Sharh Fusul Abuqrat
شرح فصول أبقراط
Genres
البحث السادس:
* النسخ التي وقفنا عليها عند شرحنا لهذا الفصل على صورتين. أحدهما قال فيها «إلا أن احتمالهم لما يعرض من خطئهم أقل» فأتى فيها بلفظ الاستثناء. والأخرى قال فيها «لأن احتمالهم لما يعرض من خطئهم أقل» فأتى فيها بلغظ التعليل فقط. والحق عندي هو الأول. وذلك لأن ضرر الخطأ في الميل إلى تلطيف الغذاء في الحالتين (560) حاصل * على (561) ما * ذكرت (562) إلا أنه في الحالة الصحية دون ما هو الحالةة المرضية. ولذلك وصف ما يحصل منه في الحالة المرضية بالعظم. ولما كان الحال كذلك، كان ذكر الاستثناء واجب * فكانت (563) النسخ التي وجد فيها لفظ الاستثناء أصح من النسخ التي وجد فيها لفظ التعليل. وإنما قلنا إن ضرر ذلك في * الحال الصحية (564) دون ما هو في * الحالة (565) المرضية لأن الحاجة إلى قوة القوة في حال المرض أشد منها إلى ذلك في * حال (566) الصحة. وذلك لأنها في حال المرض مشغولة بأمرين. أحدهما تدبير البدن في إيراد بدل ما يتحلل منه والزيادة فيه بالنمو إن كان هناك نمو. وثانيهما دفع غائلة المرض ومقاومة مادته. وفي حال الصحة مشغولة بأمر واحد، وهو تدبير البدن فقط. ومراده بالاحتمال الحمل. فإن قيل «كان يجب على أبقراط * أن يقدم (567) في الذكر ضرر الحالة الصحية بذلك على ضرر الحالة المرضية به لأن الصحة أشرف من المرض». فنقول إنما فعل ذلك لثلاثة أوجه. أحدها أن معظم كلامه في هذه المقالة في تغذية المرضى. فكان تقديم * ذكر (568) * ضرره (569) بالحالة المرضية أولى من تقديم ذكر ذلك PageVW5P014A بالحالة الصحية. وثانيها أنه لما كان الضرر الحاصل منه في الحالة المرضية أعظم، استحق التقديم لعظمه. وثالثها أنه ذكر الحالة الصحية في ذلك على سبيل المثال على ما عرفته. والمثال فرع على الممثل عليه، فيكون الممثل عليه أصلا والأصل مقدم على الفرع. فيكون ضرره بالحالة المرضية أولى بالتقديم.
البحث السابع:
الذي لاح لنا من هذا الفصل ترجيح أحد التدبيرين على الآخر إذا تعارض الموجبان. وتحقيق ذلك * إذا (570) تعارض موجبا التلطيف والتغليظ في مرض أي إذا تساوت الحاجة في حالة ما إلى استعمال التدبير اللطيف من قبل المرض وإلى استعمال الغليظ من قبل القوة، فبأيهما يعمل؟ الذي وقع إشارة أبقراط به الميل إلى التغليظ. وهو الحق لأن التدبير اللطيف لا يزيد في المرض وتضعف القوة على ما علمت. والغليظ يقوى به أثر المرض وتقوى به القوة ما لم يثقلها بإفراط غلظه أو كقهرته، فإذن قد اشتركا في الخطر إما اللطيف فبما يضعف القوة، وإما الغليظ فبما يقوى به أثر المرض. إلا أن أقلهما خطرا ما تثبت به PageVW1P052A القوة. وهذا وإن اشتد معه تأثير المرض إلا أن القوة إذا أقويت، أمكن بعد فراغها من الغذاء وقوتها به أن تعود قوية على دفعه وقهرها إياه. وليس ذلك في إمكانها إذا ضعفت. هذا جميعه مع تساوي الحاجة إلى التدبيرين. أما إذا لم يحصل التساوي، فيحتمل أن يرجح أحدهما على الآخر. واعلم أن القدر الحاصل من غلظ التدبير ليس هو حاصل منه * كيف اتفق بل هو حاصل منه (571) بحسب نهوض القوة في الحالة المرضية وهو ما له فلظ يسير على ما اشترط أبقراط وذكرنا شرحه.
البحث الثامن
في قوله «ولهذا صار التدبير البالغ في اللطافة في أكثر الحالات أعظم خطرا من التدبير الذي هو أغلظ قليلا» هذا هو نتيجة ما تقدم من حكمه. وإنما قال «في أكثر الحالات» * احترازا (572) عن المرتبة الأولى من مراتب الأمراض الحادة على ما تقرر وعن من فيه من الأصحاء عضو ضعيف يحتاج بسبيه أن يلطف التدبير. وفيد قوله في الغليظ * لما (573) له غلظ يسير لما علمت. فإن ما له غلظ كثير غامر للقوة وللحرارة الغريزية.
البحث التاسع:
قال الرازي «قول * الإمام (574) أبقراط: التدبير البالغ في اللطافة ضار في حال الصحة لا يصح مطلقا. فإنا إذا فرضنا أن شخصا قد اعتاد التدبير اللطيف ثم استعمل الغليظ، فإنه يضره من وجهين. أحدهما من جهة مخالفته للعادة. والثاني أن قواه لا تقدر على هضمه وإحالته». قلنا: الجواب عن هذا من ثلاثة أوجه. أحدها أن هذا الشخص المعتاد لاستعمال مثل هذا التدبير ليس هو بصحيح البدن مطلقا. وإلا، كيف صلح له التدبير المذكور؟ فإن موافقته له تدل على ضعف بعض أعضائه المتولية لتدبير غذائه. ومثل هذا * لا (575) يقال له صحيح البدن> وثانيها أن مثل هذا الشخص يخرج عن كلام أبقراط بقوله «في أكثر الحالات». وكذلك المرتبة الأولى من مراتب الأمراض الحادة على ما عرفت. * وثالثه (576) ا أن الاستقراء الطبي شاهد بأن هذا الشخص إذا أعطى من الأغذية ما له غلظ يسير، فإن قوته تنتعش وتظهر لا الغليظ مطلقا على ما فرضه الرازي. وأبقراط لم يقل «الغليظ» مطلقا، بل قال الذي له غلظ يسير.
البحث العاشر:
لقائل أن يقول حكم الإمام أبقراط بأن احتمال الأصحاء للخطأ الواقع من تلطيف التدبير أقل فيه نظر. فإنه إن كان أقل من احتمال المرضى فهو خطأ لأن المرضى PageVW5P014B تضعف قواهم معه أكثر. وذلك لأنه يتعاون عليها مقاومة المرض ونقص مدد الأرواح الحاملة لها بلطافة التدبير. وإذا كان كذلك، فيكون احتمال المرضى للخطأ الحاصل من لطافة التدبير أقل من احتمال الأصحاء. والجواب عن هذا أن حكمه المذكور في حق الأصحاء ليس هو بالنسبة إلى المرضى، بل النسبة إلى حال الأصحاء عند استعمالهم التدبير البالغ في اللطافة. ويكون تقدير الكلام: إلا أن احتمال بعض الأصحاء للضرر الواقع من التدبير البالغ في اللطافة أقل من احتمال البعض الآخر منهم. والله أعلم.
Unknown page