدي، وأردأه الشرياني الخافر في خروجه وأسلمه الوريدي الخارج قطرات، ويعرف الوريدي من الشرياني بلون الدم الخارج، فإنه متى كان قانيا فهو وريدي، ومتى كان ناصعا فهو شرياني وبقوامه، فإنه متى كان غليظا فهو وريدي، ومتى كان لطيفا فهو شرياني وبكيفية خروجه، فإنه متى كان برفق فهو وريدي، ومتى كان بخفر فهو شرياني. وأما الذبحة فقد عرفتها، وكذلك الزكام والبحوحة والسعال. وأما العلة التي يتقشر فيها الجلد فتارة يفهم منها الجرب وتارة يفهم منها الحكة وتارة يفهم منها الخراز ويعرف بالإبرية. أما الجرب فهو بثوى يحدث في البدين وأكثره بين الأصابع لاستيلاء * إحدى (1224) المواد * الأربع (1225) لكن البلغم لا يحدثه إلا إذا كان مالحا، وما كان منه حادثا عن السوداء فإنه يسمى جربا يابسا أو لا يكون معه رطوبة سابلة أو تكون قليلة جدا، وما مال من الجرب إلى رطوبة فإنه يسمى رطبا وأسبابه من خارج كثيرة مث=ل الإكثار من الأغذية المولدة للدم الغليظ والأبازير الحارة المسخنة الملطفة المحرقة للدم والأغذية المالحة، وصار أكثر تولده بين الأصابع لدوام حركتها. وأما الحكة فحدوثها من مادة الجرب لكن هي في الحكة أرق وأقل ميلا إلى الملوحة وأسكن وأشد استقرارا من مادة * الجرب (1226) ، وذلك لدفع الطبيعة لها انسداد المسام كما يعرض للمشائخ وفي أواخر الأمراض ولمن اعتاد الاستحمام بالماء العذي ثم تركه. وقد يكون حدوث الحكة والجرب على سبيل دفع الطبيعة لمادة بعض الأمراض في البحارين. وأما الخراز فهو أجسام صغيرة شبيهة بالنخالة تنتثر من جلدة الرأس من غير تقريح وحدوثها عن بلغم مالح أو دم يخالفه مادة سوداوية. وأما القوابي فهي خشونة تحدث في سطح الجلد لاستيلاء مادة سوداوية عليه أغلظ من مادة الجرب وهي تنقسم إلى رطبة وإلى يابسة. وسبب الرطبة مادة موية واليابسة مادة سوداوية، والفرق بين اليابسة والخراز أن الخراز يتناتر منه قشور عند حكة. وأما البهق فالأبيض منه بياض يحصل في سطح الجلد لضعف المغيرة الخاصة بذلك الجزء عن أن يتشبه الغذاء بالمغتذي أو لاستيلاء مواد بلغمية عليه يحيل مزاجه إلى ما يناسبها. ولنبسط القول في هذا فنقول: المادة الموجبة لذلك إن كانت رقيقة والدافعة فيه قوية، دفعت تلك المادة إلى سطح الجلد وحصل من ذلك البهق، وإن كانت غليظة فالدافعة ضعيفة، عجزت عن دفع تلك المادة فتبقى محتبسة في الباطن ويحصر منها البرص. وتقرير ما ذكرناه في كتبنا المبسوطة أن المغتذي وإن كان * هو (1227) الفاعل والمغير للغذاء غير أن الغذاء قد يفعل في المغتذي ويغيره على طول المدة، ويدل على هذا انتقال النباتات من السمية إلى الغذائية بانتقالها من مغارس إلى مغارس. وكل واحد من البهق والبرص ينقسم إلى أسود وإلى أبيض فالأبيض لاستيلاء ماا ذكرناه والأسود لاستيلاء مواد سوداوية، والبرص الأسود. قال بعضهم: هو القوباء ويعرض في بدن الأسود بخشونة الموضع، والفرق بين البرص والبهق الأبيضين من وجوه ثلاثة: أحدها أن البهق الشعر النابت فيه أسود لأن المادة تستوليه فيه على الظاهر لما قد عرفت، والشعر النابت في البرص أبيض لأن المادة فيه غائرة÷ الثاني أن البهق إذا غرز فيه إبرة خرج من الموضع دم لخلو الباطن من البلغم والبرص إذا فعلت به ذلك خرج من الموضع دم أبيض لاستيلاء البلغم على الباطن؛ وثالثها أن البهق إذا غمز عليه لم يبق فيه أثر الغمر والبرص إذا غمر عليه بقي أثر الغمر غائرا، وذلك لاستيلاء البلغم على * الباطن (1228) .

21

[aphorism]

قال أبقراط: * فأما (1229) في الصيف * فيعرض (1230) بعض هذه الأمراض وحميات دائمة ومحرقة وغب كثيرة وقيء وذرب * ورمد (1231) ووجع الأذن وقروح في الفم وعفن في القروح وحصف.

[commentary]

الشرح هاهنا مباحث ثلاثة.

Unknown page