Sharh Fusul Abuqrat
شرح فصول أبقراط
Genres
[commentary]
الشرح هاهنا مباحث ستة.
البحث الأول
في صلة هذا * الفصل (1013) بما قبله: وهو أن هذا الفصل تفصيل لما ذكره في الفصل المتقدم، فإنه لما قال فيه إن قلة المطر أصح من كثرته قال في هذا الفصل * إن (1014) كثرة المطر يحصل منها كذا وكذا وقلته يحصل منها كذا وكذا، غير أنه لقائل أن يقول؛ كان ينبغي أن يبتدئ في هذا الفصل بذكر الأمراض الحاصلة عند قلة المطر كما ابتدأ * بحكم (1015) قلة المطر PageVW1P086B على كثرته في الفصل المتقدم، فنقول: وذلك لأنه لما * انتهى (1016) كلامه في الفصل الأول بحكمه على كثرة المطر جعل هذا القدر ابتداء كلامه * في (1017) هذا الفصل فقال إن كثرة * المطر (1018) تحدث كذا وكذا.
البحث الثاني
في كيفية عروض ما ذكره عند كثرة المطر: وذلك لأن كثرة * المطر (1019) يلزمها على ما عرفت كثرة الرطوبات، وذلك * موجب (1020) لا محالة * للعفونة (1021) PageVW5P152A لأن الحرارة الغريزية يعرض لها عند كثرة الرطوبات * أن (1022) تعجز عن التصرف فيها بالهضم والنضج. وإذا عجزت عنها تصرفت فيها الحرارة الغريبة تصرفا يزول به عن الصلاح لما أعدت له لأنه لا معنى للعفونة إلا تغير في الرطوبة عن الحرارة الغريبة يزول به عن الصلاح لما أعدت له مع بقاء نوعها فالتغير حبس يعم الاستحالة وقلب الجوهر. وقولنا عن * الحرارة (1023) الغريبة تمييز لها عن الهضم والنضج، فإنهما عن * الحرارة (1024) الغريزية، وقولنا «يزول به عن الصلاح لما أعدت له» زيادة ليفهم التغير الحاصل من الحرارتين أي أن التغير الحاصل من الغريبة تزول به الرطوبات عن * الصلاحية (1025) للتغذية والتغير الحاصل من الغريزية تصلح به للتغذية. وقولنا «مع بقاء نوعها» تمييز للعفونة عن * الكون (1026) والفساد، فإن الثاني وإن كان قد حصل فيه التغير لكن في الجوهر، والأول في الكيفية. وهذا تعريف جيد للعفونة. ونعود إلى غرضنا فنقول: والعفونة موجبة للحميات. وأما طولها فلكثرة الرطوبات، فإن الحمى لا يمكن أن ينقضي ما لم تنضج مادتها ونضج المواد المتوفرة يحتاج إلى زمان طويل. والأشبه أن مراده بهذه الحميات * الحميات (1027) البلغمية. قال جالينوس في شرحه لهذا الفصل: وذلك لأن كثرة الأمطار تجعل المواد وأميل إلى طبيعة البلغم وقلتها تجعلها أيبس وأميل إلى طبيعة الصفراء وهو حق، فإن كثرة الأمطار تكثر الرطوبات والأرطب أكثر مما ينبغي تجعل الشيء أبرد مما ينبغي وقلة المطر تنقص الرطوبة فتحتد الحرارة وتقوى، وذلك مولد للصفراء. ولا شك أنه متى استولى البرد والرطوبة على المواد كان المتولد منها البلغم لأنه قد علم أن الفاعل للبلغم حرارة مقصرة والفاعل للصفراء حرارة مفرطة. فإن قيل كيف يتصور هذا والفاعل في المواد حرارة واحدة والآلة لها عضو واحد وهو الكبد وعند هذا يقول المعترض كيف يصح ما حكم به من أمر الفاعل للأخلاط فنقول إن حكمنا هذا عليها إنما هو بالنسبة إلى الفاعل لا بالنسبة إلى القابل * أي (1028) أن مواد الأخلاط لما كانت مختلفة في الاستعداد كان فعل الحرارة فيها مختلفا بالأشد والأضعف، فمادة البلغم لما كانت باردة رطبة غليظة القوام لزجة ومادة الصفراء لما كانت حارة يابسة لطيفة القوام كان قبول مادة البلغم من تأثير الحرارة المذكورة أقل من قبول مادة الصفراء من تأثيرها فكان القدر الحاصل لمادة البلغم من الحرارة قليلا وقاصر بالنسبة إلى القدر الحاصل لمادة الصفراء منها. ولنعد إلى غرضنا * فنقول (1029) : والحمى البلغمية طويلة المدة بسبب كثرة مادتها لأنه قد علم حيث ذكرنا نسبة الأخلاط في شرحنا الكليات القانون أن البلغم أقل من الدم وأكثر من الصفراء والسوداء. وأما استطلاق الطبن * فالمراد (1030) به الإسهال، * وذلك (1031) كثرة الرطوبة فتدفعها الطبيعة لتضررها بها * أو (1032) تضعف الماسكة عن * إمساكها (1033) * (1034) * فتخرج (1035) هي من ذاتها، ثم هذه الماسكة تارة تكون ماسكة المعدة وتارة تكون ماسكة المعاء وتارة تكون ماسكة باقي الأعضاء، ويخص الأول خروج الغذاء بحاله ويخص الثاني كيلوسية الغذاء ويخص الثالث خروج المواد على غير هاتين الصورتين. وأما العفن فلكثرة الرطوبة على ما * عرفت (1036) . وأما الصرع والسكتة فلامتلاء تجاويف الدماغ من المواد الرطبة. فإن كان تاما كان من ذلك السكتة، وإن كان ناقصا كان من ذلك الصرع. وأما الذبحة فلما ينحدر من الدماغ من الرطوبات إلى جهة الحلق والغدتان اللتان عن * جنبتي (1037) اللسان * جوهرهما (1038) غددي * فيقبلان (1039) ذلك ويحدث * منه (1040) الذبحة.
البحث الثالث
في كيفية عروض ما ذكره * عند (1041) قلة * المطر (1042) : نقول: قد عرفت أن قلة المطر يلزمها احتداد المزاج ونقصان المواد. أما الأول فلأن الحرارة متى تعلقت بجسم يابس كانت * أحد (1043) مما * إذا (1044) تعلقت بجسم رطب. وأما الثاني فلقلة المواد المستفادة من قلة الأمطار. وإذا كان * حال (1045) المواد عند قلة المطر كذلك فإذا مال شيء منها إلى جهة الرئة قرحها وأوجب فيها السل لأن انصباب المواد المتولدة عند استيلاء أسبابها إلى بعض الأعضاء دون بعض بسبب استعدادها PageVW5P152B وقبولها لها، فمتى كان في الرئة استعداد لميلها إما لكثرة ما يعتريها من النزلات وإما لأن صاحبها متهيء لحدوثه خلقه على ما ذكرنا، فمتى مالت المادة * المستولية (1046) على البدن إلى جهتها أوجبت فيها القرحة لأنها قابلة لذلك منها بسبب سخافتها * وأسفنجيتها (1047) ولا معنى للسل إلا * ذلك (1048) . قال الفاضل جالينوس: قد قصر أبقراط عندي في تحديد ما حكم به في ذلك، وذلك لأن السل يحدث من الهواء على وجهين: أحدهما إذا برد غاية البرد حتى يتصدع منه بعض العروق التي في آلات التنفس؛ ةثانيهما أنه إذا سخن مع رطوبة حتى يحدث للرأس امتلاء فيحدث منه نزلة إلى الرئة. فأما متى كان مزاج الهواء يابسا وكان يعتدلا في الحر والبرد فتوليده لكل شيء أفرب منه إلى أن يولد السل. وذلك أطن أن قوما اضطروا إلى أن * يفهموا (1049) من قوله السل العلة التي يحدث منها في العين نقص. وذلك لأن العين تعدم الغذاء الآتي إليها وتهزم. هذا كلامه، وحاصله أنه رحج قول من فهم من السل سل العين، والذي أوجب لمن فهم من كلام أبقراط أن مراده بالسل سل العين ذكره للرمد PageVW1P087A بعده، فإنه لما كان هذا المرض من أمراض العين ثم ذكر السل قبله فهم منه سل العين. واعلم أن هذا الإنكار من جالينوس ليس له وجه، وذلك لأن * كلام (1050) الإمام أبقراط محتمل للكل، فغإنه إن عني به هزال البدن فهو حق، فإن الهواء المذكور يوجبه يبسه، وإن عني به دق الشيخوخة فهو أيضا موجب له بما ذكرنا، وإن عني به قرحة الرئة فذلك ظاهر منه على ما عرفت ويحتمل أيضا، وإن عني به هزال العين وذبولها المعروف بالسل فيمكن أيضا لأنها عضو لطيف مكشوف لتأثير الهواء دائم الحركة، وبالجملة فهو قابل لتأثير الهواء ومستعد للجفاف. فكلام أبقراط هاهنا محتمل لجميع ما * ذكرنا (1051) . وأما الرمد فالمراد به * اليابس (1052) فلميل المادة المذكورة إلى جهة العين. وأما كونه يابسا فليبس الهواء وتجفيفه لسطح العين ومنع المواد الموجبة له من الخروج والبروز، فإنه لا معنى للرمد اليابس إلا الذي لا يسيل منه * الدموع (1053) . وأما أوجاع المفاصل فقد استبعد حدوثها جالينوس عند قلة المطر قائلا إن أوجاع المفاصل كائنة من فضول تتجلب إليها. وأما يبس الهوا فإنه لا يعرض منه وجع المفاصل البتة إلا أن يقال إن يبس الهوا إذا فرط فإنه يفني الرطوبة الحاصلة في المفاصل * فيحدث (1054) فيها عند ذلك عسر حركة ووجع في بعض الأوقات. ومثل هذا لا يسمى وجع المفاصل إلا أن يريد مريد بوجع المفاصل كل وجع * حدث (1055) فيها غير أن هذا الإطلاق خطأ. * قال (1056) : فإن أبقراط قال في ثانية إبيديميا إن أهل أيبس * لما (1057) أكلوا الحبوب ضعفت أرجلهم عن الحركة، ولما أكلوا الكرسنة أصابهم وجع الركبتين، ولم يقل إنه عرض لهم أوجاع المفاصل بل قال وجع الركبتين. فحاصل ما ذكره جالينوس أنه ليس * أي (1058) وجع * حصل (1059) في المفاصل * فإنه (1060) يسمي وجع المفاصل حتى يسمي عسر الحركة وجع المفاصل. والذي نقوله نحن في هذا الموضع أن أوجاع المفاصل أنواع. فمنها النقرس وهو ما كان * مختصا (1061) بمفصل إبهام الرجل، وهذا * كثير (1062) ما يحصل في هذا الوقت، وذلك لأن المواد متى احتدت كرهتها الطبيعة ودفعتها إلى المفاصل لأنها أقبل لها بسبب تجويفها ودوام حركتها خصوصا مفصل إبهام الرجل لتسفله . وأما تقطير البول فقد استبعد حدوثها أيضا. قال: وذلك لأن هذا المرض لا يحدث عن يبس الهواء وحده من غير حرارة من دون أن يكون اليبس مفرطا، وذلك لأن تقطير البول يحدث من حدة البول ومن ضعف القوة الماسكة بسبب سوء مزاج من الأمزجة الثمانية. وهذا الكلام فيه * نظر (1063) ، فإن الهواء متى كان يابسا أفاد المواد البدنية حدة. ومثل هذه المادة إذا تولدت في البدن كرهتها الطبيعة ودفعتها مع فضلات البدن وأقبل المخارج لهذه المادة مخرج البول، لأنها منبثة في عروق البدن لا سيما في سطحه لقربه من تأثير الهواء المذكور. وقد علم أن المائية تنبث مع الدم إلى جميع الأعضاء حتى إلى سطح * الجلد (1064) . ويدل على ذلك انصباغ بول المختضبة بالحناء وكثرة البول عند قلة العرق وقلته عند كثرته. فإذا * استغنت (1065) الطبيعة عنها رجعت * قهقرا (1066) إلى مغيضها التي هي * المثانة (1067) ، واستصحبت ما هناك من المواد لا سيما مواد قد كرهتها الطبيعة وهي مستمرة لدفعها. فإذا مالت إلى العضو المذكور لذعته وأنكته فيدفع ما * يصل (1068) إليه منها أولا فأولا، ولا معنى لتقطير البول إلا ذلك. وأما اختلاف الدم وهو * إسهاله (1069) فذلك لحدة المواد، فإن المواد الحادة المتولدة من الهواء المذكور، اللطيف منها يندفع مع البول إلى جهة المثانة والغليظ منها يندفع إلى جهة المعاء. ومتى اندفعت * هذه (1070) إلى العضو المذكور لذعته وأنكته ثم جردته، وذلك لحدتها وحينئذ توجب إسهال الدم هذا إذا كانت الكبد قوية ولم تتأثر PageVW5P153A من مرور المادة المذكور * بها (1071) بل تدفعها أولا فأولا إلى جهة المعاء * وكانت (1072) قابلة لتأثيرها. وإلا فمتى كانت الكبد قابلة لذلك فعلت فيها ما فعلته في المعاء. وجالينوس استبعد حدوث اختلاف الدم من ذلك. فإنه قال في شرحه لهذا الفصل: وما قلته من تقطير البول فهو قولي في اختلاف الدم أي أن يبس الهواء مطلقا لا يوجب تقطير * البول (1073) ما لم يشترط فيه أن يكون في غاية الإفراط وأن تكون طبائع الأبدان نستعدة * لذلك (1074) ، ثم قال: وليس من الإنصاف أن يطالب أبقراط بهذا وشبهه إذ كان هو أول من استخرج هذا العلم وكان هذا العلم على ما هو عليه من السعة وبعد الغور * فلم (1075) يقدر أن يستقصيه كله ويأتي على صفته بمثل ما يجب. وأنا أظن أنه كان عوض الاستخراج التصنيف أي * إذ (1076) كان هو أول من صنف هذا العلم، وإلا فهذا العلم استخرجه أي استنبطه جماعة قبل أبقراط. ولنذكر الأمراض المذكورة في هذا الفصل.
البحث الرابع
في الصرع: الصرع علة * تمنع (1077) القوة المحركة والحساسة من النفوذ في آلتها منعا غير تام. وقولنا «غير تام» تميز له عن السكتة، وذلك لسدة غير كاملة في بطون الدماغ. فإنه قد علم أن مبدأ القوى النفسانية وهو شرط في ظهور أفعالها على اختلاف المذهبين وأن نفوذ القوة منه في الأعصاب النابتة أو المتصلة به على اختلاف المذهبين أيضا على سبيل المدد. وكيف لا وقد دلت التجارب الطبية على أنه إذا * حصل (1078) سدة في الأعصاب منعت القوة التي أعدت لها من النفوذ فيها، PageVW1P087B فإذا * زالت (1079) تلك السدة عادت القوة إلى ما كانت عليه من النفوذ لا على أنها مستقرة في * جواهر (1080) الأعضاء كالقوى الطبيعية، وإن كان الحق عندنا أن وصول هذه * القوى (1081) من الكبد إلى ما * عداها (1082) على سبيل المدد على ما أثبتناه في شرحنا لكليات القانون والأعصاب ما خلا عصبتي البصر لها * منافذ (1083) محسوسة. قال الفاضل جالينوس في كتابه المعنون بالعلل والأعراض: وتلك المنافذ كمنافذ النبات المسمى * بالبردي (1084) . إذا عرفت هذا فنقول: فالسدة متى حصلت في بطون الدماغ وكانت ناقصة سمي ما يحدث عنها صرعا مشتقا من السقوط. ثم هذه السدة تارة تكون عن ورم وتارة تكون من * عن (1085) غير ورم، وذلك لاستيلاء مادة من المواد الأربع. وأكثرها إيجابا لها البلغم لأنه أكثر المواد وجودا في الدماغ، * وذلك (1086) لأنه يغتذي بدم بارد رطب أو بلغم على اختلاف المذهبين ثم الدم ثم السوداء ثم الصفراء وهؤي قليلة الوقوع. فذلك لأن الأخلاط الأربعة على ما ذكره جالينوس في الصناعة الصغيرة توجب السدة إما بالغلظ وإما باللزوجة، فالصفراء توجبها بالكثرة والدم والسوداء بالغلظ والبلغم باللزوجة. وقد ظن أرسطوا أن الريح توجب ذلك فتوجب الصرع. واستدل على صحة ذلك بحدوث الصرع دفعة وانحلاله دفعة. قال: وذلك لأنه لا يحدث إلا عن ريح. قال جالينوس إن الريح لو بلغت مهما بلغت من الكثرة لم توجب السدة بل متى كان حدوث الصرع كذلك فسببه مواد لطيفة أوجبت السدة . قال الرازي: والحق عندي في هذه المسئلة مع جالينوس، ولا ينبغي لنا أن تسلم الغلبة في كل موضع لأرسطو، ثم إذا حصلت السدة في الدماغ حاول دفعها، وذلك باجتماعه إلى ذاته عند ذلك يجتمع الأعصاب ويتقلص، ولأجل هذا صار الصرع يلزمه تشنج الأعضاء لاسترخائها، غير أنه قد علم أن كل تشنج فسببه إما امتلاء وإما استفراغ وإما كيفية سميه. والتشنج الحاصل من الصرع لا يمكن أنن يكون من استفراغ البتة، وذلك لوجهين: أحدهما أن التشنج الاستفراغي حدوثه بالتدريج والتشنج الحاصل في الصرع حدوثه دفعة؛ الثاني أن اليبس لا يبلغ من قوته أن يجفف الدماغ حتى يحدث منه التشنج إلا ويسبقه الهلاك فبقي أن يكون التشنج الحاصل في الصرع لأحد أمرين إما امتلاء أو كيفية سمية. وأما تشنج الأعصاب في الصرع فلأربعة وجوه: إما لانقباضها وتقلصها تبعا لجوهر الدماغ في ذلك على ما ذطرنا؛ وإما لتأذيها بما يتأذى به الدماغ فتجتمع هي إلى ذاتها وتدفع ذلك المؤذي؛ وإما لامتلائها من الخلط المندفع إليها من الدماغ فيزداد عرضها وينقص طولها وقد يقع صرع بلا تشنج محسوس، وذلك إما لرقة المادة الفاعلة له وإما لقلتها جدا. ثم الأطباء مختلفون في الصرع السوداوي والبلغمي في أيهما أردأ، فذهب قوم إلى أن السوداوي أردأ، وذهب قوم إلى أن البلغمي أردأ. ومن قال بالأول فله أن يحتج بنوعين: أحدهما أن السوداء بعيدة عن مناسبته لبردها ويبسها وهي لا تحدث إلا لسبب قوي وقوة السبب تدل على قوة الآفة؛ وثانيهما أن قوامها أغلظ من قوام باقي المواد فمتى أوجبت السدة منعت ما من شأنه أن ينفذ في ذلك المجرى منعا تاما . ومن قال بالثاني فله أن يحتج بأن البلغم أكثر مقدارا من السوداء وألزج قواما من جميع الأخلاط، وخلط يكون كذلك إذا استولى على مجرى وأوجب سدة منع ما من شأنه النفوذ في ذلك المجرى منعا بليغا. والحق عندي في هذه المسئلة أن البلغمي أكثر وقوعا من السوداوي والسوداوي أردأ. وقد يحدث الصرع بشركة عضو آخر ثم هذا العضو تارة يكون المعدة وهو إذا اجتمع فيها مادة رديئة يرتفع منها بخار إلى جهة الدماغ وتارة يكون المعاء وهو عند اجتماع الدور فيها وموته وتارة يكون الرحم وهو عند اختقان المني أو الطمث فيه وتارة يكون الطحال وهو إذا حصل فيه سدة أو في أحد مجرييه وتارة يكون المراق وهو إذا حصل فيه سدة وتارة يكون في بعض الأعضاء الأخر وهو إذاا اجتمعت فيه مادة واستحالت إلى كيفية سمية كما حكى جالينوس أن رجلا كان بحس كان شيء يرتفع من إبهام رجليه إلى نحو دماغه وقلبه فإذا وصل ذلك إلى ما ذكرنا سقط إلى الأرض. قال: حتى أنني كنت إذا ربطت ساقية برباط قوي قبل النوبة امتنع ذلك أو جف والصبيان كثيرا ما يعتريهم الصرع، وذلك لتوفر رطوباتهم وضعف أدمغتهم ويسهل خروجهم منه، وذلك لتوفر حرارتهم وقوة قواهم الطبيعية، والزبد يحصل في الصرع لاضطرار حركة التنفس لا لاختناقه كما في السكتة، وعند ذلك ينفصل من الرئة ما كان قريب العهد بالانعقاد ويداخله الهواء المداخل لخلل الرئة ويشتبك أحدهما بالآخر بسبب الحركة فيصير المجموع زبدا على ما عرفت في ثانية هذا الكتاب. وأما الغليظ فسببه ضغط الصدر لآلات التنفس بسبب ضعف القوة المحركة له على الواجب لاختلاف المبدأ لأنه قد علم أن المحرك للتنفس قوة إرادية * طبيعية (1087) .
Unknown page